العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد أثر الدرس الأصولي في ضبط المنهج اللغوي وتطوره

إنضم
8 أبريل 2012
المشاركات
60
الكنية
كلية الامام الاعظم الجامعة
التخصص
أصول فقه
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
مالكي




أثر الدرس الأصولي في ضبط المنهج اللغوي وتطوره


بحث مقدم إلى قسم اللغة العربية / كلية التربية للبنات
في المؤتمر السنوي تحت شعار
"تحولات المنهج في اللغة والأدب"






بالاشتراك
أ . د . قاسم طه محمد د . إيهاب محمد جاسم
أستاذ بكلية الإمام الأعظم الجامعة سامراء محاضر في كلية الإمام الأعظم الجامعة سامراء







بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن التداخل المنهجي بين الدرس الأصولي واللغوي قد يقف عند البعض عائقاً أمام أي دعوة لإبراز مجالات التأثير والتأثر ؛ فضلاً عن الدعوة بأن علما ما قد كان له تأثير بارز في العلم المتداخل معه ضبطاً وتطويراً وتجديداً .
والمتابع للتطور المنهجي يعد الإمام الشافعي قدم منهجاً فريداً في ضبط منهجية قراءة النصوص الشرعية ؛ فعلم أصول الفقه يستمد من علوم اللغة العربية أدوات بنائه قام باستنباط قواعد منهجية حاكمة للوساطة بين النص الخالد والفهم البشري انضباطاً وتأصيلاً .
وإن حركة الإبداع على المستوى المنهجي والعمق المعرفي بعد رسالة الإمام الشافعي لم تقف ؛ بل فتحت أفاقاً من التجديد عند كافة المدارس الفقهية ؛ فرتبوا الموضوعات وركبوا الجزئيات وبوبوا الأبواب وأحكموا العناوين والألقاب وقربوا المضامين بصورة تجديدية قل نظيرها .
وإن الدرس اللغوي قد كان له النصيب الكبير من التجديد على مستوى البحث والعمق النظري استثماراً للأدوات التأسيسية للبنية المعرفية اللغوية ؛ وتأسيساً لصروح التجديد وذلك بتوسيع مجال الاستثمار العملي تعاضداً واستثماراً .
وقد جاء هذا البحث للإجابة عن ثلاث أسئلة:

  1. ماهي أوجه التعاضد بين الدرسين الأصولي واللغوي
  2. ما هي جوانب الاستثمار
  3. ماهي جوانب التطوير النظري والعملي
أما أهداف البحث : إن الهدف الرئيس لهذا البحث هو الاجابة عن أسئلة البحث ، وتحقيق الأهداف التالية :

  1. البيان : وذلك لبيان جوانب التعاضد والاستثمار
  2. البرهان : اقامة البرهان على جوانب الضبط والتطوير
ولبيان مجال التجديدي للدرس الأصولي في البحث اللغوي ، قد قسمنا البحث على مبحثين:
المبحث الأول : مجالات الاستثمار والتعاضد
المبحث الثاني : مجالات التطور المنهجي والمعرفي

المبحث الأول : مجالات الاستثمار والتعاضد
نحاول في هذا المبحث الوقوف عند الخطوات الأولى لبيان منهجية التجديد ضبطاً وتطويراً .
محاولين تقديم التجربة المنهجية الأصولية كإحدى الروافد الضرورية لبناء تصور جديد بالنوع قديم بالجنس _بحسب تعبير المناطقة _ وذلك لأن الدرس الأصولي قد أحدث ثورة على المستوين النظري والعملي لتجاوز الفوضى التي قد حدثت عند البعض في بسبب عدم وجود مسطرة منضبطة لضمان حسن التعامل مع النصوص الشرعي .
وقد أشار الشيخ عبد الله بن بيّه "حفظه الله" إلى جانب من تلك الوساطة المنهجية التي نهض الدرس الأصولي للقيام بها فيقول : (وإن أصول الفقه تُمثل أفضل منهجٍ اخترعته العبقرية الإسلامية للتعامل مع نصوص الوحي الإلهي ، وهو منهج خالدٌ لأنه يستمد ينبوعه من نصوص الوحي ومن لغة القرآن المحفوظ ؛ مما كفل له البقاء وضمن له النقاءَ ، وهو عملٌ إنساني رائع أُنتج في أواخر القرن الثاني الهجري والحضارة الإسلامية في أوج عطائها وقمة سنائها ، والاختراعات والابداعات تتداعى ، وبخاصة في مجال اللغة وعلم الكلام والنحو والبلاغة والفلسفة ، في بيئةٍ تمازجت فيها الأعراق وتزاوجت فيها الموارث الإنسانية ، وكان السقف القرآني حافظاً لها في الجملة من الانفلات وعلى الرغم من حدة الجدل إلا أنه ظل محكوماً بمعايير إسلامية )([1]).
ولتوضيح معالم التعاضد والاستثمار أكثر رأينا أن نوزع مادته على مطلبين :
المطلب الأول : معالم التعاضد
المطلب الثاني : مجالات الاستثمار












المطلب الأول : معالم التعاضد
إن مجال التعاضد بين الدرسين الأصولي واللغوي واضح كوضوح الفجر الصادق ؛ ومحاولتنا لذكرها هنا أشبه بأن يكون كما يقال : بتفسير الواضح فاضح ؛ ولكن المنحى الذي نود الوقوف عنده بعكس المعادلة ونقلها من جانب الريبة والحذر إلى التسليم أو على الأقل الاطمئنان.
ولاختصار الأمر فسنشير لجملة من أوجه التعاضد :
الوجه الأول : وجه الاستمداد : فإنه مما لا يخفى على المطلعين على أوجه استمداد الدرس الأصولي بأن المباحث اللغوية تعد إحدى أهم مصادر استمداده التي لا يمكن لأي دارس لعلم أصول الفقه تجاوزها .
وفي هذا الصدد يقول الإمام الآمدي : (استمداده فعلم الكلام والعربية والأحكام الشرعية ... وأما علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغة من جهة الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والحذف والإضمار والمنطوق والمفهوم والاقتضاء والإشارة والتنبيه والإيماء وغيره مما لا يعرف في غير علم العربية)([2]).
وهذه الألقاب التي تمثل جزءاً من مادة الدرس اللغوي ، فإن الدرس الأصولي قد طورها على مستوى المجال المعرفي وذلك بتجاوز الأطر المنهجية اللغوية ؛ بتقديم منهجية تضمن للدرس الأصولي الاستقلال والتمايز على مستوى المنهج ومجال البحث فيه .
والذي نحاول أن نثبته في هذا البحث وإقامة البرهان عليه وذلك أن الدرس اللغوي قد أضحى في وقت من الأوقات يعتمد على المنهجية الأصولية باعتباره يمثل أحد مستمداته ورافداً من روافد تطوره وضابطاً لمنهجه على المستوى العام والخاص.
الوجه الثاني : الموضوعية : فإن الموضوع هو النظر في العوارض الذاتية وهي الأدلة السمعية([3]) فمدار الموضوع الأصولي واللغوي هي النصوص الشرعية إلا أنهما يختلفان من جانبين :
الأول : فالموضوع اللغوي من حيث سعة الموضوع : فان مجال موضوعه أوسع لأنه يشمل عمله كل نصوص التراث اللغوي نثراً وشعراً .
والثاني :من حيث مجال النظر : فالأصولي غاية نظره في نصوص الشريعة تفسيراً وتعليلاً وتنزيلاً ، وأما اللغوي فمجال نظره في نصوص الشريعة والتراث لتقديم تصور منهجي لضبط الظاهرة اللغوية استعمالاً وحملاً .
ويوضح هذه المسألة الشيخ أحمد زروق "رحمه الله" في قواعده بقوله : (مادة الشيء مستفادة من أصوله ، ثم قد يشارك الغير في مادته ، ويخالفه في وجه استمداده . كالفقه والتصوف والأصول ، أصولها : الكتاب والسنة وقضايا العقل المسلمة بالكتاب والسنة ؛ لكن الفقيه ينظر من حيث ثبوت الحكم الظاهر ، للعمل الظاهر ، بقاعدته المقتضية له . والصوفي ينظر من حيث الحقيقة في عين التحقيق ، ولا نظر فيه للفقيه ، حتى يصل ظاهره بباطنه . والأصولي يعتبر حكم النفي والإثبات من غير زائد)([4]).
الثالثة : الثبات : إن القواعد التي استنبطها علماء الدرسين الأصولي واللغوي تحظيان بنوع من الثبات لأنها ترجمان لمجموع مسار المنهج القرآني واللسان العربي التي نزل على وفقها الكتاب العزيز ، فهي قواعد تحظى بالثبات وقد أكد العلامة البوطي "رحمه الله" ذلك بقوله : ( إن قواعد تفسير النصوص في علم أصول الفقه جزء لا يتجزأ من هذه القواعد العربية ذاتها ، تأمل في هذه النماذج :

  • دلالة اللفظ على المعنى بمنطوقه .
  • دلالة اللفظ على المعنى بمفهومه الموافق .
  • دلالة اللفظ على المعنى بمفهومه المخالف .
  • دلالة اللفظ على المعنى بموجب المقتضى .
  • دلالة اللفظ العام على عموم أفراده ...
إن محاولة أي تطوير لها أو استبدال بها ، تنطوي على اتهام صريح للعلماء الذين دوَّنوا هذا الفن ؛ أنهم إنما ابتدعوا مسائل الحكم ومصادر الشريعة الإسلامية ، أفكاراً ذاتية من عند أنفسهم وأنه كان بوسعهم أن يروا في ذلك كله رأياً آخر . إذ إن هذا الاتهام هو المبرر الذي لا بد منه ، لإقدام من بعدهم على تغيير تلك المسائل وتطويرها والاستبدال بها ، تحت اسم التجديد )([5]).
إن رفع شعار التجديد واخفاء تحت طياته التبديد والتبديل بلا سقف ولا رؤية بحيث يقضي على التراث ؛ بدعوى التطوير فإنه مرفوض إذ المعيار في التجديد هو إعادة إحياء القديم بتجديد وسائله أو تجديد صورته بلغة عصرية منسجمة مع روح العصر بشرط عدم تنكر لمقتضيات الشرع .
ويقدم الشيخ بن بيّه معياراً متوسطاً ومنضبطاً لمنهجية التجديد بقوله : (إن التراث سيكون إطار المرجعية وإن التجديد هو توسيع وعاء الثوابت لتستوعب الحديث ، وقولبة الحديث ليُسْتَوْعَب ، إنه انطلاق من عقال الحيرة ، وتزحزح عن مفترق الطرق ، لسلوك الجادة وولوج الفضاء الرحب في انسجام بين الضمير الجمعي ومتطلبات العصر ، إنه مزج الأصالة في أجلى صورها بالمعاصرة في أنجح وسائلها وصيغتها )([6]).





المطلب الثاني : مجالات الاستثمار
إن مجال الافادة من الدرس اللغوي في المجال المعرفي الأصولي ليس معناه الاقتصار على استثمار الأدوات اللغوية في البنية المنهجية الأصولية وحسب ، فإننا ندرك في المقابل أن جانب التعاضد حاضر بشكل أو بآخر .
ويمكن لنا الاقتصار هنا على ذكر بعض مجالات الاستثمار التي تعد مسائل معلومة ومحررة :
المجال الأول : الاستثمار في قراءة النصوص الشرعية :
إن نصوص الشريعة بما لها من صلة وثيقة بعلوم العربية نحواً وصرفاً وبلاغة ، فإنها تمثل في المقابل أحد أهم الأعمدة الكبرى التي حافظت على بقاء العربية ، وكستها بنوع من الثبوت والدوام ؛ باتصالها بأقدس نص عرفته البشرية .
وإن المنهجية التي قدمها الدرس اللغوي قد استثمره أصحاب الدرس الأصولي في قراءة النص الديني ؛ لوضع منهجية وسط حاكمة ومنضبطة يتم من خلالها محاكمة القراءات التي تحاول تفسير النص فتخرجه عن سياقه ومساقه .
ونظراً لاختلاف القائل والمتكلم والمخاطب على مستوى العلمي والمنهجي كان لذلك أثر كبير في وجود خطوط متقاطعة ومسافات متباينة بين الأطراف الثلاثة ؛ فقام علماء الدرس الأصولي بالتعامل مع تلك الأطراف الثلاث ( الواضع ، والمستعمل ، والحامل ) بنوع من التكامل النظري والعملي ؛ بحيث النظر إليها ككتلة واحدة لا يمكن الفصل بينهما .
إن النظر إلى ثلاثي _الوضع والاستعمال والحمل _ لمراقبة المتغيرات التي تطرأ على الالفاظ من حيث :
النظر للعلاقة بين اللفظ والمعنى مساواة أو تضمناً أو التزاماً .
النظر إلى تطور العلاقة بين اللفظ والمعنى : الحقيقة الوضعية ، والعرفية ، والشرعية .
النظر إلى وضوح الدلالة وغموضها على الخلاف في التقسيات بين الجمهور والحنفية([7])
ويقصدون بهذه الاتجاهات الثلاثة :

  1. فالوضع هو جعل اللفظ دليلا على المعنى
  2. والاستعمال هو إطلاق اللفظ وإراده المعنى وهو من صفات المتكلم
  3. والحمل اعتقاد السامع مراد المتكلم أو ما اشتمل عليه مراده وذلك من صفات السامع([8]) .
فهذه الاتجاهات الثلاث تمثل جهات متقابلة بحيث يتم من خلالها بناء التصور الدقيق عند القيام بعملية التفسير والتأويل .
فعلى المتصدر لتفسير نصوص الشريعة مراعاة هذه المراحل المنهجية بالنظر إلى النص الشرعي من خلال واضعه سواء أكانت اللغة أم الشرع ؛ لأن معرفة أصل الوضع يساعد كثيراً في تحديد اطلاقاتها ومجالات ورودها ، مع مراعاة صيغ تواردها واشتقاقاتها .
وتأتي مرحلة الاستعمال لتقدم أنموذجاً جديدا في توظيف النص أو المفردة العربية بحيث نرى إلى أي حدٍ التزم المستعمل باستعمال الكلمة فيما وضعت له ، أم استعملها استعمالاً مجازياً له علاقة بأصل الوضع أم لا .
وأما الحامل فهو المخاطَب الذي يتلقى الكلام فيفهمه وينتج عنه عمل بدني أو فكري .
وهنا نقف عند الحامل من جهتين :
الأولى : مراقبة سير الألفاظ : إن الحامل يمثل جهة مراقبة ومتابعة لسيرورة الألفاظ ابتداءً بالنظر إلى الألفاظ وتحديد أصل وضعها أهو شرعي أم لغوي أم عرفي ؟ ، وبالنظر كذلك إلى المستعمل للألفاظ وهو المتكلم في أي اتجاه وظف النص أفي معناه الذي وضع له ، أم استعمله في غير ما وضعت له بأي شكل من أشكال المجاز ، وفي المقابل بعد وصوله الى نتيجة يحدد معنى النص ويفسره .
ويشير العلامة ابن بيّه إلى التطور الهائل الذي أحدثه واقع الاستعمال مما يتطلب في المقابل التعامل مع الواقع وإيجاد في المقابل نوعاً من السيرورة المنهجية والتفاعل الإيجابي مع التطور الاستعمالي ؛ لتقديم المنهج المنضبط لاحتواء الواقع على المستوى السياق العرفي مقالاً خاصاً وعاماً فيقول : ( ... فإن كثيراً من المسائل الفقهية المبنية على الفصحى لم يعد لها ما يبرر الإبقاء عليها ، فهي أقرب إلى الرياضة الذهنية والتمرين منها إلى واقع الفتوى والقضاء الذي يعتمد على الحقائق العرفية التي هي نتاج تطور الاستعمال)([9]) .
الثانية : مراقبة تكوين الحامل : إن الحامل وإن كان يمثل جهة مراقبة ومتابعة لتطور الألفاظ فإن العلماء قد اعتنوا بثقافة الحامل وقدرته على تقديم تصور دقيق لتفسير النصوص ، وبالتالي خضع الحامل كذل لجهة مراقبة وهو المسمى بثقافة الحامل أو شروط الأهلية .
وذلك لأن انضباط الحامل يعود على عملية الحمل بالانضباط ، وكلما كان الحامل بلا شروط ولا مراقبة انعكس ذلك على عملية الحمل بكليتها بعدم الانضباط (فانضباط الحمل إنما يكون نتيجة لضبط الحامل الذي هو مجتهد فقه أو مجتهد عقيدة ؛ فربما حمل لفظاً على ظاهره وحصره في مستقر قراره دون مراعاة لسياق الكلام ومنطق الأفهام)([10]) .
ونلاحظ دور الدرس الأصولي بتقديم منهجية ثلاثية الأضلاع بمراقبة سيرورة النصوص والحكم عليها ، وإعادة ضبط هيكلية بناء التصور التفسيري للألفاظ كي لا تقع في تضاد واختلاف في المراتب وتختلط المنهجية بين واضع ومستعمل وحامل ، فبهذه الثلاثية قدَّم الدرس الأصولي برنامجاً يوزع الألفاظ عليها من حيث تطورها ، ويرتب المناهج فلا تفسر النصوص بمرتبتها بمحاكمتها بقواعد مرتبة أخرى .
فمرحلة الوضع تقوم بتقديم التصور عن أصل نشأة الألفاظ .
ومرحلة الاستعمال تقوم بتحديد مجالات الاستعمال .
ومرحلة الحمل تقوم بالرقابة بحيث تراقب النص إلى أي حد يصب الاستعمال في نهر الوضع ، وإلى أي حد يختلف ويتعد عن أصل نشأته .
وقد لخص الإمام ابن عاشور "رحمه الله تعالى" هذه المنهجية في قراءة النصوص فضلاً عن الإشارة إلى جملة من الأدوات المعرفية من داخل بنية الجملة سياقاً ومقاماً ومقالاً لتعين الناظر على تحديد المقصود من الخطاب فيقول : ( إن الكلام لم يكن في لغة من لغات البشر ، ولا كان نوعٌ من أنواعه وأساليبه في اللغة الواحدة بالذي يكفي في الدلالة على مراد اللافظ دلالةً لا تحتمل شكاً في مقصده من لفظه ، أعني : الدلالة المعبّر عنها بالنص الذي يفيد معنى لا يحتمل غيره ، ولكن تفاوت دلالة ألفاظ اللغات ، ودلالة أنواع كلام اللغة الواحدة تفاوتاً في تطرق الاحتمال إلى المراد بذلك الكلام . فبعض أنواع الكلام يتطرقه احتمال أكثر مما يتطرق إلى بعض آخر ، وبعض المتكلمين أقدر على نصب العلامات في كلامه على مراده منه من بعض آخر . ومن هنا وُصف بعض المتكلمين بالفصاحة والبلاغة . على أن حظ السامعين للكلام في مقدار الاستفادة منه متفاوت أيضاً ؛ بحسب تفاوت أذهانهم ، وممارستهم لأساليب لغة ذلك الكلام ، ولأساليب صنف المتكلم بذلك الكلام . وبذلك لم يستغن المتكلمون والسامعون عن أن تحف بالكلام ملامحُ من سياق الكلام ، ومقام الخطاب ، ومبيّناتٌ من البساط ، لتظافر تلك الأشياء الحاقة بالكلام على إزالة احتمالاتٍ كانت تعرض للسامع في مراد المتكلم من كلامه . ولذلك نجدُ الكلامَ الذي شافه به المتكلم سامعيه أوضح دلالة على مراده من الكلام الذي بَلَّغه عنه مبلِّغ ، وتجد الكلام المكتوب أكثر احتمالاتٍ من الكلام المبلّغ بلفظه بله المشافه به ؛ من أجل فقده دلالة السياق وملامح المتكلم والمبلغ ، وإن كان هو أضبط من جهة انتفاء التحريف والسهو والتصرف في التعبير عن المعنى عنه سوء الفهم )([11]) .
المجال الثاني : الاستثمار بصناعة المجتهد :
إن المجتهد في علوم الشريعة ليرتقي إلى رتبة الاجتهاد فلابد أن تتحقق فيه جملة من الشروط وأهمها معرفته بالعربية ، وهذا الشرط أشار له الإمام الشافعي بأول وثيقة كتبها لتدوين معالم الدرس الأصولي (ولم يجعل الله لاحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والاجماع والآثار وما وصفت من القياس عليها ... ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها وهي : العلم بأحكام كتاب الله وفرضه وادبه وناسخه ومنسوخه وعامة وخاصة وإرشاده ... ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين فإن لم يكون إجماع فبالقياس ... ولا يكون لاحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب ... ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل وحتى يفرق بين المشتبه ولا يعجل بالقول به دون التثبيت)([12]) .
وقد تطور الاعتماد على اللغة في الدرس الأصولي ويشير الإمام الباجي بقوله :( صفة المجتهد : أن يكون عارفاً بوضع الأدلة ، مواضعها من جهة العقل ، وطريق الايجاب ، وطريق المواضعة في اللغة والشرع ، ويكون عالماً بأصول الديانات وأصول الفقه ، عالماً بأحكام الخطاب من العموم والأوامر والنواهي والمفسر والمجمل والنص ، والنسخ ، وحقيقة الاجماع ، عالماً بالسنة والآثار والأحبار ، وطرقها ، والتمييز لصحيحها من سقيمها ، ويكون عالماً بأفعال رسول الله r وترتيبها ، ويعلم من النحو واللغة ما يفهم به معاني كلام العرب ، ويكون مع ذلك مأموناً في دينه ، موثوقاً به في فضله . فإذا أكملت له هذه الخصال ، كان من أهل الاجتهاد )([13]).
فالدرس اللغوي ركن أساسي في صناعة المجتهد أو الحامل لأن مجاله وميدان بحثه لا يمكنه أن يستقل عن الدرس اللغوي ؛ وذلك لأن كثيراً من القواعد التي تأسست في الدرس الأصولي كان مصدرها العربية .
ويؤكد ذلك الأستاذ عبد الوهاب خلاف بقوله : ( ... والوسيلة لفهم ما تدل عليه النصوص التشريعية في القرآن والسنة فهماً صحيحاً هي العلم باللسان العربي ، فعلى من يستأهل للاجتهاد أن يكبر قراءة آداب العرب من منثور ومنظوم ، وأن يدرس المبادئ اللغوية العربية التي توصل إليها العلماء من استقراء أساليب العرب وطرق دلالة ألفاظهم وعباراتهم على المعاني وأن يكون له من هذا ملكة عربية سليمة يقتدر بها على فهم النصوص العربية وإزالة غموض ما فيه خفاء منها)([14])












المبحث الثاني : مجالات التطور المنهجي والمعرفي
إن الدرس الأصولي لم تقتصر جوانب تعاضده على مجالات محدودة ، فالعلاقة بين الدرسين اللغوي والأصولي كبيرة جداً ، فمجالات التعاضد كبيرة وكذلك فإن مجالات الاستثمار عديدة .
إلا أنه في المقابل لم يقتصر جانب العلاقة بينها على المصدرية والاستثمار ؛ فالدرس الأصولي كان له ميدانه المستقل بحيث قدم مجالات متعددة لتطوير منهجيته مما انعكس على العلوم التي له صلة بها تطويراً وتجديداً .
ومراعاة للاختصار سنقتصر على ميدانين يمكن أن نرجع لها تطوير الدرس الأصولي في ميدان الدرس اللغوي ، وستكون مادة هذا المبحث في مطلبين :
المطلب الأول : التطور على المستوى المنهجي
المطلب الثاني : التطور على المستوى المعرفي



















المطلب الأول : التطور على المستوى المنهجي
إن الدرس الأصولي قد طور المناهج العلمية بتقديم تصور منهجي مبدع ، وقد انعكست تلك التطورات على الميادين الأخرى التي لها صلة بالدرس الأصولي وكان للدرس اللغوي حصة كبيرة من هذا التطور .
ولتوضيح التطور المنهجي المتعلق بالدرس اللغوي بعلاقته بالدرس الأصولي كان من البدهي تقديم تصور عام عن المنهجية الأصولية وأثرها في الإثراء المنهجي على الدرس اللغوي
المجال الأول : التطور المنهجي النظري
إن البناء المعرفي لا يختلف في المنطلقات الرئيسة عن البناء الحسي ؛ إلا أن هناك فروقاً دقيقة تفصل بينهما ، فيكون من خلالها خلقاً آخر .
يقول الإمام الغزالي : (فباني البيت ينبغي له أن يسعى أولا للجمع بين المفردات اعني الماء والتراب والتبن، فيجمعها على شكل مخصوص ليصير لبناً ثم يجمع اللبنات فيركبها تركيبا ثانياً ؛ كذلك ينبغي أن يكون صنيع الناظر في كل مركب ، وكما أن اللبن لا يصير لبنا إلا بمادة وصورة، المادة التراب وما فيه، والصورة هو التربيع الحاصل بحصره في قالبه)([15]).
والبناء الذهني لا يختلف عن البناء الحسي ؛ لأن بناء المفاهيم لا بد أن يرتكز في تصوراته على أجزاء تعد مقدمات للوصول الى القضايا التصديقية ، فهذه المقدمات تعد أجزاء مؤثرة في تصور المفهوم.
ولكن هناك مسألة في غاية الأهمية وهي : أننا في البناء الذهني _ أو الحسي _ نجد أن الأجزاء المكونة للذات مترادفة في الغالب ، ومنها تتشكل أغلب العلوم ، وهذا هو الحاصل في أغلب علوم الشريعة الإسلامية بأننا نجد أن استمداد علم من العلوم لا يمكن أن تكون له خواص منفردة عن العلوم الأخرى وقد رأينا في مادة الدرس الأصولي فقد تركبت من أجزاء ، لكن الشيء الذي يبرز الفوارق هي الصورة التي يتركب منها الشيء ؛ اضافة للغاية.
فالإنسان خلق من نطفة أمشاج وهذا الأمر تشترك به البشرية ، فالمادة المكونة للذات هي "النطفة" لكن الصورة متباينة بتصوير الباري لها بخلق آخر (...وأصل هذه القاعدة : أن كل معدوم يتوقف وجوده على أربع علل : " صورية " وهي التي تقوم بها صورته . فتصور المركب متوقف على تصور أركانه . وانتظامها على الوجه المقصود " وغائية " وهي الباعثة على إيجاده . وهي الاولى في الفكر , وإن كانت آخرا في الوجود الخارجي . ولهذا يقال : مبدأ العلم منتهى العمل . " ومادية " وهي التي تستمد منها المركبات , أو ما في حكمها " وفاعلية " وهي المؤثرة في إيجاد ذلك)([16]) .
وإن الدرس الأصولي قد قدم منهجية مبتكرة رسمت من خلالها البناء الأصولي فكانت صورته متمثلة بخمسة أنحاء : التركيب ، والتبويب ، والترتيب ، والتلقيب ، والتقريب .
إن الدرس النحوي قد افاد كثيراً من الدرس الأصولي في الأنحاء الخمسة لإعادة بناء مركب نحوي مميز وقوي البناء والشكل وهذا الأمر قد صرح به الكثير من النحاة .
وهذا التصريح في الاعتماد قد تنوع فتارة يكون بالشكل الخارجي ، وتارة بالاعتماد على المصادر الكلية للاستنباط .
نجد أن أبا القاسم الزجاجي يصرح بأوجه الشبهة بين الدرس النحوي وباقي العلوم من حيث أن بعض القواعد غير مطردة فيقول : ( الأصل في الإعراب أن يكون حركة ، ولكن قد يخرج هذا الاطراد فيكون حرفاً ، وهذا الخروج عن الاصل ليس في النحو فقط ،ولكنه موجود في سائر العلوم)([17]).
ويذكر أبو البركات بن الأنباري في مقدمة كتابه لمع الأدلة أن علم الجدل في النحو وعلم أصول النحو يعرف بهما القياس وتركيبه وأقسامه ، من قياس العلم وقياس الشبه وقياس الطرد ، على غير ذلك على حد أصول الفقه ، فإن بينهما من المناسبة ما لا خفاء به ؛ لأن النحو معقول من منقول ، كما أن الفقه معقول من منقول([18]) .
ويقر ابن الانباري بتأثره بمناهج الفقهاء في تأليفه لكتابه "الانصاف في مسائل الخلاف بين النحويين والبصريين والكوفيين" حيث يقول : (سألوني أن ألخص لهم كتاباً لطيفاً يشتمل على مشاهير المسائل الخلافي بين نحويي البصرة والكوفة ، على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة ؛ ليكون أول كتاب صنف في علم العربية على هذا الترتيب ، وألف على هذا الأسلوب)([19])
ونجد هذا الأمر أكثر وضوحاً عند المعاصرين :
يقول الدكتور رائد السامرائي : ( لا ننسى أن النحويين أخذوا وطبقوا ما يمكن تطبيقه من أصول فقهية على المادة النحوية ولا سيما العنوانات والمصطلحات التي صدَّر بها الأصوليون النحويون بحوثهم ، فضلاً على الكثير من القواعد الكلية التي استقاها النحو من مناهج الأصول وقواعده)([20]) .
(ان المؤلفات النحوية التي اهتمت بالتفريع وقياس الفرع على الأصل ، والأشباه والنظائر ، وبيان العلل ، هذه المؤلفات كلها كتبها أصحابها بعد زمن الأئمة الأربعة ... هؤلاء الأئمة الذين وضعوا علم أصول الفقه وأرسوا قواعده ، وهذا يظهر لنا بجلاء أن علم أصول الفقه سبق النحو وأصوله ، ومن ثم كان الأول هو المؤثر في الثاني وليس العكس)([21]) .
ومن مظاهر تأثر علماء العربية بمناهج الفقهاء اعتمادهم على الأحكام العامة التي ساروا عليها في إقرار القواعد ، وفي هذا الأمر يقول سعيد الأفغاني : ( كان لهم طرازهم في بناء القواعد على السماع والقياس والاجماع كما بنى الفقهاء أحكامهم على السماع والقياس والاجماع ، وذلك أثر من آثار العلوم الدينية في علوم اللغة)([22]) .
ويلخص بعض الباحثين جوانب الافادة لعلم النحو من الدرس الأصولي بجانبين :
الجانب الأول : يتعلق بالمصطلحات المنهجية التي تؤسس المفتاح للبنية النسقية للبناء الأصولي ، ويتناول بالضرورة ما يتصل بالأصول العامة للتفكير النحوي وأساليب الاستدلال .
الجانب الثاني : ويتمثل بالقضايا التطبيقية التي تمثل الثمرة العملية باعتبارها تنصب على القضايا التفصيلية والقواعد التطبيقية([23]) .
ونخلص بأن الدرس الأصولي يمثل البوصلة الحاكمة على العلوم الشرعية باعتباره قدم جملة من القواعد النسقية المنضبطة التي ساعدت العلوم على النضج ؛ والانتقال من المرحلة "الجينية" المتمثلة بالانتقال من الفرع الى الآخر ، فكانت للتجربة الأصولية مفتاحاً لنقل العلوم إلى التأصيل التقعيدي للمساهمة في التوصيل المعرفي لربط الفروع بأصولها ؛ كي لا تكون الفروع يتيمة ولا الأصول عقيمة .





















المجال الثاني : التطور المنهجي العملي
إن الدرس الأصولي على مدى تاريخه قدم جملة من النظريات المنهجية التي تمثل لبنات عملية في إعادة هيكلية البناء المعرفي اللغوي بما يتوافق مع المنهجية الأصولية .
وللعمق المعرفي والإثراء المنهجي فإننا نجد المدارس الأصولية قدمت نظرياتها العملية ؛ والتي تمثل محطة عملية للبناء عليها واستثمار مناهجها ؛ كي ينعكس هذا التطور المنهجي والعملي على العلوم ذات الصلة .
واختصاراً للأمر فسأشير إلى نظريتين متباينتين أفرزتهما التجربة الأصولية في ضبط الظاهرة اللغوية وتطويرها ، ووضعها في قوالب منضبطة ومحكمة .
فنجد الجمهور ينظر للألفاظ من ناحية منطوقها وما يفهم منه وهو المفهوم ، وعلى هذه القسمة الثنائية يوزعون مجمل أنواع الدلالة عليها .
فالمنطوق ما يفهم في محل النطق ؛ إذ نطقه قصد بلفظه جملة من المعاني وفي المقابل استبعد ما لم يتلفظ به ، فقسموا الدلالة بحسب تقسيم المناطقة إلى ثلاثة أقسام :
إذ اللفظ إما أن يدل على المعنى مطابقة ويعبر عنه بالنص .
أو تضمناً ويقصدون به الظاهر .
أو التزاماً فهو الاقتضاء ، إذا قصد المحذوف ، وكان ضرورة لصدق الكلام أو صحته ، أو إشارة إذا لم يقصد ، أو إيماء إذا كان مقصوداً ، ولم يكن فيه حذف .
وأما المفهوم فيشتمل على مفهوم الموافقة ، ويسمى تنبيه الخطاب وفحوى الخطاب ، وهو إعطاء المسكوت عنه حكم المنطوق من باب أولى في النفي أو الاثبات .
ومفهوم مخالفة ويسمى دليل الخطاب ـ وهو الحكم للمسكوت عنه بعكس حكم المنطوق([24]) .
فهذه المنهجية التي ضبط بها الدرس الأصولي دلالات الألفاظ يجب أن تستثمر في المجال المعرفي اللغوي والبناء عليه ؛ لتقديم نموذج متكامل بين المعارف الإسلامية .
وهذه المنهجية انفردت بوضع ألقاب وضوابط عملية لضمان عدم وقوع الاصطدامات بين قد تقع بين مراتب الدلالة في مستوى الاستدلال والترجيح .
ونجد في المقابل المدرسة الحنفية التي اختطت لنفسها منهجاً متمايزاً عن منهج الجمهور في وضع تصور ابداعي مستقل للظاهرة اللغوي ، تتخذ من فروع الأئمة كخيوط مترابطة ؛ لإعادة إحياء تلك القواعد التي كان أئمة المذهب يفسرون النصوص من خلالها ترتيباً وتركيباً وتبويباً وتلقيباً وتقريباً .
فإذا المدرسة الأولى اتخذت من قواعد المنطق منطلقاً للتقعيد النظري ؛ لضبط المفردات الجزئية عملياً ؛ فإن المدرسة الحنفية اتخذت من فروع الأئمة أصولاً جزئية معتمدين على الاستقراء مسلكاً كاشفاً ومظهراً لقواعد كانت لها حضور في أذهان الأئمة فقط ، فقام التلاميذ بإقامة البرهان على أن الاجتهاد النظري كان يتخذ القواعد النظري منطلقاً رئيساً .
وهذه المنهجية لا تقل رتبةً عن سابقتها ، وقد كان لتميزها الأثر البالغ في دوامها وتعامل الأجيال المتعاقبة على اتخاذها مسلكاً وضابطاً لمنهج النظر في الظاهرة اللغوي تأصيلاً وتنزيلاً
ويوضح العلامة ابن بيّه جانباً من تلك المنهجية فيقول : ( وأمام هذا الوضع اللغوي المترجح بين الجلاء والوضوح والظهور ، والغموض والالتباس توقف أهل الأصول ، وكان مجهودهم الأول منصباً على وصف هذه الظاهرة وتصنيفها وتنويعها ، ووضع لقب لكل صنف ونوع ، وهنا لا يتفقون أيضاً ؛ لأن علاقة اللفظ بالمعنى في كثير من الأحيان مشككة ، وشياتها قد تكون باهتة دقيقة ، فاختلفوا في الألقاب التوصيفية ، فالحنفية أطقوا أربعة ألقاب ، هي : المحكم ، والمفسر ، والنص ، والظاهر ، لكفة الوضوح ... أما الجمهور : فيطلقون كلمة المحكم ، ولكنهم يطلقونها على النص والظاهر ، يعني أن الواضح عندهم يسمونه محكماً ، إذاً ؛ المحكم يغطي المساحة التي يوجد فيها النص والظاهر)([25])


















المطلب الثاني : التطور على المستوى المعرفي
يمثل هذا المطلب مجالاً تطبيقياً يوضح المستوى التمايزي المعرفي للدرس الأصولي على سائر العلوم بما يؤهله بأن يكون المعيار الذي يُحتكم بقواعده والاستفادة ببحوثه واجتهادات رجاله .
ولبيان المستوى المعرفي فسأقف عند جملة من المستويات .
العمق المعرفي البحثي
إن الدرس الأصولي وإن كان البحث اللغوي أحد أعمدة بنائه فإن للمجال المعرفي وللميدان البحثي أثر ليكون للدرس الأصولي منهجه الخاص الذي يتوافق مع طبيعة ميدان دراسته .
لذلك يقول الامام الزركشي (رحمه الله) : (فإن الأصوليين دققوا النظر في فهم أشياء من كلام العرب لم تصل إليها النحاة ولا اللغويون ، فإن كلام العرب متسع، والنظر فيه متشعب، فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصولي باستقراء زائد على استقراء اللغوي .مثاله : دلالة صيغة افعل على الوجوب، و لا تفعل على التحريم، وكون كل وأخواتها للعموم، ونحوه مما نص هذا السؤال على كونه من اللغة لو فتشت لم تجد فيها شيئا من ذلك غالبا وكذلك في كتب النحاة في الاستثناء من أن الإخراج قبل الحكم أو بعده، وغير ذلك من الدقائق التي تعرض لها الأصوليون وأخذوها من كلام العرب باستقراء خاص، وأدلة خاصة لا تقتضيها صناعة النحو، وسيمر بك منه في هذا الكتاب العجب العجاب)([26]).
ويؤكد ذلك المعنى قبله الامام السبكي بقوله : (هذه التعريفات للأصل بحسب اللغة وإن كان أهل اللغة لم يذكروها في كتبهم وهو مما ينبهنا على أن الأصوليين يتعرضون لأشياء لم يتعرض لها أهل اللغة )([27]) .
ويذكر الشيخ عبد الكريم الخضير في شرحه للورقات للإمام الجويني تأييداً لمن سبق ، بتميز البحث الأصولي عن نظيره اللغوي ، وتأكيداً على التطور البحثي للمادة اللغوية لتتوافق مع منطلقات البحث الأصولي فيقول : (لذلك هناك مباحث بحثها أهل اللغة بشكل مبسط فاشتغل بها الأصوليون, وقعدوا لها من جديد وبحثوها في مباحث أوسع من أهل اللغة حتى أصبح علماء اللغة عالة عليهم يرجعون إلى علماء الأصول في هذه المباحث ... مثل علم الدلالة من الألفاظ يعني من حيث العموم والخصوص والأمر والنهي والإطلاق والتقييد والحقيقة والمجاز . وهذه النحويون يبحثونها لكن لم يستوفوا البحث فيه فاشتغل فيها علماء الأصول حتى أصبح أهل اللغة في هذه المباحث عيالاً على أهل الأصول يستفيدون منهم ويرجعون إليهم([28]).
ويؤكد هذه الحقيقة أحد الباحثين المعاصرين وإن كان له موقف من البحث الأصولي فيقول : ( فالقواعد الأصولية غالباً ما ينظر إليها كبحوث لغوية وليس فيها من اللغة العربية إلا الأسماء ، وهذه الأسماء أيضاً وضع لها الأصوليون معاني ليست هي معانيها بحسب اللغة ، مثل ألفاظ الأصل والعام ...)([29]).
ونخلص إلى أن الدرس الأصولي وإن كان الدرس اللغوي يمثل إحدى الأركان التي يستند عليها الأول ؛ فإنه ولطبيعة دراسته المعمقة فإنها اقتضت بحثاً مستفيضاً ومعمقاً يتجاوز أصل الاستمداد ليقوم بوظيف الامداد بتقديم تلك التصورات المنهجية التي استقاها من العلوم بحلة جديدة وتقديمها بإطار معرفي نظري وعملي يدلان على التفوق المنهجي والقدرة على التطوير .
العمق المقاصدي
يمثل الدرس المقاصدي جانباً من الجوانب العملية والحيوية التي تفرد بها الدرس الأصولي ؛ وذلك لأنه محاولة منهجية وتجديدية لاستنطاق النص الشرعي لتوليد مقاصد جزئية وكلية ، تمثل وحدات عملية لإيجاد قنوات جديدة يشملها النص لتلحق به ، وتحظى بنوع من الصفات التي يتحلى بها النص .
لذلك يقول الغلامة بن بيّه : (إن التعليل في الأحكام من أهم موارد الاجتهاد وأعظم قواعد الاعتماد ، فعليه اعتمد الفقهاء في وردهم وصدرهم ، ووجهوا إلى غايته سهام نظرهم)([30])
ويتمحور الجانب الوظيفي لمبدأ التعليل بأمرين :
الأول : الجانب الاستنطاقي : وذلك من خلال المحاولة في تحديد معنى النص ، وتفسيره في ضوء حكمة تشريعه ، وهو تحكيم لمعنى عقلي في فهم النص التشريعي .
الثاني : الجانب الاستثماري : وذلك من خلال التوسع في تطبيق النص ، وتعميم حكمه على كافة مواقع علته ، وبذلك يُكسب التعليل النص قوة منطقية([31]).
فالجانب الاستنطاقي يقوم بوظيفة استنباط العلل ، وذلك بالاستعانة بالمسالك المعروفة التي وضعها علماء الأصول ، من خلال نظرهم إلى تصرفات الشارع وتسجيل الأساليب التي يعبر بها عن العلل من خلال الخطاب .
وهذا الجانب يتمثل برصد العلل وتسجيلها ، ويمكن حصر الجانب الاستنطاقي بمحورين :
المحور الأول : النظر في الاجتهاد التعليلي الحِكْمِيَ (القاصر) وهو بذل الوسع لمعرفة العلة التي هي مناط حكمة التشريع ، لا من أجل التعدية والقياس ، ويتم ذلك بتعليل نص معين بعلة ، وهو ما يسمى بالتعليل بالعلة القاصرة ، وهو مختلف فيه بين أهل العلم .
المحور الثاني : النظر في الاجتهاد القياسي ، وهو (عبارة عن تحديد العلل الموجبة للأحكام في كل حكم بصورة خاصة ليتخذ منها مقياس من مقاييس الحكم فيما يراد إضافته على النصوص بطريق القياس)([32]).
فإن عملية الاستنطاق ليست سهلة جداً ، فالنصوص ليست كلها تبث العلل ظاهراً ، بل هي مبثوثة ظاهراً وباطناً ، وحتى ظواهر العلل لا يسلم لها الفقهاء ، فنجد رؤاهم متفاوتة ومتباينة ، على حد سواء .
فاستنطاق النص الشرعي : هي عملية منهجية يقوم المجتهد بالنظر في ظواهر النصوص وبواطنها وتقسيمها وسبرها للتوصل إلى علة مستنطقة ، واستبعاد العلل الصامتة ، التي لا يناط بها حكم ، ولا يلحق بها فرع ، فهي كالمنبت.
وبالتالي فعدم قدرة الناظر على استنطاق النص الشرعي ليس معناه بحال من الأحوال عدم وجود علة ، وإنما معناه عدم قدرته على استنطاق الدليل الجزئي ؛ وكذا الكلي .
وهذه هي العقول التي غلب عليها العجز الذهني والكسل الفكري حتى وصل بها الحال إلى وصف أحكام المعاملات بالتعبد وعدم وجود علل يمكن استنطاقها .
وأما الجانب الاستثماري : وهي محاولة جادة وفاعلة ومؤثرة بالقيام بجملة من الاستثمارات النظرية والعملية للبرهنة على الجانب الاستثماري ، ويتمحور ذلك بجملة من الاستثمارات .
أولاً : الاستثمار النظري : وهو جانب البيان : وهو القيام بببان صلاحية النص الشرعي على استنطاق ذاته ، واستثمار طاقاته لاحتواء الجديد وإلباسه لباس التقوى .
ثانيا : الاستثمار العملي: وهو جانب إقامة البرهان : وذلك من خلال إثبات العلاقة التلازمية بين قواعد الاستثمار التعليلي في الدرس الأصولي وبين مجريات العقول ، وبيان انطباق العلة المستنطقة من روح النص ، في آحاد صورها من خلال تلازم العلة بينهما .
والجانب الاستثماري لا يخلو من النظر والمراجعة ، بل معاول التعديل والترميم تتناوشه من كل مكان ، وذلك لضبطه ، ولبيان الدور الانضباطي كذلك للجانب الاستثماري ، وذلك بإن أدوات القدح التعليلي لتقف بالمرصاد ، لترى التوافق المنهجي النظري والعملي في الأصل والفرع ، وما قاعدة "القياس مع الفارق" عن الضبط ببعيد .
لذلك فالاستثمار ليس بمنأى عن النظر ، فخارج الدرس الأصولي كداخله ؛ لأن الفروع وإن كانت تعبر عن الوجود الخارجي ، فإنها بانضمامها للأصل المستنطق تكون مستنطقة أيضا ، لذلك نجد المدرسة المالكية تعتد بقياس الفرع المستنطق ثانياً على الفرع المستنطق أولاً .
فالاستنطاق هو إثبات أن العلة المستنطقة لا تقل قصداً عن النص المنطوق ، فعلاقة المنطوق بالمستنطق علاقة تلازمية ، كعلاقة الجار ذي القربى بالجار الجنب .
وأما الرتبة فهي متفاوتة ، فتارة تكون العلل منصوص عليها فهي في مرتبة النص الصريح (المنطوق) ، وتارة تنزل مرتبتها إذا كانت (مستنطقة / مستنبطة) وذلك لأن النص منفتح ، وبالتالي تتعدد العلل (المستنبطة) فيرى كل مجتهد علة فينيط الحكم بها ، وهنا تنزل مرتبتها .
فأهمية التعليل أثبتت قدرة أدواتها المعرفية على احتواء الجديد ، مهما تباعدت الأقطار ، واختلفت الديار ، لأنها شريعة خاتمة لكل الشرائع ؛ ولكونها احتوت في مضمونها جملة من الأسرار التي يقوم المجتهدون باستنطاقها واستثمارها في محالها ، لضمان سيرورة الحياة تحت راية الاسلام ؛ ولاستشراف مستقبل يحاول الانضمام تحت كلي الشريعة وتحت راية الاسلام .
والدرس اللغوي قد استثمر هذه المنهجية الأصولية إلا أنه لم يصل للمستوى الذي وصله أرباب الدرس الأصولي ، والأدلة على الاستفادة كثيرة ، ونذكر من ذلك ما ذكره أبو البركات الأنباري بقوله : ( حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه . كرفع الفاعل ، ونصب المفعول في كل مكان وإن لم يكن كل ذلك منقولاً عنه)([33]) .
وقد أجملت الدكتورة خديجة الحديثي تعريف القياس اللغوي على غرار نظيره الأصولي بقولها : ( حمل مجهول على معلوم ، وحمل غير منقول على ما نقل ، وحمل مالم يسمع على ما سمع في حكم من الأحكام ، وبعلة جامعة بينهما)([34])


















الخاتمة
بعد العرض السريعة للنظر في جوانب التعاضد والتمايز بين الدرسين الأصولي واللغوي والنظر في أثر الأول في الثاني على المستوى المنهج في ضبطه وتطوره .
ويمكن أن نجمل بعض النتائج :

  1. برعم أن الدرس الأصولي مستمد من اللغة العربية ، فإنه اختط لنفسه مجالاً معرفياً جعله يتفرد بمزايا منهجية كان لها الأثر في تطوير العلوم .
  2. اقرار اغلب اهل اللغة من السابقين والمحدثين بتأثر الدرس اللغوي بشقيقه الأصولي .
  3. تعددت جوانب الاستفادة من الدرس الأصولي سواء على المستوى البحثي والمعرفي .
  4. قدم الدرس الأصولي منهجية متكاملة يمكن استثمارها في ضبط النظر بين الألفاظ وعلاقتها بالمعاني .




















([1]) إثارات تجديدية في حقول الأصول العلامة عبد الله بن بيه ، دار تجديد .، (159) .

([2]) الإحكام في أصول الأحكام ،الآمدي ، (1/12) .

([3]) ينظر : البحر المحيط في أصول الفقه ، بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي ، تحقيق : محمد محمد تامر ، ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ، (، 1421هـ / 2000م)، (1/24) .

([4]) قواعد التصوف ، أبي العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى زروق الفاسي ، تقديم وتحقيق : عبد المجيد خيالي ، ط (4) ،دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان (1433هـ 2012م) ، (35) .

([5]) إشكالية تجديد أصول الفقه ، د محمد سعيد رمضان البوطي ، حوار مع د أبو يعرب المرزوقي ، ط (1) ، دار الفكر ، دمشق ، (1426هـ ـ 2006م) ، (160 ، 161 ، 162) .

([6]) فتاوى فكرية ، العلامة عبد الله بن بيه : ط (1) دار الأندلس الخضراء ، المملكة العربية السعودية ، (1420هـ 2000م) . (108) .

([7]) ينظر : أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات ، العلامة عبد الله بن بيّه ط (1) دار المنهاج ، جدة (1427هـ 2007) . ،(76 ، 77 ، 78) .

([8]) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ، عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي ، تحقيق : د. محمد حسن هيتو ، ط(1) ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، (1400هـ) ، (173) .

([9]) أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات ، (324) .

([10]) إثارات تجديدية في حقول الأصول ، (51) . وهذه المسألة لها علاقة بمجالات الاستثمار وسأذكرها بشي من التوضيح والتفصيل .

([11]) مقاصد الشريعة الإسلامية ، لشيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور ، تحقيق ومراجعة : الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة ، طبع على نفقة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليل آل ثاني أمير دولة قطر ،بإشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، (1425ه، 2004م) . (3/79 ، 80 ، 81) .

([12]) الرسالة ، الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، شرح وتحقيق : أحمد محمد شاكر ، ط (1) ،دار الاثار ،القاهرة ، (1429 هـ 2008م) ،ص 454 ـ 456 .

(([13])) إحكام الفصول في أحكام الأصول ، الإمام أبو الوليد الباجي ، تحقيق : د عبد الله الجبوري ، ط (1) مؤسسة الرسالة (1989م) ، 2/637

([14]) مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه ، الأستاذ عبد الوهاب خلاف ، ط (3) ، دار القلم ، الكويت ، (1392هـ 1973م) ، (17) .

([15]) معيار العلم ، حجة الاسلام محمد بن محمد الغزالي، تحقيق : سليمان دنيا ، دار المعارف . (107) .

([16])شرح الكوكب المنير ، أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار (ت 972هـ)، تحقيق : محمد الزحيلي و نزيه حماد ، ط (2) مكتبة العبيكان ، (1418هـ - 1997م) .(1/13) .

([17]) الايضاح في علوم النحو ، أبو القاسم الزجاجي ، تحقيق : مازن المبارك ، دار العروبة القاهرة ، (1960م) ، (73) .

([18]) ينظر : لمع الأدلة ،أبي البركات الأنباري ، قدمه وحققه : سعيد الأفغاني ، مطبعة الجامعة السورية ، (1377هـ 1957م) ، (157) .

([19]) الانصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ، (1/5) .

([20]) الاجتهاد النحوي في ضوء علم أصول الفقه ، الدكتور رائد عبد الله حمد السامرائي ، ط (1) ، دار الحكمة ، لندن ، (2012م) ،(20) .

([21]) ظاهرة الاعراب في النحو العربي ، أحمد سليمان ياقوت ، (79) .

([22]) في أصول النحو ، سعيد الأفغاني ، دمشق ، (1951م) ، (83) .

([23]) ينظر : تقويم الفكر النحوي ، الدكتور علي أبو المكارم ، ط(1) ، دار الثقافة ، بيروت (1395هـ 1975م)، (231) .

([24]) ينظر : أمالي الدلالات ، (77) .

([25]) أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات ، (96) .

([26])البحر المحيط ، بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي ، تحقيق : محمد محمد تامر ، ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان (1421هـ / 2000م) .، (1/9) .

([27]) ا الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ، علي بن عبد الكافي السبكي ، تحقيق : جماعة من العلماء ، ط (1) ، دار الكتب العلمية – بيروت (1404هـ) ، (1/21) .

([28]) شرح الورقات في أصول الفقه ، عبد الكريم الخضير ، (5 ، 6) ، دار المنهاج

([29]) المنطق وأصول الفقه ، الشيخ أحمد ولد محمد محمود، ط (1) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، (1435هـ 2014م) ، (150 ) .

([30]) إثارات تجديدية ، (62) .

([31]) ينظر : بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله ، د محمد فتحي الدريني ، ط (2) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، (1429هـ 2008م)، (1/141) .

([32]) المدخل إلى علم أصول الفقه ، معروف الدواليبي ، ط (6) ، دار الشروق الرياض ، (1415هـ 1995م) ، (355) .

([33]) الاغراب في جدل الاعراب ، أبي البركات الأنباري ، قدم له وحققه ، سعيد الأفغاني ، مطبعة الجامعة السورية ، (1377هـ 1957م) ، (45) .

([34]) الشاهد وأصول النحو في كتاب سيبويه ، الدكتورة خديجة الحديثي ، مطبعة مقهوي ، (1394 هـ 1974م) ، (221) .
 
أعلى