العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

النكاح السري نكاح ريبة

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي
النكاح السري نكاح ريبة

النكاح السري مذكور في كتب الفقه الإسلامي المتقدمة، وقد تناوله فقهاؤنا بالدراسة، وبينوا أنه ينقصه من شروط صحة الزواج: حضور ولي المرأة، والإعلان، فهذان الشرطان لا يصح العقد بدونهما. وقديمًا عرفت حالات نادرة للنكاح السري، قد يجرى فيها الزواج بلا ولي للمرأة ولا شهود، وربما يحضره شهود مع التواصي بالكتمان دون ولي، وقد يحضره الولي مع التواصي بالكتمان، فهذه صور ثلاث متخالفة، إلا أن حضور الولي العقد يعني أنه قد تحقق له قدر من الإعلان. وإن كان فيه كتمان، فهو كتمان عن بعض الناس دون بعض، ولذلك يصح شرعًا.
وأما النكاح السري كظاهرة جديدة، لها أبعادها المستحدثة التي توضحها وقائعه المختلفة في عصرنا، فيجرى على عدة صور يجمعها أنها يجرى الزواج فيها على ورقة غير رسمية، أو بدون ورقة، ويشهد شاهدان على هذه الورقة كيفما اتفق، أو لا يشهدان، ولا يدفع مهر غالبًا، ويتواصى القوم بالكتمان أشد ما يكون الكتمان، وتبدأ المعاشرة الزوجية في الخفاء، بلا مسكن زوجية، ولا أسرة جديدة تنشأ.
ومن المؤسف أن هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا المسلمة تنتقل من مكان إلى مكان، وسمي في بعض المجتمعات بالزواج الصوري، وتتعدد أسباب ذلك ، ومنها: الزيادة الكبيرة في أعداد النساء عن الرجال، وارتفاع سن الزواج، وانتشار العنوسة، والفهم الخاطئ للحضارة والحرية، والانفتاح على عادات وتقاليد غريبة عن ديننا الإسلامي.
ومن هنا، تشكلت هذه الظاهرة المرَضية: يذهب الراغبان في الزواج إلى محام، وبحضور شاهدين ينشئ عقد زواج، وكأنه ينشئ عقد بيع أو مؤاجرة، وقد يظن بذلك أن لا شيء عليه، وهو شريك في جريمة فساد عريض وزنا مقنَّع. ويتغافل هؤلاء المحامون عن أن عقد الزواج ليس كغيره من العقود، بل هو عقد له شرفه ومكانته السامية؛ لذا وضع له المشرع شروطًا لا يصح إلا بها كاشتراط الولي، مما جعل فقهاءنا يقررون أم المرأة الشريفة لا تزوج نفسها، وكاشتراط الإعلان والإشهار فيصلا بين الحلال والحرام، فالزواج في السر لا يعترف به الشرع، وهو ليس بزواج أصلا ، بل زنا لا شك فيه.
وهكذا يعرض هؤلاء القوم أنفسهم للريبة، والله عز وجل- أراد ألا يكون في الزواج ريبة إطلاقًا، وإلا لم يتميز عن الزنا والسفاح والبغاء، ولذا يبدأ الزواج وينتهي مشروعًا اجتماعيًا، لا يخص الزوجين وحدهما، ولكن يشمل كل المجتمع المحيط بهما.
ومن هنا، بيّن كثير من لمشتغلين بالفقه المعاصرين بطلان النكاح السري، وحذَّروا من عواقبه الوخيمة أشد التحذير، ومن ذلك فتوى الدكتور عبد الله مبروك النجار (الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر) التي قال فيها: ( إن الزواج السري الذي يتم بحضور الرجل والمرأة فقط ليس مشروعًا، وليس زواجًا لأن من شروط صحة الزواج العلانية والشهود والولي، كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، وقوله: "فرْق ما بين الحلال والحرام ضرب الدفوف". وقال: "أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالدفوف"، ولا شك أن معنى الزواج لا يستقيم بالسرية؛ لأنه يقوم على المعاشرة الظاهرة التي يحترمها الجميع؛ وتقطع ألسنة الناس. أما هذا النوع من الزواج السري فهو عبث، ويفتقد لأهم أسباب وجوده، فيكون زواجًا فاسدًا".
وكتب الدكتور أبو سريع عبد الهادي (أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر) في هذا الموضوع قائلا: "الزواج السري هو الذي يتولاه الزوج والزوجة دون أن يحضره شهود ولا ولي، ودون أن يعلن أو يكتب في وثيقة رسمية، ويعيش الزوجان في ظله في حالة كتمان، حيث لا يعرفه أحد من الناس سواهما. وقد أجمع الفقهاء على أن هذا الزواج باطل لفقده شرط الصحة، وهو الشهادة والولاية" .
 
أعلى