العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في فقه الجنايات والحدود 2

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هذه المجموعة الثانية من سلسة الدروس الخاصة بفقه الجريمة والعقوبة في الإسلام بعنوان
"فقه الجنايات والحدود"
والتي استخلصتها من كتاب
(التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي)
لعبد القادر عودة
ومن مذكرات الدكتور يوسف الشبيلي
(فقه الحدود)
المنشورة على موقع فضيلته على الانترنت

وقد قمت بتخصيص المجموعة الأولى للحديث عن (فقه الجنايات)
وهذه الدروس سوف تخصص للجزء الثاني وهو (فقه الحدود) .

وكما سبق وذكرت في الجزء السابق فلن أخوض في دقائق المسائل ولا في الخلافات الفقهية، وإنما سأكتفي بأصول المسائل المتفق عليها بين أهل العلم قدر الإمكان.

أسال الله العلي العظيم أن تكون هذه الدروس واضحة وميسرة لمن يقرأها أو يطلع عليها.
وأن ينفع بها طلاب العلم والدارسين من أبناء المسلمين.

رابط الجزء الأول:
دروس في فقه الجنايات والحدود (1)
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

ثم على فرض تسليمه ، هل تعد المفترات من موجبات الحد المذكور؟
أعتذر أستاذي عن الإجابة ولعل أحد المشايخ الكرام يقوم بالرد على سؤالكم هذا
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

الفصل السابع



حد البغي


أولاً: تعريف البغي والفرق بينه وبين الحرابة :
البغي في اللغة : بمعنى الظلم والتعدي والاستطالة
والبغي في الاصطلاح الشرعي : الخروج عن طاعة من ثبتت إمامته وغالبته بالقوة .
والبغاة هم : الخارجون على الإمام بتأويل سائغ ولهم شوكة ولو لم يكن فيهم مطاع .
سموا بغاة لعدولهم عن الحق وما عليه أئمة المسلمين .
فإن اختل شرط من ذلك بأن لم يخرجوا على إمام ، أو خرجوا عليه بلا تأويل سائغ ، أو كانوا جميعا
يسيرا لا شوكة لهم ، فقطاع طريق لابغاة .
وبهذا يتضح الفرق بين البغاة والمحاربين ( قطاع الطريق ) : فكل منهما أي البغاة والمحاربون خارجون على الإمام ، إلا أن البغاة لهم تأويل سائغ ، وأما المحاربون فهم يخرجون بقصد الإفساد ولا تأويل لهم .
----------------------
ثانياً: الأدلة على مشروعية قتال البغاة :
الأصل في قتالهم : الكتاب والسنة والإجماع :
- أما الكتاب : فقوله تعالى: "فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون "
- وأما السنة : فأحاديث كثيرة منها :
1- قوله عليه الصلاة والسلام : " من أتاكم وأمركم جميعا على رجل واحد يريد عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه ". رواه أحمد ومسلم
2- وعن ابن عباس مرفوعا : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فميتته جاهلية " متفق عليه
- وأما الإجماع : فقد أجمع الصحابة على قتال البغاة ، وقاتل علي رضي الله عنه أهل النهروان فلم ينكره أحد .
---------------
ثالثاً: حكم تنصيب الإمام :
تنصيب الإمام فرض كفاية لحاجة الناس لذلك لحماية البيضة والذب عن الحوزة وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية : " قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الإجتماع القليل العارض في السفر وهو تنبيه على أنواع الإجتماع". انتهى.
وكل من ثبتت إمامته حرم الخروج عليه وقتاله أيًا كان طريقة تنصيبه :
1- سواء ثبتت بإجماع المسلمين عليه كإمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
2- أو بعهد الإمام الذي قبله إليه كعهد أبي بكر إلى عمر رضي الله عنهما .
3- أو باجتهاد أهل الحل والعقد لأن عمر جعل أمر الإمامة شورى بين ستة من الصحابة فوقع الإتفاق على عثمان رضي الله عنه .
4- أو بقهره للناس حتى أذعنوا له ودعوه إماما كعبد الملك بن مروان لما خرج على ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها ودعوه إماما لأن في الخروج على من ثبتت إمامته بالقهر شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وإذهاب أموالهم .
يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " . رواه الترمذي
قال أحمد : ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا .
----------------
رابعاً: شروط الإمام :


  1. كونه قرشيا لقوله صلى الله عليه وسلم : "الأئمة من قريش " متفق عليه
  2. بالغا
  3. عاقلا
  4. سميعا
  5. بصيرا
  6. ناطقا
  7. حرا
  8. ذكرا
  9. عدلا
  10. عالما
  11. ذا بصيرة
  12. كفئا
ويجب أن تتحقق فيه هذه الشروط ابتداء ودواما لاحتياجه إلى ذلك في أمره ونهيه وحربه وسياسته وإقامة الحدود ونحو ذلك.
ولأن العبد منقوص برقه مشغول بحقوق سيده وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض وغيره والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد الحديث محمول على نحو أمير سرية ، أو أنه إن تغلب بالقوة .
والمرأة ليست من أهل الولاية وفي الحديث : " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". رواه البخاري.

  • مسألة :
لا ينعزل الإمام بفسقه لما في ذلك من المفسدة بخلاف القاضي ولحديث: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان".
-----------------
خامساً: حكم البغاة :
أولاً: تلزم الإمام مراسلة البغاة ، وإزالة شبههم ، وما يدعون من المظالم ، فإذا ذكروا مظلمة أزالها ، وإن
ذكروا شبهة كشفها ، لأن ذلك وسيلة إلى الصلح المأمور به والرجوع إلى الحق ، ولأن عليا رضي الله عنه
راسل أهل البصرة يوم الجمل قبل الوقعة وأمر أصحابه أن لا يبدأوهم بقتال ، وقال إن هذا يوم من فلج فيه
فلج يوم القيامة .
وروى عبد الله بن شداد أن عليا رضي الله عنه لما اعتزله الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه
كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف
ثانيًا : فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم لقوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) ، ويجب على
رعيته معونته للآية ، ولأن الصحابة قاتلوا مانعي الزكاة ، وقاتل علي رضي الله عنه أهل البصرة يوم الجمل
وأهل الشام بصفين .
وإذا حضر من لم يقاتل لم يجز قتله لأن عليا رضي الله عنه قال : " إياكم وصاحب البرنس " يعني محمد بن طلحة السجاد وكان حضر طاعة لأبيه ولم يقاتل ، ولأن القصد كفهم وهذا قد كف نفسه قاله في الكافي .
ثالثًا :ويختلف قتال البغاة عن قتال المشركين في امور منها :
أنهم إذا تركوا القتال حرم قتلهم وقتل مدبرهم ، وجريحهم : لأن المقصود قتالهم لا قتلهم ، لقول
مروان صرخ صارخ لعلي يوم الجمل : " لا يقتلن مدبر ، ولا يذفف على جريح ، ولا يهتك ستر ، ومن
أغلق بابه فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن " .
وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا ابن أم عبد ما حكم من بغى على أمتي"
فقلت : الله ورسوله أعلم
فقال : "لا يقتل مدبرهم ولا يجاز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم ولا يقسم فيئهم.
وعن أبي أمامة : قال شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يطلبون موليا ولا يسلبون قتيلا ولأن
المقصود دفعهم فإذا حصل لم يجز قتلهم كالصائل .
ولا يغنم مالهم ولا تسبى ذراريهم : بلا خلاف بين أهل العلم ، لأن مالهم مال معصوم وذريتهم
معصومون .
ويجب رد ذلك إليهم : لأن أموالهم كأموال غيرهم من المسلمين وإنما أبيح قتالهم للرد إلى الطاعة وعن
علي أنه قال يوم الجمل : من عرف من ماله مع أحد فليأخذه فعرف بعضهم قدرا مع أصحاب علي وهو
يطبخ فيها فسأله إمهاله حتى ينطبخ فأبى وكبه وأخذها.
ولا يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه للبغاة حال الحرب : لأن
عليا لم يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب من نفس ومال.
وقال الزهري : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون وفيهم البدريون فأجمعوا أنه لا يقاد أحد ولا يأخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه .
وإن استولوا على بلد فأقاموا الحدود وأخذوا الزكاة والخراج والجزية احتسب به : لأن عليا رضي الله عنه لم يتبع ما فعله أهل البصرة ولم يطالبهم بشيء مما جباه البغاة ولأن ابن عمر وسلمة بن الأكوع كان يأتيهم ساعي نجدة الحروري فيدفعون إليه زكاﺗﻬم ولأن في ترك الاحتساب بذلك ضررا عظيما على الرعايا
، وهم في شهادﺗﻬم وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل لأن التأويل في الشرع لا يفسق به الذاهب إليه
أشبه المخطىء من الفقهاء في فرع فيقضي بشهادة عدولهم ولا ينقص حكم حاكمهم إلا ما خالف نص
كتاب أو سنة أو إجماعا.
ويغسل قتلاهم ويصلى عليهم : لأنهم مسلمون.
ومما سبق يتبين أن قتال البغاة يختلف عن بقية الحدود من حيث إنه لا يعد عقوبة بالمعنى المألوف للعقوبة التي توقع على الأفراد ، وإنما هو من باب دفع الصائل ، فيعمل الإمام على دفع شرهم بالأسهل فالأسهل ، فمتى اندفع شرهم بالموعظة لم يجز قتالهم .

 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

الفصل الثامن
حد الردة

أولاً: تعريف الردة :
الردة في اللغة : اسم من الارتداد ، تقول : رده ، يرده ، ردًا ، بمعنى الرجوع إلى الشيء .
والردة في الاصطلاح الشرعي : الرجوع من الإسلام إلى الكفر .
قال تعالى : " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "
والمرتد : من كفر بعد إسلامه.
-----------------
ثانياً: بيان حد الردة :
أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد ، إن لم يتب .
والأدلة على ذلك :
1- حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من بدل دينه فاقتلوه " رواه الجماعة إلا مسلما.
2- وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة". رواه الجماعة
3- وعن عائشة مرفوعًا : " لا يحل دم امرىء مسلم إلا من ثلاثة إلا من زنى بعدما أحصن أو كفر بعدما أسلم أو قتل نفس فقتل ﺑﻬا". رواه أحمد والنسائي
وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل خالد بن الوليد وغيرهم .
وقد أجمعت الأمة على وجوب قتل المرتد ، ولما ارتدت بعض قبائل العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أجمع الصحابة على قتالهم .


  • مسألة :
ذهب الحنفية إلى أن المرأة إذا ارتدت لا تقتل ، بل تجبر على الإسلام بالحبس والضرب ، أو تظل
محبوسة حتى تموت .
واستدل الأحناف بنهيه عليه الصلاة والسلام عن قتل النساء والصبيان ، رواه أهل السنن .
والصحيح ما عليه جمهور أهل العلم أن الرجل والمرأة سواء في ذلك :
- لعموم الأدلة المتقدمة
- وروى الدارقطني أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فبلغ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت .
- وأما استدلال الحنفية فلا يصح الاستدلال به هنا لأن النهي عن قتلهم في حال الغزو إذا لم يشاركوا ، وقد جاء في بعض طرق الحديث أنه عليه الصلاة والسلام في بعض مغازيه مر بامرأة مقتولة فنهى عن قتل النساء والصبيان .
----------------
ثالثاً : أسباب الردة :
قال أهل العلم : يحصل الكفر بأحد أربعة أمور
1- الأمر الأول : بالقول :
كسب الله تعالى أو رسوله أو ملائكته لأنه لا يسبه إلا وهو جاحد به ، أو ادعاء النبوة أو تصديق من ادعاها لأن ذلك تكذيب لله تعالى في قوله : " ولكن رسول الله وخاتم النبيين " ولحديث : "لا نبي بعدي ونحوه "
2- الأمر الثاني : بالفعل :
كالسجود للصنم كشمس وقمر وشجر وحجر وقبر لأنه إشراك بالله تعالى .
وكإلقاء المصحف في قاذورة ، أو ادعى اختلافه أو القدرة على مثله لأن ذلك تكذيب له .
ومن ذلك أيضًا السحر .
3- الأمر الثالث : وبالإعتقاد :
-كاعتقاده الشرك له تعالى أو الصاحبة أو الولد ، لقوله تعالى : " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله"
الآية ، ولقوله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " أو كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به اتفاقا أو جعل بينه وبين الله وسائط
يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعا" .
- أو اعتقد أن الزنى والخمر حلال أو أن الخبز حرام ونحو ذلك مما أجمع عليه إجماعا قطعيا لأن ذلك معاندة للإسلام وامتناع من قبول أحكامه ومخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة
- ومثل ذلك من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف .
الأمر الرابع : بالشك في شيء مما تقدم :
أي في تحريم الزنى والخمر أو في حل الخبز ونحوه ومثله لا يجهله لكونه نشأ بين المسلمين وإن كان يجهله مثله لحداثة عهده بالإسلام أو الإفاقة من جنون ونحوه لم يكفر وعرف حكمه ودليله فإن أصر عليه كفر لأن أدلة هذه الأمور ظاهرة من كتاب الله وسنة رسوله ولايصدر إنكارها إلا من مكذب لكتاب الله وسنة رسوله .
---------------
رابعاً : استتابة المرتد :
من ارتد وهو مكلف مختار استتيب ثلاثة أيام وجوبا ، عند جمهور أهل العلم ، لما روى مالك والشافعي "أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى :
فقال له عمر : " هل كان من مغربة خبر "
قال : نعم رجل كفر بعد إسلامه
فقال : ما فعلتم به
قال: قربناه فضربنا عنقه
قال عمر : فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذا بلغني .
فلولا وجوب الاستابة لما برىء من فعلهم ، وأحاديث الأمر بقتله تحمل على ذلك جمعا بين الأخبار .
فإن تاب فلا شيء عليه ولا يحبط عمله لما يلي :
- لقوله تعالى : " والذين لا يدعون مع الله إله آخر إلى قوله إلا من تاب الآية ،
- ولمفهوم قوله تعالى : " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم "
- وعن أنس مرفوعا : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" متفق عليه
- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين حين أظهروا الإسلام
وإن أصر قتل بالسيف لما تقدم ، ولحديث : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة"
وحديث : "من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله يعني النار " رواه البخاري وأبو داود
ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه لأنه قتل لحق الله تعالى فكان إلى الإمام كرجم الزاني المحصن فإن قتله غيرهما أساء وعزر لافتئاته على ولي الأمر ولا ضمان بقتل مرتد ، ولو كان قبل استتابته لأنه مهدر الدم بالردة في الجملة ، ولا يلزم من تحريم القتل الضمان بدليل نساء الحرب وذريتهم .
----------------
خامساً: حكم إسلام المميز وردته :
يصح إسلام المميز ذكرا أو أنثى إذا عقله ، لأن عليا رضي الله عنه أسلم وهو ابن ثماني سنين رواه البخاري في تاريخه فصح إسلامه وثبت إيمانه وعد بذلك سابقا ، وروى عنه قوله : (سبقتكم إلى الإسلام طرا صبيا ما بلغت أوان حلمي).
وتصح كذلك ردته : لأن من صح إسلامه صحت ردته كسائر الناس لكن لا يقتل حتى يستتاب بعد بلوغه
ثلاثة أيام لأن بلوغه أول زمن صار فيه لحديث : " رفع القلم عن ثلاثة – الحديث " .
-----------------
سادساً: في كيفية توبة المرتد :
توبة المرتد وكل كافر بأمرين :
1. الأول : إتيانه بالشهادتين ،
- لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكنيسة فإذا هو بيهودي يقرأ عليهم التوراة فقرأ حتى إذا أتى على صفة النبي صلىالله عليه وسلم وأمته فقال : " هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله " فقال صلى الله عليه وسلم : "آووا أخاكم " رواه أحمد
- وعن أنس أن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أشهد أنك رسول الله ثم مات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم احتج به أحمد.
2. والثاني : رجوعه عما كفر به لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقد فلا بد من إيتائه بما يدل على رجوعه عنه.


  • مسائل في كيفية توبة المرتد:
المسألة الأولى : لا يغني قوله محمد رسول الله عن كلمة التوحيد فلا يحكم بإسلامه حتى يوحد الله ويقر بما كان يجحده .
المسألة الثانية : لو قال الكافر أو المرتد : "أنا مسلم " فهل تعد توبة ؟
ذهب الجمهور إلى أنه يعد توبة لما يلي :
لأنه يتضمن الشهادتين
• وعن المقداد أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال لا تقتله فإنه بمترلتك قبل أن تقتله وإنك بمترلته قبل أن يقول كلمته التي قالها . رواه مسلم
• وعن عمران بن حصين قال : "أصاب المسلمون رجلا من بني عقيل فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إني مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت قلت وأنت تملك التابعين أفلحت كل الفلاح" رواه مسلم
- وقال في المغنى : " يحتمل أن هذا في الكافر الأصلي أي من جحد الوحدانية وأما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحو هذا فلا يصير مسلما بذلك ، لأنه ربما اعتقدأن الإسلام ما هو ما عليه فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر " ، وهذا القول هو الصحيح والله أعلم .
----------------
سابعاً: المرتدون الذين لاتقبل توبتهم في الظاهر :
ذهب الجمهور إلى أنه لاتقبل في الظاهر توبة كل من :
1- الزنديق :
وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر .
والدليل على ذلك قوله تعالى : " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " ، قالوا : والزنديق لا يعلم تبين رجوعه وتوبته لأنه لايظهر منه التوبة خلاف ما كان عليه من قبل ، فإنه كان ينفي الكفر عن نفسه قبل ذلك وقلبه لا يطلع عليه .
2- من تكررت ردته :
- لقوله تعالى : " إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا "
- ولقوله : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم "
- ولأن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام .
3- من سب الله تعالى أو رسوله :
لعظيم ذنبه جدا فيدل على فساد عقيدته .
قال أحمد : لا تقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذا من قذف نبيا أو أمه لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر .
والصحيح في المسائل الثلاثة المتقدمة :
أنه تقبل توبة كل من تاب توبة نصوحًا من كل ذنب ، لعموم قوله تعالى : " قل ياعبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا " ، ولقوله سبحانه في نفس المنافقين : " إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين" .
ويستثنى من ذلك من سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تقبل توبته فيما بينه وبين الله إن كان صادقًا ، أما في الظاهر فإنه يقتل بكل حال ، ولو أظهر التوبة ، لأن السب حق للنبي صلى الله عليه وسلم فهو حق لآدمي لم نعلم أنه عفا عنه ،فوجب الأخذ به ، بخلاف من سب الله ثم تاب فإنه لايقتل لأن سب الله حق لله وقد علمنا عفوه سبحانه عن حقه لمن تاب إليه .
************************
*****************
*********
تمت بحمد الله المجموعة الثانية من دروس
(فقه الجنايات والحدود 2)
والتي خصصت - لفقه الحدود -
وتليها المجموعة الثالثة والأخيرة في فقه التعازير


أسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم
وأن ينفع بهذه الدروس من يقرأها أو يطلع عليها من طلاب العلم والدارسين
إنه ولي ذلك والقادر عليه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 

د. خلود العتيبي

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
27 يونيو 2009
المشاركات
1,052
التخصص
أصول فقه
المدينة
... ... ...
المذهب الفقهي
... ... ...
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

بارك الله فيك, وجزاك خير الجزاء
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

وفيك بارك الرحمن أخيتي
ولكن لا زلت مترددة بين أن أجعل التعازير في مجموعة مستقلة أم أجمعها مع فقه الحدود للترابط بينهما
ولكي نجمعهما في مذكرة واحدة.
ما رأيكم ؟؟
 
إنضم
16 أغسطس 2011
المشاركات
25
الكنية
أبو علاء
التخصص
الفقه والاصول
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
مذهب السلف
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

جميل رائععععععععع
 

وفاء سمير عفيفي

:: متابع ::
إنضم
18 أكتوبر 2011
المشاركات
2
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
الرمثا
المذهب الفقهي
الراجح من المذاهب
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

بارك الله فيكم
 

محمود علي طيبة

:: متابع ::
إنضم
31 ديسمبر 2011
المشاركات
15
الكنية
ابو علي
التخصص
علمي
المدينة
اللاذقية
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

المسألة الثانية : لو قال الكافر أو المرتد : "أنا مسلم " فهل تعد توبة ؟
ذهب الجمهور إلى أنه يعد توبة
المعروف ان الجمهور يشترطون في المرتد ان يتبرأ من الناقض ولا يكتفون بالشهادتين
 
أعلى