العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جنايات على العلم والمنهج..(15) الإصلاح ..حين يُشترى بالدر البصل..

إنضم
21 مارس 2009
المشاركات
97
الكنية
أبو فهر
التخصص
متفنن
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
لا أتقيد بمذهب
جنايات على العلم والمنهج..(15) الإصلاح ..حين يُشترى بالدر البصل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...

تنبيه : هذاالموضوع يحتاج لقراءة متأنية جداً فأرجو إعطاءه حظه من النظر....
الأصل المحكم : أن من اجتهد في إرادة الحق من جهة الله ورسوله = فهو مأجور مغفور له خطأه.
ثم يقعُ للناس التقصير إما في شطر الاجتهاد وإما في شطر الإرادة ،والله تبارك وتعالى يتولى حساب عباده على هذا التقصير ، ولكن لا يكون ذلك المقصر أبداً بمنزلة من لم يجتهد أو من لم يُرد بالمرة.بل له فضل الاجتهاد والإرادة وثواب التوجه لمراد الله بإرادة الفقه والتأويل.
وعليه فإننا في هذا الموضوع لا نقصد لأن نثبت ذماً مطلقاً لمن نتكلم عنهم ،ولا نمنعهم الأجر مطلقاً ولا نرفع عنهم المغفرة مطلقاً ، وإنما من شاء أن يقرأ هذا الموضوع قراءة حسنة = فليجعله من باب تقرير الحق والصواب بقطع النظر عن المخالف وماله من الأجر والثواب
وبعد...


لا أشك أن زماننا هذا هو من أحوج الأزمنة إلى شد عزائم العاملين ،وتنوع طرائق المصلحين..
ولستُ أشك أن الغفلة كل الغفلة أن يقضي العالم والداعية عمره في غير مشروع إصلاحي متكامل الجوانب يسد به ثغرة من الثغرات ويعمل فيه وعليه قدر الوسع والطاقة..

لكن الذي يؤلمني وأخشاه هو سوء اختيار المشروع الإصلاحي ،وأن يوضع هذا الباب الجليل (باب الإصلاح) في غير محله ،بحيث يظن العالم والداعية أنه على ثغر مشروع إصلاحي بينما ما اشتغل به كان أهون من ذلك وأيسر فيكون بذل مهجته واستفرغ طاقته وعرض فكرته لما تتعرض له أعمال المصلحين من الأذى والبأس دون أن يكون المحل يستحق كل هذا العمل ويكون كأنما اشترى بالدر البصل..

والمثال الذي أنوي ضربه اليوم لهذه الجناية هو مثال نفر من المصلحين اختاروا أن يغرسوا بذرة من بذور مشاريعهم الإصلاحية في أرض ظنوها خصبة للإصلاح بينما هي عندي ليست في زماننا هذا بقضاياها تلك مما يفتقر لهذا الجهد الإصلاحي فوق أنه سينبت مع النبت الإصلاحي إن نبت = آفات ومضار ينبو حذاق الزراع عن أن تنبت في أرضهم ولربما آثروا ألا يروا النبت والآفات جميعاً على أن يستنبتوا الزرع والآفات معه..

أي أبواب عمل المصلحين تقصد بهذا يا أبا فهر ؟
وأي باب ذاك الذي تراه توجه له نفر من المصلحين وليس هو بالذي يفتقر لهذا الجهد بل وتراه سينبت مع الزرع الآفات ؟
أقول : إنما يعني أبو فهر = قضايا المرأة..

نعم يا مشايخي الكرام لستُ أرى تلك الأبواب التي انتصبتم لها من قضايا المرأة ( ضبط الحجاب-ضبط الاختلاط-ضبط عمل المرأة –قيادة السيارة –كيفية الممارسات الدعوية للمرأة..إلخ إلخ ) = جديرة بأن توجهوا لها أي حزمة من حزم طاقاتكم الإصلاحية وهذه الحزم التي توجهونها إن قُدر أنها أنبتت شيئاً مما تأملون = فسيخرج معه الكثير والكثير مما لم تكونوا تحبون..

أيها العلماء الفضلاء والمشايخ الكرام !!

إن في الجليل من أبواب الدين والإيمان ،وفي الجليل من القضايا الحساسة ومعارك المفاصلة التي تمر بها الأمة الآن = ما هو أولى بجهودكم الإصلاحية من قضايا المرأة هذه..
وإن في أبواب وحدة الأمة تجاه عدوها وصياغة أسس الخلاف وقوانين الإعذار وآدابه = ما هو أولى بجهودكم الإصلاحية من قضايا المرأة هذه..
وإن الحالة العلمية للأمة فيها من الثغرات المستوجبة للإصلاح العلمي = ما هو أولى بجهودكم الإصلاحية من قضايا المرأة هذه..
وإن في واقع الظلمة الغالبة على النور والذي تعيشه الأمة اليوم = ما هو أولى بجهودكم الإصلاحية من قضايا المرأة هذه..

لا أعيب النقد الذاتي الداخلي للصف السلفي ولكن ليكن ذلك في الكليات لا في الجزئيات ففي تلك الكليات = ما هو أولى بجهودكم الإصلاحية من قضايا المرأة هذه..

فإن قلتم بكل ذلك نقوم وإنما المرأة وقضاياها تلك شعبة من الإصلاح الاجتماعي = قلتُ لا أرى ذلك أبداً بل لست أرى تلك القضايا إلا جزئيات فروعية لا ينبغي أن تتعدى مجلس الفقه الفروعي والحوار فيه لا أن ينتصب لها المصلحون على صفحات الجرائد وواجهات المنتديات وبرامج الفضائيات ..

مشايخنا الكرام ..

لقد تسببتم في شيوع شعور عام أحسسنا تحته وكأنما تدعون وتنافحون عن قضية إصلاحية ستنقل الأمة نقلة نوعية فقط لا يحجز الأمة عنها إلا أن تقود المرأة السيارة ذاهبة لعملها الذي تعمل فيه كمحامية تتفاوض مع القاضي في حقوق موكلها كاشفة وجهها الذي لا يحرم كشفه !!

هب المرأة فعلت كل هذا وأبيح لها شرعاً ونظاماً أو على الأقل هب أن المجتمع خفف من حساسيته التي ترونها حول قضايا المرأة = فكان ماذا ؟؟

وبعدين ؟؟

كم شبراً ستتقدم الأمة ؟؟

بل كما قلتُ لكم وضع تلك القضايا على جدول الإصلاح والدعوة لها بنفس مفاهيم وآليات الدعوة للإصلاح ،لو قُدر أنه أثمر نتيجة مما ترجون = فسيُنبت معها الكثير والكثير مما تأنفون ،وسيأتيكم الغد بما لم تكونوا تحتسبون ،ولربما قال الواحد منكم عندها : ربنا كنا عن هذا غافلين..

المشايخ الكرام..

لا أحجر عليكم إن كان لكم آراء فقهية في قضايا المرأة ترونها جديرة بالاعتبار .لكني لا أرى أبداً أن تجاوز هذه الآراء قدرها من كونها مادة للبحث الفقهي ينظر فيها بالحجة والبرهان فيتم تقييمها وتقييم رتب الخلاف فيها ويدور فيها نزاع هادئ في قاعات الدرس ومجالس الفقه ..

أما أن تجاوز تلك الآراء هذا القدر وتصبغ بصبغة إصلاحية وربما تُطلى بطلاء سياسي ،وتُجعل معياراً لتقدم الدعوة الإصلاحية أو تأخرها وتجعل شعاراً لتشدد المخالفين أو تأخرهم = فهذا ما لا أرضاه لكم ولا أرضاه للعلم والمنهج وأعده جناية عليها..

وإذا كنتُ لا أحب من مخالفيكم أن يسموكم بالتيسير المستهتر والتمييع المنحل وان يحشروكم مع الليبراليين وحزبهم = فإني لا أحب لكم أن تعدوا مخالفيكم من المتشددين القابعين خلف عجلات الزمن أو تحتها..

هذا عن مجرد جعل هذه القضايا مادة لاستنبات إصلاحي وأن أمرها أهون من ذلك بكثير..

نأتي الآن للزرع الضار الذي سينبت لجوار آرائكم إن هي أنبتت..

مشايخي الكرام..

لا يجمل بالعالم المصلح أن يغفل عن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعرفية والمآلية = حال النظر والاجتهاد في باب من الأبواب..

وإذا كنت لا أحب من مخالفيكم أن يضعوكم في جملة مفيدة مع الليبراليين والعلمانيين = فإني أكره منكم جداً أنكم لم تراعوا تلك الآفات اليبرالية التي ستنبت إلى جوار زرعكم وتستظل به وتقوى حتى إنها توشك أن تميل بخامة زرعكم يمنة ويسرة وتقوى عليها وتستطيل وتحيلها إلى وجهة أخرى غير التي كنتم تحسبون..

أولئك القوم ليس عندهم مشروع تام أصلاً إن هي إلا فتنة يضلون بها بعض العباد فيضربون يمنة هنا ويسرة هناك ويعلمون أن أول أبواب الشر هو النساء ولا يملكون هم أصلاً مشروعاً تقدمياً للمرأة وإنما يرجون أن ينزعوا عنها لباسها الذي ألبسها إياه الدين(مطلق الدين هم يقبلون دينكم ويردون دين الآخرين اليوم..وغداً سيردون دينكم أنفسكم) حتى لو لم يكونوا يملكون هم لباساً بديلاً ،وعجزهم وعدم امتلاكهم للمشروع يجعلهم شديدو الفرح بأطروحاتكم لأنها تُؤمن لهم الدرجات الأولى وبعدها سيهون الأمر عليهم ويجدون عليه أعواناً..

أنتم تريدون إزاحة الحاجز وخلخلته بضعة سنتيمترات وترون في الدين سعة لذلك أما الليبراليون فيرومون هدم الحاجز..ولكنهم لا يملكون معولاً فليس أمامهم في هذه المرحلة إلا أن يساعدوكم على خلخلة الحاجز..

أكره وسوسة الذي يربط كل اختيار فقهي ميسر في قضايا المرأة بقاسم أمين = ولكني أشد كرهاً لمن يريد ان يجعل هذا الاختيار الفقهي الميسر مشروعاً إصلاحياً على صفحات الجرائد يكتب هو فيه مقالة غافلاً عن أنه سيشرحها الليبراليون بعشرة ويستولدونها ما يشاؤون وينفخون فيها قدر ما يستطيعون ؛لأن أولئك القوم يعلمون جيداً أن هدى شعراوي لم تنزع ثيابها إلا حين أعانهم من نزع عنها-باسم الدين- نقابها..

خلاصة المقال : لا أطلب منكم أن تكتموا اختياراتكم الفقهية في قضايا المرأة ،ولكن لتكن في حدود الحوار الشرعي بين طلبة العلم في قاعات الدرس ومجالس الفقه وأطلب حينها من مخالفيكم أن يعاملوكم على أنكم أخطأتم وأردتم الحق من جهة الله والرسول ..

أما إلباس هذا الاختيار الفقهي ذلكم الثوب الإصلاحي من جهة الصورة والعبارة وآلية النشر ورفع الصوت والسعي والكد والانتصاب والعمل = فهذا عندي إنفاق للدر في شراء البصل..
 
أعلى