العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الرد المفحم على أحمد بن قاسم الغامدي وكشف الشبهات التي أوردها

خالد بن سالم باوزير

:: غفر الله له ولوالديه ::
إنضم
13 أغسطس 2008
المشاركات
646
الجنس
ذكر
الكنية
أبـو مـعـاذ
التخصص
الفقه
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
شرح حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه في مس الأجنبية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهذا شرح لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه في مس المرأة الأجنبية وقد تضمن هذا الشرح الرد على الشبهات التي أثارها رئيس فرع هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمكة: أحمد قاسم الغامدي في شأن مصافحة المرأة الأجنبية وإردافها, للشيخ جلال بن علي السلمي- وفقه الله -.
شرح الحديث:
عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن تمسه امرأة لا تحل له »، وفي رواية: «يمس امرأة»، بدل: «تمسه امرأة».
- وقبل البحث في دلالة هذا الخبر لابد من البحث في ثبوته لأن القاعدة في الأصول:
(أن الدلالة فرع الثبوت).
البحث في ثبوت الخبر:
هذا الخبر أخرجه بلفظه الأول الروياني - رحمه الله - في مسنده (٢٠/٢١٩ح١٢٨٣) قال: نا نصر بن علي، نا أبي، نا شداد بن سعيد، عن أبي العلاء، قال: حدثني معقل بن يسار رضي الله عنه به.
*(دراسة السند):
- قال: "نا نصر بن علي"، قلت: هو نصر بن علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي، أبو عمرو البصري الصغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وثقه أبو حاتم، والنسائي، وابن خراش.
- قال: "نا أبي"، قلت: هو علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي، أبو الحسن البصري الصغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وثقه أبو حاتم، والنسائي، وصالح بن محمد جزرة.
- قال: "نا شداد بن سعيد"، قلت: هو شداد بن سعيد أبو طلحة الراسبي البصري، أخرجه له مسلم حديثا واحدا، وأبو داود في فضائل الأنصار، والترمذي، والنسائي، وثقه أحمد، وابن معين، والنسائي، وأبو خيثمة، وقال البخاري ضعفه عبد الصمد بن عبد الوارث، وقال ابن عدي ليس له كثير حديث، ولم أر له حديثا منكرا، وأرجو أنه لا بأس به، وقال الحافظ في التقريب صدوق يخطئ.
- قال: "عن أبي العلاء"، قلت: هو يزيد بن الشخير العامري البصري، أخرجه له أصحاب الكتب الستة، وثقه النسائي، والعجلي، وابن سعد، وزاد الأخير: "له أحاديث صالحة".
-قال" "عن معقل بن يسار-رضي الله عنه-"، قلت: هو معقل بن يسار بن عبد الله، أبو علي البصري، صحابي حديبي.
*(الحكم على الخبر بهذا الإسناد):
هذا خبر ثابت- أي صحيح-، رجاله ثقات وإسناده متصل، وقد أعل بأن في إسناده شداد بن سعيد، وقد جاء عن البخاري أن عبد الصمد بن عبد الوارث ضعفه، وأجيب عن هذا من وجهين:
١- أن عبد الصمد بن عبد الوارث لا يعرف بالجرح والتعديل، وقد يظن إشارة الذهبي إلى ذلك في الكاشف بقوله: وثقه أحمد وغيره، وضعفه من لا يعرف.
٢- أن جرحه ليس بمفسر، وقد عارضه توثيق جمع من الأئمة كما تقدم، والقاعدة في الأصول في مبحث السنة: (أن الجرح غير المفسر غير قادح في راوي الخبر)، وذلك لاحتمال أن يعتقد ما ليس جرحا جرحا...إلخ، والقاعدة في الأصول في مبحث التعادل والترجيح: (أن التعديل مقدم على الجرح غير المفسر)، ولا يشكل على هذا قول ابن حجر - رحمه الله -: "صدوق يخطئ"، لأنه لم يذكر مستنده في هذا التفسير، والذي يظهر لي أنه أخذه من جرح عبد الصمد غير المفسر.
قال أبو عبد الله- غفر الله له -: التعويل في رد هذا الإعلال على الوجه الثاني.
وأما اللفظ الأخر فقد أخرجه الطبراني -رحمه الله- في المعجم الكبير (٢٠/٢١٢ح٤٨٧) قال: حدثنا عبدان بن أحمد، ثنا نصر بن علي به بالإسناد المتقدم.
*(دراسة السند):
قال: حدثنا عبدان بن أحمد، قلت: هو الحافظ عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي (عبدان)، وثقه الخطيب، والسمعاني وابن عساكر، والذهبي.
وتقدم الكلام على بقية رجاله.
*(الحكم على الخبر بهذا الإسناد):
هذا خبر ثابت - أي صحيح -، رجاله ثقات، وإسناده متصل، وقد أعل بما سبق، وقد تقدم الجواب عن ذلك.
وأخرجه أيضا الطبراني في المعجم الكبير (٢٠/٢١١ ح٤٨٦)، قال-رحمه الله-: حدثنا موسى بن هارون، ثنا إسحاق بن راهويه، أنا النضر بن شميل، ثنا شداد بن سعيد به بالإسناد المتقدم.
*(دراسة السند):
- قال: "حدثنا موسى بن هارون"، قلت: هو موسى بن هارون بن عبد الله البغدادي الحمال، قال الحاكم عن الدارقطني: ثقة إمام، وقال الخطيب: كان ثقة عالما حافظا.
- قال: "ثنا إسحاق بن راهويه"، قلت: هو الإمام عالم خراسان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه، أخرج له أصحاب الكتب الستة عدا ابن ماجه، وثقه أحمد، والنسائي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وجمع.
- قال: "أنا النضر بن شميل"، قلت: هو النضر بن شميل المازني، أبو الحسن النحوي البصري، أخرجه له أصحاب الكتب الستة، وثقه ابن معين، والنسائي، وأبو حاتم.
وتقدم الكلام عن بقية رجاله.
*(الحكم على الخبر بهذا الإسناد):
هذا خبر ثابت - أي صحيح-، رجاله ثقات، وإسناده متصل، وقد أعل بما سبق، وتقدم الجواب عن ذلك.
إذا تقرر ثبوت الخبر، وتقرر أن القاعدة في الأصول: (أن الحديث الثابت حجة في إثبات الأحكام الشرعية)، فهذا أوان البحث في دلالته، وفقهه.
* البحث في دلالة الخبر وفقهه:
- دل هذا الخبر على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، ومأخذ الحكم من الخبر من قوله: (لأن يطعن في رأس رجل.... خير له من...)، وهذا ضرب من الوعيد على الفعل، والقاعدة في الأصول: (أن ترتيب الوعيد على الفعل يدل على التحريم)، قلت: بل هو نص فيه، وليس بظاهر، بمعنى أنه لا يحتمل صرف دلالته إلى الكراهة، وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء في الجملة، بل حكي اتفاقا، وقد وقفت في الأمس القريب على مقالٍ صحفيٍ لأحدهم يقرر إباحة ذلك، وللأسف أن الكاتب أحد منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!، وقد استدل على الإباحة بأربعة أدلة، إليك بيانها، والإجابة عنها:
١- الأصل في الأشياء الإباحة، وهو ما يسمى عند الأصوليين بالاستصحاب.
ويجاب عنه: أنه قد ورد الناقل وهو حديث معقل بن يسار رضي الله عنه المتقدم، والقاعدة في الأصول: (أن عدم ورود الناقل شرط لحجية الاستصحاب).
٢- حديث أم عطية في البخاري في بيعة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها، وقالت: أسعدتني فلانة...إلخ.
قال هداه الله: يدل على مشروعية مصافحة النساء، وزعم أنه الظاهر من اللفظ.
ويجاب عنه: أنه لم يرد في الحديث أنها قبضت يد النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه أنها قبضت يدها، فظاهر الحديث لا يقتضي حصول المصافحة كما زعم، ويؤيد هذا حديث عائشة في الصحيحين بلفظ: (ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبيعهن إلا بقوله: «قد بايعتك على ذلك»)، ويحتمل أن المبايعة كانت بمد اليد من غير مس، والقاعدة في الأصول: ( أن الاحتمال المساوي يسقط الاستدلال).
٣- حديث أنس رضي الله عنه: (إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت).
قال في تقرير الاستدلال : أخرجه البخاري تعليقا وإسناده صحيح، وليس بين الأمة والحرة فرق في ذلك، ففيه جواز المصافحة.
يجاب عنه: أن المعلق ما سقط بعض راوته من جهة صاحب الكتاب، وهو نوع من أنواع المنقطع، والقاعدة في الأصول: (أن الحديث المنقطع ليس بحجة في إثبات الأحكام)، وقد جاء مسندا عند ابن ماجه، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف سيء الحفظ، ضعفه أحمد، وابن معين، والنسائي وأبو حاتم، وأبو زرعة، والقاعدة في الأصول: (أن سوء حفظ الراوي سبب في رد خبره)، هذا من جهة الثبوت، أما من جهة الدلالة فليس في الحديث أن هذه الأمة كانت امرأة بالغة، فيحتمل أن تكون صغيرة، فالأمة هي المملوكة خلاف الحرة سواء كانت بالغة أم غير بالغة، والقاعدة في الأصول: (أنه إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال)، فإن قيل: لماذا لا يكون الحديث عاما؟ الجواب: أن هذا الحديث حكاية فعل والقاعدة في الأصول: (أن الفعل لا عموم له).
٤-حديث فاطمة بنت عتبة الذي أخرجه الحاكم في المستدرك، وفيه: أن هند بنت عتبة لم تبايع على عدم السرقة فكفت يدها، و كف النبي صلى الله عليه وسلم يده....إلخ.
ذكر أنه يدل على جواز المصافحة.ويجاب عنه: أن هذا الحديث ضعيف في إسناده إسماعيل بن أويس كان مغفلا سيء الحفظ، ضعفه أحمد، وابن معين والنسائي، وفيه محمد بن عجلان متكلم فيه، والقاعدة في الأصول: (أن سوء حفظ الراوي يقتضي رد خبره، وعدم الاحتجاج به)، هذا من جهة الثبوت، أما من جهة الدلالة فليس بصريح في المصافحة، فيحتمل أن المبايعة بمد اليد من غير مس، والقاعدة في الأصول: (إذا وجد الاحتمال - أي المساوي - سقط الاستدلال)، بل جاء ما يقوي هذا الاحتمال، وهو حديث عائشة السابق (ما مست يده يد امرأة...)، والعجيب أن كاتب المقال ذكر تصحيح الحاكم، وسكوت الذهبي، وتحسين الألباني، وهذا من تدليسه حيث ظهر من مقاله أنه لا يأخذ بتصحيح هؤلاء، بل يحكم بنفسه على الأحاديث، ومع ذلك ذكرهم، ولا أظن الحديث يصح على مذهبه.
- ظاهر هذا الحديث تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولو كانت مع أمن الفتنة خلافا لبعض المعاصرين ، مأخذ التحريم تقدم تقريره، وأما مأخذ كون التحريم صادقا على حال أمن الفتنة فمن قوله«يمس»، فهذا فعل، والأفعال نكرات، والقاعدة في الأصول: ( أن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق)، و بناء على ذلك فيصدق على أي مس سواء كان مع أمن الفتنة أو عدمه.
- ظاهر هذا الحديث تحريم مصافحة المرأة الأجنبية الشابة ولو كانت غير مشتهاة خلافا لجماعة (فهم من كلام بعض الحنفية، والحنابلة)، مأخذ التحريم تقدم تقريره، وأما مأخذ كون التحريم صادقا على غير المشتهاة فمن قوله: «امرأة»: فهذه نكرة في سياق الإثبات، والقاعدة في الأصول: (أن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق)، والقاعدة في الأصول: (يجب العمل بالمطلق على إطلاقه)، ولا أعرف للذين قالوا باستثناء غير المشتهاة دليلا لتقييد هذا الإطلاق إلا المعنى، حيث قالوا المعنى الذي من أجله منع من مس المرأة حصول الفتنة، وهذا المعنى غير متحقق في غير المشتهاة، ويجاب عن هذا: أن القاعدة في الأصول: (وجوب تقديم النص على الرأي)، والقاعدة في الأصول: (لا يجوز تقيد المطلق بالمعنى)، ثم لا يسلم بانتفاء تحقق المعنى في غير المشتهاة، فإن لكل ساقطة لاقطة .
- وظاهر هذا الحديث تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولو كانت عجوزا خلافا للحنفية والحنابلة (المبسوط للسرخسي الحنفي، وكشاف القناع للبهوتي الحنبلي)، ومأخذ التحريم تقدم تقريره، ومأخذ كون التحريم صادقا على العجوز فمن قوله امرأة، وتقريره على الوجه الذي سبق في الشابة غير المشتهاة، ودليل المخالفين في المسألة المعنى، وتقريره على الوجه الذي سبق في الشابة غير المشتهاة، والرد عليه نظير ما سبق،
*وفي المبسوط للسرخسي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله في البيعة.
قلت : ويجاب عنه: أنه لا يعرف حديثا.
وفيه أيضا: أن أبا بكر رضي الله عنه كان يفعله.
قلت: ويجاب عنه: أنه لم يوقف عليه.
- وظاهر هذا الحديث تحريم مس أي عضو من المرأة الأجنية، سواء كان يدا أو غيرها، ومأخذ التحريم تقدم تقريره، وأما مأخذ كون التحريم صادقا على مس أي عضو من المرأة الأجنبية فمن قوله: «امرأة» فهذه نكرة، والقاعدة في الأصول: (أن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق)، و بناء على ذلك فيصدق على مس أي عضو منها.
- وظاهر هذا الحديث تحريم أي مس للمرأة الأجنبية، سواء كان باليد ، أو الرأس ، أو الرجل ونحوها، ومأخذ التحريم تقدم تقريره، وأما مأخذ كون التحريم صادقا على أي مس فمن قوله«يمس»، فهذا فعل، والأفعال نكرات، والقاعدة في الأصول: ( أن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق)، و بناء على ذلك فيصدق على أي مس منه.
- ولا يفهم مما سبق أن الحكم خاص بالرجال، بل النساء والرجال في ذلك سواء، لأن فعل المرأة بمس الرجل، وتمكينه من ذلك تعاون على الإثم، وفي الكتاب قال تعالى: [ولا تعانوا على الإثم والعدوان]، وقوله سبحانه: [الإثم]: يشمل إثم مس المرأة، لأن القاعدة في الأصول: (أن الألف واللام تفيد العموم)، وقوله عز وجل: [لا تعاونوا]: نهي والقاعدة في الأصول: (أن النهي المطلق للتحريم)، والنساء يدخلن في هذا الخطاب على الصحيح من أقوال الأصوليين، فالقاعدة في الأصول: (أن ما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء).
- يظهر لنا من خلال ما سبق أنه لا يجوز للرجل أن يمكن المرأة الأجنبية من فلي رأسه، لأنه يصدق على هذا الفعل أنه مس لمرأة أجنبية، فيكون فاعله متوعدا بالوعيد الوارد في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، ولا يجوز للمرأة فعل ذلك به، لأنه تعاون على الإثم.
* وقد زعم كاتب المقال الصحفي أنه يجوز ذلك، واستدل على ذلك بدليلين إليك بيانها، والجواب عن هذا الزعم الباطل:
1- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه - وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت - فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر.... »إلخ.
قال: في الحديث جواز فلي المرأة للرجل الأجنبي.
قلت : وقد أجيب عنه بأجوبة:
أ- أنها كانت من محارمه.
- قال أبو عمر ابن عبد البر - رحمه الله - في التمهيد: "وأظنها أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أم سليم أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصلت أم حرام خالة له من الرضاعة فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها وكذلك كان ينام عند أم سليم وتنال منه ما يجوز لذي المحرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت من رسول الله لمحرم فلذلك كان منها ما ذكر في هذا الحديث والله أعلم".
ثم قال - رحمه الله -: "وقد أخبرنا غير واحد من شيوخنا عن أبي محمد الباجي عبد الله بن محمد بن علي أن محمد بن فطيس أخبره عن يحيى بن إبراهيم بن مزين قال إنما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي أم حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار، وقال يونس بن عبد الأعلى قال لنا ابن وهب أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلهذا كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه".
- ثم قال - رحمه الله - : " أي ذلك كان فأم حرام محرم من رسول الله صلى الله عليه و سلم والدليل على ذلك: ما حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا على ابن حجر قال أخبرنا هشيم عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم، وروى عمر بن الخطاب عن النبي عليه السلام قال: لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم»....".
وقد نوقش هذا الجواب بـ: أنه لا دليل على المحرمية، وما ذكره ابن عبد البر من النقل لا يصلح أن يكون دليلا، والنصوص الثابتة في تحريم الخلوة بالمرأة إلا إذا كانت محرما لا يلزم منها ثبوت المحرمية بخلوته صلى الله عليه وسلم.
- وقال الدمياطي - رحمه الله - : " ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب، وكل من أثبت لها خؤلة تقتضي محرمية ، لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور، فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى، وهذه خؤلة لا تثبت بها محرمية؛ لأنها خؤلة مجازية، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص هذا خالي؛ لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمه آمنة وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاعة، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على حد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فقيل له فقال أرحمها قتل أخوها معي يعني حرام بن ملحان وكان قد قتل يوم بئر معونة" من فتح الباري لابن حجر.
إذا تقرر ذلك؛ فهذا وجه ضعيف لا ينبغي التعويل عليه في الجواب.
ب-أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الفعل منه وهو تمكين المرأة الأجنبية من مسه يدل على الجواز في حقه، فالقاعدة في الأصول: (أن فعله غير التعبدي يفيد الجواز في حقه)، لأنه لا يفعل الحرام ولو فعله فإنه لا يقر عليه، والقاعدة في الأصول: (أن ما ثبت في حقه صلى الله عليه وسلم يثبت حق أمته مالم يرد دليل بالخصوصية)، للأدلة الدالة على مشروعية اتباعه والتأسي به، قلت: وقد دل الدليل على اختصاص الحكم به وهو حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، إذ دل على التحريم من جهة ترتيب الوعيد كما تقدم، وهو من باب الخبر لا الإنشاء، والقول بأن حديث أنس يدل على الجواز في حق سائر الأمة يقتضي نسخ حديث معقل رضي اله عنه، والقاعدة في الأصول: (أنه لا يجوز نسخ الأخبار)، لأنه يلزم من نسخها وقوع الخلف في خبر الشارع وهو ممنوع، ولا يمكن حمله على الكراهة لأنه تقدم أنه يدل على التحريم نصا فلا يجوز صرفه إلى الكراهة، فتعين حمله على الخصوصية أو القول بنسخه، وكذلك يقال في حق المرأة، فالنبي أقر أم حرام على هذا الفعل ، والقاعدة في الأصول: (أن إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم- يدل على الجواز)، والقاعدة في الأصول: (أن ما ثبت في حق بعض الأمة يثبت في حق جميعها ما لم يقم دليل على خلاف ذلك)، وقد قام الدليل على عدم التعدية لسائر الأمة وهو ما تقدم، إذا تقرر ذلك فلا يصح الاستدلال به على جواز تمكين الرجل المرأة الأجنبية من فليه، وجواز ذلك لها.
2-حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء ، فقال: « أحججت ؟ » ، قلن: نعم، قال: « بم أهللت ؟ » قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « أحسنت، انطلق، فطف بالبيت، وبالصفا والمروة » ، ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس، ففلت رأسي...".
قال فيما معنى كلامه: أنه يدل على جواز فلي المرأة الأجنبية، وأنه ليس بخاص بالنبي صلى اله عليه وسلم.
يجاب عنه من وجوه:
أ- أنه ليس في الحديث أن هذه المرأة كانت أجنبية فيحتمل أن تكون من محارمه، والقاعدة في الأصول: (أن الاحتمال - أي المساوي - يسقط الاستدلال)،
- قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "وقوله: (ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي) هذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرماً له".
- وقال ابن حجر- رحمه الله - في الفتح: "قوله (فأتيت امرأة من قومي)، وفي رواية شعبة: (امرأة من قيس)، والمتبادر إلى الذهن من هذا الإطلاق أنها من قيس عيلان، وليس بينهم وبين الأشعريين نسبة، لكن في رواية أيوب بن عائذ امرأة من نساء بني قيس، وظهر لي من ذلك أن المراد بقيس: قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري، وأن المرأة زوج بعض أخوته وكان لأبي موسى من الأخوة: أبو رهم ، وأبو بردة، قيل ومحمد".
قال أبو عبد الله - عفا الله عنه -: لا دليل على أنها زوجة أحد إخوته، ولم يبين - رحمه الله - مستند الظهور، والاحتمال الذي ذكرته باقٍ على حاله، فرواية من قومي- عند الشيخين - أي الأشعريين، ورواية من قيس- عند البخاري - أي والده، ورواية من نساء بني قيس- عند البخاري -أي من محارمه، لا كما زعم الحافظ بدليل ما قد جاء عند مسلم بلفظ امرأة من بني قيس.
ب- على فرض أن ذلك كان من امرأة أجنبية منه، فلا دليل على جواز ذلك؛ لاحتمال عدم حصوله بمحضره صلى الله عليه وسلم، وعدم علمه بذلك، ومن ثم لا يكون إقرارا مفيدا للجواز، فالقاعدة في الأصول- على الصحيح -: (أن وقوع الفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقم دليل على حصوله بمحضره، أو بلوغه له وإقراره، لا يدل على جواز ذلك الفعل)
"انظر في ذلك: شرح اللمع (1/ 562)، تقريب الأصول ص281، مفتاح الأصول ص591" .
قال أبو عبد الله - عفا الله عنه-: "من أقوى الأدلة الدالة على عدم حجية الفعل الواقع في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يقم دليل على علمه به: ما أخرجه مسلم في صحيحه، قال - رحمه الله -: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يزيد بن زريع، عن أيوب، عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إمارة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وصدرا من خلافة معاوية، حتى بلغه في آخر خلافة معاوية، أن رافع بن خديج، يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، وأنا معه، فسأله، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع، فتركها ابن عمر بعد.
- وقد يستدل بهذا الحديث على إباحة مصافحة الرجل لمحارمه، ومأخذ الحكم من الحديث من قوله: لا تحل له، فمفهوم المخالفة مفهوم الصفة أنها إن كانت من محارمه فإنه لا يحرم عليه ذلك، والقاعدة في الأصول: (أن مفهوم المخالفة الوصفي حجة في إثبات الأحكام)، وعندي أن هذا الاستدلال لا يصح، وأن مفهوم المخالفة بجميع أنواعه ليس بحجة، ويستدل على إباحة مصافحة الرجل لمحارمه بالأصل الذي هو الإباحة، وهو ما يسمى بالاستصحاب عند الأصوليين، والقاعدة في الأصول: (أن الاستصحاب حجة في إثبات الأحكام)، ولم يرد دليل يقتضي الخروج عن هذا الأصل بالنسبة للمحرم، والقول بالإباحة مذهب الجمهور وحكي اتفاقا، وذهب الشافعية في قول والحنابلة في غير الآباء مع الأبناء إلى تحريم ذلك، وفي شرح المنتهى: "وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ ، وَشَدَّدَ حَتَّى لِمَحْرَمٍ غَيْرِ أَبٍ".
- استدل بعض الأشياخ المعاصرين بالحديث على تحريم المصافحة ولو كانت من وراء حائل، ومأخذه في التحريم تقدم تقريره، وأما مأخذ كونه صادقا على هذه الصورة فمن قوله: يمس، قال وهذا مس، قلت: هذا الاستدلال فيه نظر فالمس في اللغة لا يصدق على هذه الصورة، والعجيب أنه قرر هذا في مسألة مس الذكر، ومسألة مس المرأة، وأن الناقض من ذلك ما كان من غير حائل، والباب واحد، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى إباحة المصافحة من وراء حائل، (فهم من بعض كلام الشافعية انظر تحفة المحتاج)، ونص الإمام أحمد -رحمه الله- على المنع من ذلك؛ ففي الآداب الشرعية لا بن مفلح: "قَالَ مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن مِهْرَانَ : سُئِلَ أبو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يُصَافِحُ الْمَرْأَةَ قَالَ: لَا، وَشَدَّدَ فِيهِ جِدًّا قُلْت: فَيُصَافِحهَا بِثَوْبِهِ قَالَ: لا.
*واستدل من قال بالإباحة بما أخرج الطبراني في المعجم الأوسط، قال - رحمه الله- حدثنا إبراهيم قال : نا محمد بن مرزوق قال: نا عتاب بن حرب أبو بشر المزني، أنا المضاء الخزاز، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن معقل بن يسار، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح النساء من تحت الثوب، وجه الاستدلال: أن هذا فعل منه صلى الله عليه وسلم، والقاعدة في الأصول: (أن فعله صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز)، ويجاب عن الاستدلال بهذا الخبر بأنه حديث ضعيف، في إسناده عتاب بن حرب قال البخاري: سمع منه عمرو بن علي وضعفه، والمضاء بن الخزاز مجهول، و القاعدة في الأصول: (أن الحديث الضعيف ليس بحجة في إثبات الأحكام).
* والصحيح عدم جواز ذلك، فقد في جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش ...»
والبطش في اللغة التناول باليد سواء كان ذلك من وراء حائل أم لا، ولا يصح تقييد التحريم بما إذا كان بشهوة، لأن قوله في الحديث"البطش" عام يشمل ما إذا كان بشهوة أو بغيرها، فالقاعدة في الأصول: (أن المفرد المحلى بأل الاستغراقية يفيد العموم).
انتهى شرح الحديث، والله تعالى أعلم.

_______________________________

*حكم إرداف الرجل للمرأة الأجنبية"وله نوع علاقة بماسبق":
إرداف الرجل المرأة الأجنبية إذا لم يكن بينهما حاجز يمنع الالتصاق من خشب ونحوه محرم، لما تقدم من حديث معقل بن يسار وأبي هريرة رضي الله عنها، وجاء في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت : "تزوجني الزبير ، وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح وغير فرسه ، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار ، فدعاني ثم قال: «إخ إخ» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه.
وقد استدل به صاحب المقال الصحفي على جواز إرداف الرجل للمرأة الأجنبية، والعجيب أنه أطلق فلم يقيده بما إذا خلى عن التصاق، وقد سبقه إلى ذلك النووي حيث قال في شرح مسلم: "وفيه جواز إرداف المرأة التي ليست محرما إذا وجدت في طريق قد أعيت لاسيما مع جماعة رجال صالحين ولا شك في جواز مثل هذا"، ويقال في تقرير الاستدلال بالحديث على الحكم أن مأخذه من قولها: (فدعاني ثم قال : « إخ إخ» ليحملني خلفه)، فهذا فعل منه صلى الله عليه وسلم، والقاعدة في الأصول: ( أن فعله صلى الله عليه وسلم للجواز).
وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث بما يلي:
1-أنه خاص به- صلى الله عليه وسلم -، قال القاضي عياض - رحمه الله - في إكمال المعلم: "وأما إردافه لها خلفه وليست بذي محرم منه، فهذا خاص به - عليه السلام - بخلاف غيره، وقد أمر بالمباعدة بين أنفاس الرجال والنساء، وكان غالب حاله البعد عن ذلك لتقتدي به أمته، وأنه لم يبايع امرأة إلا بالكلام ولم يصفق لواحدة منهن على يد".
ونوقش: بأن القاعدة في الأصول: (أن الأصل عدم الخصوصية، وأن ما ثبت في حقه يثبت في حق أمته).
2- أنها كانت ذات محرم منه، قال البدر العيني-رحمه الله- في عمدة القاري: "قوله ليحملني خلفه أرادت به الارتداف وإنما عرض عليها الركوب لأنها ذات محرم منه لأن عائشة عنده صلى الله تعالى عليه وسلم وهي أختها".
ونوقش: بعدم صحة ذلك، وكونها تحرم عليه بسبب نكاح أختها لا يعني أنه محرم لها.
3-أنه كان قبل الحجاب ثم نسخ، قال البدر العيني-رحمه الله- في عمدة القاري بعد كلامه السابق: "أو كان ذلك قبل الحجاب".
ونوقش: بأن القاعدة في الأصول: (أن الأصل في النصوص الإحكام والاستمرارية).
4- أن هذا فهم من الراوي، وليس من قول النبي-صلى الله عليه وسلم-، وفعله صلى الله عليه وسلم محتمل، فيحتمل أنه أراد إناخة الراحلة لتركب عليها وحدها، ويمشي هو أو يركب غيرها، والقاعدة في الأصول: (أن ورود الاحتمال يسقط الاستدلال)، ولا حجة في فهم الراوي.
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى- في الفتح: "قولها ليحملني خلفه كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه و سلم أراد أن يركبها وما معها ويركب هو شيئا آخر غير ذلك".
إذا تقرر ذلك فلا دلالة في الحديث على جواز إرداف الرجل للمرأة الأجنبية.
وأما ما أخرجه أبو داود من حديث أمية بنت أبي الصلت، عن امرأة من بني غفار قالت : "أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله". فهذا الحديث حديث ضعيف في إسناده أمية بنت أبي الصلت مجهولة، والقاعدة في الأصول : (أن جهالة الروي تقتضي ضعف خبره)، وفيه أيضا: سلمة بن الفضل الأنصاري سيء الحفظ، والقاعدة في الأصول: (أن سوء حفظ الرواي يقتضي ضعف خبره)، إذا تقرر ذلك وتقرر أن القاعدة في الأصول: (أن الحديث الضعيف ليس بحجة في إثبات الأحكام)، فلا يصح الاحتجاج به على جواز الإرداف المذكور، على أنه صريح في عدم الملاصقة، حيث قالت: على حقيبة رحله، والحقيبة كما قال ابن الأثير-رحمه الله-: هي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب، قال صاحب عون المعبود - رحمه الله تعالى-: "فالإرداف على حقيبة الرجل لا يستلزم المماسة، فلا إشكال في إردافه صلى الله عليه و سلم إياها".
انتهى، والله تعالى أعلم.
كتبه: أبو عبد الله جلال بن علي حمدان السلمي.
 
التعديل الأخير:
إنضم
22 مارس 2008
المشاركات
392
الكنية
أبو صهيب
التخصص
الفقه
المدينة
طيبة
المذهب الفقهي
حنبلي
حديث أم حرام يمكن أن يجاب عنه بمثل ما أجاب به عن حديث أبي موسى: ( أ- أنه ليس في الحديث أن هذه المرأة كانت أجنبية فيحتمل أن تكون من محارمه، والقاعدة في الأصول: (أن الاحتمال - أي المساوي - يسقط الاستدلال)
فكونه لم يثبت أنها محرما لا يعني أنه ثبت أنها ليست محرما بل يبقى الاحتمال
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
ردٌّ طيبٌ موفّق، علميٌ منهجيٌّ، وما أحوج هذه المسألة المثارة إلى مثل هذا الردّ .
فجزاكم الله خيرا ..
 

أبو خلود الرمادي

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
7 يناير 2010
المشاركات
10
التخصص
الحديث
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
أحسن الله إليك ونفع بك وبارك فيك
 
إنضم
25 يوليو 2017
المشاركات
56
الكنية
أبو عمر
التخصص
دراسات اسلامية
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
أهل السنة والجماعة
رد: الرد المفحم على أحمد بن قاسم الغامدي وكشف الشبهات التي أوردها

السلام عليكم
لا خلاف في وجوب ستر المراة المسلمة وجهها عن الرجال . والاجماع ليس فقط عملي بل واجماع منصوص عليه ومدون صراحة في كتب المتقدمين من المذاهب الأربعة لولا الفهم المغلوط والتحريف والتبديل والتصحيف اليوم لكلامهم من المعاصرين زمن المدرسة العقلية الحديثة.
راجع مشكورا كتاب كشف عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف
خلاصة كتاب
كشف الأسرار
عن القول التليد فيما لحق مسألة
الحجاب
من تحريف وتبديل وتصحيف
تأليف الشيخ تركي عمر بلحمر
[FONT=AF_Najed]ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ[/FONT]
بحث تفصيلي وتأصيلي لأهم قواعد مسألة ونشأة فريضة الحجاب مدعماً بكلام أهل
العلم المتقدمين وفيه دراسة لبدعة القائلين اليوم أن ستر وجه المرأة المسلمة عن
الرجال سنة ومستحب
وأهم ما يحتويه الكتاب :
v التسلسل التاريخي لنزول آيات فريضة الحجاب:
فسورة الأحزاب نزلت في السنة الخامسة بفريضة الحجاب وذلك بمنع الرجال من الدخول على النساءداخل البيوت والأمر بمخاطبتهن من وراء حجاب إلا للأصناف المذكورين بعدها في الآية كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوابُيُوتَ النَّبِيِّ... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنوَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}]الأحزاب:53] وسبب ذكر الآية لبيوت النبي e بالذات؛ لأن الدخول قبل نزول فريضة الحجاب كان بكثرة في بيوت النبي e وذلك لمكانته ومكانة زوجاته بنص أول الآيات في سورة الأحزاب{وأزواجه أمهاتهم}]الأحزاب:6 ] ولهذا أكثر المؤمنون من الدخول على بيوت النبي e أكثر من غيره وبدون ترتيب أو استئذان أو الأكل معه e ومع زوجاته، حتى كان يدخل عليهن البر والفاجر وشجعهم على ذلك وطمأنهم كونهن {أمهاتهم}، قال الإمام السيوطي في لباب النقول في أسباب النزول: (وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال: كان رسول الله e إذا نهض إلى بيته بادروه فأخذوا المجالس فلا يعرف ذلك في وجه رسول الله e ولا يبسط يده إلى الطعام استحياء منهم فعوتبوا في ذلك). كما أنه لو جاء الأمر للمؤمنين بمنع الدخول على بيوت بعضهم البعض، لبقي الأمر على حاله في بيوت النبي e ولما امتنع أحد من الدخول عليهن معتقدين أن الآية لا تعنيهم، وهم في حكم الأبناءمع أمهاتهم، لقوله تعالى بعد تلك الآية:{لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ..{55}]الأحزاب]. والله لم يرد أن يختص أمهات المؤمنين بترك الحجاب ولهذا جاء بذكر بيوت النبي e بالذات حتى يشمل الأمر بالحجاب {أمهاتهم}.فكن مختصات بالحجاب من أبنائهن بخلاف أمهات العالمين.
وكأنه لما أكرمهن بهذا اللقب الرفيع كان ذلك لحكم عديدة بالغة منها: أن كل ما أمرت به أمهات المؤمنينمع أبنائهن من الرجال فغيرهن من النساء مع الرجال الأجانب أولى وأحرى وأوجب، وكون الصحابة عاصروا نزول القرآن لم يختلط عليهم مثل هذا الأمر في أن كل ما أمرت به {أمهاتهم}من التصون والحجاب عن من هم في حكم الأبناء لهنَّ، كان بديهياً أن يُفهم منه حينها دخول نساء المؤمنين في ذلك الأمر وهن لسن بأمهات ولا محارم لأولئك الرجال[FONT=AF_Najed].[/FONT]
ثم لما كان لابد لهن من الخروج من بيوتهن أرشدهن سبحانه وتعالى لطريقة حجابهن إذا خرجن كما قال تعالى بعدها: {يا أيها النَّبِيُّ قُل لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن...}]الأحزاب:59[، وهي بإجماع أهل العلم قاطبة أنها الأمر للمرأة المسلمة بستر وجهها، ولم يذكروا أي خلاف في ذلك بتاتاً، فهو إجماع صريح ثابت ومدون في كتبهم جميعاً على مر عصورهم .، بل ونقلوا عند تفسيرهم لها صفة وطريقة حجابهن ذلك نقلاً دقيقاً مستفيضاً متواتراً عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم من سلف الأمة، حتى أن بعضهم كابن جرير الطبري وابنعطية والقرطبي وغيرهم فصلوا فذكروا عدة طرق مختلفة لستر المرأة المسلمة لوجهها،إما بطريقة السدل والإرخاء والإلقاء من فوق رأسها على وجهها، وإما بطريقة النقاب والتقنع والبرقع واللثام، وهذه لا تكون إلا بالشد على الجبين وبالعطف والضرب على الوجه.
وفي هذا من الفائدة والفهم الدقيق في أهمية بيان اختلاف الطريقتين كما نقلها أئمة التفسير عن سلف الأمة كابن عباس رضي الله عنهما وغيره، ما لا يغيب مثله عن علماء الأمة فضلا عن حبرها، حيث يعلم أهمية ذكر الطريقتين، وأن المحرمة لا يجوز لها النقاب وما في حكمه من التقنع أواللثام أو البرقع، ولكن تستتر عن أعين الرجال حال إحرامها بالسدل والإرخاء على وجهها، ولهذا كان ابن عباس يقول في المحرِمة فيما ثبت عنه: (تدلي عليها من جلابيبها ولا تضرب به. قلت: وما لا تضرب به؟ فأشار لي كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال: لا تغطيه فتضرببه على وجهها؛ فذلك الذي لا يبقى عليها، ولكن تسدله علىوجهها كما هو مسدولاً ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه)(1) انتهى. فهو يقصد النقاب ومثله اللثام والتقنع ونحو ذلك مما هو داخل في النهي للمحرمة.
وجاء عند ابن أبي شيبة - في النقاب للمحرمة- : (أن علياً كان ينهى النساء عن النقاب وهن حرم ولكن يسدلن الثوب عن وجوههن سدلاً)(2).
ومنه قول عائشة رضي الله عنها: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه)(3).
وجاء عن أختها أسماء بنت أبي بكر رضي اللهعنها قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام)(4).
وجاء عن حفيدة أسماء بنت أبي بكر فاطمة بن تالمنذر التابعية الجليلة قالت: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق)(5).
وهذا وهن في حال الإحرام يسترن وجوههن، فكيف في غيره، وهذا القول منهن حرص في بيان أن النهي كان عن النقاب وما في حكمه فقط، وحتى لا يُساء فهم النهي عن لبسه حال الإحرام، فتخرج المحرمة كاشفة عن وجهها بين الرجال فتقع في الإثم، بيّنَّ جميعاً رضي الله عنهن أنهن كن يغطين وجوههن وهن محرمات، ولكن بطريقة غير طريقة النقاب ونحوه مما هو مفصل كالبرقع والقناع واللثام،وإنما كن يخمرن وجوههن بطريقة السدل والإرخاء والإلقاء من فوق رؤوسهن.
كما بينت الأدلة أن حجاب المرأة المسلمة عند خروجها أمام الرجال إنما يكون بجلباب واسع، أسوداللون لا زينة فيه، يستر ثياب المرأة المعتادة وتقاسيم جسمها، كما صح به الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( لمانزلت هذه الآية {يدنين عليهن من جلابيبهن}]الأحزاب:59] خرج نساءالأنصار كأن على رؤوسهن الغربان وعليهن أكسية سود يلبسنها)- وفي رواية أخري – (قالت: لما نزل {يدنين عليهن من جلابيبهن}خرج نساءُ الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية)(6)،
قال في عون المعبود: ‏(كأن على رؤوسهن الغربان) جمع غراب ‏(من الأكسية) شُبهت الخمر في سوادها بالغراب) انتهى.

والجلباب بلا خلاف بين أهل العلم فرضلبسه، كما جاء النص القرآني القطعي بذلك وكما جاء أمره e بخروج النساء والعواتق يوم العيد، فقالت أم عطية (قلت‏:‏ يا رسول الله‏ إحدانا لا يكون لها جلباب؟‏ قال‏:‏لتلبسها أختها من جلبابها‏‏) متفق عليه. ولم يأذن لهن بالخروج بدون جلباب أبداً، مع قلة ذات اليد، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على حديث أم عطية السابق: (وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب)(7)انتهى.
ثم بعد فترة من نزول فريضة الحجاب نزلت بعدها سورة النور في السنة السادسة للهجرة وفيها الرخص للنساء بقوله تعالى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}]النور:31[. وهي بإجماع أهل العلم أنها جاءت رخصة من الله لأن تبدي المرأة ماتدعو الحاجة إليه من زينتها ومثلوا عند تفسيرها بحال الشهادة والخِطبة وعلاجها وإنقاذها أو كحال التبايع ونحو ذلك من توثيق العقود لمعرفة شخصها للرجوع لها أو عليها وكما في النواحي الأمنية، وذكروا أنه (إذا عرفها من خلف نقابها لم يحتجلكشفه أو عرفها ببعض وجهها لم يجاوزه).
كما جاء في نفس السورة أيضاً الرخصة
{وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ...} ]النور:60 [.
v أن المذاهب الأربعة وأهل الظاهر لم يختلفوا في وجوب ستر المرأة لوجهها عن الرجال:
وإنما كان اختلافهم من قبيل اختلاف التنوع وهو في العلة من أمر الشارع للنساء بستر وجوههن، فمن قائل لأن الوجه عورة ومن قائل بل للفتنة والشهوة ولكن ظهر اعتراض بعضهم على علة البعض الآخر أن (الوجه والكفين ليسا بعورة) أكثر من ظهور علتهم في المسألة فحسبه المتأخرون اليوم أنه خلاف بينهم في أصل الفريضة، وسبب اعتراضهم هو أن المرأة تكشفه في صلاتها ولو قيل أنه عورة لقيل وكيف لم تبطل صلاتها بكشفه؟ وتكشفه في أحرامها عندعدم وجود الرجال كما عند أكثرهم، وكذلك استدلوا أن الشريعة أباحت كشفه عند الحاجة والضرورة كالشهادة والخطبة وعند التقاضي ونحوها، ولهذا فلم يناسب عندهم أن يقال أنه من العورة، وغير ذلك من استدلالاتهم، وإن اتفقوا معهم على وجوب ستره ولكن لعلة أخرى وهي الفتنة والشهوة،. واختلافهم في علل المسائل والأحكام كثير فمثلاً في فريضة الزكاة فمن قائل أنها لتزكية وطهارة النفوس والأموال ومن قائل أنها للنماء والزيادة والبركة، وقد يرى أحدهم أن علته أنسب وأظهر من علة الآخر وقد يعترض بعضهم على علة الفريق الآخر لدرجة أن يحسبه من يرى نقاشهم أنهم مختلفون في أصل الفريضة.
ولا أدل على ذلك من أننا لا نرى بين المتقدمين ذكر خلاف أو نزاع بينهم فيالمسألة كما هو الخلاف والنزاع الحاصل اليوم بين الفريقين، بل نجد في بعض المذاهب روايتين ونجد بعض أئمة هذا المذهب يقول بعلة المذهب الآخر، مما يدل على أن الخلاف بينهم في فريضة الحجاب كان سائغاً وواسعاً وهو في العلة فقط، فكل واحد وصف الأمر والنهي من الشارع بصفة وعلة صحيحة تدل على الأمر بفرض ستر المرأة لوجهها عن الرجال وتحريم كشفه بلا سبب مبيح، فالمرأة حق أنها (عورة)و(فتنة) و(شهوة) وكلها جاءت بها نصوص الشرع المطهر من الكتاب والسنة، لما أودعالله في نفوس الرجال من محبة وتعظيم وميل لهن. وهذا ما يعرف بخلاف التنوع (وقد يكون أحدهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته، والكل يؤول إلى معنى واحد غالباً) وهذا بعكس خلاف التضاد كما سيمر معنا قريباً من قول الإمام الزركشي في اختلاف أقوال السلف.
ومثله قولهم (إذا أمنت الفتنة أو الشهوة) لا يقصدون به عموم الناس ولا عموم أحوالها، إنما هو لناظر مخصوص ممن جاز نظره للمرأة عند الضرورة، كالشاهد والمتبايع ونحوهم، فاشترط بعضهم لكشف شيء من زينتها شرطاً زائداً على الضرورة، وهو أمن الفتنة والشهوة منه أو عليه عند النظر، كمن كان معروفاً بالفسق وقلة الورع أو يَعلم من نفسه أنه يَشتهي ويتأثر فيُمنع من النظر ولو لحاجة، وذهب بعضهم لعدم اشتراطه، وقالوا لا يسلم أحد من أن ينظر للمرأة ويأمن عدم تحرك شهوته. ( للمزيد... راجع المبحث الرابع )
v أن اختلاف أقوال الصحابة في تفسير آية الرخصة من قوله تعالى : (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) [ النور:31 ] . كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد :
وهو في التمثيل لبيان بعض الزينة التي تحتاج وتضطر المرأة لإظهارها في بعض الأحوال، سواء كانت من زينتها الخلقيةالتي هي من أصل خلقتها أو من زينتها المكتسبة التي تتزين بها كالثياب أو الخاتم أوالكحل أو الخضاب أو السوار ونحو ذلك، فعند ورود الحاجة والضرورة فإنه يشق عليها نزع تلك الزينة، فأراد السلف أن يبينوا أن ما كان تابعاً ومتلبساً من زينتها المكتسبة بأصل زينتها الخلقية، هو أيضاً مما رُخص لها أن تكشفه حال الضرورة فهو داخل في حكم الرخصة الأصلية من باب أولى ورفعاً للمشقة وبخاصة أن ما يبدو وقت الحاجة والرخصة طارئ قليل وقصير وقته، فهو استثناء من عموم أحوالها العامةوالعادية، ومثله من احتاجت لإبداء العينين تبصر بهما الطريق أو الأشياء التي ترغب في شرائها وصادف أن كان عليهما الكحل، أو احتاجت أن تبدي الكفين تتفحص بهما الأشياء من حبوب أو قماش ونحو ذلك وصادف أن كان فيهما الخضاب أو الخاتم أوالسواران، أو احتاجت لكشف أكثر من ذلك كمن كشفت وجهها للشهادة أو الخطبة أو ليُعرف شخصها كما في التقاضي والنواحي الأمنية ونحو ذلك، أو كشفت شيئا من جسدها كالعلاج ونحوه مما لا بد من ظهوره منها، ومع ذلك فقد كن حريصات على التستر والتصون فمتى ما انقضت حاجتهن أو كن قريبات من الرجال بادرن بالتستر قدر المستطاع.
قال الإمام الزركشي (ت:794هـ): (يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم ويحكيه المصنفون للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ ويظن من لا فهم عنده أن في ذلك اختلافاً فيحكيه أقوالا وليس كذلك بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى ظهر من الآية وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل أو لكونه أليق بحال السائل وقد يكون أحدهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره والآخر بمقصوده وثمرته، والكل يؤول إلى معنى واحد غالباً، والمراد الجميع، فليتفطن لذلك، ولا يُفهم ثَمَّ اختلاف العبارات اختلاف المرادات)(8).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير تارة لتنوع الأسماء والصفات وتارة لذكربعض أنواع المسمى وأقسامه كالتمثيلات هما الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف)(9).
فمن أخذ من آية الرخص والاستثناءات التي في سورة النور المتأخرة ما جعله حكماً لبيان طريقة وصفة فريضة الحجاب، كان قوله هذا فوق أنه متعارض مع ما جاء من إجماع ونقول في سورة الأحزاب على وصف ذلك وصفاًدقيقاً، كان كمن يأخذ بأدلة الفطر للمسافر والمريض ويقول الفطر في رمضان سنة ومستحب. ( للمزيد... راجع المبحث الثالث والخامس )

وهنا تظهر الحكمة من عدم التحديد في قولهتعالى: {ولا يبدين زينتهن إلاما ظهر منها}[النور:31]:
فلما كان لأحوالها الاضطرارية جعله استثناءً مفتوحاً للرخصة بدون تحديد للزينة، لأن هذا راجع لما تدعو الحاجة والضرورة إلى إظهاره بحسب ما يطرأ لها من ظروف وضروريات مؤقتة، لهذا لم يحدده لا بالوجه ولا بالكفين، وإن اشتهر ذلك لأنه الغالب مما تحتاج المرأة لكشفه كما في الشهادة ونحو ذلك، كما قال تعالى:{إلا ما اضطررتم إليه}]الأنعام:119[،ولم يحدد المستثنى الذي يأكلونه مما حرم عليهم لأنه قصد هنا أحوال الضرورات وهي غير ثابتة بشيء وغير مستدامة فما يجدونه ويحتاجونه مما حُرم عليهم وقت الضرورة فمرخص لهم أكله، ولكن لما جاء في أحوالها العادية والدائمة ناسب أن يحدد المستثنين{ولا يبدين زينتهن إلا لِبُعُولَتِهِنَّ أو ...}[النور:31]، ولهذا ذكرهم سبحانه وتعالى واحداًواحداً بأوصافهم الدقيقة والمانعة للجهالة حتى يعلم الناس ما أمروا به في غالب حالاتهم فلا يلتبس الأمر عليهم.

v خصوصية أمهات المؤمنين وأنه لم يرد عن أحد من المتقدمين أن ستر الوجه كان فرضاً عليهن وسنة علىمن سواهن:
فقد كان للمتقدمين عند إطلاقهم لمعنى الخصوصية لحجاب أمهات المؤمنين معنىً مختلف ومغاير عن الذي أراده وفهمه اليوم فريق من دعاة السفور، وذلك لأن المتقدمين قصدوا به أمرين اثنين:
الأول: وهو مختلف فيه بين أهل العلم:
حيث ذهب بعضهم إلى أن أمهات المؤمنين قد شُدد وغُلِظ عليهن في مسألة الحجاب زيادة عن سترهن لوجوههن، وذلك تعظيماً لحق رسول الله
e ولحقهن ومكانتهن وقدرهن على من سواهن من النساء، فكن مختصات بعدم جواز ظهور أشخاصهن حتى ولو كن مستترات، وهكذا حمل بعضهم أحاديث حجبهن من الأعمى والمكاتب الذي عنده ما يؤديه – إن صحت كما قالوا – على مثلهذه الخصوصية، ومن ذلك عدم جواز كشفهن لوجوههن ولو عند الحاجة كما هي الرخصة لغيرهن من النساء كما في حال الشهادة ونحوها.
قال القاضي عياض: (فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز.ثم استدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يُرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها) انتهى كلام القاضي.
قال الحافظ ابن حجر في رده عليه في هذه الخصوصية: (وليس فيما ذكره دليلعلى ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي e يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاءلما ذكر له طواف عائشة: أقَبل الحجاب أو بعده؟ قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب.وسيأتي في آخر الحديث الذي يليه مزيد بيان لذلك)(10) انتهى.
وقال أيضا في معرض رده على هذا القول في موضع آخر من فتح الباري:(وفي دعوى وجوب حجب أشخاصهن مطلقاً إلا في حاجة البراز نظر، فقد كنَّ يُسافرنَ للحج وغيره، ومن ضرورة ذلك الطواف والسعي وفيه بروز أشخاصهن، بل وفي حالة الركوب والنزول لا بدَّ من ذلك، وكذا في خروجهن إلى المسجد النبوي وغيره)(11)انتهى.
وقال القسطلاني في إرشاد الساري راداً على من قال بذلك: (وفيه تنبيه على أن المراد بالحجاب التستر حتى لا يبدو من جسدهن شيء، لا حجب أشخاصهن في البيوت)(12)انتهى.
وقال في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل: ("فوائد الأولى"قال: الشيخ جلال الدين الأسيوطي في حاشية البخاري في كتاب الوضوء في "باب خروج النساء إلى البراز" ذكر القاضي عياض وغيره أن من خصائص النبي e تحريم رؤية أشخاص أزواجه ولو في الأزر تكريماً له، ولذا لم يكن يصلي على أمهات المؤمنين إذا ماتت الواحدة منهن إلا محارمها؛ لئلا يرى شخصها في الكفن حتى اتخذت القبة على التابوت.ا.هـ. والظاهر أن هذا ليس متفقاً عليه)(13)انتهى.
وقال الطحاوي رحمه الله: (لأنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك حجاب أمهات المؤمنين، فإنهن قد كن حجبن عن الناس جميعاً، إلا من كان منهم ذو رحم مُحرم. فكان لا يجوز لأحد أن يراهن أصلاً، إلا من كان بينهن وبينه رحم مُحرم، وغيرهن من النساء لسن كذلك لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي لا رحم بينه وبينها، وليست عليه بِمُحرمة إلى وجهها وكفيها، وقد قال الله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}... فأبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمُحَرَمِ عليهم من النساء(14) إلى وجوههن وأكفهن، وحُرِم ذلك عليهم من أزواج النبي e لما نزلت آية الحجاب، ففضلن بذلك على سائر الناس...قال أبو جعفر: فكن أمهات المؤمنين قد خصصن بالحجاب ما لم يجعل فيه سائر الناس مثلهن...، فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله تعالى) انتهى. وكم فيه من البون الشاسع بين ما أراده الأمام الطحاوي رحمه الله من الخصوصية لأمهات المؤمنين كغيره من الأئمة، وبين ما نسبه إليه البعض. بل وفي قول الطحاوي: (وغيرهن من النساء لسن كذلك لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي لا رحم بينه وبينها وليست عليه بمحرمة إلى وجهها وكفيها) فمن المعلوم أن ذوات الأرحام ومن حُرِم النكاح بهن يجوز النظر إلى وجوههن وأكفهن، وليس في هذا خلاف لتفهم أنه يقصد الرجل الأجنبي عند الضرورة لهذا أستدل بآية الرخصة كغيره، ودرجوا في بيان مثل ذلك بصيغة المفرد الواحد (الرجل من المرأة) كما هو مدون في كتبهم، كما أن قوله: (لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة) فلا يُقال (لا بأس) في أمر في أصله مشروع وجائز لعموم الناس، وإنما في رخصة لمعينٍ مخصوص كالشاهد والخاطب والقاضي ونحوهم، كما يُقال لا بأس الفطر في رمضان ونحو ذلك، لا يقصدون به عموم الناس.
الثاني: خصوصيةمتفق عليها عند المتقدمين:
وهو إطلاق لفظة الخصوصية في حجاب أمهات المؤمنين ويقصدون بها
اختصاصهن بالحجاب من أبنائهن، دون أمهات العالمين اللاتي ليس عليهن الاحتجاب من أبنائهن. وهذه الخصوصية متفق عليها لأنها بنص القرآن
{وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب:6] وكان من الطبيعي القول بجواز كشفهن لوجوههن، ولكن فرض الله عليهن الحجاب كبقية النساء، ولهذا فإنك لو قلت عبارة: (أن أمهات المؤمنين مخصوصات بالحجاب) أو نحو قولك: (تغطية الوجه مما اختصت به أمهات المؤمنين) لكان قولك حقاً وصواباً، لأنك تعنى أنهن لسن كبقية الأمهات اللاتي لا يلزمهن الاحتجاب من أبنائهن، وأما كلام فريق من أهل السفور اليوم عن خصوصية أمهات المؤمنين فلا نعلم أحداً من أهل العلم المتقدمين م نيقول أن ستر الوجه كان فرضاً عليهن وسنة على من سواهن، وهذه كتب أهل العلم التي نعلم حرص الجميع للرجوع إليها أين من قال فيها بمثل قولهم؟. ثم كيف يقال أن الله فرض النقاب على من أسماهن{أمهاتهم} وجعله سنة على من سواهن من الأجنبيات؟! فلو قيل بالعكس لكان هذا القول معقولاً، مما تعلم معه أنهم قلبوا المعنى والمقصد للخصوصية التي أرادها الله لأمهات المؤمنين، وقصدها المتقدمون في كتبهم، ففهموها فهماً معكوساً ومبدلاً عن مقصدهم ومرادهم، ولهذا فالإجماع وكلام أهل العلم في ذلك دال على أنهن كبقية النساء الأجنبيات في فرض الحجاب عليهن من المؤمنين، وإن كن {أمهاتهم}. قال:الإمام القرطبي في تفسيره: (الثالثة: قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم}شرف الله تعالى أزواج نبيه e بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات) انتهى.
وقال البيضاوي في تفسيره: ({وأزواجه أمهاتهم}منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم، وفيما عدا ذلك فكما الأجنبيات) انتهى.
وقال ابن عطية المحاربي في تفسيره: (قال الفقيه الإمام القاضي: وشرف تعالىأزواج النبي e بأن جعلهن أمهات المؤمنين في حرمة النكاح وفي المبرة، وحجبهن رضي الله عنهن، بخلاف الأمهات)انتهى.
فكان من قوة فريضة الأمر بستر المرأة المسلمة لوجهها عن الرجال، وعظيم شرفه وقدره عند الله، أن دعى له من هن في حكم الأمهات، ومن هن زوجات وبنات أفضل رسل الله e اللاتي الفتنة منهن وإليهن أبعد ممن سواهن، وهذا أعظم محفز لغيرهن من النساء أن يشددن الهمة على الامتثال لفريضة الحجاب ونبذالتغريب والمغريات الدنيوية والتبرج(15)والسفور(16)، وما بدأ الله بهن إلا ليمهد وينبه ويُسلي من بعدهن من المؤمنات بعظيم شأنه ويهون على من دونهن أوامره ونواهيه التي جاءت في ذلك.
(للمزيد... راجع المبحث السادس )
v أشهر أخطاء وشبهات القائلين ببدعة السفور :
ويكفيك أن تعلم أن كل ما قالوه أو فهموه أوفسروه على أنها أدلة من الكتاب والسنة على سفور وجه المرأة المسلمة، لم يكن لهم في ذلك القول والفهم والتفسير سلف، ولم تُثَرْ هذه البلبلة والشبه إلا حديثاً، فليس في المتقدمين أحد يقول بسفور وجه المرأة المسلمة بينالرجال، بل العكس كما هي النقول المستفيضة عنهم، وخلاف هذا إنما هو فِهم خاطئ لمقصدهم ومرادهم، ثم ما لحق ذلك من تفاسير حديثة مخالفة لمراد الله تعالى ومراد رسوله e لم ترد عن أهل العلم المتقدمين.
تمت مراجعة مسودة الكتاب من قبل الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء .

موجود لدى كبرى المكتبات. Al--hijab@hotmail.com


(1)- أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار ومسند الشافعي ومثله عند أبي داود في "مسائله للإمام أحمد"بسند صحيح على شرط الشيخين .
(2)-مصنف ابن أبي شيبة (3/293) .
(3)-أخرجه أبو داود "باب في المحرمة تغطي وجهها" والبيهقي وأحمد وغيرهم.بسند صحيح، وقال الألباني: (حسن في الشواهد) .
(4)- أخرجه الترمذي وابنخزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني.
(5)-وهذا الحديث جمع شروط الصحة عند الشيخين، وقال الألباني في الإرواء: قلت: وهذاإسناد صحيح .
(6)-أخرجه أبو داود بسند صحيح وعبد الرزاق الصنعاني في تفسيره وابن أبي حاتم وعبد بنحميد وابن مردويه، وصححه الألباني
(7)-فتح الباري (1/424).
(8)-البرهان في علوم القران (2/16) . وراجع كذلك "الإتقان"للسيوطي، و"مقدمة التفسير" لشيخ الإسلام ابن تيمية .
(9)- مجموع الفتاوى (13/333).
(10)-فتح الباري(8/530) (باب قوله:{لا تدخلوابيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} .
(11)-فتح الباري (11/24) .
(12)-إرشاد الساري (7/303).
(13)-مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل (10/50) .
(14)-قوله (ما ليس بمُحرّم عليهم من النساء) أي اللاتي لا يحرم النكاح بهن من النساءوهن الأجنبيات .
(15)-قال في لسان العرب:(برج) وتبرجت المرأة تبرجا:... وقيل: إذا أظهرت وجهها وقيل إذا أظهرت المرأة محاسن جيدها ووجهها قيل: تبرجت). وقال فيالمحيط في اللغة: (برج): وإذا أبدت المرأة وجهها قيل:تبرجت. والبرج: المتبرجات). وقال في المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده: (وتبرجت المرأة: أظهرت وجهها). وقال في تهذيب اللغة: (وإذا أبدت المرأة محاسن جيدها ووجهها، قيل: تبرجت).
(16)-قال في لسان العرب: (سفر) وإذا ألقت المرأة نقابها قيل سفرت فهي سافر.. وسفرت المرأة وجهها إذا كُشِف النقاب عن وجهها تُسفر سُفوراً). وقال في المعجم الوسيط بتحقيق مجمع اللغة العربية: (سفر): والمرأة كشفت عن وجهها. وقال عند (السافر): ويقال امرأة سافر للكاشفة عن وجهها). وقال في المحيط في اللغة: (والسفور: سفور المرأة نقابهاعن وجهها فهي سافر). وقال في تاج العروس: (يقال:سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها النقاب وفي المحكم: جلته، وفي التهذيب: ألقته، تسفر سفوراً فهي سافر).
 
أعلى