العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الرحمة في تشريع العبادات التخفيف أنموذجاً

إنضم
8 أبريل 2012
المشاركات
60
الكنية
كلية الامام الاعظم الجامعة
التخصص
أصول فقه
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
مالكي


الرحمة في تشريع العبادات التخفيف أنموذجاً

بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الأول بقسم الدراسات الإسلامية عن:
الرحمة في الشريعة الإسلامية
في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض
المملكة العربية السعودية



د . ايهاب محمد جاسم السامرائي













المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وإخوانه إلى يوم الدين

الشريعة الإسلامية بمنطوق نصوصها وبمستنطقات مقاصدها جاءت للتيسير عن العباد في كل التشريعات التي كلفوا بها ، دفعاً للمشاق عنهم ، وجلباً للتيسير لهم ، لتقع العبادات والمعاملات متوافقة مع الفطرة البشرية ، وتحت مستوى طاقتها .
وتأكيداً لسمو مقاصد الشريعة في الأذهان والعيان فقد تضمنت الأحكام والإجراءات العملية في الشريعة تقرير هذا المبدأ وترسيخ هذا المقصد ، ولم تكن التشريعات التي تضمنتها الشريعة والتي دعت إليها تحاول أن تثقل على الناس مالا يطيقون ، بحيث تفرض عليهم أحكاماً تنافي طبائعهم ولا تطيقها أبدانهم ؛ بل جاءت أحكام الشريعة توافق الفطرة ، وتكافئ القوة وتنسجم مع طبائع البشرية .
فراعت الشريعة ما يعرض للمكلف من عوارض ومشاق ، بحيث وضعت جملة من الاجراءات العملية التي تمثل جهازاً مناعياً يقوم برصد العوارض وتقديم العلاج الناجع لتخليص المكلف ورفع الحرج عنه ومنحه فرصة تأدية العبادة بما يتلاءم مع قدرته وظروف زمانه وإكراهات مكانه ، بحيث تكون هناك موازنة فلا افراط ولا تفريط ولا يخلو المحل من العبادة بحيث يبقى العبد دائماً متعلقاً بخالقه ؛ وتكون حالة المكره مقصودة للشارع كحالة المنشط ترسيخاً لمقصد التيسير والتخفيف .
والشريعة قدمت أنموذجاً فريداً لتشريع التكاليف فضبطت المفاهيم وحددت المضامين ورتبت العناوين ؛ لكي لا تكون الفروع يتيمة ولا تدع الأصول عقيمة ، فضبطت مسار توظيفها ؛ لتكون الشريعة قد قدمت برنامجاً متكاملاً للتشريع يتناسب مع كل الظروف والتحديات التي تعرض للمكلف ، وقد ضبطتها بميزان منضبط لا تتقاطع فيه الوظائف ولا تتنازع فيه الفروع على المراتب .
وقد جاء هذا البحث للإجابة عن ثلاث أسئلة:

  1. ماهي أوجه التخفيف في الشريعة الإسلامية .
  2. ما هي القواعد والأسباب للتخفيف في الشريعة الإسلامية .
  3. ماهي مبادئ التنظير وقواعد التنزيل للتخفيف في الشريعة .
أما أهداف البحث : إن الهدف الرئيس لهذا البحث هو الاجابة عن أسئلة البحث ، وتحقيق ثلاثة أهداف :

  1. البيان : وذلك لبيان مظاهر الرحمة والتخفيف في الشريعة .
  2. البرهان : استظهار الأدلة وإقامة البراهين على أوجه التخفيف في الشريعة .
  3. العنوان : وضع جملة من الألقاب المنهجية لضم فروع التخفيف تحت كلي يعمها وأصل يضمها.
أما منهج البحث: وللإجابة عن الأسئلة ولتحقيق الأهداف فيتطلب سلوك منهج ذي ثلاث أبعاد:

  1. بعد استقرائي حيث يتم استقراء أوجه التخفيف في العبادات .
  2. بعد تحليلي حيث يتم تحليل أوجه التخفيف من أجل ربطها بأصول الشرع وأحكامه ومقاصده.
  3. بعد استنباطي حيث يتم استنباط جملة من العناوين والقواعد لتكون معالم لفقه التخفيف.
أما خطة البحث :
مقدمة ( تبين أهمية البحث وقيمته وأهدافه ومنهجه وخطته ).
المبحث الأول : التأصيل لمقصد التخفيف في الشريعة الإسلامية
المبحث الثاني : أوجه التخفيف في التكاليف الشرعية
المبحث الثالث : مبادئ التنظير وقواعد التنزيل .




















المبحث الأول : التأصيل لمقصد التخفيف في الشريعة الإسلامية
إن مقصد الرحمة في الشريعة الإسلامية يمثل المظلة الكبرى التي تستظل بها المقاصد الخاصة والجزئية ، ولبيان مفرداتها المقصدية وتجلياته سنقتصر على مقصد التخفيف بياناً وبرهاناً وعنواناً ؛ لتوضيح المفاهيم ، وتحديد المضامين ، وترتيب العناوين ، ولتحقيق ذلك سنشير إلى ثلاثة أهداف :
الهدف الأول : بيان مقصد التخفيف :
تعريف التخفيف : لغة : (الخَفَّةُ والخِفّةُ ضِدُّ الثِّقَلِ والرُّجُوحِ يكون في الجسم والعقلِ والعملِ)([1]).
أما في الاصطلاح : فالتخفيف ( تسهيل التكليف أو إزالة بعضه)([2]) .
فالتخفيف المقصود شرعاً هو : تسهيل أداء التكليف الشرعي بالتغيير في أنظمته ووسائل أدائه ، وإزالة بعض التكاليف تخفيفاً عن المكلف ؛ لضمان حسن أداء التكليف وعلى الوجه المقصود شرعاً .
الهدف الثاني : التأصيل لمقصد التخفيف : وللتأصيل سنقف عند مسألتين :
المسألة الأولى : إقامة البرهان على مقصد التخفيف في الحالات العامة والاستثنائية:
وردت نصوص كثيرة في الشريعة تدل على تقصيد التخفيف باعتباره يمثل مقصداً شرعياً يضم تحته فروع كثيرة ، فتمثل النصوص تارة كلي التخفيف ، وتارة جزئيه . فقد ثبت مقصد التخفيف بأدلة من الكتاب : كقوله تعالى : {يُرِ‌يدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ‌ وَلَا يُرِ‌يدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}‌ ([3]) وقوله :{ يُرِ‌يدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} ([4]) وقوله :{ مَا يُرِ‌يدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَ‌جٍ}([5]) وقوله: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَ‌جٍ }([6]) .وقوله{ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَ‌هُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}([7]) .
وأما أدلة تقصيد التخفيف الكلي في السنة فكثير نقتصر منها على ما يلي :
عن أنس عن النبي (r) قال : ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا )([8]) . وقوله : ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )([9]) ، وقوله لمعاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن ( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا )([10]) ، وقوله لما بال الأعرابي في المسجد وتناوله الناس (فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)([11]) ويقول العلامة بن عاشور بعد أن ذكر جملة من النصوص الشرعية (إن من مقاصد الشريعة : التيسير ؛ لأن الأدلة المستقراة في ذلك كله عمومات متكررة ، وكلها قطعية النسبة إلى الشارع ، ؛ لأنها من القرآن ، وهو قطعي المتن)([12]). ويقول : ( واستقراء الشريعة دل على أن السماحة واليسر من مقاصد الدين)([13]). ويؤكد هذا المعنى الإمام الشاطبي بقوله : (إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع)([14])ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن مقصد التيسير والتخفيف والرحمة نصت عليه الشريعة الإسلامية بنصوصها الكلية العامة ، وبنصوصها الجزئية الخاصة التي لا يمكن قصرها على سببها الخاص ، وبالتالي وجب اظهار كليها وجزئيها وتحديد مفهومها ومضمونها ومرتبتها .
المسألة الثانية : إقامة البرهان على مقصد التخفيف في الحالات العامة :
إن التكاليف الشرعية ليست هي صانعة المشقة والحرج والعنت ، فالمشقة والعنت خارجة عن التكاليف الشرعية ، فهي تكاليف تتضمن في طياتها الرحمة والتخفيف ومن فضل الله على عباده أن شرع لهم تخفيفات في التكاليف تيسر عليهم أدائها ، عندما تعرض لهم عوارض فيها مشقة في حياتهم ، فيخفف عنهم التكاليف رغم أنها في بعض الأحيان ذهبت أسبابها ، ويشير لذلك ما روي عن يعلي بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب ( ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله r عن ذلك. فقال « صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته »([15]).
فالتخفيفات الشرعية مصاحبة للتكاليف الشرعية رغم ذهاب السبب الذي لأجله شرع القصر ، وهو الأمان ، فقد فهم يعلي بسليقته العربية وتفعيلاً لمفهوم المخالفة أنه بتوفر الأمن يسقط تفعيل قصر الصلاة ، فجاء الجواب الشافي والدواء المعافي ليوضح المنهجية التشريعية لهذه الشريعة بتضمنها التخفيف والرحمة .
الهدف الثالث : عنوان التخفيف بين تحديد المضامين وترتيب العناوين :
لنا أن ننظر لمصطلح (التخفيف) من جانبين :
الجانب الأول : تداخل المضامين وافتراق العناوين :
إن مصطلح (التخفيف) له علاقة (التعاضد) و (التمايز) مع المصطلحات ذات الصلة ك(الرخصة) و (الحاجة) و (التيسير) و (الرحمة) فالارتباط بينها تارة يكون ارتباط الروح بالجسد والمعدود في العدد ، وتارة يقع بينها تمايز واضح يصل إلى الانفكاك والتنافر.
فالضابط المنهجي لبيان التمايز بينها ، تارة يكون بالبيان المفهومي ، وتارة يكون البيان بالجانب المضموني ، فالفروع هي التي تحدد الفروق الدلالية بين المصطلحات مفهوماً ومضموناً .
إن مفهوم التخفيف يتأسس من عنصرين : التسهيل والازالة ، وكلا العنصرين يحمل قدراً كبيراً من الغموض المفهومي أولاً والمضموني ثانياً ، وذلك لأنه من الكلي المشكك الذي يتفاوت في أحواله ومحاله . وإن كان مفهوم التخفيف غير مسور بحد منضبط يمكن أن يقاس بالعد ، إلا أن فيه عناصر محددة التقسيم هما : التسهيل ، والازالة ، فعنوانها الموضوع وتقسيمها المرفوع يضبط مسارها ويثبت لها الاستقلالية المنهجية المفهومية والمضمونية ، ويحدد مسارها التمايزي عن باقي المفاهيم ، وبهذا ينضبط وجود الأذهان والعيان نسبياً .
إذلم تلتزم الشريعة صورة معية لبيان مقصد التخفيف التسهيل ، ولم تلتزم مسلك واضح في الازالة ، فتارة تزيل التكليف بالكامل وتبدله بغيره ، وتارة تؤجله إلى حين ، وتارة تزيل بعضه .
يتبين لنا من خلال الجانب المفهومي والمضموني أنه بين مصطلح التخفيف والرحمة والتيسير والرخصة تعاضد مفهومي ومضموني ، إذ أن أوجه التداخل بينهما شائك لا يمكن فك الارتباط بينها بسهولة ؛ إلا أنه يوجد تمايز في المفاهيم والمضامين ؛ لكنه محدود مقارنة بالتعاضد .
وبنظرة إلى المصطلحات ذات الصلة يتبين لدينا أن بينها تعاضد وتمايز :
السماحة هي :(سهولة المعاملة في اعتدال ، فهي توسط بين التضييق والتساهل )([16]) . وأما الرخصة :( ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه)([17]).الحرج العام هي:( المشقة التي لا قدرة للإنسان على الانفكاك عنها أو التخلص منها ، لكونها خارجة عن قدرة الإنسان وامكاناته)([18])
فالتخفيف هو وجه من أوجه الرحمة ، يتعاضد مع المفاهيم الأخرى بهذا الارتباط ، وأما الافتراق فالتخفيف ينحو بالتكاليف تسهيلاً وإزالةً ، وأما المصطلحات الأخرى فلها محامل أخرى ، فالسماحة توافقه من حيث التسهيل إلا أنها لم تحدد الكيفية ، وأما الرخصة فتوافق التخفيف ولا تخالفه ، وذلك لأن الرخصة من مجالاتها التسهيل ، وكذلك الاسقاط فالرخصة تقتضي في بعض حالاتها عدم أداء التكليف بالكامل لأن المكلف عرض له عارض اقتضى عدم قدرته على أداء ما كلف به .
الجانب الثاني : تحديد مراتب العناوين :
من المعلوم بأن الشريعة أسست بنياناً متماسكاً ، فضبطت المفاهيم ، وحددت المضامين ، ورتبت العناوين ؛ ولكي لا يقع اختلاط في مراتب العناوين وتتنازع على ارتقاء المراتب ، وكذا تتنازع بإلحاق الفروع بغير عناوينها ومراتبها ؛ فلا بد من تحديد مراتب العناوين تحت أصل يضمها وراية تجمعها وتعمها .
فالجنس الأعلى هو مصطلح (الرحمة) فيمثل الجنس الأعلى الذي يضم كل الألقاب تحت مفهومه ، ونجده حاضر بقوة في تعريف المفاهيم والمضامين ، ولولا التمايز المنهجي والمصطلحي بين الجنس الأعلى والأنواع لأطلقنا على كل الفروع مصطلح الرحمة .
والهدف في استصحاب التقسيم المنطقي هو لبيان سلم العناوين والمضامين معاً ويتحدد ذلك بـ :
أولاً : بيان التمايز بين (الجنس والنوع) الرحمة ، والتخفيف والحرج والرخص والضرورة والتيسير والسماحة.
ثانياً : بيان التمايز بين فروعها ، ليتحدد المفهوم وينضبط الماصدق في الوجود الخارجي ؛ ليلتحق كل فرع بأصل يضمه وكلي يعمه ، ويلتزم بأحكامه ومراتبه .
ثالثاً : بيان التمايز المضموني لضمان شرعية البقاء المفهومي ، فلو كان الاختلاف فقط من جهة العناوين وكانت من باب الترادف لم يكن للتقسيم أي اعتبار ، وأصبح وجود المصطلح عارية حسب تعبير الإمام الشاطبي([19])
فمقصد التخفيف علاقته بمقصد الرحمة علاقة الكلي بالجزئي ، إذ أن مقصد الرحمة أعم من مقصد التخفيف ؛ فالأخير يتعلق بالمكلفين من المسلمين وفي التشريع خاصة ، أما مقصد الرحمة فهو أعم وأشمل فهو لا يختص بالمكلفين فقط إذ يشمل الإنسان والحيوان والجماد ، ولا يقتصر على التكاليف ؛ وإنما ينتشر في مقاصد السلوك والأعمال .
وأما علاقته بالمقاصد الأخرى فهي علاقة الترادف الجزئي تارة والكلي تارة أخرى ؛ إذ نجد أن بينها تطابق في كثير من الأوجه ، وتارة نجد بينها عموم وخصوص وجهي ومطلق تارة أخرى .





المبحث الثاني : أوجه التخفيف في التكاليف الشرعية
وللوقوف على مجالات التخفيف التي ورد بها النص الشرعي تصريحاً وتلميحاً ، سنقف عند ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى :أوجه التخفيف العامة :
ونقصد بأوجه التخفيف العامة ، استقراء جملة من النصوص الشرعية التي تدل على أن الشريعة جاءت وأكدت على التأصيل لمقصد التخفيف من حيث مبادئها وقيمها الكلية العامة التي لا تختص بباب دون باب ، ولا بمسألة دون أخرى ، وهو نوع من البيان للمسالك المنهجية التي اتخذتها الشريعة للتأصيل لمقصد التخفيف تيسيراً على العباد في أداء التكاليف ، ويمكن حصرها بأربعة مسالك:
المسلك الأول : التدرج في التشريع تأصيلاً لمقصد التخفيف :
يعد التدرج في التشريع من السمات البارزة لمنهج الإسلام في مراعاة حال الأفراد والمجتمعات ، تخفيفاً عنهم وتيسيراً بما يتلاءم مع قدرتهم في المنشط والمكره . وقد أخذ مبدأ التدرج صوراً كثيرة لبيان أوجه التخفيف عن الأمة ، فتارة يكون التدرج من الأسهل إلى الأصعب لتتلقاه الأنفس برضا وهي السمة البارزة ، فقد نزل القرآن مفرقاً على ثلاثة وعشرن سنة ليؤكد هذا المبدأ العام ، وذلك كفرص الصلاة فإنها لم تفرض خمس صلوات إلا بعد المعراج([20]) ، والصوم فرض في السنة الثانية من الهجرة ([21]) .
المسلك الثاني : النسخ أو تبديل الحكم تأصيلاً لمقصد التخفيف :
من مظاهر العناية الربانية رعايته لظروف المكلفين ، وحرصه على أن يأتي التكليف مناسباً لأحوالهم تخفيفاً عنهم بأن نسخ لهم بعض الأحكام ، وجاء بأحكام تناسب قدراتهم رفعاً للحرج عنهم وتيسيراً وتسهيلاً لهم ، ومن تلك الصور : قيام الليل : فقد جاء في القرآن في سورة المزمل قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَ‌تِّلِ الْقُرْ‌آنَ تَرْ‌تِيلًا}([22]) وهذا نص في فريضة قيام الليل ، وقد ظل الرسول r وصحابته ممتثلين لهذا الأمر حتى نزل بعد سنة من نزول هذه الآيات ، قوله تعالى في آخر هذه السورة : {إِنَّ رَ‌بَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّـهُ يُقَدِّرُ‌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ‌ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَ‌ءُوا مَا تَيَسَّرَ‌ مِنَ الْقُرْ‌آنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْ‌ضَىٰ ۙ وَآخَرُ‌ونَ يَضْرِ‌بُونَ فِي الْأَرْ‌ضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ ۙ وَآخَرُ‌ونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ فَاقْرَ‌ءُوا مَا تَيَسَّرَ‌ مِنْهُ }([23]) ومن ثم كانت هذه الآيات نسخاً لفرض قيام الليل ، الذي أصبح حكمه بموجب هذه الآيات ، مندوباً إليه لا فرضاً .
وقد أكد ذلك أيضاً ما رواه مسلم بسنده من حديث طويل : أن سعد بن هشام ابن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله ، فقدم المدينة ، والتقى بالسيدة عائشة ، وسألها عن قيام رسول الله r فقالت : ألست تقرأ :{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ }، قلت : بلى . قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام النبي rوأصحابه حولا ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضته([24]) . وقد بينت الآيات الناسخة علة التخفيف بأن من الناس من هو مريض أو مسافر أو طالب للرزق أو غاز ، وهؤلاء يشق عليهم القيام ، فخفف الله عن الكل لأجل هؤلاء([25])
المسلك الثالث : الاستثناء تأصيلاً لمقصد التخفيف :
من يتتبع آيات التشريع في القرآن الكريم ، فإنه يجد أنه في كثير من الأحكام جاءت النصوص التشريعية متضمنة لحكمين :
الأول : للظروف العادية وهو المعبر عنه بالعزائم ، والثاني : للظروف الاستثنائية ، وهو المعبر عنها بالرخص ؛ بحيث يعرض للمكلف أمر لم يكن في الحسبان ، فيقتضي ذلك العدول من الحكم الأول إلى الثاني تخفيفاً عنه ، لما يترتب على تطبيق الأول من عنت ومشقة قد تصل في بعض الأحيان الى الهلاك ، وسنتحدث عن جانب الرخص التي أناط الشارع بها التخفيف بقسم مستقل .
وجاء في شرح مختصر الروضة بيان ذلك بقوله : (العزيمة ... شرعاً : الحكم الثابت لدليل شرعي خال عن معارض ) ، ويبين الإمام الطوفي ذلك بقوله : (فالعزيمة واقعة في جميع هذه الأحكام ... وقولنا خالٍ عن معارض : احتراز مما ثبت لدليل شرعي ، لكن لذلك الدليل معارض مساوٍ أو راجح ؛ لأنه إن كان المعارض مساوياً ، لزم الوقف ، وانتفت العزيمة ، وثبتت الرخصة ، كتحريم الميتة عند عدم المخمصة هو عزيمة ؛ لأنه حكم ثابت لدليل خالٍ عن معارض ، فإذا وُجِدَتِ المخمصة ، حصل المعارض لدليل التحريم ، وهو راجحٌ عليه حفظاً للنفس ، فجاز الأكل وحصلت الرخصة )([26]) .
المسلك الرابع : السكوت عن التشريع تأصيلاً لمقصد التخفيف :
إن الشارع نص على التكاليف الشرعية التي أمر عباده بأن يلتزموا بها ، ونص على ما حرم عليهم ، وكل تلك التشريعات تضمنت الرحمة والتخفيف عنهم ، وهو أعلم بما يصلحهم ويتوافق مع قدراتهم .
والحق قادر على تشريع ما لم يخطر على قلب بشر ؛ لكنه رحمة بالأمة فقد جاء النهي في القرآن عن السؤال فقال:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْ‌آنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ‌ حَلِيمٌ}([27]) ، وكذلك نص النبي r : فعن أبي الدرداءt قال: قال رسول الله r "إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها وحد لكم حدودا فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تكلفوها رحمة من ربكم فاقبلوها"([28]) .
فهذه النصوص تؤسس لمقصد التخفيف والتقليل في التشريعات لتناسب مقدرة البشرية على تأدية العبادات ، إذ ليست الشريعة قصدها النكاية بالعباد وتعجيزهم ، بل جاءت التشريعات والتكاليف مناسبة للفطرة البشرية .
المسألة الثانية : أوجه التخفيف الخاصة بالرخص :
إن هذا القسم يشير إلى جملة من صور التخفيف في الشريعة الخاصة بلقب يجمعها ، إلا أن هذا اللقب هو من باب الكلي الذي لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه ، حسب تعبير المناطقة ، أي أن هذه الأوجه يرتبط بها في الغالب جملة من فروع التخفيف المتعلقة بالعبادات ، وهناك الكثير من الفروع التي تندرج فيه من أبواب المعاملات إلا أن خصوص بحثنا عن العبادات ؛ فلذلك سنتجاوزها .
ويمكن الاقتصار على أوجه التخفيف الخاصة التي ذكرها الإمام ابن عبد السلام([29]) والعلامة العلائي([30]) :
ولبيان سبب ارتباط هذه الصور بالرخص ، نقول : قسم علماء الأصول خطاب الشارع على قسمين : خطاب تكليف ، وخطاب وضع ، فالأول متعلق ببيان صفة الحكم الشرعي ومرتبته من وجوب واستحباب وإباحة وحرمة وكراهة ، والثاني متعلق بتقييد الخطاب بالأسباب والشروط والموانع ، فخطاب الشارع مقيد بخطاب الوضع ، فالصيام واجب على من تحققت فيه الشروط وقامت عنده الأسباب وانتفت عنه الموانع ، فإذا لم تتحقق فيه الشروط ولم تقم الأسباب ولم تنتف الموانع لم يتعلق به الخطاب وانتقل من حالة العزيمة إلى حالة الرخصة .
ومفهوم الرخصة والتخفيف مترادفان في كثير من الصور التي سنشير إليها :
الصورة الأولى : تخفيف اسقاط :
والاسقاط هو زوال مطالبة المكلف أصلاً بالفعل ، أو زوال المطالبة بالفعل إلى أجل ، إذا زال العذر ، وهو وجه من محاسن الشريعة ويسرها وتخفيفها في أداء التكاليف حسب قدراتهم ومراعاة لحالهم . وبالنظر إلى الفروع التطبيقية لمفهوم الاسقاط فإنا نجده على نوعين :
الأول : اسقاط من جهة الشارع : ويمكن تقسيم أنواع الاسقاط في التكاليف إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : التخفيف بالإسقاط نهائياً :
فالشارع اسقط عن بعض المكلفين بعض التكاليف نهائياً ، وذلك لتناسب حالاتهم ، ولما تصاحبه من مشقة في تأدية العبادة ، كسقوط الصلاة عن الحائض فعن معاذة : "أن امرأة قالت لعائشة أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت ؟ فقالت أحرورية أنت ؟ كنا نحيض مع النبي r فلا يأمرنا به أو قالت فلا نفعله"([31]) .
القسم الثاني : اسقاط مرحلي :
وذلك كإسقاط الصيام عن المسافر والمريض والحائض والنفساء ، لقوله تعالى:{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِ‌يضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}‌ ([32]) . وهذا الاسقاط ليس الى الأبد وإنما هو مرحلي إلى أجل ، فعند ذهاب صفة السفر والمرض عن المكلف يعود إليه الحكم ويطالب بإكمال صيامه وقضاء ما فات ؛ وهذا الاسقاط مركب : فالحائض والنفساء لا تقضي الصلاة وتقضي الصيام .
القسم الثالث : اسقاط بدلي : وذلك للشيخ الفاني ، فإنه تلزمه الكفارة .
فمقصد تخفيف الاسقاط يكون على عدة أوجه : اسقاط بلا بدل ، واسقاط ببدل من جنسه (قضاءً)، واسقاط ببدل من غير جنسه (كفارةً) . والاسقاط لا يكون إلا بأسباب وضعها الشارع .
الثاني : اسقاط من جهة المكلف : وهذا النوع لا يتعلق بباب التكاليف الشرعية ؛ وإنما يتعلق بأبواب المعاملات المرتبطة بحقوق العباد . ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون هذا الوجه خالصاً بنسبة الاسقاط للمكلف ، فالحق سبحانه هو المشرع والمرشد إلى أوجه التخفيف رحمة بالعباد .كإسقاط أولياء المقتول حقهم بالقصاص والانتقال إلى الأخذ بالدية ، فقد وصفها تعالى بأنها من صور التخفيف ، يقول تعالى :{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّ‌بِّكُمْ وَرَ‌حْمَةٌ}([33])
الصورة الثانية : تخفيف إبدال : وهذه صورة آخرى من أوجه التخفيف ، ولها وجهان :
الأولى : إبدال كلي: كإبدال الوضوء بالتيمم عند فقد الماء ، أو لشدة المرض ، لقوله تعالى :{ وَإِن كُنتُم مَّرْ‌ضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}([34]) .
الثانية: إبدال جزئي :كإبدال غسل القدمين في الوضوء بالمسح على الخفين في السفر والحضر لمشقة نزعه في كل وضوء ، ولشدة البرد ، فعن عاصم، عن زر، قال: أتيت صفوان بن عسال أسأله عن المسح على الخفين، قال :"كان رسول الله r ، يأمرنا في السفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من نوم، وغائط، وبول"([35]).
ومقصدية التبديل : تشير إلى أن التخفيف لا يقتضي خلو المحل عن قربة يتوسل بها لأداء العبادة ، فالانتقال من الوضوء إلى التيمم هو انتقال من مقصد إلى مقصد ، من مقصد أشد إلى مقصد أخف .
الصورة الثالثة : تخفيف تنقيص : التنقيص عكس التكثير أي التقليل من الأعمال بما يتناسب وحال المكلف ، تيسيراً عليه أداء التكليف ، بإزالة بعض ما كلف به ، وله وجهان :
الأول: تنقيص جزئي : كقصر الصلاة ، وقد نص على ذلك الكتاب العزيز لقوله تعالى :{وَإِذَا ضَرَ‌بْتُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُ‌وا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا ۚ إِنَّ الْكَافِرِ‌ينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا}([36]) ، وقد جاء القصر للصلاة الرباعية ، الظهر والعصر والعشاء .
الثاني :تنقيص كلي : كتنقيص عدد الصلوات في حديث المعراج والمراجعة ، حيث قام النبي r بمراجعة الباري U بإشارة من كليم الرحمن موسى u لأجل التخفيف في عدد الصلوات فبدأ بالخمسين وانتهى بخمس ، وهذا نص صريح في التخفيف عن الأمة ، ففي حديث طويل جاء فيه : " فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت ؟ قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي"([37]).
ومقصدية التنقيص راعى فيها الشارع قدرة العباد ومستويات امكانياتهم البدنية بما يتوافق مع عدد المكتوبات ، لتقع متوافقة مع امكانياتهم في حال اقامتهم وسفرهم .
الصورة الرابعة : تخفيف تقديم :
فهذا النوع من التخفيف مرتبط بزمان أداء العبادة ، ومن المعلوم أن من شروط صحة الصلاة دخول وقتها ، وهناك آيات وأحاديث تدل على أهمية الوقت وفضله ؛ ولكن خففت الشريعة بظروف خاصة لبعض التكاليف المؤقتة بزمن معين ، استثناءً تجعل المكلف بإمكانه تقديم العبادة عن وقتها. ولمقصد تخفيف التقديم وجهان :
الأول : تقديم موسمي : وهو تقديم الصلوات في الحج في عرفة . وقد بوب البخاري في صحيحه باباً بعنوان " باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة"([38]) . وجاء في وصف حج النبي r يؤكد على مقصدية التقديم " ...ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف..."([39])
الثاني : تقديم ظرفي : كالجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء تقديماً بسبب السفر والمطر والخوف ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان رسول الله r يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء"([40]).
الصورة الخامسة : تخفيف تأخير :
التأخير ضد التقديم ، وهو أيضاً من صور التيسير والتخفيف المتعلقة بزمان أداء التكاليف الشرعية ، وفيما يخص تأخير الصلاة فيقال فيها ماقيل في تقديمها .
وكذلك فمقصد تخفيف التأخير له وجهان :
الأول : تأخير موسمي : وهو كذلك يتعلق بالحج . فعن ابن عمر أن رسول الله r "صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا"([41])
والثاني : وتأخير ظرفي :وهو يتعلق تارة بالسفر والمرض والابراد ورفع الحرج :
أما الحر :فعن أبي ذر قال أذن مؤذن رسول الله rبالظهر فقال النبي rأبرد أبرد أو قال انتظر انتظر وقال : " إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة"([42]) .
السفر : عن أنس قال كان النبي r إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما"([43]).
الجمع لرفع الحرج :وعن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " صلى رسول الله r الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر". قال أبو الزبير فسألت سعيدا لم فعل ذلك فقال سألت ابن عباس كما سألتنى فقال : "أراد أن لا يحرج أحدا من أمته"([44]) .هذا التعليل ينسجم مع مطلق رفع الحرج عن الأمة
ومقصدية التقديم والتأخير تهدف لمراعاة الحالات التي تعرض للمكلف في السفر والبرد والخوف ، حفاظاً على تأدية العبادات على وجه لا يضر بالمكلف ولا يفوت تأدية التكليف .
وتشير مقصدية التخفيف تقديماً وتأخيراً وتبديلاً وتنقيصاً واسقاطاً ؛ بأن القصد الأول المحافظة على التكاليف الشرعية بوجه لا يخل بالمقصد الكلي ، ولا يضر بالمكلف ، بحيث لا يخلو المحل عن التكليف ، فيبقى العبد متصلاً بربه عزيمة ورخصة ، بنفس المرتبة ، إذ أنهما مقصودان للشارع أصالة .
الصورة السادسة : تخفيف ترخيص :
وهذا وجه من أوجه التخفيف نزولاً عند العوارض التي تؤدي بالمشقة في أداء التكاليف الشرعية : فعن نافع : أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم قال : " ألا صلوا في الرحال " ثم قال :" إن رسول الله r كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر ، يقول : ألا صلوا في الرحال "([45]) . فالأصل أن تكون الصلاة في المسجد لقصد تشرفهم بتأدية العبادة جماعة في المسجد ؛ إلا أن حدوث عوارض خارجة عن ارادتهم جعلت الشارع يرخص لهم بتأدية العبادة في رحالهم ، خشية أن يصيب أحدهم ما يضره من مرض أو سقوط بسبب المطر والريح .
الصورة السابعة : تخفيف تغيير :
كتغيير نظم الصلاة في الخوف ؛ لما فيها من أمور خارجة عن سيطرة الناس وقدراتهم ؛ ولأن في تغيير نظام العبادة تحقيق لمقصود الشرع ، ففيه محافظة على العبادة وعدم تركها في أحلك الظروف وأقساها ، وفيه محافظة على الأنفس وعدم تعريضها للهلاك حين أداء العبادة بشروطها وأسبابها وأركانها . وقد يكون فيه تمويه للأعداء فيظنوا أن المسلمين منشغلون بصلاتهم فيقوموا بهجوم ، فيتفاجؤون بأن هناك أعداداً أخرى لم يصلوا قد قاموا بمهمة الحراسة ، فيصدوهم ويردوهم على أعقابهم ، وقد نص القرآن على ذلك بقوله :{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَ‌ائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَ‌ىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَ‌هُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ‌ أَوْ كُنتُم مَّرْ‌ضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَ‌كُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِ‌ينَ عَذَابًا مُّهِينًا} ([46]) .
المسألة الثالثة : أوجه التخفيف الخاصة بأبواب العبادات:
والمقصود بهذه المسألة ذكر بعض صور التخفيف المتعلقة بأبواب التكاليف وهي تخفيفات متعلقة بمسألة بعينها ، وليست مطردة ، فهي تمثل لبنة في بناء كلي وليست مفهوماً كلياً بل جزئي يمكن استثماره في بناء الكليات ، وقد سبق وأشرنا إلى بعض التخفيفات المتعلقة بالباب ، وقد نوردها هنا .
الأول : التخفيفات المتتعلقة بباب الطهارة :
الصورة الأولى :التخفيف بعدم نقض المرأة شعرها عند الاغتسال من الحيض وغيره :
كان عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن من حيض أو نفاس أو جنابة أن ينقضن شعر رؤوسهن حتى يصل الماء إلى أصوله ، ولم يكن قد بلغه سنة في ذلك . فعن عبيد بن عمير قال : بلغ عائشة أن عبدالله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت يا عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله r من إناء واحد ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات"([47]) .
فالشريعة راعت في تكليف الاغتسال قدرة المكلف ، فتارة تسقط الاغتسال بالكامل وتبدله بالتيمم ، وتارة تخفف في كيفيته ، وهذا يدل على أن مراتب التخفيف متفاوتة فتارة يكون تخفيفاً بالكامل وتارة جزئياً ، وهذا لأن مفهوم التخفيف من باب الكلي المشكك حسب تعبير المناطقة ، وهذا التخفيف الجزئي يشير إلى التسهيل في كيفية الاغتسال والتنقيص في مقداره .
الصورة الثانية : التخفيف بنضح الماء على بول الصبي :
عن علي بن أبي طالب ، أن النبي rقال : "في بول الرضيع : ينضح بول الغلام ، ويغسل بول الجارية"([48]).
وهذه صورة أخرى لأوجه التخفيف في التعامل مع النجاسات ؛ ولأن الصبي يكثر حمله خففت الشريعة بنضح الماء على الثياب عند بوله .
الصورة الثالثة : التخفيف في تقليل التكاليف خشية المشقة ابتداءً :
وقد وردت أحاديث تدل صراحة على ترك التكليف بالأمور الشاقة ، فعن أبي هريرة عن النبي r قال : ( لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل )([49]) .
الصورة الرابعة : التخفيف بسبب الخوف على النفس:
عن عمرو بن العاص t أن رسول الله r أمره على جيش ذات السلاسل وفي الجيش نفر من المهاجرين والأنصار وفيهم عمر بن الخطاب t فاحتلم عمرو بن العاص في ليلة شديدة البرد فأشفق أن يموت إن اغتسل فتوضأ ثم أم أصحابه فلما قدم تقدم عمر بن الخطاب t فشكا عمرو بن العاص حتى قال وأمنا جنبا فأعرض رسول الله r عن عمر فلما قدم عمرو دخل على رسول الله r فجعل يخبر بما صنع في غزاته فقال له رسول الله r أصليت جنبا يا عمرو فقال نعم يا رسول الله أصابني احتلام في ليلة باردة لم يمر على وجهي مثلها قط فخيرت نفسي بين أن أغتسل فأموت أو أقبل رخصة اللهU فقبلت رخصة الله U وعلمت أن الله U أرحم بي فتوضأت ثم صليت فقال رسول الله r :" أحسنت ما أحب أنك تركت شيئا صنعته لو كنت في القوم لصنعت كما صنعت "([50]) .
فهذا الحديث يؤصل لمقصد التخفيف ، ويؤصل لمراعاة الأولويات وحفظ الأنفس من الهلاك ، تقديماً على أمر يمكن استدراكه بالاجتهاد أو القضاء ، على أمر لا يمكن استدراكه كذهاب النفس .
الثاني : التخفيفات المتتعلقة بباب الصلاة :
الصورة الأولى : التخفيف في عددها : وقد سبق وأشرنا لذلك ، لكن سنعيدها تحت لقب يجمعها :
أولاً : التخفيف من خمسين إلى خمس . ثانياً : التخفيف من رباعية إلى ثنائية .
الصورة الثانية : التخفيف في كيفية أدائها :فقد راعت الشريعة قدرات المكلفين في جميع أحوالهم ، فمن لم يستطع القيام لأداء الصلاة فإنه الشارع رخص له بالجلوس بما يتلاءم مع مقدرته ؛ لكي لا يفوت فضيلة الفريضة وأجرها ، فعن عمران بن حصين t قال : كانت بي بواسير فسألت النبي r عن صلاة فقال :" صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب "([51]) .
فمقصد التخفيف مقصود شرعاً ، والتخفيف لا يسقط التكاليف الشرعية إلا في حالات نادرة واضطرارية لا يمكن معها تأدية المطلوب شرعاً ، والتخفيف في الغالب ينقص من التكاليف ويغير في أنظمة أدائها وكيفياتها ، بحيث لا يخلو المحل عن التكليف .
الصورة الثالثة : التخفيف على الأمة في مكان ايقاعها :
ومن مظاهر التوسعة واختصاص هذه الأمة بالفضل ، التسهيل على الأمة بأداء العبادة في أي مكان طاهر متى حان وقت أداء الفريضة ، بينما لم تكن الأمم السابقة تنعم بهذا الامتياز ، ويشير لذلك ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول اللهr جاء فيه : " وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان "([52]) .
الصورة الرابعة : التخفيف بنهي الأئمة عن التشقيق على المأمومين :
عن محارب بن دثار قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يصلي فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ فقرأ بسورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل وبلغه أن معاذا نال منه فأتى النبي r فشكا إليه معاذا فقال النبي r ( يا معاذ أفتان أنت ) . أو ( فاتن ) ثلاث مرات " فلولا صليت بسبح اسم ربك والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة "([53]) .
وهذا الحديث يؤصل لمقصد التخفيف في أداء التكاليف الشرعية ، مراعاة لحالة المصلين وقدراتهم لاختلاف مستوياتهم فإن فيهم الضعيف والمريض والكبير وذو الحاجة . ومفهوم التخفيف في القراءة أمر نسبي إذ يقدره أهل كل مسجد ، لاختلاف بيئة تحقيق المناط من مسجد إلى مسجد ، فمسجد السوق ليس كمسجد المحلة ، وليس كالمسجد الحرام ، فتقدير الواقع له أثر في توظيف واستثمار مقصد التخفيف .
الصورة الخامسة : تخفيف لمن أدرك جزءاً من الفريضة :
وذلك كالناسي والنائم والمنشغل والذي حالت حوائل علته غير مهيئ لأداء فرضه ، كالمجنون إذا أفاق والصغير إذا كبر والحائض إذا طهرت ، ويؤصل لمقصد التخفيف ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r: ( إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته )([54]) .
الصورة السادسة : التخفيف لمن شهد العيدين من أهل العوالي :
ومن التخفيفات في التكاليف لمن شهد العيدين ، إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فقد رخص لمن شهد العيد بترك الجمعة ، فعن إياس بن أبى رملة الشامي قال شهدت معاوية بن أبى سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال أشهدت مع رسول الله r عيدين اجتمعا في يوم قال نعم. قال فكيف صنع قال صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال « من شاء أن يصلى فليصل »([55]).والرخصة في ترك الجمعة إنما هي لأهل العوالي الذين منازلهم خارج المدينة ممن ليست عليهم جمعة واجبة لأنهم خارج المصر ؛ والجمعة إنما تجب على أهل المصر([56]) .
الثالث : التخفيفات المتتعلقة بباب الصيام :
الصورة الاولى :التخفيف تيسيراً على من نقض صيامه :
فعن أبي هريرة (t) قال : جاء رجل إلى النبي (r) فقال : هلكت يارسول الله ، فقال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، فقال : " هل تجد رقبة ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ؟ " قال : لا ، ثم جلس فأتي النبي (r) بعرق فيه تمر ، قال : " تصدق بهذا " ، قال : على أفقر منا ؟ فما بين لا بتيها أحوج إليه منا ، فضحك النبي (r) حتى بدت أنيابه ، ثم قال : " أطعمه أهلك"([57]) .هذا النص يؤسس لجملة من المسائل: الأولى : بيان يسر الشريعة ورحمتها وحدود تخفيفها . الثانية : المفتي له الحق في النظر في حال المستفتي واسقاط عنه بعض التكاليف .الثالثة : تحديد أنواع التخفيفات وصورها لا يمكن أن يقتصر عليها ، فللمجتهد أن يسقط بعض التكليفات عن المستفتي إذ عرضت له عوارض ، وبالتالي فالمسألة اجتهادية في إعمال النظر للإسقاط وغيره.
الصورة الثانية : التخفيف عن الناسي :
كمن أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً : عن أبى هريرة t قال: قال رسول الله r « من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه »([58]).
الصورة الثالثة : التخفيف عن الشيخ في تقبيل زوجته :
عن عائشة : أن النبي r رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ، ونهى عنها الشاب وقال :« الشيخ يملك إربه ، والشاب يفسد صومه »([59]). وهذا الوجه من التخفيف يؤصل لعدة قضايا : الأولى : يؤصل لمبدأ التخفيف ابتداءً . الثانية : يؤصل إلى أن المسألة اجتهادية ، ومنوطة بملك الإرب ، فمن ملك اربه من الشيوخ جاز له التقبيل ، ومن وجد في نفسه الخشية فالأولى ترك التقبيل ؛ فالمكلف هو المعني بتحقيق المناط .الثالثة : يؤصل هذا الحديث لدليل سد الذريعة ، وهذا دليل على التعاضد بين مقصد التخفيف والأدلة .


الرابع : التخفيفات المتتعلقة بباب الحج :
الصورة الأولى : جواز الانابة في الحج :
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كان الفضل رديف النبي r فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي r يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ . قال ( نعم ) ([60]).وهذا الحديث يؤصل لمقصد التخفيف ، ويؤصل لجواز انابة المرأة عن الرجل في الحج خاصة ، وجواز الانابة عن الحي في الحج خاصة ، وكل تلك التخفيفات مشروطة للشيخ الكبير .
ولو تتبعنا أوجه التخفيف السابقة لأدركنا أن الشريعة شرعت أوجهاً للتخفيف خاصة بابواب التكاليف ولها مقاصدها ، ويمكن لنا أن نضيف أبواباً مقصدية خاصة بالأشخاص ، كالشيخ الكبير فله جملة من التخفيفات المتعلقة به . فيمكن لنا ذكرها هنا لبناء تصور كلي لذلك .
مقصد التخفيف المتعلق بالشيخ الكبير : التخفيف في اسقاط الصيام عنه ، والتخفيف في كيفية أداء التكاليف كالصلاة جالساً ، وجواز التقبيل ، والانابة عنه في أداء الحج ، فكل هذه التخفيفات لتدلل على أهمية التعامل مع الكليات بدل التعامل مع الجزئيات مما يتطلب اعادة بناء الفقه المقاصدي على هذه الشاكلة .
ويمكن أن نعبر عن هذه المنهجية بـ "صناعة المفاهيم" وذلك بإعادة بناء الكليات ، بجمع فروعها تحت أصل يضمها وكلي يعمها ؛ بإحياء كلي كان غائباً أو غائراً ؛ لإنتاج أحكام للكليات كما أن هنالك أحكاماً للجزئيات .
الصورة الثانية : التخفيف برفع الحرج عند التقديم والتأخير :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله r وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ فقال ( اذبح ولا حرج ) . فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال ( ارم ولا حرج ) . فما سئل النبي r عن شيء قدم ولا أخر إلا قال ( افعل ولا حرج ) ([61]) . وتشير هذه الصورة لوجه من أوجه التخفيف عن العباد في تأدية العبادة البدنية ، فراعى فيها احتمالية الخلط فرخص لهم فيما يقع من تقديم وتأخير لبعض الشعائر .
الرابع : التخفيفات المتتعلقة بباب الزكاة :
الصورة الأولى : التخفيف في أخذ الزكاة بما يناسب حال الفقراء :
وهو ما يعبر عنها بأخذ القيمة ، وإن اجتهاد الصحابة y موقوف على إقرار النبي r في زمانه ، فإن اجتهاد معاذ بأخذه من أهل اليمن الملابس بدل عين النصاب هو تحقيق لمقصد الشارع بسد خلة الفقير ، فعن طاووس قال : قال معاذ يعني بن جبل باليمن : "ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة "([62]) .
المبحث الثالث : مبادى التنظير وقواعد التنزيل
إن مبادئ التنظير لمقصد التخفيف لا بد أن تتحلى بجملة من الضوابط المنهجية والتقعيدية التي توضح المسار المنهجي تأصيلاً ، وتنضبط بقواعد الارتباط في الواقع تنزيلاً ؛ لكي لا تكون مبادئ التنظير معزولة عن قواعد التنزيل ، بل لا بد أن يضبط المفهوم نظرياً وينضبط في الوجود الخارجي عملياً .
ولبيانها فسنقف عند جملة من الألقاب التي تحدد مبادى التنظير وقواعد التنزيل ، وهي ثلاثة :
المبدأ الأول : الاستنباط:
والمقصود به :استخراج أوجه التخفيف من التكاليف الشرعية واستثمارها.
أما الاستنباط فقد تم من خلال الاستقراء لأوجه التخفيف بياناً وبرهاناً وعنواناً .
فمقصد التخفيف مطلوب ومقصود شرعاً بالسياق الأصلي ، وليس بالسياق التبعي ، إذ أن الرخص والعزائم مقصودة للشارع ، تكييفاً وتنزيلاً عند حدوث عوارض للمكلف تجعله غير قادر على تأدية المطلوب عزيمة ، فيعدل عنه فيؤدي المطلوب رخصة ، ويؤصل لهذا المعنى الحديث الذي يرويه ابن عمر عن رسول الله rقال : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه )([63]) . فالتخفيف أعم من الرخصة ؛ إلا أنهما يترادفان في الماصدق كثيراً ، وبخاصة فيما يتعلق بالأشياء الواضحة والمحددة والمنضبطة ، وهو المتعلق بعنصر الإزالة .
ولبيان المنحى الاستنباطي لمقصدية التخفيف فسنقف عند ثلاثة مسائل :
المسألة الأولى : المنحى الاستنباطي المقصدي للتخفيف :
مقصد التخفيف كلي منتشر في أغلب التكاليف الشرعية ؛ إلا أنه يكون أظهر في مواضع ، وأخفى وأدق في مواضع أخرى ، فيحتاج إلى نظر وإعمال فكر ، وسبر وتقسيم لتحديد مقصدها .
ويمكن لنا تحديد واستنباط جملة من مقاصد التخفيف في التكاليف الشرعية :
مقصد التخفيف كلي في تشريع العبادات تيسيراً على العباد في أداء المفروضات .
اتخذت الشريعة وسيلة التدرج في التكاليف تخفيفاً على العباد .
نسخت الشريعة كثيراً من التكاليف تخفيفاً عن العباد .
سكتت الشريعة عن إلزام الناس بتكاليف اضافية تخفيفاً عن العباد .
مقصد التخفيف لا يجعل المحل خالياً بل يوفر البديل الأخف .
مقصد التخفيف هو عبارة عن جهاز مناعي ودفاعي يقوم بسد النقص وتوفير البديل الأنسب للمكلف ، ويسقط تارة التكاليف ، أو يوفر وسيلة تناسب المكلف على تأدية التكليف .
مقصد التكليف لا يسقط التكاليف الا في حالات ضيقة ومحددة ؛ لكي يبق العبد في اتصال بخالقه .
مقصد التخفيف يراعى قدرات الإنسان البدنية فلا يكلفه ما لا يطيق .
مقصد التخفيف يرفع الحرج عن المريض ومن يخشى أن يهلك فيسقط عنه التكاليف .
مقصد التخفيف يوازن بين حالات المشقة غير المعتادة فيخفف اسقاطاً تارة ، ويخفف تارة بتغيير الوسيلة تارة أخرى إذا كانت المشقة معتادة ومألوفة .
اتخذ مقصد التخفيف وسائل متعددة في التعبير عن مقصديته : تغييراً وتنقيصاً وتقديماً وتأخيراً وإلغاءً وترخيصاً وتيسيراً وتوسيعاً وتبديلاً وتعويضاً ورفعاً للحرج ودرءاً للمفسدة .
مقصد التخفيف اجتهادي فيقوم بتقديره المكلف تارة والمفتي تارة أخرى فيحقق المناط .
وهذه المقاصد لا بد للفقيه من استثمارها ونشرها ، ليعلم الناس أن في دينهم فسحة ، وأن الشريعة لم تأت لقصد العنت والنكاية بالعباد ؛ بل جاءت للتخفيف عنهم ورفع الحرج تيسيراً وتوسيعاً .
المسألة الثانية : المنحى البياني التوظيفي لمنهجية الورود لمقصدية التخفيف :
تنوعت صور ورود التخفيف في الشريعة إلى خمسة صور:

  1. فتارة يأتي لفظ التخفيف صريحاً .
  2. وتارة يأتي تلميحاً .
  3. وتارة بذكر البديل .
  4. وتارة بذكر النعمة والفضل .
  5. وتارة بذكر الأولى .
المسألة الثالثة : المنحى الانتاجي :
والمقصود بهذا المنحى عدم الاقتصار على منهجية الاستنباط فقط ؛ بل إعادة تركيب الجزئيات لبناء مقاصدي كلي يربط الجزئيات المقصدية تحت راية تجمعها ولقب يضمها ، لكي لا تبق الفروع يتيمة ، ولا الأصول عقيمة ؛ بإنتاج فروع لها نسب ، وكليات لها ولد .
ونعبر عن هذه المنهجية بــ "صناعة المفاهيم" وذلك لإنتاج مقاصد للتخفيف ؛ لإبراز كليها ، وربط الفروع بأصولها وتقنين الفقه ، وتقوية المستند ، وتحجيم دائرة الخلاف .
ومراحل صناعة المفاهيم الانتاجية هي : الاستنباط ، والتركيب ، والانتاج .
وعلى هذه المنهجية يعاد بناء الفقه المقاصدي ، لربط الفروع المتناثرة تحت كلياتها ، وبهذا تتيسر سبل انتاج الأحكام ، وتتقرب المضامين ، وتحدد الأحكام ، وتؤكد على رحمة الشريعة وتخفيفاتها .
كمقاصد التخفيف عن المسافر ، ومقاصد التخفيف عن الحائض والنفساء ، ومقاصد التخفيف عن الشيخ الفاني ، ومقاصد التخفيف عن المريض .
المبدأ الثاني : الانضباط :
والمقصود: الالتزام بمنهجية الدرس الأصولي تأصيلاً لقواعد التخفيف ، استيعاباً للشروط والأسباب والموانع المتعلقة بخطاب الوضع .
وللوقوف عند خاصية الانضباط فسنشير إلى أربع مسائل :
المسألة الأولى : التعامل مع قواعد الكلية انضباطاً([64]) :
إن التعامل مع الكليات أولى من التعامل مع الفروع الجزئية ، التي لا تؤسس بناء ، بل توسع دائرة الخلاف والتنابز بالجزئيات ، فالقواعد الكلية تضبط مسار الفروع الجزئية ويؤسس منها البناء القطعي والكلي ، ويشير إلى أهمية البناء الكلي العلامة عبد الله بن بيّه بقوله : ( إن من شأن التجديد في أصول الفقه أن يرشح الكليات ويرجحها على النظر الجزئي الذي جعل الأمة تعيش مبارزة ومنابزة حول كل فرعية في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية والتعايشية . ففي كل مجال يمكن سرد عشرات القضايا التي لو درست بنظر كلي لأمكن أن تجد حلولاً تخفف من غلواء الاختلاف )([65]) .
لا بد من استثمار مقصد التخفيف وتوظيفه في البناء الكلي ، وننقل الفقه من الفقه الفردي إلى الفقه المجتمعي الكلي ، فنستثمر المقاصد على هذا الاساس ، ونستثمر التخفيفات الشرعية للمجتمع كما نستثمرها ونوظفها للفرد .
فلا بد من نقل الأمة من النظرة الجزئية إلى النظرة الكلية ، ولا بد من استثمار فقه التخفيف المقاصدي واستثماره وتنزيله وبثه في الاجتهادات الفقهية احياءً لفقه التخفيف من جهة ، وتوظيفه في الاجتهادات المعاصرة تارة أخرى .
المسألة الثانية : التعامل مع قواعد الانضباط استثماراً لمقصدية التخفيف :
ومقصد التخفيف يستظل بظل القواعد الفقهية المتعلقة بهذا الباب : تأكيداً وتأسيساً واستصحابا وانضباطاً.
فأما التأكيد : فمقصد التخفيف يؤكد على تقصيد القواعد الفقهية المقصدية كالمشقة تجلب التيسير .
وأما التأسيس : وهو باب تمايزي يختط فيه مقصد التخفيف جوانب تقصيدية متمايزة عن مقاصد التيسير ورفع الحرج والرحمة والرخصة ؛ لضمان الانفراد بالتأصيل والتوظيف .
وأما الاستصحاب: فهذا منحى استثماري تعاضدي يتم فيه التعاضد بين مقصد التخفيف والمقاصد الكلية التي تؤصل للرحمة ورفع الحرج ، فهو منحى يتجاوز التأكيد إلى الاستثمار والتوظيف التعاضدي بما يتناسب مع الجانب التوظيفي ، فهو جانب يجمع بين التعاضد والتمايز بما يخدم مقصد التخفيف .
وأما الانضباط : فإن مقصدية التخفيف حين انتقالها في المراتب الثلاثة تأكيداً وتأسيساً واستصحاباً ، فإنه لا يمكن أن يتحرر ويتجرد من ضوابط تقعيدها وتوظيفها واستثمارها ؛ بل إن مقصد التخفيف يلتزم بضوابط التأصيل والتوظيف والتنزيل .
وهذه المنهجية استخلصناها من نصوص الشريعة المنصوصة والمستنطقة ، التي رسمت القواعد والضوابط لاستثمار مقصدية التخفيف ؛ لتسير على الخطوط المنهجية التي وضعتها الشريعة استثماراً وتفعيلاً .
المسألة الثالثة : قواعد الانضباط الأصولي تقييداً وانفتاحاً :
لا تمثل قواعد الانضباط لمقصد التخفيف تقييداً وتحجيراً لمجالات استثماره وتوظيفه ؛ وإنما تمثل منهجية منضبطة ومسطرة محكمة لضبط سيرورة تفعيل مقصد التخفيف في محاله بلا غلو أو تقصير ، بل بمنهجية وسط بين الافراط والتفريط .
فإن كلي العزيمة وكلي الرخصة مقصودان شرعاً بالسياق الأصلي من حيث التأصيل ، وأما من حيث التوصيل _ والمقصود به التنزيل على الواقع وهو الارتباط _ فإن المكلف مطلوب منه أن يؤدي العزائم ابتداءً ، فإذا عرضت له عوارض حالت دون تأدية المطلوب فإنه ينتقل إلى الرخص المقيدة بسياج من الشروط والضوابط ، والتي لا يمكن تجاوزها .
والضوابط لا تعني عدم تفعيل التخفيفات الشرعية وتصوير العبادات وكأنها خالية من الرحمة ، فلا بد من تفعيلها وتوظيفها حسب المنهجية الشرعية ، إلا أنه في الواقع قد وظفت في بعض محالها على أنها مجرد كلفة وإلزام ، فألحقوا بها كثيراً من المبالغات والاحتياطات مما عقدها وضاعف في كلفتها ، وحتى الرخص أحاطوها بسياج من الشروط التعجيزية التي أخرجتها من صفة الرخصة ولم يبق الا الاسم ، وقد ألف العلامة المرحوم عبد الحي بن الصديق كتاباً لإبطال التشديدات الفقهية الخاصة بالطهارة والصلاة ، وذكر أن الرخص التي أريد بها التيسير والتخفيف هي نفسها كانت موضع تشديد وتعسير ( حتى صارت تلك الرخص التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده تيسيراً عليهم ورفعاً للحرج عنهم أشد عسراً من العمل بالعزيمة المشروعة ابتداءً)([66]).
المسألة الرابعة : تصحيح المفاهيم :
التخفيف ليس وسيلة للانفلات من ربقة القيود والضوابط الشرعية ، بل إن مقصدية التخفيف مرتبطة بالضوابط ارتباط الروح في الجسد ، والمعدود في العدد ، وأوجه التخفيف التي سبق ذكرها تقيم البرهان على أنها ملتزمة بالضوابط وليست خارجة عنها .
ولا بد من الالتزام بأوجه التخفيف التي شرعها ربنا سبحانه ، وأي اتجاه آخر فهو انحراف عن المقصد الأصلي ، وتحرر من ربقة القيود والضوابط والمسار الحاكم ، إذ أن (كل أمر شاق جعل الشارع فيه للمكلف مخرجا فقصد الشارع بذلك المخرج أن يتحراه المكلف إن شاء كما جاء في الرخص شرعية المخرج من المشاق . فإذا توخى المكلف الخروج من ذلك على الوجه الذي شرع له كان ممتثلا لأمر الشارع آخذا بالحزم في أمره وإن لم يفعل ذلك وقع في محظورين. أحدهما مخالفته لقصد الشارع كانت تلك المخالفة في واجب أو مندوب أو مباح والثاني سد أبواب التيسير عليه وفقد المخرج عن ذلك الأمر الشاق الذي طلب الخروج عنه بما لم يشرع له )([67]) .
المبدأ الثالث : الارتباط :
المقصود بالارتباط هو تنزيل كلي التخفيف على محله بلا افراط ولا تفريط .
ولضبط منهجية التنزيل سنقف عند ثلاثة مسائل :
المسألة الأولى : تشخيص المحل :
إن معرفة المقدمة الكبرى لا تكفي لتنزيل الحكم الشرعي ، بل من الضروري تشخيص المحل والنظر في مدى تخقق أصل الرخصة فيه لإعطائه حقه بلا وكس ولا شطط ، فمعرفة أن التخفيف مقصد شرعي لتنقيص عدد الركعات في السفر لا يكفي إلا بعد النظر في تحقق أصل السفر في المكلف ، وذلك بالتعرف على بيئة المحكوم عليه .
وقد يؤدي تطبيق الرخصة إلى نقيض مقصدها فعندها لا بد للمفتي من إبقاء الحكم الشرعي على عمومه وعدم تعديته وتوظيفه في هذا المحل ، وهذا لا يعني نسخ الحكم إلا أن أسباب الحكم لم تقم ، ولم تتحق شروطه أو لم تنتف موانعه ، كما فعل أمير المؤمنين عثمان بترك القصر في السفر في خلافته، وقال:(إني إمام الناس، فينظر إلي الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين؛ فيقولون: هكذا فرضت)([68]) . فلم يقصر الصلاة في الحج رغم أنه يعلم بأن النبي r فعل ذلك إلا أنه أبصر شيئاً لم يطلع عليه الكثير ، فلم يوظف التخفيف في محله ؛ لأن المحل لم تتحقق فيه الشروط ، ولم تنتف موانعه ، ولم تقم أسبابه .
فالمسألة تحتاج إلى اجتهاد وخاصة فيما يتعلق بتوظيف مقاصد التخفيف بالنسبة لكل الأمة ، فنحتاج إلى إدراك المحل ومدى تقبله لتنزييل الحكم الشرعي ؛ لكي لا يعود الفرع على أصله بالإبطال .
لا بد من نقل الأمة من النظر الجزئي إلى النظر الكلي وتهيئة الاجتهاد الجماعي الذي يوفر الآلية المنضبطة والصالحة لنقل الأمة إلى بر الأمان وتخليصها من التنزيلات الفردية المنفلتة التي أوقعت الأمة في احتراب ومنابزة .
فبيئة الواقع التي توصف بأنها تقتضي التخفيف تقع على ثلاثة صور :
الصورة الأولى : التطابق : وعندها ينزل الفقيه الحكم الشرعي التخفيفي على صورة الواقع . كقوله تعالى :{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِ‌يضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}‌([69]) فعند تحقق السفر يسقط الصيام إلى أجل .
الصورة الثانية : التباين : فصورة الواقع يدعي أصحابها بأنها تحتاج إلى تخفيف ؛ إلا أن الفقيه يرى بعد النظر بأنها لا تقتضي ذلك ، وبالتالي لا ينزل الحكم التخفيفي عليها ، وذلك إما لعدم المطابقة : كأدنى أذى في أصبع فإنه لا يستوجب الافطار في رمضان، أو لأن في تنزيل كلي التخفيف على محله سيؤدي إلى نقيض قصده ، كما أشرنا في ما روي عن أمير المؤمنين عثمان وتعامله مع الأعراب .
الصورة الثالثة : التشاكك : وهي صورة الواقع الغير واضحة ، بإلحاقها بكلي التخفيف أو عدمه ، وبالتالي يحتاج هذا الواقع إلى مصابيح تبدد ظلمة الواقع ليرى الفقيه الواقع على بصيرة ليتسنى له التنزيل من عدمه.
كالأمراض التي يتعرض لها الصائمون والتي لم يتضح بعد مشقتها ، فهذا النوع من الأمراض يحتاج إلى العرض على المختصين ، وتحقيق المناط فيها ؛ لكي يقع التنزيل مناسباً للحكم .
المسألة الثانية : ترقية المستفتي :
المستفتي لا يقل أهمية عن المفتي إذ كلاهما مطلوب منه تنزيل الحكم الشرعي على الواقع ، مع الفارق بينهما : إذ أن المستفتي مطلوب منه أن يرتقي بما يؤهله لحسن تنزيل الحكم الشرعي على واقعه خاصة ، بينما المفتي لابد أن يرتقي إلى ما يؤهله لضمان حسن تنزيل الحكم الشرعي على واقعه وعلى واقع غيره .
وفي هذا الإطار لا بد من ترقية المستفتي وتزويده بكل المعلومات التي تبصره بكيفية تنزيل الأحكام على واقعه دون الحاجة إلى استشارة الفقيه ؛ لأنه تقع عليه المسؤولية بتحقيق المناط ، فهو الذي يحدد طهورية الماء من نجاسته ، وبالتالي إما أن يتوضأ به أو يذهب للبديل وهو التيمم ، وهكذا دواليك .
وعلى هذا فإن المستفتي تقع عليه مسؤولية تحقيق المناط ، إلا أنها مقيدة ومحددة بشخصه فلا تتعدى إلى غير محله .
إلا أن هناك أمور غير واضحة فتحتاج إلى بصير بقواعد الشرع وأبجديات العصر وتحدياته ليرسم الخطوط المنهجية بتنزيل الدواء لمن يستحقه ، بقدر معلوم على مراحل وعلى فترات تناسب حال المستفتي ، وفي هذه الحالة لا ينهض بتحديد الضرورات والمشقة والحرج إلا الفقيه .
لذلك يقول العلامة بن بيّه ( إن أول محقق للمناط هو من يتوجه إليه الخطاب ؛ لأن خطاب الشارع مستويات ومراتب ، فمنه ما هو موجه إلى الفرد في خاصة نفسه ...)([70]) .
المسألة الثالثة : عدم خلو المحل([71]) من التكليف :
إن المحل لا يمكن أن يخلو عن حكم شرعي ، فإنه وإن نزلت بالناس نوازل وأقضية فيها نوع من المشقة ، فإن الشارع أحاط بالمحل جملة من الرخص والتخفيفات التي تسهل على الناس وتزيل عنهم المشقة .
ومن المغالطات اعتبار التكاليف الشرعية فيها المشقة بذاتها ، وهذا خطأ ، فالتكاليف الشرعية بذاتها فيها يسر ومراعية لقدرات الناس الجسمية والفطرية ، إلا أن العوارض التي تعرض لمكلف جعلت الشريعة تخفف عنه بعض التكاليف رحمة بالعباد وتسهيلاً لهم بتأدية العبادات بأكمل وجه .
ورغم كل ذلك فإن الشريعة لا تترك المكلف بلا عبادة ، فحتى المكلف الذي لا يستطيع تأدية عبادة الصلاة قائماً ، فلابد أن يؤديها ولو على جنبه أو إيماءً أو برأسه أو بقلبه ، وكل ذلك لكي لا يترك المحل بلا عبادة ؛ فضلاً عن ذلك فإن تخفيف الاسقاط فإنه مرحلي وإلى أجل أو يكلف بتأدية كفارة .
الخاتمة
* النتائج: إن هذا البحث جاء للبيان ، وإقامة البرهان ، وإثبات العنوان .
الهدف الأول : البيان : فقد قامت هذه الدراسة ببيان مقصد التخفيف في الشريعة ، وتوصلت إلى أن مفهوم التخفيف في الشريعة له ثلاثة مظاهر :
المظهر الأول : البياني ، ولتوضيحه سنقف عند مرحلتين :
الأولى : البيان المفهومي : إن مفهوم التخفيف في الشريعة يتضمن عنصرين : التسهيل والإزالة ، وكلا العنصرين يحمل قدراً كبيراً من الغموض النسبي في تحديد ماهيتهما ، فيبرز من خلال هذا أن الشريعة اعتمدت هذا المقصد إلا أنها لم تحدد كيفية استثماره ، مما يجعل المجتهد في فسحة من النظر والتأصيل والتوصيل .
الثانية : البيان المضموني : اتخذت الشريعة الاسلامية لتقصيد التخفيف عدة مسارات لإبرازه والتزامه ، إذ لم تلتزم الشرية منهجاً واحداً لتأصيله ، بل انها وسعت مجالاته ليتسع ويشمل جميع التحديات التي تعرض للمكلف إذ قدمت برنامجاً متكاملاً ومنضبطاً ومرتبطاً ؛ لاحتواء الأزمات والمشقات .
الهدف الثاني: البرهان : فقد قامت الدراسة بعملية استقرائية لإثبات مقصد التخفيف ، وتم ذلك على مرحلتين :
المرحلة الأولى : التقعيد البرهاني النظري : وتم ذلك على من خلال مظهرين :
الأول : البرهان المفهومي : لم يقتصر إثبات مقصد التخفيف على الكتاب فقط ، بل إن التأصيل النظري والعملي للسنة النبوية أكد على مقصدية التخفيف .
الثاني : البرهان المضموني : تضمنت الشريعة تقصيد التخفيف كأحد المناهج التي تعبر عن يسر الشريعة ، فقد أحاط مقصد التخفيف بأبواب التكاليف الشرعية تيسيراً على العباد ، وقد تنوعت أوجه تقعيده .
المرحلة الثانية : التقعيد البرهاني التمايزي : ولبيان مظاهر التمايز البرهان لمقصد التخفيف وقفنا عند ثلاثة عناصر ، وهي : الاستنباط ، والانضباط ، والارتباط :
العنصر الأول :الاستنباط المقصدي : فقد تضمن جملة من المقاصد الخاصة المتعلقة بمقصد التخفيف ، التي تؤصل له الاستقلال المنهجي والوظيفي، ولبيان الانفراد الاستنباطي توصلنا إلى نتيجتين :
الأولى : الاستنباط الجزئي : فقد تضمن البحث جملة من المقاصد الجزئية للتخفيف ، التي يمكن أن تعبر عن سعة الشريعة تارة ، وتشير إلى مرونتها تارة أخرى ، من ذلك : فأوجه التخفيف الستة التي أشار إليها الإمام ابن عبد السلام لا تمثل حصراً جامعاً مانعاً ؛ بل الأمر يرجع للاجتهاد فقد يلوح للمجتهد وجه يرى فيه ضرورة الاسقاط عن بعض المكلفين الذين لم يشملهم مقصد الاسقاط التخفيفي بالنص ، فيلحق بهم الاسقاط التخفيفي الاجتهادي .
الثانية : الاستنباط الكلي : وتم الاستنباط فيه بوجهين :
الأول :الاستنباط المقصدي الكلي والجزئي : وذلك لأن مقصد التخفيف تارة يكون كلياً وتارة جزئياً ، فيشير إلى جانب معين ، أو مسألة خاصة جزئية .
الثاني :الاستبناط الوظيفي الكلي : وذلك بنقل المقاصد من جانب التوضيح إلى جانب التفعيل ، وذلك بصناعة المقاصد : أو صناعة المفاهيم المقاصدية الكلية ويهدف ذلك لتحقيق أربعة أهداف:
الأول : ربط المقاصد الجزئية بعضها ببعض لبناء مقصد كلي .
الثاني : نقل المقاصد من المجال الجزئي إلى المجال الكلي ؛ لضمان الاستقلال الوظيفي ؛ ولنقل المقصد من الظنية إلى القطعية .
الثالث : تقنين الفقه المقصدي وإبراز مجالاته الوظيفية الكلية .
الرابع : تجاوز الاختلاف والتباين في التوظيف من خلال المقصد الجزئي ؛ بنقل الأمة من دائرة الخلاف الجزئي إلى التعاضد الكلي ، وتقليص دائرة الاختلاف بتوسيع دائرة الوفاق .
العنصر الثاني : الانضباط المقصدي : ولمنهجية الانضابط المقصدي وجهان :
الأول : لمقصد التخفيف ضوابط يتم من خلالها استثمار وتفعيل مقصد التخفيف عند تحقق شروطه وقيام أسبابه وانتفاء موانعه ، فيحتاج تحقيق المناط إلى ضوابط سواء تعلق الأمر بالمفتي أو المستفتي .
الثاني : مقصد التخفيف لا يخرج عن الانضباط الأصولي الذي رسمت حدوده الشريعة .
فهي منهجية منضبطة من محورين :
الأول : الانضباط الاستثماري : والمقصود به التزام مقصد التخفيف عموماً بقواعد الدرس الأصولي في العموم ليستظل به ولا يخرج عن سلطانه ، فهو تفعيل للمقصدية تحت ظل القواعد الأصولية .
الثاني : الانضباط التوظيفي : وهي عبارة عن التزام التفعيل الجزئي والكلي لمقصد التخفيف في محله بشروطه واسبابه وموانعه ، بحيث لا يتجاوز الحد الذي رسمته الشريعة بلا إفراط ولا تفريط .
العنصر الثالث :الارتباط المقصدي : ويتم الارتباط المقصدي بجملة من المحطات :
ارتباط تفعيلي : المقصود به ضرورة إحياء وتفعيل مقصد التخفيف للأفراد ولعموم الأمة .
ارتباط توظيفي : والمقصود به عدم ترك المحل خالياً من تكليف .
الهدف الثالث : العنوان : فقد قدمت هذه الدراسة بأن هذا العنوان يندرج تحته مضمون علمي أصيل ، وليس عاري التأصيل وخالي التفريع ، بل هو عنوان أصيل تندرج تحته جملة من التطبيقات العملية ، التي هي بمثابة علاقة الفرع بأصله ، والجزئي بكليه ، فهو منهج أصيل غُرِستْ سنابله منذ فجر الرسالة ، وظل يسير قدماً في مناهج أهل العلم ، ثم غار في ركام التقليد والجمود على المسطور ، وآن له الخروج للعيان، ليشيد البنيان ، وليرمم ما تصدع من الأركان.
* التوصيات:أقترح أن تنبثق عن هذه الندوة لجان عمل مهمتها بحث تفاصيل مقصد الرحمة والتخفيف والتقعيد لها ، والاستفادة من تفاصيل البحوث ونتائجها ، والاستنجاد بها في الحياة المعاصرة، ويجتمع الباحثون في العلوم الشرعية مع نظرائهم في العلوم الكونية التي لها ارتباط بالموضوع بما يحقق تحديد المشاق .
كما أقترح أن تعمل الكلية على بحث أعمق ودقيق لمقاصد الرحمة في الشريعة : استظهاراً واستنباطاً وارتباطاً ، بما يخدم تعزيز هذه المقاصد في عالمنا العربي والاسلامي .
وأقترح أن يكون موضع العام القابل بحول الله : مقصد الرحمة في الشريعة تأصيلاً وتوصيلاً.
والله الموفق وهو يهدي السبيل






















المصادر :

  1. القرآن الكريم
  2. إثارات تجديدية في حقول الاصول ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه ، دار تجديد ، 2013م .
  3. أحكام القرآن ، لابن العربي ، دار الكتب العلمية .
  4. الاشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية ، الامام عبد الرحمن السيوطي ، تحقيق : محمد محمد تامر ، حافظ عاشور حافظ ، ط (2) ، دار السلام ، القاهرة ، (1424هـ 2004م).
  5. رخص الطهارة والصلاة وتشديدات الفقهاء ، العلامة عبد الحي بن الصديق ، مطابع البوغاز ، طنجة ، (1431هـ 1992م) .
  6. زاد المسير في علم التفسير ، عبد الرحمن بن علي الجوزي ، ط (3) ، المكتب الإسلامي بيروت ، (1404هـ)
  7. زاد المعاد في هدي خير العباد ،محمد بن أبي بكر أيوب ابن القيم الجوزية ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط ، ط (14) ، مؤسسة الرسالة بيروت ، (1407 – 1986)
  8. سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستاني ، دار الكتاب العربي ـ بيروت .
  9. سنن الدارقطني ، علي بن عمر الدارقطني ، تحقيق :عبد الله هاشم يماني المدني ،دار المعرفة - بيروت ،( 1386 – 1966 ) .
  10. صحيح ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد البستي ، ط (2) ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، (، 1414 – 1993) .
  11. صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري ،تحقيق : د. مصطفى ديب البغا ، ط (3) ، دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت ، (1407 – 1987م) .
  12. صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابوري ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي – بيروت .
  13. قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، الامام عز الدين عبد السلام ، تحقيق: نزيه حماد،عثمان جمعة ضميرية ، دار القلم دمشق .
  14. لسان العرب ، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي ، ط(1) ، دار صادر – بيروت .
  15. مشكل الآثار ، الإمام الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الطحاوي ، دار الكتب العلمية بيروت .
  16. المعجم الكبير للطبراني ، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني ، ط (2) ، مكتبة العلوم والحكم – الموصل ، (1404 – 1983م) .
  17. معجم مصطلحات أصول الفقه ، أد قطب مصطفى سانو ، ط(1) دار الفكر دمشق (1420هـ/200م) .
  18. مقاصد الشريعة الإسلامية ،الإمام محمد الطاهر بن عاشور ، تحقيق الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة ، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، قطر ، (1425هـ 2004م)) .
  19. الموافقات في أصول الشريعة ، لأبي اسحاق الشاطبي ، المكتبة التوفيقية ، مصر ، القاهرة .


([1]) لسان العرب ، مادة (خفف) ، (9/79) .

([2]) زاد المسير في علم التفسير ، عبد الرحمن بن علي الجوزي ، ط (3) ، المكتب الإسلامي بيروت ، (1404هـ) ، (2/60) .

([3]) سورة البقرة : 185 .

([4]) سورة النساء : 28 .

([5]) سورة المائدة : 6 .

([6]) سورة الحج : 78 .

([7]) سورة الأعراف: ١٥٧

([8]) صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب ما كان النبيrيتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا ، رقم الحديث (69) ، (1/38)

([9]) صحيح البخاري ، كتاب الايمان ، باب الدين يسر ، رقم الحديث (39) ، (1/23) .

([10]) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع ، رقم الحديث (4086) ،(4/ 1578) .

([11]) صحيح البخاري ، كتاب الوضوء ، باب صب الماء على البول في المسجد ، رقم الحديث (220) ، (1/230) .

([12]) مقاصد الشريعة الإسلامية ،الإمام محمد الطاهر بن عاشور ، تحقيق الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة ، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، قطر ، (1425هـ 2004م) ، (3/145) .

([13]) مقاصد الشريعة الإسلامية ، (3/191) .

([14]) الموافقات في أصول الشريعة ، لأبي اسحاق الشاطبي ، المكتبة التوفيقية ، مصر ، القاهرة ، (1/279) .

([15]) صحيح مسلم ،كتاب صلاة المسافربن ، باب صلاة المسافرين وقصرها ، رقم الحديث (1605) ، 2/143 .

([16]) مقاصد الشريعة الإسلامية ، (3/188) .

([17]) الموافقات ، (1/247) .

([18]) معجم مصطلحات أصول الفقه ، أد قطب مصطفى سانو ، ط(1) دار الفكر دمشق (1420هـ/200م) ص (174).

([19]) (كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية ... فوضعها في أصول الفقه عارية) ، الموافقات ، (1/31) .

([20]) سيأتي الحديث عن هذا .

([21]) زاد المعاد في هدي خير العباد ،محمد بن أبي بكر أيوب ابن القيم الجوزية ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط ، ط (14) ، مؤسسة الرسالة بيروت ، (1407 – 1986)، (2/27) .

([22]) سورة المزمل: ١ - ٤

([23]) سورة المزمل : 20 .

([24]) صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافربن ، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، رقم الحديث (1773) ،(2/168)

([25]) ينظر : أحكام القرآن ، لابن العربي ، دار الكتب العلمية ، ص (1882).

([26]) شرح مختصر الروضة ، نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي ، تحقيق : د عبد الله بن عبد المحسن التركي ، ط (1) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، (1432هـ 2011م) ، (1/457 ، 458) .

([27]) سورة المائدة: ١٠١

([28]) سنن الدارقطني ،كتاب الأشربة وغيرها ،باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك ، رقم الحديث (104) ، 4/297 .

([29]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، الامام عز الدين عبد السلام ، تحقيق: نزيه حماد ، عثمان جمعة ضميرية ، ط (1) ، دار القلم دمشق ، (1421هـ 2000م) ، (2/12) .

([30]) الاشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية ، الامام عبد الرحمن السيوطي ، تحقيق : محمد محمد تامر ، حافظ عاشور حافظ ، ط (2) ، دار السلام ، القاهرة ، (1424هـ 2004م) ، (1/204) .

([31]) صحيح البخاري ، كتاب الحيض ، باب لا تقضي الحائض الصلاة ، رقم الحديث (315) ،(1/122).

([32]) سورة البقرة: ١٨٤

([33]) سورة البقرة: ١٧٨ .

([34]) سورة المائدة: ٦ .

([35]) المعجم الكبير للطبراني ، رقم الحديث (7351) ،(8/56).

([36]) سورة النساء: ١٠١ .

([37]) صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة ،باب المعراج ، رقم الحديث (3674) ،(2/1410).

([38]) صحصح البخاري ، (2/602) .

([39]) صحيح مسلم ، كتاب الحج ، باب حجة النبي r ، رقم الحديث ( 1218 ) ، (2 / 886) .

([40]) صحيح البخاري ، أبواب تقصير الصلاة ، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء ، رقم الحديث (1056) ،(1/373).

([41]) صحيح مسلم ، كتاب الحج ، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتى المغرب والعشاء جمعا بالمزدلفة فى هذه الليلة ، رقم الحديث (3170) ،(4/75).

([42]) صحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه ، رقم الحديث(616) ، (1/431) .

([43]) صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافربن ، باب جواز الجمع بين الصلاتين فى السفر ، رقم الحديث (1660) ، (2/151) .

([44]) صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافربن ، باب جواز الجمع بين الصلاتين فى السفر ، رقم الحديث (1663) ، (2/151) .

([45]) صحيح البخاري ، كتاب الأذان ، باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله ، رقم الحديث (666) ،(2/77).

([46]) سورة النساء: ١٠٢ .

([47]) صحيح مسلم ، كتاب الحيض ، باب حكم ضفائر المغتسلة ، رقم الحديث ( 331 ) ، (1/260) .

([48]) السنن الصغرى ، للبيهقي ، كتاب الطهارة ، باب الرش على بول الصبي الذي لم يأكل الطعام ، رقم الحديث (172) ، (1/64)

([49]) صحيح ابن حبان ، كتاب الصلاة ، باب مواقيت الصلاة ، رقم الحديث (1540) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
، (4/406).

([50]) الحديث رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله r من تحسينه " لعمرو بن العاص" رقم الحديث (2457) ، 6/249 ، وينظر : مشكل الاثار ،(3/249) .

([51]) صحيح البخاري ، أبواب تقصير الصلاة ، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب ، رقم الحديث (1066) ،(1/376).

([52]) صحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، رقم الحديث (521) ،(1/370 ).

([53]) صحيح البخاري ، كتاب الجماعة والإمامة ، باب من شكا إمامه إذا طول ، رقم الحديث (673) ،(1/249).

([54]) صحيح البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب ، رقم الحديث (531) ،(1/204).

([55]) سنن أبي داود ، كتاب الصلاة ، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد ، رقم الحديث (1070) ،قال الشيخ الألباني : صحيح ، (1/348).

([56]) ينظر : مشكل الآثار ، الإمام الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الطحاوي ، دار الكتب العلمية بيروت ، (1/188) .

([57]) صحيح مسلم بشرح النووي ، باب تحريم الجماع في نهار رمضان ووجوب الكفارة الكبرى فيه ، (7/235) .

([58]) صحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر ، رقم الحديث (2772) ،(3/160).

([59]) السنن الكبرى للبيهقي ، كتاب الصوم ، باب كراهية القبلة لمن حركت القبلة شهوته ، رقم الحديث (8340) ، (4/232)

([60]) صحيح البخاري ، أبواب الإحصار وجزاء الصيد ، باب حج المرأة عن الرجل ، رقم الحديث (1756) ، (2/657) .

([61]) صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها ، رقم الحديث (83) ،(1/43).

([62]) سنن البيهقي الكبرى ، كتاب الزكاة ، باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات ، رقم الحديث ، (7164) ،(4/113 ).

([63]) صحيح ابن حبان ، كتاب الصوم ، باب صوم المسافر ، رقم الحديث (3568) ، قال شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي ، (8/333 ).

([64]) وهذا المحطة ليست تكراراً لسابقتها ، وإنما الإشارة إلى أهمية التعلق بالكليات انضباطاً ، فالأولى أشارت إلى البيان والعنوان ، وهذه المحطة أشارت إلى الأهمية والبرهان للتعامل مع الكليات ، فضلاً عن ذلك فهذه المحطة تشير إلى التعامل مع الكليات التي وضعها الشارع ، وأما السابقة فتؤكد على أهمية انتاج الكليات .

([65]) إثارات تجديدية في حقول الاصول ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه ، دار تجديد ، 2013م ، ص (9) .

([66]) رخص الطهارة والصلاة وتشديدات الفقهاء ، العلامة عبد الحي بن الصديق ، مطابع البوغاز ، طنجة ، (1431هـ 1992م) ، ص (1)

([67]) الموافقات ، (1/284) .

([68]) الموافقات ، (3/273) .

([69]) سورة البقرة: ١٨٤

([70]) تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه ، دار تجديد ، ص (80) .

([71]) استعرنا هذه المصطلح (المحل) من تعبير العلامة بن بيّه حين ذكر الحدود والعقوبات في العصر الحديث إذ أشار إلى أنه الأولى أن لا يعرو المحل من عقوبة ، ينظر : تنبيه المراجع ، ص 93 .
 
أعلى