العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تعارض القياس مع الأدلة المختلف فيها - دراسة نظرية تطبيقية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تعارض القياس مع الأدلة المختلف فيها - دراسة نظرية تطبيقية

الباحث: الشيخ وليد بن إبراهيم بن علي العجاجي نوع الدراسة: PHD معد الملخص: عبدالعزيز بن حمد الداوود البلد: المملكة العربية السعودية الجامعة: جامعة الإمام محمد بن سعود الكلية: كلية الشريعة بالرياض المشرف: العلامة عبدالله بن محمد الرسيني العام: نوقشت بتاريخ 13/2/ 1421هـ تاريخ الإضافة: 17/08/2008 ميلادي - 14/8/1429 هجري عدد الزيارات: 282
ملخص الرسالة

تعارض القياس مع الأدلة المختلف فيها
دراسة نظرية تطبيقية
رسالة ماجستير مقدمة من الباحث: الشيخ الشيخ وليد بن إبراهيم بن علي العجاجي
الدرجة: حصلت الرسالة على تقدير ممتاز بالإجماع.
وتقع في مجلد كبير، وعدد صفحاتها أكثر من 600 صفحة.
وتتكون هذه الرسالة من: مقدمة، وتمهيد، وعَشَرَةُ فصول، وخاتمة، وفهارس:

المقدمة: وقد تحدَّث فيها عن أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والصعوبات التي واجهته فيه، وخطة البحث، ومنهجه في طرق مسائله.

التمهيد: في التعارض، والقياس، والأدلة الشرعية، ومناهج الأصوليين في بحث الأدلة المختلَف فيها، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: معنى التعارض، ومَحَلُّه، وطرق دفعه، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى التعارض في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني: مَحَلُّ التعارض.
المطلب الثالث: طرق دفعه.

المبحث الثاني: معنى القياس، وأقسامه، وحُجِّيَّته، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى القياس في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني: أقسام القياس.
المطلب الثالث: حُجِّيَّة القياس.

المبحث الثالث: الأدلة الشرعية، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: معنى الدليل في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني: أقسام الأدلة الشرعية من حيث كونها متَّفقًا عليها، أو مختلفًا فيها، مع التعريف الموجَز بكل دليل.
المطلب الثالث: في وصف الأدلة بأنها قطعيَّة أو ظنيَّة.
المطلب الرابع: مناهج الأصوليين في بحث الأدلة المختلَف فيها.

الفصل الأول: تعارض القياس مع شرع من قبلنا، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض شرع مَنْ قبلنا مع القياس، وذكر شاهدَيْن على ذلك.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع شرع مَنْ قبلنا.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، وأورد أربع مسائل.

الفصل الثاني: تعارض القياس مع إجماع أهل المدينة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض العمل بإجماع أهل المدينة مع القياس، وذكر شاهدَيْن على ذلك.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع إجماع أهل المدينة.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، فأورد خمس مسائل.

الفصل الثالث: تعارض القياس مع الأخذ بأقل ما قيل، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض الأخذ بأقلِّ ما قيل مع القياس.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع الأخذ بأقلِّ ما قيل.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، وأورد ثلاث مسائل.

الفصل الرابع: تعارض القياس مع قول الصحابي، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض قول الصحابي مع القياس، وذكر ثلاثة شواهد.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع قول الصحابي.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، فأورد تسع مسائل.

الفصل الخامس: تعارض القياس مع العُرْف، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض العرف مع القياس، وذكر شاهدَيْن على ذلك.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع العُرْف.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، وأورد سبع مسائل.

الفصل السادس: تعارض القياس مع المصلحة المرسَلَة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض المصلحة المرسَلَة مع القياس، وذكر ثلاثة شواهد.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع المصلحة المرسَلَة.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، وأورد ست مسائل.

الفصل السابع: تعارض القياس مع الاستحسان، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض الاستحسان مع القياس، وشواهد ذلك.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع الاستحسان.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، وأورد ثلاث مسائل.

الفصل الثامن: تعارض القياس مع الاستصحاب، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض الاستصحاب مع القياس، وذكرت شاهدًا على ذلك.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع الاستصحاب.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، وأورد أربع مسائل.

الفصل التاسع: تعارض القياس مع سدِّ الذرائع، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض العمل بسدِّ الذرائع مع القياس، وذكر شاهدًا على ذلك.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع سدِّ الذرائع.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة، أورد سبع مسائل.

الفصل العاشر: تعارض القياس مع الاستقراء، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وقوع تعارض العمل بالاستقراء مع القياس، وذكر ثلاث شواهد.
المبحث الثاني: العمل عند تعارض القياس مع الاستقراء.
المبحث الثالث: الآثار الفقهية في المسألة ، وأورد ثلاث مسائل.

الخاتمة: وذكر فيها نتائج البحث، والاقتراحات والتوصيات.

المصادر والمراجع: وقد رجع الباحث إلى 512 مرجعًا.

الفهارس؛ وتحتوي على ما يلي:
فهرس الآيات، فهرس الأحاديث، فهرس الآثار، فهرس الأشعار والأَرْجاز، فهرس الحدود والمصطلحات، فهرس المسائل الفقهية، فهرس وترجمة الأعلام، فهرس الفرق والمذاهب، فهرس المحتويات:
أ: المحتوى الإجمالي.
ب: المحتوى التفصيلي.
كما أود الإشارة إلى أن الرسالة قد احتوت على اثنين وثمانين شاهدًا وأَثَرًا فقهيًّا.

وفي ختام البحث ذكر الباحث أهم النتائج التي توصل لها؛ حيث قال:
"ولقد كان من أهمِّ النتائج التي توصلتُ إليها، والفوائد التي وقفتُ عليها في هذه الرسالة؛ ما يلي:
أ- فوائد عامَّة، وهي المأخوذة من عامَّة فصول هذه الرسالة.
ب- فوائد خاصَّة، وهي عبارة عن خلاصة لنتائج مباحث الرسالة.

أولاً: الفوائد العامة:
1- لقد كشف لي البحث في الأدلة المختلَف فيها، أن كثيرًا منها ليس بموضع خلاف على الحقيقة؛ لأنها آيلة إلى الأدلة المتَّفق عليها، ومن ثمار ذلك نجد أن المسائل الفقهية التي يذكر أهل العلم فيها بعض الأدلة المختلَف فيها لا يُكتَفى بها في مقام الاستدلال؛ بل نجد معها جملةً من الأدلة المتَّفق عليها، وهذا في نظري من باب تظاهر الأدلة وتعاضدها وتناصرها، وهو كما يقول ابن القيم - رحمه الله -: "من عادة أهل العلم قديمًا وحديثًا، ولا يدل ذكرهم دليلاً ثانيًا وثالثًا على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل"([1])، ولهذا الأمر الأثر الكبير في تحديد حقيقة تعارض الدليلَيْن في هذه الرسالة.

2- لقد لحظتُ قوة ترابط الأدلة المختلَف فيها فيما بينها، وإن كانت متناثرةً في الكتب ذات المناهج والمسالك المختلفة، وأذكر على سبيل المثال: العلاقة الوثيقة بين المصالح المرسَلَة والاستحسان؛ فهي نظيرُ طريقٍ، أحدُ رأسَيْه المصالحُ المرسَلَة، والآخرُ الاستحسانُ بالمعنى المشروح فيهما، فالمالكيةُ دخلوا من باب المصالح المرسَلَة إلى الاستحسان، والحنفية بعكس ذلك، وكل منهما قد اشتهر بالباب الذي دخل منه، ولا أدلَّ على ذلك من تكرار بعض الأمثلة في أكثر من دليل من هذه الأدلة، ويعود ذلك إلى اختلاف وجهات النظر إليها، وليس في ذلك تناقض أو تعارض.

3- إن الغرض من دراسة موضوع رسالتي هذه: هو درء تعارض القياس مع الدليل المختلَف فيه، وهذا هو الاستحسان الذي يتفق العلماء على الأخذ به، إلا أنني كنت في فصول الرسالة - ما عدا الاستحسانَ - أنظرُ إلى الاستحسان من خلال تلك الأدلة، أما في الاستحسان؛ فإني أنظرُ إلى تلك الأدلة من خلاله.

4- إن الكلام في تقييد المطلقات كالكلام في تخصيص العمومات.

ثانيًا:الفوائد الخاصة:
فلقد اشتملت هذه الرسالة على مقدمة، وتمهيد، وعشرة فصول، كل فصل منها فيه ثلاثة مباحث، ثم خاتمة الرسالة، وفهارسها.
وقد ذكرتُ في مقدمة الرسالة بعد الحمد والثناء على المولى - جلَّ شأنه - أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والصعوبات التي واجهتني فيه، والمنهج الذي سوف أسير عليه في معالجة قضايا الموضوع، بعد أن ذكرت خطَّته الإجمالية.

فأما التمهيد؛ فقد تحدثتُ فيه عن معنى التعارض ومحله وطرق دفعه، وعن القياس وأقسامه وحجيَّته، وعن الأدلة الشرعية، ومناهج الأصوليين في بحث الأدلة المختلَف فيها، وقد تعرَّضتُ لذلك كله في ثلاثة مباحث.

وقد كان الحديث عن التعارض ومحله وطرق دفعه من نصيب المبحث الأول، وانتهيتُ فيه إلى ما يلي:
1- بيان معنى التعارض في اللغة، وذِكْرُ أبرز المعاني التي تدور عليها مادة (عرض).

2- بيان معنى التعارض في الاصطلاح، وأن أهل العلم قد عبَّروا عنه بألفاظ متغايرة، متقاربة في المعنى، ومن هذه الألفاظ: التنافي، والتقابل، والتناقض، والتخالف، والتعادل، والتضادّ، والتمانُع.

3- بيان أن أقرب المعاني اللغوية للتعارض للمعنى للاصطلاحي له هو الممانعة والمقابلة، وأن المناسبة بين المعنيين هي التوافق في الجنس.

4- بيان أن المقصود بالتعارض في هذا البحث معناه الخاص، ومعناه العام، أو ما يمكن أن نسميه بالتعارض الكلِّي، والتعارض الجزئي.

5- أن الشريعة خالية من التعارض بين أدلَّتها وأحكامها، في الواقع ونفس الأمر، وبيان أن التعارض الذي يذكره الأصوليون محله أنظار المجتهدين.

6- أن القواطع لا تتعارض، والدليل العقلي الصحيح لا يتعارض مع الدليل النقلي الصريح، وأن الأدلة الشرعية لا تنافي قضايا العقول.

7- لقد توالى عمل العلماء سلفًا وخَلَفًا على أنه: لا مانع من وقوع التعارض ظاهرًا بين الدليل القوي والدليل الضعيف.

8- اتَّفق العلماء على جواز وقوع التعارض بين الدليلين الظنِّيَّيْن في نظر المجتهِد.

9- إن التعارض بمعناه العام واقعٌ بين الأدلة، وهو وإن سمِّيَ تعارضًا إلا أنه في الحقيقة ليس كذلك؛ لإمكان الجمع بينهما.

10- إن جمهور أهل العلم يرون الجمع بين الدليلَيْن النقليَّيْن مقدَّمًا على الترجيح بينهما، خلافًا للحنفية.

11- إذا تعارض دليلان عقليَّان ظنِّيَّان؛ فإنه يصار إلى الترجيح بينهما، فإن لم يمكن ذلك فقد قال بعضهم بالتوقف أو التخيير، وبعضهم قال بالتحري والأَخْذ بما تطمئنُّ إليه النفس.

أما المبحث الثاني، فقد كان الحديث فيه عن معنى القياس، وأقسامه، وحجيَّته؛ وانتهيتُ فيه إلى ما يلي:
1- إن الراجح من معاني القياس في اللغة هو: تقدير الشيء على مثاله، وأن هذا التقدير يستلزم المساواة.

2- إن معنى القياس في الاصطلاح الشامل لنوعَيْه الطردي والعكسي هو: "إثبات الحكم في الشيء بالردِّ إلى غيره؛ لأجل علَّة".

3- إن المراد بالقياس عند الفقهاء ما هو أعمُّ من القياس الأصولي، فهو يشمله ويشمل القواعد العامة.

4- إن شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم يريان أنه لا شيء في الشريعة على خلاف القياس، ولعل مرادهما بذلك: أنه لا شيء فيها على خلاف المعقول، أو أنه وإن ظُنَّ مخالفة الحكم لقاعدة معينة، فليس معنى ذلك مخالفتها لجميع القواعد.

5- بيان أن المقصود بالقياس في هذا البحث معناه الخاص ومعناه العام؛ ليشمل القياس المصطلح عليه عند الأصوليين، والقياس المصطلح عليه عند الفقهاء.

6- بيان أن أقسام القياس من حيث النظر إلى علته: قياس علة، وقياس دلالة، وقياسٌ في معنى الأصل،وقياس شَبَه.

7- بيان أن أقسام القياس من حيث القوة والضعف: قياس جَلَيّ، وقياس خفي.

8- إن جمهور أهل العلم يرون جواز التعبُّد بالقياس عقلاً، أما وقوع التعبُّد به شرعًا فعلى الراجح.

أما المبحث الثالث، فقد كان الحديث فيه عن الأدلة الشرعية، وانتهيتُ فيه إلى ما يلي:
1- بيان معنى الدليل في اللغة، وذِكْرُ أبرز المعاني التي يدور حولها.

2- إن الأخذ بالأعم من معنَيَيِ الدليل في الاصطلاح هو الراجح؛ لشموله القطعي والظنِّي من الأدلَّة.

3- إن الأدلة المتفق على الأخذ بها في الجملة، واعتبارها، والعمل بها – أربعة؛ هي: الكتاب، والسنَّة، والإجماع، والقياس.

4- إن الأدلة المختلَف فيها كثيرة، وقد اخترتُ عشَرةً منها في هذه الرسالة؛ لاشتهارها عن غيرها، وشمولها لغيرها.

5- إن القرآن، والحديث المتواتر، والإجماع الصريح - أدلةٌ قطعيَّة الثُّبوت، ويلحق بها - على الراجح - خبر الآحاد إذا احتفَّت به القرائن، وتلقَّته الأمة بالقَبول.

6- إن خبر الآحاد إذا لم تحتفّ به القرائن، أو لم تتلقَّاه الأمة بالقَبول، والإجماعَ المنقول إلينا بطريق الآحاد - أدلةٌ ظنيَّة عند الأكثرين.

7- إن المراد بقطعيِّ الدلالة: هو أن يكون لفظ الدليل لا يحتمل إلا معنى واحدًا؛ بحيث لا يقبل التأويل و لا الاجتهاد؛ كالنصوص التي ورد فيها ذكر عدد معين، وكالإجماع الصريح.

8- إن المراد بظنِّي الدلالة: هو أن يكون لفظ الدليل محتمِلاً لأكثر من معنى، أو يكون قد وُضع لمعنى معين، لكنه استُعمل في غير معناه بقرينةٍ أو بأخرى؛ كالنصوص التي دلَّت على المعنى بطريق الظهور، وكالإجماع السُّكُوتي.

9- يرى بعض أهل العلم أن الأدلةَ المختلَفَ فيها دلالتُها على الحكم دلالةٌ ظنيَّة، وفي نظري أن هذه الأدلة تتأثر بالقَطْع والظنِّ من حيث ما تؤول إليه.

10- إن الأدلة العقلية لا مجال للحديث عن قطعيَّة الثبوت أو ظنيَّته فيها؛ لأنها لا ترجع إلى النقل، أما من حيث دلالتها؛ فمنها القطعي كالقياس الجلي، ومنها الظنِّيُّ كسائر الأَقْيِسَة الفقهية.

11- إن قواعد الشريعة مفيدة للقطع؛ لأنها مبنية على استقراء مجموعة من الأدلة تضافرت عليها.

12- بيان اختلاف مناهج الأصوليين في حصر الأدلة المختلَف فيها، وفي موضع كلامهم عنها.فمن الأصوليين مَنْ حصرها في أربعة، أو ستة، أو أحد عشر، أو خمسة عشر، أو تسعة عشر دليلاً.
كما أن منهم من ألحق بحثها ببعض الأدلة المتفق عليها، ومنهم من يفرد لها بحثًا خاصًا في كتابه، ومنهم من يبحثها ضمن الاستدلال، ومنهم من يُلْحق بعضها ببعض، ومنهم من اتخذ منهجًا خاصًا في بحث بعض هذه الأدلة.
14- إن السبب في اختلاف مناهج الأصوليين في ذلك: هو أن بعضهم لا يرى غير ما حصره من الأدلة دليلاً، أو أن ما لم يذكره من الأدلة داخل فيما ذكره منها.

ثم انتقلتُ إلى الحديث عن الأدلة المختلف فيها، وبيان موقف المجتهِد منها، إذا تعارضت هذه الأدلة مع القياس، في فصول الرسالة العشرة، وفي كل فصل أمهِّد للحديث عن تعارض الدليل المختلَف فيه، مع القياس بالكلام عن الدليل نفسه، وبيان حجيَّته عند مَنْ يقول به، مع ما يَرِدُ على ذلك من مناقشة، وقد أطلتُ الحديث في بعض هذه الأدلة؛ لحاجة المقام إلى ذلك.

وقد عقدت ثلاثة مباحث في كل فصل من هذه الفصول؛ الأول منها: عن وقوع تعارض الدليل المختلَف فيه مع القياس، والثاني: عن العمل عند وقوع هذا التعارض، والثالث: في ذكر بعض الآثار الفقهية الخاصة بكلِّ دليلٍ من هذه الأدلة.

وقد خلصتُ بعد هذه الرحلة المفيدة مع تعارض الأدلة المختلف فيها مع القياس إلى ما يلي:
1- يُشتَرط لصحة الاحتجاج بشرع مَنْ قبلنا شرطان:
الأول منهما: ألاَّ يرد في شرعنا ما يعارضه، والثاني: أن يكون الناقل له دليلاً صحيحًا عندنا، وبناءً عليه؛ فالاستدلال بشرع مَنْ قبلنا لا يخرج عن دائرة الاستدلال بالنصوص النقلية، وبالتالي؛ فإن التعارض بين الاستدلال بشرع مَنْ قبلنا وبين الاستدلال بالقياس - هو في حقيقته - تعارضٌ بين الاستدلال بالكتاب والسنَّة، وبين الاستدلال بالقياس.
وإذا تقرَّر ذلك؛ فإن التعارض: إما أن يكون كليًّا أو جزئيًّا؛ فإن كان كليًّا، فإن المجتهِد يأخذ بالدليل الناقِل لشرع مَنْ قبلنا، ويضرب بالقياس عرض الحائط؛ إذ هو في حقيقته فاسد الاعتبار؛ لمصادمته للنص، ومن المتقرِّر في الشريعة: أنه لا عبرة بالاجتهاد في مورد النص، إلا أن يكون المراد بالقياس معناه العام؛ فحينئذ يكون التعارض بين دليل القاعدة والدليل الناقل لشرع مَنْ قبلنا، وحينئذٍ لابدَّ أن يكون أحدهما ناسخًا، والآخرُ منسوخًا.
أما إن كان التعارض جزئيًا بين الدليلَيْن، فالعمل: هو الأخذ بكلا الدليلَيْن، على وجهٍ لا يحقِّق المعارضة بينهما.

2- المراد بإجماع أهل المدينة: هو عملُ العلماء والخيار والفضلاء بها في زمن الصحابة والتابعين، وبناءً عليه؛ فالاستدلال به استدلالٌ بما ورد عن الصحابة والتابعين.
وإذا تقرر ذلك؛ فإن ما ورد عن أهل المدينة: إما أن يكون فيما لا مجال للرأي فيه، أو فيما فيه مجال للرأي،
فإن كان الأول؛ فإنه يكون مقدَّمًا على القياس، وإذ ما ورد عنهم، والحالةُ هذه، فله حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أما إن كان ما ورد عنهم فيما فيه مجالٌ للرأي، فالذي تبيَّن لي: هو ترجيح آرائهم واجتهاداتهم على آراء غيرهم واجتهاداته؛ لما للصحابة من المَزِيَّة والفضل، التي لا يشاركهم فيها غيرهم، وما ورد عن التابعين بها متلقّى من آراء الرعيل الأول بها، من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أعلم الناس بأحوال سلفهم.
على أن كثيرًا من المالكية يرى تقديم إجماع أهل المدينة على القياس؛ بناءً على أنه نقل متواتر، وهو مقدَّم على الأدلة الظنيَّة كالقياس، كما هي حال الضرب الأول من هذا الإجماع، أو بناءً على أنه إجماع معتبر، كما في الضرب الثاني من هذا الإجماع.
وبالتالي؛ فلا تعارض عندهم بين إجماع أهل المدينة وبين القياس.

3- تبيَّن لي: أن الأخذ بأقل ما قيل ليس دليلاً مستقلاًّ، بل إذا كان عليه دلالة فالأخذ به حسن، وإلا فلا معنى للأخذ به، ويشترط لصحة الأخذ به شروط منها: أن تكون المسألةُ خاليةً عن دليل صحيح، فإن كان هذا الدليل نصًا فهو المعتبر، أما إذا كان الدليل قياسًا، فالذي رأيتُه: أن تعارض الأخذ بأقل ما قيل مع القياس مبنيٌّ على مسألة نقض الاجتهاد باجتهادٍ مثله؛ إذ الأخذُ بالأقل لا يكون إلا بعد البحث بجدٍّ واجتهاد عن دليل يَتَمَسَّكُ به المجتهِد، فإن لم يجد أَخَذَ بالأقل، كما أن القياس - وهو الدليل المعارض - قد صدر عن اجتهاد، والمجتهِد لا يعمل بالقياس إلا بعد البحث عن دليل من نصوص الوحيَيْن، يصلح متمسَّكًا به.
والذي رجَّحتُه: جواز نقض الاجتهاد باجتهاد مثله، وبناءً عليه؛ فإن القياس يعتبر دليلاً مغايرًا لحكم الاستصحاب.
وإذا تقرر ذلك، فإن على الآخِذ بالأقل أن يجيب عن كل دليل يعارض به قوله إذا بلغه.

4- المراد بقول الصحابي: هو كل ما أُثِرَ عن أحد الصحابة من قول أو فعل، في أمر من أمور الدين.
وإذا تقرر ذلك، فإن ما ورد عنهم: إما أن يكون في مسألة لا مدخلَ للاجتهاد فيها، أو يكون في مسألة تقبلُ الاجتهاد، على ما سبقت الإشارة إليه في حقيقة إجماع أهل المدينة.
وتَحْسُن الإشارة هنا إلى أن: قول الصحابي المخالِف للعموم له حكم المرفوع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وينبغي أن يُلْحَق ذلك بقوله الذي لا مجال للاجتهاد فيه؛ إذ لا اجتهاد مع النص، والصحابيُّ لا يجرؤ على مخالفة العموم إلا لدليل استند إليه، وإلا كان ساقطَ العدالة.

5- العُرْف حجَّة عند جميع العلماء في الجملة، ويُشترط له: ألاَّ يعارض نصًّا شرعيًّا أو أصلاً قطعيًّا، والمقصود بحجيَّته: هو أنه دليلٌ كاشفٌ عن الحكم ومُظهِرٌ له، والدليل في الحقيقة: هو ما رجع إليه العرف.
وقد ذكر أهل العلم: أن العرف معتبر؛ لقيامه على السنة التقريرية، وعلى الإجماع، وعلى قاعدة رَفْعِ الحَرَجِ، واعتبار المصالح، وعلى أصل المنافع والمضارّ.
وإذا تقرر ذلك، فإن العرف: إما أن يتعارض مع القياس، أو مع القواعد العامة.
فإذا تعارض العرف مع القياس، فالذي تبيَّن لي: هو الأخذ بالعرف وتقديمه على القياس؛ إذ هو دليلُ الحاجة، ويُعَدُّ هذا الأمر من قبيل الاستحسان عند المالكية والحنفية.
فإذا كان القياس مستنِدًا إلى علَّة عرفية، أو إلى نص معلَّل بعلَّة ينفيها العرف الحادث - فإن العرف مقدَّم على القياس من باب أوْلى؛ لذا فإن أهل العلم يقرِّرون: أن الأحكام المبنية على العرف تتغيَّر بتغيُّرِ العرف وتَبَدُّله.
أما إذا كان تعارض العرف مع القواعد العامة، فالذي تبين لي: أن المقصود بالمعارضة هنا هي المعارضة الجزئية، أما المعارضة الكلية فلا تقع؛ إذ العرف - والحالة هذه - عرف فاسد؛ لمخالفته النص - بل النصوص - التي دلَّت على القاعدة.
وتخصيص العرف للقواعد العامة جائزٌ، والمخصِّص في الحقيقة هو مستندُ ذلك العرف.

6- أن للعمل بالمصلحة المرسَلَة شروطًا يَجْعل منها أمرًا متفقًا عليه عند جميع المذاهب، وذلك بأن تكون: ملائمة لمقاصد الشرع، وأن يكون العمل بها فيما يعْقَل معناه، وأن يكون في الأخذ بها حفظ لأمر ضروري أو حاجي، إلا أن العلماء متفاوتون في ذلك، من حيث كثرة العمل بها وقلته، فالمالكية: هم مَنْ اشْتُهِر عنهم العمل بها، ويليهم الحنابلة، أما الشافعية، فيُدْخلون العمل بها ضمن عملهم بالقياس، والحنفية ينظرون إليها من خلال الاستحسان.
وإذا تقرَّر ذلك، فإن المصلحة المرسَلَة: إما أن تتعارض مع القياس، أو مع القواعد العامة.
أما تعارض المصلحة المرسَلَة مع القياس، فيمكن تصوُّره من خلال التفاوُت في درجات اعتبار المصالح والأقيسة، لاسيَّما إذا علمنا أن القياس فيه مراعاة مصلحة في فرعٍ، بناءً على مساواته لأصل في علَّة حكمه، وصورته: أن تجد في محلِّ الحكم وصفَيْن، كل منهما يناسب حكمًا معيّنًا له، وأحدهما أقوى من الآخر من حيث الاعتبار، وقد يكونا متساويين في نفس الدرجة.
فإن كان الوصفان متفاوتين في الدرجة؛ فالمقدَّم حينئذٍ هو الأقوى منهما، وقد كَشف لنا مثلُ هذا التعارض عن زيف عِلِّيَّة الوصف الأدنى المتوهَّمة، وذلك أن الوصف الأقوى آيل إلى دليل الكتاب والسنَّة؛ إذ هما ميزان اعتباره، وقد علمنا أن من شروط العمل بالمصلحة المرسَلَة ملاءمتها لمقاصد الشرع، بحيث لا تخالف دليلاً من دلائله، ولا أصلاً من أصوله.
أما إن كان الوصفان متساويَيْن في الدرجة، فمآل الأمر في مثل هذه الحالة إلى اجتهاد المجتهدين وتحريَّاتهم في ترجيح أحد هذين الوصفين، والفرعُ الذي يتجاذبه مثلُ هذين الوصفين يسمى بـ"قياس الشَّبَه".
أما إذا تعارضت المصلحة المرسَلَة مع القواعد العامة تعارضًا كليًّا، فإن القواعد العامة هي المقدَّم في ذلك، ويُعَدُّ العمل بمثل هذه المصالح من باب العمل بالمصالح الغريبة؛ إذ المصلحة تُرَدُّ لمخالفتها لأصلٍ واحد؛ فبمخالفتها للأصول من باب أوْلى.
وقد أَغْرَبَ الطوفي حينما خالف بتقديم المصلحة في ذلك، وهو وإن كان يُصَرِّحُ بأن مراده من ذلك التخصيصُ والبيان - لكنه في الواقع يذكر بعض الأمثلة التي يُؤَيِّدُ بها دعواه، والتي لو سَلِمَ له الاستدلال بها؛ لكان في ذلك تعطيلاً لا تخصيصًا، ويكفي من وجهة نظري لإبطال رأيه إبطالُ الأساس الذي قام عليه، وهو فرض مخالفة النصوص والإجماع للمصلحة، ومن ثَمَّ تقديم المصلحة عليهما؛ إذ يلزم من القول بذلك أن يكون ما أنزل الله نورًا وهدىً للناس ضررًا، كما يلزم إجماع الأمة على ضلالة، وذلك أمر لا يجوز.
أما المالكية؛ فهم يقدِّمون المصلحة المرسَلَة على أخبار الآحاد؛ لأن المصلحة عندهم أصلٌ قطعيٌّ؛ لاندراجها ضمن مقاصد الشريعة، وشهادة الأدلة لها بالاعتبار؛ لذلك كانت مقدَّمة على أخبار الآحاد، التي لم تعتضد بأصلٍ قطعيٍّ آخر.
أما التعارض الجزئي بين المصلحة المرسَلَة والقواعد العامة، فأمرٌ جائزٌ؛ إذ المصلحة المعتبَرَة هي المصلحة الملائمة لمقاصد الشرع، ومن الممكن - والحالة هذه - أن تكون المصلحة المرسَلَة الملائمة مخصِّصة للنصوص والقواعد، والمخصِّص في الحقيقة: إنما هو مجموع النصوص الشاهدة لجنس هذه المصلحة بالاعتبار، وهذا التخصيص يُعَدُّ نوعًا من أنواع الاستحسان عند المالكية والحنفية.

7- تبيَّن لي أن الاستحسان: ما هو إلا استثناء مسألة جزئية من أصلٍ عام؛ لدليلٍ خاصٍّ يقتضي هذا الاستثناء، ويدخل في هذا سائر أنواع الاستحسان، إلا أن الحنفية قد أبرزوا الاستحسان بالقياس الخفي، الذي قوي أثره؛ لاعتباره الشرعي، أو لقوة العلة وثبوتها فيه، فأخذوا به، وتركوا القياس الظاهر، الذي ضَعُفَ أثرُه، وترجع حقيقته إلى ترجيح الأقيسة عند تَعَدُّدِ وجوه القياس وتعارضها في المسألة الواحدة.
وإذا تقرر ذلك، فإن الاستحسان في حقيقته تعارض بين دليلَيْن، والاستحسان عمل المجتهِد، والدليل هو ما رجع إليه الاستحسان، والغرض منه رفع الحرج عن الأمة.
وتسميةُ أحد الدليلين استحسانًا تمييزٌ له عن الآخر؛ لرجحانه عليه.
ولشيخ الإسلام رأيٌ متميز في هذه القضية؛ إذ يرى - رحمه الله - أن الاستحسان الصحيح لا يكون عدولاً عن قياس صحيح، والقياس الصحيح لا يجوز العدول عنه بحال، وهذا هو أصل قوله بأنه ليس في الشريعة شيءٌ على خلاف القياس، وقد ألمحتُ إلى مقصوده من ذلك، وهو هنا - رحمه الله - يذكر أن موطن النزاع في الاستحسان بين الحنفية والجمهور: هو التخصيص بمجرد دليل، لا يَبِينُ فيه الفرق بين صورة التخصيص وغيرها.
وقد تبيَّن لي: أن الحنفية يذكرون الفرق بينهما، بأن صورة التخصيص موضع طلب السهولة واليسر، وهذا أمر لا يخالف فيه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ولا غيره من أكابر العلماء والمحقِّقين، في كونه أمرًا مقتضيًا للتخصيص.

8- القائلون بحجيَّة الاستصحاب يتَّفقون على: أن المجتهِد لا يَرْجع إليه إلا عند عدم الدليل المغيِّر، فإن كان الدليل المغيِّر نصًّا أخَذ به، وإن كان قياسًا، فهل يبقى المجتهِد على استصحابه أو يأخذ بالقياس؟
مبنى هذه المسألة على مسألة نقض الاجتهاد باجتهادٍ مثله، وقد أشرتُ إلى ذلك في تعارض الأخذ بأقلِّ ما قيل مع القياس.
ولا يُشْكِل على ذلك أن البراءة الأصلية قطعيَّة، وقد ارتفعت بالظنِّ وهو القياس؛ إذ الأصل اشتغال الذمَّة لا براءتها، والقياس مؤكِّد ومجدِّد لاشتغالها الأصلي به، والضعيف قد يؤكِّد القوي ولا يرفعه.
إلا أن هناك نوعًا من أنواع الاستصحاب، وهو استصحاب الإجماع في محل النزاع، فهذا النوع - في حقيقته - تعارضٌ بين قياسٍ واستصحاب، وقد اختلف العلماء في تقديم أيِّ دليلٍ في حالة تعارضهما، ورأيتُ أن الجمع بين القولَيْن أوْلى؛ ذلك أن القائلين بعدم حجيَّة استصحاب الإجماع في محل النزاع - يَرَوْنَ الأخذ بما دلَّ عليه الإجماع الأول، عند وجود الدليل على بقائه في محلِّ الخلاف، أو إذا أمكن إلحاق المحل المتنازَع فيه بالمحل المتَّفق عليه، وحينئذٍ يكون الدليل في المحل المتنازع فيه ليس هو الإجماعَ، بل دليلٌ آخرُ، أو هو القياس.
أما القائلون بحجيَّة استصحاب الإجماع في محل النزاع، فهم يرون عدم القول بما دلَّ عليه الإجماع الأوَّل، عند وجود الدليل المغيِّر، فإنْ لم يوجَدْ دليلٌ مغيِّرٌ بعد بذل الجهد في البحث والطلب، فإنهم يَسْتَصْحبون الحكم السابق الذي وقع فيه الإجماع.

9- تبيَّن لي أن العمل بسد الذرائع يعدُّ عملاً بأحد الدليلين المتعارضَيْن؛ إذ المسألة فيها دليلان:
أحدهما: يفيد الإباحة، وهذا هو الدليل الظاهر في المسألة.
أما الدليل الآخر: فيفيد المَنْع، ويختلف في قوته وضعفه بحسب قوة إفضائه إلى المفسدة، أو ضعف ذلك الإفضاء، فإذا تعارض العمل بسدِّ الذرائع مع القياس والقواعد العامة، فإن المجتهد يسلك الطريق المرسوم في العمل عند تعارض المصلحة المرسَلَة مع القياس؛ إذ الأخذ بسدِّ الذرائع يُعَدُّ تطبيقًا لمبدأ الأخذ بالمصلحة المرسَلَة، فهو فردٌ من أفرادها، وذلك بتقديم الوصف الأقوى على ما دونه؛ ولبيان ذلك قَسَّم أهل العلم الذرائعَ من حيث إفضاؤها إلى المفاسد إلى أربعة أقسام:
أ- ذرائعُ مُفْضِيَةٌ إلى الفساد قطعًا، فهذه مُجْمَعٌ على سدِّها، وتقديم العمل بها على القياس، وهذا من باب تحريم الوسائل، أو من باب تحريم التعاون على الإثم والعدوان.
ب - ذرائع مفضية إلى الفساد ظنًّا، فالراجح سدها، وتقديم العمل بها على القياس.
ج - ذرائع مفضية إلى الفساد كثيرًا، وفي نظري: أن سدَّ هذا النوع من الذرائع، وتقديمه على العمل بالقياس هو الأسعد بالدليل، والأحوط للذمَّة.
د - ذرائع مفضية للفساد نادرًا، فهذا النوع لا يُسَدُّ، ويُقَدَّم القياس عليه.
على أن تحديد كون الفرع الفقهي من أي درجات الذرائع المذكورة - واسعٌ لا يكاد ينضبط، وذلك من أبرز أسباب اختلاف العلماء في المسألة.
وإذا تقرَّر ذلك، فإن التعارض بين سدِّ الذرائع والقياس هو تعارضٌ بين ظواهر النصوص، التي استند إليها العمل بسدِّ الذريعة، مع النصوص التي استند إليها العمل بالقياس.
وتَحْسُن الإشارة هنا إلى أن المالكية كما اعتبروا المصلحة أصلاً قطعيًّا، فكذلك سد الذرائع؛ إذ هو فردٌ من أفرادها، فيقدِّمون العمل بها على أخبار الآحاد، التي لم تعضد بأصلٍ قطعيٍّ آخر.

10- تبيَّن لي: أن الاستقراء إذا كان فيه إلحاق صورةٍ بأخرى فأكثر - فهو الذي يمكن تعارضه مع القياس، ويكون ذلك من باب تعارض القياسين، ويشمل ذلك:
أ- استقراء صور كثيرة من جنس واحد، ثم تعميم حكمها؛ ليشمل الصورة المتنازَع عليها.
ب- استقراء الأوصاف المشتركة بين الصورة المتنازَع عليها، والصورة التي يُراد الإلحاق بها، وينتج عن ذلك تعميمُ حكم الصورة المقيسة عليها؛ ليشمل الصورة المتنازع عليها؛ لاشتراكهما في كثيرٍ من الأوصاف.
وإذا تقرر ذلك، فإنه إذا كان الغرض من الاستقراء الحكمَ على الصورة المتنازع عليها؛ بناءً على تتبُّع كثيرٍ من الجزئيات المشتركة مع الصورة المتنازَع عليها في العلَّة - كان المقدَّم هو الاستقراء على القياس، ويعدُّ هذا من باب ترجيح العلة، التي تشهد لها أصول كثيرة، على العلَّة التي لا يشهد لها إلا أصلٌ واحد، والأصول شواهدُ الصحة، وفي كثرتها تقويةٌ للظنِّ.
أما إذا كان الغرض من الاستقراء هو بيانَ: أن الصورة المتنازَع فيها تشترك مع صورة أخرى، في كثيرٍ من الأوصاف، فتأخذ حكمها - فالذي أراه: أن التعارض في هذه الحالة من قبيل المعارضة في الفرع، وفيها ينقلب المُعْتَرِض مستدِلاًّ، والمستدِل معترِضًا، وللمستدلِّ عند العجز عن القدح في دليل المعترض - أن يرجِّح قوله بكثرة الأصول الشاهدة، أو بكثرة الأوصاف، أو بغير ذلك من المرجِّحات.
على أن بعض أهل العلم يرى ترجيح الاستقراء، بكثرة الأشباه على القياس". انتهى كلام الباحث.

ثم ذكر بعض الاقتراحات والتوصيات منها:
1- العناية ببعض الكتب الأصولية المطبوعة تحقيقًا ودراسة؛ لكثرة ما في المطبوع من إشكاليات.
2- حبذا لو كَلَّفَتِ الكلية طلابَ البحوث الصفية بصناعة فهارس علمية، لبعض الكتب المطبوعة، التي يصعب البحث فيها.
3- ينبغي إكمالُ عقد بعض الرسائل العلمية، فيُبْحث موضوع الاعتراضات الواردة على الأدلة المختلَف فيها، كما بُحِثت الاعتراضات الواردة على الأدلة المتفق عليها". ا هـ.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
========
المصدر
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
بارك الله فيك أخي الكريم

هل هناك رابط لتحميل الرسالة ؟ أو يتكرم أحد الإخوة برفعها و نسأل الله له الثواب
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

نعيم هدهود موسى

:: متابع ::
إنضم
23 سبتمبر 2009
المشاركات
34
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
أصول فقه
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
متبع الدليل
رد: تعارض القياس مع الأدلة المختلف فيها - دراسة نظرية تطبيقية

الإخوة الكرام
بارك الله فيك أخي الكريم
هل هناك رابط لتحميل الرسالة ؟ أو يتكرم أحد الإخوة برفعها و نسأل الله له الثواب
أضم صوتي إلى صوت الأخ عبد الحكيم
نأمل من الإخوة أن يتفضلوا علينا برفع هذه الرسالة
وجزاكم الله خيرًا
 
إنضم
3 سبتمبر 2017
المشاركات
21
التخصص
فقه حنفي
المدينة
طنطا
المذهب الفقهي
حنفي
رد: تعارض القياس مع الأدلة المختلف فيها - دراسة نظرية تطبيقية

جزاكم الله خيرا
 
أعلى