العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تقريرات ابن رجب في مسألة سماع الغناء وآلات الملاهي

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
[رجاءً الموضوع ليس للمناقشة، وإنما هي إملاء لتقريرات ابن رجب رحمه الله، وهذه الموضوعات لو فتحت لما أغلقت، ونحن أحوج إلى قراءة القرآن من أن تفني أعمارنا في القطع بمسألة هي محل بحثٍ عند أهل العلم، وإن تباينت فيها مواقفهم ومن كانت لديه ملاحظة مباشرة على كلام ابن رجب رحمه فيحسن إيرادها]




تقريرات ابن رجب في مسألة سماع الغناء وآلات الملاهي



يقول ابن رجب رحمه الله:


سماع الغناء وآلآت الملاهي على قسمين:


1- فإنه تارة يقع ذلك على وجه اللعب واللهو وإبلاغ النفوس حظوظها من الشهوات واللذات.


2- وتارة يقع على وجه التقرب إلى الله عز و جل باستجلاب صلاح القلوب وإزالة قسوتها وتحصيل رقتها.



لقسم الأول: أن يقع على وجه اللعب واللهو:


- ذكر ابن رجب رحمه الله أن أكثر العلماء على تحريم سماع الغناء وسماع آلآت الملاهي كلها، وكل منها محرم بانفراده.


- نقل ابن رجب عن أبي بكر الآجري وغيره حكايتهم إجماع العلماء على ذلك.


- حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح وغيره من العلماء: الإجماع على تحريم السماع المعتاد في هذه الأزمان على وجهه المعتاد.


- قرر أن من نسب إباحته إلى أحد من العلماء الذين يجوز الاقتداء بهم في الدين فقد أخطأ.


- ما جاء عن بعض المشايخ من استباحته ففي غير هذا السماع الموجود في زمانه.


- ذكر ابن رجب أن الحكم بالتحريم هو الثابت عن الصحابة رضوان الله عنهم.


- حمل ابن رجب ما روي عن بعضهم مما يوهم الرخصة على أنه إنما وردت في إنشاد أشعار الأعراب على طريق الحداء ونحوه مما لا محذور فيه ولا يهيج الطباع إلى الهوى ولهذا كانوا يفعلونه في مسجد المدينة ولم يكن في شيء من ذلك غزل ولا تشبيب بالنساء ولا وصف محاسنهن ولا وصف خمر ونحوه مما حرمه الله تعالى.


- حكى ابن رجب المنع من الغناء عن خلق من التابعين فمن بعدهم.


- حكى عن عمر بن عبد العزيز وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين أنه كان يبالغ في إنكار الغناء والملاهي ويذكر أنه بدعة في الإسلام، وأنه بلغه عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت النبت الماء.([1])


- قرر أن الآثار الموقوفة عن السلف في تحريم الغناء وآلآت اللهو كثيرة جدا.


- حمل ابن رجب كل حديث ورد في الرخصة في الغناء على غير معنى الغناء المذموم بالضابط الذي حدده، فذكر أن ما جاء في هذه النصوص إنما هو من الأشعار التي لا تتضمن ما يهيج الطباع إلى الهوى وأنه ليس في شيء منها ما يحرك النفوس إلى شهواتها المحرمة.


- نقل رحمه الله عن طوائف من العلماء أنهم حملوا قول من رخص في الغناء من الفقهاء على مثل ذلك.


- نقل ابن رجب عن زكريا بن يحيى الساجي في كتابه اختلاف العلماء حكايته اتفاق العلماء على النهي عن الغناء إلا إبراهيم بن سعد المدني وعبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة.


- ذكر ابن رجب أن ما ذكره الساجي إنما هو في الغناء دون سماع آلآت الملاهي فإنه لا يعرف عن أحد ممن سلف الرخصة فيها إنما يعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد به.

- من حكى شيئا من ذلك عن مالك فقد أبطل إلا أن مالكا يرى أن الدف والكَبَر([2]) أخف من غيرهما من الملاهي فلا يرجع لأجلهما من دعي إلى وليمة، وقد سأل مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق، وكذا قال إبراهيم بن المنذر الحزامي وهو من علماء أهل المدينة، فتبين بهذا موافقة علماء أهل المدينة المعتبرين لعلماء سائر الأمصار في النهي عن الغناء وذمه ومنهم القاسم بن محمد وغيره كما هو قول علماء أهل مكة كمجاهد وعطاء وعلماء أهل الشام كمكحول والأوزاعي، وعلماء أهل مصر كالليث بن سعد، وعلماء أهل الكوفة كالثوري وأبي حنيفة، ومن قبلهما كالشعبي والنخعي وحماد، ومن قبلهم من التابعين أصحاب ابن مسعود، وقول الحسن وعلماء أهل البصرة، وهو قول فقهاء أهل الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم، وكان الأوزاعي يعد قول من رخص في الغناء من أهل المدينة من زلات العلماء التي يؤمر باجتنابها وينهى عن الاقتداء بها.
- صنف القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي مصنفا في ذم السماع، افتتحه بأقوال العلماء في ذمه، فبدأ بقول الشافعي رحمه الله: ( هو لهوٌ مكروه، يشبه الباطل )، وقوله: ( من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته )
- قال أبو الطيب: وأما سماعه من المرأة التي ليست بمحرم له فإن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز بحال سواء كانت مكشوفة أو من وراء حجاب وسواء كانت حرة أو مملوكة قال الشافعي: ( وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ) ثم غلظ القول فيه وقال: ( هو دياثة ) ثم ذكر بعد ذلك قول فقهاء الأمصار ثم قال: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهته والمنع منه.

- قال: وإنما فارق الجماعة هذان الرجلان إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( عليكم بالسواد الأعظم )، وقال: ( من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ) فالمصير إلى قول الجماعة أولى .


- بين الحافظ ابن رجب رحمه الله : أن هذا الخلاف الذي ذكره القاضي إنما هو في سماع الغناء المجرد.


- فأما سماع آلات اللهو فلم يحك في تحريمه خلاف وقال: إن استباحتها فسق قال: وإنما يكون الشعر غناء إن لحن وصيغ صيغة تورث الطرب وتزعج القلب وتثير الشهوة الطبيعية فأما الشعر من غير تلحين فهو كلام كما قال الشافعي الشعر كلام حسنة كحسنة وقبيحه كقبيحه انتهى.


- أفتى قاضي القضاة أبو بكر محمد بن المظفر الشامي الشافعي وكان أحد العلماء الصالحين الزهاد الحاكمين بالعدل وكان يقال عنه: لو رفع مذهب الشافعي من الأرض لأملاه من صدره: بتحريم الغناء.


- هذه صورة فتياه بحروفها قال: لا يجوز الضرب بالقضيب ولا الغناء ولا سماعه، ومن أضاف هذا إلى الشافعي فقد كذب عليه، وقد نص الشافعي في كتاب أدب القضاء أن الرجل إذا داوم على سماع الغناء ردت شهادته وبطلت عدالته....


- هذا جواب محمد بن المظفر الشامي الشافعي ثم كتب بعده موافقة له على فتياه جماعة من أعيان فقهاء بغداد من الشافعية والحنفية والحنبلية في ذلك الزمان وهو عصر الأربع مئة وهذا يخالف قول كثير من الشافعية في حمل كلام الشافعي على كراهة التنزيه.


- ذكره الأبري في كتاب مناقب الشافعي عن ابن عبد الحكم: أنه نقل عن الشافعي الاستدلال بحديث زمارة الراعي على عدم التحريم وأنه كان سماع الزمارة محرما لأنكره النبي صلى الله عليه و سلم على من فعله ولم يكتف بسد أذنيه فيحمل ذلك على كراهة التنزيه.


- فأجاب ابن رجب رحمه الله: بأن الشافعي لا يبيح استماع آلآت الملاهي وابن عبد الحكم ينفرد عن الشافعي بما لا يوافقه عليه غيره كما نقل عنه في الوطء في المحل المكروه وأنكره عليه العلماء.


- ثم خفف ابن رجب من الجزم بعدم صحة هذا النقل عن الشافعي، وانتقل إلى حال التسليم فقال: إن كان هذا محفوظا عن الشافعي فإنما أراد به أن زمارة الراعي بخصوصها لا يبلغ سماعها إلى درجة التحريم فإنه لا طرب فيها بخلاف المزامير المطربة كالشبابات الموصلة وقد أشار إلى ذلك الخطابي وغيره من العلماء.


- -------------------------------------


القسم الثاني: [على وجه التقرب إلى الله]


- ذكر ابن رجب أن هذا القسم هو الذي يدعيه كثير من أهل السلوك ومن يتشبه بهم ممن ليس منهم وإنما يتستر بهم ويتوصل بذلك إلى بلوغ غرض نفسه من نيل لذته.


- وذكر أن الصادقين من هؤلاء قليل وهم ملبوس عليهم.


- أبطل ابن رجب مذهب هؤلاء بأنه يعلم بالضرورة من دين الإسلام بل ومن سائر شرائع المسلمين أن سماع الغناء الملحن مع آلات اللهو ليس مما يتقرب به إلى الله فإن ما نهى عنه فالتقرب به إليه مضادة لله عز و جل في أمره.


- نقل ابن رجب عن القاضي أبي الطيب الطبري أن اعتقاد هذه الطائفة مخالف لإجماع المسلمين فإنه ليس فيهم من جعل السماع دينا وطاعة ولا رأى إعلانه في المساجد والجوامع.


- ذكر ابن رجب أن من يأمر بتزكية النفوس بسماع الغناء وآلات الملاهي هو من لا يتقيد بمتابعة الرسل من مثل أتباع الفلاسفة الذين يأمرون بعشق الصور.


- ذكر ابن رجب أن غلط هؤلاء مرتب على ما اشتبه عليهم من حظوظ النفوس وشهواتها بأقوات القلوب الطاهرة والأرواح الزكية المعلقة بالمحل الأعلى واشتبه الأمر في ذلك أيضا على طوائف من المسلمين ممن ينتسب إلى السلوك.


- ذكر ابن رجب أن هذا القسم من الغناء هو مما حدث في الإسلام بعد انقراض القرون الفاضلة.


- -----------------------


النتائج:


- أن التقرب إلى الله بمثل هذه السماعات المحدثة على أي وجه كانت هو مما يقطع ببطلانه وذلك لأمرين اثنين:


1- لحدوثه، وأمر الدين تام.


2- منافاته لقواعد التعبد.


- أن سماع آلات اللهو والمعازف لم يحك في تحريمه خلاف، وغلَّط ابن رجب من ادعى بخلاف ذلك.


- أن سماع الغناء أكثر أهل العلم على تحريمه، ونقل ابن رجب إجماعات عن أهل العلم في تحريمه، كما ساق أقوالا مفصلة ومجملة عن كثير من أهل العلم في ذمه من سائر أهل الأمصار، وأن الخلاف إنما وقع من اثنين شذا عن الجماعة أو عمن لا يعتد به من الصوفية والظاهرية.


([1]) ذكر الشيخ عبد الله الجديع أن ابن أبي الدنيا أخرجه رقم 50 وإسناده مجهول.

([2]) الطبل ذو رأسين.
 
التعديل الأخير:
أعلى