العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الطلاق حكمته وأسبابه

نزيه حرفوش

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
13 مارس 2008
المشاركات
8
التخصص
دراسات لإسلامية
المدينة
حمص
المذهب الفقهي
شافعي
الطلاق
حكمته وأسبابه وأحكامه
تعريف الطلاق
: الطّلاق في اللّغة : الحلّ ورفع القيد ، وهو اسم مصدره التّطليق ، ويستعمل استعمال المصدر ، وأصله : طلقت المرأة تطلق فهي طالق إذا بانت من زوجها ، ويراد فه الإطلاق.
وجاء في لسان العرب لابن منظور مادة طلق((طَلاقُ المرأَة بينونتها عن زوجها وامرأَة طالِق من نسوة طُلَّق وطالِقة من نسوة طَوَالِق وأَنشد قول الأَعشى:
أَجارَتنا بِيني فإِنك طالقة كذاكِ أُمور الناس غادٍ وطارِقَه
وطَلَّق الرجل امرأَته وطَلَقت هي بالفتح تَطْلُق طَلاقاً وطَلُقَت والضم أَكثر عن ثعلب طَلاقاً وأَطْلَقها بَعْلُها وطَلَّقها وقال الأَخفش لا يقال طَلُقت بالضم ورجل مِطْلاق ومِطْليق وطلِّيق وطُلَقة على مثال هُمَزة كثير التَّطْليق للنساء وفي حديث الحسن إِنك رجل طلِّيق أَي كثير طَلاق النساء والأَجود أَن يقال مِطْلاق ومِطْلِيق ,وفي حديث عمر والرجل الذي قال لزوجته أَنتِ خليَّة طالِقٌ الطالِقُ من الإِبل التي طُلِقت في المرَعى وقيل هي التي لا قَيْد عليها وكذلك الخلَّية وطَلاقُ النساء لمعنيين أَحدهما حلّ عُقْدة النكاح والآخر بمعنى التخلية والإِرْسال ...وأَطْلَق الناقة من عِقَالها وطَلَّقَها فطَلَقَت هي بالفتح وناقة طَلْق وطُلُق لا عِقال عليها والجمع أَطْلاق وبعير طَلْق وطُلُق بغير قَيْد الجوهري بعير طُلُق وناقة طُلُق بضم الطاء واللام أَي غير مقيَّد وأَطْلَقْت الناقة من العِقال
فطَلَقَت ) ( )
الطلاق اصطلاحا : اتفق الفقهاء على معنى الطلاق على اختلاف مذاهبهم , مع تفاوت في الألفاظ.
عرفه الحنفية:أنه رفع قيد النكاح من أهله في محله , وقيل عبارة عن حكم شرعي يرفع القيد
للنكاح بألفاظ مخصوصة (2) .
وعرفه المالكية : بأنه صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجبا تكررها مرتين للحر ومرة لذي رق(3).

وعرفه الشافعية والحنابلة : بأنه حل قيد النكاح, وبناء على ما تقدم يتبين لنا أن معناه في الشرع
ينصرف إلى حل القيد المعنوي ، وهو في المرأة الطلاق حل قيد النكاح( ).
مشروعية الطلاق
شرع الله سبحانه وتعالى الطلاق لحل عقدة النكاح وإنهاء الرابطة الزوجية التي بنيت على كلمة الله وشرع الله مع كونه أبغض الحلال إلى الله كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن ابن عمر:( أبغض الحلال إلى الله الطلاق )( ) بعدما يستعص الخلاف على وسائل العلاج وأساليب الحلول . فالضرورة الواقعة تقضي على كل أساليب الصبر والتحمل, والشريعة الإسلامية بنيت على مراعاة مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم .
مشروعية الطلاق في القرآن الكريم: لقد تضافرت الأدلة القرآنية على إباحة الطلاق كقوله تعالى﴿الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان , ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا يقيما حدود الله , فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به , تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأؤلئك هم الظالمون﴾[البقرة: 229] وكقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾[ الطلاق 1]
مشروعية الطلاق في السنة النبوية :لقد تواترت الأحاديث الصحيحة في تشريع الطلاق كحل لعقدة النكاح وإنهاء العلاقة الزوجية منها :

أولاً- : ما جاء في الصحيحين (عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله فسأل عمر بن الخطاب رسول الله عن ذلك ؟ فقال له رسول الله  : (مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز و جل أن يطلق لها النساء ) ( ).
ثانياً-ما أخرجه البخاري واللفظ له ,والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله ودنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال لها ( لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك)( ) . وابنة الجون هي أميمة بنت النعمان بن شرا حيل , وكان أبوها عظيما في قومه , وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بناء على رغبة أبيها وطلبه من النبي , ولكنها رفضت النبي لتواضعه وبساطة عيشه , ولما كان في نفسها من أثر الجاهلية , كما روى ذلك البخاري عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه: قال : خرجنا مع النبي  حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( اجلسوا ها هنا) . ودخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي  قال :( هبي نفسك لي ) . قالت ((وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ؟)) قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت(( أعوذ بالله منك ))فقال: ( قد عذت بمعاذ ) . ثم خرج علينا فقال ( يا أبا أسيد اكسها رازقيين وألحقها بأهلها)( )
ثالثاً- ما رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه عليه الذهبي وغيرهم
عن ابن عمر رضي الله عنهما عم النبي قال :( أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق)( )
حكمة الطلاق
الطلاق علاج لمشكلات المجتمع:إذا ما دب الخلاف بين زوجين, وبدأت المشاكل تطفو على السطح, وبدأت تتفاقم وتتأزم لدرجة تخرج فيها الأمور عن نطاق السرية والخصوصية والعائلية , إلى علم الأهل والأقارب من القاصي والداني بما يعاني منه الزوجان من شقاق وخلاف , إلى بدء التدخلات الجانبية من أهل الزوجين , فكل ينتصر إلى طرف , فتنتقل المشاكل إلى العائلتين , وإذا لم تفلح المساعي الخيرية في إصلاح ما أفسدته الأزمات الزوجية, فإننا نكون أمام مشاكل أخرى لا تقل خطورة عن المشاكل الحاصلة بين الزوجين .
فإذا ما منع الطلاق نكون أمام نتيجة حتمية لا مفر منها , ألا وهي تفكك خلايا المجتمع التي يتكون منها وتقوم أسسه عليها, حيث تكثر الخلافات وتتأزم العلاقات, طالما هناك بؤرة خلاف تغذي هذه المشاكل ,فتكون النتائج كارثية على المجتمع وأبنائه ومقوماته .
وإن كان الطلاق أداة هدم وتدمير للبيوت العامرة, وخاصة في زمن المصاعب والأزمات الاقتصادية الخانقة التي تطيح بأركان الدول ذات المقومات , ولكن إذا ما آلت هذه البيوت للسقوط كان هدمها أولى من وقوعها على رؤوس ساكنيها , فيغني الله كلا من سعته.
آخر الحلول الطلاق: إن الله جلت قدرته وعظم شأنه خلق النفس الإنسانية وخلق منها زوجها لتسكن إليها , وجعل بينهما مودة ورحمة , أراد أن يكون هذا اللقاء سكناً للنفس ، وهدوءاً للعصب ، وطمأنينةً للروح وراحةً للجسد , ثم ستراً وإحصاناً وصيانة , ثم مزرعة للنسل وامتداد الحياة ، مع ترقيها المستمر في رعاية المحصن الساكن الهادىء المطمئن المستور المصون :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍيتفكرون ﭼ {21}
ﭽ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ.﴾[البقرة 187]
ﭽ } نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﭼ[البقرة 223]
ﭽ } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﭼ [التحريم6]
ﭽ ٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﭼ [الطور 21 ]
ومن أهمية التقاء شطري النفس الواحدة ، لإنشاء مؤسسة الأسرة . ومن ضخامة تبعة هذه المؤسسة أولاً : في توفير السكن والطمأنينة والستر والإحصان للنفس بشطريها ، وثانياً : في إمداد المجتمع الإنساني بعوامل الامتداد والترقي .
فإذا ما نتفت هذه الحكم العظيمة التي فطر الله الخلق عليها وبدأ المرض ينخر في جسد العلاقة الزوجية ,فإن كان الخلل من جانب المرأة , وبدا نشوزها واستعلاؤها وتطاولها على مقام القوامة التي جعلها الله للرجل على المرأة, لحكم عظيمة جليلة تقتضيها طبيعة الحياة الزوجية الأسرية كان العلاج في كتاب الله سبحانه وتعالى متدرجا, إنها شرعت كإجراء وقائي للمبادرة بإصلاح النفوس والأوضاع ، لا لزيادة إفساد القلوب ، وملئها بالبغض والحنق ، أو بالمذلة والرضوخ الكظيم!
إنها ليست معركة بين الرجل والمرأة, يراد لها بهذه الإجراءات تحطيم رأس المرأة حين تهم بالنشوز؛ وردها إلى السلسلة كالكلب المسجور!
ﭽ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﭼ [النساء: ٣٤ ] .
ﭽ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ﭼ
هذا هو الإجراء الأول . . الموعظة . . وهذا هو أول واجبات القيّم ورب الأسرة . عمل تهذيبي , مطلوب منه في كل حالة, ولكنه في هذه الحالة بالذات ، يتجه اتجاهاً معيناً لهدف معين . هو علاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل وتستعلن .
ولكن العظة قد لا تنفع . لأن هناك هوى غالباً ، أو انفعالاً جامحاً ، أو استعلاء بجمال . أو بمال . أو بمركز عائلي . . أو بأية قيمة من القيم . تنسى الزوجة أنها شريكة في مؤسسة ، وليست نداً في صراع أو مجال افتخار, , ترفع بها ذاتها عن ذاته ، أو عن مكان الشريك في مؤسسة عليها قوامة . أو حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تدل به المرأة من جمال وجاذبية أو قيم أخرى ، وهنا يجيء دور الإجراء الثاني
ﭽ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﭼ
والمضجع موضع الإغراء والجاذبية ، التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها . فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء ، فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها التي تعتز بها . وكانت - في الغالب - أميل إلى التراجع والملاينة ، أمام هذا الصمود من رجلها ، وأمام بروز خاصية قوة الإرادة والشخصية فيه ، في أحرج مواضعها! . . على أن هناك أدباً معيناً في هذا الإجراء . . إجراء الهجر في المضاجع . . وهو ألا يكون هجراً ظاهراً في غير مكان خلوة الزوجين . . لا يكون هجراً أمام الأطفال ، يورث نفوسهم شراً وفساداً . . ولا هجراً أمام الغرباء يذل الزوجة أو يستثير كرامتها ، فتزداد نشوزًا . فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة؛ ولا إفساد الأطفال! وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء .
ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك . . فهل تترك المؤسسة تتحطم؟ إن هناك إجراء - ولو أنه أعنف - ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز .
ﭽ وَاضْرِبُوهُنَّ ﭼ
ليس هذا الضرب تعذيباً للانتقام والتشفي . ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير . ويمنع أن يكون أيضاً للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها . . ولكن يجب أن يكون ضرب تأديب ، مصحوب بعاطفة المؤدب المربي؛ كما يزاوله الأب مع أبنائه وكما يزاوله المربي مع تلميذه .
فإذا ماتبعت هذه الطرق الربانية ولم تؤت أكلها , أو كانت الخلافات الزوجية منشؤها الزوج بتسلطه وتجبره ,كان الحل الأقسى نتيجة للظروف الأصعب التي خرجت عن سيطرة الزوجين وكادت أن تنتشر شرارتها وتصيب الأهل والأقارب .
ﭽ } وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﭼ[ النساء: ٣٥ ]
وللحكمين حق الإصلاح , فإن تعذر فرق بين الطرفين .
فقد جاء في تفسير القرطبي في معرض تفسير هذه الآية الكريمة((فإن وجداهما قد اختلفا ولم يصطلحا وتفاقم أمرهما سعيا في الألفة جهدهما، وذكرا بالله وبالصحبة,فإن أنابا ورجعا تركاهما، وإن كانا غير ذلك ورأيا الفرقة فرقا بينهما.وتفريقهما جائز على الزوجين، وسواء وافق حكم
قاضي البلد أو خالفه، وكلهما الزوجان بذلك أو لم يوكلاهما))( ).
:أسباب الطلاق

إذا ما بحثنا في الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق لوجدناها هي نفسها التي تؤدي إلى الطلاق في المجتمعات المسلمة الأخرى مع فارق في أهمية بعضها على البعض الآخر , فالأساس الذي اعتمده الرجل عندما قرر الزواج وعقد العزم على اختيار شريكة حياته لا يعدو أن يكون أحد المعايير الأربعة:
1- المال والطمع في غنى الزوجة .
2- الطمع في الجاه ومكانة المرأة وأهلها .
3- الطمع في جمال المرأة وحسنها وسحر مفاتنها .
4- بسبب دين المرأة وتقاها وعفافها وطهرها .
فقد قال النبي  ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك )( ).
وكذلك الزوجة عندما ترضى بمن تقدم لخطبتها والزواج منها, فإما طمعا بالمال الوفير الذي يملكه الزوج من عمارات وأموال وسيارات وغير ذلك من الأموال المنقولة وغير المنقولة .
وإما الطمع في الجاه والحسب والنسب والمنصب والسمعة .
وإما هو قرار الأهل وكفى, وما عليها إلا أن تلبي ما اتفق عليه الأهل مع الخاطب طمعا في مال أو جاه أو منصب,أو طمعا في دين الرجل وعلمه وتقواه وورعه . وقد قال النبي  في الحديث الذي رواه أبو هريرة ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)). ( )
وهذه المعايير غالبا ما تكون نسبية حتى في المجتمع الواحد , مع قليل من التمايز بين المجتمعات المسلمة, نظرا لاختلاف الأهواء والرغبات التي كثيرا ما تتأثر بمدى التزام المرء بدينه أو ابتعاده عنه .
فالطلاق في تزايد مستمر وذلك لعدة أسباب:
1-تغير نظرة المجتمع لقدسية العلاقة الزوجية .
2-المؤثرات الخارجية الإعلامية , والانفتاح على العالم من خلال القنوات الفضائية .
3-تزايد عدد السكان من أسباب زيادة نسبة الطلاق .
4- تزايد تدخل الأهل في أمور الزوجين .
5-العادات الاجتماعية الدخيلة على المجتمع الإسلامي , كتلك التي تكون أثناء الخطوبة , أو أثناء الزفاف.كمثل تلك القضية التي تم الطلاق بها بسبب اختلاف الخطيبين على مستوى صالة الأعراس التي يجب أن يقام فيها العرس.
سوء الاختيار للزوج
وإذا ما ابتعد الزوجان عن المعايير الإسلامية التي جعلت كالقواعد التي تبنى عليها أساسات الأسرة المسلمة, وكثيرا ما يبتعد الناس عنها ويتبعون سنن أهل الكفر والضلال , أو أهل الفسق والانحلال, وخاصة بعد هذا الغزو الثقافي الذي دخل كل بيت وأتى على الأسرة المسلمة في عرينها , فاستحوذ على عقول أبنائها وبناتها , وتطبعوا بطباع القوم, فلم تعد المعايير الإسلامية تليق باهتماماتهم , وهي التي تحفظ للأسرة المسلمة كيانها وكرامتها, ولم تعد تنطبق على أفكارهم المستوردة .
فمقياس الدين لم يعد المقياس الأساسي في الاختيار , ولم يعد العنوان عند لحظة اتخاذ القرار, فطغى عليه مقياس الجمال أحيانا , وأحيانا مقياس المال وحجم ثروة الزوج أو الزوجة , وخاصة في مثل هذه الظروف الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية , فكثيرا ما تكون شروط
الزوج المسبقة أن تكون الزوجة موظفة أو تملك مالا أو تدير محلا تجاريا وأحيانا مقياس النسب والجاه والمناصب وقد صدق القائل
كم من غني كان يـرفعــه الغنى أضحى فقيرا للعوادي مذعنـا
كم راغب في الحسن أضحى مفلسا لما أبان الستر ما يحوي الإنــا
يا راغبـا نسب الفتـاة وعـزها قد بعت نفسك صاغرا يوم البنا
فاظفر بذات الدين واهنـأ إنـه فخر الفتاة بدينها لا بالدنــا
فبعد سبب سوء الاختيار للزوج,علينا أن نتساءل عن الأسباب الأخرى التي أدت إلى تفكك الأسرة وضياع أطفالها, وتهدم بنيانها .
ثانيا: عدم التكافؤ:إن عنصر الكفاءة بين الزوجين أمر مهم وضروري للانسجام الأسري والتوافق العائلي, سواء في الدراسة أو الثقافة أو من الناحية الاجتماعية, وإن كان ليس شرطا من شروط الزواج إلا أنه أدعى للمحبة والتقارب والتفاهم .
فكثير ما تحدث المشاكل والشروخات العائلية بسبب هذا التباين بين الزوج والزوجة , وخاصة إذا كانت ترى الزوجة في نفسها أنها أرقى نسبا أو أكثر علما أو مالا, فيحصل التطاول والازدراء , ومن هنا تكون نقطة بداية النهاية لكيان الأسرة.
ولكن العاقلة اللبيبة هي التي تعرف لزوجها حقه الذي رزقه الله إليه , ﭽ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﭼ انعدام الحب بين الزوجين:
 

نزيه حرفوش

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
13 مارس 2008
المشاركات
8
التخصص
دراسات لإسلامية
المدينة
حمص
المذهب الفقهي
شافعي
انعدام الحب بين الزوجين:
وإن كانت المحبة بين الزوجين أدعى للبقاء والارتقاء بالعلاقة الزوجية نحو الأفضل إذا ما تأسست وتولدت بعد الزواج, فكم ممن خطب وأسس على أساس الحب لم يدم حبه بعد الزواج إلا فترة وجيزة , وذلك لانتهاء فترة التصنع والمجاملة أثناء الخطوبة فكل منهما يحاول جاهدا أن يظهر أمام الآخر كامل المواصفات .
ولكن إن شعرا بعدم إمكانية ذلك رغم مرور فترة زمنية كافية , مع النفور الشديد وتولد الكراهية , واختلاق المشاكل المنغصة للعيش المشترك, عندها يكون عدم وجود المحبة سببا في الطلاق.
عدم تجانس الفكر، وعدم ائتلاف الطباع:
وذلك لعدم محاولة استيعاب بعضهما البعض , وعدم التفكير بالمصير المشترك , والنظر إلى الهدف الأسمى من هذا الزواج ألا وهو تأسيس أسرة إسلامية تنجب الأطفال وتسهم في بناء المجتمع.
النظرة المثالية للحياة الزوجية:
فهناك من يضع صورة الزوجة المثالية أمام ناظريه ويقيّم تصرفات زوجته على أساسه , أو تضع الزوجة الصورة المثالية للزوج المثالي أمام ناظريها وتراقب حركاته وتصرفاته على أساس المعيار الذي ألزمت نفسها به,متأثرة بما تقرأه من الروايات أو الصحف التي ترسم صورة فارس الأحلام.
فإذا ما وقفا على أرض واقع الحياة الزوجية بتعقيداتها وتشعباتها ومتطلباتها اصطدما بهذا الواقع الذي يظهر النقص والعجز الإنساني بأوضح صوره , ولذلك قال النبي (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر)(( )
وقد يكره الزوج في زوجته أشياء معينة ,لكن هذا لا يعني أنها سيئة, فقد يكون فيها خير كثير.قال تعالى: ﭽ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ﭼ [النساء:19] , ولا بد أن يضع كل من الزوجين في اعتباره أن الكمال لله وحده.
سادسا : الجهل بالحقوق والواجبات:
الجهل في الواجبات الزوجية , وقلة التوعية الدينية في هذا الشأن, له دور أساسي في حدوث الفرقة والشقاق بين الزوجين,وخاصة إذا ما كانت الفتاة تعيش حياة رفاهية ودلال في بيت أهلها, ثم انتقلت إلى بيت الزوجية جاهلة واجباتها تجاه زوجها, فهنا تحدث المفارقة العجيبة التي سرعان
ما تطفو على سطح العلاقات الزوجية منذرة بحدوث شرخ عائلي إن لم يقم الأهل بالمبادرة على إفهام الزوجة ما لها وما عليها وإعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية . فإن أميّة الكثير من الأزواج في الأحكام الأسرية وجهلهم بآداب العشرة الزوجية بلغ حداً لا يكاد يصدق ,فالزوجان قبيل زواجهما يعنيان بكل شيء إلا التفقه في أحكام الزواج و آداب العشرة الزوجية.
عدم اتفاق الزوجين على طريقة الحياة قبل الزواج.
وهذا ما يحدث في حال اختلاف البيئة التي تربى فيها كل واحد من الزوجين , وحاولا عبثا أن يتفقا على طريقة يمكن أن تكون أساسا للحياة الزوجية , وهذا السبب أيضا منشؤه الجهل بحقوق وواجبات كل منهما التي رسمها الدين الإسلامي لهما , وخاصة عند من يدعي التطور والرقي , ويسلك طريق التقليد الأعمى لكل ساقط جاء من الغرب .
الملل والفتور في العلاقة الزوجية:
ويحدث هذا خاصة بعد الخمسين من العمر، عندما تصبح الزوجة أمّا وجدّة , وتنشغل عن زوجها بمشاغل الحياة وتنسى حق زوجها عليها في وقت هو أشد ما يكون بحاجة إليها وإلى قربها وأنسها .
تاسعا : تدخل الأهل في حياة الزوجين : قد يكون لتدخل أهل الزوج أو الزوجة أثر في إيذاء أحد الطرفين وخصوصًا إن كان سكن الزوجين مع الأهل، فيقع الزوج في حيرة إرضاء أهله أم إرضاء زوجه ,وهنا على الزوجة أن تكون عاقلة ومقدرة للموقف فلا تأمر زوجها بقطع أهله، وتصبر هي عليهم وتتغاضى عما تواجهه منهم من أجل زوجها ومن أجل نجاح حياتها الزوجية، كما أن عليها أن تحد من تدخل أهلها أيضًا في أمور زواجها وتحافظ على سرية مشاكلها.
وجود صفات سيئة عند أحد الزوجين:
فمن هذه الصفات ما يمكن تجاوزها والصبر عليها , كالبخل أو قسوة الطباع والعصبية المفرطة وغيرها من الأمور التي عادة ما تحدث في كل بيت .
ومن الأمور مالا يمكن تجاوزها كشرب الخمر أو الخيانة الزوجية , أو الأمراض النفسية .
حادي عشر : النكد الزوجي:وهو تعمد إثارة المشاكل الدائمة والتعامل القاسي والجاف الذي يذهب الصبر ويدع الحليم حيران.
ثاني عشر : سوء العلاقة الخاصة بين الزوجين:وغالبا ما يكون هذا سببا جوهريا من أسباب الطلاق , وخاصة إذا كان يتعلق الأمر بالفراش وبالعلاقة الخاصة التي لا يطلع عليها أحد إلا الله ثم الزوجين.
الاختلاف على تربية الأولاد:
فلكلٍ وجهة نظر في تربية الأطفال خصوصًا إذا كان الزوجان من بيئتين مختلفتين.
نشوز الزوجة أو الزوج:
كلمة نشوز تعني خروج الزوجين أو أحدهما عن طبيعة وظيفته وعدم قيامه بها مدفوعًا بالكراهية وعدم الطاعة، وهذا قد يؤدي إلى الإطاحة بأركان البيت والوصول به إلى طريق مسدود.
عمل المرأة خارج المنزل:بحيث تخرج المرأة لساعات طويلة عن البيت لأجل أن تعمل عملا ربما يكون مختلطا _ وكثيرا ما يكون ذلك- ويترك الأولاد دون رعاية وعناية , فيوما عند أهلها , ويوما عند جيرانها , والأهم من ذلك أن يأتي الرجل متعبا من عناء عمل يوم طويل ,كان من المفترض أن يجد طعامه جاهزا ,وأن ويجد زوجته بانتظاره لتمسح عنه عناء ذلك التعب ببسمة رقيقة ومعاملة لطيفة,ولكنه يدخل البيت متجها بوجهه إلى مكان إعداد الطعام ليقوم بإعداد طعامه بنفسه .
تعدد الزوجات : وغالبا ما يكون وراء ذلك الغيرة القاتلة التي تذهب بصواب المرأة وعقلها وحلمها .
إن الغيرة عاطفة تجري في كيان المرأة مجرى الدم في العروق، ولكن على المرأة المسلمة المؤمنة أن تلجم غيرتها بلجام التقوى وتحد من عنفوانها برباط الإيمان , فإذا ما أفلتت لغيرتها العنان , وزين لها الشيطان سوء عملها أوردتها موارد الهلاك , فلا تعد تفكر إلا بما ينغص عيش زوجها وزوجته الجديدة ,فيكون الطلاق حصاد يديها وثمرة تهورها وعدم ترويها .
وقد أوصى عبد الله بن جعفر ابنته وهي تدخل حياتها الزوجية قائلا: (إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء).( )
تغير التربية: حيث أن البنت في السابق تربى حتى تكون زوجة صالحة بينما الآن فهي تتعلم لتكون عاملة مما يجعلها تشعر بنوع من الاستقلال المادي عن الرجل , لا بل أنها صنو الرجل , فهو يعمل , وهي تعمل وتأتي بالمال , فتغتر بما تفعل , ويزين لها الشيطان ما تعمل و مطبقة قاعدة (( إذا كان الكل يعمل خارج البيت فالكل يعمل داخله))، و من هنا تبدأ رحلة الخلافات التي لا تنتهي غالباً إلا بأبغض الحلال إلى الله.
ضعف الوازع الديني:حيث تنتهي كل تلك الأسباب التي ذكرتها أو يخف تأثيرها في حال وجود الوازع الديني, الذي يكون حاجزا بين العبد وبين معصية الله سبحانه , ويكون دافعا إلى طاعة الله والاقتداء بسنة .
قوة تأثير الغزو الفكري الغربي القادم من الفضاء , والعابر للحدود بالمجلات والصحف المستوردة , المليئة بالقصص التي تتحدث عن تحرر المرأة وانعتاقها من القيود المكبلة بها – على حد زعمهم – والتي يعنون بها الواجبات التي فرضها الإسلام على المرأة تجاه زوجها وبيتها.
فخروج المرأة من بيت زوجها بدون إذنه أو حتى إعلامه قيد يجب التحرر منه , وبناء علاقات اجتماعية , ولو حتى مع الرجال يجب ألا يتدخل الرجل في خصوصياتها, وعبارة اعتمد على نفسك أحد أركان مساواة المرأة بالرجل, وكذلك الرجل الذي يرى زوجته من خلال الأفلام التي يتابعها أو المحطات الفضائية التي يتقلب عليها , أ والمجلات التي يطالعها , أو الروايات الغرامية التي يقرأها .
الفقر وتقلب الحالة المادية: حيث المداخيل المحدودة , والمطاليب المتزايدة , والتفاوت الحاصل بين طبقات المجتمع , فتحاول المرأة أن تحيا حياة لا تقدر عليها بسبب ضعف دخل الأسرة, فهي تنظر إلى أقرانها من بنات الغنى واليسار كيف يتقلبن بملذات الحياة , يلبسن أفخر الثياب وأحدثها , ويسكنّ أفخم البيوت وأوسعها, عدا عن السيارة والخدم وغير ذلك , فتبدأ الأزمات تجتاح أركان الأسرة حتى على القواعد من البيت فينهار على من فيه.
:أحكام الطلاق:
حسب رأي الجمهور :قسم الفقهاء الطلاق إلى الأحكام التكليفية الخمسة كما جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني:(( ثم الطلاق قد يكون حراما أو مكروها أو واجبا أو مندوبا أو جائزا .
أما الأول فيما إذا كان بدعيا وله صور . وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال ,
وأما الثالث ففيه صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان ,وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة .
وأما الخامس فنفاه النووي وصّوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها
من غير حصول غرض الاستمتاع ، فقد صرح الإمام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره).( )
وجاء في المغني لابن قدامة المقدسي ((والطلاق على خمسة أضرب: واجب ، وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفيئة ، وطلاق الحكمين في الشقاق ، إذا رأيا ذلك ,ومكروه ، وهو الطلاق من غير حاجة إليه, والثانية ، أنه مباح ؛ لقول النبي (( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ,وفي لفظ
(( : ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق)( ) رواه أبو داود.
وإنما يكون مبغضا من غير حاجة إليه ، وقد سماه النبي حلالا ، ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها ، فيكون مكروها .
والثالث ، مباح ، وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة ، وسوء عشرتها ، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها .
والرابع ، مندوب إليه ، وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها ، مثل الصلاة ونحوها ، ولا يمكنه إجبارها عليها ، أو تكون له امرأة غير عفيفة .
قال أحمد : لا ينبغي له إمساكها ؛ وذلك لأن فيه نقصا لدينه ، ولا يأمن إفسادها لفراشه ، وإلحاقها به ولدا ليس هو منه ، ولا بأس بعضلها في هذه الحال ، والتضييق عليها ؛ لتفتدي منه ، قال الله تعالى﴿ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة﴾[النساء19]
ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب .
ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق ، وفي الحال التي تحوج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر .وأما المحظور ، فالطلاق في الحيض ، أو في طهر جامعها فيه ، أجمع العلماء في جميع
الأمصار وكل الأعصار على تحريمه ، ويسمى طلاق البدعة ؛ لأن المطلق خالف السنة ، وترك أمر الله تعالى ورسوله ، قال الله تعالى﴿يأيها الننبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة﴾[الطلاق15]
حكم الطلاق حسب رأي الحنفية :بينما ذهب الحنفية إلى أن إيقاع الطلاق مباح كما جاء في كتاب البناية في شرح الهداية (وإيقاع الطلاق مباح وإن كان مبغضا في الأصل عند عامة العلماء) وذلك لعموم الآيات الواردة في الطلاق﴿لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة﴾[البقرة236]
ولأن النبي طلق حفصة رضي الله عنها لا لريبة ولالكبر , كما في حديث ابن عباس عن عمر : ((أن النبى  كان طلق حفصة ثم راجعها)) ( ).
ويقسمون الطلاق إلى طلاق السنة و وهو ينقسم بدوره إلى الحسن والأحسن, وإلى طلاق البدعة. فالطلا ق الأحسن هو أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ثم يتركها حتى تنقضي عدتها .
والطلاق الحسن هو أن يطلقها ثلاث تطليقات في ثلاثة أطهار . ( )
ونوقشت هذه الأدلة التي استند إليها الحنفية في إباحة الطلاق فنجملها بما يلي :
أما الآية الأولى فهي لبيان إباحة الطلاق قبل الدخول وقبل تسمية المهر , وأما الآية الثانية فبيان وقت الطلاق المفضل شرعا , وهو وقت ابتداء أو استقبال العدة .
وأما طلاق حفصة وطلاق بعض الصحابة فلم يثبت أنه كان لغير حاجة أو سبب يدعو إليه , والظاهر أنه لحاجة, لأن الطلاق لغير حاجة كفر بنعمة الزواج , وإيذاء محض بالزوجة وأهلها وأولادها.
ويرى الجمهور غير الحنفية منهم الكمال بن الهمام وابن عابدين أن الأصل في الطلاق هو الحظر والمتع وخلاف الأولى , والأولى أن يكون لحاجة , كسوء خلق الزوجة أو إيذائها أحدا, لما فيه من قطع الألفة , وهدم سنة الاجتماع , والتعريض للفساد(3)
: أنواع الطلاق
: الطلاق السني : والسنة في الطلاق من وجهين:سنة في الوقت ,ويستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها , والسنة في الوقت وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه.
والسنة في العدد وهو أن يطلقها طلقة واحدة فيدعها حتى تبين.
ولا يمكن معرفة كل واحد منهما إلا بعد معرفة أصناف النساء , فالنساء حائلات وحاملات .
والحائلات إما ذوات أقراء , أو أشهر .
والأصل في طلاق السنة حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض,فسأل عمر بن الخطاب رسول الله عن ذلك فقال رسول الله ( مره فليرجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء )( )
والراوية الأخرى التي رواها مسلم عن ابن عمر أنه( طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه و سلم فقال :( مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ) .
: الطلاق البدعي : و هو أن يطلقها في طهر جامعها فيه , أو أن يطلقها في حيضها , أو أن يطلقها ثلاث تطليقات متتالية في مجلس واحد.
و هذا كثيرا ما يحصل في المجتمعات الإسلامية المعاصرة لااختلاف لبيئة على أخرى إلا بنسب متفاوتة, وخاصة إيقاع الطلاق الثلاث في مجلس واحد , وفي لفظ واحد ,فقد عمت البلوى في كثير من المناطق ومنها مدينة حمص وريفها , فيوقع الرجل الطلاق على زوجته لأدنى مسألة تعترضه وربما لا تكون الزوجة طرفا في المسألة , فلو أخذ برأي الجمهور -ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة- وهو إيقاع الثلاث بلفظ واحد ثلاثا, لوقع الناس في حرج شديد لكثرة ما يستخدمون ألفاظ الطلاق .

وجاء في كتاب القه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي ((والذي يظهر لي رجحان رأي الجمهور: وهو وقوع الطلاق ثلاثاً إذا طلق الرجل امرأته دفعة واحدة، لكن إذا رجح الحاكم رأياً ضعيفاً صار هو الحكم الأقوى، فإن صدر قانون، كما هو الشأن في بعض البلاد العربية بجعل هذا الطلاق واحدة، فلا مانع من اعتماده والإفتاء به، تيسيراً على الناس، وصوناً للرابطة الزوجية، وحماية لمصلحة الأولاد، خصوصاً ونحن في وقت قل فيه الورع والاحتياط، وتهاون الناس في التلفظ بهذه الصيغة من الطلاق، وهم يقصدون غالباً التهديد والزجر، ويعلمون أن في الفقه منفذاً للحل، ومراجعة الزوجة.))( )
 

نزيه حرفوش

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
13 مارس 2008
المشاركات
8
التخصص
دراسات لإسلامية
المدينة
حمص
المذهب الفقهي
شافعي
: الطلاق باتفاق الطرفين:( الخلع )
أولا: : تعريف الخلع: هو فُرْقة بين الزوجين بعوض بلفظ طلاق أو خلع، كقول الرجل للمرأة: طلقتك أو خالعتك على كذا، فتقبل.
ثانيا:مشروعيته: وقد دل الكتاب والسنة على مشروعية الخلع بين الزوجة وزوجها, فأما الكتاب فقد قال الله سبحانه﴿فلا جناح عليهما فيما افتدت به﴾[البقرة229], وقال تعالى﴿وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا﴾[النساء:4]
وقال تعالى﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير﴾ [النساء128]
وأما في السنة :ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس :أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام ,فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أتردين عليه حديقته ) قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( ِإقْبًل الحديقة وطلقها تطليقه ).( )
ثالثا:الحكمة من تقرير نظام الخلع:
جعل الله سبحانه وتعالى الأصل في العلاقة الزوجية أن تكون مبنية بين الزوجين على المودة والرحمة ﴿وجعل بينكم مودة﴾, [ الروم: ٢١ ], وأن يكون الحب عنوان الحياة الزوجية في ظل نظام إسلامي متكامل , فإذا ما حصل شقاق بين الزوجين تكون المرأة هي المتسببة في هذا الشقاق الذي ربما يأتي على كيان الأسرة فيهزها من قواعدها, جعل الطلاق في يد الرجل ليختار أهون الضررين بدون شطط أو تعسف , وليكون الطلاق حلا لمشكلة لا أن يكون مشكلة تفرخ أزمات ومشاكل ومصائب , وخاصة في ظل تعقد أمور الحياة وزيادة متطلباتها.
وإن كان الرجل هو مصدر الشقاق ومنبع المشاكل,التي تحول الحياة الأسرية جحيما لا يطاق وناراً لا تخمد ,-وقد لا تفلح دواعي الإصلاح ولا تجدي- ومن ثم لا يكون هناك مفر من إنهاء العلاقة الزوجية, أو يقع الكره من الزوجة لزوجها ,فتكره الحياة معه وتريد الخلاص منه ,لذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة حق التخلص من الرجل بأن مكنها من المخالعة ,على أن تؤدي للرجل شيئا يتفق عليه من المهر كاملا أو جزئيا كما صرحت بذلك الآية الكريمة﴿ الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتينتموهن شيئاً إلا أن يخافا حدود الله فإن خفتم حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به , تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأؤلئك هم الظالمون﴾
ٍ
فالخلع يؤدى إلى تطليق يسترد به الزوج ما دفعه، ويرفع عن كاهله عبء أداء أي من الحقوق المالية الشرعية للزوجة من بعد ذلك، فيزول عنه بذلك أي ضرر، مما يجعل إمساكه للزوجة بعد أن تقرر مخا لعته إضراراً خالصاً بها، والقاعدة الشرعية تقول :لا ضرر ولاضرار.
كما أن الخلع يعفي الزوجة إن ضاق بها الحال من إشاعة أسرار حياتها الزوجية, وقد يحول الحياء بينهما وبين أن تفعل ,وقد تكون قادرة على أن تفعل ولكنها تأبى لأنها ترى في هذه الأسرار ما يؤذى أولادها في أبيهم، وخاصة حين يسجل ما تبوح به في أحكام قضائية وكل ذلك مع تقرير الأصل الشرعي في الخلع وهو التراضي عليه بين الزوجين, وهذا فيه من الستر ما لا يخفى على ذي لب منصف .
وهذا من عدل الإسلام ودقة منهجيته في التعامل مع الأزمات الأسرية , وفي النظر إلى حقوق
وواجبات كل من الزوجين وحقوق ومستقبل الأطفال في ظل ما حصل من مشاكل بين الزوجين
لسبب أو لآخر,كما هو رد على أدعياء ظلم المرأة المسلمة وامتهانها وتحكم الرجل بمقدرات حياتها , فكما أعطى للرجل حق الطلاق مقابل أن يدفع لزوجته كل مهرها مقدمه ومؤخره , كذلك قرر للمرأة حق الخلع على أن ترد للزوج ما أعطاها من مهر.
إذا ما حصل خلاف ونفر الزوج من زوجته وأراد أن يطلقها فإنه يضيق عليها , ويعاشرها معاشرة سيئة حتى تفتدي نفسها منه , فتلجأ الزوجة إلى المخالعة لتتخلص من ضرره وإساءته, ويساعد في ذلك أيضا التباطؤ في فصل دعاوى الطلاق المرفوعة من قبل الزوجة, حيث تمتد أشهرا وربما سنين فتضطر الزوجة إلى قبول المخالعة وهي مكرهة على ذلك ,وإنما تريد التخلص بأي ثمن , فربما تزوج زوجها ثانية وتركها تحت رحمة مماطلة القضاء وتسويفاته, تذوق كؤوس الحرمان والمعاناة طيلة فترة المحاكمة فلا هي زوجة ولا هي مطلقة يقصدها الخطاب .
وفي مثل هذه الحالات -وإن تم الخلع- إلا أنه لا يحل له أخذ شيء منها عند الحنفية والحنابلة والشافعية لقوله تعالى ﴿ ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ﴾ [البقرة: ٢٣١ ], وقوله سبحانه ﴿ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ﴾ [النساء: ١٩ ] هذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة، ولأنه إضرار بها، والضرر حرام، لقوله عليه الصلاة والسلام:(لا ضرر ولا ضرار) ( )
وكذلك قال المالكية: لا يحل له أخذ شيء من الزوجة في حالة الإضرار، ولو أخذ شيئاً وجب عليه أن يرده إليها.
 
أعلى