العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

القواعد الأصولية والفقهية من كتاب إحكام الأحكام للإمام ابن دقيق العيد

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هذا جزء من رسالة الماجستير للأخ المصلحي من العراق وعنوانها: "المباحث الاصولية وتطبيقاتها عند الامام ابن دقيق العيد من خلال كتابه إحكام الأحكام ."

وأخونا المصلحي هو أحد أعضاء ملتقى أهل الحديث وقد راسلته للمشاركة معنا ولكن يبدو أن الأوضاع غير المستقرة في العراق تحول كثيرا عن تواصله المستمر على الشبكة

أسأل الله عز وجل أن يسلمه من كل شر وأن يوفقه إلى كل خير

ولم أستطع الصبر على موضوعه الثري والذي كتبه قديما في ملتقى أهل الحديث وقد استله من رسالته الآنفة الذكر، فرأيت أن أدرجه في هذا القسم ، أسأل الله عز وجل أن ينفع به وبصاحبه.

ودونكم الموضوع :


القواعد الأصولية والفقهية
من كتاب إحكام الأحكام
للإمام ابن دقيق العيد







بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم ، على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى اله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
فهذا جزء من رسالتي الماجستير ، وهو الفصل الأخير منها ، أقدمه للقراء الكرام ، بدون تعليقات .
لعل الله تعالى ينفع به .
تنبيه : رجعت إلى طبعة دار الكتب العلمية في عزو الصفحات .
* * *
يشمل هذا الفصل على بعض القواعد والفوائد الأصولية و الفقهية التي ذكرها المؤلف أو أشار إليها في كتابه .

1- إذا تردد اللفظ بين معنيين أحدهما كثير الاستعمال والآخر قليل الاستعمال فانه يحمل على الأول .

قال الإمام ابن دقيق :
(يقال " كان يفعل كذا " بمعنى أنه تكرر منه فعله ، وكان عادته ، كما يقال : كان فلان يقري الضيف ، و ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ) وقد يستعمل " كان " لإفادة مجرد الفعل ؛ ووقوع الفعل ، دون الدلالة على التكرار ، والأول : أكثر في الاستعمال ، وعليه ينبغي حمل الحديث ) (1)


2- إذا تردد اللفظ بين معنيين احدهما غالب والآخر نادر فانه يحمل على الغالب .
قال الأمام ابن دقيق :
(اختلف العلماء في طهارة المني ونجاسته وأما في كيفية إزالته : فلأن النجاسة لا تزال إلا بالماء ، إلا ما عفي عنه من آثار بعضها ، والفرد ملحق بالأعم الأغلب ) (2)


وقال الأمام ابن دقيق بعد كلام له على صدقة الفطر :
(وقد كانت لفظة " الطعام " تستعمل في " البر " عند الإطلاق ، حتى إذا قيل : اذهب إلى سوق الطعام ، فهم منه سوق البر ، وإذا غلب العرف بذلك نزل اللفظ عليه . لأن الغالب أن الإطلاق في الألفاظ : على حسب ما يخطر في البال من المعاني والمدلولات . وما غلب استعمال اللفظ عليه فخطوره عند الإطلاق أقرب . فينزل اللفظ عليه . وهذا بناء على أن يكون هذا العرف موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .)(3)


وتكلم الأمام ابن دقيق على حديث الذهاب إلى صلاة الجمعة فقال :
(لفظ " البدنة " في هذا الحديث ظاهرها أنها منطلقة على الإبل مخصوصة بها ، لأنها قوبلت بالبقر وبالكبش عند الإطلاق ، وقسم الشيء لا يكون قسيما ومقابلا له . وقيل : إن اسم " البدنة " ينطلق على الإبل والبقر والغنم لكن الاستعمال في الإبل أغلب . نقله بعض الفقهاء . وينبني على هذا : ما إذا قال : لله علي أن أضحي ببدنة ، ولم يقيد بالإبل لفظا ولا نية ، وكانت الإبل موجودة فهل تتعين ؟ فيه وجهان للشافعية : أحدهما : التعين لأن لفظ " البدنة " مخصوصة بالإبل ، أو غالبة فيه . فلا يعدل عنه . والثاني : أنه يقوم مقامها بقرة أو سبع من الغنم ، حملا على ما علم من الشرع من إقامتها مقامها . والأول : أقرب .) (4)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقوله ( ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ) يدل على جمع الإمام بين التسميع والتحميد ، لما ذكرنا : أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة للغلبة .) (5)

3- النفي إذا تردد بين نفي الحقيقة الشرعية ونفي الحقيقة الحسية فانه يحمل على الأول

قال الأمام ابن دقيق :
(صيغة النفي إذا دخلت على الفعل في ألفاظ صاحب الشرع ، فالأولى : حملها على نفي الفعل الشرعي . لا على نفي الفعل الوجودي . فيكون قوله " لا صلاة بعد الصبح " نفيا للصلاة الشرعية ، لا الحسية . وإنما قلنا ذلك ؛ لأن الظاهر : أن الشارع يطلق ألفاظه على عرفه . وهو الشرعي . وأيضا ، فإنا إذا حملناه على الفعل الحسي - وهو غير منتف - احتجنا إلى إضمار لتصحيح اللفظ . وهو المسمى بدلالة الاقتضاء . ويبقى النظر في أن اللفظ يكون عاما أو مجملا ، أو ظاهرا في بعض المحامل . أما إذا حملناه على الحقيقة الشرعية لم نحتج إلى إضمار . فكان أولى . ومن هذا البحث يطلع على كلام الفقهاء في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا نكاح إلا بولي ) فإنك إذا حملته على الحقيقة الشرعية ، لم تحتج إلى إضمار . فإنه يكون نفيا للنكاح الشرعي . وإن حملته على الحقيقة الحسية - وهي غير منتفية عند عدم الولي حسا - احتجت إلى إضمار . فحينئذ يضمر بعضهم " الصحة " وبعضهم " الكمال ") (6)

4- عبارة ( فعل كذا ) إما أن تدل على مجرد الوقوع أو تدل على البدء بالفعل او تدل على الانتهاء من الفعل .

قال الأمام ابن دقيق :
(إذا قلنا : فلان فعل : احتمل أن يراد شرع في الفعل . ويحتمل : أن يراد فرغ منه . ويحتمل أن يراد : جملة الفعل .) (7)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقوله ( ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ) يدل على جمع الإمام بين التسميع والتحميد ، لما ذكرنا : أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة للغلبة . ويدل على أن التسميع يكون حين الرفع ، والتحميد بعد الاعتدال . وقد ذكرنا أن الفعل قد يطلق على ابتدائه وعلى انتهائه وعلى جملته حال مباشرته . ولا بأس بأن يحمل قوله ( يقول حين يرفع صلبه ) على حركته حالة المباشرة . ليكون الفعل مستصحبا في جميعه للذكر .) (8)

5- هل يحمل النفي على نفي الإثم والحكم معا أم على نفي الإثم فقط ؟

قال الأمام ابن دقيق :
(وهذا القول في سقوط الدم عن الجاهل والناسي ، دون العامد : قوي ، من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج ، بقوله " خذوا عني مناسككم " وهذه الأحاديث المرخصة في التقديم لما وقع السؤال عنه : إنما قرنت بقول السائل " لم أشعر " فيخصص الحكم بهذه الحالة . وتبقى حالة العمد على أصل وجوب اتباع الرسول في أعمال الحج . ومن قال بوجوب الدم في العمد والنسيان ، عند تقدم الحلق على الرمي : فإنه يحمل قوله عليه السلام " لا حرج " على نفي الإثم في التقديم مع النسيان ولا يلزم من نفي الإثم نفي وجوب الدم . وادعى بعض الشارحين : أن قوله عليه السلام " لا حرج " ظاهر في أنه لا شيء عليه . وعنى بذلك نفي الإثم والدم معا . وفيما ادعاه من الظهور نظر . وقد ينازعه خصومه فيه ، بالنسبة إلى الاستعمال العرفي . فإنه قد استعمل " لا حرج " كثيرا في نفي الإثم ، وإن كان من حيث الوضع اللغوي يقتضي نفي الضيق . قال الله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) . وهذا البحث كله إنما يحتاج إليه بالنسبة إلى الرواية التي جاء فيها السؤال عن تقديم الحلق على الرمي .
وأما على الرواية التي ذكرها الأمام ابن دقيق : فلا تعم من أوجب الدم ، وحمل نفي الحرج على نفي الإثم ، فيشكل عليه تأخير بيان وجوب الدم . فإن الحاجة تدعو إلى تبيان هذا الحكم . فلا يؤخر عنها بيانه . ويمكن أن يقال : إن ترك ذكره في الرواية لا يلزم منه ترك ذكره في نفس الأمر . وأما من أسقط الدم ، وجعل ذلك مخصوصا بحالة عدم الشعور : فإنه يحمل " لا حرج " على نفي الإثم والدم معا . فلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة . ويبنى أيضا على القاعدة : في أن الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه وإلحاق غيره مما لا يساويه به . ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم التكليف والمؤاخذة . والحكم علق به . فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به . إذ لا يساويه .) (9)


6- إذا تردد اللفظ بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي فانه يحمل على الأول .

قال الأمام ابن دقيق :
(المشهور من مذاهب الفقهاء : وجوب زكاة الفطر ، لظاهر هذا الحديث ، وقوله " فرض " . وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب ، وحملوا " فرض " على معنى قدر ، وهو أصله في اللغة ، لكنه نقل في عرف الاستعمال إلى الوجوب ، فالحمل عليه أولى . لأنه ما اشتهر في الاستعمال فالقصد إليه هو الغالب .) (10)

وقال الأمام ابن دقيق :
(اختلف الفقهاء في أكل الناسي للصوم ، هل يوجب الفساد أم لا ؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي : إلى أنه لا يوجب . وذهب مالك إلى إيجاب القضاء . وهو القياس . فإن الصوم قد فات ركنه . وهو من باب المأمورات . والقاعدة تقتضي : أن النسيان لا يؤثر في طلب المأمورات . وعمدة من لم يوجب القضاء : هذا الحديث وما في معناه ، أو ما يقاربه . فإنه أمر بالإتمام . وسمي الذي يتم " صوما " وظاهره : حمله على الحقيقة الشرعية . وإذا كان صوما وقع مجزئا . ويلزم من ذلك : عدم وجوب القضاء . والمخالف حمله على أن المراد : إتمام صورة الصوم . وهو متفق عليه . ويجاب بما ذكرناه من حمل الصوم على الحقيقة الشرعية . وإذا دار اللفظ بين حمله على المعنى اللغوي والشرعي . كان حمله على الشرعي أولى . اللهم إلا أن يكون ثم دليل خارج يقوي به هذا التأويل المرجوح فيعمل به ) (11)

وقال الأمام ابن دقيق :
(" صوم الدهر " ذهب جماعة إلى جوازه . منهم مالك والشافعي . ومنعه الظاهرية ، للأحاديث التي وردت فيه ، كقوله عليه السلام ( لا صام من صام الأبد ) وغير ذلك . وتأول مخالفوهم هذا على من صام الدهر ، وأدخل فيه الأيام المنهي عن صومها ، كيومي العيدين وأيام التشريق . وكأن هذا محافظة على حقيقة صوم الأبد . فإن من صام هذه الأيام ، مع غيرها : هو الصائم للأبد . ومن أفطر فيها لم يصم الأبد ، إلا أن في هذا خروجا عن الحقيقة الشرعية ، وهو مدلول لفظة " صام " فإن هذه الأيام غير قابلة للصوم شرعا . إذ لا يتصور فيها حقيقة الصوم ، فلا يحصل حقيقة " صام " شرعا لمن أمسك في هذه الأيام . فإن وقعت المحافظة على حقيقة لفظ " الأبد " فقد وقع الإخلال بحقيقة لفظ " صام " شرعا ، فيجب أن يحمل ذلك على الصوم اللغوي . وإذا تعارض مدلول اللغة ومدلول الشرع في ألفاظ صاحب الشرع ، حمل على الحقيقة الشرعية .) (12)


7- هل تصح قاعدة ( الطهور إما من حدث أو خبث ) ؟

قال الأمام ابن دقيق :
(قوله صلى الله عليه وسلم " طهورا " استدل به على أمور :..... الثالث : أخذ منه بعض المالكية : أن لفظة طهور تستعمل لا بالنسبة إلى الحدث ، ولا الخبث . وقال : إن " الصعيد " قد يسمى طهورا ، وليس عن حدث ، ولا عن خبث ؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث ، هذا أو معناه ، وجعل ذلك جوابا عن استدلال الشافعية على نجاسة فم الكلب ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( طهور إناء أحدكم ، إذا ولغ فيه الكلب : أن يغسله سبعا ) فقالوا " طهور " يستعمل إما عن حدث أو خبث ، ولا حدث على الإناء ، فيتعين أن يكون عن خبث ، فمنع هذا المجيب المالكي الحصر . وقال : إن لفظة " طهور " تستعمل في إباحة الاستعمال ، كما في التراب ، إذ لا يرفع الحدث كما قلنا ، فيكون قوله " طهور إناء أحدكم " مستعملا في إباحة استعماله ، أعني الإناء ، كما في التيمم ، وفي هذا عندي نظر ، فإن التيمم - وإن قلنا : إنه لا يرفع الحدث - لكنه عن حدث ، أي الموجب لفعله حدث . وفرق بين قولنا " إنه عن حدث " وبين قولنا " إنه لا يرفع الحدث ") (13)

8- عند ورود الاحتمال يبطل الاستدلال.

قال الأمام ابن دقيق :
(قوله " ثم صلاها بين المغرب والعشاء " يحتمل أمرين : أحدهما : أن يكون التقدير : فصلاها بين وقت المغرب ووقت العشاء . والثاني : أن يكون التقدير : فصلاها بين صلاة المغرب وصلاة العشاء وعلى هذا التقدير : يكون الحديث دالا على أن ترتيب الفوائت غير واجب ؛ لأنه يكون صلاها - أعني العصر الفائتة - بعد صلاة المغرب الحاضرة . وذلك لا يراه من يوجب الترتيب ، إلا أن هذا الاستدلال يتوقف على دليل يرجح هذا التقدير - أعني قولنا : بين صلاة المغرب وصلاة العشاء - على التقدير الأول - أعني قولنا : بين وقت المغرب ووقت العشاء - فإن وجد دليل على هذا الترجيح تم الاستدلال ، وإلا وقع الإجمال .) (14)

وقال الأمام ابن دقيق :
(ومما أجيب به عن استدلال الموجبين لصلاة الجماعة على الأعيان : أنه اختلف في هذه الصلاة التي هم النبي صلى الله عليه وسلم بالمعاقبة عليها . فقيل : العشاء . وقيل : الجمعة . وقد وردت المعاقبة على كل واحدة منهما مفسرة في الحديث . وفي بعض الروايات " العشاء ، أو الفجر " فإذا كانت هي الجمعة - والجماعة شرط فيها - لم يتم الدليل على وجوب الجماعة مطلقا في غير الجمعة ، وهذا يحتاج أن ينظر في تلك الأحاديث التي بينت فيها تلك الصلاة : أهي الجمعة ، أو العشاء ، أو الفجر ؟ فإن كانت أحاديث مختلفة ، قيل بكل واحد منها . وإن كان حديثا واحدا اختلفت فيه الطرق ، فقد يتم هذا الجواب ، إن عدم الترجيح بين بعض تلك الروايات وبعض ، وعدم إمكان أن يكون الجميع مذكورا . فترك بعض الرواة بعضه ظاهرا ، بأن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إحدى الصلاتين . أعني الجمعة ، أو العشاء - مثلا - فعلى تقدير أن تكون هي الجمعة : لا يتم الدليل . وعلى تقدير أن تكون هي العشاء : يتم . وإذا تردد الحال وقف الاستدلال .) (15)

وقال الأمام ابن دقيق :
(فإن استدل بالحديث على هذا المختلف فيه فلا يقوى ؛ لأن المذكور حكاية حال ، لا عموم لفظ . وحكاية الحال تحتمل أن تكون هي المختلف فيها . وتحتمل أن لا . ومع الاحتمال لا تقوم حجة . ) (16)

وقال الأمام ابن دقيق :
( لو استدل مستدل بلفظ يحتمل أمرين على السواء لكانت الدلالة منتفية ) (17)

9- إذا صح الحديث فلا يلتفت الى الاحتمالات .

تكلم الأمام ابن دقيق على مسالة الترتيب في قضاء الصلوات الفائتة ثم قال :
(وقد ورد التصريح بما يقتضي الترجيح للتقدير الأول وهو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالعصر وصلى بعدها المغرب ) وهو حديث صحيح . فلا يلتفت إلى غيره من الاحتمالات والترجيحات .) (18)

تكلم الأمام ابن دقيق على حديث الإشارة إلى الأنف والجبهة وجعلهما كعضو واحد فقال :
(قد اختلفت العبارة مع الإشارة إلى الأنف . فإذا جعلا كعضو واحد أمكن أن تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر . فتطابق الإشارة العبارة وربما استنتج من هذا : أنه إذا سجد على الأنف وحده أجزأه ؛ لأنهما إذا جعلا كعضو واحد كان السجود على الأنف كالسجود على بعض الجبهة فيجزئ . والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة والأنف ، لكونهما داخلين تحت الأمر ) (19)

10- الأصل في الأحكام أنها معقولة المعنى .

قال الأمام ابن دقيق :
(الأمر بالغسل ظاهر في تنجيس الإناء . وأقوى من هذا الحديث في الدلالة على ذلك : الرواية الصحيحة . وهي قوله صلى الله عليه وسلم ( طهور إناء أحدكم ، إذا ولغ فيه الكلب : أن يغسل سبعا ) فإن لفظة " طهور " تستعمل إما عن الحدث ، أو عن الخبث . ولا حدث على الإناء بالضرورة . فتعين الخبث . وحمل مالك هذا الأمر على التعبد ، لاعتقاده طهارة الماء والإناء . وربما رجحه أصحابه بذكر هذا العدد المخصوص ، وهو السبع ؛ لأنه لو كان للنجاسة : لاكتفى بما دون السبع فإنه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة . وقد اكتفى فيها بما دون السبع . والحمل على التنجيس أولى . ؛ لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا ، أو معقول المعنى ، كان حمله على كونه معقول المعنى أولى . لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى .) (20)

11- الأصل في العبادات التوقيف .
قال الأمام ابن دقيق :
(قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين . ومثاله : ما أحدثته الروافض من عيد ثالث ، سموه عيد الغدير . وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص على شيء مخصوص ، لم يثبت شرعا . وقريب من ذلك : أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص . فيريد بعض الناس : أن يحدث فيها أمرا آخر لم يرد به الشرع ، زاعما أنه يدرجه تحت عموم . فهذا لا يستقيم ؛ لأن الغالب على العبادات التعبد ، ومأخذها التوقيف .) (21)

وقال الأمام ابن دقيق :
(اختلف الناس : هل تعم الأركان كلها بالاستلام ، أم لا ؟ والمشهور بين علماء الأمصار : ما دل عليه هذا الحديث . وهو اختصاص الاستلام بالركنين اليمانيين . وعلته : أنهما على قواعد إبراهيم عليه السلام . وأما الركنان الآخران فاستقصرا عن قواعد إبراهيم . كذا ظن ابن عمر . وهو تعليل مناسب . وعن بعض الصحابة : أنه كان يستلم الأركان كلها ، ويقول " ليس شيء من البيت مهجورا " واتباع ما دل عليه الحديث أولى . فإن الغالب على العبادات : الإتباع ) (22)

وقال الأمام ابن دقيق :
(المختار عند أهل الأصول : أن قوله " أمر " راجع إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا " أمرنا " و " نهينا " ؛ لأن الظاهر : انصرافه إلى من له الأمر والنهي شرعا . ومن يلزم إتباعه ويحتج بقوله ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم . وفي هذا الموضع زيادة على هذا . وهو أن العبادات والتقديرات فيها : لا تؤخذ إلا بتوقيف .)

وقال الأمام ابن دقيق :
( استدل بقوله ( فكبر) على وجوب التكبير بعينه . وأبو حنيفة يخالف فيه ويقول إذا أتى بما يقتضي التعظيم كقوله الله اجل أو أعظم كفى .
وهذا نظر منه إلى المعنى وان المقصود التعظيم فيحصل بكل ما دل عليه . وغيره اتبع اللفظ وظاهره يعين التكبير . ويتأيد ذلك بان العبادات محل التعبدات ويكثر ذلك فيها فالاحتياط فيها الإتباع)

وقال الأمام ابن دقيق :
(مقادير العبادات يغلب عليها التعبد )

12- الأصل عدم إثبات المعاني إلا بدليل شرعي :

قال الأمام ابن دقيق :
( الوجه الثاني : في تفسير معنى : " الحدث " فقد يطلق بإزاء معان ثلاثة : أحدها : الخارج المخصوص الذي يذكره الفقهاء في باب نواقض الوضوء . ويقولون : الأحداث كذا وكذا . الثاني : نفس خروج ذلك الخارج .
الثالث : المنع المرتب على ذلك الخروج . وبهذا المعنى يصح قولنا " رفعت الحدث " و " نويت رفع الحدث " فإن كل واحد من الخارج والخروج قد وقع . وما وقع يستحيل رفعه ، بمعنى أن لا يكون واقعا . وأما المنع المرتب على الخروج : فإن الشارع حكم به . ومد غايته إلى استعمال المكلف الطهور ، فباستعماله يرتفع المنع . فيصح قولنا " رفعت الحدث " و " ارتفع الحدث " أي ارتفع المنع الذي كان ممدودا إلى استعمال المطهر . وبهذا التحقيق يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث . ؛ لأنا لما بينا أن المرتفع : هو المنع من الأمور المخصوصة ، وذلك المنع مرتفع بالتيمم . فالتيمم يرفع الحدث . غاية ما في الباب : أن رفعه للحدث مخصوص بوقت ما ، أو بحالة ما . وهي عدم الماء . وليس ذلك ببدع ، فإن الأحكام قد تختلف باختلاف محالها . وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة ، على ما حكوه ولا نشك أنه كان رافعا للحدث في وقت مخصوص . وهو وقت الصلاة . ولم يلزم من انتهائه بانتهاء وقت الصلاة في ذلك الزمن : أن لا يكون رافعا للحدث . ثم نسخ ذلك الحكم عند الأكثرين . ونقل عن بعضهم ؛ أنه مستمر . ولا شك أنه لا يقول : إن الوضوء لا يرفع الحدث . نعم ههنا معنى رابع ، يدعيه كثير من الفقهاء ، وهو أن الحدث وصف حكمي مقدر قيامه بالأعضاء على مقتضى الأوصاف الحسية . وينزلون ذلك الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء . فما نقول : إنه يرفع الحدث - كالوضوء والغسل - يزيل ذلك الأمر الحكمي . فيزول المنع المرتب على ذلك الأمر المقدر الحكمي . وما نقول بأنه لا يرفع الحدث ، فذلك المعنى المقدر القائم بالأعضاء حكما باق لم يزل . والمنع المرتب عليه زائل . فبهذا الاعتبار نقول : إن التيمم لا يرفع الحدث ، بمعنى أنه لم يزل ذلك الوصف الحكمي المقدر وإن كان المنع زائلا . وحاصل هذا : أنهم أبدوا للحدث معنى رابعا ، غير ما ذكرناه من الثلاثة المعاني . وجعلوه مقدرا قائما بالأعضاء حكما ، كالأوصاف الحسية ، وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على إثبات هذا المعنى الرابع ، الذي ادعوه مقدرا قائما بالأعضاء ، فإنه منفي بالحقيقة ، والأصل موافقة الشرع لها ، ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك .)

وتكلم الأمام ابن دقيق على خلاف العلماء في تحديد الصلاة الوسطى ثم قال :
(وربما سلك من رجح الصبح طريق المعنى ، وهو أن تخصيص الصلاة الوسطى بالأمر بالمحافظة لأجل المشقة في ذلك . وأشق الصلوات : صلاة الصبح ؛ لأنها تأتي في حال النوم والغفلة . وقد قيل : إن ألذ النوم إغفاءة الفجر . فناسب أن تكون هي لمحثوث على المحافظة عليها . وهذا قد يعارض في صلاة العصر بمشقة أخرى ، وهي أنها وقت اشتغال الناس بالمعاش والتكسب ، ولو لم يعارض بذلك لكان المعنى الذي ذكره في صلاة الصبح ساقط الاعتبار ، مع النص على أنها العصر . وللفضائل والمصالح مراتب لا يحيط بها البشر . فالواجب إتباع النص فيها .) (27)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور . ولقد أبعد غاية البعد من قال : إن ذلك محمول على الكراهة ، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان ، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان . وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده - لا يساويه في هذا المعنى . فلا يساويه في هذا التشديد - هذا أو معناه - وهذا القول عندنا باطل قطعا . لأنه قد ورد في الأحاديث : الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين . وأنهم يقال لهم " أحيوا ما خلقتم " وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل وقد صرح بذلك في قوله عليه السلام ( المشبهون بخلق الله ) وهذه علة عامة مستقلة مناسبة . لا تخص زمانا دون زمان . وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي . يمكن أن لا يكون هو المراد ) (28)

13- عند الاختلاف فانه يرجع إلى الأصل .

تكلم الأمام ابن دقيق عن خلاف العلماء حول موضع سجود السهو فقال :
( وذهب احمد بن حنبل إلى الجمع بين الأحاديث بطريق أخرى غير ما ذهب إليه مالك وهو أن يستعمل كل حديث فيما ورد فيه وما لم يرد فيه حديث فمحل السجود فيه قبل السلام وكان هذا نظر إلى أن الأصل في الجابر أن يقع في المجبور فلا يخرج عن هذا الأصل إلا في مورد النص ويبقى فيما عداه على الأصل ) (29)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقد يؤخذ من الحديث : أنه لا يصوم عنه الأجنبي ، إما لأجل التخصيص ، مع مناسبة الولاية لذلك ، وإما ؛ لأن الأصل : عدم جواز النيابة في الصوم ؛ لأنه عبادة لا يدخلها النيابة في الحياة . فلا تدخلها بعد الموت كالصلاة . وإذا كان الأصل عدم جواز النيابة : وجب أن يقتصر فيها على ما ورد في الحديث . ويجري في الباقي على القياس .) (30)

وقال الأمام ابن دقيق :
(فيه حجة لمن يشترط التسمية على الإرسال ؛ لأنه وقف الإذن في الأكل على التسمية ، والمعلق بالوصف ينتفي بانتفائه عند القائلين بالمفهوم . وفيه ههنا زيادة على كونه مفهوما مجردا وهو أن الأصل : تحريم أكل الميتة ، وما أخرج الإذن منها إلا ما هو موصوف بكونه مسمى عليه ، فغير المسمى عليه : يبقى على أصل التحريم ، داخلا تحت النص المحرم للميتة .) (31)

وتكلم الأمام ابن دقيق على خلاف الفقهاء في مسالة أكل الكلب من الصيد ثم قال :
(وإذا أكل الكلب من الصيد ففيه قولان للشافعي : أحدهما : لا يؤكل لهذا الحديث ولما أشار إليه من العلة فإن أكله دليل ظاهر على اختيار الإمساك لنفسه . والثاني : أنه يؤكل لحديث آخر ورد فيه من رواية أبي ثعلبة الخشني وحمل هذا النهي في حديث عدي على التنزيه ، وربما علل بأنه كان من المياسير فاختير له الحمل على الأولى وأن أبا ثعلبة كان على عكس ذلك فأخذ له بالرخصة وهو ضعيف ؛ لأنه علل عدم الأكل بخوف الإمساك على نفسه وهذه علة لا تناسب إلا التحريم ، أعني تخوف الإمساك على نفسه . اللهم إلا أن يقال : إنه علل بخوف الإمساك ، لا بحقيقة الإمساك . فيجاب عن هذا : بأن الأصل التحريم في الميتة فإذا شككنا في السبب المبيح : رجعنا إلى الأصل ) (32)


14- تردد الحكم بين أصول متعددة :

تكلم الأمام ابن دقيق على حديث الولد للفراش فقال :
(والحديث أصل في إلحاق الولد صاحب الفراش . وإن طرأ عليه وطء محرم . وقد استدل به بعض المالكية على قاعدة من قواعدهم ، وأصل من أصول المذهب وهو الحكم بين حكمين ، وذلك أن يكون الفرع يأخذ مشابهة من أصول متعددة فيعطى أحكاما مختلفة ولا يمحض لأحد الأصول . وبيانه من الحديث : أن الفراش مقتض لإلحاقه بزمعة والشبه البين مقتض لإلحاقه بعتبة فأعطي النسب بمقتضى الفراش . وألحق بزمعة ، وروعي أمر الشبه بأمر سودة بالاحتجاب منه . فأعطي الفرع حكما بين حكمين فلم يمحض أمر الفراش فتثبت المحرمية بينه وبين سودة ، ولا روعي أمر الشبه مطلقا فيلتحق بعتبة قالوا : وهذا أولى التقديرات . فإن الفرع إذا دار بين أصلين ، فألحق بأحدهما مطلقا ، فقد أبطل شبهه الثاني من كل وجه وكذلك إذا فعل بالثاني ، ومحض إلحاقه به : كان إبطالا لحكم شبهه بالأول فإذا ألحق بكل واحد منهما من وجه : كان أولى من إلغاء أحدهما من كل وجه .) (33)

15- السؤال عن كيفية الشيء يكون بعد ثبوت الأصل .

تكلم الأمام ابن دقيق على مسالة غسل المحرم لرأسه فقال :
(وقوله " أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه ؟ " يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل . فإن السؤال عن كيفية الشيء : إنما يكون بعد العلم بأصله . وفيه دليل على أن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز ، إذ لم يسأل عنه ، وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس .) (34)


16- الأصل هو استواء الفرض والنفل في الأحكام.

تكلم الأمام ابن دقيق على حديث حمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامة بنت زينب في الصلاة فقال :
(الوجه الثاني : أن هذا الفعل كان للضرورة . وهو مروي أيضا عن مالك وفرق بعض أتباعه بين أن تكون الحاجة شديدة ، بحيث لا يجد من يكفيه أمر الصبي ، ويخشى عليه . فهذا يجوز في النافلة والفريضة . وإن كان حمل الصبي في الصلاة على معنى الكفاية لأمه ، لشغلها بغير ذلك : لم يصلح إلا في النافلة . وهذا أيضا عليه من الإشكال : أن الأصل استواء الفرض والنفل في الشرائط والأركان إلا ما خصه الدليل .) (35)

17- ما ثبت بأصل الشرع أقوى مما ثبت بالنذر .
قال الأمام ابن دقيق :
(في الحديث دليل على كراهة الوصال . واختلف الناس فيه ، ونقل عن بعض المتقدمين فعله ، ومن الناس من أجازه إلى السحر ، على حديث أبي سعيد الخدري . وفي حديث أبي سعيد الخدري دليل على أن النهي عنه نهي كراهة ، لا نهي تحريم . وقد يقال : إن الوصال المنهي عنه ما اتصل باليوم الثاني ، فلا يتناوله الوصال إلى السحر ، فإن قوله عليه السلام " فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر " يقتضي تسميته وصالا . والنهي عن الوصال يمكن تعليله بالتعريض بصوم اليوم الثاني ، فإن كان واجبا كان بمثابة الحجامة والفصد وسائر ما يتعرض به الصوم للبطلان وتكون الكراهة شديدة . وإن كان صوم نفل ففيه التعرض لإبطال ما شرع فيه من العبادة . وإبطالها إما ممنوع - على مذهب بعض الفقهاء - وإما مكروه . وكيفما كان فعلة الكراهة موجودة ، إلا أنها تختلف رتبتها . فإن أجزنا الإفطار كانت رتبة هذه الكراهة أخف من رتبة الكراهة في الصوم الواجب قطعا . وإن منعناه فهل يكون كالكراهة في تعريض الصوم المفروض بأصل الشرع ؟ فيه نظر . فيحتمل أن يقال : يستويان لاستوائهما في الوجوب . ويحتمل أن يقال : لا يستويان ؛ لأن ما ثبت بأصل الشرع ، فالمصالح المتعلقة به أقوى وأرجح ؛ لأنها انتهضت سببا للوجوب . وأما ما ثبت وجوبه بالنذر - وإن كان مساويا للواجب بأصل الشرع في أصل الوجوب - فلا يساويه في مقدار المصلحة . فإن الوجوب ههنا إنما هو للوفاء بما التزمه العبد لله تعالى . وأن لا يدخل فيمن يقول ما لا يفعل . وهذا بمفرده لا يقتضي الاستواء في المصالح .) (36)

18- إطلاق الجزء وإرادة الكل ، وإطلاق الكل وإرادة الجزء .
قال الأمام ابن دقيق :
(وقولها " وكان يقول في كل ركعتين التحية " ، أطلقت لفظ " التحية " على التشهد كله ، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل .) (37)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقوله "حمارا وحشيا " ظاهره أنه أهداه بجملته ، وحمل على أنه كان حيا . وعليه يدل تبويب البخاري رحمه الله . وقيل إنه تأويل مالك رحمه الله . وعلى مقتضاه يستدل بالحديث على منع وضع المحرم يده على الصيد بطريق التملك بالهدية ، ويقاس عليها : ما في معناها من البيع والهبة ، إلا أنه رد هذا التأويل بالروايات التي ذكرها الأمام ابن دقيق عن مسلم ، من قوله " عجز حمار ، أو شق حمار ، أو رجل حمار " فإنها قوية الدلالة على كون المهدى بعضا وغير حي . فيحتمل قوله " حمارا وحشيا " المجاز . وتسمية البعض باسم الكل ، أو فيه حذف مضاف ، ولا تبقى فيه دلالة على ما ذكر من تملك الصيد بالهبة على هذا التقدير .) (38)

19- هل يعطى حكم الكل للبعض :

قال الأمام ابن دقيق :
(وفيه دليل على أن زهو بعض الثمرة كاف في جواز البيع ، من حيث إنه ينطلق عليها أنها أزهت بإزهاء بعضها مع حصول المعنى ، وهو الأمن من العاهة غالبا . ولولا وجود المعنى كان تسميتها " مزهية " بإزهاء بعضها : قد لا يكتفى به لكونه مجازا .) (39)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقوله ( من باع نخلا قد أبرت ) حقيقته : اعتبار التأبير في المبيع حقيقة بنفسه . وقد أجرى تأبير البعض مجرى تأبير الجميع إذا كان في بستان واحد ، واتحد النوع ، وباعها صفقة واحدة وجعل ذلك كالنخلة الواحدة .) (40)


20- هل يحمل الاسم عند إطلاقه على كل المسمى أو على الحد الأدنى من المسمى ؟

قال الأمام ابن دقيق :
(والحديث يدل على أنه يكتفى بمسمى الإزهاء وابتدائه ، من غير اشتراط تكامله ؛ لأنه جعل مسمى الإزهاء غاية للنهي ، وبأوله يحصل المسمى . ويحتمل أن يستدل به على العكس ؛ لأن الثمرة المبيعة قبل الإزهاء - أعني ما لم يزه من الحائط - إذا دخل تحت اسم الثمرة ، فيمتنع بيعه قبل الإزهاء ، فإن قال بهذا أحد فله أن يستدل بذلك .) (41)

21- ما رتب على المجموع لا يحصل ببعضه :

قال الأمام ابن دقيق :
(أن ما رتب على مجموع لم يلزم حصوله في بعض ذلك المجموع إلا إذا دل الدليل على إلغاء بعض ذلك المجموع ، وعدم اعتباره . فيكون وجوده كعدمه ويبقى ما عداه معتبرا ، لا يلزم أن يترتب الحكم على بعضه . فإذا تقررت هذه القواعد : فاللفظ يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بمضاعفة صلاة الرجل في الجماعة على صلاته في بيته وسوقه بهذا القدر المعين . وعلل ذلك باجتماع أمور ، منها : الوضوء في البيت ، والإحسان فيه ، والمشي إلى الصلاة لرفع الدرجات . وصلاة الملائكة عليه ما دام في مصلاه . وإذا علل هذا الحكم باجتماع هذه الأمور ، فلا بد أن يكون المعتبر من هذه الأمور موجودا في محل الحكم . وإذا كان موجودا فكل ما أمكن أن يكون معتبرا منها ، فالأصل : أن لا يترتب الحكم بدونه .) (42)

وتكلم الأمام ابن دقيق على صلاة الكسوف فقال :
(وقد ذكروا أنها إذا صليت صلاة الكسوف على الوجه المذكور ، ولم تنجل الشمس إنها لا تعاد على تلك الصفة . وليس في قوله ( فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) ما يدل على خلاف هذا ، لوجهين : أحدهما : أنه أمر بمطلق الصلاة ، لا بالصلاة على هذا الوجه المخصوص . ومطلق الصلاة سائغ إلى حين الانجلاء . الثاني : لو سلمنا أن المراد الصلاة الموصوفة بالوصف المذكور لكان لنا أن نجعل هذه الغاية لمجموع الأمرين - أعني الصلاة والدعاء - ولا يلزم من كونهما . غاية لمجموع الأمرين : أن تكون غاية لكل واحد منهما على انفراده . فجاز أن يكون الدعاء ممتدا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة على الوجه المخصوص مرة واحدة ويكون غاية للمجموع .) (43)

وتكلم الأمام ابن دقيق على حديث النهي عن صيام الدهر كله وعن قيام الليل كله فقال :
(كره جماعة قيام كل الليل . لرد النبي ذلك على من أراده ، ولما يتعلق به من الإجحاف بوظائف عديدة وفعله جماعة من المتعبدين من السلف وغيرهم . ولعلهم حملوا الرد على طلب الرفق بالمكلف . وهذا الاستدلال على الكراهة بالرد المذكور عليه سؤال ، وهو أن يقال : إن الرد لمجموع الأمرين وهو صيام النهار ، وقيام الليل فلا يلزم ترتبه على أحدهما .) (44)

وقال الأمام ابن دقيق :

(قوله " فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " وهذا اللفظ الثاني : يقتضي ترتيب الحكم على مجموع أمرين : وقوع الحدود ، وصرف الطرق . وقد يقول قائل ممن يثبت الشفعة للجار : إن المرتب على أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما . وتبقى دلالة المفهوم الأول مطلقة ، وهو قوله " إنما الشفعة فيما لم يقسم " فمن قال بعدم ثبوت الشفعة تمسك بها ، ومن خالفه يحتاج إلى إضمار قيد آخر ، يقتضي اشتراط أمر زائد ، وهو صرف الطرق مثلا ، وهذا الحديث يستدل به ، ويجعل مفهومه مخالفة الحكم عند انتفاء الأمرين معا : وقوع الحدود ، وصرف الطرق .) (45)

وقال الأمام ابن دقيق :
(والمرتب على أشياء لا يحصل إلا بحصول مجموعها وينتفي بانتفاء بعضها .) (46)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وفيه دليل على جواز الذبح بما يحصل به المقصود ، من غير توقف على كونه حديدا ، بعد أن يكون محددا . وقوله " وذكر اسم الله عليه " دليل على اشتراط التسمية أيضا فإنه علق الإذن بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما .) (47)

وقال الأمام ابن دقيق :
(هذا الثواب الموعود به يترتب على مجموع أمرين أحدهما : الوضوء على النحو المذكور . والثاني : صلاة ركعتين بعده بالوصف المذكور بعده في الحديث ، والمرتب على مجموع أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما إلا بدليل خارج ) (48)

وقال الأمام ابن دقيق :
(يدل على استحباب تطويل الركعة الأولى بالنسبة إلى الثانية ، فيما ذكر فيه . وأما تطويل القراءة في الأولى بالنسبة إلى القراءة في الثانية ففيه نظر . وسؤال على من رأى ذلك ، لكن اللفظ إنما دل على تطويل الركعة ، وهو متردد بين تطويلها بمحض القراءة ، وبمجموع ، منه القراءة . فمن لم ير أن يكون مع القراءة غيرها ، وحكم باستحباب تطويل الأولى ، مستدلا بهذا الحديث لم يتم له إلا بدليل من خارج ، على أنه لم يكن مع القراءة غيرها) (49)

22- قسم الشيء لا يكون قسيما له :
قال الأمام ابن دقيق :
(لفظ " البدنة " في هذا الحديث ظاهرها أنها منطلقة على الإبل مخصوصة بها ، لأنها قوبلت بالبقر وبالكبش عند الإطلاق ، وقسم الشيء لا يكون قسيما ومقابلا له .) (50)

23- ما كان ألزم للشيء كان اقرب إلى خطوره بالبال فيحمل اللفظ عليه .

قال الأمام ابن دقيق :
(قوله صلى الله عليه وسلم ( الأعمال بالنيات ) لا بد فيه من حذف مضاف . فاختلف الفقهاء في تقديره . فالذين اشترطوا النية ، قدروا : " صحة الأعمال بالنيات " أو ما يقاربه . والذين لم يشترطوها : قدروه " كمال الأعمال بالنيات " أو ما يقاربه . وقد رجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال ، فالحمل عليها أولى ؛ لأن ما كان ألزم للشيء : كان أقرب إلى خطوره بالبال عند إطلاق اللفظ . فكان الحمل عليه أولى .) (51)

24- الأشياء تختلف أحكامها باختلاف أحوالها :

قال الأمام ابن دقيق :
(وبهذا التحقيق يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث ؛ لأنا لما بينا أن المرتفع : هو المنع من الأمور المخصوصة ، وذلك المنع مرتفع بالتيمم . فالتيمم يرفع الحدث . غاية ما في الباب : أن رفعه للحدث مخصوص بوقت ما ، أو بحالة ما ، وهي عدم الماء . وليس ذلك ببدع ، فإن الأحكام قد تختلف باختلاف محالها .) (52)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وفي الحديث دليل على فضيلة تقديم حضور القلب في الصلاة على فضيلة أول الوقت . فإنهما لما تزاحما قدم صاحب الشرع الوسيلة إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أول الوقت . والمتشوقون إلى المعنى أيضا قد لا يقصرون الحكم على حضور الطعام ، بل يقولون به عند وجود المعنى ، وهو التشوف إلى الطعام . والتحقيق في هذا : أن الطعام إذا لم يحضر ، فإما أن يكون متيسر الحضور عن قريب ، حتى يكون كالحاضر أو لا ؟ فإن كان الأول فلا يبعد أن يكون حكمه حكم الحاضر . وإن كان الثاني ، وهو ما يتراخى حضوره فلا ينبغي أن يلحق بالحاضر . فإن حضور الطعام يوجب زيادة تشوف وتطلع إليه .) (53)

25- القرائن توضح المعاني .
- قرينة تصرف العام عن ظاهره :


قال الأمام ابن دقيق :
(الحديث عام في جميع الكلاب . وفي مذهب مالك قول بتخصيصه بالمنهي عن اتخاذه . والأقرب : العموم ؛ لأن الألف واللام إذا لم يقم دليل على صرفها إلى المعهود المعين ، فالظاهر كونها للعموم ، ومن يرى الخصوص قد يأخذه من قرينة تصرف العموم عن ظاهره فإنهم نهوا عن اتخاذ الكلاب إلا لوجوه مخصوصة . والأمر بالغسل مع المخالطة عقوبة يناسبها الاختصاص بمن ارتكب النهي في اتخاذ ما منع من اتخاذه . وأما من اتخذ ما أبيح له اتخاذه ، فإيجاب الغسل عليه مع المخالطة عسر وحرج ، ولا يناسبه الإذن والإباحة في الاتخاذ . وهذا يتوقف على أن تكون هذه القرينة موجودة عند النهي .) (54)

قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب :

قال الأمام ابن دقيق :
(ظاهر الأمر الوجوب . وفي مذهب مالك قول إنه للندب ، وكأنه لما اعتقد طهارة الكلب - بالدليل الذي دله على ذلك - جعل ذلك قرينة صارفة للأمر عن ظاهره من الوجوب إلى الندب . والأمر قد يصرف عن ظاهره بالدليل .) (55)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وضوء الجنب قبل النوم : مأمور به ، والشافعي حمله على الاستحباب ، وفي مذهب مالك قولان : أحدهما : الوجوب ، وقد ورد بصيغة الأمر في بعض الأحاديث الصحيحة ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( توضأ واغسل ذكرك ، ثم نم ) لما سأله عمر إنه تصيبه الجنابة من الليل " وليس في هذا الحديث - الذي ذكره الأمام ابن دقيق - متمسك للوجوب ، فإنه وقف إباحة الرقاد على الوضوء ، فإن هذا الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام " فليرقد " ليس للوجوب ، ولا للاستحباب ، فإن النوم من حيث هو نوم لا يتعلق به وجوب ولا استحباب ، فإذا هو للإباحة ) (56)

26- اليقين لا يزول بالشك .

قال الأمام ابن دقيق :
(والحديث أصل في إعمال الأصل ، وطرح الشك ، وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة ، لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها . مثاله : هذه المسألة التي دل عليها الحديث وهي " من شك في الحدث بعد سبق الطهارة " فالشافعي أعمل الأصل السابق ، وهو الطهارة ، وطرح الشك الطارئ ، وأجاز الصلاة في هذه الحالة ، ومالك منع من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة ، وكأنه أعمل الأصل الأول ، وهو ترتب الصلاة في الذمة ، ورأى أن لا يزال إلا بطهارة متيقنة . وهذا الحديث ظاهر في إعمال الطهارة الأولى ، وإطراح الشك ، والقائلون بهذا اختلفوا ، فالشافعي اطرح الشك مطلقا ، وبعض المالكية اطرحه بشرط أن يكون في الصلاة ، وهذا له وجه حسن ، فإن القاعدة : أن مورد النص إذا وجد فيه معنى يمكن أن يكون معتبرا في الحكم ، فالأصل يقتضي اعتباره ، وعدم إطراحه . وهذا الحديث يدل على إطراح الشك إذا وجد في الصلاة ، وكونه موجودا في الصلاة معنى يمكن أن يكون معتبرا ، فإن الدخول في الصلاة مانع من إبطالها ، على ما اقتضاه استدلالهم في مثل هذا بقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) فصارت صحة الصلاة أصلا سابقا على حالة الشك ، مانعا من الإبطال ، ولا يلزم من إلغاء الشك مع وجود المانع من اعتباره إلغاؤه مع عدم المانع . وصحة العمل ظاهرا معنى يناسب عدم الالتفات إلى الشك ، يمكن اعتباره فلا ينبغي إلغاؤه . ومن أصحاب مالك من قيد هذا الحكم - أعني إطراح هذا الشك - بقيد آخر ، وهو أن يكون الشك في سبب حاضر ، كما جاء في الحديث ، حتى لو شك في تقدم الحدث على وقته الحاضر لم تبح له الصلاة ، ومأخذ هذا : ما ذكرناه من أن مورد النص ينبغي اعتبار أوصافه التي ينبغي اعتبارها ، ومورد النص اشتمل على هذا الوصف ، وهو كونه شك في سبب حاضر ، فلا يلحق به ما ليس في معناه ، من الشك في سبب متقدم ، إلا أن هذا القول أضعف قليلا من الأول ؛ لأن صحة العمل ظاهرة ، وانعقاد الصلاة سبب مانع مناسب لإطراح الشك ، وأما كون السبب ناجزا : فإما غير مناسب ، أو مناسب مناسبة ضعيفة والذي يمكن أن يقرر به قول هذا القائل أن يرى أن الأصل الأول - وهو ترتب الصلاة في ذمته - معمول به ، فلا يخرج عنه إلا بما ورد فيه النص ، وما بقي يعمل فيه بالأصل ، ولا يحتاج في المحل الذي خرج عن الأصل بالنص إلى مناسبة ، كما في صور كثيرة عمل فيها العلماء هذا العمل ، أعني أنهم اقتصروا على مورد النص إذا خرج عن الأصل أو القياس ، من غير اعتبار مناسبة ، وسببه : أن إعمال النص في مورده لا بد منه ، والعمل بالأصل أو القياس المطرد : مسترسل ، لا يخرج عنه إلا بقدر الضرورة ، ولا ضرورة فيما زاد على مورد النص ، ولا سبيل إلى إبطال النص في مورده ، سواء كان مناسبا أو لا ، وهذا يحتاج معه إلى إلغاء وصف كونه في صلاة ، ويمكن هذا القائل منع ذلك بوجهين . أحدهما : أن يكون هذا القائل نظر إلى ما في بعض الروايات ، وهو أن يكون الشك لمن هو في المسجد ، وكونه في المسجد أعم من كونه في الصلاة ، فيؤخذ من هذا إلغاء ذلك القيد الذي اعتبره القائل الآخر ، وهو كونه في الصلاة ، ويبقى كونه شاكا في سبب ناجز ، إلا أن القائل الأول له أن يحمل كونه في المسجد على كونه في الصلاة ، فإن الحضور في المسجد يراد للصلاة ، فقد يلازمها فيعبر به عنها ، وهذا - وإن كان مجازا - إلا أنه يقوى إذا اعتبر الحديث الأول وكان حديثا واحدا مخرجه من جهة واحدة ، فحينئذ يكون ذلك الاختلاف اختلافا في عبارة الراوي بتفسير أحد اللفظين بالآخر ، ويرجع إلى أن المراد : كونه في الصلاة . الثاني : وهو أقوى من الأول - ما ورد في الحديث ( إن الشيطان ينفخ بين أليتي الرجل ) وهذا المعنى يقتضي مناسبة السبب الحاضر لإلغاء الشك ، وإنما أوردنا هذه المباحث ليتلمح الناظر مأخذ العلماء في أقوالهم ، فيرى ما ينبغي ترجيحه فيرجحه ، وما ينبغي إلغاؤه فيلغيه ، والشافعي رحمه الله ألغى القيدين معا - أعني كونه في الصلاة ، وكونه في سبب ناجز - واعتبر أصل الطهارة .) (57)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وفي الحديث دليل على أن " ليلة القدر " في شهر رمضان ، وهو مذهب الجمهور . وقال بعض العلماء : إنها في جميع السنة . وقالوا : لو قال في رمضان لزوجته أنت طالق ليلة القدر لم تطلق ، حتى يأتي عليها سنة ؛ لأن كونها مخصوصة برمضان مظنون . وصحة النكاح معلومة ، فلا تزال إلا بيقين ، أعني بيقين مرور ليلة القدر وفي هذا نظر ؛ لأنه إذا دلت الأحاديث على اختصاصها بالعشر الأواخر ، كان إزالة النكاح بناء على مستند شرعي . وهو الأحاديث الدالة على ذلك ، والأحكام المقتضية لوقوع الطلاق يجوز أن تبنى على أخبار الآحاد ، ويرفع بها النكاح ، ولا يشترط في رفع النكاح أو أحكامه أن يكون ذلك مستندا إلى خبر متواتر ، أو أمر مقطوع به اتفاقا ، نعم ينبغي أن ينظر إلى دلالة ألفاظ الأحاديث الدالة على اختصاصها بالعشر الأواخر ، ومرتبتها في الظهور والاحتمال . فإن ضعفت دلالتها ؛ فلما قيل وجه .) (58)


27- الشريعة عامة لجميع المكلفين .

قال الأمام ابن دقيق :
(وقد استدل بقوله عليه السلام ( أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) على عدم جواز نقل الزكاة عن بلد المال ، وفيه عندي ضعف ، لأن الأقرب أن المراد : يؤخذ من أغنيائهم من حيث إنهم مسلمون ، لا من حيث إنهم من أهل اليمن . وكذلك الرد على فقرائهم ، وإن لم يكن هذا هو الأظهر فهو محتمل احتمالا قويا . ويقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر . وقد وردت صيغة الأمر بخطابهم في الصلاة . ولا يختص بهم قطعا - أعني الحكم - وإن اختص بهم خطاب المواجهة .) (59)

28- عدم التكليف قبل بلوغ الخطاب .

قال الأمام ابن دقيق :
(اختلفوا في أن حكم الناسخ هل يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له ؟ وتعلقوا بهذا الحديث في ذلك . ووجه التعلق : أنه لو ثبت الحكم في أهل قباء قبل بلوغ الخبر إليهم ، لبطل ما فعلوه من التوجه إلى ، بيت المقدس . فيفقد شرط العبادة في بعضها فتبطل .) (60)

ثم ذكر الأمام ابن دقيق أمثلة تطبيقية على ذلك قائلا :
(وأما المسائل الفروعية فالأولى منها : أن الوكيل إذا عزل فتصرف قبل بلوغ الخبر إليه هل يصح تصرفه ، بناء على مسألة النسخ ؟ وهل يثبت حكمه قبل بلوغ الخبر ؟ وقد نوزع في هذا البناء على ذلك الأصل . ووجه قول هذا المنازع في هذا البناء على مسألة النسخ أن النسخ خطاب تكليفي ، إما بالفعل أو بالاعتقاد . ولا تكليف إلا مع الإمكان ، ولا إمكان مع الجهل بورود الناسخ . وأما تصرف الوكيل : فمعنى ثبوت حكم العزل فيه أنه باطل ولا استحالة في أن يعلم بعد البلوغ بطلانه قبل بلوغ الخبر . وعلى تقدير صحة هذا البناء فالحكم هناك في مسألة الوكيل يكون مأخوذا بالقياس لا بالنص .
الثانية : إذا صلت الأمة مكشوفة الرأس ، ثم علمت بالعتق في أثناء الصلاة : هل تقطع الصلاة أم لا ؟ فمن أثبت الحكم قبل بلوغ العلم إليها قال بفساد ما فعلت فألزمها القطع . ومن لم يثبت ذلك لم يلزمها القطع ، إلا أن يتراخى سترها لرأسها وهذا أيضا مثل الأول ، وأنه بالقياس ........ قال الطحاوي : في هذا دليل على أن من لم يعلم بفرض الله تعالى ولم تبلغه الدعوة ، ولا أمكنه استعلام ذلك من غيره . فالفرض غير لازم له ، والحجة غير قائمة عليه . وركب بعض الناس على هذا : مسألة من أسلم في دار الحرب ، أو أطراف بلاد الإسلام ، حيث لا يجد من يستعلمه عن شرائع الإسلام : هل يجب عليه أن يقضي ما مر من صلاة وصيام ، لم يعلم وجوبهما ؟ وحكي عن مالك والشافعي إلزامه ذلك - أو ما هذا معناه - لقدرته على الاستعلام والبحث ، والخروج لذلك . وهذا أيضا يرجع إلى القياس . والله أعلم .)

29- هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ؟

قال الأمام ابن دقيق :
(قد يتوهم أن قوله عليه السلام ( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ) أنه يدل على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة . والصحيح عند أكثر الأصوليين : أنهم مخاطبون . وقال بعضهم في الجواب عن هذا التوهم : لأن المؤمن هو الذي ينقاد لأحكامنا ، وينزجر عن محرمات شرعنا ، ويستثمر أحكامه . فجعل الكلام فيه ، وليس فيه أن غير المؤمن لا يكون مخاطبا بالفروع . وأقول : الذي أراه إن هذا الكلام من باب خطاب التهييج ، فإن مقتضاه : أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر ، بل ينافيه : هذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف . ولو قيل لا يحل لأحد مطلقا ، لم يحصل به الغرض . وخطاب التهييج معلوم عند علماء البيان ومنه قوله تعالى ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) إلى غير ذلك .) (61)

وقال الأمام ابن دقيق :
( وقوله صلى الله عليه وسلم ( فإنها لهم في الدنيا ) أي للكفار . معناه أن الكفار إنما يحصل لهم ذلك في الدنيا وأما في الآخرة فمالهم فيها من نصيب وأما المسلمون فلهم في الجنة الحرير والذهب وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وليس في الحديث حجة لمن يقول الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة لأنه لم يصرح فيه بإباحتها لهم وإنما اخبر عن الواقع في العادة لهم أنهم هم الذين يستعملونه في الدنيا وان كان حراما عليهم كما هو حرام على المسلمين وإنما ذكر ذلك تنبيها على تحريم التشبه بهم فيما يعانوه من أمور الدنيا تأكيدا للمنع ) (62)

30- إذا اشتمل النص على وصف يمكن اعتباره لم يجز إلغاؤه .
قال الأمام ابن دقيق :
(فاللفظ يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بمضاعفة صلاة الرجل في الجماعة على صلاته في بيته وسوقه بهذا القدر المعين . وعلل ذلك باجتماع أمور : منها : الوضوء في البيت ، والإحسان فيه ، والمشي إلى الصلاة لرفع الدرجات . وصلاة الملائكة عليه ما دام في مصلاه . وإذا علل هذا الحكم باجتماع هذه الأمور ، فلا بد أن يكون المعتبر من هذه الأمور موجودا في محل الحكم . وإذا كان موجودا فكل ما أمكن أن يكون معتبرا منها ، فالأصل : أن لا يترتب الحكم بدونه . فمن صلى في بيته في جماعة لم يحصل في صلاته بعض هذا المجموع ، وهو المشي الذي به ترفع له الدرجات وتحط عنه الخطيئات . فمقتضى القياس : أن لا يحصل هذا القدر من المضاعفة له . لأن هذا الوصف - أعني المشي إلى المسجد ، مع كونه رافعا للدرجات ، حاطا للخطيئات - لا يمكن إلغاؤه . وهذا مقتضى القياس في هذا اللفظ ، إلا أن الحديث الآخر - وهو الذي يقتضي ترتيب هذا الحكم على مطلق صلاة الجماعة - : يقتضي خلاف ما قلناه ، وهو حصول هذا المقدار من الثواب لمن صلى جماعة في بيته . فيتصدى النظر في مدلول كل واحد من الحديثين بالنسبة إلى العموم والخصوص وروي عن أحمد رحمه الله رواية أنه ليس يتأدى الفرض في الجماعة بإقامتها في البيوت ، أو معنى ذلك . ولعل هذا نظرا إلى ما ذكرناه .) (63)


وقال الأمام ابن دقيق :
(والحديث يدل على الجمع إذا كان على ظهر سير . ولولا ورود غيره من الأحاديث بالجمع في غير هذه الحالة لكان الدليل يقتضي امتناع الجمع في غيرها . لأن الأصل : عدم جواز الجمع ، ووجوب إيقاع الصلاة في وقتها المحدود لها ، وجواز الجمع بهذا الحديث : قد علق بصفة مناسبة للاعتبار . فلم يكن ليجوز إلغاؤها . لكن إذا صح الجمع في حالة النزول فالعمل به أولى ، لقيام دليل آخر على الجواز في غير هذه الصورة ، أعني السير ، وقيام ذلك الدليل يدل على إلغاء اعتبار هذا الوصف .) (64)

وقال الأمام ابن دقيق :
(واختلف مذهب الشافعي في أن القيافة : هل تختص ببني مدلج ، أم لا ؟ من حيث إن المعتبر في ذلك الأشباه ، وذلك غير خاص بهم ، أو يقال : إن لهم في ذلك قوة ليست لغيرهم ومحل النص إذا اختص بوصف يمكن اعتباره لم يمكن إلغاؤه ، لاحتمال أن يكون مقصودا للشارع .) (65)

31- القيافة من أصول الحجاز :
قال الأمام ابن دقيق :
(استدل به فقهاء الحجاز ومن تبعهم على أصل من أصولهم وهو العمل بالقيافة ، حيث يشتبه إلحاق الولد بأحد الواطئين في طهر واحد ، لا في كل الصور بل في بعضها . ووجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم سر بذلك وقال الشافعي رحمه الله : ولا يسر بباطل . وخالف أبو حنيفة وأصحابه ، واعتذارهم عن الحديث : أنه لم يقع فيه إلحاق متنازع فيه ، ولا هو وارد في محل النزاع . فإن أسامة كان لاحقا بفراش زيد ، من غير منازع له فيه ، وإنما كان الكفار يطعنون في نسبه للتباين بين لونه ولون أبيه في السواد والبياض ، فلما غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما ، وألحق مجزز أسامة بزيد : كان ذلك إبطالا لطعن الكفار بسبب اعترافهم بحكم القيافة " وإبطال طعنهم حق . فلم يسر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بحق . والأولون يجيبون : بأنه - وإن كان ذلك واردا في صورة خاصة - إلا أن له جهة عامة وهي دلالة الأشباه على الأنساب . فنأخذ هذه الجهة من الحديث ونعمل بها .) (66)

32- الزيادة لا تترك .

قال الأمام ابن دقيق :
(ظاهر الحديث يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء ؛ لأن الأمر للوجوب . والواجب عند الشافعي منها الجبهة ، لم يتردد قوله فيه . واختلف قوله في اليدين والركبتين والقدمين . وهذا الحديث يدل للوجوب . وقد رجح بعض أصحابه عدم الوجوب . ولم أرهم عارضوا هذا بدليل قوي أقوى من دلالته )

ثم ذكر بعض الاستدلالات ثم قال :
( .... وأضعف من هذا : الاستدلال على عدم الوجوب بأن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة ، فإن هذا الحديث يدل على إثبات زيادة على المسمى ، فلا تترك .) (67)

33- التشريك في النية .
قال الأمام ابن دقيق :
(قوله " إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة " أي أصلي صلاة التعليم ، لا أريد الصلاة لغير ذلك . ففيه دليل على جواز مثل ذلك ، وأنه ليس من باب التشريك في العمل ) (68)

34- لازم المذهب ليس بمذهب .

قال الأمام ابن دقيق :
(وقد اختلف الناس في التكفير وسببه ، حتى صنف فيه مفردا ، والذي يرجع إليه النظر في هذا : أن مآل المذهب : هل هو مذهب أو لا ؟ فمن أكفر المبتدعة قال : إن مآل المذهب مذهب فيقول : المجسمة كفار ؛ لأنهم عبدوا جسما ، وهو غير الله تعالى ، فهم عابدون لغير الله ، ومن عبد غير الله كفر ، ويقول : المعتزلة كفار ؛ لأنهم - وإن اعترفوا بأحكام الصفات - فقد أنكروا الصفات ويلزم من إنكار الصفات إنكار أحكامها ، ومن أنكر أحكامها فهو كافر . وكذلك المعتزلة تنسب الكفر إلى غيرها بطريق المآل . والحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة ، إلا بإنكار متواتر من الشريعة عن صاحبها ، فإنه حينئذ يكون مكذبا للشرع ) (69)

35- الأجر على قدر المشقة .

قال الأمام ابن دقيق :
(قوله عليه السلام " إنك لا تستطيع ذلك " تطلق عدم الاستطاعة بالنسبة إلى المتعذر مطلقا ، وبالنسبة إلى الشاق على الفاعل . وعليهما ذكر الاحتمال في قوله تعالى : ( ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) فحمله بعضهم على المستحيل ، حتى أخذ منه جواز تكليف المحال . وحمله بعضهم على ما يشق وهو الأقرب . فقوله عليه السلام " لا تستطيع ذلك " محمول على أنه يشق ذلك عليك ، على الأقرب .) (70)

وقال الأمام ابن دقيق :
(إن الأجور قد تتفاوت بحسب زيادة المشقات ، لا سيما ما كان أجره بحسب مشقته ، أو لمشقته دخل في الأجر ) (71)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقد يترجح بعض العبادة الخفيفة على ما هو أشق منها بحسب المصالح المتعلقة بها .) (72)

36- المقدر ليس كالمحقق .

قال الأمام ابن دقيق :
(قوله عليه السلام " وذلك مثل صيام الدهر " مؤول عندهم على أنه مثل أصل صيام الدهر من غير تضعيف للحسنات . فإن ذلك التضعيف مرتب على الفعل الحسي الواقع في الخارج . والحامل على هذا التأويل : أن القواعد تقتضي أن المقدر لا يكون كالمحقق ، وأن الأجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح ، أو المشقة في الفعل . فكيف يستوي من فعل الشيء بمن قدر فعله له فلأجل ذلك قيل : إن المراد أصل الفعل في التقدير ، لا الفعل المرتب عليه التضعيف في التحقيق وهذا البحث يأتي في مواضع . ولا يختص بهذا الموضع .) (73)


37- الأصل عدم جواز النيابة في العبادات .

قال الأمام ابن دقيق :
(وهو دليل بعمومه على أن الولي يصوم عن الميت ، وأن النيابة تدخل في الصوم ، وذهب إليه قوم وهو قول قديم للشافعي . والجديد الذي عليه الأكثرون : عدم دخول النيابة فيه ؛ لأنها عبادة بدنية .)
ثم قال بعدها : (وقد يؤخذ من الحديث : أنه لا يصوم عنه الأجنبي ، إما لأجل التخصيص ، مع مناسبة الولاية لذلك ، وإما لأن الأصل عدم جواز النيابة في الصوم ؛ لأنه عبادة لا يدخلها النيابة في الحياة . فلا تدخلها بعد الموت كالصلاة . وإذا كان الأصل عدم جواز النيابة وجب أن يقتصر فيها على ما ورد في الحديث . ويجري في الباقي على القياس .) (74)

38- التعزير استصلاح ، ولا استصلاح مع الصلاح .
قال الأمام ابن دقيق :
(استدل به على أن من ارتكب معصية لا حد فيها ، وجاء مستفتيا : أنه لا يعاقب ؛ لأن النبي لم يعاقبه ، مع اعترافه بالمعصية . ومن جهة المعنى أن مجيئه مستفتيا يقتضي الندم والتوبة ، والتعزير استصلاح . ولا استصلاح مع الصلاح ، ولأن معاقبة المستفتي تكون سببا لترك الاستفتاء من الناس عند وقوعهم في مثل ذلك ، وهذه مفسدة عظيمة يجب دفعها .) (75)


39- وجوب اطراد القواعد والضوابط .
تكلم الأمام ابن دقيق على الاستدلال بحديث المسيء صلاته على حصر الواجبات ثم قال : ( وثالثها أن يستمر على طريقة واحدة ولا يستعمل في مكان ما يتركه في مكان آخر فيتشعب نظره . وان يستعمل القوانين المعتبرة في ذلك استعمالا واحدا فانه قد يقع الاختلاف في النظر في كلام كثير من المتناظرين ) (76)


وقال الأمام ابن دقيق :
( وقد ادعى في كثير من الأفعال التي قصد إثبات وجوبها بأنها بيان للمجمل وقد تقدم لنا في هذا بحث وهذا الموضع مما يحتاج من سلك تلك الطريقة إلى إخراجه عن كونه بيانا والى أن يفرق بينه وبين ما ادعي فيه بيانا من الأفعال فانه ليس معه في تلك المواضع إلا مجرد الفعل وهو موجود هنا ) (77)

40- لا مشاحة في الاصطلاح .

قال الأمام ابن دقيق :
(وقد اختلف أصحاب مالك ، أعني في قوله " إنهما سنة أو فضيلة " بعد اصطلاحهم على الفرق بين السنة والفضيلة . وذكر بعض متأخريهم قانونا في ذلك ، وهو أن ما واظب صلى الله عليه وسلم عليه ، مظهرا له في جماعة ، فهو سنة . وما لم يواظب عليه ، وعده في نوافل الخير ، فهو فضيلة . وما واظب عليه ، ولم يظهره - وهذا مثل ركعتي الفجر - ففيه قولان : أحدهما أنه سنة ، والثاني أنه فضيلة . واعلم أن هذا إن كان راجعا إلى الاصطلاح : فالأمر فيه قريب . فإن لكل أحد أن يصطلح في التسميات على وضع يراه . وإن كان راجعا إلى اختلاف في معنى . فقد ثبت في هذا الحديث تأكد أمر ركعتي الفجر بالمواظبة عليهما . ومقتضاه تأكد استحبابهما . فليقل به . ولا حرج على من يسميها سنة ، وإن أريد أنهما مع تأكدهما أخفض رتبة مما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم مظهرا له في الجماعة ، فلا شك أن رتب الفضائل تختلف . فإن قال قائل : إنما سمي بالسنة أعلاها رتبة رجع ذلك إلى الاصطلاح . والله أعلم ) (78)

41- وجوب جمع أطراف الأدلة .

قال الأمام ابن دقيق في معرض كلامه على حديث تحويل القبلة :
(يتعلق بهذا الحديث مسائل أصولية وفروعية نذكر منها ما يحضرنا الآن . أما الأصولية : فالمسالة الأولى منها : قبول خبر الواحد . وعادة الصحابة في ذلك اعتداد بعضهم بنقل بعض . وليس المقصود في هذا : أن تثبت قبول خبر الواحد بهذا الخبر الذي هو خبر واحد . فإن ذلك من إثبات الشيء بنفسه . وإنما المقصود بذلك التنبيه على مثال من أمثلة قبولهم لخبر الواحد ، ليضم إليه أمثال لا تحصى . فيثبت بالمجموع القطع بقبولهم لخبر الواحد .) (79)


وقال الأمام ابن دقيق :
(قد يتمسك به - أو تمسك به - في قبول خبر الواحد ، من حيث إن عليا رضي الله عنه أمر المقداد بالسؤال ، ليقبل خبره ، والمراد بهذا ذكر صورة من الصور التي تدل على قبول خبر الواحد وهي فرد من أفراد لا تحصى ، والحجة تقوم بجملتها ، لا بفرد معين منها ؛ لأن إثبات ذلك بفرد معين : إثبات للشيء بنفسه ، وهو محال ، وإنما تذكر صورة مخصوصة للتنبيه على أمثالها ، لا للاكتفاء بها ، فليعلم ذلك ، فإنه مما انتقد على بعض العلماء ، حيث استدل بآحاد ، وقيل : أثبت خبر الواحد ، وجوابه : ما ذكرناه ) (80)


42- الإلزام من طرق الاستدلال .

قال الأمام ابن دقيق :
( وقد ادعى في كثير من الأفعال التي قصد إثبات وجوبها بأنها بيان للمجمل وقد تقدم لنا في هذا بحث وهذا الموضع مما يحتاج من سلك تلك الطريقة إلى إخراجه عن كونه بيانا والى أن يفرق بينه وبين ما ادعي فيه بيانا من الأفعال فانه ليس معه في تلك المواضع إلا مجرد الفعل وهو موجود هنا ) (81)

43- اختلاف الأحكام باختلاف الدلالات .

قال الأمام ابن دقيق :
(قوله " ثم تمضمض " مقتض للترتيب بين غسل اليدين والمضمضة . وأصل هذه اللفظة : مشعر بالتحريك . ومنه : مضمض النعاس في عينيه . واستعملت في هذه السنة - أعني المضمضة في الوضوء - لتحريك الماء في الفم . وقال بعض الفقهاء : " المضمضة " أن يجعل الماء في فيه ثم يمجه - هذا أو معناه - فأدخل المج في حقيقة المضمضة . فعلى هذا : لو ابتلعه لم يكن مؤديا للسنة . وهذا الذي يكثر في أفعال المتوضئين - أعني الجعل والمج - ويمكن أن يكون ذكر ذلك بناء على أنه الأغلب والعادة ، لا أنه يتوقف تأدي السنة على مجه . والله أعلم .) (82)

وتكلم الأمام ابن دقيق على المسالة المشهورة وهي التفاضل بين الغني الشاكر أم الفقير الصابر ومن كلامه :
(والذي يقتضيه الأصل أنهما إن تساويا وحصل الرجحان بالعبادات المالية أن يكون الغني أفضل ، ولا شك في ذلك . وإنما النظر إذا تساويا في أداء الواجب فقط . وانفرد كل واحد بمصلحة ما هو فيه وإذا كانت المصالح متقابلة ففي ذلك نظر ، يرجع إلى تفسير الأفضل . فإن فسر بزيادة الثواب ، فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة . وإن كان الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس ، فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق ، والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف ، فيترجح الفقراء . ولهذا المعنى ذهب الجمهور من الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر ، لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها . وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغنى ، فكان أفضل بمعنى الأشرف ) (83)


44- لا يقبل تفسير النص إذا أدى إلى إلغاء بعضه .

قال الأمام ابن دقيق :
(الثالث : قوله " أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله " هذه اللفظة - أعني " يستتر " - قد اختلفت فيها الرواية على وجوه وهذه اللفظة تحتمل وجهين : أحدهما : الحمل على حقيقتها من الاستتار عن الأعين ، ويكون العذاب على كشف العورة . والثاني : - وهو الأقرب - أن يحمل على المجاز ويكون المراد بالاستتار : التنزه عن البول والتوقي منه ، إما بعدم ملابسته ، أو بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به ، كانتقاض الطهارة ، وعبر عن التوقي بالاستتار مجازا ، ووجه العلاقة بينهما : أن المستتر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب ، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول ، وإنما رجحنا المجاز - وإن كان الأصل الحقيقة لوجهين : أحدهما : أنه لو كان المراد أن العذاب على مجرد كشف العورة ، كان ذلك سببا مستقلا أجنبيا عن البول ، فإنه حيث حصل الكشف للعورة حصل العذاب المرتب عليه ، وإن لم يكن ثمة بول فيبقى تأثير البول بخصوصه مطرح الاعتبار ، والحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية ، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى ) (84)


45- لابد في الاستدلال من أمرين : الثبوت والدلالة .

قال الأمام ابن دقيق أثناء كلامه على تحية المسجد :
(إذا دخل المسجد ، بعد أن صلى ركعتي الفجر في بيته ، فهل يركعهما في المسجد ؟ اختلف قول مالك فيه ، وظاهر الحديث يقتضي الركوع . وقيل : إن الخلاف في هذا من جهة معارضة هذا الحديث للحديث الذي رووه من قوله عليه السلام ( لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر ) وهذا أضعف من المسألة السابقة . لأنه يحتاج في هذا إلى إثبات صحة هذا الحديث حتى يقع التعارض فإن الحديثين الأولين في المسالة الأولى صحيحان ، وبعد التجاوز عن هذه المطالبة وتقدير تسليم صحته : يعود الأمر إلى ما ذكرناه من تعارض أمرين ، يصير كل واحد منهما عاما من وجه خاصا من وجه . وقد ذكرناه . (85)

46- فهم الصحابي للنص مقدم على فهم من بعده .

قال الأمام ابن دقيق :
(" القنوت " يستعمل في معنى الطاعة ، وفي معنى الإقرار بالعبودية ، والخضوع والدعاء ، وطول القيام والسكوت . وفي كلام بعضهم ما يفهم منه أنه موضوع للمشترك . قال القاضي عياض : وقيل : أصله الدوام على الشيء . فإذا كان هذا أصله ، فمديم الطاعة قانت ، وكذلك الداعي والقائم في الصلاة ، والمخلص فيها ، والساكت فيها كلهم فاعلون للقنوت . وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من استعماله في معنى مشترك . وهذه طريقة طائفة من المتأخرين من أهل العصر وما قاربه ، يقصدون بها دفع الاشتراك اللفظي والمجاز عن موضوع اللفظ . ولا بأس بها إن لم يقم دليل على أن اللفظ حقيقة في معنى معين أو معان . ويستعمل حيث لا يقوم دليل على ذلك . الثالث : لفظ الراوي يشعر بأن المراد بالقنوت في الآية السكوت ، لما دل عليه لفظ " حتى " التي للغاية . والفاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها . وقد قيل : إن " القنوت " في الآية الطاعة . وفي كلام بعضهم : ما يشعر بحمله على الدعاء المعروف ، حتى جعل ذلك دليلا على أن الصلاة الوسطى هي الصبح ، من حيث قرانها بالقنوت . والأرجح في هذا كله : حمله على ما أشعر به كلام الراوي . فإن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمون ، بسبب النزول والقرائن المحتفة به : ما يرشدهم إلى تعيين المحتملات ، وبيان المجملات . فهم في ذلك كله كالناقلين للفظ يدل على التعليل والتسبيب . وقد قالوا : إن قول الصحابي في الآية " نزلت في كذا " يتنزل منزلة المسند .) (86)

47- لا يجوز تحميل اللفظ ما لا يحتمل .

قال الأمام ابن دقيق :
(حكى القاضي عياض عن بعض المشايخ : أن قضاء العامد مستفاد من قوله عليه السلام " فليصلها إذا ذكرها " لأنه بغفلته عنها وعمده كالناسي ، ومتى ذكر تركه لها لزمه قضاؤها . وهذا ضعيف لأن قوله عليه السلام فليصلها إذا ذكرها " كلام مبني على ما قبله . وهو قوله " من نام عن صلاة أو نسيها " والضمير في قوله فليصلها إذا ذكرها " عائد إلى الصلاة المنسية ، أو التي يقع النوم عنها . فكيف يحمل ذلك على ضد النوم والنسيان ، وهو الذكر واليقظة ؟ نعم لو كان كلاما مبتدأ مثل أن يقال : من ذكر صلاة فليصلها إذا ذكرها . لكان ما قيل محتملا ، على تمحل مجاز . وأما قوله " كالناسي " إن أراد به أنه مثله في الحكم فهو دعوى ، ولو صحت لما كان ذلك مستفادا من اللفظ ، بل من القياس ، أو من مفهوم الخطاب الذي أشرنا إليه . وكذلك ما ذكر في ذلك من الاستناد إلى قوله " لا كفارة لها إلا ذلك " والكفارة إنما تكون من الذنب ، والنائم والناسي لا ذنب لهما . وإنما الذنب للعامد لا يصح أيضا لأن الكلام كله مسوق على قوله " من نام عن صلاة أو نسيها " والضمائر عائدة إليها ، فلا يجوز أن يخرج عن الإرادة ولا أن يحمل اللفظ ما لا يحتمله . وتأويل لفظ " الكفارة " هنا أقرب وأيسر من أن يقال : إن الكلام الدال على الشيء مدلول به على ضده ، فإن ذلك ممتنع . وليس ظهور لفظ " الكفارة " في الإشعار بالذنب بالظهور القوي الذي يصادم به النص الجلي ، في أن المراد الصلاة المنسية ، أو التي وقع النوم عنها ، وقد وردت كفارة القتل خطأ مع عدم الذنب ، وكفارة اليمين بالله مع استحباب الحنث في بعض المواضع ، وجواز اليمين ابتداء ولا ذنب .) (87)

48- النصوص الشرعية تحمل معانيها على معهود العرب وقت نزولها ، ولا تحمل على اصطلاحات المتأخرين .
قال الأمام ابن دقيق :
(اختلف الفقهاء في أن الأفضل التبكير إلى الجمعة أو التهجير . واختار الشافعي التبكير . واختار مالك التهجير واستدل للتبكير بهذا الحديث ، وحمل الساعات فيه على الأجزاء الزمانية ، التي ينقسم النهار فيها إلى اثني عشر جزءا . والذين اختاروا التهجير يحتاجون إلى الاعتذار عنه . وذلك من وجوه أحدها : قد ينازع في أن الساعة حقيقة في هذه الأجزاء في وضع العرب ، واستعمال الشرع ، بناء على أنها تتعلق بحساب ومراجعة آلات تدل عليه ، لم تجر عادة العرب بذلك ، ولا أحال الشرع على اعتبار مثله حوالة لا شك فيها .) (88)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وقد كانت لفظة " الطعام " تستعمل في " البر " عند الإطلاق ، حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام ، فهم منه سوق البر ، وإذا غلب العرف بذلك نزل اللفظ عليه . لأن الغالب أن الإطلاق في الألفاظ على حسب ما يخطر في البال من المعاني والمدلولات . وما غلب استعمال اللفظ عليه فخطوره عند الإطلاق أقرب فينزل اللفظ عليه . وهذا بناء على أن يكون هذا العرف موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .) (89)

وقال الأمام ابن دقيق :
(قوله " في سبيل الله " العرف الأكثر فيه استعماله في الجهاد ، فإذا حمل عليه كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين - أعني عبادة الصوم والجهاد - ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت . ويعبر بذلك عن صحة القصد والنية فيه ، والأول أقرب إلى العرف . وقد ورد في بعض الأحاديث جعل الحج أو سفره في سبيل الله . وهو استعمال وضعي .) (90)

وتكلم الأمام ابن دقيق على حديث إثبات خيار المجلس ثم ذكر اعتذارات من لم يعمل به فقال :
(الوجه العاشر : حمل " الخيار " على خيار الشراء ، أو خيار إلحاق الزيادة بالثمن ، أو المثمن . وإذا تردد لم يتعين حمله على ما ذكرتموه . وأجيب عنه : بأن حمله على خيار الفسخ أولى لوجهين : أحدهما : أن لفظة " الخيار " قد عهد استعمالها من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيار الفسخ ، كما في حديث حبان بن منقذ ( ولك الخيار ) فالمراد منه خيار الفسخ . وحديث المصراة ( فهو بالخيار ثلاثا ) والمراد خيار الفسخ . فيحمل الخيار المذكور ههنا عليه ؛ لأنه لما كان معهودا من النبي صلى الله عليه وسلم كان أظهر في الإرادة .) (91)



49- هل تصح إرادة المعنيين المختلفين معا بلفظ واحد ؟

قال الأمام ابن دقيق :
(وقد استدل بقوله " اغسلنها " على وجوب غسل الميت . وبقوله " ثلاثا ، أو خمسا " على أن الإيتار مطلوب في غسل الميت . والاستدلال بصيغة هذا الأمر على الوجوب عندي يتوقف على مقدمة أصولية وهي : جواز إرادة المعنيين المختلفين بلفظة واحدة ، من حيث إن قوله " ثلاثا " غير مستقل بنفسه . فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر . فتكون محمولة فيه على الاستحباب . وفي أصل الغسل على الوجوب . فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى الإيتار .) (92)

50- الأدلة من حيث القطع والظن .
قال الأمام ابن دقيق :
(وفي حديث معاوية " نهي عن الأغلوطات " وهي شداد المسائل وصعابها . وإنما كان ذلك مكروها : لما يتضمن كثير منه من التكلف في الدين والتنطع والرجم بالظن من غير ضرورة تدعو إليه ، مع عدم الأمن من العثار ، وخطأ الظن ، والأصل المنع من الحكم بالظن ، إلا حيث تدعو الضرورة إليه ) (93)


وقال الأمام ابن دقيق :
(وفي الحديث دليل على جواز المناظرة في مسائل الاجتهاد ، والاختلاف فيها إذا غلب على ظن المختلفين فيها حكم . وفيه دليل على الرجوع إلى من يظن به أن عنده علما فيما اختلف فيه .) (94)

وقال الأمام ابن دقيق :
(وأما المقام الثاني - وهو النزاع في تقديم قياس الأصول على خبر الواحد - فقيل فيه : إن خبر الواحد أصل بنفسه ، يجب اعتباره ؛ لأن الذي أوجب اعتبار الأصول نص صاحب الشرع عليها . وهو موجود في خبر الواحد ، فيجب اعتباره . وأما تقديم القياس على الأصول ، باعتبار القطع وكون خبر الواحد مظنونا فتناول الأصل لمحل خبر الواحد غير مقطوع به ، لجواز استثناء محل الخبر من ذلك الأصل .) (95)

وقال الأمام ابن دقيق :
(قولها " حتى إذا ظن " يمكن أن يكون " الظن " ههنا بمعنى العلم ، ويمكن أن يكون ههنا على ظاهره ، من رجحان أحد الطرفين مع احتمال الآخر ، ولولا قولها بعد ذلك " أفاض عليه الماء ثلاث مرات " لترجح أن يكون بمعنى العلم ، فإنه حينئذ يكون مكتفى به ، أي بري البشرة ، وإذا كان مكتفى به في الغسل ترجح اليقين ، لتيسر الوصول إليه في الخروج عن الواجب ، على أنه قد يكتفى بالظن في هذا الباب ، فيجوز حمله على ظاهره مطلقا ) (96)


وقال الأمام ابن دقيق :
(والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا ، أو ظنا مقاربا للقطع : فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من إتباع مجرد اللفظ .) (97)

51- إذا لم يأت في النص تكرار فالأصل انه يجزيء الفعل مرة واحدة .

قال الأمام ابن دقيق :
(البداءة بغسل الفرج ، لإزالة ما علق به من أذى ، وينبغي أن يغسل في الابتداء عن الجنابة ، لئلا يحتاج إلى غسله مرة أخرى ، وقد يقع ذلك بعد غسل الأعضاء للوضوء ، فيحتاج إلى إعادة غسلها ، فلو اقتصر على غسلة واحدة لإزالة النجاسة ، وللغسل عن الجنابة ، فهل يكتفي بذلك ، أم لا بد من غسلتين : مرة للنجاسة ، ومرة للطهارة عن الحدث ؟ فيه خلاف لأصحاب الشافعي ، ولم يرد في الحديث إلا مطلق الغسل ، من غير ذكر تكرار ، فقد يؤخذ منه : الاكتفاء بغسلة واحدة ، من حيث إن الأصل عدم غسله ثانيا )

تم بحمد الله وتوفيقه.
------------------
المصدر:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=117466
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
بارك الله فيك أخي الكريم

لي بعض التعقيبات على عجل
:

- إذا تردد اللفظ بين معنيين أحدهما كثير الاستعمال والآخر قليل الاستعمال فانه يحمل على الأول .

2- إذا تردد اللفظ بين معنيين احدهما غالب والآخر نادر فانه يحمل على الغالب .

3- النفي إذا تردد بين نفي الحقيقة الشرعية ونفي الحقيقة الحسية فانه يحمل على الأول



كل هذه التفريعات ما هي إلا قاعدة تقديم العرف الشرعي على العرف اللغوي و تحكيم العرف


7- هل تصح قاعدة ( الطهور إما من حدث أو خبث ) ؟

قال الأمام ابن دقيق :
(قوله صلى الله عليه وسلم " طهورا " استدل به على أمور :..... الثالث : أخذ منه بعض المالكية : أن لفظة طهور تستعمل لا بالنسبة إلى الحدث ، ولا الخبث . وقال : إن " الصعيد " قد يسمى طهورا ، وليس عن حدث ، ولا عن خبث ؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث ، هذا أو معناه ، وجعل ذلك جوابا عن استدلال الشافعية على نجاسة فم الكلب ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( طهور إناء أحدكم ، إذا ولغ فيه الكلب : أن يغسله سبعا ) فقالوا " طهور " يستعمل إما عن حدث أو خبث ، ولا حدث على الإناء ، فيتعين أن يكون عن خبث ، فمنع هذا المجيب المالكي الحصر . وقال : إن لفظة " طهور " تستعمل في إباحة الاستعمال ، كما في التراب ، إذ لا يرفع الحدث كما قلنا ، فيكون قوله " طهور إناء أحدكم " مستعملا في إباحة استعماله ، أعني الإناء ، كما في التيمم ، وفي هذا عندي نظر ، فإن التيمم - وإن قلنا : إنه لا يرفع الحدث - لكنه عن حدث ، أي الموجب لفعله حدث . وفرق بين قولنا " إنه عن حدث " وبين قولنا " إنه لا يرفع الحدث ") (13)

يعترض على هذا القول بالحديث : السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.

و كما نعلم السواك لا يخص حدث و لا خبث



10- الأصل في الأحكام أنها معقولة المعنى .

قال الأمام ابن دقيق :
(الأمر بالغسل ظاهر في تنجيس الإناء . وأقوى من هذا الحديث في الدلالة على ذلك : الرواية الصحيحة . وهي قوله صلى الله عليه وسلم ( طهور إناء أحدكم ، إذا ولغ فيه الكلب : أن يغسل سبعا ) فإن لفظة " طهور " تستعمل إما عن الحدث ، أو عن الخبث . ولا حدث على الإناء بالضرورة . فتعين الخبث . وحمل مالك هذا الأمر على التعبد ، لاعتقاده طهارة الماء والإناء . وربما رجحه أصحابه بذكر هذا العدد المخصوص ، وهو السبع ؛ لأنه لو كان للنجاسة : لاكتفى بما دون السبع فإنه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة . وقد اكتفى فيها بما دون السبع . والحمل على التنجيس أولى . ؛ لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا ، أو معقول المعنى ، كان حمله على كونه معقول المعنى أولى . لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى .) (20)

القاعدة تحتاج إثبات و إنما الأصل في الأمور التعبدية أنها غير معقولة المعنى لا العكس و يرد على قول الشيخ مذهب الشافعية في زكاة الفطر إذ لا يجيزونها مالا !!!! كذلك الوضوء يحملونه على التعبد.

إذن هذه القاعدة تحتج إثبات و إن أردنا التفصيل فالأصل في الأمور التعبدية أنها غير معقولة المعنى و الأصل في المعاملات أنها معقولة المعنى و بصفة عامة لا توجد قاعدة صريحة في هذا الميدان إنما لكل مسألة حكمها و الله أعلم




12- الأصل عدم إثبات المعاني إلا بدليل شرعي :

هذه القاعدة من باب المجمل و الظاهر في أصول الفقه فالأصل الأخد بظاهر النص إلا إذا جاءت قرينة شرعية تنفي عنه ذلك أما المجمل فيحمل على المبين أن يبين بدليل شرعي .

يتبع ان تيسر الوقت إن شاء الله...

 
إنضم
29 سبتمبر 2009
المشاركات
42
التخصص
فقه وأصول
المدينة
الخليل
المذهب الفقهي
ما صح الحديث فهو مذهبي
حبذا لو يتكرم علينا الأخ فؤاد الهاشمي بالطلب من الشيخ المصلحي بتنزيل الرسالة على الانترنت حتى تعم الفائدة وأن لا تكون الرسالة حبيسة الأدراج
 
إنضم
10 أكتوبر 2009
المشاركات
85
التخصص
فقه
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلى
جزاك الله خيرا على هذه الدرر الغالية ورحم الله الإمام ابن دقيق العيد فقد كان فقيها أصوليا لايشق له غبار . رجاء من الشيخ فؤاد حفظه الله تعالى إتحافنا بهذه الرسالة القيمة وإذا كان هو حفظه الله تعالى لم يستطع الصبر عليها فنحن ذهب الصبر منا وننتظرها . وحبذا من يقوم بذكر الذين خدموا علم ابن دقيق العيد وتنزيلها ولقد شرفنى الله عزوجل أنى من بلدة الإمام (محافظة قنا مركز قوص
 
إنضم
13 نوفمبر 2008
المشاركات
58
الجنس
ذكر
الكنية
كلية العلوم الاسلامية/الجامعة العراقية
التخصص
فقه مقارن
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي المذهب
جزاكم الله خير الجزاء
 

أحلام

:: متميز ::
إنضم
23 ديسمبر 2009
المشاركات
1,046
التخصص
أصول فقه
المدينة
........
المذهب الفقهي
.......
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك رساله علمية كذلك أهتمت بأراء أبن دقيق العيد الأصولية
للدكتور // خالد العروسي
نال بها درجة الماجستير من جامعة ام القرى
وهذا ملخصها
http://www.4shared.com/file/215817919/477386a1/____
 

محمد المهاجر

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
11 فبراير 2010
المشاركات
15
التخصص
طلب علم شرعي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
حنبلي
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
بارك الله فيكم يبدو أن هذا الرابط أيضاً لا يعمل
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
- إذا تردد اللفظ بين معنيين أحدهما كثير الاستعمال والآخر قليل الاستعمال فانه يحمل على الأول .


- إذا تردد اللفظ بين معنيين احدهما غالب والآخر نادر فانه يحمل على الغالب .


- إذا صح الحديث فلا يلتفت الى الاحتمالات .



- إن وجد دليل على الترجيح تم الاستدلال ، وإلا وقع الإجمال .

- إذا تردد الحال وقف الاستدلال .

- المذكور حكاية حال ، لا عموم لفظ . وحكاية الحال تحتمل أن تكون هي المختلف فيها . وتحتمل أن لا . ومع الاحتمال لا تقوم حجة.

- لو استدل مستدل بلفظ يحتمل أمرين على السواء لكانت الدلالة منتفية.

- إذا صح الحديث فلا يلتفت الى الاحتمالات والترجيحات .

هذه قواعد ابن دقيق العيد من خلال هذا البحث، وبه يتبين عدم دقة الباحث في إضافة هذه القاعدة إلى ابن دقيق العيد:


عند ورود الاحتمال يبطل الاستدلال.

فابن دقيق العيد ولا أحد من أعيان أهل العلم يبطل الاستدلال بمجرد ورود الإحتمال، بل يعملون الترجيح بينها، وإنما يسقط الاستدلال بالاحتمال إذا حصل الإجمال وتساوت الاحتمالات.

وبه يتبين خطأ كثير من المتفقهة والشراح وجماعات من المعاصرين



فالاحتمال إنما يسقط به الاستدلال إذا كان متساوياً يقع به الإجمال في تحديد الدلالة الراجحة

أما مع الترجيح فالعمل إنما هو بالراجح حتى لو تعددت الاحتمالات، فقد تكون هناك عشر احتمالات لكن كلها ضعيفة لا تقوى على معارضة الاحتمال الأقوى.
ورأيتُ بعضهم يعدد الاحتمالات ثم ييتِّم الاحتمال الراجح، ويجعله وحيدا، فلا يقف بنظره أمام كل هذه الاحتمالات.

وإن إسقاط دلالات النصوص بمجرد الاحتمال هو منهج منحرف، وإن الاستغراق في إسقاط الأدلة بموجب ورورد الاحتمالات يؤدي إلى نتائج خطيرة من إسقاط دلالات الكتاب والسنة، ومع ذلك فالبلية به منتشرة وهو مما يكثر دورانه على الألسنة إذا أعياهم صراحة الدليل.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

د. خلود العتيبي

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
27 يونيو 2009
المشاركات
1,052
التخصص
أصول فقه
المدينة
... ... ...
المذهب الفقهي
... ... ...
جزاكم الله خير وبارك فيكم...
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: القواعد الأصولية والفقهية من كتاب إحكام الأحكام للإمام ابن دقيق العيد

وبارك الله فيكم أنتم أيضاً ..
وصاحب الرسالة صار عضوا في ملتقانا بحمد الله.
 
التعديل الأخير:

محمد ال عمر التمر

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أغسطس 2008
المشاركات
130
التخصص
غير متخصص
المدينة
المدينة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: القواعد الأصولية والفقهية من كتاب إحكام الأحكام للإمام ابن دقيق العيد

جزاك الله خيرا
وصدق الزركشي حين قال في مقدمة البحر المحيط عند ذكر ابن دقيق العيد وبه ختم التحقيق في هذا الفن
ومن رأى مقدمة شرحه على مختصر ابن الحاجب الأصولي (أظن أنه سماه العنوان ولم يكمله) تجده ذكر فوائد ليست في غيره وقد نقلها ابن السبكي في ترجمة الإمام ابن دقيق العيد في طبقاته
غفر الله للجميع
 
إنضم
28 أكتوبر 2014
المشاركات
43
الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد المنعم
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
البليدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: القواعد الأصولية والفقهية من كتاب إحكام الأحكام للإمام ابن دقيق العيد

بارك الله فيك
 

إيمان الدوري

:: متابع ::
إنضم
12 مايو 2013
المشاركات
32
التخصص
العلوم الاسلامية
المدينة
العراق
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: القواعد الأصولية والفقهية من كتاب إحكام الأحكام للإمام ابن دقيق العيد

جزاكم الله خيرا
 
أعلى