العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

آيـة الوضــوء

نذير أحمد سالم

:: متابع ::
إنضم
8 سبتمبر 2011
المشاركات
45
التخصص
غير معروف
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
أخذت آية الوضوء حيزاً كبيراً في البحث العلمي وعلى أعلى مستوياته الفقهية ، وتشعب البحث فيها أصولياً ولغوياً ، بل تعدّى ذلك حتى أصبح القول فيها تهمة وأمارة على التشيع[SUP]([1])[/SUP] ، وما يهمنا في هذا المقام هو التعرض للمسائل اللغوية التي رأينا على رغم تعددها أن نجعلها في مكان واحد لارتباطها جميعاً بآية واحدة ودورانها على نفس الفكرة ألا وهي النزاع على غسل الأرجل أم مسحها في الوضوء .
وآية الوضوء هي قول الله تعالى : { يَا أيّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلوةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }(المائدة/6) .
وما أدّى إلى النزاع في مفهوم هذه الآية هي ورود قراءتين مشهورتين ، أحدهما بنصب اللام ( وأرجلَكم ) والأخرى بالخفض ( وأرجلِكم )[SUP]([2])[/SUP] ، فالقائلون بالمسح احتجوا بقراءة الخفض وجعلوا ( أرجلِكم ) معطوفة على ( رؤوسِكم ) فلها نفس حكم المسح ، ومن ذهب إلى القول بغسل الرجلين حاول تخريج هذه القراءة بقضايا لغوية هي محل البحث والنقاش هنا ، وهي :

أولاً : العطف على الجوار
قال النووي في (( المجموع )) (1/418) : [ إن الجر على مجاورة الرؤوس مع أن الأرجل منصوبة ، وهذا مشهور في لغة العرب وفيه أشعار كثيرة مشهورة وفيه من منثور كلامهم كثير ، من ذلك قولهم :( هذا جُحْرُ ضبٍ خَرِبٍ ) ، بجر ( خربٍ ) على جوار ( ضب ) وهو مرفوع صفة لجحر ، ومنه في القرآن : { إني أخاف عليكم عذاب يوم اليم } ، فجر ( أليماً ) على جوار ( يوم ) وهو منصوب ] .
قلت : الإعراب على الجوار من الشاذ الذي لا يُقاس عليه ، ولا يُلجأ إليه ، حتى عدّه بعضهم غلطاً ، ومن أجازه جعله لضرورة الشعر وبشروط ، ونزّه عنه كتاب الله تعالى !! وإليك أئمة العلم ممن صرحوا بذلك :
قال ابن جني في (( الخصائص )) (1/191) : [ فمما جاز خلاف الإجماع الواقع فيه منذ بدء هذا العلم وإلى آخر هذا الوقت ما رأيته أنا في قولهم : ( هذا جُحْرُ ضبٍ خَرِبٍ ) فهذا يتناوله آخر عن أول وتال عن ماض على أنه غلط من العرب لا يختلفون فيه ولا يتوقفون عنه وانه من الشاذ الذي لا يحمل عليه ولا يجوز رد غيره إليه ] .
وقال أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ) في كتابه (( إعراب القرآن )) (1/258) : [ لا يجوز أن يعرب شيء على الجوار في كتاب الله عز وجل وإنما الجوار غلط وإنما وقع في شيء شاذ وهو قولهم : ( هذا جحر ضب خرب ) والدليل أنه غلط قول العرب في التثنية : ( هذان جحرا ضب خربان ) ، ولا يحمل شيء من كتاب الله عز وجل على هذا ولا يكون إلا بأفصح اللغات وأصحها ] ، وقال أيضاً في نفس الكتاب (1/485) : [ وهذا القول غلط عظيم ، لأن الجوار لا يجوز في الكلام أن يُقاس عليه وإنما هو غلط ] .
وقال ابن خالويه في (( إعراب القراءات السبع وعللها )) (1/143) : [ فهو غلط ، لأن الخفض على الجوار لغة لا يستعمل في القرآن ، وإنما يكون لضرورة شاعر ، أو حرف يجري كالمثل ، كقولهم : ( هذا جحر ضب خرب ) ] .
وقال أبو إسحاق الزجاح في (( معاني القرآن وإعرابه )) (2/153) : [ فأما الخفض على الجوار فلا يكون في كلمات الله ] .
ومع انتصار العكبري للعطف على الجوار في آية الوضوء في كتابه (( التبيان في إعراب القرآن )) (1/209) ، إلا أنه اعترف في موضع آخر أنه من الشاذ الذي لا يقاس عليه ، إذ قال في نفس الكتاب (1/92) : [ وقال أبو عبيدة : هو مجرور على الجوار ، وهو أبعد من قولهما لأن الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ ولا يحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة ] .
وقال أبو إسحاق النحوي[SUP]([3])[/SUP] : [ الخفض على الجوار لا يجوز في كتاب الله عز وجل وإِنما يجوز ذلك في ضرورة الشعر ][SUP]([4])[/SUP] .
وقال الأنباري في (( الإنصاف )) (2/615) : [ وقولهم : جُحْرُ ضبٍ خَرِبٍ ، محمول على الشذوذ الذي يُقتصر فيه على السماع لقلته ، ولا يُقاس عليه ، لأنه ليس كل ما حكي عنهم يقاس عليه ، ألا ترى أن اللحياني حكى أن من العرب من يجزم بـ ( لن ) وينصب بـ ( لم ) ، إلى غير ذلك من الشواذ التي لا يلتفت إليها ولا يقاس عليها ، فكذلك ها هنا ، والله أعلم ] .
وقال أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ وقريء { الأيمن } ، قال الزمخشري : بالجر على الجوار ، نحو : جحر ضب خرب ، انتهى . وهذا من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن لا تخرّج القراءة عليه ] .
وقال الرازي ملخصاً مذهب من يقول بالمسح في (( التفسير )) : [ فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : هذا كسر على الجوار كما في قوله : ( جحر ضب خرب ) ، وقوله :
كبير أناس في بجاد مزمل[SUP]([5])[/SUP]
قلنا : هذا باطل من وجوه :
الأول : أن الكسر على الجوار معدود في اللَّحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر ، وكلام الله يجب تنزيهه عنه .
وثانيهما : أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس[SUP]([6])[/SUP] كما في قوله : جحر ضب خرب ، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر ، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل .
وثالثها : أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف[SUP]([7])[/SUP] ، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب[SUP]([8])[/SUP] ، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضاً : إنها توجب
المسح ، وذلك لأن قوله { وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ } فرؤوسكم في النصب ولكنها مجرورة بالباء ، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس ، والجر عطفاً على الظاهر ، وهذا مذهب مشهور للنحاة[SUP]([9])[/SUP] .
إذا ثبت هذا فنقول : ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } هو قوله { وامسحوا } ويجوز أن يكون هو قوله { فاغسلوا } لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى[SUP]([10])[/SUP] ، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } هو قوله : { وامسحوا } فثبت أن قراءة { وَأَرْجُلَكُمْ } بنصب اللام توجب المسح أيضاً ] .
ثانياً : العطف على الجُمَل
قال أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ واختلفوا في تخريج هذه القراءة ، فقيل : هو معطوف على قوله : { وجوهكم وأيديكم إلى المرافق } و { أرجلكم إلى الكعبين } ] .
قلت : وأهل اللغة لا يستسيغون الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما هو أجنبي ، ومن خرّج الآية بعطف الجمل وقع في أسر هذه المشكلة ، وهي وجود
الفاصل ، أي قوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } .
قال ابن عصفور[SUP]([11])[/SUP] في (( شرح الجمل )) (1/259) : [ وأقبح ما يكون ذلك بالجمل ، نحو[SUP]([12])[/SUP] قوله تعالى : { فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } ففصل بين { أرجلكم } وبين المعطوف عليه وهو { وجوهكم } بالجملة ، وهي { وامسحوا برؤوسكم } لأنه ملتبس بالكلام ] .
وقال الطبري في (( تفسيره )) (6/131) : [ فالعطف به على ( الرؤوس ) مع قربه منه أولى من العطف به على ( الأيدي ) وقد حيل بينه وبينها بقوله : { وامسحوا برؤوسكم } ] .

ثالثاً : الاختلاف في معنى الكعب
لقد ذهب ابن تيمية معترضاً على القائلين بمسح الأرجل ، بقوله أن الكعب هو العظم الناتئ جانب الساق ، وغلّط من فسّر الكعب على أنه مجمع الساق والقدم ، وهذا نص كلامه بتمامه :
قال ابن تيمية في (( مجموع الفتاوى )) (21/130) : [ قال : { وأرجلكم إلى الكعبين } ، ولم يقل : إلى الكعاب[SUP]([13])[/SUP] ، فلو قدّر أن العطف على المحل كالقول الآخر ، وأن التقدير أن في كل رجلين كعبين ، وفي كل رجل كعب واحد ، لقيل : إلى الكعاب ، كما قيل : إلى المرافق لما كان في كل يد مرفق ، وحينئذ فالكعبان هما العظمان الناتئان في جانبي الساق ، ليس هو معقد الشراك مجمع الساق والقدم كما يقوله من يروي المسح على الرجلين ، فإذا كان الله تبارك وتعالى إنما أمر بطهارة الرجلين إلى الكعبين الناتئين والماسح يمسح إلى مجمع القدم والساق علم أنه مخالف للقرآن ] .
قلت : والجواب عليه من وجهين ، أولهما في إثبات صحة قول من يقول : أن الكعب هو عظم في ظهر القدم ، وثانيهما في صحة التعبير بـ ( الكعبين ) على قولهم إن في كل رجل كعب ، وفي الرجلين كعبان .
قال ابن منظور في (( لسان العرب )) (1/712) : [ وسأَل ابنُ جابر أَحمدَ بن يحيى عن الكَعْب ، فأَوْمَأَ ثعلب إِلى رِجْله إِلى المفْصل منها بسَبَّابَتِه فوضَعَ السَّبَّابةَ عليه ، ثم قال : هذا قولُ المُفَضَّل وابن الأَعرابي ، قال : ثم أَوْمَأَ إِلى الناتِئَين وقال : هذا قول أَبي عمرو ابن العَلاء والأَصمعي[SUP]([14])[/SUP] ، وكلٌّ قد أَصابَ ...
وذهب قومٌ إِلـى أَنهما العظمانِ اللذانِ فـي ظَهْر القَدم ، وهو مَذْهَبُ الشِّيعة[SUP]([15])[/SUP] ، ومنه قولُ يحيى بن الـحرث :
رأَيت القَتْلـى يومَ زَيدِ بنِ علـيَ فرأَيتُ الكِعابَ فـي وَسْطِ القَدَمِ[SUP]([16])[/SUP] ] .
وأما التعبير بلفظ ( الكعبين ) في الآية على اعتبار أن في كل رجل كعب فلا غبار عليه ، لأن المعنى المراد رِجْلا كل واحد من المخاطبين ، والرجلان فيهما كعبان .
فإن قال قائل : كيف جاز القول : { وأرجلكم } والمراد به رجلان ؟
قلنا : هذا وجه سائغ في العربية ، وهو التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع ، قال سيبويه في (( الكتاب )) (2/48) : [ وسألت الخليل رحمه الله عن : ما أحسَنَ وُجوهَهُما ؟ فقال : لأن الاثنين جميع ] ، وقال المرزوقي في (( الأزمنة والأمكنة )) : [ ويجوز أن يجعل الجميع مستعاراً للتثنية لأن أرباب اللغة قد توسعوا في ذلك ] ، وقال ابن فارس في (( الصاحبي في فقه اللغة )) : [ومن سُنن العرب الإتيان بلفظ الجميع والمراد واحد واثنان ] .
وفي (( المزهر )) (2/171) للسيوطي ما نصه :
[ وإنه لغليظُ الوَجَناتِ وإنما له وَجْنتان ، ويقال : امرأةٌ ذاتُ أوراكٍ ، وإنَّها لبيِّنةُ الأَجياد ، وإنما لها جِيد واحد ، وامرأة حسنة المآكم[SUP]([17])[/SUP] . وقوله[SUP]([18])[/SUP] في وصف بعير :
رُكِّب في ضَخْم الذّفَارى قَنْدَل[SUP]([19])[/SUP]
وإنما له ذِفْرَيان[SUP]([20])[/SUP] .
وقوله[SUP]([21])[/SUP] في وصف ناقة :
تمدّ للمشي أوْصالاً وأصلاباً[SUP]([22])[/SUP]
وإتما لها صُلْب واحد ، وقال العجاج :
عَلَى كراسيعي ومِرْفَقيَّه[SUP]([23])[/SUP]
وإنما له كُرسوعان[SUP]([24])[/SUP] ، وقال أيضاً :
من باكِر الأشْراط أشْرَاطِيُّ[SUP]([25])[/SUP]
وإنما هو شَرَطان[SUP]([26])[/SUP] ] .
قال محمد أمين بن فضل الله المحبّي في مقدمة كتابه (( جنى الجنتين في تمييز نوعي المثنيين )) (ص 8) ما نصه : [ ( ومنها ما ورد بلفظ الجمع والمعني به اثنان ) ، قالوا : (( هو عظيم المناكب )) وإنما له منكبان ، وقالوا : (( رجل ضخم الثنادي )) والثندوة مغرز الثدي ، قال : (( ضخم الثنادي ناشباً مغلابا )) يريد ضخم
الثندوتين ، ويقال : (( رجل ذو أَلَيات ، ورجل غليظ الحواجب ، شديد المرافق ، ضخم المناخر )) ] .
وقال أبو عبيدة في (( مجاز القرآن )) : [ { فَإنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ } ، أي أخوان
فصاعداً ، لأن العرب تجعل لفظ الجميع على معنى الإثنين ، قال الراعي :

أَخُلَيدَ إِنَّ أَباكِ ضافَ وِسادَهُ
طَرَقا فَتِلكَ هَماهِمي أَقريهِما


هَمّانِ باتا جَنبَةً وَدَخيلا
قُلُصاً لَواقِحُ كَالقِسِيِّ وَحولا


فجعل الاثنين في لفظ الجميع ، وجعل الجميع في لفظ الاثنين ] .
ومن الغريب أن ابن تيمية سعى في (( مجموع الفتاوى )) (6/370) لإثبات وضع اسم الجمع موضع التثنية إذ قال هناك : [ إن من لغة العرب أنهم يضعون اسم الجمع موضع التثنية إذا أمن اللبس ، كقوله تعالى : { والسارق والسارق فاقطعوا أيديهما } أي يديهما ، وقوله : { فقد صغت قلوبكما } ، أى قلباكما ][SUP]([27])[/SUP] !!!!
ولا بد أيضاً من التنويه وإعادة التأكيد على أن المسألة خلاف فقهي ، وما يحاوله البعض من تضخيمه ورمي مخالفيه القائلين بالمسح أنه مخالف للقرآن ، ما هو إلا دعوى لا التفات إليها ولا اعتبار لها[SUP]([28])[/SUP] .

الهوامش

([1]) ومن ذلك مثلاً ما نقله ابن تغري بردي (ت 874 هـ) عن بعضهم في (( النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة )) (13/4) أثناء ترجمته للعلامة قَنبر بن محمد العجمي إذ قالوا فيه : [ وكان يتهم بالمسح على رجليه من غير خف ] .
ومن ذلك أيضاً قول ابن الجوزي في (( المنتظم )) (6/172) : [ كان ابن جرير يرى جواز المسح على القدمين ولا يوجب غسلهما فلهذا نسب إلى الرفض ] .
قلت : وابن جرير هو محمد بن جرير الطبري الإمام ، وقوله بمسح الرجلين في الوضوء صرح به في (( تفسيره )) (6/130) عند تفسير آية الوضوء ، فقال : [ والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم ] ، ومن العجائب المستغربات ما ادعاه الدّميري في (( النجم الوهاج في شرح المنهاج )) (1/331) بقوله : [ وهذا المذكور ليس هو محمد بن جرير الإمام ، إنما هو رجل من الشيعة موافق له في الاسم والنسبة ] ، وتابعه على هذا الوهم الألوسي في (( تفسيره )) قائلاً : [ ومثله نسبة التخيير إلى محمد بن جرير الطبري صاحب (( التاريخ )) الكبير (( والتفسير )) الشهير ، وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلفة ، ورواها بعض أهل السنة ممن لم يميز الصحيح والسقيم من الأخبار بلا تحقق ولا سند ، واتسع الخرق على الراقع ، ولعل محمد بن جرير القائل بالتخيير هو محمد بن جرير بن رستم الشيعي صاحب (( الإيضاح للمترشد في الإمامة )) لا أبو جعفر محمد بن جرير بن ( يزيد بن كثيرين ) غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام أهل السنة ، والمذكور في تفسيره هذا هو الغسل فقط لا المسح ولا الجمع ولا التخيير الذي نسبه الشيعة إليه ] . ولعل الألوسي أراد ببعض أهل السنة ممن لم يميز الصحيح والسقيم ، أبا حيان لأنه ذكر ذلك في (( البحر المحيط )) ، والرازي ذكره في (( تفسيره )) ، فالعجب كل العجب من الدميري والألوسي وممن يصرّ إلى الآن على متابعتهما على وهم هذه الدعوى !!!!

([2]) قال القرطبي في (( تفسيره )) (6/96) : [ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة ( وأرجلِكم ) بالخفض ] ، وقال أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر ، وهي قراءة أنس ، وعكرمة ، والشعبي ، والباقر ، وقتادة ، وعلقمة ، والضحاك : ( وأرجلِكم ) بالخفض . والظاهر من هذه القراءة اندراج الأرجل في المسح مع الرأس ... وقرأ نافع ، والكسائي ، وابن عامر ، وحفص : ( وأرجلَكم ) بالنصب ] .

([3]) هو إبراهيم بن عبد الله بن محمد النَّجِيرمي ، أخذ عنه أبو الحسين المهلبي وجنادة اللغوي ، كان مقامه بمصر وله قصة مع كافور الإخشيدي ، ترجمه السيوطي في (( بغية الوعاة )) (1/414) .

([4]) كما ذكر ابن منظور في (( لسان العرب )) ، والزبيدي في (( تاج العروس )) ، والأزهري في (( تهذيب اللغة )) وكلهم أوردوا هذا القول في مادة ( م س ح ) .

([5]) وهو لامرئ القيس في معلقته ، وتمام البيت :
كَأَنَّ ثبيراً في عرانينِ وَبْلِهِ كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ
قال عبد القادر البغدادي في (( خزانة الأدب )) : [ ولم يجعل أبو علي هذا البيت من باب الجر على الجوار ، بل جعل ( مزملاً ) صفة حقيقية لـ ( بجاد ) ، قال : لأنه أراد مزمل فيه ، ثم حذف حرف الجر فارتفع الضمير ، واستتر في اسم المفعول . انتهى . وقال الخطيب التبريزي في (( شرح المعلقات )) : وفي البيت وجه آخر ، وهو أن يكون على قول من قال : كسيت
جبة زيداً ، فيكون التقدير : في بجاد مزمله الكساء ، ثم تحذف كما تقول : مررت برجل مكسوته
جبة ، ثم تكني عن الجبة فتقول : مررت برجل مكسوته ، ثم تحذف الهاء في الشعر . هذا قول بعض البصريين . انتهى ] .
وقال الجرجاني في (( الوساطة بين المتنبي وخصومه )) (ص 6) في باب ( أغاليط الشعراء ) : [ ودونك هذه الدواوين الجاهلية والإسلامية فانظر هل تجد فيها قصيدة تسلم من بيت أو أكثر لا يمكن لعائب القدْح فيه ، إما في لفظه ونظمه ، أو ترتيبه وتقسيمه ، أو معناه ، أو إعرابه ، ولولا أن أهلَ الجاهلية جُدّوا بالتقدم ، واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة ، والأعلام والحجة ، لوجدتَ كثيراً من أشعارهم معيبة مسترذَلة ، ومردودة منفية ، لكن هذا الظنّ الجميل والاعتقاد الحسن ستر عليهم ، ونفى الظِّنة عنهم ، فذهبت الخواطر في الذبّ عنهم كلّ مذهب ، وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام ، وما أراك - أدام الله توفيقك - إذا سمعتَ .... قول امرئ القيس :
كَأَنَّ ثبيراً في عرانينِ وَبْلِهِ كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ
فخفض ( مزملاً ) وهو وصف ( كبير ) ...
ثم تصفحتَ مع ذلك ما تكلّفه النحويون لهم من الاحتجاج إذا أمكن : تارة بطلب التخفيف عند توالي الحركات ، ومرة بالإتباع والمجاورة ، وما شاكلَ ذلك من المعاذير المتمحَّلة ، وتغيير الرواية إذا ضاقت الحجّة ، وتبيّنتَ ما راموه في ذلك من المَرامي البعيدة ، وارتكبوا لأجله من المراكب الصّعبة، التي يشهد القلب أن المحرّك لها ، والباعث عليها شدةُ إعظام المتقدم ، والكلَفُ بنُصرة ما سبق إليه الاعتقاد ، وألِفته النفس ] .

([6]) قال أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ ومن أوجب الغسل تأول أنّ الجر هو خفض على الجوار ، وهو تأويل ضعيف جداً ، ولم يرد إلا في النعت ، حيث لا يلبس على خلاف فيه قد قرر في علم العربية ] ، وقال النيسابوري في (( تفسيره )) : [ حجة من أوجب المسح قراءة الجر في { وأرجلكم } عطفاً على { برؤوسكم } ، ولا يمكن أن يقال : إنه كسر على الجوار كما في قوله : جحر ضب خرب ، لأن ذلك لم يجيء في كلام الفصحاء وفي السعة ، وأيضاً إنه جاء حيث لا لبس ولا عطف بخلاف الآية ] .

([7]) قال ابن هشام في (( شرح شذور الذهب )) (ص 429) : [ في قراءة من جر ( الأرجل ) لمجاورته للمخفوض ، وهو ( الرؤوس ) ، وإنما كان حقه النصب كما هو في قراء جماعة آخرين ، وهو منصوب بالعطف على الوجوه والأيدي وهذا قول جماعة من المفسرين والفقهاء وخالفهم في ذلك المحققون ورأوا أن الخفض على الجوار لا يحسن في المعطوف لأن حرف العطف حاجز بين الاسمين ومبطل للمجاورة ] ، وقال ابن هشام أيضاً في (( مغني اللبيب )) (2/789) : [ ولا يكون في النسق ، لأن العاطف يمنع من التجاور ] .

([8]) قال النووي في (( المجموع )) (1/420) : [ فإن قيل : إنما يصح الإتباع إذا لم يكن هناك واو فإن كانت لم يصح والآية فيها واو ، قلنا : هذا غلط ، فان الإتباع مع الواو مشهور في أشعارهم من ذلك ما أنشدوه :
لم يبق إلا أسير غير منفلت وموثق في عقال الأسر مكبول
فخفض ( موثقاً ) لمجاورته ( منفلت ) وهو مرفوع معطوف على أسير ] .
قلت : ومعنى ( إلا ) في البيت : غير ، وهذا تعاقب في الاستثناء ، فكأنه قال : لم يبق غير أسير ، ولم يبق غير منفلت ، ولم يبق غير موثق ، فهذا عطف على المعنى .
قال المبرد في (( المقتضب )) : [ ( هذا باب تكرير الاستثناء بغير عطف ) ، تقول: ما جاءني أحد إلا زيد إلا عمراً ] .
وأما أن تكون إلا بمعنى غير فهذا مشهور ، قال سيبويه في (( الكتاب )) (2/331) : [ هذا باب يكون فيه ( إلا ) وما بعده وصفاً بمنزلة ( مثل ) و ( غير ) ... ونظير ذلك قول الله عز وجل : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا }(الأنبياء/22) ] ، وقال ابن هشام في (( مغني اللبيب )) (1/83) : [ ( إلا ) بالكسر والتشديد على أربعة أوجه : ... الثاني : أن تكون بمنزلة ( غير ) ] .

([9]) شرح ذلك ابن هشام في (( مغني اللبيب )) (2/545-549) في باب
( أقسام العطف ) ، وقال هناك : [ وهي ثلاثة : أحدها : العطف على اللفظ ، ... ، والثاني : العطف على المحل ، ... ، والثالث : العطف على التوهم ] .

([10]) قال ابن هشام في (( شرح شذور الذهب )) (ص 542) : [ واتفق الفريقان على جواز إعمال أي العاملين شئت ، ثم اختلفوا في المختار ، فاختار الكوفيون إعمال الأول لتقدمة ، والبصريون إعمال المتأخر لمجاورته المعمول وهو الصواب في القياس والأكثر في السماع ] ، وقال ابن جني في (( الخصائص )) (2/354) : [ وعلى هذا القياس أكثر الكلام : أن يعامل الحاضر فيغلب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه ، وهو شاهد لقوة إعمال الثاني من الفعلين لقوته وغلبته على إعمال الأول لبعده ] ، وقال المبرد في (( المقتضب )) : [ فالعرب تختار إعمال
الآخر
، لأنه أقرب ] ، وفي (( اللباب في علل البناء والإعراب )) (1/154) لأبي البقاء العكبري ما نصه : [ والدليل على أن إعمال الثاني أولى السماع والقياس ، فمن السماع قوله تعالى : { يستفتونك قل الله بفتيكم في الكلالة } ، ولو أعمل الأول لقال : فيها ، وقوله تعالى : { آتوني أفرع عليه قطراً } ، ولم يقل : أفرغه ، وقوله تعالى : { هاؤم اقرؤوا كتابيه } ، ولم يقل : اقرؤوه . ومما جاء في الشعر قول الفرزدق :
وَلَكِنَّ نصفاً لَو سَبَبتُ وَسَبَّني بَنو عَبدِ شَمسٍ مِن مَنافٍ وَهاشِمِ
ولم يقل : سبوني ، وهو كثير في الشعر .
وأما القياس فهو أن الثاني أقرب إلى الاسم وإعماله فيه لا يغير معنى فكان أولى ، كقولهم : خشنت بصدره وصدر زيد بحر المعطوف ، وكذا قولهم : مررت ومر بي زيد أكثر من قولهم مر بي ومررت بزيد ، والعلة فيه من وجهين :
أحدهما : أن العامل في الشيء كالعلة العقلية ، وتلك لا يفصل بينها وبين معمولها .
والثاني : أن الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي لا يجوز كقولهم كانت زيدا الحمى تأخذ ، والمعطوف هنا كالأجنبي فأحسن أحواله أن يضعف عمل الأول ] .
ولقد ذهب الأنباري إلى أن إعمال الفعل الثاني أولى وانتصر له وبين فساد أقوال مخالفيه كما تجده في (( الإنصاف )) (1/83-96) .

([11]) هو علي بن مؤمن بن محمد بن علي ، أبو الحسن بن عصفور النحوي الحضرمي الإشبيلي ، ترجمه الفيروزآبادي في (( البلغة )) (ص 160) ، وقال عنه السيوطي في (( بغية الوعاة )) : [ حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس ] ، توفي سنة 669 هـ وقيل 663 هـ .

([12]) أي أن ابن عصفور يستبعد أن تُخرّج الآية الكريمة على القول بعطف الجمل لقبح هذا التخريج عنده ، ولا تعني عبارته بحال أنه يستقبح كلام الله عزوجل ، والعياذ بالله تعالى !!! وقد أوضح مراده أبو حيان الأندلسي في (( البحر المحيط )) فقال : [ وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور : وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، قال : وأقبح ما يكون ذلك بالجمل ، فدل قوله هذا على أنه ينزه كتاب الله عن هذا التخريج ] .

([13]) لا حجة لابن تيمية في ذلك ، فقد تطلق التثنية ويُراد بها الجمع ، قال أبو حيان في (( ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب )) (2/582) ( باب جمع المذكر السالم ) : [ وأما التثنية فجاءت ويُراد بها المفرد ، ... ، وجاءت ويُراد بها أكثر من اثنين ، كقوله تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين } ، أي كرّات ] .

([14]) تضاربت الرواية عن الأصمعي ، فمنهم من يراه يقول خلاف ذلك وينسبون له القول بأن الكعب في ظهر القدم خلافاً لما ذكره ابن منظور هنا ، قال الصفدي في (( تصحيح التصحيف وتحرير التحريف )) : [ وروى أبو حاتم عن الأصمعي أن الكَعْبَ ما بين المِنْجَمَين الغائص في ظهر القدم ] ، وقال الرازي في (( تفسيره )) : [ وكان الأصمعي يختار هذا القول ويقول : الطرفان الناتئان يسميان المنجمين . هكذا رواه القفال في تفسيره ] .

([15]) لا يُعد هذا القول مختصاً بالإمامية ، بل هو أمر لغوي عليه أئمة من أهل اللغة ووافقهم جماعة من أهل الفقه ، وإلى ذلك أشار الرازي في (( تفسيره )) بقوله : [ وقالت الإمامية وكل من ذهب إلى وجوب المسح : إن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب البقر والغنم موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم ، وهو قول محمد بن الحسن رحمه الله ] .

([16]) وذكره الزبيدي في (( تاج العروس )) ( مادة ك ع ب ) ، وابن الأثير في (( النهاية في غريب الحديث والأثر )) (4/179) ، والمحبي في (( جنى الجنتين )) (ص 96) .

([17]) قال الفيروزآبادي في (( القاموس المحيط )) : [ والمَأْكَمُ والمَأْكَمَةُ ، وتُكْسَرُ كافُهُما : لحمة على رأس الورك وهما اثنتان ، أو لحمتان وَصَلَتا بين العَجُزِ والمَتْنَيْنِ ] .

([18]) القائل هو أبو النجم العجلي ، شاعر أموي ، قال عنه الصفدي في (( الوافي بالوفيات )) : [ أبو النجم الشاعر ، الفضل بن قدامة العجلي الراجز ، من طبقة العجاج في الرجز ، وربما قدمه بعضهم على العجاج ، له مدائح في هشام بن عبد الملك ، توفي في حدود العشرين ومائة ] .

([19]) ذكره ابن جني في (( الخصائص )) (1/271) ، وابن منظور في (( لسان العرب )) (11/570) ، والزبيدي في (( تاج العروس )) ( مادة قندل ) ، ونسبوه لأبي النجم ، وذكره ابن سيده في (( المخصص )) بلا نسبة ، وقد عقد ابن سيدة هناك في ذلك باباً أسماه : ( باب ما جاء مجموعا وإنما هو اثنان أو واحد في الأصل ) .

([20]) جاء في (( لسان العرب )) : [ الذِّفْرَى من القفا : هو الـموضع الذي يَعْرَقُ من البعير خـلف الأُذن ، وهما ذفْرَيانِ من كل شيء ] .

([21]) هو الوليد بن عدي بن حجر الكندي .

([22]) وهذا عجز بيت ، وصدره : كأن هامتها قبر على شرف ، ذكره ابن حمدون في (( التذكرة الحمدونية )) ، والشهاب الخفاجي في (( ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا )) وكلاهما نسبه للوليد بن عدي ، وممن ذكره أيضاً ابن سيدة في (( المخصص )) ، وأبو أحمد العسكري (ت 382 هـ) في (( المصون في الأدب )) دون نسبة .

([23]) ذكره ابن السكيت في (( الكنز اللغوي )) ، والزبيدي في (( تاج العروس )) ( مادة كرسع ) ، ونسبوه للعجاج ، وذكره أيضاً ابن قتيبة في (( غريب الحديث )) (3/751) ، وابن سيدة في (( المخصص )) دون نسبة .

([24]) قال ابن منظور في (( لسان العرب )) (8/309) : [ الكُرْسُوعُ : حرف الزَّنْدِ الذي يلـي الـخِنْصِر ، وهو الناتئُ عند الرُّسْغِ ] ، وقد قال أحدهم نظماً :
وعظم يلي الإبهام كوعٌ وما يلي
وعظم يلي إبهام رجل ملقب
لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط
ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط



([25]) ذكره الأزهري في (( تهذيب اللغة )) ، والصاغاني في (( العباب الزاخر )) ، وابن منظور في (( لسان العرب )) ، والزبيدي في (( تاج العروس )) ، كلهم في ( مادة شرط ) ، وذكره ابن دريد في (( جمهرة اللغة )) ( مادة ر ش ط ) ، والمرزوقي في (( الأزمنة والأمكنة )) ، وورد أيضاً في كتاب (( العين )) ، وكلهم نسبوه للعجاج ، وقد ذُكر البيت أيضاً في (( المخصص )) لابن سيدة ، و (( أساس البلاغة )) للزمخشري .

([26]) قال ابن منظور في (( لسان العرب )) (2/212) : [ ولكل برج اسم علـى حدة ، فأَوَّلها الـحَمَلُ ، وأَوَّلُ الـحَمَلِ الشَّرَطانِ ، وهما قرنا الـحمل كوكبان أَبـيضان إِلـى جنب السَّمكة ] .

([27]) قال ابن تيمية هنا بجواز إطلاق لفظ الجمع على المثنى ليثبت أن في مثل قول الله تعالى : { تجري بأعيننا } ، وقوله ، { عملت أيدينا } حجة له على وصف الله بيدين اثنتين وعينين اثنتين !!
ويرى الكثير من أهل اللغة أن الصحيح في هاتين الآيتين أنهما حجة لمن قال : إن ما كان مثنى من مثنى فالأولى جمعه ، فالقلبان في الامرأتين جُمعا ليكونا ( قلوبكما ) واليدان من السارقين جمعهما أولى بـ ( أيدي ) ، وهكذا .
قال سيبويه في (( الكتاب )) (2/49) : [ وقالوا : وضعا رِحالَهما ، يريد : رحلَيْ راحلتين . وحدُّ الكلام أن يقول : وضعتُ رحلي الراحلتين ، فأجرَوه مجرى شيئين من شيئين ] ، وقال أبو حيان التوحيدي في (( البصائر والذخائر )) : [ قال سيبويه : كل اثنين من اثنين فجمعهما أجود ، تقول : ضربت رؤوسهما ، لأن رأس كل واحد منه ، وتقول : أخذت ثوبيهما لأنهما ليسا منهما ، قال الله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } ، { فاقطعوا أيديهما } ] ، وقال المرزوقي في (( شرح ديوان الحماسة )) : [ لكونهما اثنين من اثنين ، فجرى مثل قوله تعالى: { فقد صغت قلوبكما } ] .
وأنكر أبو حيان في (( البحر المحيط )) على من احتج بهذه الآية ليثبت إطلاق لفظ الجمع على المثنى ، فقال : [ لأن باب { صغت قلوبكما } يطرد فيه وضع الجمع موضع التثنية ، وهو ما كان اثنين من شيئين ، كالقلب والأنف والوجه والظهر ، وأمّا إن كان في كل شيء منهما اثنان كاليدين والأذنين والفخذين فإن وضع الجمع موضع التثنية لا يطرد ، وإنما يحفظ ولا يقاس عليه ] .

([28]) ومع كل ما بيناه في موضوع الكعب ، إلا أن القائلين بالمسح لا ينتقض مذهبهم حتى لو ألزمهم المخالفون أن في كل رجل كعبين ، قال الرازي في (( تفسيره )) : [ أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق ، إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين ، وحينئذ لا يبقى هذا السؤال ] .
 

د. محمد بن عمر الكاف

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
20 مايو 2009
المشاركات
326
التخصص
فقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

أتفق مع الشيخ نذير في كل ما قال
وينبغي أن نشجع مثل هذه البحوث المجردة العلمية المنهجية
فهي التي تضيف جديدا وتصحح أوهاما تناقلها العلماء بسبب عدم التثبت واعتماد كل علىما نقله قبله
أما أن نضع النتيجة ونحاول الانتصار لها وحشد الأدلة
ونضعف رأي مخالفنا مهما حصل على رأي (عنزة ولو طارت)
فهذه آحدى الأمراض المتفشية في بحوثنا الشرعية
أسأل الله السداد والتوفيق للجميع
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

للتوضيح فقط
عزيزي أحمد الرفاعي
دع الحق قبلتك ، والدليل وجهتك ، ولا يرهبنك قولهم : هذا رأي الرافضة أو ذاك قول جهم ، أو تلك مقالة الاعتزال !!!! فهذه كلها عقبات في طريق النهضة الإسلامية الحقة ، والسائر فيها حرم خيراً كثيراً !!!!!
إعرف الحق تعرف أهله !!! وليكن الدليل حكماً وفيصلاً !!! هذا من ناحية
أما من ناحية أخرى فأنا لم أنتصر لرأي أحد وليس هذا مقصدي ومرادي !!! وإنما قلتها وأعيدها أن هذا بحث لغوي مجرد ، لا يمكن للباحث أن يكتفي به إطلاقاً حتى يصل إلى حكم المسألة ، فهناك السنة والروايات الحديثية ، وقواعد أصول الفقه وأقوال اهل العلم ، كل ذلك يجدر بالباحث ان يأخذه بعين الاعتبار قبل ان يصل إلى حكم المسألة !!!
أرجو ان لا يساء فهمي
بارك الله في الجميع

أرجو أن لاتكون كلماتي أغضبتك أو أزعجتك، فما قصدت الانتقاص منك ولا من غيرك.
ولم أقصد أن أناقش المسألة، وإنما حرصت على وضع محددات لها ، وإن أسعفني الوقت يسعدني أن أشارك ولو بالقليل.
ما قصدته وأرجو أن أكون قد وُفقت في تبليغه ، هو أن الباب في بعض المسائل واسع ، فلا يجمل أن نحمل الجميع على رأي واحد، وأحببت أن أؤكد على هوية هذا الملتقى ، فهو سُنّيّ يرعى مذاهب أهل السنة والجماعة المعتبرة ، ويحافظ على مدارسها الفقهية.

أما ما ذكرته بارك الله فيك من نبذ التعصب ، ومعرفة الرجال بالحق ، فهو منهجي الذي أدين الله تعالى به.
وننتظر منكم الأبحاث الجادة ، والفوائد الطيبة.
ودمتم للملتقى مفيدا ومستفيدا .
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

أتفق مع الشيخ نذير في كل ما قال
وينبغي أن نشجع مثل هذه البحوث المجردة العلمية المنهجية
فهي التي تضيف جديدا وتصحح أوهاما تناقلها العلماء بسبب عدم التثبت واعتماد كل علىما نقله قبله
أما أن نضع النتيجة ونحاول الانتصار لها وحشد الأدلة
ونضعف رأي مخالفنا مهما حصل على رأي (عنزة ولو طارت)
فهذه آحدى الأمراض المتفشية في بحوثنا الشرعية
أسأل الله السداد والتوفيق للجميع

الأخ الحبيب الشيخ محمد وفقه الله.
ما وقفت ولن أقف أمام البحوث الجادة والدراسات العلمية المثمرة .
وما وضعت رأيا مسبقا ، وجندت له الأدلة والأقوال ، وإنما رأيت الباب واسعا فما أحببت أن تحجر السعة، وأحببت التأكيد على هوية هذا الملتقى وسياسته.
ومسكينة تلك العنزة ، ومحظوظ ذلك الغراب.
وسلمت لمحبك.
 
التعديل الأخير:

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: آيـة الوضــوء

إخواني الكرام، جزاكم الله خيرا على هذا النقاش الحافل بالفوائد
ثمة مسألة هنا تتعلق بقواعد علم النحو العربي هل هي حاكمة على كلام العرب أم كلام العرب حاكم عليها؟
وهي مسألة منهجية مهمة طَرَقها فحول اللغويين المعاصرين لعل أبرزهم د. تمام حسان في كتابه: النحو العربي بين المعيارية والوصفية، وكذا تطرق إليها في كتابه البديع: اللغة العربية مبناها ومعناها.
وقد خلص إلى أن قواعد النحو العربي التي اهتم بها النحاة كانت معيارية أكثر منها وصفية. وهذا هو عكس المطلوب في علم النحو؛ إذ المطلوب أن يصف اللغة كما هي عليه لا أن يضع معايير للحكم عليها ومحاكمتها. وقد كان هاجس النحاة في قواعدهم المحافظة على العربية من اللحن بسبب دخول الأعاجم، وهذا كان سببا كبيرا في النزعة المعيارية التي تسيطر على أبحاثهم وإلى تركيزهم على الإعراب والعلامة الإعرابية كأهم قرينة لتبيُّن المعنى، وهذا ما خالف فيه تمام حسان، وذكر أن الإعراب إنما هو واحدة من قرائن كثيرة يتبين بها المعنى، وإن العرب تتساهل فيه إذا وضح المعنى بغيره وما عده بعض النحويين شذوذات في بعض قراءات القرآن وكلام العرب ليس شذوذا في نفس الأمر بل هو طبيعة في اللغة نفسها أنه حيث يتبين المعنى يتساهل في بعض القرائن ومنها العلامة الإعرابية...الخ.
هذا ما أذكره وعهدي بالكتاب قديم جدا فحبذا لو يقرأه أحدنا وينشر لنا خلاصته
ولعلنا لا نغفل أن قواعد العربية قواعد أغلبية لا كلية كقواعد الفقه تماما كما أشار إلى ذلك الشاطبي رحمه الله تعالى.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

فيما يتعلق بالموضوع خاصة أقول :
أما قولي
[FONT=&quot قال:
نذير أحمد سالم;79492]زعمك أن ما ذهب إليه أهل العلم من كون (مزملاً [/FONT]) صفة لـ (بجاد ) : [ وجوه هي أضعف وأقل شواهداً ] !!! فأنى لك هذا
في الحقيقة لم يكن هذا دعوى مني ، بل طلب ، أما الدعوى فهي في قولي :
[FONT=&quot قال:
وضاح أحمد الحمادي;79473]لكن لا بُدَّ أيضاً عند مناقشة هذه الشواهد أن لا تأول إلى وجوه هي أضعف وأقل شواهداً من مسألتنا (الجر بالمجاورة[/FONT]) ، كالأوجه التي لجأ إليها ابن جني والسيرافي ثم أبو علي الذي ذكرته
حيث زَعَمْتُ أن الوجوه التي اعتمدها السيرافي وأبو علي وابن جني أضعف من الحمل على الجر بالمجاورة .
أما دليلي ، فقد قدمته وكأنكم لم تنتبهوا له ، وهو أن شواهد القول بالمجاورة كثير وأنه قد قال به الجمهور ، بينما الوجهين المذكورين لم يقل بهما إلا بعض البصريين ، ولا شاهد على صحتها أصلاً.
وبيان ذلك أنك حين نقلت الوجه الذي ذكره أبو علي وهو حمل (مزمل) على أنه صفة لـ (بجاد) ظننت أنا أنك قد ميزت وجه الحمل ، وذلك أن التقدير (في بجادٍ مزمل ثبيرٌ فيه) فحذف حرف الجر وأقيم الضمير مقامه واستتر في أسم المفعول (مزمل) بعد حذف (ثبير) للعلم به ، وبما أني لست من المختصين بهذا الفن ولم أصرف له عناية خاصة به ، ظننت أن الأمر إن كان واضحاً يسير الفهم في نظري فهو في غاية الجلاء بالنسبة لك.
ولما كان الوجه الذي ذكره السيرافي وابن جني في قوله (جحر ضب خرب) هو بعينه الوجه الذي ذكره أبو علي في قول امرئ القيس (في بجادٍ مزمل) كان في الرد عليهما رد عليه ، وأعيده فأقول :
وجه أبو علي البيت على أن (بجاد) صفة لـ (مزمل) كما وجه السيرافي (خرب) على أنه صفة لـ (ضب) وكلاهما قال بحذف حرف الجر وإقامة الضمير مقامه ، ثم قال أبو علي حذف الضمير للعلم به وقال السيرافي بأنه استتر في اسم المفعول .
فهذا وجه واحد فقط ، فرد أحدهما رد على الآخر. والوجه الذي ذهب إليه ابن جني هو بعينه هذه لكن على معنى الإضافة والجميع قد رده ابن هشام والسيوطي بما لا حاجة إلى إعادته.
أرجو أن يكون ذلك قد تجلى.
أما في ردكم الأول علينا فحاصل قولكم هو كما نقل عن بعض الفقهاء (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم ولم يذكر الخراءة فيه) ، إذ أن الوجه الذي رده ابن هشام والسيوطي هو بعينه الوجه الذي اعتمده أبو علي ، غير أن السيرافي نص على هذا الوجه في (جحر ضب خرب) ونص عليه أبو علي في (في بجاد مزل) فالواقع في البركتين واحد.
أما ما تبقى من كلامكم ، فيؤسفني حقيقة ولا أستحسن توجيه الكلام إليه لا سلباً ولا إيجابا. والاقتصار على الكلام في الشواهد أفضل.
فهلا أتيتمونا بوجه آخر غير حمل الصفة على غير من هي له وحذف أو ستر ضمير مع عدم أمن اللبس وضعف الصفة فنناقشه؟
 

د. محمد بن عمر الكاف

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
20 مايو 2009
المشاركات
326
التخصص
فقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

الى فضيلة الشيخ أبي بكر باجنيد حفظه الله
في الحقيقة لا أرى في كلامه فهما غالطا لابن تيمية
وكلام الطبري واضح في أن الذي جعل المسح شاملا للغسل هو السنة وليس مجرد الوضع اللغوي
والله أعلم ورفقا بنا ياأستاذنا وكأني بك انزعجت من موافقتي للأخ نذير
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: آيـة الوضــوء

الى فضيلة الشيخ أبي بكر باجنيد حفظه الله
في الحقيقة لا أرى في كلامه فهما غالطا لابن تيمية
وكلام الطبري واضح في أن الذي جعل المسح شاملا للغسل هو السنة وليس مجرد الوضع اللغوي
والله أعلم ورفقا بنا ياأستاذنا وكأني بك انزعجت من موافقتي للأخ نذير
كلاكما يطلب مني الرفق (ابتسامة) فهل أنا غليظ ويبدو في حروفي انزعاج أو قسوة؟! (ربما)
لم تزعجني -شيخنا محمد- موافقتك إياه، وإنما عجِبتُ للكلية في الموافقة التي نطقت بها عبارتك، دون تمييز بين ما قد يُقبَل وما ليس مقبولاً من أصله.

ولنبدأ بكلام الإمام ابن جرير: فابن جرير يوجه قراءة نصب (( وأرجلَكم )) على أن المراد بها تعميم الرجلين بإمرار الماء عليهما، ثم ضم إلى ذلك ما جاء في قراءة الخفض، وكما قال: ولما قلنا في تأويل ذلك: إنه معنيٌّ به عموم مسح الرجلين بالماء.. كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده أو بما قام مقام اليد. أهـ
وقال: لأن في عموم الرجلين بمسحهما بالماء: غسلهما، وفي إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما: مسحهما. أهـ ثم اعتضد بالحديث على ما ذكر من تفسير الآية. فهل هذا يعني أن قراءة النصب -وهي قرآن بلا خلاف كما الأخرى- لم تدل على ذلكم المعنى الذي في حديث: "ويل للأعقاب"؟ إن هذا ليس في كلام ابن جرير، وليس يُفهم منه من قبيل ولا دبير. والله أعلم.
 
التعديل الأخير:

نذير أحمد سالم

:: متابع ::
إنضم
8 سبتمبر 2011
المشاركات
45
التخصص
غير معروف
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

اللغة تحكم على صحة القراءة أو شذوذها



وقد اشترط القُرَّاء لصحة القراءة والعمل بها أن توافق اللغة ولو بوجه من الوجوه ، قال ابن الجزري في (( طيبة النشر )) :
فكل ما وافق وجه نحو وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسناداً هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت شذوذه لو أنه في السبعة


وقال شمس الدين القباقبي (ت 849 هـ) في مقدمة كتابه (( إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز )) (ص 63) ما نصه : [ لأن القراءة المقبولة المعمول بها عند أئمتنا ما صحت نقلاً ، ووافقت عربية بوجه أفصح أو فصيح ، ورسماً تحقيقاً أو تقديراً أو احتمالاً[SUP]([1])[/SUP] ] .
وهذا يعني أن اللغة تحكم قبول القراءة أو ردها ، فكيف بنا نجعل القراءة وحتى الشاذة دليلاً في اللغة ؟! ألا يلزم بذلك الدور ؟!!
ولا بد لنا من التدقيق في أبيات ابن الجزري التي أجاز فيها ردّ القراءة وحتى لو كانت معدودة في السبع ، إذا ما اختل ركن من أركانها ، واللغة إحدى هذه الأركان .
وقد رد كثير من الأئمة قراءات لمخالفتها اللغة ، وعلى رأسهم جهابذة علماء أهل السنة ، فهذا الإمام الطبري يقول في (( تفسيره )) (8/43) عند تفسير قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَولادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ }(الأنعام/137) ، ما نصه :
[ وقرأ ذلك بعض قراء أهل الشام : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ } بضم الزاي ، { لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ } بالرفع ، { أَوْلادَهُمْ } بالنصب، { شُرَكَائِهِمْ } بالخفض ، بمعنى : وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ شركائِهم أولادَهم ، ففرّقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم . وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح ... قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز غيرها : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } ] .
وهذه القراءة التي وصفها ابن جرير بأنها من قبيح كلام العرب وغير فصيحة ولم يستجزها ، هي قراءة ابن عامر من القراء السبعة[SUP]([2])[/SUP] ، كما ذكر ذلك القرطبي في (( تفسيره )) (7/91) .
وقد رد قراءة ابن عامر هذه أيضاً البيضاوي في (( التفسير )) بقوله : [ وقرأ ابن عامر { زُيّنَ } على البناء للمفعول الذي هو القتل ، ونصب الأولاد ، وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولاً بينهما بمفعوله ، وهو ضعيف في العربية معدود من ضرورات الشعر ] .
وذكر ضعف هذه القراءة الإمام الرازي في (( تفسيره )) فقال : [ أما وجه قراءة ابن عامر فالتقدير : زُيّنَ لكثير من المشركين قتلُ شُرَكَائِهِم أولادَهم ، إلا أنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به وهو الأولاد ، وهو مكروه في الشعر ... وإذا كان مستكرهاً في الشعر فكيف في القرآن الذي هو معجز في الفصاحة ][SUP]([3])[/SUP] .
وكم من قراءة معدودة في المتواترات اعترض عليها أهل العلم من مفسرين ونحويين وغيرهم ، فردوها وعدّوها لحناً[SUP]([4])[/SUP] ، ولو تتبعنا كتب التفسير والقراءات لخرجنا بسفر كبير من أمثال هذا .
وكل من ادّعى حجية القراءة وحتى الشاذة على اللغة ، فلم يأت بدليل ، وجلّ ما احتج به أن يقول : رأينا أهل النحو واللغة يحتجون بذلك في مصنفاتهم !! وهذا لا يُعدّ دليلاً ! وغاية الأمر أن أهل اللغة تعاملوا معها كنصوص من القرن الأول وجعلوها تحت البحث كأي شاهد ، فما وافق القواعد الكلية احتجوا به وقبلوه وما خالف ردّوه ورفضوه ، ولا أدل على ذلك من اعتراضهم على بعض ما قيل أنه متواتر من القراءات[SUP]([5])[/SUP] .

الهوامش

([1]) لقد نص أهل العلم على أن موافقة رسم المصحف ركن من أركان القراءة المقبولة ، وقد تجاوز ابن القيم ذلك واكتفى بصحة السند وموافقة اللغة ، فقال في (( إعلام الموقعين )) (4/263) : [ وكذلك لا يجب على الإنسان التقيد بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين ، بل إذا وافقت القراءة رسم المصحف الإمام وصحت في العربية وصح سندها جازت القراءة بها وصحت الصلاة بها اتفاقاً بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان وقد قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده جازت القراءة بها ولم تبطل الصلاة بها على أصح الأقوال ] .
قلت : وقد سبق ابنَ القيم بهذا القول ابنُ شَنْبُوْذ المقرئ (ت 328 هـ) ، فزعم جواز القراءة بما يُخالف رسم المصحف ، فأنكر عليه العلماء واستتابوه ، انظر ترجمة ابن شنبوذ في (( الوافي بالوفيات )) للصفدي ، و (( معجم الأدباء )) لياقوت .

([2]) جمع بعضهم أسماء القراء السبعة بقوله :
فنافع وابن كثير وعاصم وحمزة ثم أبو عمرو همو
مع ابن عامر أتى الكسائي أئمة السبع بلا امتراء

([3]) ولقد أنكر الزمخشري هذه القراءة في (( الكشاف )) ولأجل ذلك قال عنه أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة ] ، وهذا والله تحامل عظيم ، فهل يُقال لإمام في النحو كالزمخشري أنه ضعيف في النحو !!! وأما عُجمة عِرْقه ونَسَبِه فلا تضر ، فكم من إمام في العربية يُرجع إليه ويُتمسك به وهو أعجمي النسب عربي اللسان !!!
وفضلاً عن تمكن الزمخشري من العربية وعلومها فقد كان ذا باع في علم القراءات وله في ذلك كتاب (( الكشف في القراءات )) ، ومنه نسخة خطية في مكتبة رباط سيدنا عثمان تحت رقم ( قراءات 59 ) ، كما ذُكر ذلك في مجلة (( مجمع اللغة العربية )) بدمشق (8/758) . وقد وقع خطأ في فهرس (( مخطوطات القراءات )) (ص 165) الصادر عن المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية فذُكر هناك اسم مخطوط الزمخشري هذا ، وأنه في رباط سيدنا عثمان في الرياض ، والصواب أنه في المدينة المنورة .

([4]) وقد أنكر جماعة من أهل العلم قراءة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي (ت 158 هـ) ، وهو أحد أئمة السبعة ، قال المزّي في (( تهذيب الكمال )) (7/317) : [وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن سليمان بن أبي شيخ : كان يزيد بن هارون أرسل إلى أبي الشعثاء بواسط : لا تقرئ في مسجدنا قراءة حمزة . وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : سمعت أحمد بن سنان يقول : كان يزيد يكره قراءة حمزة كراهية شديدة ، قال : وسمعت أحمد بن سنان يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره وبطنه ] .
وقال الذهبي في (( ميزان الاعتدال )) (2/378) : [ وكان يزيد بن هارون ينهى عن قراءة حمزة ، رواه سليمان بن أبى شيخ وغيره عنه .
وقال أحمد بن سنان القطان : كان يزيد بن هارون يكره قراءة حمزة كراهية شديدة ، وسمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره .
وكان أحمد بن حنبل يكره قراءة حمزة .
وحكى زكريا الساجي أن أبا بكر بن عياش قال : قراءة حمزة بدعة ، يزيد ما فيها من المد المفرط والسكت وتغيير الهمز في الوقف والإمالة وغير ذلك .
وكذا جاء عن عبدالله بن إدريس الأودي وغيره التبرم بقراءة حمزة .
وقال الفسوي : حدثنا الحميدى عن الحويطبي وآخر أحدهما عن حماد بن زيد والآخر عن أبى بكر بن عياش ، قال أحدهما : قراءة حمزة بدعة ، وقال الآخر : لو صلى بي رجل فقرأ بقراءة حمزة لأعدت صلاتي ] .

([5]) ومن أغرب وأعجب ما رأيت قول الصبان في حاشيته على (( شرح الأشموني )) (2/354) : [ قال البعض : وذكر السعد أنه لا يمتنع إجماع السبعة علـى الـمرجوح كقوله تعالـى : {وجمع الشمس والقمر}(القـيامة/9) ، لأن الـمختار جمعت لكون الفاعل مؤنثاً غير حقـيقـي بلا فاصل ] .
قلت : وقد ذهب البعض إلى التشكيك بتواتر القراءات ، قال الزركشي في (( البرهان )) (1/319) : [ أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر ، فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات وهى نقل الواحد عن الواحد لم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة ، وهذا شيء موجود في كتبهم وقد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه (( المرشد الوجيز )) إلى شيء من ذلك ] ، وقد ردد الزركشي نفس العبارة هذه في كتابه (( البحر المحيط )) .
وقال رضي الدين الأستراباذي في شرحه على (( الكافية )) (2/261) : [ ولا نسلم تواتر القراءات السبع ] .
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

قد آل الموضوع إلى أمر قبيح ، فكأنك تريد أن تجعل القراءة بفتح (وأرجكلم) شاذة ، مع أنك لم تأتِ ببرهان على ضعف القول بالجر على الجوار ولا الفصل بين المعطوف وما عطف عليه بجملة . بل لم تكتفِ بذلك حتى أخذت تشكك في تواتر القراءات جملة ، مع أن هذا ليس الموضوع كما هو موضح من عنوانه (آية الوضوء) ، وبخاصة أن هذه الآية خاصة وبقراءة الفتح قد ثبت فيها التواتر . وقد قيل : إثبت العرش ثم انقش.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

اللغة تحكم على صحة القراءة أو شذوذها







وقد اشترط القُرَّاء لصحة القراءة والعمل بها أن توافق اللغة ولو بوجه من الوجوه ، قال ابن الجزري في (( طيبة النشر )) :
فكل ما وافق وجه نحو وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسناداً هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت شذوذه لو أنه في السبعة






وقال شمس الدين القباقبي (ت 849 هـ) في مقدمة كتابه (( إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز )) (ص 63) ما نصه : [ لأن القراءة المقبولة المعمول بها عند أئمتنا ما صحت نقلاً ، ووافقت عربية بوجه أفصح أو فصيح ، ورسماً تحقيقاً أو تقديراً أو احتمالاً[SUP]([1])[/SUP] ] .
وهذا يعني أن اللغة تحكم قبول القراءة أو ردها ، فكيف بنا نجعل القراءة وحتى الشاذة دليلاً في اللغة ؟! ألا يلزم بذلك الدور ؟!!
ولا بد لنا من التدقيق في أبيات ابن الجزري التي أجاز فيها ردّ القراءة وحتى لو كانت معدودة في السبع ، إذا ما اختل ركن من أركانها ، واللغة إحدى هذه الأركان .
وقد رد كثير من الأئمة قراءات لمخالفتها اللغة ، وعلى رأسهم جهابذة علماء أهل السنة ، فهذا الإمام الطبري يقول في (( تفسيره )) (8/43) عند تفسير قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَولادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ }(الأنعام/137) ، ما نصه :
[ وقرأ ذلك بعض قراء أهل الشام : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ } بضم الزاي ، { لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ } بالرفع ، { أَوْلادَهُمْ } بالنصب، { شُرَكَائِهِمْ } بالخفض ، بمعنى : وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ شركائِهم أولادَهم ، ففرّقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم . وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح ... قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز غيرها : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } ] .
وهذه القراءة التي وصفها ابن جرير بأنها من قبيح كلام العرب وغير فصيحة ولم يستجزها ، هي قراءة ابن عامر من القراء السبعة[SUP]([2])[/SUP] ، كما ذكر ذلك القرطبي في (( تفسيره )) (7/91) .
وقد رد قراءة ابن عامر هذه أيضاً البيضاوي في (( التفسير )) بقوله : [ وقرأ ابن عامر { زُيّنَ } على البناء للمفعول الذي هو القتل ، ونصب الأولاد ، وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولاً بينهما بمفعوله ، وهو ضعيف في العربية معدود من ضرورات الشعر ] .
وذكر ضعف هذه القراءة الإمام الرازي في (( تفسيره )) فقال : [ أما وجه قراءة ابن عامر فالتقدير : زُيّنَ لكثير من المشركين قتلُ شُرَكَائِهِم أولادَهم ، إلا أنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به وهو الأولاد ، وهو مكروه في الشعر ... وإذا كان مستكرهاً في الشعر فكيف في القرآن الذي هو معجز في الفصاحة ][SUP]([3])[/SUP] .
وكم من قراءة معدودة في المتواترات اعترض عليها أهل العلم من مفسرين ونحويين وغيرهم ، فردوها وعدّوها لحناً[SUP]([4])[/SUP] ، ولو تتبعنا كتب التفسير والقراءات لخرجنا بسفر كبير من أمثال هذا .
وكل من ادّعى حجية القراءة وحتى الشاذة على اللغة ، فلم يأت بدليل ، وجلّ ما احتج به أن يقول : رأينا أهل النحو واللغة يحتجون بذلك في مصنفاتهم !! وهذا لا يُعدّ دليلاً ! وغاية الأمر أن أهل اللغة تعاملوا معها كنصوص من القرن الأول وجعلوها تحت البحث كأي شاهد ، فما وافق القواعد الكلية احتجوا به وقبلوه وما خالف ردّوه ورفضوه ، ولا أدل على ذلك من اعتراضهم على بعض ما قيل أنه متواتر من القراءات[SUP]([5])[/SUP] .

الهوامش

([1]) لقد نص أهل العلم على أن موافقة رسم المصحف ركن من أركان القراءة المقبولة ، وقد تجاوز ابن القيم ذلك واكتفى بصحة السند وموافقة اللغة ، فقال في (( إعلام الموقعين )) (4/263) : [ وكذلك لا يجب على الإنسان التقيد بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين ، بل إذا وافقت القراءة رسم المصحف الإمام وصحت في العربية وصح سندها جازت القراءة بها وصحت الصلاة بها اتفاقاً بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان وقد قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده جازت القراءة بها ولم تبطل الصلاة بها على أصح الأقوال ] .
قلت : وقد سبق ابنَ القيم بهذا القول ابنُ شَنْبُوْذ المقرئ (ت 328 هـ) ، فزعم جواز القراءة بما يُخالف رسم المصحف ، فأنكر عليه العلماء واستتابوه ، انظر ترجمة ابن شنبوذ في (( الوافي بالوفيات )) للصفدي ، و (( معجم الأدباء )) لياقوت .

([2]) جمع بعضهم أسماء القراء السبعة بقوله :
فنافع وابن كثير وعاصم وحمزة ثم أبو عمرو همو
مع ابن عامر أتى الكسائي أئمة السبع بلا امتراء

([3]) ولقد أنكر الزمخشري هذه القراءة في (( الكشاف )) ولأجل ذلك قال عنه أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة ] ، وهذا والله تحامل عظيم ، فهل يُقال لإمام في النحو كالزمخشري أنه ضعيف في النحو !!! وأما عُجمة عِرْقه ونَسَبِه فلا تضر ، فكم من إمام في العربية يُرجع إليه ويُتمسك به وهو أعجمي النسب عربي اللسان !!!
وفضلاً عن تمكن الزمخشري من العربية وعلومها فقد كان ذا باع في علم القراءات وله في ذلك كتاب (( الكشف في القراءات )) ، ومنه نسخة خطية في مكتبة رباط سيدنا عثمان تحت رقم ( قراءات 59 ) ، كما ذُكر ذلك في مجلة (( مجمع اللغة العربية )) بدمشق (8/758) . وقد وقع خطأ في فهرس (( مخطوطات القراءات )) (ص 165) الصادر عن المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية فذُكر هناك اسم مخطوط الزمخشري هذا ، وأنه في رباط سيدنا عثمان في الرياض ، والصواب أنه في المدينة المنورة .

([4]) وقد أنكر جماعة من أهل العلم قراءة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي (ت 158 هـ) ، وهو أحد أئمة السبعة ، قال المزّي في (( تهذيب الكمال )) (7/317) : [وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن سليمان بن أبي شيخ : كان يزيد بن هارون أرسل إلى أبي الشعثاء بواسط : لا تقرئ في مسجدنا قراءة حمزة . وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : سمعت أحمد بن سنان يقول : كان يزيد يكره قراءة حمزة كراهية شديدة ، قال : وسمعت أحمد بن سنان يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره وبطنه ] .
وقال الذهبي في (( ميزان الاعتدال )) (2/378) : [ وكان يزيد بن هارون ينهى عن قراءة حمزة ، رواه سليمان بن أبى شيخ وغيره عنه .
وقال أحمد بن سنان القطان : كان يزيد بن هارون يكره قراءة حمزة كراهية شديدة ، وسمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره .
وكان أحمد بن حنبل يكره قراءة حمزة .
وحكى زكريا الساجي أن أبا بكر بن عياش قال : قراءة حمزة بدعة ، يزيد ما فيها من المد المفرط والسكت وتغيير الهمز في الوقف والإمالة وغير ذلك .
وكذا جاء عن عبدالله بن إدريس الأودي وغيره التبرم بقراءة حمزة .
وقال الفسوي : حدثنا الحميدى عن الحويطبي وآخر أحدهما عن حماد بن زيد والآخر عن أبى بكر بن عياش ، قال أحدهما : قراءة حمزة بدعة ، وقال الآخر : لو صلى بي رجل فقرأ بقراءة حمزة لأعدت صلاتي ] .

([5]) ومن أغرب وأعجب ما رأيت قول الصبان في حاشيته على (( شرح الأشموني )) (2/354) : [ قال البعض : وذكر السعد أنه لا يمتنع إجماع السبعة علـى الـمرجوح كقوله تعالـى : {وجمع الشمس والقمر}(القـيامة/9) ، لأن الـمختار جمعت لكون الفاعل مؤنثاً غير حقـيقـي بلا فاصل ] .
قلت : وقد ذهب البعض إلى التشكيك بتواتر القراءات ، قال الزركشي في (( البرهان )) (1/319) : [ أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر ، فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات وهى نقل الواحد عن الواحد لم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة ، وهذا شيء موجود في كتبهم وقد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه (( المرشد الوجيز )) إلى شيء من ذلك ] ، وقد ردد الزركشي نفس العبارة هذه في كتابه (( البحر المحيط )) .
وقال رضي الدين الأستراباذي في شرحه على (( الكافية )) (2/261) : [ ولا نسلم تواتر القراءات السبع ] .

بعد نقاش رأى الاخوة أن يُعاد الموضوع ، ونرجو الالتزام بسياسة الملتقى ، وسياسة الملتقى التي سألت عنها واضحة مدرجة بأعلى الصفحة الرئيسة.
بخصوص مشاركتكم المرفقة بارك الله فيكم
القراءات على درجات ، فمنها :
وهي أعلاها : المتواتر .
وثانيها : المستفيض المشهور ، وهو ما وصلنا بسند صحيح ، وقصر عن حد التواتر ، ووافق العربية والرسم ، واشتهر عند القراء.
وثالثها : الآحاد ، وهو ما صح سنده ، وقصر عن المتواتر والمشهور، وخالف الرسم أو العربية، ولم يشتهر بين القراء كسابقه.
ورابعها : الشاذ ، وهو ما لم يصح سنده.
وخامسها : الموضوع.
وسادسها : ما زيد في القراءات على وجه التفسير.
فالأول والثاني مقبولان ، وبقية الأقسام مردودة. واعتبر السيوطي القسم الثالث من الشاذ .


وجمهور العلماء من القراء والفقهاء والأصوليين على أن القراءات السبع متواترة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قطعا، وكذلك العشر، ولم يخالف في ذلك الا أفراد
من أهل العلم ، منهم : أبو شامة وابن الجزري والشوكاني .

والذين خالفوا في مسألة التواتر جوزوا ذلك في بعض مفردات الأئمة فقط، قال ابن الجزري رحمه الله في " النشر" :
"ونحن ما ندعي التواتر في كل فرد مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق. لا يدّعي ذلك إلا جاهل لا يعرف ما التواتر، وإنما المقروء به عن القراء العشرة على
قسمين: متواتر، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما" .

وقال في "النشر" أيضا : "
كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها: فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها... هذا هو
الصحيح عند الأئمة" .

قلت : هذا كلام أئمة هذا الشأن ، لذلك لا نستطيع أن نفتح باب رد القراءات العشرة المشهورة بحجة مخالفتها لقواعد اللغة. فالقرآن كما وصلنا من طريق هؤلاء الأئمة حجة على اللغة لا العكس، والنادر لا يُقاس عليه، والكلام في التشكيك بالقراءات وحجيتها هو عينه كلام المستشرقين وأعداء الاسلام الذين ينقبون ليل نهار للنيل من الاسلام، ومن كتابه الكريم . ولهذا استهجن الاخوة الذين طلبوا حذف الموضوع أن يدرج مثل هذا في الملتقى .

والعلماء حرصوا على الجمع بين النصوص ما أمكن، لذلك تراهم أحيانا يتكلفون في توجيه القراءات، أما تعارض النصوص - ولا يوجد بين القراءات القرآنية المتواترة تعارض- فَلِدَرْئه طرق معروفة عند الأصوليين والفقهاء ، ونحن في هذا الموطن لا نتعامل مع نصوص متعارضة، وإنما هي متوافقة لا اشكال فيها ، وإنما الخلاف في توجيهها فتنبه.
ونرحب بك مفيدا ومستفيدا.
 
التعديل الأخير:

نذير أحمد سالم

:: متابع ::
إنضم
8 سبتمبر 2011
المشاركات
45
التخصص
غير معروف
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

السلام عليكم
لله درك أخي الرفاعي !!!
كانت الغاية والمراد من كتابة مثل هذه المواضيع لفت الانتباه وإعادة النظر والتأمل في كثير من النصوص المتناثرة في كتبنا أهل السنة والجماعة !!!
والله يعلم كم أرقت وجهدت وأنا أجمع في هذه النصوص !!! فرفقاً وسكينة !!!!
يا أخي الرفاعي :
لا زلت أحسب أنني في منتدى يرتاده ذوو الشأن والخبرة في العلم ، فاترك لهم المجال ليعلقوا وليبدوا آراءهم ولا تستعجل بكتابة أي تعقيب وهكذا وعلى عجل بل وارتجالاً كما يبدو !!!!
ليس المهم أن تكتب وتعقب !!! حتى يقال : لقد تم الرد على الموضوع !!!! فهذا لا ينطلي على مثل من هم في هذا المنتدى !!!!
أتمنى أخي لو كنت بجوارك فأسر لك الكثير من النصح ، لأن غالب الكلام لا يحسن كتابته وحتى على الخاص ، وقد يحتاج الأمر للقاء أرجو الله تعالى أن ييسره ، فباللقاء تتصافى القلوب ، وعن قرب قد يغير الإنسان نظرته بعد أن يلمس مودة أخيه !!!!
هذا الدين أخي جاء ليؤلف القلوب وليزيل منها الشحناء ويعزز رابط الأخوة بين المؤمنين فيتحابون في الله حتى يؤثر منهم الواحد أخاه في كل شيء !!!!!
هل تظن أخي الرفاعي أن أسلوب كلامك معي يرتقي لحوار بين أخوين مؤمنين متحابين في الله !!!!
لا ضير في الحوار والمباحثة والنقاش ولكن لتكن برفق ولين ، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه !!!!
تذكرت مرة متحاورين منذ سنوات تناقشا في خلق القرآن منهم من قال أنه مخلوق ومنهم من قال أنه قديم ، قبل بدء النقاش صليا جماعة وقرءا شيئاً من القرآن وطال النقاش حتى بقي للفجر وكان لا يقطعه إلا تناول الطعام وعند الفجر صلى الحضور جماعة وتناولوا طعام الإفطار وانصرف الكل متحابين متعانقين !!!!
شهدتها بعيني وكانت ولا أروع !!! فمع هذا الخلاف بقيت المودة والمحبة !!!
أخي الرفاعي :
أما أنا فوالله لا أجد عليك في نفسي شيئاً ، فإن كان في نفسك فالله يغفر لي ولكم !!!!
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

وأنا كذلك لا أنقم عليك، وكنت ذكرت لك ذلك سابقا، وأنت أخي في الله مهما اختلفنا ، حالك في ذلك حال كل اخ حبيب من طلبة العلم في هذا الملتقى وغيره .
وكيف أنقم عليك! وأنا - أصلا - لا أعرفك، وكنت دعوتك في رسالة خاصة - وأنت بلديي - لنتعارف، فالعلم رحم بين أهله.
ورحم الله الشافعي حيث قال لمخالفه وقدر رأى منه جفوة : " ألا يصلح أن نكون أخوين في الله".
وبودي وأنت تفتح صفحة عنونتها بالأخوة والمودة أن تترك العبارات التي تحمل خلاف ما قلت ، كقولك :
"لا زلت أحسب أنني في منتدى يرتاده ذوو الشأن والخبرة في العلم ، فاترك لهم المجال ليعلقوا وليبدوا آراءهم ولا تستعجل بكتابة أي تعقيب وهكذا وعلى عجل بل وارتجالاً كما يبدو !!!!
ليس المهم أن تكتب وتعقب !!! حتى يقال : لقد تم الرد على الموضوع !!!! فهذا لا ينطلي على مثل من هم في هذا المنتدى !!!!"

فهذه العبارات تخدش الإطار الذي أطّرت به كلامك عن الأخوة في الله ، فإن كنت أردت نصحي فالنصيحة لها مسلك آخر، وإن كنت أردت غير ذلك فالله اسأل أن يغفر لي ولك، فالمسألة بالنسبة الي ليست شخصية وما كان لي من حق شخصي جعلتك في حل منه.
ورحم الله امرءا أهدى الي عيوبي ، فإني والله كثير الخطأ ، قليل العلم ، أسأل الله أن يتولاني برحمته.
واعلم أن الادارة - من فضل الله تعالى على هذا الموقع - لم تتدخل في ما يكتب الأعضاء إلا نادرا.
وهذا الموضوع قد رجع ، ونحن بانتظار الأبحاث المفيدة المثمرة .



 
التعديل الأخير:

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: آيـة الوضــوء

أخي الفاضل نذير جزاكم الله خيرا
لي تعليقات على ما تفضلتم بإيراده حول "كون اللغة تحكم على القراءات" أجملها في النقاط الآتية:

أولا: سواء وافقنكم فيما قررتموه في هذا الشأن أم لا، فهذا لا تعلق له بموضوع آية الوضوء؛ لأنكم بنيتم ترجيح قراءة المسح ورد قراءة الغسل أو تأويلها على عدم جواز الخفض للجوار وعدم الفصل بين الجملتين المتعاطفتين، والخفض للجوار محل خلاف بين اللغويين كما سبق بيانه في مشاركات الإخوة، وأدلة المثبتين له من القوة بمكان، وأما الفصل بين الجملتين المتعاطفتين فقد قال الألوسي المفسر [روح المعاني (3/ 249)]: "لم يذهب أحد من أئمة العربية إلى امتناع الفصل بين الجملتين المتعاطفتين، أو معطوف ومعطوف عليه، بل صرح الأئمة بالجواز، بل نقل أبو البقاء إجماع النحويين على ذلك، نعم توسط الأجنبي في كلام البلغاء يكون لنكتة وهي هنا ما أشرنا إليه، أو الإيماء إلى الترتيب". وعليه فالخوض هنا في كون اللغة تحكم على القراءات أو العكس استطراد لا يجدي في المسألة محل النقاش.
ثانيا: بغض النظر عن تواتر القراءات وعدمه وهو موضوع يحتاج إلى إفراد في موضوع مستقل، فإن القراء والمصنفين في علوم القرآن حتى من لم يقل منهم بتواتر القراءات كما نصرتموه لم يشترطوا في القراءة المقبولة أن توافق العربية مطلقا، بل أن توافقها ولو بوجه فهذا ابن الجزري الذي أوردتم ضابطه في القراءة المقبولة وأنه لا يشترط التواتر، يفسر ضابطه بقوله: [النشر في القراءات العشر (1/ 10)]:
"وَقَوْلُنَا فِي الضَّابِطِ وَلَوْ بِوَجْهٍ نُرِيدُ بِهِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ النَّحْوِ، سَوَاءٌ كَانَ أَفْصَحَ أَمْ فَصِيحًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَمْ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا لَا يَضُرُّ مِثْلُهُ إِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ، إِذْ هُوَ الْأَصْلُ الْأَعْظَمُ وَالرُّكْنُ الْأَقْوَمُ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فِي رُكْنِ مُوَافَقَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَكَمْ مِنْ قِرَاءَةٍ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّحْوِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إِنْكَارُهُمْ، بَلْ أَجَمَعَ الْأَئِمَّةُ الْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنَ السَّلَفِ عَلَى قَبُولِهَا كَإِسْكَانِ (بَارِئْكُمْ) وَ (يَأْمُرْكُمْ) وَنَحْوِهِ، وَ (سَبَأْ) وَ (يَا بُنَيْ) ، (وَمَكْرَ السَّيِّئْ) وَ (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ فِي تَاءَاتِ الْبَزِّيِّ وَإِدْغَامِ أَبِي عَمْرٍو (وَاسْطَّاعُوا) لِحَمْزَةَ وَإِسْكَانِ (نِعْمَّا وَيَهْدِّي) ، وَإِشْبَاعِ الْيَاءِ فِي (نَرْتَعِي، وَيَتَّقِي وَيَصْبِرْ) وَ (أَفْئِيدَةٌ مِنَ النَّاسِ) ، وَضَمِّ الْمَلَائِكَةُ اسْجُدُوا، وَنَصْبِ (كُنْ فَيَكُونَ) ، وَخَفْضِ (وَالْأَرْحَامِ) ، وَنَصْبِ (لِيُجْزَى قَوْمًا) ، وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْمُضَافَيْنِ فِي الْأَنْعَامِ، وَهَمْزِ (سَأْقَيْهَا) ، وَوَصْلِ (وَإِنَّ الْيَاسَ) ، وَأَلِفِ (إِنَّ هَذَانِ) ، وَتَخْفِيفِ (وَلَا تَتَّبِعَانِ) ، وَقِرَاءَةِ (لَيْكَةَ) فِي الشُّعَرَاءِ وَ " ص " وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ) فِي كِتَابِهِ " جَامِعِ الْبَيَانِ " بَعْدَ ذِكْرِ إِسْكَانِ (بَارِئِكُمْ) وَ (يَأْمُرُكُمْ) لِأَبِي عَمْرٍو وَحِكَايَةِ إِنْكَارِ سِيبَوَيْهِ لَهُ فَقَالَ أَعْنِي الدَّانِيَّ: وَالْإِسْكَانُ أَصَحُّ فِي النَّقْلِ وَأَكْثَرُ فِي الْأَدَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَخْتَارُهُ وَآخُذُ بِهِ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ نُصُوصَ رُوَاتِهِ قَالَ: وَأَئِمَّةُ الْقُرَّاءِ لَا تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَفْشَى فِي اللُّغَةِ وَالْأَقْيَسِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ عَلَى الْأَثْبَتِ فِي الْأَثَرِ وَالْأَصَحِّ فِي النَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ إِذَا ثَبَتَ عَنْهُمْ لَمْ يَرُدَّهَا قِيَاسُ عَرَبِيَّةٍ وَلَا فُشُوُّ لُغَةٍ ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا وَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا
".
وهذا الزركشي الذي أوردتم كلامه مجتزءا في عدم تواتر القراءات يقول [البرهان في علوم القرآن (1/ 319)]:
"وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَاتِ حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَالْقُرْآنُ هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَيَانِ وَالْإِعْجَازِ وَالْقِرَاءَاتُ هِيَ اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الْوَحْيِ الْمَذْكُورِ فِي كَتَبَةِ الْحُرُوفِ أَوْ كَيْفِيِّتِهَا مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَثْقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ هَاهُنَا أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ بَلْ مَشْهُورَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ المبرد قراءة حمزة {والأرحام} و {مصرخي} وَلَا بِإِنْكَارِ مَغَارِبَةِ النُّحَاةِ كَابْنِ عُصْفُورٍ قِرَاءَةَ ابْنِ عَامِرٍ {قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شركائهم}. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَمَّا تَوَاتُرُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إِسْنَادَ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنِ الْوَاحِدِ لَمْ تُكْمِلْ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ فِي اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةِ وَهَذَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِهِمْ وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
"
ويقول أيضا [البرهان في علوم القرآن (1/ 322)]:
"الْقِرَاءَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَيْسَتِ اخْتِيَارِيَّةً خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ تَدُورُ مَعَ اخْتِيَارِ الْفُصَحَاءِ وَاجْتِهَادِ الْبُلَغَاءِ وَرُدَّ على حمزة قراءة {والأرحام} بِالْخَفْضِ وَمِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيِّ وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ أَنْ خَطَّئُوا حَمْزَةَ فِي قراءته: {وما أنتم بمصرخي} بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَذَا أَنْكَرُوا عَلَى أَبِي عَمْرٍو إِدْغَامَهُ الرَّاءَ عِنْدَ اللَّامِ فِي: {يَغْفِلَّكُمْ}. وَقَالَ: الزَّجَّاجُ إِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَلَا تُدْغَمُ الرَّاءُ فِي اللَّامِ إِذَا قُلْتَ مُرْلِي بِكَذَا لِأَنَّ الرَّاءَ حَرْفٌ مُكَرَّرٌ وَلَا يُدْغَمُ الزَّائِدُ فِي النَّاقِصِ لِلْإِخْلَالِ بِهِ فَأَمَّا اللَّامُ فَيَجُوزُ إِدْغَامُهُ فِي الرَّاءِ وَلَوْ أُدْغِمَتِ اللَّامُ فِي الرَّاءِ لَزِمَ التَّكْرِيرُ مِنَ الرَّاءِ وَهَذَا إِجْمَاعُ النَّحْوِيِّينَ انْتَهَى. وَهَذَا تَحَامُلٌ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ وَلَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا هذا بشرا} وَبَنُو تَمِيمٍ يَرْفَعُونَهُ إِلَّا مَنْ دَرَى كَيْفَ هِيَ فِي الْمُصْحَفِ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَكُونُ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ مَا روي عنه انتهى"
ويقول أيضا: البرهان في علوم القرآن (1/ 339)
"النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ وَتَبْيِينُ وَجْهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كُلُّ قَارِئٍ
وَهُوَ فَنٌّ جَلِيلٌ وَبِهِ تُعْرَفُ جَلَالَةُ الْمَعَانِي وَجَزَالَتُهَا وَقَدِ اعْتَنَى الْأَئِمَّةُ بِهِ...وَفَائِدَتُهُ كَمَا قَالَ الْكَوَاشِيُّ: أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى حَسَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ أَوْ مُرَجِّحًا إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تُرَجَّحُ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى تَرْجِيحًا يَكَادُ يُسْقِطُ الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِأَنَّ كِلْتَيْهِمَا مُتَوَاتِرَةٌ وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عَنْ ثَعْلَبَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا اخْتَلَفَ الْإِعْرَابُ فِي الْقُرْآنِ عَنِ السَّبْعَةِ لَمْ أُفَضِّلْ إِعْرَابًا عَلَى إِعْرَابٍ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا خَرَجْتُ إِلَى الْكَلَامِ كَلَامِ النَّاسِ فَضَّلْتُ الْأَقْوَى وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَقَدْ حَكَى اخْتِلَافَهُمْ فِي تَرْجِيحِ: {فَكُّ رقبة} بِالْمَصْدَرِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ فَقَالَ وَالدِّيَانَةُ تَحْظُرُ الطَّعْنَ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْجَمَاعَةُ وَلَا يَجُوزُ أن تكون مَأْخُوذَةً إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" فَهُمَا قِرَاءَتَانِ حَسَنَتَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقَدَّمَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ: السَّلَامَةُ عِنْدَ أَهْلِ الدِّينِ أَنَّهُ إِذَا صَحَّتِ الْقِرَاءَتَانِ عَنِ الْجَمَاعَةِ أَلَّا يُقَالَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدُ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْثَمُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا. وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْقِرَاءَاتِ وَالتَّفَاسِيرِ مِنَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ قِرَاءَةِ {مَلِكِ} وَ {مالك} حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يُبَالِغُ إِلَى حَدٍّ يَكَادُ يُسْقِطُ وَجْهَ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى وَلَيْسَ هَذَا بِمَحْمُودٍ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاتِّصَافِ الرَّبِّ تَعَالَى بِهِمَا ثُمَّ قَالَ حَتَّى إِنِّي أُصَلِّي بِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ التَّوْجِيهَ فِي قِرَاءَةِ {وَعَدْنَا} وَ {واعدنا} لَا وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ بَيْنَ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَبَعْضٍ فِي مَشْهُورِ كُتُبِ الْأَئِمَّةِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْقُرَّاءِ وَالنَّحْوِيِّينَ وَلَيْسَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى الطَّرِيقِ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْقَوْلُ بَلْ مَرْجِعُهُ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ أَوْ ظُهُورِ الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَارِئَ يَخْتَارُ رِوَايَةَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ تَجَرَّأَ بَعْضُهُمْ عَلَى قراءة الجمهور في: {فنادته الملائكة} فَقَالَ أَكْرَهُ التَّأْنِيثَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فِي زَعْمِهَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ وَكَذَلِكَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ تَاءٍ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعٌ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالْقِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَانِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ إِحْدَاهُمَا الْبَتَّةَ وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ {فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ} مَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الملائكة مراد به الواحد
"
وقد أسرف ابن الجزري في الرد على أبي شامة لقوله باحتمال الخطأ في القراءات السبعة بسبب مخالفة اللغة، وكان مما قال: [منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: 76)]:
"أما من قال إن القراءات متواترة حال اجتمع القراء لا حال افتراقهم فأبو شامة قال في المرشد الوجيز في الباب الخامس منه: فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح في قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما نقل عن غيرهم، فمما نسب إليهم وفيه إنكار أهل اللغة وغيرهم الجمع بين الساكنين في تاءات البزي وإدغام أبي عمرو وقراءة حمزة "فما اسطاعوا" [الكهف: 97] وتسكين من أسكن "بارئكم" ونحوه و"سبأ" و"يا بني" و"مكر السيء" وإشباع الياء في "نرتعي" و"يتقي" و"يبصر" و"أفئدة من الناس" وقراءة "ملئكة" بفتح الهمزة وهمز "ساقها" وخفض "والأرحام" في أول النساء ونصب "كن فيكون" والفصل بين المتضايفين في "الأنعام" وغير ذلك إلى أن قال: فكل ذلك محمول على قلة ضبط الرواة فيه ثم قال: وإن صح النقل فيه فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة المباحة عليه على ما هو جائز في العربية فصيحا كان أو بدون ذلك. وأما بعد كتابة المصاحف على اللفظ المنزل فلا ينبغي قراءة ذلك اللفظ إلا على اللغة الفصحى من لغة قريش وما ناسبها حملا لقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- والسادة من أصحابه على ما هو اللائق فإنهم إنما كتبوه على لغة قريش فكذا قراءتهم به. قال: وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي في كل فرد فرد ممن روى عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله تعالى واجب. قال: ونحن بهذا نقول لكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.

[FONT=&quot]فانظر يا أخي إلى هذا الكلام الساقط الذي خرج من غير تأمل المتناقض في غير موضع في هذه الكلمات اليسيرة أوقفت عليها شيخنا الإمام ولي الله تعالى أبا محمد محمد بن محمد بن محمد الجمالي رضي الله عنه فقال: ينبغي أن يعدم هذا الكتاب من الوجود ولا يظهر البتة وأنه طعن في الدين. قلت: ونحن -يشهد الله- أنا لا نقصد إسقاط الإمام أبي شامة -إذ الجواد قد يعثر، ولا نجهل قدره بل الحق أحق أن يتبع- ولكن نقصد التنبيه على هذه الزلة المزلة ليحذر منها من لا معرفة له بأقوال الناس ولا اطلاع له على أحوال الأئمة. أما قوله: "فمما نسب إليهم وفيه إنكار أهل اللغة إلخ" فغير لائق بمثله أن يجعل ما ذكره منكرا عند أهل اللغة وعلماء اللغة والإعراب الذي عليهم الاعتماد سلفا وخلفا يوجهونها ويستدلون بها وأنى يسعهم إنكار قراءات تواترت أو استفاضت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنويس لا اعتبار بهم لا معرفة لهم بالقراءات ولا بالآثار جمدوا على ما علموا من القياسات وظنوا أنهم أحاطوا بجميع لغات العرب أفصحها وفصيحها حتى لو قيل لأحدهم شيء من القرآن على غير النحو الذي أنزله الله يوافق قياسا ظاهرا عنده لم يقرأ بذلك أحد لقطع له بالصحة كما أنه لو سئل عن قراءة متواترة لا يعرف لها قياسا لأنكرها ولقطع بشذوذها حتى إن بعضهم قطع في قوله عز وجل: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} [يوسف: 11] بأن الإدغام الذي أجمع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- والمسلمون لحن وأنه لا يجوز عند العرب لأن الفعل الذي هو "تأمن" مرفوع فلا وجه لسكونه حتى أدغم في النون التي تليه، فانظر يا أخي إلى قلة حياء هؤلاء من الله تعالى يجعلون ما عرفوه من القياس أصلا والقرآن العظيم فرعا حاشا العلماء المقتدى بهم من أئمة اللغة والإعراب من ذلك، بل يجيئون إلى كل حرف مما تقدم ونحوه يبالغون في توجيهه والإنكار على من أنكره حتى إن إمام اللغة والنحو أبا عبد الله محمد بن مالك قال في منظومته الكافية الشافية في الفصل بين المتضايفين:
[/FONT]
[FONT=&quot]وعمدتي قراءة ابن عامر ... فكم لها من عاضد وناصر[/FONT]
[FONT=&quot]ولولا خوف الطول وخروج الكتاب عن مقصوده لأوردت ما زعم أن أهل اللغة أنكروه وذكرت أقوالهم فيها ولكن إن مد الله في الأجل لأضعن كتابا مستقلا في ذلك يشفي القلب ويشرح الصدر أذكر فيه جميع ما أنكره من لا معرفة له بقراءة السبعة والعشرة ولله در الإمام أبي نصر الشيرازي حيث حكى في تفسيره عند قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] كلام الزجاجي في تضعيف قراءة الخفض ثم قال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن رد ذلك فقد رد على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبح ما قرأ به وهذا مقام محظور لا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان أفصح منه فإنا لا ندعي أن كل ما في القراءات على أرفع الدرجات من الفصحاة. وقال الإمام الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان" عند ذكره إسكان "بارئكم" و"يأمركم" لأبي عمرو بن العلاء وأئمة القراء: لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة فلزم قبولها والمصير إليها.
[/FONT]
[FONT=&quot]قلت: ثم لم يكف الإمام أبا شامة حتى قال: فكل ذلك -يعني ما تقدم- محمول على قلة ضبط الرواة. لا والله بل كله محمول على كثرة الجهل ممن لا يعرف لها أوجها وشواهد صحيحة تخرج عليها كما سنبينه إن شاء الله تعالى في الكتاب الذي وعدنا به آنفا إذ هي ثابتة مستفاضة ورواتها أئمة ثقات، وإن كان ذلك محمولا على قلة ضبطهم فليت شعري أكان الدين قد هان على أهله حتى يجيء شخص في ذلك الصدر يدخل في القراءة بقلة ضبطه ما ليس منها فيسمع منه ويؤخذ عنه ويقرأ به في الصلوات وغيرها ويذكره الأئمة في كتبهم ويقرءون به ويستفاض ولم يزل كذلك إلى زماننا هذا لا يمنع أحد من أئمة الدين القراءة به مع أن الإجماع منعقد على أن من زاد حركة أو حرفا في القرآن أو نقص من تلقاء نفسه مصرا على ذلك يكفر والله جل وعلا تولى حفظه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] وأعظم من ذلك تنزله إذ قال: وعلى تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة لا ينبغي قراءتها حملا لقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه على ما هو اللائق بهم. فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة رضوان الله عليهم لم يقرءوا بها مع تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة فمن أوصلها إلى هؤلاء الذين قرءوا بها. ثم يقول: فلا أقل من اشتراط يعني من اشتراط الشهرة والاستفاضة. قلت: ألا تنظرون إلى هذا القول ثم أحد في الدنيا يقول إن قراءة ابن عامر وحمزة وأبي عمرو ومن اجتمع عليه أهل الحرمين والشام أبي جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وفي قراءة البزي وقنبل وهشام إن تلك غير مشهورة ولا مستفاضة إن لم تكن متواترة؟ هذا كلام من لم يدر ما يقول حاشا الإمام أبا شامة منه وأنا من فرط اعتقادي فيه أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شيء، ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه أو أنه إنما ألف هذا الكتاب أول مرة كما يقع لكثير من المصنفين وإلا فهو في غيره من مصنفاته كشرحه للشاطبية بالغ في الانتصار والتوجيه لقراءة حمزة و"الأرحام" بالخفض والفصل بين المتضايقين ثم قال في الفصل: ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام مثله لأنه ناف ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بالإجماع. قال: ولو نقل إلى هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله، فما باله ما يكتفي بناقلي القراءة من التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم ثم أخذ في تقرير ذلك. قلت: هذا الكلام مباين لما تقدم وليس منه في شيء وهو الأليق بمثله رحمه الله".
ومما يجدر ذكره أن الجزري تراجع عن قوله باشتراط التواتر في القراءات المقبولة مكتفيا باشتراط صحة السند وموافقة العربية ولو بوجه وموافقة المصحف، كما ذكره أبو شامة لكنه لم يخطئ القراء بمخالفة النحويين كما نقلنا كلامه آنفا عن كتاب النشر.
وقال الألوسي [روح المعاني (2/ 64)]:
"وروي عن أبي عمرو إدغام الراء في اللام، وطعن الزمخشري- على عادته في الطعن- في القراءات السبع إذا لم تكن على قواعد العربية ومن قواعدهم أن الراء لا تدغم إلا في الراء لما فيها من التكرار الفائت بالإدغام في اللام وقد يجاب بأن القراءات السبع متواترة والنقل بالمتواتر إثبات علمي، وقول النحاة نفي ظني ولو سلم عدم التواتر فأقل الأمر أن تثبت لغة بنقل العدول وترجع بكونه إثباتا ونقل إدغام الراء في اللام عن أبي عمرو من الشهرة والوضوح بحيث لا مدفع له- وممن روي ذلك عنه- أبو محمد اليزيدي وهو إمام في النحو إمام في القراءات إمام في اللغات، ووجهه من حيث التعليل ما بينهما من شدة التقارب حتى كأنهما مثلان بدليل لزوم إدغام اللام في الراء في اللغة الفصيحة إلا أنه لمح تكرار الراء فلم يجعل إدغامه في اللام لازما على أن منع إدغام الراء في اللام مذهب البصريين، وقد أجازه الكوفيون وحكوه سماعا، منهم الكسائي، والفراء، وأبو جعفر الرواسي، ولسان العرب ليس محصورا فيما نقله البصريون فقط، والقراء من الكوفيين ليسوا بمنحطين عن قراء البصرة وقد أجازوه عن العرب فوجب قبوله والرجوع فيه إلى علمهم ونقلهم إذ من علم حجة على من لم يعلم".
وقال:
"وبعد هذا كله لو سلمنا أن قراءة ابن عامر منافية لقياس العربية لوجب قبولها أيضا بعد أن تحقق صحة نقلها كما قبلت أشياء نافت القياس مع أن صحة نقلها دون صحة القراءة المذكورة بكثير، وما ألطف قول الإمام على ما حكاه عنه الجلال السيوطي، وكثيرا ما أرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهد في تقريره ببيت مجهول فرحوا به وأنا شديد التعجب منهم لأنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلا على صحته فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلا على صحته كان أولى"
وقال العلامة الزرقاني صاحب مناهل العرفان:
[/FONT]
[FONT=&quot]"فإن علماء النحو إنما استمدوا قواعده من كتاب الله تعالى وكلام رسوله وكلام العرب، فإذا ثبتت قرآنية القرآن بالرواية المقبولة كان القرآن هو الحكم على علماء النحو وما قعَّدوا من قواعد، ووجب أن يرجعوا هم بقواعدهم إليه، لا أن نرجع نحن بالقرآن إلى قواعدهم المخالفة نحكمها فيه، وإلا كان ذلك عكسًا للآية وإهمالًا للأصل في وجوب الرعاية فثبوت القراءة سندًا هو الأصل الأعظم، والركن الأقوم، وهو المختار عند المحققين، وكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم؛ بل أجمع الأئمة المقتدَى بهم من السلف على قبولها"
[/FONT]
[FONT=&quot]
ثالثا: قولكم أخي نذير بارك الله فيكم:
لقد نص أهل العلم على أن موافقة رسم المصحف ركن من أركان القراءة المقبولة ، وقد تجاوز ابن القيم ذلك واكتفى بصحة السند وموافقة اللغة ، فقال في (( إعلام الموقعين )) (4/263) : [ وكذلك لا يجب على الإنسان التقيد بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين ، بل إذا وافقت القراءة رسم المصحف الإمام وصحت في العربية وصح سندها جازت القراءة بها وصحت الصلاة بها اتفاقاً بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان وقد قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده جازت القراءة بها ولم تبطل الصلاة بها على أصح الأقوال ] .
قلت : وقد سبق ابنَ القيم بهذا القول ابنُ شَنْبُوْذ المقرئ (ت 328 هـ) ، فزعم جواز القراءة بما يُخالف رسم المصحف ، فأنكر عليه العلماء واستتابوه ، انظر ترجمة ابن شنبوذ في (( الوافي بالوفيات )) للصفدي ، و (( معجم الأدباء )) لياقوت
[/FONT]
غريب جدا إذ هو يوحي بشذوذ ابن القيم رحمه الله تعالى في مسألة جواز القراءة بما صح آحادا وخالف الرسم، مع أن المسألة قضية خلاف بين العلماء والمذاهب. قال ابن الجزري: [النشر في القراءات العشر (1/ 15)]:
وَمِثَالُ الْقِسْمِ الثَّانِي قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: (وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) فِي وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقِرَاءَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا) وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاتِ، (وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ) فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، فَأَجَازَهَا بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ لَمْ تَثْبُتْ مُتَوَاتِرَةً عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ ثَبَتَتْ بِالنَّقْلِ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تُنْقَلْ إِلَيْنَا نَقْلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْقُرْآنُ أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، كُلُّ هَذِهِ مَآخِذُ لِلْمَانِعِينَ، (وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ) فَقَالَ: إِنْ قَرَأَ بِهَا فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَهِيَ الْفَاتِحَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ مِنَ الْقِرَاءَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ، وَإِنْ قَرَأَ بِهَا فِيمَا لَا يَجِبُ لَمْ تَبْطُلْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَتَى فِي الصَّلَاةِ بِمُبْطِلٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ"
وجاء في التحبير شرح التحرير (3/ 1379)
"قَوْله: {وَتكره قِرَاءَة مَا صَحَّ مِنْهُ} .
أَي: من غير الْمُتَوَاتر، وَهُوَ الشاذ، نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، قدمه ابْن مُفْلِح فِي " فروعه "، وَغَيره، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَاللَّيْل إِذا يغشى (1) وَالنَّهَار إِذا تجلى (2) وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} [اللَّيْل: 1 - 3]
قَالَ الرَّافِعِيّ: من الشَّافِعِيَّة: (تسوغ الْقِرَاءَة بالسبع، وَكَذَا بِالْقِرَاءَةِ الشاذة، إِن لم يكن فِيهَا تَغْيِير معنى، وَلَا زِيَادَة حرف، وَلَا نقصانه) انْتهى، وَظَاهره مُطلقًا.
قَوْله: {وَلَا تصح الصَّلَاة [بِهِ] عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم} .
لِأَنَّهُ لَيْسَ بقرآن، لِأَن الْقُرْآن لَا يكون إِلَّا متواترا - كَمَا تقدم - وَهَذَا غير متواتر، فَلَا يكون قُرْآنًا، فَلَا تصح الصَّلَاة بِهِ.
{وَعنهُ: تصح، [وَرَوَاهُ ابْن وهب] عَن مَالك، وَاخْتَارَهُ ابْن الْجَوْزِيّ، وَالشَّيْخ} تَقِيّ الدّين، وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَقدمه ابْن تَمِيم، وَصَاحب " الْفَائِق " من أَصْحَابنَا، لصَلَاة الصَّحَابَة بَعضهم خلف بعض، وَكَذَلِكَ لم يزل الْمُسلمُونَ يصلونَ خلف أَصْحَاب هَذِه الْقرَاءَات: كالحسن الْبَصْرِيّ، وَطَلْحَة بن مصرف، وَابْن مُحَيْصِن، وَالْأَعْمَش، وَغَيرهم من أضرابهم، وَلم يُنكر ذَلِك أحد عَلَيْهِم. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (هَذِه الرِّوَايَة أنصهما عَن أَحْمد) انْتهى. وَاخْتَارَ الْمجد - جده - ابْن تَيْمِية: أَنَّهَا لَا تجزيء عَن ركن الْقِرَاءَة. {و [قطع] النَّوَوِيّ فِي " الرَّوْضَة "} بِصِحَّة الصَّلَاة بِالْقِرَاءَةِ الشاذة، إِن لم يكن فِيهَا تَغْيِير معنى، وَلَا زِيَادَة حرف وَلَا نقصانه.
وَهُوَ معنى قَوْلنَا: {إِن بَقِي الْمَعْنى وَالصّفة} .
فالرافعي جوز الْقِرَاءَة بذلك، وَالنَّوَوِيّ صحّح الصَّلَاة بِهِ.
{ [وَعَن أَحْمد] تحرم} الْقِرَاءَة بِهِ، ذكرهمَا ابْن مُفْلِح فِي " فروعه "، وَغَيره، {وَحكي إِجْمَاعًا} .
[قَالَ ابْن عبد الْبر: (لَا تجوز الْقِرَاءَة بهَا إِجْمَاعًا) ] .
قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شرح الْمُهَذّب "، و " فَتَاوِيهِ ":(لَا فِي الصَّلَاة وَلَا فِي غَيرهَا) .
وَكَذَا قَالَ السخاوي: (لَا تجوز الْقِرَاءَة بهَا لخروجها عَن إِجْمَاع الْمُسلمين) .
[وَاخْتَارَهُ] جمَاعَة.
{وَقيل: إِن غير الْمَعْنى} حرم، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ معنى مَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ، كَمَا تقدم عَنْهُمَا
".

والله أعلم.




 

نذير أحمد سالم

:: متابع ::
إنضم
8 سبتمبر 2011
المشاركات
45
التخصص
غير معروف
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

أستاذي الحبيب:
لكم الشكر الجزيل على التكرم بقراءة ما يكتبه العبد الفقير وأكثر منه جزالة على التفضل بالتعليق والتعقيب ، فهذا والله بحد ذاته وبالنسبة لي كرم حاتمي من طرف جنابكم الكريم.
وليسمح لي فضيلتكم بالتعقيب على بعض ما جاء في مقالتكم السابقة :
فأما قولكم :[ فهذا لا تعلق له بموضوع آية الوضوء ...... وعليه فالخوض هنا في كون اللغة تحكم على القراءات أو العكس استطراد لا يجدي في المسألة محل النقاش].
فأقول : حسبت أن للأمر تعلقاً وثيقاً ، إذ كتبته تعقيباً على قولكم فيما سبق :
[ثمة مسألة هنا تتعلق بقواعد علم النحو العربي هل هي حاكمة على كلام العرب أم كلام العرب حاكم عليها؟]
وفيما اعتقد أن لذلك تعلقاً !! فعقبت وكتبيت بناء على كلامكم سيدي !!
وقولكم :[ والخفض للجوار محل خلاف بين اللغويين كما سبق بيانه في مشاركات الإخوة ، وأدلة المثبتين له من القوة بمكان] .
فأقول : وقلما تجد مسألة لا خلاف فيها !!! وأي مسألة هذه !!! فالخلاف في اللغة والفقه وحتى في العقائد !!! ولكن هذا لا يعد مسوغاً لتعويم البحث !! وجعل الخلاف في المسألة تضعيفاً لرأي أو تقوية لآخر !! او عذراً مبيحاً لكل باحث ان يأخذ بأي الآراء شاء !!!
قد يكون عذراً في حق العامة المقلدة الذين لا حيلة لهم بالبحث والتحري والنظر !!! أما الباحث فديدنه الدليل ينظر فيه ويمعن ، وإن خالف وخولف !!!!
والقول بان ادلة المثبتين من القوة بمكان ، فهذا لا زال محل البحث ههنا ، فلا يسلم !!!
وقولكم ناقلاً :[ لم يذهب أحد من أئمة العربية إلى امتناع الفصل بين الجملتين المتعاطفتين ]
فأقول : أو ليس ابن عصفور من أئمة العربية ؟!!! وقد قال فيه السيوطي في (( بغية الوعاة )) : [ حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس ] ، ووصفه أبو حيان في (( البحر المحيط )) بالأستاذ !!!!
أرجو أن تنظر في كلام ابن عصفور في المشاركة الأولى .
وقولكم ناقلاً :[ بل نقل أبو البقاء إجماع النحويين على ذلك]
فأقول : لا إجماع ، وهو دعوى مخرومة ، ولو ثبت إجماعهم فهو ليس بحجة !!!
قال العلامة ابن مضاء القرطبي في كتابه (( الرد على النحويين )) (ص 82) بقوله : [ إجماع النحويين ليس بحجة على من خالفهم ] .
وحتى من قال بحجية الإجماع في اللغة ، فقد استبعد وقوعه ، قال السيوطي في (( الاقتراح )) (ص 56) : [ وإجماع العرب أيضاً حجة ، ولكن أنى لنا بالوقوف عليه ] .

وقولكم ناقلاً :[ وَقَوْلُنَا فِي الضَّابِطِ وَلَوْ بِوَجْهٍ نُرِيدُ بِهِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ النَّحْوِ، سَوَاءٌ كَانَ أَفْصَحَ أَمْ فَصِيحًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَمْ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا لَا يَضُرُّ مِثْلُهُ إِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ]
فأقول : وهذا جيد والله !!! إذ فيه ضبط المختلف فيه بضابط عدم الضرر !!!!
وأين هذا من قولهم بأن العطف على الجوار غلط ، وشاذ ،، ولحن ، ولا يحمل عليه ، ولا يجوز رد غيره إليه ، ونزهوا صراحة كلمات الله عنه !!!! [ أرجو ههنا التكرم بالرجوع إلى المشاركة الأولى ]
فهل كل هذا برأيكم مختلف فيه اختلافاً لا يضر !!!!!
وقولكم :[ وهذا الزركشي الذي أوردتم كلامه مجتزءا ].
فأقول : وكأنكم تشيرون إلى شيء من التدليس في النقل ؟ ولا أظن المعنى ينقلب بعد قراءة كامل مقاله !!! أرجو توضيح مرادكم.
وما نقلتموه مطولاً بعد ذلك ، فهو كلام لا يعدو أن يكون رأي أئمة لهم احترامهم وتقديرهم ولكني لا أرى فيه دليلاً على صحة ما تطلبوه !! إذ ان خلافنا ههنا ليس على إدغام حرف لام براء !!! كالذي نقلتموه عن الألوسي ، وإنما النقاش على أمر رآه اهل اللغة غلطاً ولحناً وشاذاً !!!
وقولكم ناقلاً :[ فثبوت القراءة سندًا هو الأصل الأعظم ].
فأقول : وإن كان الأمر كذلك فهلم نبحث عن أئمة القراءت أنفسهم ناهيك عمن هم دونهم في تلك الأسانيد !! فلنجدن الغرائب والعجائب !!! ودونكم حفص بن سليمان بن المغيرة الأسَديّ
الكوفي القارئ ، ولا أود نقل كلام المحدثين فيه حتى لا تتوجه لي أصابع الاتهام مرة أخرى ويجر الموضوع إلى دهاليز التحقيق ، فانتم تعلمون ما قيل فيه وفي غيره ، والإشارة تكفيكم سيدي !!!
وقولكم :[ غريب جدا إذ هو يوحي بشذوذ ابن القيم رحمه الله تعالى في مسألة جواز القراءة بما صح آحادا وخالف الرسم، مع أن المسألة قضية خلاف بين العلماء والمذاهب ]
وهنا أود الإشارة إلى مسألتين خفيفتين
أولاهما : نعم ذاك يوحي بشذوذه ، لأن العلماء استتابوا من قال بمقالته من قبل !!!! فالأمر خطير وجلل كما يبدو للقارئ !!!
وثانيهما ومرة أخرى : الخلاف ليس بشيء ما دام المخالف لا دليل معه أو حجة !! فإن كان له ما يؤيده فالخلاف خلاف بأدلة ولا قيمة لمن تبع رأياً واعتذر بمن سبقه !!!!
مرة سمعتها من جنابكم ولا زلت أرددها واضربها مثلاً :
وحتى من عبد الحجارة والقرود فله سلف !! ووجد من يقنعه ويسوغ له المسألة ويقيم عليها أدلة وإن كانت تحت ميزان العقل السوي ضرباً من جنون !!!
وحاصل الأمر وهو الأكثر أهمية : أني لم أفصل ههنا وأقرر صواب ابن القيم أو خطاه !! وإنما نقلت قوله ورأيه وبينت كيف عوقب من قال بمقالته بالاستتابة !!!! فإن كان ابن القيم مصيباً ، قلنا كان الله لابن شنبوذ كيف ظلم وعوقب على رأي هو محل خلاف فيما تفضلتم !!!!
هذا ما تيسر سيدي على عجل ، وبارك الله فيكم ولكم.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: آيـة الوضــوء

أحسنت الرد والتعقيب يا شيخ نذير
أولا: قولكم، بارك الله فيكم:
لكم الشكر الجزيل على التكرم بقراءة ما يكتبه العبد الفقير وأكثر منه جزالة على التفضل بالتعليق والتعقيب ، فهذا والله بحد ذاته وبالنسبة لي كرم حاتمي من طرف جنابكم الكريم.
وأنا أشكركم جزيل الشكر في المقابل على أن أثرتم هذه المسائل فأفدتم واستفدتم.
قولكم، بارك الله فيكم:
حسبت أن للأمر تعلقاً وثيقاً ، إذ كتبته تعقيباً على قولكم فيما سبق :
[ثمة مسألة هنا تتعلق بقواعد علم النحو العربي هل هي حاكمة على كلام العرب أم كلام العرب حاكم عليها؟]
وفيما اعتقد أن لذلك تعلقاً !! فعقبت وكتبيت بناء على كلامكم سيدي !!
هو استطراد مني ومن ثم منك، وأنت معذور بتعقيبك، وقد بدا لي كونه استطرادا بعد التأمل في المسألة.
على أنه وإن لا تعلق له هنا فإنه يفيد في منهجية التعامل مع القراءات وكلام العرب جملة ومقررات النحويين.
والوجه المرضي عندي فيه أن النحو قواعد أغلبية مستقرأة من لغة العرب، فلغة العرب أصل والنحو فرع، ولا يصح أن يعود الفرع على أصله بالإبطال، لأنه بذلك يبطل نفسه، فمتى ثبت النقل المستفيض أو المتواتر فلا نظر في اطراد قواعد اللغة، لأن طبيعة القواعد أصلا أغلبية غير معللة بمعان مناسبة، فإذا كانت القواعد المناسبة كقواعد الفقه تشذ عنها مسائل ويقال فيها بالاستحسان لأجل النصوص الظنية فما بالك بقواعد اللغة.
وأما علم النحو العربي في صورته التقليدية فهو في غالبه ذو نزعة معيارية، كما تقرره الدراسات اللغوية المعاصرة، يهدف إلى ضبط اللغة لا إلى وصفها ومن هنا وقع من وقع من النحويين في إنكار القراءات المستفيضة والله أعلم.
ثانيا: قولكم بارك الله فيكم:
وقلما تجد مسألة لا خلاف فيها !!! وأي مسألة هذه !!! فالخلاف في اللغة والفقه وحتى في العقائد !!! ولكن هذا لا يُعد مسوغاً لتعويم البحث !! وجعل الخلاف في المسألة تضعيفاً لرأي أو تقوية لآخر !! او عذراً مبيحاً لكل باحث ان يأخذ بأي الآراء شاء !!!
قد يكون عذراً في حق العامة المقلدة الذين لا حيلة لهم بالبحث والتحري والنظر !!! أما الباحث فديدنه الدليل ينظر فيه ويمعن ، وإن خالف وخولف !!!!
هذا ما ننصره دوما وندعو إليه ولا أختلف معك فيه. ولكنَّ ذكري للخلاف هنا ليس من هذا الباب، بل هو إجراء للضابط الذي اشترطوه في القراءة المقبولة وهو موافقة العربية ولو بوجه، أي حتى لو كان غريبا أو مرجوحا. وما دام اختلف النحاة في الخفض للجوار فلا يقال: إنه مخالف للعربية من كل وجه، هذا أقل ما يمكن فيه فلا أقل أن يدل الخلاف على أن المسألة اجتهادية بين النحاة ولا قطع فيها، ولذا لا يردُّ الخبر المستفيض أو المتواتر وحتى الآحاد عن الشارع لظن بعض النحاة واجتهاداتهم وأقيستهم واستقراءاتهم (الناقصة في الغالب)كما ذكره ابن الجزري وغيره. وإذن فذكرنا للخلاف هنا ليس تسويغا لتعويم البحث بل لأنه مقتضى ضابط القراءة الذي وضعوه، وأردنا تفسيره.
وللحديث بقية غدا أو بعد غد إن شاء الله تعالى فإني أهم الآن بمغادرة مكاني لأمر عاجل
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيما يتعلق بالآية موضوع البحث فلا خلاف بين أحد من المسلمين في كون قراءتي الفتح والجر قرآناً ، وذلك لاستجماعها الشروط الثلاثة ، وهي :
1. كونهما على خط المصحف العثماني ، وهذا لا إشكال فيه .
2. كونها روية بالإسناد الصحيح ، بل بالتواتر ، وكونها من القراءات المتواترة ، أو على الأقل المتلقاة بالقبول اتفاقا .
3. أما الوجه النحوي فلا خلاف بين القائلين بالمسح والقائلين بالغسل بأن (وأرجلكم) بالفتح تتخرج على وجه نحوي ، ولكن اختلفوا في ذلك الوجه ، فالقائلون بالمسح يجعلونه بالعطف على المحل ، وهو وجه نحوي معروف ، وفيه يقول ابن مالك :

وجرَّ ما يتبع ما جُرَّ ومن *** راعى في الاتباع المحل فحسن



والقائلون بالغسل يجعلونه معطوفاً على ما تقدم غسله.
وهكذا رواية الجر ، فقد اتفقوا على تخريجه على وجه نحوي ، ثم اختلفوا فيه فقيل هو الجر على المجاورة وقيل العطف على (برؤوسكم).
وإنما وقع الخلاف في الترجيح بين الوجهين بأمور بعضها لا يتعلق بالنحو وإن أثر فيه ، وقد كان الموضوع جارٍ على مناقشة هذه الأوجه ، وليس ثمة خلاف في صحة تخريج الفتح أو الجر على وجه نحوي ، بل في تعيين ذلك الوجه.
على أنه قد تُكُلِّمَ في شرط موافقتها وجه نحوي ، وفي توجيهه.
وأخيراً أنبه على أن معنى الشذوذ في القراءات غير معناه عند المحدثين ، إذ الشاذ عند المحدثين من أنواع الضعيف المردود ، أما الشاذ من القراءات فليس كذلك ، ولا يخرجها عن كونها قراءة ، بل قد يصح بيقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه يفقد أحد شروط عده قرءاناً كالتواتر أو مخالفة الرسم ، ومن ذلك قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء (والذكر والأنثى) وقد صحح بعضهم القراءة بها.
ومن حمل الشذوذ في القراءة على معنى الضعف والرد فهو اصطلاح له ولمن وافقه ، والأكثرون على خلافه ، فقد اختلف أهل العلم في القراءة بالشاذ ، ولو كان مقصودهم بالشاذ الضعيف المردود ما اختلفوا في المنع منه.
أما من جهة اللغة فالشاذ ما قل نقله وخالف المشهور في النقل ، ولا يقدح ذلك في صحة الشاذ من جهة اللغة ، لذا دافعوا عن القائل :
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
بكسر لام تعالي بأنه وجه مروي ولو كان شاذاً، فليس المراد بالشذوذ هنا بطلانه لغةً ، كيف والنحاة يحتجون بالقراءة الشاذة وبخاصة الكوفيون فإنهم يحتجون بكل قراءة صح نقلها، وقال ابن مالك :
وعمدتي قراءةُ ابن عامرِ *** وكم لها من عاضد وناصري
وقال في شرح هذا البيت : " فعلم بهذا أن قراءة ابن عامر -رحمه الله- غير منافية للقياس العربية. على أنها لو كانت منافية له لوجب قبولها لصحة نقلها، كما قبلت أشياء تنافي القياس بالنقل، وإن لم تساو صحتها صحة القراءة المذكورة، ولا قاربتها كقولهم: "استحوذ" وقياسه "استحاذ" وقوله: "بنات ألببه"، وقياسه "ألبّة" وكقولهم: "هذا جحر ضَبٍّ خرب" وكقولهم: "لدن غدوة" -بالنصب- وقياسه الجر. وأمثال ذلك كثيرة"
أما جعله شرط في صحة القراءة فيخالف الثابت عن النحاة أنفسهم ، ويشبه أن يكون ذلك في القراءة الآحادية إذا استمرت آحادية إلى زمن المولدين ، فيجوز حينئذٍ أن يكون وهماً من الراوي لا يقبل منه لمخالفته لغة العرب ، أما إذا صحت يقيناً عن عربي فصيح فلا تحمل على الخطأ في النحو.
وقد صرحوا بأن القراءة ما دامت صحيحة فلا يصح تعليلها بقراءة هي أجود منها تخريجاً في اللغة ، بل قال لزركشي: " توجيه القراءات الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة" فجعل الشاذ أقوى توجيهاً فيما يتعلق بصناعة اللغة أو النحو ، ولم يقدح ذلك في توجيه المتواترات أو في قرآنية شيء من السبعة أو العشرة ، أو الأربعة عشر أو الجميع.
وقال أبو جعفر النحاس : "السلامة عند أهل الدين إذا صحت القراءتان ألا يقال إحداهما أجود لأنهما جميعا عن النبي فيأثم من قال ذلك وكان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا"
وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب (اليواقيت) عن ثعلب أنه قال : "إذا اختلف الإعرابان في القرآن لم أفضل إعرابا على إعراب فإذا خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى"
وهذا لا يكون إلا بتقديم ثبوتها على توجيهها.
بل قال أبو عبيد : "إن القصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها" فهو دليل على صحتها في نفسها وإلا لم تفد تفسيراً ولا بياناً .
وكيف كان فلا يفيد هذا في ترجيح (أرجلِكم) بالكسر على (أرجلَكم) بالفتح ، وكان الواجب مناقشة الأوجه المذكورة هنا ، وأولها على ما افتتح به بعض الأخوة وجريت أنا عليه لاحقاً هو الكلام في (وأرجلِكم إلى الكعبين) بجر أرجلكم ، وقد قدمت وسبقني غيري بأنهم وجهوا هذه القراءة بالعطف على (برؤوسكم) وعلى الجر بالمجاورة ، ثم من رجح العطف على برؤوسكم تعلل بضعف الجر على المجاورة ، وبأنه قد تنازع (أرجلِ) عاملان فكان إعمال الأقرب أولى.
وهنا تنبيه : وهو أن الإعراب يتبع مراد المتكلم لا العكس ، فمتى عُرِفَ خرج الكلام عليه ، فقد قالوا أن فاعل الحركات في الحقيقة ليس هو العامل بل القائل ، إذ أن العامل لا يفعل لا بالطبع ولا الإرادة باتفاق ، ولكن نسبة العمل إليه اصطلاح وتقريب ، ولا شك أن القائل يُتْبِعُ كلامه العادة التي يتكلم بها قومه ، لكن يبقى أنه يُصَرِّفُ الكلام كيف يريد ولا يجد لسانه مجبراً على الإعراب بسبب العامل مثلاً .
وعليه إن أمكن معرفة المراد ولو بالقرينة فهو الذي يفرض الوجه الصحيح في الإعراب ، ومع ذلك فالقرينة قد تكون يقينية أو ظنية فيتوجه الكلام إليها باعتبار ذلك فقط فنقول :
قال تعالى : (وأرجلكم إلى الكعبين) وتحديد الغاية مشعر بإرادة الغسل ومانع من اللبس فلا يضر الحمل على الجر بالجوار ما دام وجهاً صحيحاً ، وسيأتي الكلام على صحته.
وقراءة الفتح أيضاً قرينة دالة على إرادة الغسل ولو ظاهراً .
إلى هنا فالكلام مع قطع النظر عن الروايات ، ثم الأحاديث معينة لذلك المراد ، مصححة لهذا الإعراب ، أما تعيينها للمراد ففي قوله صلى الله عليه وسلم (توضأ كما أمرك الله) ثم ثبت عنه بالتواتر الأمر بالغسل ، وليس الكلام هنا على أن الأحاديث تأمر بالغسل ، بل على كون الغسل هو أمر الله جل وعلا في الآية ، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد وأعرفهم بكلام الله ، فدل على أن الجر لم يمنع عنده الغسل وما ذاك إلا لصحة هذا الوجه أو الوجه الآتي قريباً ، وهكذا عن غير واحد من الصحابة على ما سيأتي .
والوجه الثاني : هو أن قراءة الجر محمولة على عطف (وأرجلكم) على (برؤوسكم) واعترض عليه باعتراضات ، منها أن الباء إما للتبعيض أو الإلصاق ، وعلى الأول يفيد جواز مسح بعض الرجل ، وهو خلاف الآية لما فيها من إرادة التعميم بدليل التغيية بالكعبين ، أو تكون للإلصاق فتفيد وجوب التعميم في الرأس والرجلين ، وهو مردود بثبوت جواز مسح بعض الرأس في السنة .
فإن قيل : هي زائدة . قلنا : زيادتها لا يعني خلوها عن معنى جاءت لأجله ، بل لا يعني سوى أن النظم لا ينخرم بحذفها فقط ، لذا ترى النحاة يقولون : (والكاف زائدة للتوكيد) ونحو ذلك ، فيثبتون معنى ما مع قولهم بالزيادة.
واعترض عليه أيضاً بأن العرب الفصحاء فهمت من قراءة الجر (الغسل) وهذا على أحد أربعة أوجه ، الأول حمل (وامسحوا) على الاشتراك أو القدر المشترك بين المسح مع الإسالة والمسح بغير إسالة ، والثاني : حمل المسح على القدر المشترك بينهما ، والثالث : على أن المراد بسمح الأرجل مسح الخفاف والرابع : حمل الجر على الجر بالجوار والأول والثاني والثالث فيها خروج من الإشكال المذكور ، والرابع دليل على جواز الجر بالجوار عند العرب ، إذ أن فهم العربي كلفظه في الدلالة ، والأخير فيه خروج من إشكال من يمنع الجر بالجوار.
فإن قيل : فمن أين لكم أن العرب فهمت من قراءة الجر الغسل؟
قلنا : هذا كما تقدم ونعيده بالنقل ، وليس المراد الاستدلال بالنقل على وجوب الغسل ، فقد أراد أخونا تأخير ذكره عن الكلام في عربية الآية ودلالتها الإعرابية ، بل المراد به الاستدلال على فهم الغسل من قراءة الجر ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (توضأ كما أمرك الله) ثم ثبت بالتواتر عنه الأمر بالغسل ، فدل على أن أمر الله جل وعلا عند نبيه صلى الله عليه وسلم المفهوم منه الغسل .
وعن ابن عباس وهو ممن قرأ بالجر وروي عنه أنه قال : (عاد الأمر إلى الغسل).
ومثله عن علي بن أبي طالب وعروة وابن مسعود ، وكلهم عرب ، إلا أن يقال : لعلهم أرادوا قراءة الفتح.
قلنا : هذا يحتمل ، لكنه أيضاً يفيد أن قراءة الجر لم تمنع قراءة الفتح من الحمل على الغسل ، وهم عرب أقحاح ، وفيه فائدة أيضاً تتعلق بقراءة الفتح وهي جواز هذا العطف المفصول فيه بجملة أجنبية .
وسيأتي الكلام على قراءة الفتح لاحقاً.
بقي الكلام على الوجه المذكور أولاً وهو الجر على المجاورة ، حيث زعم الزجاج والسيرافي وابن جني ومن وافقهم شذوذه ، ولعله لم يُسبق الزجاج إليه ، على أن معنى الشذوذ قِلَّتُهُ في النقل لا ضعفه وخطأه ، ولا أعرف من سبق ابن جني إلى التصريح به. والله أعلم.
ومع ذلك فالنقل فيه كثير ، قدمت ذكر البعض وأعيدها وأبتدء بما الكلام جارٍ فيه وهو قول امرش القيس:

كأن ثبيراً في عرانين ودقه *** كبير أناس في بجاد مزمل
بخفض (مزمل) مع كونه نعت كبير المرفوع
وقال ذو الرمة :
تريك سنة وجهٍ غيرِ مقرفة *** ملساء ليس بها خال ولا ندب
كذا بخفض (غير) بحسب الرواية مع كونه نعت (سنة)
وقال دريد بن الصمة :

... ... ... ... ... ... ... *** وحتَّى عَلاني حالِكُ اللونِ أسوَدِ
حيث جر (أسود) لمجاورته (اللون) وهو صفة لـ (حالك) المرفوع.
وقال غيره :
كأن بناتِ نعشٍ طالعات *** قطار قاصد للشام زور
وقول النابغة :
لم يبقَ إلا أسير غير منفلت *** وموثق في حبال القد مجنوب
بخفض (موثق) مع أنه معطوف على (أسير)
وقول خزز بن لوذان السدوسي :
يا صاحِ يا ذا الضامرُ العنسِ *** والرحلِ والأقتاب والحلسِ
وقال الحطيئة :
فإيّاكم وحيّةَ بطن واد *** هموزِ الناب ليس لكم بِسِيّ
فجر (هموز) لمجاورته (وادٍ) المجرورة مع أنه صفة لـ (حية)
وقال عجاج :
كأنّ نسج العنكبوت المرمل
وقال آخر :

كأنّما ضرَبَتْ قُدّامَ أعيُنِها *** قُطناً بمُسْتَحْصِدِ الأوتارِ محلوجِ

وقال أبو كبير الهذلي :

سجراء نفسي غير جمع أشابة *** حشدا ولا هلك المفارش عزل

روي (حشد) بالنصب والرفع والجر ، والجر على الجوار لـ (أشابة) .
وقال الأخطل :

... ... ... ... ... ... *** وفَرْوَةَ ثَفْرَ الثَّوْرَةِ المُتَضاجِمِ
وأرجو أن في هذا كفاية .
أما كتاب الله جل وعلا ، فكثير أيضاً ، وفي بعضه نظر ، منه ما يلي :(وحورٌ عين) و(عذاب يومٍ محيط) و (في لوحٍ محفوظٍ) على قراءة من قرأ بخفظ (محفوظ) و (أَنَّ اللَّهَ بَرِىءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) في قراءة من جر (ورسولِهِ) على شذوذها ، و (لرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المتينِ) في قراءة الأعمش وابن وثاب ، وأجاز ابن وثاب في المتين الخفض على الجوار ، وغيرها يأتي لاحقاً.
بقي أنه قد يقال : إن كانت الرواية شاذة فكيف احتججت بها في الإعراب.

والجواب : أن المراد بالشذوذ في القراءات ما قدمناه من عدم التواتر ، لا كون القراءة خطأ في النحو.
فإن قيل : فقد قالوا : شرطه أن يوافق وجه نحوي؟
قلنا : هو شرط للمتأخرين ، والسلف على قبول ما صح سنده ولو آحاداً ، ويريدون بالوجه النحوي أن لا يخرج عن لغة العرب ، لا أن يشترط أنها تتفق مع ما قرره النحاة من القواعد ، إذ مقتضاه حينئذٍ أن القرآن ليس بحجة في اللغة أصلاً وهو خلاف صنيعهم .

هذا أولاً ، وإنما هذا الشرط فيما يستمر آحاداً حتى يخرج إلى عصر المولدين ، فإنه يخشى حينئذٍ أن يكون خطأ من راوٍ لا يحسن اللغة أو ليس كلامه بحجة فيها.ثانياً : إن صح أنه ليس بقرآن فهو متى ثبت عمن يؤخذ بقوله في اللغة حجة ، لأنه يحمل على أنه أخطأ في النقل لا أنه لم يحسن لغة نفسه.
ثالثاً : عامة ما يحتج به النحاة من الشعر والنثر الجاهلي ، هو أضعف نقلاً من القراءات الشاذة ، فلو رددناه رددنا شواهد النحو من الشعر والنثر من باب أولى كما تقدم عن ابن مالك.
أما ما قيل من كون القواعد مأخوذة من الاستقراء عن العرب ، فلا يفيد ، ذلك أن وجود رواية عن العرب تخالف هذه القاعدة دليل على عدم استيفاء الاستقراء الذي بنيت عليه تلك القاعدة ، أو أن تلك القاعدة أحد الأوجه التي يخرج عليها كلام العرب بدليل ما ثبت من نقل مخالف.
سلمنا أنه يُرَدّ ، فليس إذا كانت النقولات فيها متظافرة متعاضدة ، ولا تأول إلا بضرب من التعسف والتمحل.
وما استقبحه بعض النحاة لا يضير ، فقد يستحسنه غيرهم ، لذا ترى أبا عبيد كثير اللجوء إلى الإعراب بالجوار مثلاً مع تضلعه في هذا الفن وقرب عهده بأهل الفصاحة واللغة.
أعود إلى ما تقدم من الشواهد وإلى بيت امرؤ القيس :

كأن ثبيراً في عرانين ودقه *** كبير أناس في بجاد مزمل

فقد كنا قدمنا أن (مزمل) وصفٌ لـ (كبير) على الحقيقة باتفاق ، فكان حقه أن يرفع ، لكن جُرَّ لمجاروته (بجاد) المجرورة.وقد اعترض أبو علي الفارسي على هذا الإعراب بعين ما اعترض به السيرافي وابن جني على قولهم (جحرُ ضبٍّ خربٍ) فزعم أن (مزملٍ) صفة لـ (بجاد) أي مجازاً وأن التقدير : (في بجادٍ مزمل كبيرٌ فيه) ، ثم حذف حرف الجر وأضمر الضمير في مزمل أو حذف.تنبيه : في مشاركتي السابقة جعلت (ثبيراً) مكان (كبير) .
وقد رده ابن هشام والسيوطي بأنه حمل للوصف على غير من هو له حقيقة ، فيضعفه ثم فيه حذف ضمير الموصوف مع ضعف صفته وفي حذفه لبس إذ بحذف الضمير لم يعد ثم قرينة على كون الوصف لـ (كبير) أو (بجاد).
وهو بعينه ما عابوه في قراءة الفتح ، مع أن القرينة بل القرائن في قراءة الفتح موجودة ، بالإضافة إلى فوائد فيه لم توجد هنا ، إذ لا فائدة من هذا الإعراب الضعيف إلا محاولة التمحل من إعرابٍ زعموه ضعيفا.

تنبيه آخر : قد كان من ضمن ما اعترضت به على العطف على قوله جل وعلا (برؤوسكم) أن قوله سبحانه (إلى الكعبين) يكون حداً لكلٍّ من مسح الرأس وغسل الرجلين لاتحاد العامل وتعلق الجار والمجرور به ، ثم تنبهت إلى أن هذا واردٍ على قوله سبحانه (فاغسلوا وجوهكم وأيدكم إلى المرافق) لما فيه من اتحاد العامل وتعلق (إلى المرفقين) به.

فيتبين بهذا أنني أخطأت في تعلقي بهذا الوجه.
وأرجو تحمل نحو هذا مني ليس هذا الفن فني وإن كنت أحبه.
أما قول صاحب الموضوع : (وما نقلتموه مطولاً بعد ذلك ، فهو كلام لا يعدو أن يكون رأي أئمة لهم احترامهم وتقديرهم ولكني لا أرى فيه دليلاً على صحة ما تطلبوه !! إذ ان خلافنا ههنا ليس على إدغام حرف لام براء !!! كالذي نقلتموه عن الألوسي ، وإنما النقاش على أمر رآه اهل اللغة غلطاً ولحناً وشاذاً !!!)
فلو أنه ألزم نفسه بما يريده من غيره فنقل لابن جني والسيرافي وأبو علي وابن عصفور ولو حجة واحدة لفنردها بالنقاش ، لكان حسناً ، ولو جاز الاعتماد على مجرد النقل عنهم لكان النقل عن الأكثرين أولى لا محالة.كيف والنقل عن الجمهور مؤيد بالشواهد المتكاثرة من جهة ، وبإبطال دعاوى المخالفين من جهة أخرى ، فمثلاً نقل الألوسي أن اشتراط عدم اللبس والفائدة في العطف لا وجود له في كلام النحاة ، فكان الواجب في الرد عليه بيان من قال به قبل ابن عصفور ، لكن ... !
وهكذا النقل عن ابن هشام والسيوطي ، فلم يكن محض نقل بل فيه بيان وجه الدليل ، فكان الواجب في الرد عليهم بيان عدم ضعف الصفة وجواز حذف الضمير مع عدم أمن اللبس ، ولكن كان الجواب ...!
لا شيء تقريباً سوى تكرير أن المسألة خلافية ولا يعني الخلاف صحة ما اختلفوا فيه مع العلم أنه قرر أن من كانت معه الحجة فقوله الصواب ، فهلا فعل ذلك .
والله جل وعلا أعلم بالصواب.
 

نذير أحمد سالم

:: متابع ::
إنضم
8 سبتمبر 2011
المشاركات
45
التخصص
غير معروف
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

سيدي الأستاذ أيمن:
أستميحكم عذراً بتعقيب سريع وأرجو ان لا تعتبروه استطردا أو تفريعا غير مفيد ، وإلا فلكم عدم النظر فيه وتجاوزه.
قولكم : [ ولذا لا يردُّ الخبر المستفيض أو المتواتر وحتى الآحاد عن الشارع لظن بعض النحاة واجتهاداتهم وأقيستهم واستقراءاتهم (الناقصة في الغالب) ]
فأقول : أجاز المحدثون الرواية باللحن !!! فهم نقلة ولا أكثر، ومنهم من كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب([1])!!! أفمثلهم موثوقون في النقل يا هل ترى ونقلهم سيحكم على اللغة وقواعدها الكلية ؟؟!!!
قال الخطيب في (( الكفاية في علم الرواية )) (ص 182) : [ ( باب في اتباع المحدث على لفظه وإن خالف اللغة الفصيحة ) أخبرني محمد بن احمد بن يعقوب قال أنا محمد بن نعيم الضبي قال سمعت أبا زكريا العنبري يقول سمعت أبا العباس الأزهري يقول سمعت عبد الله بن الحكم بن أبى زياد القطواني يقول سمعت أبا عبيد يقول : لأهل الحديث لغة ولأهل العربية لغة ، ولغة أهل العربية أقيس ] .
وفي (( الكفاية في علم الرواية )) أيضاً (ص 186) في باب ( ذكر الرواية عمن كان لا يرى تغيير اللحن في الحديث ) : [ كان أبو معمر يحدث الحديث فيه اللحن أتيه اقتداء بما سمع ... عن أبى معمر قال : إني لأسمع الحديث لحناً فألحن إتباعا لما سمعت ] .
قلت : فإذا جاز عند بعضهم أن يُروى الحديث باللحن ، فكيف لنا أن نحتج به في العربية ؟!!

[ تنبيه ]

في أن اللغة تحكم على الحديث
واعتبر أهل العلم أن من دلائل وضع الحديث رِكَّة لفظه ومعناه ، قال النووي
في (( التقريب )) : [ فقد وُضِعَت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة[SUP]([2])[/SUP] لفظها ومعانيها ] .
وقال السيوطي في (( تدريب الراوي )) (1/233) : [ وقال شيخ الإسلام : المدار في الرِّكَّة على ركة المعنى ، فحيثما وجدت دل على الوضع ، وإن لم ينضم إليه ركة اللفظ ، لأن هذا الدّين كله محاسن ، والركة ترجع إلى الرداءة ، وقال : أما رَكَاكَة اللفظ فقط فلا تدل على ذلك لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى فغيّر ألفاظه بغير فصيح ، نعم إن صرح بأنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكاذب ] .
قلت : فانظر وتأمل كيف جزم الإمام السيوطي بكذب من ينسب حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي لفظه ضعف !! واللغة ميزان ذلك ودليله ، وبها يُقاس سلامة اللفظ أو ضعفه .

الهوامش

[1] ومن أمثلة هؤلاء جماعة من المحدثين الذين انصرفوا للحفظ مهملين باقي العلوم وخاصة علوم اللغة العربية فراحوا يروون الحديث بالمعنى دون ضابط يضبطهم ومنهم المسند الشيخ يوسف الغسولي الذي يقول عنه ابن العماد : كان أمياً لا يكتب مع أنه من مشايخ الذهبي ، وكالمسند إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، وقد بين حالهم الإمام العلامة المحدث الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على كتاب (( لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ )) لابن فهد ، انظر ما علقه الإمام الكوثري على ترجمة ابن الشرايحي (ص 261) .

[2] قال الرازي في (( مختار الصحاح )) : [ رَكَّ الشيء يرك بالكسر رِكَّةً ورَكَاكَةً : رَقَّ وضعف ، فهو رَكِيكٌ ] .
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آيـة الوضــوء

فأقول : وإن كان الأمر كذلك فهلم نبحث عن أئمة القراءت أنفسهم ناهيك عمن هم دونهم في تلك الأسانيد !! فلنجدن الغرائب والعجائب !!! ودونكم حفص بن سليمان بن المغيرة الأسَديّ
الكوفي القارئ ، ولا أود نقل كلام المحدثين فيه حتى لا تتوجه لي أصابع الاتهام مرة أخرى ويجر الموضوع إلى دهاليز التحقيق ، فانتم تعلمون ما قيل فيه وفي غيره ، والإشارة تكفيكم سيدي !!!
.
جزاكم الله خيرا.
مشاركات حافلة ، وفوائد طيبة، والله نسأل لكم التوفيق والتسديد.
لا أريد الدخول في نقاشكم، ولكن لم أستطع أن أطوي هذه الصفحة دون الإشارة الى أن حفص بن سليمان صاحب القراءة المشهورة في العالم الاسلامي الآن ، وإن كان ضعيفا في رواية الحديث إلا أنه ثقة في القراءات ، وضعفه في رواية الحديث لا يؤثر على إمامته في القراءات ، فكم من فقيه وقاض ولغوي ومؤرخ ضُعِّف في رواية الحديث ، وهو إمام في تخصصه ، وكم من إمام في الحديث ممن اعتنوا بالقراءات لم يصل الى درجة القراء المشهورين ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء .
وحفص بن سليمان رحمه الله ليس له كبير رواية في الحديث، فمجموع الأحاديث التي رواها لا تصل الخمسين إن لم أَهِم ، وجلها في فضائل الأعمال، أما في القراءات فكان ربيب الإمام عاصم بن بهدلة أبي النجود ، وأكثر الناس ملازمة له .
ولعاصم رحمه الله مجموعة كبيرة من التلاميذ الذين حملوا قراءته ، عدّ منهم ابن الجزري في "غاية النهاية في طبقات القراء" نحوا من ثلاثين - على ما أذكر- كلهم أئمة ، فلو أن حفصا غيّر أو بدّل لوقف الناس في وجهه، وبينوا عواره ، فهذه العلة وإن نقلها البعض في كتبهم ومقالاتهم ، لكنها منسوفة من أصلها. فاقتضى التنويه.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: آيـة الوضــوء

يا شيخ نذير بارك الله فيكم
وفي علمكم ونفسكم الطويل في البحث والتحقيق
ولن أدخل بين الأساتذة الكبار فهذا ليس مكاننا ويكفينا القراءة والاستفادة من المناقشات العلمية الهادفة
ولكن أخافتني هذه العبارة
فأقول : وإن كان الأمر كذلك فهلم نبحث عن أئمة القراءت أنفسهم ناهيك عمن هم دونهم في تلك الأسانيد !! فلنجدن الغرائب والعجائب !!! ودونكم حفص بن سليمان بن المغيرة الأسَديّ
الكوفي القارئ ، ولا أود نقل كلام المحدثين فيه حتى لا تتوجه لي أصابع الاتهام مرة أخرى ويجر الموضوع إلى دهاليز التحقيق ، فانتم تعلمون ما قيل فيه وفي غيره ، والإشارة تكفيكم سيدي !!!
فإن كان الإمام حفص الذي قرأ القرآن بقراءته الملايين منذ اثني عشر قرنا مطعون فيه وفي حفظه فمن الذي نثق بأخذ القرآن عنه؟
وإن كان الإمام حفص وهو أشهر القراء السبعة وأكثرهم أتباعا مطعون فيه
فكيف ستقرؤون القرآن وبأي قراءة ستحفظون؟؟؟
ولو جاءني مسلم يريد حفظ القرآن مشافهة إلى أين أوجهه ؟؟؟
أين نذهب بقوله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؟؟؟
يا أخي: التشكيك في القراءات المتواترة وعلماء القراءات جد خطير فلا تدخلوا من هذا الباب رعاكم الله
فكل من حفظ وأجيز حفظ بالسند المتصل إلى سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالقراءات المتواترة عن قراء كثر يستحيل تواطؤهم على الكذب
ونحن متفقون على هذا
فلا تكرروا ما يقوله المشككون في ديننا ولو على سبيل النقل بارك الله فيكم
فرب مستمع لتشكيك يبقى متأثرا به
ورب مبلغ لما تنقلون إلى من هو أجهل منه
وفقكم الله لخدمة هذا الدين
وهدانا وإياكم للحق والطريق المستقيم ،،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،
 
أعلى