هذا الموضوع يتميز بعدة أمور، أجملها فيما يلي:
§ أنه يطرق باباً مستساغاً ومرغوباً لدى مجالس الجامعات.
§ أن كتاب "الإشراف" لابن المنذر قد طبع أخيراً ، فرأى النور، واطمأنت به أفئدة أهل العلم، والكتاب مستوعب للأبواب الفقهية في عشر مجلدات كبار، فكان من حق هذه الكتاب تكريما له ولمصنفه ولمحققه إصدار رسالة في اختيارات ابن المنذر.
يضاف إليه بقية كتب ابن المنذر المطبوعة: الأوسط، الإقناع، الإجماع.
§ أن هذا الموضوع يتناول عالماً له اختيار متميز.
§ أنه يتناول عالماً يعد المصدر الرئيسي لمن جاء بعده في حكاية أقوال أهل العلم.
§ أنه يتناول عالماً يعد المحرر الأول – من جهة السعة - للخلاف والإجماع في الأبواب الفقهية، وهذا بحسب إشرافه واطلاعه وتصنيفه.
§ أنه يتناول عالماً من أعيان أهل الحديث والأثر، له اختيارٌ في الفقه، فهو قريب جداً من الإمام أحمد من حيث التكون والمنهج والمدرسة.
§ أن البحث في مادة ابن المنذر يثري المدرسة الفقهية معلومة وطريقة ودليلاً واستدلالا وغير ذلك.
§ أنه يعطي تصوراً واضحاً لأحد رواد مدرسة فقهاء الحديث، مما يمكن أن يعين في تحديد المعالم الدقيقة لهذه المدرسة أصولاً وفروعاً.
§ أنه يكشف عن منهج ابن المنذر الفقهي والأصولي.
§ أنه يكشف عن المذهب الفقهي الذي ينتحله ابن المنذر، فقد ادعاه الشافعية في جملة أصحابهم من "المحمدين الأربعة"، ولا ريب في استفادة ابن المنذر من كتب الشافعي، لكن أن يكون من جملة أصحاب الشافعي الذين ينتسبون إليه، فهذا يحتاج إلى مراجعة، فهو لم ينتسب له، وإن اختار من أقواله، فقد اختار من أقوال غيره، ولم نجده يتكلف الدفاع عن الشافعي على غرار أصحاب كل مذهب، ولا ريب في أثر الشافعي في أهل الحديث، وافتتانهم به، حتى كان منظرهم الفقهي أمام أهل الرأي، لكن لا يصلح أن يكون هذا الأثر سبباً كافياً لنسبتهم أجمع إلى الشافعي كأتباع مدرسته، بل لو قال قائل إن تأثر ابن المنذر بالشافعي لا يقل بحال عن تأثر أحمد بالشافعي، هذا إن لم يدع مدعي أن تأثر أحمد بالشافعي كان أكثر عدداً في المسائل، وأكبر حجماً في الدلائل، ويحكم في هذا من جهة الصحة والدقة مَنْ تصدى لهذا الموضوع.
§ ومما تفيده دراسة اختيارات ابن المنذر أنها تكشف عن موقفه من الإمام مالك وكيف كان يتخير من أقواله، وما حجم اختيارات ابن المنذر من اختيارات الإمام مالك.
§ وفي دراسة اختيارات ابن المنذر ما يكشف عن موقفه من أهل الرأي، وكيف كان بعيداً في الغالب الكثير عن أقوالهم الفرعية وفي منأىً عن أصولهم المنهجية، وسيأتي ما يدل على مجانبته لأقوالهم.
§ وفي دراسة اختيارات ابن المنذر ما يبشر بإمكانية تحديد المعالم الدقيقة لنظرة ابن المنذر للإجماع، وكم قد أخذ الناسُ عليه، تساهله في حكاية الإجماع، مع أن له منهجاً يدفع كثيرا من هذا الاستدراك فهو مثلاً يحكي الإجماع في بعض المسائل ثم يذكر المخالف ولا يبالي به إما لاضطراب المخالف في الحكاية عنه بأكثر من رواية أو أنه مسبوق بالإجماع قبله أو بعده، أو أنه فاته النص الذي انعقد الإجماع على مقتضاه.
§ في دراسة اختيارات ابن المنذر ما يكشف عن منهجه الدقيق في الاختيار.
§ تكشفُ دراسةُ اختياراته: الأقوالَ التي انفرد بها، أو أنها أقوالٌ لم تكن في جملة المطروق، كما يبدي هذا مدى مخالفة ابن المنذر لأقوال الجمهور، وكم كانت اختياراته قريبة من قول الجمهور.
§ كما تكشف دراسة اختياراته الأقوالَ المفصَّلة، والتي وقع له تحرير الخلاف في أطرافها، وتفصيل القول في شأنها.
§ وفي دراسة اختياراته ما يسفر عن طريقته في عرض المسائل وتبويبها.
§ ثم إن في دراسة اختياراته تصحيح جملة من الأخطاء المطبعية كالخلاف في المعتكف هل له أن يتمشى في بيته، وإنما هو هل يتعشى.
§ ولا غنى لمن تصدى لهذا البحث أن ينظر في استفادة أهل العلم من مادة ابن المنذر سواء كان في باب الإجماع، أو حكاية الخلاف أو الأقوال، أو في ذكر مآخذ الفقهاء، أو في استفادتهم من خصوص اختيارات ابن المنذر.