العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

رسالة في توسعة المسعى لذهبي عصره المعلمي اليماني

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى أله وصحبه أجمعين
أما بعد

فهذه رسالة في توسعة المسعى كتبها الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي اليماني [1313- 1386]
والقوة التي تحملها الرسالة هي أنها صبغت بالأحبارة السائلة من قلم المعلمي ، وقلمه كما هو معروف عند العارفين بالشيخ قليل التكرار، إن ظفر الناس بنظيره في قرن عز عليهم في قرن.

أين الشوكاني الذي قال في ابن الوزير:
إن كلامه لا يشبه كلام أهل عصره إنما هو من نمط ابن تيمية وابن حزم
وقال :
ولو لقيه الحافظ ابن حجر بعد أن تبحر في العلوم لأطال عنان قلمه في الثناء عليه
وقال:
وكذلك السخاوي: لو وقف على العواصم والقواصم لرأى فيها ما يملأ عينيه وقلبه ولطال عنان قلمه في ترجمته ولكن لعله بلغه الاسم دون المسمى.

لأقول له:
ماذا لو رأيتَ مفخرة اليمن، بل مفخرة العلم في العصر الحديث عبد الرحمن المعلمي؟ لما وسعك إلا أن تضمه إلى أولئك ثم توسع المترجمين عتابا في تقصيرهم في ترجمته إزاء تقصيرهم في ترجمة ابن الوزير.

نعم، لقد كان الشيخ عبد الرحمن المعلمي من النمط الصعب، ومن الطراز النادر تقرأ له إذا تنفس وأسهب وكأنك تقرأ لابن تيمية، أما إذا مال في الكلام إلى كشف دواخل النفوس فإنما يجري مجرى أبي حامد الغزالي.
فرحمه الله وغفر له.
وهذا تمهيد أقدمه بين يدي هذه الرسالة التي استبق فيها المعلمي الكلام على أحكام المسعى مع أن ما حدث في زمانه قبل أكثر من أربعين سنة دون ما حدث في هذا الزمان بمراحل، ولكن التقعيد الفقهي الذي أقام عليه رسالته، والنظر المصلحي الذي التفت إليه، والاستدلال المعنوي الذي نزع إليه كل هذا وغيره دفع برسالته هذه والتي لا تزال مخطوطة في مكتبة الحرم المكي لتتصدر البحوث الآنية في مداولة حكم توسعة المسعى.
أفيد أني استفدت هذه الرسالة من موضوع أحد الإخوة الفضلاء - جزاه الله عنا خيرا في الملتقى العلمي الجاد: ملتقى أهل الحديث
على هذا الرابط

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=849132#post849132

والملف مرفق في الموضوع:
 

المرفقات

  • رسالة في توسعة المسعى بين الصفا والمروة.doc
    61 KB · المشاهدات: 0
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رسالة في توسعة المسعى


بين الصفا والمروة




تأليف


المحدث الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي


رحمه الله


ت 1386هـ




بسم الله الرحمن الرحيم


قال الله تبارك وتعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } البقرة 158 0
الصفا والمروة معروفان ، نصت الآية على أنهما شعيرتان من شعائر الله ، والعبادة المتعلقة بهما هي التطوف بهما ، وبينته السنة بما هو معروف 0
قام النبي صلى الله عليه سلم أول مرة على موضع مخصوص من الصفا لا تعرف عينه الآن ، ثم سعى إلى المروة فقام على موضع مخصوص منها كذلك ، ثم عاد في الشوط الثاني إلى الصفا [ثم] المروة ، وهكذا سبعا .....
قد يكون قام ثانيا وثالثا ورابعا على الموضع الأول من كل منهما ، أو على ما يقرب منه 0
ثم أقيم بعد ذلك حاجز حصر الموضع الذي يقام عليه من كل منهما في مقدار معين ، وكان ذلك المقدار يتسع للناس فيما مضى ، وأصبح الآن يضيق بهم ، فهل يمتنع توسيعه وقوفا على عمل من مضى ، وإن ضاق وضاق ؟ أم ينبغي توسيعه لأن نص الكتاب ورد على الصفا والمروة ، وهما أوسع من ذاك المقدار 0
وحصر من مضى لذاك المقدار قد يكون لمزاحمة الأبنية ، و كفاية ذاك المقدار للناس إذ ذاك .، فلم تدع الحاجة حينئذ لتوسعته بهدم الدور ؟ 0
وهكذا يأتي في المسعى - أى الطريق الذي يقع فيه السعي – فإنه واقع بين الأبنية من الجانبين ، يتسع تارة ويضيق أخرى ، وذاك يدل على انه لم يحدد 0
ولم يجئ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه ، ومن بعدهم ; بيان لتحديد عرض المسعى إلا ما ذكره الأزرقي في زمانه أنه ذرع ما بين العلمين الأخضرين اللذين يليان المروة فوجد ذلك خمسة وثلاثين ذراعا ونصف ذراع 0
وهذا المقدار لا يستمر في بقية المسعى ، ويظهر كما سيأتي عن الأزرقي ان موضع هذه الأعلام ليس من المسعى الأصلي ، وإنما هو مما حوله المهدي العباسي إليه 0
وعدم مجيئ شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تحديد عرض المسعى يشعر بأن تحديده غير مقصود شرعا ، وإلا لكان لتعرضه لمزاحمة الأبنية أولى بالتحديد من عرفات ومزدلفة ومنى ، وقد ورد في تحديدها ما ورد 0
فهل يبقى المسعى كما هو ، وقد ضاق بالساعين وأضر بهم ، أم ينبغي توسعته ، لأن المقصود هو السعي بين الصفا والمروة ، وهو حاصل في المقدار الذي يوسع به هذا الشارع كما هو حاصل في هذا الشارع نفسه ؟
والله تبارك وتعالى عالم الغيب والشهادة لا يكلف خلقه بعبادة إلا ويسرها لهم ، أو يرخص لمن شق عليه شئ منها أن يدع ما شق عليه ، وقد أصبح المسعى يضيق بالمسلمين في أيام الموسم ، ويشق عليهم ، ولا سيما على النساء والضعفاء والمرضى ، بل يلقى فيه الأقوياء شدة 0
وسيزداد الحجاج – إن شاء الله – كثرة سنة بعد سنة 0
[ذكر] في النهاية لمحمد الرملي الشافعي ج2 ص416 ((لم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى ، وسكوتهم عنه لعدم الإحتياج اليه ، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة ، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيرا لم يضر ، كما نص عليه الشافعي ))
وقال النووي في شرح المهذب ج8 ص76 (( قال الشافعي والأصحاب : لا يجوز السعي في غير موضع السعي ، فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطاريين أو غيره لم يصح سعيه ، لأن السعي مختص بمكان ، فلا يجوز فعله في غيره كالطواف ...
قال الشافعي في القديم : فإن التوى شيئا يسيرا أجزأه ، وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز 0
وكذا قال الدارمي إن التوى في السعي يسيرا أجزاه ، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا والله اعلم )) 0
قوله (( لا يجوز السعي في غير موضع السعي ))
يتبادر منه المكان المحدد ، ويحتمل أن يراد المكان المعد للسعي فيشمل ما زاد على المسعى القديم توسعة له 0
وقوله (( كالطواف ))
يعني المعنى الثاني ، فإن المكان الذي يختص به الطواف لا يقتصر على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم 0
فقد كان المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الموضع المعروف الآن بالمطاف ، وكان الطواف لا يجوز خارجه ، ثم وسع المسجد مرة بعد أخرى ،
واتفق أهل العلم على أن ما زيد في المسجد فصار منه صح الطواف فيه 0
وإذا صح هذا في المطاف مع مشاركة الإعتكاف والصلاة وغير ذلك للطواف في الأحكام ، إذ تثبت تلك الأحكام كلها للزيادة ثبوتها للأصل ففي المسعى أولى 0
والأصل في هذا قول لله تبارك وتعالى { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي الطائفين والعاكفين والركع السجود } البقرة 125 0
التطهير : يشمل التطهير من الأرجاس المعنوية والحسية 0
والطواف والعكوف والصلاة موضعها حول البيت ، فما حول البيت داخل في الأمر بالتطهير 0
فأمر الله تعالى تطهير ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلين ، وكما يوجب تطهير الموضع لهؤلاء يقتضي أن يكون الموضع بحيث يسعهم ، ولا تقتضي الحكمة أن يوسع الموضع من أول مرة إلى الغاية التي يعلم أنه لن يضيق بالناس مهماكثروا إلى يوم القيامة ، وإنما تقتضي أن يكون أولا بحيث يكفي الناس في ذاك العصر 0 ومع ذلك فلا ريب أن الناس إذا كثروا بعد ذلك ولم يسعهم الموضع وجب توسعته بدلالة الآية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمته من بعده مخاطبون بما خوطب به إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من تطهير ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلين – أى بالقدر الذي يكفيهم كما مر – 0
وبهذا جرى عمل الأمة ، فقد وسع المسجد في عهد عمر ، ثم في عهد عثمان ، ثم في عهد ابن الزبير رضي الله عنهم ، ثم بعد ذلك أكرم الله إمام المسلمين صاحب الجلالة الملك سعود بن عبدالعزيز أيده الله لهذه التوسعة العظيمة ، ولعلها مهما عظمت لا تكون آخر توسعة 0
وهذه التوسعات كلها عمل بالآية ، وتوسعة المسجد هي نفسها توسعة للمطاف ، لإتفاق العلماء على صحة الطواف فيما يزاد في المسجد ، غير أن منهم من شرط أن لا يحول بين الطائف والكعبة بناء ، ولهذا ولأن ما وراء الموضع المعروف بالمطاف الآن غير مهيأ للطواف ، ويكون فيه المصلون والجالسون والمشاة وغيرهم فيشق الطواف فيه لما ذكر ... ، اقتصر الناس على الموضع المعروف بالمطاف ، وأصبح يضيق بهم جدا أيام الموسم ، فدعت الحاجة إلى توسعته 0
وبلغني ان التوقف عن ذلك منشؤه التوقف عن تأخير مقام إبراهيم ، والبحث في مقام إبراهيم يطول ، غير أنه يمكن اختصاره بأن توسعة المطاف واجبة قطعا عند تحقق الضيق كما اقتضته الآية ، والأمر بتطهير الموضع للطائفين وغيرهم يستلزم الأمر بتهيئته لهم ، وإبقاء مقام إبراهيم في مكانه ينافي ذلك ، وليس على إبقائه حجة تترجح على هذه الحجة أو تكافئها 0
والمقام هو : الحجر المعروف ، وأصله كما في صحيح البخاري في ذكر إبراهيم من أحاديث الأنبياء عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام كان يقوم عليه وهو يبني الكعبة عندما ارتفع البناء ، وعلى هذا فموضعه في الأصل عند جدار البيت 0
وأكثر الروايات وأثبتها أن عمر هو الذي أخره إلى موضعه الآن ، وقيل : أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : جاء الإسلام وهو في محله الآن ، وأياًًَ ما كان فإنما أخر لئلا يضيّق هو والمصلون خلفه على الطائفين ، كما نبه عليه ابن حجر في الفتح ج8 ص129 0
فهذا المعنى هو الموجب لتأخيره ، وفي تأخيره لهذا المعنى الشهادة لهذا المعنى بأنه موجب لتأخير المقام 0
فإن كان أخر قبل الإسلام فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخره فالأمر أوضح ، وان كان عمر هو الذي أخره فإنما عمل بدلالة القرآن كما مر ، وكأن الضيق إنما تحقق في عهده حين كثر المسلمون ، ومع دلالة القرآن عمل الخليفة الراشد ، وإجماع الصحابة فمن بعدهم ، ودلالة القرآن مستغنية بنفسها 0
وهذا المعنى الذي اقتضى تأخيره إذ ذاك قائم الآن ، فاقتضاؤه للتأخير الآن بغاية الوضوح 0
فأما ما روي أن السيل احتمله في عهد عمر ، فتحرى عمر إعادته في مكانه، فكأن عمر لما أخره قبل ذلك تحرى أن يبقى مع تأخيره مسامتا للموضع الذي كان يليه من جدار الكعبة ، لا يميل عنه يمنة أو يسرة ، لأن المعنى المذكور إنما أوجبه التأخير فاقتضى عليه ، فلما احتمله السيل بعد ذلك تحرى عمر إعادته إلى مكانه لأجل المسامتة 0
وعلى القول بأنه أخر قبل عمر فتحريه إعادته إلى مكانه قد تكون لما ذكر ، وقد تكون لأنه لم يكن [هناك] داع لتحويله ، لأنه لم يكن قد حصل التضييق 0
وعلى ما ذكر فإذا أخر الآن فينبغي أن لا يخرج به عن مسامتة الموضع الذي يسامته الآن من الكعبة ، لا يميل عنه يمنة ولا يسرة 0
وقد يمكن الجمع بين تهيئة المطاف والمحافظة على موضع المقام في الجملة ، بأن يهدم البناء ويعلم موضع المقام بعلامة ثابتة ، ثم يوضع في صندوق ثقيل وتجعل له ظلة خفيفة عل عجل ، ففي أيام الموسم يؤخر الصندوق بالظلة إلى حيث تدعو الحاجة – مع المحافظة على السمت - ، ثم عند زوال الموجب يعاد إلى موضعه الآن 0
وكالحكم في المطاف الحكم في المسعى ، أمر الله عزوجل بالسعي بين الصفا والمروة يوجب تهيئة موضع يسعى الناس فيه يكون بحيث يكفيهم ، فإذا اقتصر من مضى على موضع يكفي الناس في عصرهم ، ثم ضاق بالناس فصار لا يكفيهم وجب توسعته بحيث يكفيهم ، وإذا وسع الآن بحيث يكفي الناس فقد يجئ زمان يقتضي توسعته أيضا 0
هذا وقد جرى تغيير للمسعى في بعض جهاته في زمن المهدي العباسي ، ففي تاريخ الأزرقي ج2 ص59-60 ، في زيارة المهدي سنة 160 فما بعدها (( ودخلت أيضا دار خيرة بنت سباع الخزاعية ، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها ، وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن يؤخر المسعى )) 0
وفيه ص63 في ذكر زيارة المهدي الثانية (( وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم )) 0
وفيه ص64 (( واشتروا الدور وهدموها ، وهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العائدي ، وجعلوا المسعى والوادي فيها ...)) 0
ويشهد لهذا انحراف المسعى في ذاك الموضع ، وكأنه كان قبل ذلك على خط مستقيم بين الصفا والمروة ، أو أدنى إلى الإستقامة 0
وذكر القطبي في تاريخه ص47 من الطبعة الآولى هذا التحويل ثم قال (( وهنا إشكال لم أر من تعرض له وهو أن السعى بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية التي أوجبها الله علينا في ذلك المحل المخصوص ، ولا يجوز لنا العدول عنه ، ولا تعتبر تلك العبادة إلا في ذلك المكان المخصوص الذي سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وعلى ما ذكره هؤلاء الثقات ادخل ذلك المسعى في الحرم الشريف ، وحول المسعى إلى دار ابن عباد كما تقدم ، وأما المكان الذي يسعى فيه الآن فلا يتحقق انه بعض من المسعى الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره ، فكيف يصح السعي فيه وقد حول عن محله كما ذكر هؤلاء الثقات ؟
ولعل الجواب عن ذلك أن المسعى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عريضا ، وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم ، فهدمها المهدي وادخل بعضها في المسجد الحرام ، وترك بعضها للسعي فيه ، ولم تحول تحويلا كليا وإلا لأنكره علماء الدين من العلماء المجتهدين - رضي الله عنهم أجمعين – مع توفرهم إذ ذاك ، فكان الإمامان أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والإمام مالك موجودين يومئذ ، وقد اقروا ذلك وسكتوا ، وكذلك من صار بعد ذلك الوقت في رتبة الإجتهاد كالإمام الشافعي وأحمد بن حنبل ،وبقية المجتهدين فكان إجماعا ......
وبقي الإشكال في جواز إدخال شيء من المسعى في المسجد ، وكيف يصير ذلك مسجدا ، وكيف حال الاعتكاف فيه ؟
وحله بأن يجعل حكم المسعى حكم الطريق فيصير مسجدا ويصح الاعتكاف فيه ، حيث لم يضر بمن يسعى ، فاعلم ذلك ، وهذا مما انفردت ببيانه ولله الحمد))
أقول: أما أول كلامه فيكفي في الجواب عنه الاعتبار بالمطاف ، للاتفاق على صحة الطواف فيما زيد في المسجد في غير الموضع الذي طاف فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي كان في عهده لا يجوز الطواف إلا فيه 0
أما حدسه أن المسعى كان عريضا فبنيت فيه الدور ، فيخدش فيه أن المسعى لو كان محددا لبعد أن يجترئ الناس على البناء فيه ، وأمرهم العلماء والأمراء حتى يشتري المهدي منهم تلك الدور بأغلى الأثمان 0
ثم على فرض صحة هذا الحدس فلم يجعل المسعى أولا عريضا إلا لترقب أن يكثر الناس فلا يسعهم ما دونه ، وعلى هذا فقد كان يجب أن ينكر أهل العلم فعل المهدي قائلين :إن هذا الذي أبقيت وإن كان يكفي الناس الآن ; فقد يكثرون فيما بعد ويضيق بهم ، ولا يمكن أن يرد إليه هذا الذي تريد إدخاله في المسجد كما يمكن هدم الدور ، لأنه لا يمكن إزالة حكم المسجد ، ولا جعله مسجدا ومسعى معا ، لأن كلا منهما يختص بحكم ، فالحائض ليس لها أن تلبث في المسجد ، ولها اللبث في المسعى ، فلو طافت المرأة للإفاضة طاهرة وبقي عليها السعي فحاضت عقب الطواف ; أمكنها أن تسعى في المسعى وتتم نسكها وتسافر ، ولا يمكنها ذلك في المسجد إلى غير ذلك من الأحكام 0
فلو صح حدس القطبي لدلّ إقرار أهل العلم له على أنهم يرون جواز توسعة المسعى من الجانب الآخر ، فيرون انه إذا ضاق ما أبقاه المهدي من المسعى بالناس أمكن توسعة المسعى من الجهة الأخرى 0 فهذا أيضا يدل على جواز التوسعة كما ترى 0
وقد يقال - بناء على حدس القطبي – لعل أهل العلم إذ ذاك علموا أن المسعى في الأصل ; هو جميع ما بين الصفا والمروة ، وانه لا يمتنع البناء فيما زاد على الحاجة ، فإذا زادت الحاجة هدم من الأبنية ما توفى به الحاجة ، وعلى كل حال لا بد من التوسعة عند الحاجة 0
هذا وان الله – تبارك وتعالى – وضع البيت ولم يكن فيما حوله حق لأحد ، ثم جعل له حمى واسعا وهو (الحرم) الذي لا يحل صيده ولا تعضد شجره ، فهذا الحرم كله من اختصاص البيت ، تقام فيه مصالحه غير انه أذن للناس أن يضعوا أيدهم على ما زاد عن مصالح البيت وينتفعوا به ، على أن مصالح البيت [لوإحتاجت] يوما ما إلى شئ مما بأيدي الناس من الحرم أخذ منهم ، ووفيت به مصالح البيت 0
والى هذا يشير قول عمر للذين نازعوا في بيع دورهم لتوسعة المسجد ، قال (( إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها ، ولم تنزل الكعبة عليكم)) 0 تاريخ الأزرقي ج2ص55
فما حول الكعبة هو من اختصاصها ، ليجعل منه مسجدا يطاف فيه ، ويعتكف ويصلى 0
فإذا جعل بعضه مسجدا صار مسجدا ، وبقي الباقي صالحا لأن يزاد في المسجد عند الحاجة ، فما زيد فيه صار منه 0
وما بين الصفا والمروة من اختصاصهما ، ليجعل منه مسعى يسعى فيه بينهما ، فإذا جعل بعضه مسعى صار مسعى يصح السعي فيه ، وبقي الباقي صالحا لأن يزاد في المسعى عند الحاجة فما زيد فيه صار منه 0
والكعبة هي الشعيرة في الأصل شرع الطواف بها والعكوف عندها والصلاة، وهذه الأمور لا بد لها من موضع فهو ما حولها 0
فالموضع كالوسيلة ليكون فيه الطواف بالكعبة وغيره 0
وهكذا الصفا والمروة هما الشعيرتان بنص القرآن ، فأما ما بينهما فهو بمنزلة الوسيلة ليسعى فيه بينهما ، والوسائل تحتمل أن يزاد فيها بحسب ما هي وسيلة له، كطواف الطائفين وسعي الساعين ، ولا تجب أن تحدد تحديد المشاعر نفسها 0
والله الموفق
قام بنسخه وتبييضه وإثبات نصه محمد بن عبدالله الدوسري
Mad559@hotmail.com


ملحوظه : المخطوطة موجودة في مكتبة الحرم المكي ، وتحت رقم( 4683) ،
وتحت رقم صور (3581) 0
 
التعديل الأخير:

ابي حفص المسندي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
1 يناير 2008
المشاركات
77
التخصص
علوم الحديث
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
أهل الحديث والأثر
أحسن الله إليكم ونفع بكم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على مروركم وعلى مشاركتكم
 
أعلى