رد: أبحث عن أسانيد كتاب مختصر الأخضري
التعريف بشرح الجوهر المكنون في صدف الثلاثة للأخضري –رحمه الله تعالى -
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن من مفاخر المسلمين العظيمة هذا القدر الهائل من التراث المخطوط في شتى العلوم الشرعية واللغوية، ومن تلك العلوم التي خدمها أجدادنا وكتبوا فيها علم البلاغة، ومن الملاحظ أن كثيرا من كتب هذا الفن ما زال مخطوطا كما أن كثيرا من المطبوع منها مازال يحتاج إلى خدمة علمية تخرجه على الوجه اللائق به من جهة، وعلى الوجه الذي يسهل الانتفاع به من جهة أخرى.
وخلال بحثي عن موضوع لمرحلة الدكتوراه وقعت على مخطوط لشرح العلامة عبد الرحمن الأخضري لمنظومته:"الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون"، والتي نظم فيها تلخيص المفتاح للقزويني، فوجدت المخطوط واضح الخط سهل الأسلوب، ثم اتضح لي من خلال البحث والتنقيب عن المعلومات المتعلقة بالمخطوط ما يلي:
أولاً: صحة نسبة الشرح للناظم حيث أثبت ذلك من ترجم له( ).
ثانياً: أن المخطوط الذي بين يدي هو شرح الناظم من خلال الموازنة بينه وبين النقول التي نقلها بعض أهل العلم عن شرحه حيث وجدتها متفقة معها، ثم تأكدت ثالثــًا من عدم تحقيق الكتاب من خلال الرجوع إلى فهارس المطبوعات والرسائل والاتصال بمركز الملك فيصل في الرياض ثم استشرت أستاذي و مرشدي الأكاديمي الدكتور: سعد الدين كامل – حفظه الله – فوافق عليه موضوعًا للدكتوراه بعنوان "شرح الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون لعبد الرحمن بن محمد الأخضري: دراسة وتحقيقــًا ".
أهمية الموضوع وأسباب اختياره :
كان سبب اختياري لهذا الموضوع عدة أمور منها:
1 – تعلق الشرح الذي اخترته بمنظومة بلاغية لها أهميتها الخاصة من عدة جهات منها:
أ – تعلقها بتلخيص المفتاح حيث إن منظومة الجوهر المكنون هي نظم للتلخيص كما مرَّ.
ب – اهتمام العلماء بها ويدل على ذلك:
أنها حظيت من بين منظومات التلخيص بشروح تجاوزت العشرة( )، بينما لم تحظ المنظومات الأخرى المتعلقة بالتلخيص بهذا العدد من الشروح بل إن بعضها لم يشرح أصلاً( )، وهذا الاهتمام راجع إلى نفاستها وشمولها.
ج – وجازتها وسهولة نظمها مع كثرة المعلومات التي حوتها، فعلى سبيل المثال نجد بعض منظومات التلخيص وصلت إلى ألفين وخمسمائة بيت كنظم زين الدين أبي العز الحلبي( )، ومنها ما جاوز الألف كعقود الجمان، ومنظومة الجوهر تمثلت في مائتين وواحد وتسعين بيتًا جمع فيها الناظم معظم مسائل التلخيص، وفيها زيادات من مصادر أخرى ، هذا مع قلة الضرورات الشعرية فيها مقارنة بمنظومة عقود الجمان سالفة الذكر.
2 – تميز الشرح عن غيره من شروح النظم بأمور منها:
أ- كون الشارح هو الناظم نفسه ولا شك أن فهم الناظم لنظمه مقدم على فهم غيره.
ب - اهتمامه بفك عبارة النظم وإعراب ما يحتاج إلى إعراب.
ج – إثراء البلاغة بشواهد جديدة كثيرة ، وخاصة في مجال الشواهد القرآنية.
3 – الرغبة في الإسهام في نشر تراثنا الإسلامي الذي ما زال كثير منه مخطوطا، وإخراج هذا الشرح إلى حيز الوجود.
خطة البحث:
سأقسم البحث بإذن الله إلى مقدمة وقسمين رئيسين تعقبهما الفهارس الفنية، وذلك على النحو التالي:
المقدمة: وسأذكر فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره وخطته ومنهجه.
القسم الأول: الدراسة وتشتمل على تمهيد وثلاثة فصول:
التمهيد: وفيه التعريف بالتلخيص وشروحه ومنظوماته.
الفصل الأول: التعريف بعبد الرحمن الأخضري وفيه مبحثان:
المبحث الأول: عصر الأخضري.
المبحث الثاني: حياة الأخضري ويشتمل على:
المطلب الأول: اسمه ولقبه وكنيته.
المطلب الثاني: مولده ونشأته ورحلاته ووفاته.
المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته.
المطلب الرابع: شيوخه.
المطلب الخامس: تلاميذه.
المطلب السادس: مكانته العلمية.
المطلب السابع: مصنفاته.
المطلب الثامن: عقيدته.
الفصل الثاني: التعريف بشرح الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: تحقيق عنوان الكتاب وتوثيق نسبته للمؤلف.
المبحث الثاني: منهج المؤلف في كتابه.
المبحث الثالث: مصادر الكتاب وشواهده، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مصادر الكتاب.
المطلب الثاني: شواهد الكتاب.
المبحث الرابع: تقويم الكتاب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مزايا الكتاب.
المطلب الثاني: المآخذ على الكتاب.
المبحث الخامس: وصف النسخ الخطية.
الفصل الثالث: موازنة بين شرح الأخضري وحلية اللب المصون.
القسم الثاني: النص المحقق.
الفهارس الفنية وتشتمل على:
أ – فهرس الآيات القرآنية.
ب – فهرس الأحاديث النبوية والآثار.
ج - فهرس الأبيات الشعرية.
د – فهرس الأمثال والحكم.
هـ -فهرس مصادر البحث ومراجعه.
و- فهرس الموضوعات
منهجي في التحقيق:
1 – اعتمدت طريقة التلفيق بين النسختين لعدم وجود ما يرجح إحداهما، ورمزت لنسخة مكتبة المسجد النبوي بالحرف (م)، ورمزت لنسخة دار الكتب التونسية بالحرف (ت)، وسيأتي في وصف النسخ الخطية في نهاية الفصل الثاني بيان أسبابٍ جعلتني أجعل كتاب " موضح السر المكمون" لمحمد الثغري نسخة مساعدة لهاتين النسختين( ).
2 – رمزت للصفحة اليمنى من اللوحة في النسخة ( م ) بالرمز (أ) وللصفحة اليسرى من اللوحة بالرمز (ب)، ووضعت رقم اللوحة في صلب الصفحة؛ فإن كنت نهاية الصفحة في وسط آية فإنني لا أضع الأرقام في وسط تلك الآية، بل أضع في الهامش ما ينبه على موضع انتهاء الصفحة، ولم أشر إلى صفحات النسخة (ت).
3 – قابلت بين النسختين ونبهت إلى الفروق بينهما في الهامش إلا ما كان خطأ محضًا في إحدى النسختين كخطأ في آية مثلا، أو كسقوط نقط بعض الحروف، خاصة وأن مثل هذا كثير في النسختين مما سيثقل الحاشية دون فائدة علمية ترجى من إثباته.
4 – عزو الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية وقد أكمل بعض الآيات في الحاشية إن تطلب الإيضاح ذلك وسألتزم في كتابة الآيات بالرسم العثماني برواية حفص عن عاصم وسأنبه في الهامش على ما خالفت فيه النسختان تلك الرواية؛ إذ أن المؤلف من أهل المغرب الذين انتشرت فيهم قراءة الإمام نافع( ) والظاهر أنها هي التي مشى عليها المؤلف في كتابه.
5 – توثيق القراءات القرآنية من كتب القراءات بالدرجة الأولى ثم من كتب التفسير المعتنية بالقراءات – إن لم أجدها في كتب القراءات - مع عزوها إلى أصحابها.
6 –توثيق الأحاديث النبوية والآثار من مصادرها المعتمدة.
7 – توثيق الأمثال والأقوال المشهورة من مصادرها.
8 – تخريج الشواهد الشعرية ونسبتها إلى قائليها.
9 – توثيق أقوال العلماء وآرائهم من كتبهم.
10 – الترجمة للأعلام باختصار.
11 – الالتزام بعلامات الترقيم وضبط ما يحتاج إلى ضبط بالشكل.
12 –وضعت في بداية كل علم أو باب أو فصل أو غيره عنوانًا من عندي في صفحة مستقلة بخط كبير، مع ملاحظة أن هذا قد يوافق العنوان الذي في أصل الكتاب، وقد يخلو الكتاب من العنوان.
وفي ختام هذا البحث، أشكر الرب عز وجل على ما يسر لإتمامه، ثمَّ أشكر والديّ اللذيْن رغباني وحبباني في العلم والمعرفة منذ نعومة أظفاري، كما أشكر كل من ساهم في مساعدتي في هذا البحث في كل من: المدينة النبوية، وجدة، والرياض، والأحساء، والمغرب بمدنه المختلفة، والجزائر، وتونس، ومصر، ونيجيريا، وهم من الكثرة بحيث أعجز عن حصرهم -أسأل الله أن يجزيهم أحسن الجزاء -، وأخص الجامعة الإسلامية وكلية اللغة العربية فيها بمزيد الشكر، كما أشكر مشرفي الدكتور: سعد الدين كامل عبد العزيز شحاتة على رعايته للبحث منذ بدايته، مع اعترافي أولاً وآخراً بما في هذه الصفحات من قصور كبير، و خلل غير يسير سائلاً الرب الكريم أن ينقلني من ظلمات الجهل إلى نور العلم، والله المستعان وعليه التكلان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
القسم الأول
قسم الدراسة
ويشتمل على تمهيد وثلاثة فصول.
التمهيد: التعريف بالتلخيص وشروحه و منظوماته.
الفصل الأول:
التعريف بعبد الرحمن الأخضري.
الفصل الثاني:
التعريف بشرح الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون.
الفصل الثالث:
موازنة بين شرح الأخضري وحلية اللب المصون.
التمهيد:
التعريف بالتلخيص وشروحه ومنظوماته.
بدأت ملاحظات العلماء المتعلقة بالبلاغة مبكراً على شكل كلمات متناثرة وآراء متفرقة في كتب الأدب واللغة، ثم ظهرت كتب تهتم بهذا العلم أكثر من أمثال "البيان والتبيين" للجاحظ( ) الذي جمع فيه قدرا لا بأس به مما كان متفرقا من الآراء حول مفهوم البلاغة، واستمر الحال هكذا إلى أن ألف الجرجاني( ) كتابيه: "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" اللذين يعدان أول ما ألف في هذا العلم تأليفًا مستقلاً شبه شامل لأبواب هذا العلم، وبعد هذين الكتابين ظهرت جهود قيمة لبعض العلماء أمثال الرازي( ) في "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" الذي اختصر فيه كتابي الجرجاني المذكورين، وابن الأثير( ) في "المثل السائر" وغيرهم.
ومن أبرز العلماء في هذه الحقبة أبو يعقوب يوسف السكاكي( ) و"الذي ألف كتابه "مفتاح العلوم" وجعله أقساماً، وخص البلاغة بالقسم الثالث منه، وقسمها إلى ثلاثة أقسام: المعاني والبيان والبديع، وبذلك تميزت علوم البلاغة ومباحث كل علم منها بالتفصيل"( ).
وقد حظي كتاب المفتاح كما لا يخفى بشهرة فائقة فعني به أهل العلم فأكثروا من الشروح والتلخيصات والتقارير المتعلقة به( ).
وكان من أبرز المهتمين بما كتب السكاكي في البلاغة الخطيب القزويني( )، وذلك من خلال عمليه الشهيرين: "التلخيص"، و: " الإيضاح "، لكن التلخيص على وجه الخصوص لاقى اهتماما عجيبا فدارت معظم كتب البلاغة بعده في فلكه ما بين مختصر وشارح ومحش وناظم، وقد كتبت رسالة دكتوراه بعنوان: التلخيص وشروحه " للدكتور أحمد مطلوب، تحدث فيها عن تلك الجهود بالتفصيل( )، فمن شروح التلخيص- على سبيل المثال لا الحصر -:
1 – عروس الأفراح لابن السبكي( ).
2 - المطول لسعد الدين التفتازاني( ).
3 – مختصر المعاني للسعد التفتازاني –أيضا - وهو اختصار للشرح السابق.
ومن منظوماته:
1 – ( عقود الجمان في المعاني والبيان ) لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي( )، وهي ألفية ضمنها السيوطي - رحمه الله - زيادات كثيرة ليست في التلخيص أصلا، وقد قام السيوطي نفسه بشرحها، كما شرحها العلامة المرشدي الحنفي( ).
2 – ( الجوهرالمكنون في صدف الثلاثة الفنون ) لعبد الرحمن الأخضري المتوفى سنة 953 هـ، وهو من علماء المغرب العربي في القرن العاشر الهجري( )، وقد اهتم العلماء بهذا النظم اهتماما بالغا حفظاً وتدريسا وشرحا، ومن تلك الشروح شرح عبد الرحمن الأخضري نفسه، وهو الشرح الذي أقوم بتحقيقه في هذه الرسالة سائلا المولى عز وجل العون والتوفيق.
الفصل الأول: التعريف بعبد الرحمن الأخضري
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: عصر الأخضري
المبحث الثاني: حياة الأخضري
المبحث الأول: عصر الأخضري
ينحصر حديثي عن عصر المؤلف في الحديث عن الحالة السياسية والاجتماعية والثقافية، وذلك على النحو التالي:
الحالة السياسية ( ):
وافقت ولادة الشيخ الأخضري سنة 920ﻫ بداية الحكم العثماني على الجزائر، وقد عرف ذلك العصر بعصر الاضطراب السياسي، وذلك لما حدث من الصراع بين الإسبانيين والعثمانيين في الحوض الغربي من البحر الأبيض المتوسط، فبعد أن استفحل الهجوم الإسباني على هذه المنطقة منذ أواخر القرن التاسع الهجري، وعجزت الإمارات المحلية في الجزائر عن صد هذا الهجوم توجهت إلى الجيش العثماني لطلب التعاون العسكري، واستغل العثمانيون ذلك ففرضوا سيطرتهم على المنطقة، وتمكن الحكم العثماني في الجزائر وطرابلس ومصر وتونس، وَتَمَّ لهم الاستقرار السياسي في هذه المناطق، وكان الحكم العثماني على الجزائر حكماً عسكرياً إقطاعياً، ثم إنه لم يكن الحكم العثماني على الجزائر خاصة حكماً استبدادياً مباشراً دائماً فهناك فترات لا نجد فيها الحكومة المركزية في الجزائر تتدخل مباشرة في تعيين الحكام في بعض البلدان، وربما كان أهل البلد هم الذين يختارون من بينهم قائداً ترضى عنه السلطة المركزية، وكانت هذه السلطة تكتفي في الولاة بود قاض يدير الأحكام باسمها، وبوجود حامية صغيرة من الجيش مع الدعاء للسلطان العثماني في الخطب، وقد كانت سياسة الحكام العثمانيين مع العلماء في العصر الذي عاش فيه الأخضري سياسة احترام وتقدير؛ ذلك أن العلماء كانوا على صلة بالناس في أثناء الدروس التي كانوا يلقونها في مجالسهم للفتوى والقضاء والزوايا وخطب الجمعة ونحو ذلك مما يكون له الأثر الكبير على الرأي العام، ولم يكن الشيخ الأخضري من العلماء الذين تقرب إليهم العثمانيون لطلب التأييد السياسي إلا أن زاوية الأخضري تعد من إحدى الزوايا التي كانت تتمتع بالعناية والتقدير من السلطة العثمانية.
الحالة الاجتماعية( ):
اختلط المجتمع الجزائري في القرن الذي عاش فيه الأخضري على طوائف متنوعة أثرت في ذلك المجتمع، فمن تلك الطوائف: أصحاب السلطة العثمانيون، والأندلسيون الفارون بدينهم بسبب الاضطهاد الإسباني، والنصارى سواء كانوا أسرى أو تجاراً، ويهود المغرب، هذا بالإضافة إلى السكان السابقين من البربر والعرب، وكان لكل طائفة من هذه الطوائف تأثيرها؛ فأما العثمانيون فقد قاموا بدور الربط بين المجتمع الجزائري والمجتمع الشرقي في المأكل والملابس والمشارب والألقاب والصنائع والتقاليد.
وأما الأندلسيون المسلمون المهاجرون فقد حلوا بمعظم المدن الساحلية الجزائرية، وكان لهم دور في مضاعفة الكفاح ضد الأسبان دفاعاً عن الدين والنفس، وساهموا كذلك عن طريق إدخال أنماط حضارتهم في تقدم حركة العمارة و الطب وغيرهما.
وأما النصارى فقد أثروا على المجتمع الجزائري بما لديهم من المحاكم والمستشفيات والكنائس والفنادق والمخازن والعملات وبضائع التجارة.
وأما اليهود فقد سكنوا الجزائر منذ القرن التاسع وذلك بعد طردهم من الأندلس وصقلية، وكان اليهود مهرة في الصنائع الدقيقة كالخياطة والصباغة واختبار جودة الذهب والفضة بالإضافة إلى التجارة في الصرافة والدخان والعطارة وغير ذلك مما أثر على الشعب الجزائري اجتماعياً واقتصادياً.
الحالة الثقافية( ):
رغم ضعف القرن العاشر الذي عاش فيه الأخضري – نسبة إلى قرون الإسلام الأولى – فإن الجزائر كانت تحظى بحركة ثقافية تتمثل في دروس العلم في المساجد والزوايا، وفي ظهور عدد من العلماء في تلك البلاد،ومع ذلك فقد انتشرت في ذلك العصر الخرافات والبدع، وكثر مدعو الولاية، وقد اهتم الأخضري برد كيد هؤلاء إلى نحورهم من خلال مواقفه العملية ومن خلال بعض تآليفه، كما أنه وقع معهم – عن اجتهاد – في بعض البدع والزلات كما سيتبين من خلال ترجمته في الأسطر الآتية.
المبحث الثاني: حياة الأخضري
ويشتمل على ثمانية مطالب:
المطلب الأول: اسمه ولقبه وكنيته.
المطلب الثاني: مولده ونشأته ورحلاته ووفاته.
المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته.
المطلب الرابع: شيوخه.
المطلب الخامس: تلاميذه.
المطلب السادس: مكانته العلمية.
المطلب السابع: مصنفاته.
المطلب الثامن: عقيدته.
المطلب الأول: اسمه ولقبه وكنيته:
هو أبو زيد عبد الرحمن بن أبي عبد الله( ) الصغير بن محمد بن عامر الأخضري.
وتكنيته بأبي زيد جارية على ما تعارف عليه الناس من تكنية من اسمه عبد الرحمن بهذه الكنية( ).
وقد ذكرت أقوال أخرى في اسم أبيه فقيل: محمد( )، وقيل: محمد الصغير( )، وقيل: سعيد( )، والراجح ما أثبته - وهو الصغير( )- لأنه هو الاسم الذي نص عليه المترجَم لهفي شرحه لمنظومته " السلم المنورق " عند شرحه لقوله:
قد انتهى بحمد رب الفلق ما رمته من فن علم المنطق
حيث قال:" هذا البيت لوالدنا سيدنا الصغير بن محمد ..... " ( )، و كذا سماه عبد الكريم الفكون- الحفيد – - وهو من العارفين بالأخضري والقريبين منه زمانا ومكانا – ( )، كما أن العلامة محمد الثغري الجزائري( )اعتمد هذه التسمية في الترجمة له( )، كما اعتمدها الأستاذ: أبو بكر بلقاسم ضيف الجزائري( ) محققُ شرح السلم للأخضري( ).
و مما يستأنس به( ) أن هذه التسمية موافقة لما جاء في بداية النسختين التين اعتمدت عليهما في تحقيقي لهذا الشرح، وكذا ما وقع في الصفحة الأولى من المخطوطين الذي اعتمد عليهما أحد محققي شرح الأخضري للسلم( )، وكذا ما وقع في بداية مخطوطة كتابه: " مختصر العبادات " المحفوظ في مكتبة المسجد النبوي برقم: 140 / 80 ( 1 )، بل قد وقع في كتاب أبيه المعنون له في مكتبة المسجد النبوي بـ: " شرح الأخضري على بعض فروض الأعيان من مختصر خليل " و المحفوظ فيها برقم: ( 76 / 2172) ما نصه: " قال الشيخ الإمام الفقيه العالم العلامة أبي( ) سيدي صغير الأخضري "( )، ووقع في آخره: " صغير بن محمد بن عامر الأخضري "( )، على أنه يمكن أن يقال أنه لا تعارض بين الصغير ومحمد الصغير لأن كثيرا من الأسماء التي تتركب من اسمين أولههما محمد مثل: ( محمد الصغير ) قد يدرج الناس فيها على إسقاط اسم محمد تخفيفاً، والله أعلم.
أما اسم جده فقد وقعت تسميته في بعض المراجع محمداً دون تحديد اسم والد جده( )، وهذا لا يعارض من أثبت اسم والد جده، وسمَّاه كلٌ من الدكتور: أبو القاسم سعد الله، والدكتور أمين الدين أبوبكر (محمد عامر)( )، وفيما أثبتاه احتمالان:
الأول: أن اسمه مركب: (محمد عامر).
الثاني: أنهما أسقطا لفظة
بن )، فعلى هذا الاحتمال يكون كلامهما موافقًا للمراجع التي قالت: (محمد بن عامر )، والظاهر أن هذا الاحتمال الثاني هو الراجح خاصة و أن المرجع الذي اعتمد عليه الدكتور: أمين الدين في إثبات الاسم هو هداية العارفين، والذي في هداية العارفين هو ( محمد بن عامر) ومضت الإشارة إلى هذا قبل قليل، كما أن المؤلف قد صرح بأن اسم جده ( محمد ) كما نقلت عنه قبل أسطر، كما سبقت الإشارة إلى ورود اسم والد جده في الكتاب الذي ألفه والده.
أما لقبه فقد اختلف في سبب تلقيبه بالأخضري، فقيل: إنه نسبة إلى جدةٍ له من بطن " خضيرة "، و قيل: نسبة إلى فرع من قبيلة "رباح" يقال له" أخضر" أو "الأخضر"، وقيل: نسبة إلى الجبل الأخضر، و قيل غير ذلك( )، ولعل أقرب الأقوال أنه نسبة إلى الجبل الأخضر.
ومما يرجح هذا أنني اتصلت بالأستاذ: ناصر بن عمار المختار الأخضري( ) فقال أنهم - فيما سمع من أبيه وأقاربه – من بني هلال( )، وأن الشيخ عبد الرحمن الأخضري من أجدادهم القدامى – كما عبر – وأن نسبتهم ( الأخضري ) هي نسبة إلى الجبل الأخضر في الجزائر( ).
لكن يشكل على هذه النسبة أن الجبل الأخضر – وهو جبل معروف في ليبيا - بعيدٌ عن المنطقة التي نشأ فيها الأخضري حيث يقع في شمال شرق ليبيا( )، لكن يزيل الإشكال أن بني سليم مروا بهجرات متعددة فلا مانع أن ينسبوا للجبل ثم ينتقلوا بعد ذلك إلى مكان آخر( )، والله أعلم.
هذا وقد قال الأخضري عن نفسه عند شرحه لقوله في السلم المرونق:
نظمه العبد الذليل المفتقر لرحمة المولى العظيم المفتقر
الأخضري عابد الرحمن ...........إلخ ما نصه: " وهو تعريف لنسبنا على ما اشتهر في ألسنة الناس، وليس كذلك بل المتواتر عن أعالي أسلافنا وأسلافهم أن نسبنا للعباس بن مرداس السلمي ...."( )، و ظاهر العبارة( ) أنه – رحمه الله - لا يعترض على النسبة إلى الجبل لأنه لو كان من سكان هذا الجبل فلا وجه للاعتراض على نسبة الشخص إلى مكان سكنه، وإنما يصح الاعتراض على النسبة إلى القبيلة إذا لم يكن الشخص منها، وعليه فظاهر العبارة مشكل لكن يمكن أن يقال: اكتسب فرع بني سليم الذي سكن الجبل الأخضر اسم الجبل فصاروا يعرفون بالأخضري مما جعل نسبتهم إلى سليم خفية فلذا اعترض الأخضري على النسبة لما تسببه من وهم( )، والله أعلم.
هذا، وقد تفرد مرجع واحد – في حدود اطلاعي – على ذكر والدة الأخضري فسماها (حدة) ووصفها بالصلاح وذكر أنها من قلب الأوراس المجاور لمنطقة الزاب الشرقي( )، بينما ذكر مرجع آخر أنها من تفلفل من بطن خضيرة ولم يسمها( ).
المطلب الثاني: مولده ونشأته ورحلاته ووفاته.
ولد المؤلف رحمه الله في بنطيوس الواقعة جنوب غرب بسكرة على بعد 30 كلم، وذلك سنة 920ﻫ( )، وكانت ولادته في السنين الأولى من حكم الأتراك للجزائر( )، ومما يدلنا على تاريخ مولده( ) قوله في منظومته
الدرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء ):
وقد فرغت من جميع النظم بأفضل الشهور شهر الصوم
من سنة( ) لأربعين مكملـة مـن بعد تسعمائة محصلة
وإن عنى بها عذول منتبـه فلبني العشريـن عذر متجه( )
فهو ينص على أن عمره كان عشرين سنة عندما فرغ من نظم أرجوزته في رمضان سنة تسعمائة وأربعين للهجرة، وبعد هذا التنصيص من الأخضري فلا عبرة بمن خالفه( )، وبالتتبع لمؤلفاته التي وقفت على نسخة منها ونص فيها على تاريخ التأليف وسنه( ) عند ذلك التأليف نجد أنه:
1- ألف السراج في ذي القعدة سنة 939 هـ وعمره عشرون سنة؛ فقد قال في آخرها:
و إن رآه عـارف فاستحسنـه فالعذر حق لابن عشرين سنة
في شهر ذي القعدة في المصيف( ) فراغنـا من جمع ذا التأليـف
سنـة تسـع وثلاثين مضـت من بعد تسعمائة قد انقضت( ).
2- ألف الدرة البيضاء في رمضان سنة 940ﻫ وعمره عشرون سنة، وقد مضت الإشارة إلى أبياته قبل قليل.
3 - ألف السلم المرونق في أوائل محرم سنة 941ﻫ وعمره إحدى وعشرون سنة؛ فقد قال في آخرها:
ولبني إحدى وعشرين سنة معذرة مقبولة مستحسنـة
لا سيما في عاشر القـرون ذي الجهل والفساد والفتون
وكان في أوائـل المحـرم تأليف هذا الرجز المنظـم
من سنة إحـدى وأربعين من بعد تسعـة من المئين( )
فمن خلال هذه التأريخات من المترجَم له نفسه نستطيع أن نقول إنه ولد تقريبا في شوال سنة 920ﻫ فيكون قد أتم تسع عشرة سنة في شوال سنة 939ﻫ، فلما نظم السراج في ذي القعدة من نفس السنة كان قد دخل في العشرين ولما نظم الدرة في السنة التالية في رمضان – أي بعدها بعشرة أشهر - كان في أواخر العشرين ولما نظم السلم في السنة التالية– لكن بعد أربعة أشهر من تأليف الدرة – كان قد دخل في السنة الحادية العشرين من عمره، وحسب موقع نداء الإيمان - في الشبكة العنكبوتية -يكون 1 شوال 920 ﻫ موافقا لـ: 18 نوفمبر1514م، وهذا يدل على خطأ ما في العقد الجوهري حيث جعل مولده سنة: 1502 م ( )، و جعله عمار طالبي 1512م – رغم أنه هو الذي حقق عقد الجوهري - ( )، ولو كان التاريخ الذي أثبتاه صحيحٍا لربما أفادنا في تحديد أدق لمولد الأخضري.
وقد نشأ الأخضري في بيت علم وفقه وصلاح فقد كان كل من جده وأبيه وأخيه الأكبر من المشتغلين بالعلم، بل " من أسرة علمية توارث أفرادها العلم قرونا "( )، وقد تتلمذ المؤلف على بعض أفراد عائلته كما سيأتي في ذكر شيوخه، وكان لهذه البيئة أكبر الأثر عليه، كما هو واضح من سيرته واهتماماته العلمية وجهوده الإصلاحية التي ستأتي الإشارة إليها.
وكما طلب الأخضري العلم على يد والده وأخيه فقد رحل - فيما يبدو - في العلم إلى بعض المناطق المجاورة كقسنطينة وليشانة؛ إذ أنه قد أخذ عن بعض أهل العلم فيها كما سيأتي في ذكر شيوخه، و قد ذكر بعض من ترجم له أنه رحل أيضا إلى تونس حيث أمَّ جامع الزيتونة فيها، ومكث فيه مدة( )، و الله تعالى أعلم.
هذا وقد ذكر معظم المترجمين للأخضري أنه لم يتزوج ولكن بعض الباحثين شك في ذلك لوجود عائلتين تنتسبان إليه( )، وفي العقد الجوهري أن أولاده ظلوا قائمين على زاويته كما أن هناك – كما مضت الإشارة إليه- عائلةً سعودية – من أصل جزائري - تسكن في المدينة المنورة تلقب بلقب الأخضري وتنتمي إلى المؤلف رحمه الله( ).
أما وفاته فلا بد من إطالة الكلام عليها لوجود قولين مشهورين في كتب التراجم، هذا مع كون الفرق بين القولين كبيرًا جدًا؛ فبينما يؤرخ البعض لوفاته بسنة: 953 ﻫ( ) يؤرخ آخرون بسنة: 983 ﻫ( )، والراجح هو القول الأول لما يلي:
1 – أنه قول معظم من ترجم له( ).
2 – أنه اختيار غير واحد ممن لهم اهتمام خاص بالأخضري، وهم:
محمد الثغري، أحمد بن داوود، و د – عمار طالبي، ود – أمين الدين أبو بكر
أما الأول( ) فهو -كما مر - أكثر شارحي الجوهر المكنون تأثرا بالأخضري ومعرفة بكلامه، ونجده يقول في حديثه عن الناظم: " بلغ من السن اثنين وثلاثين سنة بالوقوف على التاريخ معاينة( )، وأظنه توفي سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة "( )، و أما أحمد بن داوود فليس عندنا معلومات عنه لكنه – كما نبه بعض الباحثين- صاحب الرسالة الوحيدة المستقلة في ترجمة الأخضري( )، وأما الدكتور: عمار طالبي فله اهتمام بمؤلفنا وهو الذي نشر العقد الجوهري - المشار إليه قبل أسطر - بعد أن كان مخطوطاً، وأما الدكتور: أمين الدين أبو بكر فقد كانت رسالته للدكتوراه بعنوان: " الشيخ عبد الرحمن الأخضري: دراسة حياته وتحليل كتابه المختصر في العبادات "، وقد أعطى ترجمة الأخضري اهتماما كبيرا كما رحل إلى الجزائر بحثا عن أي معلومات تتعلق به مما جعله يقف على ما لم يقف عليه غيره.
3 – أن الشيخ عبد اللطيف المسبح ( )– الذي توفي سنة 980 ﻫ - ترحَّم على الأخضري في بداية كتابه " عمدة البيان في معرفة فروض الأعيان " – وهو شرح لمختصر العبادات للأخضري – مما يدل بكل وضوح أن وفاة الأخضري سبقت وفاة الشيخ المذكور.
4 – أن كثيرا ممن أثبتوا سنة 983 ﻫ اعتمدوا على الزركلي في الأعلام( )، وبالرجوع إلى مصادر الزركلي في الأعلام نجد أنها أربعة مصادر، و ليس في شيء منها ذكر لسنة الوفاة( ) إلا ما ورد في كشف الظنون( )، ونصه: " السلم المنورق ( المرونق ) في علم المنطق أرجوزة في نظم: ( إيساغوجي ) للشيخ: عبد الرحمن بن سيدي: محمد الصغير، أوله:
الحمد لله الذي قد أخرجا نتائج الفكر لأرباب الحجا
نظمه: سنة 941 ﻫ إحدى وأربعين وتسعمائة ( 983ﻫ ) وعمره: إحدى وعشرون سنة.
ثم شرحه أوله: ( الحمد لله الذي جعل قلوب العلماء سموات تتجلى فيها شموس المعارف . . . الخ ) " والملاحظ أنه ليس في عبارته ذكر للوفاة، إلا أن يكون الرقم الذي ذكر بعدقوله: (إحدى وأربعين وتسعمائة)( ) مصطلحا له في طريقة ذكر الوفاة، وقد أشكل علي إقحام هذا الرقم بهذا الشكل، وبالرجوع إلى نسخة خطية لكشف الظنون محفوظة في مكتبة: " رباط قره باش " الموجودة ضمن المكتبات الوقفية في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالمدينة المنورة برقم: ( 3121 )لم أجد فيه هذا الرقم الذي يبدو أن الزركلي اعتمد عليه في ذكر سنة الوفاة، فيكون ذكر هذه السنة على هذا وهما محضا والله أعلم.
ولعل أقوى ما يمكن أن يستدل به المؤرخون بأن الوفاة كانت سنة: 983ﻫ هو أن أحد الأفاضل وجد ما يدل على أنه توفي سنة إحدى وثمانين وتسعمائة( )، إذ عثر على تأليف له نظم فيه الآجرومية قال في ختامه:
تم بحمد الله ما قصدنـا من نظم هذه التي أردنـا
سميتها بالدرة البهيــهْ فهي لما في أصلها محويـهْ
وكان في محرم الحـرام بـدءا وختمنا لذا النظام
في عام إحدى وثمانين سنه .....( )
وقد ضعف الدكتور: أبو القاسم سعد الله هذا القول لاحتمال وجود تصحيف من النساخ بقراءة إحدى وثمانين بدل إحدى وثلاثين( )،كما أن المحتج بهذا لم يذكر شيئا من أبيات المنظومة الدال على أنها للأخضري، والله أعلم.
هذا وقد أفاد الدكتور: أبو القاسم سعد الله أن بعض الباحثين يشككون في كونه لم يعش سوى ثلاث وثلاثين سنة لأن نضجه العلمي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان قد تقدم في السن( )، قلت: وهذا غير مسلم أبدا فقد ألف منظومته في المنطق وعمره إحدى وعشرون سنة، بل قد ألف قبلها عدة مؤلفات مما يدل على نضجه في سن مبكر يسبق وفاته بأكثر من عشر سنوات، والنماذج على النبوغ المبكر في تاريخنا الإسلامي كثيرة جدا، ولا ينبغي أن نحكم على السابقين بحسب ما نرى في عصرنا من ضعف العزائم.
هذا وقد كانت وفاة الأخضري في قرية كجال جنوب شرقي مدينة سطيف( ).
المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته.
من المهم في ترجمة العلماء ذكر أخلاقهم وصفاتهم؛ ذلك أنها من أكبر ما يدفع طالب العلم للانتفاع بما تركوه من مؤلفات وآثار، كما أن تلك الأخلاق والصفات نافعة جدًا في تقويم سلوك طالب العلم من خلال الاقتداء بهم، ولما لم أجد في كلام المترجمين للمؤلف حديثا عن هذا الأمر - إلا فيما ندر كما سيتضح بعد قليل – فقد حاولت معرفة بعض أخلاقه التي انعكست على كتابه الذي أقوم بتحقيقه، ولذا فإن أغلب ما أذكره هو استنباط وفهم من خلال النظر في كتابه، كما أن هناك بعضاً من الصفات التي ذكرها من ترجم له، فمن صفاته وأخلاقه – رحمه الله -:
1 – الورع وحفظ اللسان عن كل ما من شأنه أن يضر الإنسان، فمن ذلك أننا نجده يتحاشى مثالاًً ذكره بعض البلاغيين لأنه يرى فيه سوء أدب فيقول:" وما مثل به التفتزاني في هذا المحل مما لا يليق، بل لا ينبغي أن تتحرك به الألسنة ولا الأقلام ولا القلوب، ومن المستعظم أن يردد مثل ذلك في مجالس العلم، لايقال إن كثرة التسمية بهذا الاسم يخفف ذلك إذ لا يتوهم عاقل معه حينئذ إرادة الكليم لأنا نقول: ذكر هارون معه يكاد يشخص إرادة الكليم عليه السلام لاجتماعهما في الخيال من كثرة ذكرهما في القرآن مع أنه لا يكاد يوجد في عظيم الأمصار أخوان تسميا موسى وهارون فأول ما يلتفت العقل عند سماع اسميهما معا إليهما، والله الموفق"، وهو في هذا النص يشير إلى تمثيل التفتازاني بقول الشاعر:
حلقت لحية موسى باسمه وبـهارون إذا مـا قلبـا( ).
2 – الحرص على نفع طلبة العلم، ويظهر ذلك في كتابه من خلال:
أ – البعد عن التعقيد في العبارة.
ب – بسط العبارة إذا كانت محل سؤال الطلبة، بل قد يعيد ما قد شرحه في موضع سابق لمجرد ورود سؤال عليه من طالب يسكن في بلدة أخرى، فنجده يقول: " وإنما ذكرت هذا فيهما مع وضوحها مما تقدم لأن بعض خاصة إخواني وأحبتي في الله تعالى كتب إلي من بلاده كتابا يسألني فيه عن هذا البيت؛ إذ لم يستخرج حروفها، أسأله سبحانه أن يمدني وإياه و جميع إخواني وأحبتي في الله تعالى بما أمد به عباده المخلصين وأولياءه المقربين، وأن يحشرني وإياهم تحت لواء محمد -صلى الله عليه وسلم - " ( ).
ج- انتهازه لأي فرصة لتذكير طالب العلم ووَعْظه، وأمثلة هذا متعددة كما سيأتي في بيان المنهج التربوي عند المؤلف( ).
3 – الأدب في نقد العلماء، فتجده قد يقع على قول لبعض العلماء استخدم فيه تعبيرا غير لائق شرعًا فيبين رأيه بأسلوب ليس فيه شيء من الحط من قدر العالم، بل يستخدم عبارات من نحو قوله: " وأخاف أن يكون إطلاق مثل ذلك سوء أدب " ( ).
4 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلم و اللسان واليد فقد عُدّ من العلماء القلائل- في بلاده وعصره - الذين وقفوا في وجه المبتدعة من خلال مؤلفاته وأبرزها المنظومة القدسية، كما عرف بإنكاره بلسانه وبيده على أولئك المبتدعة( ).
5 – الزهد في الدنيا وقد وصفه به غير واحد( )، بل إنه لم يكن في ذلك كمن يتظاهرون بالزهد لينالوا تعظيم الناس أو أموالهم فـ:" ...لم يدع الأخضري أثناء حياته كرامة ولا كشف ستر ولا إدراك علم الظاهر والباطن، وإنما كان عالما عاملا؛ يؤلف المتون ويشرحها، ويجمع الكتب ويفهِّمُهَا، ويجلس للدرس ويخرج العلماء شأن العلماء الصالحين ..."( )
6 – العبقرية و النبوغ( )، وهذا جلي في مؤلفاته المتعددة التي أصبح الواحد منها عمدة في بابه مع ملاحظة عمره القصير وإنتاجه الغزير.
7 – ذكر بعض من ترجم له أنه كان مجاب الدعوة( ).
المطلب الرابع: شيوخه.
لا شك أن لتلقي العلم على أهله نفعا كبيرا في تكوين طالب العلم: خلقيًا وعلميًا وفكريًا، ولذلك كانت سنة التلقي عن الأشياخ معروفة منذ القرون الفاضلة فما بعدها، وقد مضى الأخضري رحمه الله في هذا الطريق، وقد كان من عادة العلماء في عصره وبيئته كتابة أثبات بأسماء شيوخهم لكن مثل هذا الثبت لم يعرف عن الأخضري( )، لذا كان من الصعب معرفة أسماء شيوخه فلم أعثر إلا على القليل منهم، وفيما يلي ذكر مشايخ الأخضري الذين وقفت على تلقيه العلم عنهم:
1- جده محمد بن عامر الأخضري، ولم أصل إلى معلومات عنه سوى أنه له جمعا لبعض الفتاوى الفقهية( ).
2- والده الصغير، ومن المعلومات القليلة التي وصلت عنه أنه كان رجلا مصلحا حارب بدع الصوفية بكتاب ألفه( ) كما وضع حاشية على مختصر خليل( ) وشرحا لما غمض من ألفية ابن مالك( )، ومن العلوم التي درسها على والده الحساب والفرائض كما نص في شرحه للدرة في باب الوصايا( ).
3- أخوه الشقيق أحمد الأخضري، ومن المعلومات القليلة التي وصلت عنه أنه كان فقيهاً ورعاً زاهداً ، و أنه اشتغل بالتدريس عن التأليف( ).
4- الشيخ محمد بن علي الخروبي المتوفى سنة 963 ﻫ - وهو عالم مشهور وأغلب مؤلفاته كانت مركزة على الأوراد والأذكار وعلوم التصوف، وقد تلقى المؤلف الطريقة الشاذلية عنه( ).
5- الشيخ عمر الوزان المتوفى سنة 960 ﻫ – 1584م، وهو من علماء قسنطينة البارزين في القرن العاشر الهجري، كرس حياته في نشر العلم، وكانت تشد إليه الرحال من كل حدب وصوب، وكان قمة في العلوم النقلية والعقلية صالحاً ورعًا مشغولاً بعلم التصوف في أول حياته العلمية، ثم انكب على علم الحديث حتى حفظ صحيح البخاري بأسانيده، وقد تأثر الأخضري بشيخه الوزان في عدة جوانب ( ).
6- الشيخ عبد الرحمن بلقرون: وهو رجل صالح من العلماء الزاهدين في قرية " ليشانه( )" ( ).
تنبيه( ): ذكر بعض أهل العلم( ) أن من شيوخ الأخضري العالم المعروف بزروق( ) والأمر ليس كذلك إذ توفى زروق سنة 899 ﻫ، بينما ولد الأخضري كما مر سنة 920ﻫ أي بعد إحدى وعشرين سنة من وفاة الشيخ زروق، والحقيقة أن زروقاً كان من شيوخ والد الأخضري وقد جاء في خاتمة المنظومة القدسية ما نصه:
ففي كتاب شيخنا زروق عجائب فاتقـة الرتـوق( )
فلعل هذا البيت من أسباب الوهم الذي وقع ، ولعل من أسبابه أيضا تقاربهما – أعني زروقا والأخضري- في منهج التعامل مع التصوف والصوفية، ودعوتهما إلى ضرورة العودة إلى الكتاب والسنة( )، والله أعلم.
المطلب الخامس: تلاميذه.
شغل الأخضري معظم وقته بالتدريس وقد وفد عليه كثير الطلاب من أماكن مختلفة( )، ومما يدل على تدريسه للطلبة ما أشار إليه في النص المحقق من تدريسه لألفية ابن مالك( )، ومع هذا كله إلا أنني لم اطلع سوى على أسماء عدد قليل من طلابه وهم:
1- الشيخ أبو فارس عبد العزيز بن أحمد بن مسلم الفارسي( ) له بعض الجهود المتعلقة بمؤلفات الأخضري وقصائده، و قد كان الأخضري يرسل إليه مصنفاته لينسخها له لينشرها على تلاميذه( ).
2- الشيخ عبد الكريم الفكون- الجد المتوفى سنة 988هـ جد عبد الكريم الفكون – الحفيد - المتوفى سنة 1073 – و الفكون من العوائل العريقة في العلم والتي تأثرت بالأخضري في طريقة محاربة البدع( ).
3 - الشيخ إبراهيم قدورة والد سعيد قدورة، وعائلة قدورة من العوائل الشهيرة بدورها العلمي والسياسي( ).
4 – طالب من بلدة تفلفل( ) كان ينسخ كتب الأخضري، وقد وصفه الأخضري نفسه بأنه من خاصة إخوانه وأحبته في الله( ).
5 – رجل صالح من بلد فرفار إحدى قرى الزاب، له شرح على مختصر شيخه في الفقه( )، ويحتمل أن يكون عبد اللطيف المسبح الذي سبق ذكره عند الكلام على وفاة المؤلف( ).
المطلب السادس: مكانته العلمية.
مكانة الأخضري لا تحتاج إلى بيان خاصة عند أهل المغرب العربي وبلاد غرب إفريقيا، ومما يدل على مكانته:
1 – ابتداؤه التأليف في سن مبكرة حيث ألف عددا من المؤلفات قبل أن يبلغ العشرين من عمره( ).
2- كثرة مؤلفاته مع كونها في علوم متعددة كالفقه والمنطق والفرائض والحساب والنحو والبلاغة والفلك، وقد" لفت إليه الأنظار بنبوغه في الحساب والفرائض والبيان وغيرها"( )، وعد من أشهر المؤلفين في عصره( ).
3 – اعتماد عدد من مؤلفاته في كثير من الجامعات والمعاهد الشرعية وحلق العلم قديما وحديثا.
4 – تأثير عدد من مؤلفاته في تعليم المجتمع وتصحيح عقائده، " ورغم قصر حياة الأخضري حسب معظم الروايات فإنه قد أثر على معاصريه والأجيال اللاحقة أيضا بكتبه وسلوكه وخصوصا المتون التي نظمها وشرحها "( ).
5 – ثناء العلماء عليه وعلى كتبه، وهذا كثير في شروح العلماء لكتبه، وكذلك في ترجمتهم له، لكنني لا أرغب في الإطالة بمثل هذا؛ لأن كتب المؤلف وجهوده ظاهرة في هذه الترجمة بما أظنه يغني عن مثل هذا الثناء الذي لا تخلو منه ترجمة لعالم، ومما قيل فيه من قبل عالم مؤرخ مدقق: " ولو لم يكن للخروبي من التلاميذ غير عبد الرحمن الأخضري لكفاه "( )، وكفى بها شهادة ممن كتب موسوعة تاريخية عن البلد التي عاش فيها الأخضري( ).
6 – احترام الدولة العثمانية لزاويته ونسله القائمين عليها لمدة طويلة بعد وفاته تمتد لأكثر من مائة سنة( ).
المطلب السابع: مصنفاته.
يعد الأخضري من المكثرين من التأليف فرغم أنه لم يعش سوى ثلاثة وثلاثين عامًا – على الراجح – إلا أن مؤلفاته تصل إلى حوالي ثلاثين مؤلفا( ) وقد بدأ في التأليف في سن مبكر كما سيأتي، وهذه قائمة بأسماء ما وقفت عليه من مؤلفاته، وقد رتبت مؤلفاته أبجديا لكن لما كان من عادة الأخضري شرح منظوماته بنفسه( ) أتبعت كل منظومة بشرحه لها - إن كان قد شرحها-( ):
1- " أرجوزة في طبيعة النفس "( ): كتبها وهو ابن أربع وعشرين سنة 944 ﻫ وهي موجودة في المتحف البريطاني ومكتبة ميونيخ بألمانيا، وقد تكون نفس القدسية الآتية.
2 - " أزهر المطالب في هيئة الأفلاك والكواكب "( ): وهذا المصنف كما يدل عليه اسمه في علم الفلك وقد ألفه الأخضري وهو ابن عشرين سنة، وتوجد نسخة مخطوطة من كتاب الأخضري هذا بدار الكتب الوطنية، تونس رقم 17905 ورقة 33.
3 - الاستغاثة وهي قصيدة تصور حالة الفساد في عصر الأخضري( ).
4 – أسماء الله الحسنى( )، وتوجد نسخة منه في بريطانيا.
5- الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون: نظم لتلخيص المفتاح للخطيب القزويني في البلاغة، وقد كتبه وهو ابن ثلاثين سنة، وهو النظم الذي أحقق شرحه في هذه الرسالة.
6 – شرح الجوهر المكنون: شرح للنظم السابق وهو الكتاب الذي أقوم بتحقيقه وسيأتي الكلام على المتن والشرح مفصلاً – بإذن الله -.
7 - الدرة البيضاء من أحسن الفنون والأشياء( )، وهذا هو الاسم الصحيح للمنظومة – خلافا لمن أثبت ( في ) بدلا من ( من ) - بدليل ما نص عليه في نفس النظم بقوله:
سميتـه بالـدرة البيضـاء من أحسن الفنـون والأشياء ( )
وقد ألف الأخضري هذه المنظومة وهو ابن عشرين سنة، وهي منظومة تقرب من خمسمائة بيت قسمها الأخضري إلى ثلاثة أقسام: الحساب والميراث والقسمة العملية للزكاة، وعد بعض المؤرخين هذه المنظومة " من أهم الأعمال التي قدمها الأخضري للعلم"( )، وقد كانت الدرة عمدة في علم الفرائض والحساب عدة قرون لا في الجزائر فحسب بل في أنحاء العالم الإسلامي بما في ذلك الهند( )، كما ترجمت هذه المنظومة إلى اللغة الفرنسية( )، وتوجد مخطوطة للدرة في المتحف البريطاني تحمل رقم 7704 وتوجد نسختان من القصيدة في المكتبة الوطنية بالجزائر ( 399 ) ( 1330 ).
8 - شرح " الدرة البيضاء "( ): شرح للنظم السابق ولكنه لم يتمه، وقيل بل أتمه ثم ضاع منه في فتن قَبَلية اندلعت في المنطقة أثناء حياته، وقيل بل لم يشرحه أصلا، هذا وقد أتم الشرح الناقص الذي وصل إلينا رجل مجهول، ورجح الدكتور أبو القاسم سعد الله أن الذي أتمه هو الشيخ عبد اللطيف المسبح( )، وقد طبع هذا الشرح في القاهرة قديما( )، وتوجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بالجزائر برقم 482 ، ولعل الذي يفصل في النزاع ويؤكد إتمام شرحه للكتاب – مع التسليم بأن جزءا منه فقد - ما ثبت عنه بالنص في شرحه للدرة في آخر الجزء الثاني حيث قال: " وقد وضعنا قبله شرح جملتي الحساب( )...( ) وبسنين متعددة فلما أكملناهما ابتلينا في المغران بالطائفة المرتدة عليهم لعنة الله( ) فسلبوها مع شيء من الكتب، فصرفتنا صوارف الأقدار بعد ذلك عن الإعادة حتى رده الله تبارك وتعالى بفضله مع شيء من الكتب بسبب مصادفة بعض الإخوان في أرض ريغ جزاهم الله خيرا، فدعاني كثير من الإخوان إلى تمامه بشرح الفقه( )، فلم يتيسر لي إلا في بعض زوايا الجبال عمرها الله تعالى وزكاها..." ( )، فظاهره أنه أتم شرح القسم الثالث( ) ولكنه لم يصل إلينا( )، والله أعلم.
9 - رسالة في التحذير من البدع، ويبدو من صنيع من ذكرها أنها مغايرة للقدسية ( ).
10- رجز في الحساب طبع بمصر، ويبدو من صنيع من ذكره أنه مغايرللدرة البيضاء( ).
11- رجز في التوحيد( )، ولعله نفس الفريدة الغراء التي ستأتي الإشارة إليه.
12 - " الزهرة السنية "، أرجوزة لم أتبين موضوعها ولا مكان وجودها ( ).
13 - السراج( ): وهو نظم في علم الفلك كتبه وهو ابن عشرين سنة( )، وفيه مخالفات عقدية يأتي تفصيل الكلام عليها في مبحث عقيدة المؤلف بإذن الله، وتوجد من السراج نسخ مخطوطة في عدة مكتبات منها مكتبة الزاوية العثمانية بطولقا الجزائرية والمكتبة الوطنية بالجزائر برقم 1415.
14- شرح السراج
) وليست عندنا معلومات كثيرة عن هذا الشرح، بل يحتمل أنه لم يشرح السراج أو شرحه ولم يتمه( ).
تنبيه: قال في الأعلام – في ترجمة الأخضري -: " "شرح السراج - ط" في علم الفلك, والأصل قصيدة لسحنون الوانشريسي"( )، وهذا وهم محض، و الصواب أن سحنونًا هذا شرح السراج الذي نظمه الأخضري، وسمى شرحه:" مفيد المحتاج "، و الكتاب مطبوع قديمًا معزواً إلى سحنون.
15- " السلم المرونق "( ): نظم ألفه الأخضري في علم المنطق وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وهو من أشهر منظوماته وقد شرحه كثيرون من أهل العلم وطبع عدد من تلك الشروح مرارا .
16 - شرح" السلم المرونق"( ): شرح للنظم السابق، وقد طبع هذا الشرح طبعات عديدة، وقد اهتم العلماء بهذا المتن حفظاً وتدريسًا وشرحًا وتحشيةً.
17 - " شرح العقيدة الصغرى للسنوسي "( ): وهو شرح لمتن عقدي أشعري مشهور، وتوجد مخطوطة لهذا الشرح في الجزائر بالمكتبة الوطنية برقم 1426( ).
18 - عقيدة الأخضري من تأليفه منها نسخة في خزانة ابن يوسف بمراكش (م 360/ 7)، ولا يبعد عندي أن تكون نفس مختصر العبادات الذي سيأتي ذكره فقد وجدته مخطوطا بهذا العنوان وبعناوين أخرى متعددة.
19 - الفريدة الغراء في التوحيد( )، وليس عندي أي معلومات عنها ، ويحتمل أن تكون نفس الكتاب السابق.
20 - " القدسية "( ): نظم ألفه الأخضري في آداب السلوك والتصوف مع الرد على بدع المتصوفة وهو ابن أربعة وعشرين سنة تقريباً( )، حيث قال في آخر بيت فيها:
في أربـع وأربعين قـد نجـز في عاشر القرون قل هذا الرجز( ).
ولهذه المنظومة أهمية خاصة في تصور مصطلح التصوف عند الأخضري، و بيان موقفه من كثير من مخالفات الصوفية..
هذا؛ وقد قامت الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة بطبع هذه القصيدة مع مقدمة الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وسماها " الطريقة الشرعية وبراءتها من الطرق المنحرفة وضلالاتها "، ونشرت قبل ذلك ضمن الرسائل المنيرية.
21 - كتاب في التاريخ ينسب إلى الأخضري، وهو في حكم المفقود ( ).
22- " مختصر العبادات " متن نثري صغير فيه آداب إسلامية بالإضافة إلى أحكام الطهارة والصلاة وسجود السهو، وقد اهتم العلماء بهذا المتن النثري حفظًا وتدريسًا وشرحًا ونظمًا، بل قد ترجم إلى عدة لغات( )، وله عدة أسماء في كلام المترجمين وأصحاب فهارس الكتب مما قد يسبب صعوبة عند الباحث في تحديد كون المذكور كتابًا آخر أو هو نفس المختصر المذكور( ).
23 - موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب( ): والمعروف أن: " موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب " كتاب للشيخ خالد الأزهري( )، ولا مانع من وجود اسم واحد لكتابين مختلفين، لكنْ تَفَرَّدَ مرجع واحد متأخر بنسبة الكتاب للأخضري مما يجعلني مترددا في نسبة الكتاب إليه، والله أعلم بالصواب.
24- " نظم الآجرومية في النحو "( ).
25– " نَظم المغني لابن هشام "( )، مطلعه:
هذا بحمد الله نظم سهل مورده للطالبين نهـل
26 - " نظم في العمل بالاسطرلاب "، لكن يحتمل احتمالا كبيرًا أنه نفس أرهار المطالب الذي سبقت الإشارة إليه؛ لأن أكثر من مرجع نص أن أزهار المطالب في علم الاسطرلاب مع خلافهم في تسميته اختلافا كثيرا( ).
27- الوحي إلى أم موسى، وقد عُدَّ الكتاب في علم التفسير( ).
28 – الوصية وهي قصيدة تصور حالة الفساد في عصر الأخضري( )، ويحتمل أن تكون هذه الوصية هي نفس القصيدة المسماة تحفة الشبان والتي يقول فيها:
أوصيكم يا معشر الشبان عليكم بطاعـة الـرحمن
إياكم أن تهملوا أوقاتكم فتندموا يوماً على ما فاتكم( ).
وله أعمال أخرى عدها بعضهم من مؤلفاته، لكنها أقرب إلى القصائد منها إلى المؤلفات، وهي تدور بين المديح النبوي والوعظ والحكم( )، ومنها قصيدته في نبوة خالد بن سنان العبسي، وسيأتي الكلام على هذه القصيدة مفصلا في مبحث عقيدة المؤلف( ).
هذا وقد كان لبعض مؤلفات الأخضري أثر كبير على تصحيح العقائد، بل اقتفى من بعده أثره في هذا المجال فألفوا كتبا مشوا فيها على طريقته ونسجوا على منواله، كما أن مجموعة أخرى من مؤلفاته قررت للتدريس في بعض الجامعات الإسلامية كالأزهر والزيتونة واهتم العلماء بشرح كتبه أيما اهتمام( ).
تنبيه: وجدت كتابين نسبا لعبد الرحمن الأخضري وهما:
1 – : " شرح الأخضري على بعض فروض الأعيان من مختصر خليل "، وهو مخطوط بمكتبة المسجد النبوي برقم: ( 76 / 2 217 ) ،وقد نسب في فهرسها إلى عبد الرحمن الأخضري، والصواب -كما هو ظاهر في أول المخطوط و آخره – أنه لوالده الصغير بن محمد بن عامر الأخضري.
2 - نظم الوغليسية وهو مخطوط بمكتبة المسجد النبوي وتردد المفهرس في كون الكتاب لعبد الرحمن الوغليسي البجائي ( ) أم لعبد الرحمن الأخضري فأثبتَ الاحتمالين تاركًا الترجيح للمختصين لأن لكلا الرجلين – كما ذكر - مؤلَّفاً بعنوان:"نظم الوغليسية"، ولم أجد في المصادر التي أحال عليها الفهرس ما يدل على نسبته للأخضري بل هي منسوبة للوغليسي فقط، فالظاهر أن نسبتها للأخضري خطأ( ).
المطلب الثامن: عقيدته
سينحصر الكلام على عقيدة المؤلف في ثلاثة محاور:
المحور الأول: أشعريته:
نص محمد الثغري – و سيأتي في الفصل الثاني أن له عناية خاصة بالأخضري -بأن الأخضري كان أشعري الاعتقاد( )، ويؤيد هذا أمور:
1 – شرحه للعقيدة السنوسية الصغرى( ) وهي من متون الأشاعرة المعتمدة المعروفة.
2 – موافقته للأشاعرة في مواضع من شرحه ككلامه على الكلام النفسي( )، وكتأويله لبعض صفات الله( ) وككلامه في إسناد الأفعال إلى الله( ).
3 - أن مذهب الأشاعرة كان هو السائد في الجزائر في ذلك الوقت.
هذا وقد وصف الأخضري في كثير من المراجع بأنه سلفي مصلح( )، فالظاهر – في ضوء ما مر – أن المراد بسلفيته معناها الأعم من التمسك بالكتاب والسنة والحرص على الجمع بين العلم و العمل.
المحور الثاني: تصوفه:
ميل المؤلف إلى التصوف أمر ظاهر في مواضع كثيرة جدا من الشرح الذي أحققه، و قد كان الأخضري من أنصار الطريقة الزروقية المتفرعة عن الطريقة الشاذلية( )، بل قد تلقى ورد الطريقة الشاذلية والزروقية على الشيخ محمد الخروبي( )، وهو في الوقت نفسه محارب لغلاة الصوفية بل كان يؤلف فيهم القصائد ويحذر من بدعهم، بل:"...لم يدع الأخضري أثناء حياته كرامة ولا كشف ستر ولا إدراك علم الظاهر والباطن، و إنما كان عالماً عاملاً يؤلف المتون ويشرحها، ويجمع الكتب ويفهِّمُهَا، ويجلس للدرس ويخرج العلماء شأن العلماء الصالحين غير أن المتأخرين في عصر أصبح العقل فيه يتقبل كل ناعقة هم الذين نسبوا إليه الكرامات الكثيرة"( )، ولم يكن الاخضري يؤلف في الأوراد والأذكار وغيرها من وسائل الدعاية للطرق الصوفية، بل هاجم البدع وعلماء السوء ودعا إلى العمل بالكتاب والسنة( )، ومن اكبر الأدلة على هذا منظومته القدسية التي قامت بطباعتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة العربية السعودية، و قد قدم للمنظومة الشيخ: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آنذاك، و نقل في مقدمته نقلا نفيسًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية يقسم فيه التصوف إلى ممدوح ومذموم بحسب موافقته للكتاب والسنة وهدي السلف وبعده عنها ، والذي يظهر لي أن المؤلف - من حيث العموم - كان داعيا إلى التصوف المحمود الذي أشار إليه الشيخ عبد العزيز آل الشيخ تبعا لشيخ الإسلام كما كان منابذا للتصوف المذموم؛ ولهذا عنون لهذه الطبعة بـ: " الطريقة الشرعية وبراءتها من الطرق المنحرفة و ضلالاتها "، ولعلي أكتفي بمثال واحد من القدسية يدل على موقفه المذكور من بدع الصوفية، وذلك حيث يقول:
وقال بعض السادة الصوفية مقالـة جليلـة صفيـة
إذا رأيت رجـلاً يطيـر أو فوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف عند حدود الشرع فإنه مستدرج وبدعـي( ).
ومع ذلك كله لم يسلم المؤلف – رحمه الله – من بعض ما وقع فيه الصوفية، فمن ذلك:
1 – وقوعه في بعض بدع الصوفية كتعظيمه لبعض قبور الصالحين، وسيأتي مزيد بيان لهذا في المحور الآتي – بإذن الله -.
2 – ذكره خصوصيات لبعض أسماء الله الحسنى دون وجود دليل شرعي عليها، فنجده يقول في الكلام على اسم الله الصمد: "و(الصمد): هو الذي يصمد إليه في الحاجات - أي يقصد بها إليه -، وهو من أسماء الله الحسنى، وله بركة عظيمة، وأسرار كريمة، ومن بركاته أن الإكثار من ذكره يعين على احتمال الجوع، وربما استغني به عن الطعام جملةً، وكثيرًا ما يستعين به أرباب الرياضات والخلوات والمريدون في سلوكهم، وله في علم التوفيق أسرار بديعة، وخزائن أسراره وعجائب تصاريفه لا تسعها السطور ولا تحيط بها الصدور، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، و أما اسم الجلالة فتضيق مجال العبارات عن باهر أسراره؛ فيا له من اسم عظيم أعظم وما ذا يوصف من عجائب اسم الجلالة؟ ولو ذكره عارف على جبل لارتحل و تزلزل أو على بحر لغار و انهار؛ فلله الحمد على إظهار أسمائه لعباده رحمة بهم و فضلا"( ).
ومع هذا كله فإن منهجه رحمه الله سليم من حيث العموم، ومما يدلك على ذلك قوله: " وقد شهدنا ذلك فرأينا كل من تعلق بهذا العلم قبل أن يتيقن عقيدته وفق عبادته حصل على بدعة وزندقة، وكل من أعرض عن هذا العلم جملة لا يخلو من الفسق وضيعة العمر والرغبة في الدنيا –غالبًا-، ومن لا قدم له في علم التصوف يخشى عليه من سوء الخاتمة، ومن جمع بينه و بين علم الفقه فقد تحقق"( )، فهو يؤكد في هذا النص على أهمية العلم، وأن التصوف بدون علم يوصل إلى الزندقة، والله أعلم.
المحور الثالث: إثباته لنبوة خالد بن سنان العبسي، وتحديده لموضع قبره:
هذه المسألة تمثل أبرز مخالفة وقع فيها الشيخ – غفر الله له -، وهنا لا بد من الحديث باختصار عن خ الد بن سنان العبسي، فأقول: ورد في الحديث أن خالد بن سنان نبي ضيعه قومه، والحديث في هذا لايثبت مرفوعاً( )، مع مخالفته لقوله – صلى الله عليه وسلم – الثابت في الصحيحين " أنا أولى الناس بعيسى بن مريم ، الأنبياء إخوة لعلات، وليس بيني وبينه نبي " ( )، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بنبوته بناء على ماورد فيه من آثار، خاصة وأن بعض أهل العلم قد صحح رواية موقوفة عن ابن عباس رضي الله عنهما تتعلق بهذا الرجل – وإن لم تنص صراحة على نبوته -، ولكن الصحيح عدم نبوته لعدم ثبوت الأحاديث المروية فيه( )، لكن الإشكال الحقيقي يكمن في أن عددا ممن ترجم للأخضري( ) ذكر أنه هو الذي حدد قبر خالد بن سنان الذي أصبح بعد ذلك مزارا يؤمه الناس للتبرك والطواف ... إلخ، والأعجب من هذا أنهم ذكروا أنه اعتمد على أمرين في تحديد موضع القبر، وهما:
1 – الكشف.
2 – علم التربيع.
وعلم التربيع هو أحد فروع علم النجوم وهو: علم معرفة الأخبية والدفائن( )، ومما يؤيد اعتماد الأخضري على هذا العلم الفاسد ما جاء في منظومته في علم الفلك " السراج " حيث جاء فيها في: باب معرفة التربيع - وهو مستخرج من علم الفلك -:
"و إن تـرد معرفـة التربيـع وتخـرج الكامن بالتوزيـع
فانظر إلى اسم طالع و كوكبه و كوكب الساعة فاعلم وانتبه
وزد عليهم هـذه الأسامـي نوح وحام يافث مع سـام
ثـم تعدهـم بعـدّ سبعـة وتطرح الجميع طرح تسعة
....
فحيث ما انتهى لك التعـداد فذلك الربـع هو المـراد
وافعـل بـه كما فعلت أولا حتى ترى الكمين فيه قد حلا"( )
هذا وقد ذكرت للأخضري قصيدة في مدح هذا النبي مع الإشارة إلى موضع قبره والقصيدة تقع في أربعين بيتا – تقريبا - أولها( ):
سر يا خليلي إلى رسم شغفت به طوبى لزائر ذاك الرسم والطلل
ومما قاله فيها مخاطبًا النبي المذكور ومشيرا إلى نجاة من استغاث به و منبها على فضل زيارة قبره:
وكيف يخشى لظى من استغاث بكم إذ كم يقول إله العرش بالرسل
إلى أن يقول :
وأنت يا سيدي من جاء زائركم ينجُ من الهم والأهوال والوجل
وفي هذا المستند الذي استند عليه الأخضري في تحديد القبر ما فيه، وقد تكون هناك حجة أخرى عند الأخضري وهي ما ذكره الحاكم في مستدركه بعد سوقه لرواية مطولة تتحدث عن خالد بن سنان، حيث قال: " قد سمعت أبا الأصبع عبد الملك بن نصر وغيره يذكرون أن بينهم وبين القيروان بحراً في وسط جبل لا يصعده أحد وأن طريقها في البحر على الجبل، وأنهم رأوا في أعلى الجبل في غار هناك رجلاً عليه صوف أبيض وهو مختب في صوف أبيض ورأسه على يديه كأنه نائم لم يتغير منه شيء، وأن جماعة أهل تلك الناحية يشهدون أنه خالد بن سنان"( )، وقد ضعف الحافظ ابن حجر الرواية المسندة التي ذكرها الحاكم ثم علق على ما ذكره عمن عاينوا قبره قرب القيروان وشهدوا أنه قبره بقوله: " قلت: وشهادة أهل تلك الناحية بذلك مردودة فأين بلاد بني عبس من جبال المغرب"( )، أقول لعل هذه الرواية لبست على الأخضري، ولعله لو اطلع على كلام الحافظ ابن حجر لتنبه لخطئه، ثم إن في جعل الأخضري - عفا الله عنه- بعد ذلك خصوصيةً وفضلاً لزائر ذلك القبر خللاً آخر أكبر من الخلل الأول، وعلى كل فالأخضري – كما يظهر من كل ما سبق – ذو منهج سليم في الجملة – إلا أن له زلات قلد في معظمها غيره، اللهم تقبل من الأخضري حسناته، واغفر له زلاته آمين.
الفصل الثاني :
التعريف بشرح الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول : تحقيق عنوان الكتاب و توثيق نسبته للمؤلف
المبحث الثاني : منهج المؤلف في كتابه
المبحث الثالث : مصادر الكتاب وشواهده
المبحث الرابع : تقويم الكتاب
المبحث الخامس : وصف النسخ الخطية
المبحث الأول :
تحقيق عنوان الكتاب، و توثيق نسبته للمؤلف.
المبحث الأول : تحقيق العنوان وتوثيق النسبة :
باعتبار أن الكتاب المحقق شرح لنظم فسأقسم تحقيق العنوان إلى قسمين :
القسم الأول : اسم النظم المشروح:
سببت كثرة نسخ هذا المتن وانتشارُه وكثرة شروحه خلطاً كبيراً في تسميته، وتَتَبُّع هذا يطول مع قلة جدواه فقد كفانا الناظم المؤنة بقوله :
سميته بالجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون
وعليه فعنوان المتن الصحيح : "الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون"
القسم الثاني:اسم الشرح :
معظم من ترجم للناظم لم يسمه، وإنما اكتفوا بذكر أن الناظم شرح الجوهر المكنون، ونحوِ ذلك مما ليس فيه إشارة إلى اسم الشرح ، و وقع في فهرس مخطوطات المسجد النبوي عند ذكر نسخة الكتاب المحفوظة في المكتبة بعنوان: " حلية اللب المصون شرح الجوهر المكنون في صدف الثلاثة فنون" ( )، و عزى الفهرس المذكور إلى إيضاح المكنون ومعجم المطبوعات ، فأما تسميته بحلية اللب المصون فليس في المخطوط ما يدل عليه والظاهر أنهم أثبتوا الاسم من إيضاح المكنون( )، ولم أجد من سبقه إليه ، وأما كونه مطبوعا فهذا ما ذكره في معجم المطبوعات لكنه عزى الكتاب للدمنهوري لا للأخضري وهذا هو المعروف إذ قد طبع حلية اللب المصون للدمنهوري طبعات متعددة، والمعتنون بترجمة الأخضري لم يذكروا هذا العنوان كما ذكرت من قبل، و لعل الناظم لم يسم الشرح أصلًا، والله أعلم.
وعلى هذا يكون اسم الكتاب تحديدا " شرح الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون " وهو ما وقع في إحدى النسختين اللتين اعتمدتهما في التحقيق( ).
وأما ثبوت نسبة الكتاب للمؤلف فتتأكد من خلال ثلاثة أمور:
الأمر الأول : ذكر عدد كبير من المترجمين للأخضري لهذا الشرح ( ).
الأمر الثاني : وجود عدة مراجع نقلت عن المؤلف وبالمقارنة بين هذا المنقول وبين نسختي الكتاب التي بين يدي وجدتها متطابقة ( ).
وقد وقفت على خمسة مراجع نقلت عن المؤلف هي : حلية اللب المصون للدمنهوري( )، حاشية المنياوي على حلية اللب المصون( )، العقد الجوهري في التعريف بالأخضري لأحمد بن المبارك( )، عبد الرحمن الأخضري : حياته وأعماله للدكتور عمار طالبي – ( )، شعر الأخضري لعبد القادر أبو معزة ( )، موضح السر المكمون للثغري( ).
فمن ذلك قول صاحب العقد الجوهري وهو يتحدث عن أحد طلاب الأخضري : " ... و إن هذا التلميذ أرسل له الشيخ منظومة الجوهر المكنون ..... حسبما ذكر الشيخ في شرح المنظومة في فصل الموازنة من الفن الثالث ما نصه : " و إنما ذكرت فيها هذا مع وضوحها مما تقدم أن بعض خاصة إخواني وأحبتي في الله كتب إلي كتابا من بلده يسألني فيه عن هذا البيت إذ لم يستخرج حروفه إلخ كلامه "( ).
ومن ذلك ما نقله المنياوي عنه في تعريف التسميط مستدركا على الدمنهوري في تعريفه له حيث قال : " عبارة المصنف : " وهو كون أجزاء البيت أو بعضها سجعًا على خلاف الروي " وهي المستقيمة دون عبارة الشارح كما هو ظاهر.... "( ).
الأمر الثالث : ما وقع في الكتاب المحقق نفسه من ذكر لتاريخ كتابته؛ فقد قال المؤلف في نهاية علم البيان :" وكان الفراغ من هذا الفن عشية الجمعة المباركة آخرَ يوم من ربيع الثاني عام اثنين وخمسين وتسعمائة "( ) ، وقال بعد ذلك في أواخر الكتاب : " و انتهيت إلى هذا المحل عشية الجمعة يوم أربعة عشر من جمادى الأولى وأربعة وعشرين من يولية عام 952 اثنين و خمسين وتسعمائة "( ) ، و هذا يدل دلالة واضحة على أن الكتاب كتب في حياة المؤلف.
المبحث الثاني :
منهج المؤلف في كتابه
الراجح أن الأخضري لم يشرح مقدمة نظمه ، و بالتالي فإننا لا نجد تصريحا منه بمنهجه في شرحه ، لكن بالتأمل في كتابه نجد أنه سار في شرحه للجوهر المكنون على منهج واضح من جهة ومطرد من جهة أخرى ، ومن أبرز معالم هذا المنهج ما يأتي:
1 – تقسيم النظم المشروح إلى مقاطع وهذا التقسيم للمقاطع مبني عنده على اكتمال المعنى ، و لذلك فقد يتكون المقطع الواحد منها من بيت أو أقل أوأكثر وقد يكتفي أحيانا بجزء من بيت أو بآخر بيت مع بيت بعده ، وسيأتي مزيد بيان لهذه النقطة عند ذكر مزايا الكتاب ، و كذلك عند مقارنته بحلية اللب المصون في الفصل الثالث من قسم الدراسة – بإذن الله - .
2 – شرح المقطع وفق نقاط أساسية، وهي على الترتيب :
أ- الشرح الإجمالي : حيث يشرح فيه المسألة أو المسائل المذكورة في النظم دون ربط لها به - عادة – مع ذكر الأمثلة والشواهد .
ب - العناية بفك العبارة و إعراب ما يشكل وبيان العلاقات بين الجمل مع شرح الغريب من كلمات النظم .
ج - ختم المقطع بذكر ما فيه من فنون البلاغة .
ولعلي أسوق هنا مقطعا من النظم مع شرحه ليكون شاهدا على ما ذكرت من توفر هذه العناصر الرئيسة في كل مقطع من مقاطع الشرح – تقريبا - ، قال المؤلف رحمه الله:
" ( ص ) 25 - فــَصَاحَة ُ المُفـْــرَدِ أنْ يَخـْـلـُصَ مِـنْ
تـَـنـَافـُـر ٍ غـَـرَابـَةٍ خُـلـْفٍ زُكِـنْ
(ش ) الفصاحة لغة : الظهور والإبانة ،يـــــقال:فــــصـــح فــهـــو فـصيح و أفـصـــح فهو مفصح إذا أبان ، وفي الاصطلاح : يوصف بها الكلمة والكلام والمتكلم ، ففصاحة الكلمة خلوصها من تنافر الحروف والغرابة و مخالفة القياس .
فتنافرالحروف : وصف يوجب ثقلها على اللسان و صعوبة النطق بها عند اجتماعها في الكلمة كالهــُعْـــخُــع و التكأكؤ ؛ وذلك أن حروف الهجاء كلها خفيفة على اللسان عند انفرادها ثم قد يعرض لها عند اجتماعها ثقل وصعوبة وقد تكون سهلة سلسة عذبة فإذا حصل الثقل في الحروف عند الهيئة الاجتماعية قيل لتلك الكلمة المشتمل عليها إنها غير فصيحة لتنافر حروفها ومن التنافر مستشزرات في قول امريء القيس يصف فرساً:
غدائره مستشزرات إلى العلى تضل العقاص في مثنى ومرسل.
والمراد بالغرابة كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مألوفة الاستعمال حتى تلجيء سامعها إلى البحث عنها في كتب اللغة كمسرج في قول العجاج :
وفاحماً ومَرْسِناً مُسَرَّجا.
أي كالسيف السريجي في الدقة والإستواء منسوب لرجل اسمه سريج كان يصنع السيوف ، أو كالسراج في اللمعان والبريق.
ومخالفة القياس : كون الكلمة غير جارية على قياس القانون المستنبط من كلام العرب ، كإدغام ما استقر في كلام العرب فكه ، أو فك ما استقر إدغامه ، ونحو ذلك ، ومنه قول أبي النجم :
الحمد لله العلي الأجللِ.
والقياس الإدغام .
هذا مضمون البيت ، ومرادنا بـ (المفرد ): الكلمة ، وهي : اللفظ الدال على معنى مفرد ، ومعنى : (زكن ) :علم ، و (يخلص) : يسلم ، والخلوص : التخلص والسلامة .
وفي البيت من المعاني : الإيجاز ، ومن البديع : الالتزام. "
3 – يتخلل العناصر المذكورة في الفقرة السابقة استطرادات يمكن إرجاع معظمها إلى أربعة أمور :
أ- استطرادات بلاغية لا تتعلق بالنظم مباشرة ، لكن فيها مزيد بيان وفائدة ، ومن أمثلتها قوله عند الكلام على تقسيم الإسناد إلى حقيقي ومجازي : " و إنما ذكر تقسيم الإسناد إلى ما ذكر في هذا المحل لانسياق الكلام إليه في أحكام الإسناد و إلا فالأليق به مبحث الحقيقة والمجاز من فن البيان " ، والملاحظ على هذه الاستطرادات الاختصار– غالبا - .
ب - إيراد إشكالات على النظم أو الشرح و اعتراضات على عبارات فيهما مع محاولة الرد والاعتذار ، وسيأتي مزيد بيان لطريقة عرض المؤلف لهذه الإشكالات في مبحث المآخذ على الكتاب - بإذن الله - .
ج – استطرادات نحوية ولغوية مطولة، كأن يطيل النفس في عرض مسألة إعرابية لا علاقة قوية لها بأصل المتن المشروح؛ فمن ذلك صنيعه عند حديثه عن أدوات الاستفهام حيث قال : " فائدة: في معرفة إعراب أسماء الاستفهام "، ثم بدأ في تفصيل إعرابها ، وقد يعرض مسألة نحوية فيها خلاف لتوسيع مدارك الطالب مثلما فعل مع دخول إذا على الفعل دون الاسم ،كما أنه قد يطيل الكلام على معنى لغوي فنجده – مثلاً- عند قوله في النظم
فينبغي اقتصار ذي الإخبار ) يقول : "و قولنا ( فينبغي ) لفظة ينبغي تستعمل في النفي للتنزيه تارة والامتناع إما مع الاستحالة كقوله تعالى :ﭽ ﯨ ﯩ ﯪﭼ الآية [مريم: ٩٢]، أو مع الإمكان كقولك:" لا ينبغي للمؤمن أن يعصي الله تعالى"، و:" لا ينبغي لذي المروءة أن يرفع صوته لغير ضرورة أو يخالط السفهاء"، ولعدم الوقوع تارة كقوله تعالى : ﭽﯴ ﯵ ﯶ ﯷﭼ الآية [يس: ٤٠]، وتستعمل في الإثبات للاستحسان وربما تستعمل للوجوب" ، وقد يختم هذه الاستطرادات بنحو قوله : "و إنما أوردناه هنا وإن كان فيه خروج عن الفن لأجل المناسبة ولتنبيه الطالب وهذه عادتنا في هذا الشرح " ، مما يدل على أنه منهج انتهجه المؤلف ولعله قصد به الربط بين العلوم التي يدرسها الطالب.
د– استطرادات صوفية وأخرى إيمانية : أما الاستطرادات الصوفية فتكون غالبًا أثناء شرحه للأمثلة الصوفية التي يسوقها في أصل النظم؛ فعند قوله في النظم ( كفاز من تبتلا ) يفيض في الكلام على مقام التبتل ، وعند قوله ( كحبذا طريقة الصوفية ) نجده يستطرد استطرادا طويلا يمدح فيه التصوف ويبين اشتقاقه اللغوي ، و قد تكون هذه الاستطرادات أحيانا لمجرد ورود عبارة في المتن لا علاقة لها بالتصوف إلا من جهة الاشتراك في اللفظ – كما فعل عند قوله: ( والمدد لنكتة التمكين ) ؛ فالمدد في البيت أريد به معناه اللغوي ، لكن المؤلف استطرد منه للحديث عن المدد عند الصوفية .
و أما الاستطردات الإيمانية - وهي أعم من الاستطرادات الصوفية من وجه – فتكون - غالباً-لمناسبة دقيقة بين المسألة البلاغية وبين قضية إيمانية يريد تنبيه طالب العلم عليها؛ وذلك كاستطراده عند حديثه عن دلالة الفعل على التجدد إلى الحديث عن أهمية استغلال الإنسان لعمره حيث قال : " تنبيه : إذا علمت أن الزمان غير قار الذات و ان أجزاءه تتعاقب عليك لحظة بعد أخرى فاحتفظ على أجزاء عمرك تضيع في البطالة وعمرها بالعبادة ما استطعت فإنك مسؤول عنها في ماذا أفنيتها ، وقد ورد في الخبر أن كل يوم يأتي يقول : " أنا خلق جديد وعلى ما يفعل فيّ شهيد خذوا مني قبل أن أبيد" ، فإذا أمسى خر ساجدا وقال : " الحمد لله الذي لم يجعلني اليوم العقيم " وفقنا الله وإياكم لطاعته بفضله " .
المبحث الثالث : مصادر الكتاب وشواهده
وفيه مطلبان :
المطلب الأول: مصادر الكتاب .
المطلب الثاني: شواهد الكتاب .
المطلب الأول: مصادر الكتاب .
لما كان النظم المشروح في هذا الكتاب نظما لتلخيص المفتاح فإن من المتوقع أن تكون شروح التلخيص مصدرا أساسيا في شرح هذا النظم ، ولكن أبرز تلك الشروح ظهورا في الكتاب الذي بين أيدينا هو المطول للتفتازاني فقد أكثر المؤلف الاعتماد عليه ، بل إنه لم ينقل بالنص عن غيره من كتب البلاغة أصلا ،وكثيرا ما كان ينقل عبارته بالنص مع عزوها إليه ، لكن هذا الاعتماد لا يعني أنه كان عالة عليه ، بل كان موقفه منه موقفا علميا تظهر فيه شخصية المؤلف ، ولعلي ألخص موقفه في النقل عنه إلى :
1 – الاكتفاء بالنقل .
2 – النقل مع التأييد وإبداء الإعجاب ومن أمثلته قوله بعد نقله لكلام له حول بعض أغراض التعريف بالعلمية : " انتهى كلامه وهو عجيب " ،ومنه قوله بعد نقل كلام له حول التعريف بالموصولية : " انتهى كلامه رضي الله عنه، وهو مفيد فتأمله" .
3 – النقل مع الاستدراك بالرجوع إلى مصادرَ وَهِمَ التفتازانيُّ في النقل عنها ، وقد يكون الاستدراك بذكر قيد أغفله التفتازاني فمن ذلك أن المؤلف نقل كلامًا للتفتازاني حول ترتيب المعارف في الأعرفية ثم قال :"وما ذكر عن مساواة المضاف للمضاف إليه قيدوه بما إذا لم يكن مضافا إلى مضمر فإنه في رتبة العلم ، وينبغي على هذا القياس أن يكون كل مضاف إلى نوع في رتبة الذي يليه "
4 – النقل مع الرد العلمي على التفتازاني بما يمثل وجهة نظر للمؤلف ، ومن أمثلته رده عليه في كون بعض آيات القرآن أعلى طبقة من بعض .
ومن المصادر البلاغية التي اعتمد عليها الأخضري وعزى إليها بعض الآراء في مواضع يسيرة:
1 – مفتاح العلوم .
2 –الإيضاح .
وثمة مصدر رابع اعتمد عليه المؤلف كثيرا في التذنيب الذي ألحقه المؤلف بعلم البديع ، ويُعَدُّ كثيرٌ مما فيه زائدًا على ما في التلخيص، وهذا المصدر هو أرجوزة المراكشي الضرير المسماة : " ترجيز المصباح"( )، والتي نظم فيها المصباح لابن مالك، قال الثغري في شرحه على الجوهر المكنون في بداية شرحه للتذنيب المشار إليه : " ... وهذا مما زاده الناظم رحمه الله على كتاب التلخيص، و أظنه أخذها من أرجوزة الشيخ أبي عبد الله محمد بن الشيخ أبي زيد عبد الرحمن المراكشي التي نظم فيها مسائل التقطها من كتاب المصباح للشيخ بدر الدين بن مالك " ، وهذا الظن الذي أشار إليه الثغري ترجحه عدد من القرائن ، وهي :
1 – أن المؤلف نص على تضمينه بيتًا من منظومة المراكشي في التذنيب على وجه الخصوص - ، حيث قال عند شرحه للبيتين :
274 - من ذلك التوشيع والترديد
ترتيب اختراع او تعديد
275 – " كالتائبون العابدون الحامدون
السائحون الراكعون الساجدون "
ما نصه : "... التعديد : وهو سوق المفردات دون عطف كالآية المذكورة وكقوله تعالى : ﭽ ﮱ ﯓ ﭼ وكحديث الأسماء الحسنى وكهذه الآية الكريمة المسوقة في النظم سبق إلى التمثيل بها المراكشي في أرجوزته رحمه الله ،واستحسنت إدخالها في هذا النظم لما اشتملت عليه من الأوصاف التي توقظ أرباب الهمم وتهز النفوس وتحركها وتنشطها للتجرد لعبادة الله تعالى"( ).
2 –ما تجده في قسم التحقيق في قسم التذنيب خاصة من ألقاب بديعية لا وجود لها عند غير المؤلف ، وقد وجدت كثيرا منها في منظومة المراكشي المذكور( ).
وقد شرح المراكشي أرجوزته ، ويبدو أن المؤلف استفاد من هذا الشرح( )، كما أن المراكشي اعتمد في منظومته على عدة مصادر( ) ، ومن تلك المصادرتفسير سورة الكوثر لابن البناء المراكشي( )، والظاهر أن المؤلف قد تأثر بهذا المصدر أيضاً( )؛ فلعله يعد مصدرًا من مصادر الكتاب –وإن كان بواسطة - ، والله أعلم.
أما ما سوى البلاغة من العلوم فإن أبرزها في هذا الكتاب علم النحو، ولعل أهم الكتب النحوية التي كانت مصدرا لشرح المؤلف مغني اللبيب لابن هشام حيث استفاد منه في مواضع متعددة مع التصريح باسمه في بعض الأحيان( ).
هذا مع استفادة المؤلف من الفنون المختلفة سواء كانت من علوم العربية كالصرف والمعاجم ، أو غيرها كالفقه والعقيدة ، وبالجملة فالكتاب – كمعظم الكتب في تلك العصور- متنوع الفنون متعدد المصادر ، والله أعلم.
المطلب الثاني: شواهد الكتاب .
تتكررفي كتب البلاغة المتأخرة عادة نفس الشواهد ، وخاصة ماكان منها من شواهد التلخيص، وقد كان للمؤلف بعض التميز في شواهده البلاغية ، وسينحصر كلامي حول شواهد المؤلف في النقاط الآتية :
أولاً : أكثر المؤلف من الاستشهاد بالقرآن ، حيث بلغت شواهد شرح الجوهر المكنون من القرآن ثلاثمائة وسبعة وأربعين شاهدًا بينما بلغت شواهد تلخيص المفتاح مائتين وسبعة وعشرين شاهداً مما يدل على تميز المؤلف في باب الاستشهاد بالقرآن ، وبعض شواهد المؤلف تحتاج إلى تعليق وتوضيح لبيان وجه الاستشهاد لكن المؤلف لا يعلق عليها بشيء ، ولعل عذره أنه لم يبيض كتابه كما نص عليه غير واحد من أهل العلم .
ثانيا : بلغت شواهد شرح الجوهر المكنون من الحديث والأثر أربعة عشر شاهداً بينما كانت شواهد تلخيص المفتاح سبعة ؛ فهذا يشعر بشيء من الاهتمام من المؤلف بشواهد الحديث، وإن كان هذا الاهتمام ليس كبيرا مثلما هو الحال في القرآن.
ثالثا : كان لشواهد الشعر نصيب لا بأس به عند المؤلف لكنه أقل بكثير من اهتمامه بالقرآن فقد بلغت شواهده مائة و ثلاثة وثمانين شاهدا شعرياً في مقابل مائتين وثلاثة عشر شاهدًا في كتاب التلخيص ، ومـــــع ذلك فقد كان للمــــؤلـــف بــعـــــض التـــــميز في شواهده الشعرية ، ويبرز ذلك في أمور:
1 – انفراده عن التلخيص بواحد وخمسين شاهداً، ونستطيع تقسيم هذه الشواهد إلى :
أ- شواهد موجودة في التلخيص لكن المؤلف استشهد بها على مسائل لم يستشهد عليها القزويني بتلك الشواهد .
ب- شواهد جديدة لمسائل موجودة في التلخيص .
ج - شواهد لمسائل ليست في التلخيص أصلا ً، ويبرز هذا في التذنيب الذي ذكره المؤلف في آخر البديع .
ومن هذا كله يتضح ما لشواهد الكتاب من قيمة ، وأعتقد أن تلك الشواهد – وخاصة القرآنية منها- مما يستحق أن يفرد ببحث مستقل، والله أعلم
المبحث الرابع : تقويم الكتاب ، وفيه مطلبان :
المطلب الأول: مزايا الكتاب .
المطلب الثاني: المآخذ على الكتاب .
المطلب الأول: مزايا الكتاب .
أثنى عدد ممن ترجموا للمؤلف على كتابه هذا مما يدل على قيمته العلمية ، كما أن التأمل في محتواه يظهر جوانب متعددة تستحق أن يلفت انتباه القارئ لها ولعلي ألخصها في النقاط الآتية :
1 – سير المؤلف في معظم كتابه على منهج واضح مطرد ، وقد أظهرت هذا عند الكلام على منهجه.
2 - ظهور شخصية المؤلف من خلال مناقشاته العلمية مع التفتازاني على وجه الخصوص، وقد سبقت الإشارة إلى هذه المناقشات في مطلب مصادر الكتاب ، كما تظهر من خلال ترجيحه بين الأقوال ( ).
3 – اهتمام المؤلف ببيان سبب استطراده إن حصل استطراد ، وقد يشير إلى أن هذا منهج انتهجه في كتابه .
4 – وضوح عبارة الكتاب وسهولتها في غالب الأحيان ، مع الحرص على سهولة عرض المسائل البلاغية، وسهولة الأمثلة – أيضاً -، كما أن المؤلف قد يطيل التعريف بما يجعله أكثر وضوحًا .
5 –الإتيان بفوائد بلاغية خارجة عن كتاب التلخيص ومن أوضح الأمثلة على ذلك الفصل الذي عقده بعد الانتهاء من الكلام على السرقات الشعرية بعنوان :" تذنيب بألقاب من الفن " ، بل قد يأتي بمسائل لم يشر إليها جمهور البلاغيين ، كما فعل عند ذكره لأغراض الكناية .
6 – إثراء المكتبة البلاغية بعدد لا بأس به من الشواهد الجديدة، وقد ظهر هذا بجلاء من خلال مبحث الشواهد في المبحث الثالث من هذا الفصل .
7 – دقة العبارة في مواضع متعددة بحيث يتحاشى عبارة القزويني –مثلاً- إن كانت محل اعتراض من غيره، أو يضيف قيدا تكون العبارة به أدق، أو نحو ذلك( ).
7 – تدريب الطلاب وربط الجانب النظري بالجانب التطبيقي من خلال الفنون البلاغية التي كان يشير إليها في نهاية كل مقطع ، و لولا ما شاب تلك الفنون من أوهام – كما سيتأتي الإشارة إليه في مبحث المآخذ - لكان من أكبر مزايا الكتاب.
8 – وضوح أثر العلم الشرعي على الكتاب : ومن أمثلة ذلك الاعتراض على استشهاد التفتازاني ببيت فيه إخلال بالأدب مع موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ، ومن أكبر الأمثلة على أثر الجانب الشرعي على الكتاب عقده لفصل بعنوان : " فصل فيما لا يعد كذبا" ، وهو فصل كامل زاده على التلخيص بل وتفرد به من بين كتب البلاغة وإن هذا الأثر الديني هو مما تفتقده كثير من كتب البلاغة والأدب ، بل قد نجدها تكثر من الاستشهاد بالفاحش من أبيات الشعر.
9- وضوح الاتجاه التربوي : حيث حرص المؤلف كلما سنحت فرصة على تنبيه طالب العلم على أمور قد ينساها أثناء طلبه للعلم مثل : كثرة الذكر ، الحرص على الوقت ، حفظ اللسان إلى غير ذلك مما يمثل منهجا خاصا للمؤلف ، مع حرصه في كثير من أمثلته على نفس هذا الجانب التربوي ، وهو أمر تفتقده كثير من المؤلفات في البلاغة خصوصًا وفي علوم العربية عموما ، بل إن كثيرا من الكتب الشرعية تفتقد إلى هذا المنهج التربوي ، فلعل هذا المنهج الذي سلكه المؤلف يعد سبقًا منه في هذا الباب، والله أعلم.
المطلب الثاني:
المآخذعلى الكتاب
لا يخلو عمل بشري – كتابا كان أو غيره – من النقص ، وذكر المآخذ على كتابٍ ما لا تعني التقليل من قيمته كما لا يخفى ،ومن ابرز المآخذ على المؤلف ما يلي :
1 – وقوع المؤلف في عدد من الأخطاء العقدية ، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في مبحث عقيدة المؤلف بما يغني عن إعادته هنا .
2 –كثرة الاستطرادات في أمور قد تكون واضحة أو لا تظهر الحاجة إلى الاستطراد فيها، مثل إفاضة المؤلف في الكلام على (ذو ) عند قوله ( و ذي الكلام صفة بها يطيق ...) حيث قال : " و: ( ذي ) : اسم بمعنى صاحب، وهو أحد الأسماء الستة، وانفردت عن اخواتها بأنها لا تقبل التجريد عن الإضافة ،و أنها لا تجمع جمع تكسير ، ومؤنثها ذات وجمع مذكرها ذوو في الرفع وذوي في النصب والجر وتثنية مذكرها ذوا في الرفع و ذوي بفتح الواو في النصب والجر وجمع مؤنثها ذوات وفي تثنية مؤنثها لغتان : إحداهما : رد عينها واوا وهي الفصحى وبها جاء القرآن العظيم ، فيقال ذواتا وذواتي ومنه قوله تعالى : ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [الرحمن: ٤٨ ]ﭽ ﭱ ﭲ ﭼ [سبأ: ١٦] ، والثانية : إبقاؤها محذوفة العين كما هي في المفرد فيقال ذاتا وذاتي" .
و قد يُعتذر عن هذا المأخذ بأن لبعض الاستطرادات مقصداً معتبراً عند المؤلف مثل: تدريبِ الطلاب على المسائل النحوية ،أو إشكال ِ بعض المسائل على بعض الطلاب بما يستدعي الإطناب فيها ، و مثل الحرص ِ على لفت الطلاب إلى الناحية الإيمانية والتربوية ، وتبقى مسألة الاستطراد مسالة نسبية تتفاوت فيها وجهات النظر ، والله أعلم .
3 - كثيرًا ما يورد المؤلف إشكالات واعتراضات وتكون إجابته غير شافية وقد لا يوجد في النسخ التي بين يديَّ جواب أصلاً، و لعل العذر في ذلك أن المؤلف لم يبيض كتابه بل وافته المنية وهو ما زال مسودة ، مما يجعل له عذرًا في كونه لم ينقح تلك الردود .
4 – وقوعه في أوهام في بعض المسائل والأمثلة البلاغية وقد جرى التنبيه عليها في موضعها من النص المحــقق ، ويمكن الاعتذار عنه في هذه المأخذ بما اعتذر له في المأخذ السابق.
5 – وجود أوهام كثيرة في الفنون البلاغية التي كان يختم بها كل مقطع، وقد جرى التنبيه على كثير من تلك الأوهام في موضعها من النص المحقق ، ويمكن الاعتذار عنه في هذه المأخذ بما اعتذر له في المأخذين السابقين، كما يحتمل – والله أعلم- أن المؤلف وضع هذه الفنون تدريبا للطالب واختبارا لمستوى فهمه لما يدرسه، أو أنها من زيادات بعض النساخ،والله أعلم .
6 – وقوع التكرار لبعض الفنون البلاغية في التذنيب .
المبحث الخامس :
وصف النسخ الخطية
من خلال البحث في الفهارس والاتصال ببعض مراكز المعلومات وجدت نسختين مخطوطتين لهذا الشرح :
النسخة الأولى : نسخة موجودة بمكتبة المسجد النبوي برقم (21/414)، في بدايتها فهرس للموضوعات ، ثم كتب في جانب الصفحة التالية للفهرس ما نصه: " الحمد لله قد احتوى عليه هذا السـ... قد انتظم في سلك ملك الفقيرلر.. العزيز الغفار محمد بن الشيخ العباسـ... القسنطيني الدار غفر الله له حم.. الأوزار بنبيه المختار سنـ...: 295...] و تحتها ختم بأسماء متداخلة ،ويبدو أن الختم لنفس الشخص المذكور ومن خلاله يظهر أنه محمد العباسي، كما يبدو أن التاريخ المبتور هو 1295هـ، وكتب تحت ما سبق بخط مغاير:[هذا الكتاب وقف حرام مؤبد مقره المدينة المنورة من محمد العز... الوزير حسب البيان بالحجة المؤرخة غرة رجب 1320]، والاسم التام للشخص الذي بتر اسمه هنا هو محمد العزيز الوزير ، وهو عالم تونسي رحل إلى المدينة ودرس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت له مكتبة عامرة ، وعدد لوحات المخطوط باستثناء الفهرس: (105) في كل لوحة صفحتان باستثناء الصفحة الأخيرة فإن الكتاب ينتهي في الصفحة اليمنى منها،وفي كل صفحة اثنان وعشرون سطراً، ويوجد ختم في صفحات متفرقة من المخطوط، والخطأ في هذه النسخة قليل لكن السقط كثير خاصة في الفنون البلاغية التي يذكرها المؤلف في نهاية شرحه لكل مقطع .
ثانيا : نسخة في دارالكتب الوطنية بتونس برقم (807)، وعدد لوحاتها
99) في كل صفحة ثلاثة وعشرون سطراً، في كل لوحة صفحتان باستثناء الصفحة الأخيرة فإن الكتاب ينتهي في الصفحة اليمنى منها، و تحتوي هذه النسخة على تعليقات متعددة في جانبي الصفحة وخاصة فيما يتعلق بالتعريف الفنون البلاغية التي يذكرها المؤلف في نهاية شرحه لكل مقطع ، وفيها أيضاً تعليق على بعض المسائل ، وقد استفدت من تلك التعليقات في بعض المواضع .
هذا وقد أحالتني بعض مراكز المعلومات على نسخة ثالثة في المكتبة المحمودية الموجودة بمكتبة الملك عبد العزيز برقم 2328 وبالاطلاع عليها اتضح أنها شرح آخر بعنوان: "قرة العيون على الجوهر المكنون" وليس في النسخة ما يدل على اسم المؤلف لكن المعروف أن هذا العنوان هو شرح للمنظومة نفسها لعلي بن عبد العزيز المالكي المعروف بالغزي ، ولما حصلت على نسخة قرة العيون الموجودة في دار الكتب المصرية برقم (48 بلاغة) وجدتها مطابقة لها مع اختلاف يسير عائد إلى اختلاف النسخ مما أكد لي أن نسخة المحمودية التي نسبها كل من : مركز الملك فيصل والمكتبة المحمودية إلـى عبد الرحمن الأخضري ليست له وإنما هي لعلي الغزي .
ولما كان في النسختين اللتين ذكرتهما مواضع غير واضحة وأخرى مشكلة وثالثة تختلف فيها النسختان في نص المتن المشروح ، وكان الشرح المسمى : " موضح السر المكمون في شرح الجوهر المكنون" لمحمد بن محمد بن علي بن موسى الثغري شرحًا تميز من بين سائر شروح الجوهر التي اطلعت عليها بكثرة النقل عن الكتاب الذي أحققه، فقد جعلته بمثابة النسخة المساعدة عند الحاجة، وهنا أجدني مضطرا لنقل بعض ما ذكره في مقدمة كتابه حيث قال: " أما بعد فلما رأيت منظومة الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري الموسومة بالجوهر المكنون من أجل ما صنف في علم البيان ...وقد شرحها ناظمها شرحا مفيدا وأعرب عما في ضميره وأبان ، لكن بقي في بعض الأماكن بياض في الشرح، و ذلك في جميع النسخ الواصلة إلينا فصار من نظر فيه لم يشتف منه جنان، ثم شرحها الشيخ الغزي و أجاد لكنه لم يطلع على شرح المصنف ، والمنظومة الواصلة إليه وجدتها مصحفة ومحرفة تحريفا أخرج كثيرا من أبياتها عن الأوزان ، فتتبعها بالإصلاح ولم ينبه على ذلك فصار شيء من أبياتها مخالفا لنظم المصنف ، وفي بعض الأبواب بالزيادة والنقصان، وقد عثرت على نسخة صحيحة كادت أن تكون بخط المؤلف أو منقولة منه سالمة من التحريف و الألحان، فقرأتها على الأشياخ فوجدتها مخالفة لما في شرح المصنف بالتتبع عيان أردت بعون الله وقوته تقييد دررها وضم شوارد غررها ذوات القدر والشان بشرح يكشف الغطا عن جواهرها المصونة و يبرز/ ما خفي من معانيها المكنونة عن الأذهان، واعتمادي في النقل على الشرحين المذكورين و سعد الدين التفتازاني وبعض كتب البيان، وانتحلت غالب ألفاظهم ونصوصهم وجواهر عباراتهم وفصوصهم الصافية الحسان..." ، ولما كان لهذا الشرح هذا الارتباط بالكتاب المحقق اعتمدت عليه فيما يلي:
1- ضبط متن الجوهر المكنون ، حيث كانت للثغري عناية خاصة به كما دل كلامه في مقدمته، ولذلك فإنني أنبه غالبا على روايته لأبيات الجوهر حتى ولو خالفت النسختين اللتين اعتمدتهما للتحقيق.
2- اعتماد روايته لأبيات مقدمة النظم، وذكر ماأشار إليه فيها من اختلاف في الرواية، وذلك لأن تلك الأبيات – باستثناء البيت الأول منها- ساقطة من النسختين ، والظاهر أن سبب سقوطها هو أن المؤلف لم يشرحها ، فقد قال الثغري:" وأما أبيات النظم فلم أخالف ما عليه شرح المصنف قط ، ولم ألتفت لمخالفة النسخ إلا في خطبة النظم فإن المصنف لم يشرحها فحكيت الخلاف بين النسخ في ثلاثة مواضع والله الموفق" .
3- رجعت إليه عند الحاجة للتأكد من عبارة المؤلف ، و ذلك كأن تتفق النسختان في عبارة أشعر أنها خاطئة – مثلا- .
4- اعتمدته مرجحا بين النسختين في عناوين فصول المنظومة حيث أن هذه العناوين لم تذكر في كلتا النسختين بل الغالب سقوطها من النسخة المدنية، وقد قال الثغري: " اعلم أن غالب الفصول المتقدمة الذكر فليس منها في شرح المصنف إلا لفظة فصل فقط ما عدا الدلالة الوضعية والاستعارة وهذا الفصل، و أما في نسخ المنظومة من غير الشرح فإن جميع الفصول مذكورة بتراجمها، وعليه شرح الغزي ، وقد ظهر لي أن ذكر تلك التراجم مما تتم به الفائدة فذكرتها تبعا للغزي والأمر فيه سهل، وأما أبيات النظم فلم أخالف ما عليه شرح المصنف قط ، ولم ألتفت لمخالفة النسخ إلا في خطبة النظم فإن المصنف لم يشرحها فحكيت الخلاف بين النسخ في ثلاثة مواضع والله الموفق " ، ولذلك لم أثبت من تلك العناوين إلا ما أثبتَه.
هذا مع استفادتي منه في أمور أخرى متعددة ظاهرة لمن قرأ قسم التحقيق في هذه الرسالة، والله تعالى أسأل أن يوفقني لما يحب ويرضى، والحمد رب العالمين.
الفصل الثالث :
موازنة بين شرح الأخضري وحلية اللب المصون
في هذا الفصل سأعقد موازنة بين شرح الأخضري للجوهر وبين أشهر شروح الجوهر المكنون، وأكثرها انتشاراً بين طلاب العلم، وهو حلية اللب المصون لأحمد بن عبد المنعم الدمنهوري( ) ( ت : 1192 هـ )، وقد طبع الكتاب طبعات متعددة متفاوتة في جودتها ومستوى العناية بها، وما زال الكتاب باعتباره أشهر شروح الجوهر محتاجاً إلى طبعة محققة، وقد تميز هذ الشرح بوجود حاشية عليه لعالم مدقق هو المنياوي( )، ولعلي أقف في هذه الموازنة عند النقاط الآتية:
أولا : تقسيم الكتاب: يشترك الكتابان في تقسيم النظم المشروح إلى مقاطع بحيث يذكر المقطع ثم يشرح، ولكن الفرق بين الكتابين أن الأخضري يبني تقسيمه على اكتمال المعنى الواحد، ولذلك فقد يتكون المقطع عنده من شطر بيت - مثلاً -، بينما نجد الدمنهوري يكمل عدة أبيات ويعدها مقطعا فإن انتهى المعنى عند تمام بيت فقد يعده مقطعا مستقلاً، وإلا فإنه يتم المعنى الذي بعده حرصاً على عدم انتهاء المقطع قبل إتمام البيت؛ فكأن المعول عنده هو اكتمال معنى أو عدة معان مع إتمام بيت من الأبيات؛ فنجد الأخضري يجعل قوله: ( الحكم بالسلب أو الإيجاب إسنادهم ) مقطعاً مستقلاً، ويجعل قوله بعده:
(.................... ... وقـصد ذي الخطـاب
إفادة السامع نفس الحكم أوكون مـخبر به ذا علـم
فأول فائدة والثانــي لازمـها عند ذوي الأذهان)
مقطعًا ثانياً بينما يجعل الدمنهوري الأبيات الثلاثة مقطعاً واحداً( ) .
ثانياً: طريقة الشرح: مر معنا أن الأخضري يبدأ بالشرح الإجمالي ثم يثني بفك العبارة ثم يختم المقطع بذكر ما فيه من فنون البلاغة، بينما نجد الدمنهوري يمزج بين الشرح من جهة وبين فك العبارة من جهة أخرى، ولا يأتي بالفنون البلاغية التي كان المؤلف يختم بها كلامه، ولعلي أسوق هنا نصاً من حلية اللب المصون ليكون شاهداً على ما ذكرت، يقول في شرحه لبيت الجوهر الذي يُعَرِّف علم المعاني: "العلم يطلق على ملكة يقتدر بها على إدراك المسائل، ويطلق على نفس الإدراك، ويطلق على نفس المسائل، والأنسب بما هنا المعنى الثالث؛ فقوله ( علم ) إلى قوله ( مطابقاً ) تعريف لعلم المعاني، وقوله ( يرى ) أي يعلم، و( به ) يتعلق به، و( لفظ ) نائب فاعل ( يرى ) وهو المفعول الأول، و(مطابقاً) مفعول ثان، وهنا مضاف محذوف أي هو أحوال أي علم يعلم به أحوال اللفظ التي بها يطابق مقتضى الحال... فـ(ـعلم ) جنس ويعلم به أحوال اللفظ مخرج لما يعلم به أحوال غير اللفظ كالحساب ..."إلخ كلامه( )، فنجد في كلامه مزجاً بين الشرح الإجمالي وفك عبارة المتن، مع ملاحظة أنه في هذا الموضع الذي نقلته أطال في فك العبارة بينما نجد عادته في الكتاب عموماً الاختصار في هذا الجانب( ).
ثالثاً:الاستطراد يخلو الكتاب - غالباً - من الاستطرادات النحوية( ) واللغوية المطولة( )، واستطراداته على قصرها وقلتها مفيدة في فهم المتن وليست خارجة بالكلية عنه خلافا لما سبق عن الأخضري؛ كما نجده يخلو من الاستطرادات الصوفية وهو في هذا مخالف لما سبق عن الأخضري، لكننا نجده يشابه الأخضري في استطراداته البلاغية التي لا تتعلق بالنظم مباشرة، لكن فيها مزيد بيان وفائدة، والملاحظ على هذه الاستطرادات الاختصار - غالباً -( ).
رابعاً: المصادر: يشترك الكتابان في مصادرهما البلاغية في الأعم الأغلب، لكن لكل من الكتابين بعض المصادر التي تميزه عن الآخر فبينما نجد الأخضري يستفيد من أرجوزة المراكشي وشرحها( ) نجد الدمنهوري يستفيد من شرح العصام على السمرقندية( )، وعقود الجمان وشرحه للسيوطي( )،ولعل مما يميز الدمنهوري تصريحه بمصادر كثير من المسائل البلاغية فنجده ينقل( ) عن الجرجاني( )، والسكاكي( )، والقزويني( )، والتفتازاني( )، كما نجده يعزو إلى كتب من تأليفه( )، وهو في هذا متميز عن الأخضري الذي لا يصرح عادة إلا بنقله عن التفتازاني؛ أما المصادر النحوية فقد مضت الإشارة إلى استفادة الأخضري من كتب النحو وخاصة مغني اللبيب( ) بينما لا نجد شيئاً من هذا عند الدمنهوري.
خامساً: الشواهد: مر معنا تميز المؤلف في شواهده وهذا ما لا نجده في شرح الدمنهوري، حيث بلغت شواهد الدمنهوري القرآنية مائة وثلاثة وتسعين شاهداً، بينما بلغت شواهد شرح الجوهر المكنون من القرآن ثلاثمائة وسبعة وأربعين شاهداً، كما أن معظم شواهد حلية اللب المصون هي نفس الشواهد المشهورة عند البلاغيين( )، والكلام نفسه يقال عن شواهده الحديثية والشعرية والنثرية حيث لم يخرج عن الشواهد المشهورة إلا في شواهد شعرية قليلة معظمها مستفاد من شرح الأخضري دون تنبيه على الاستفادة( ).
سادساً: ظهور شخصية الدمنهوري: ظهرت شخصية الدمنهوري في كتابه من خلال ترجيحه واختياره بين الأقوال في مسائل عديدة ( ).
سابعاً: مزايا شرح الدمنهوري:
1 -حسن ترتيب الكلام، وتفصيل المسائل مع الاختصار . فنجده يقول مثلاً عند تعريف علم المعاني :"العلم يطلق على ملكة يقتدر بها على إدراك المسائل، ويطلق على نفس الإدراك، ويطلق على نفس المسائل، والأنسب بما هنا المعنى الثالث؛ فقوله ( علم ) إلى قوله ( مطابقا ) تعريف لعلم المعاني وقوله (يرى) أي يعلم، و( به ) يتعلق بهن، و(لفظ) نائب فاعل يرى وهو المفعول الأول، و( مطابقاً) مفعول ثان، وهنا مضاف محذوف أي هو أحوال أي علم يعلم به أحوال اللفظ التي بها يطابق مقتضى الحال... فـ(ـعلم) جنس ويعلم به أحوال اللفظ مخرج لما يعلم به أحوال غير اللفظ كالحساب ..." إلخ
ثامناً:المآخذ على شرح الدمنهوري:
1 - قلة استفادته من شرح الأخضري رغم اطلاعه عليه حيث نجده :
أ – لا ينقل كلامه بنصه إلا في بعض كلام الأخضري على التصوف ( ).
ب – قد يستفيد منه في الأمثلة دون ما يشير إلى الاستفادة ( ).
ج- قد ينقل كلامه في فك عبارة المتن بالنص أو بتصرف قليل لكن دون تنبيه على أنه ينقل عن المؤلف ( ).
د–قد يعرض عن كلامه بالكلية رغم فائدته في فك عبارة المتن؛ فيقع بسبب ذلك في الخطأ؛ وسيأتي التمثيل لهذا في الفقرة (و) الآتية بعد قليل.
هـ – قد يتعقبه في عبارته في المتن رغم أنه أجاب عن الإشكال في الشرح ( ).
و– لا يعتمد رواية المتن التي في شرح المصنف، وقد يشير إليها بقوله:" ...كما هو ببعض النسخ" ( )؛ مما يشعر أنه لا يوليها اهتماما كبيرًا، بل قد يخالفها مخالفة تسبب فهما خاطئاً للبيت، فبينما نجد الرواية في شرح المصنف في سياق الحديث عن الاستعارة الترشيحية والتجريدية بلفظ: (وجردت بلائق بالأصل ورشحت بلائق بالفصل) نجد الدمنهوري يثبت البيت بلفظ : (وجردت بلائق بالفصل ورشحت بلائق بالفصل)، وهذا الذي أثبته جعله يشرح البيت بخلاف ما نص عليه المؤلف فيقول : "ومراد المصنف بالفصل المستعار له، وبالأصل المستعار منه" ( )
2 – الوقوع في تأويل بعض الصفات، وهو في هذا موافق للأخضري( ) .
3 –الميل إلى الاختصار الشديد، وقد يكون ذلك الاختصار في مواضع يُحتاج فيها إلى التفصيل؛ فنجده يقول في سياق الحديث عن تقييد المسند بأدوات الشرط:" وأكثر ما وقع بحثهم على معاني وإذا ولو وبيان ذلك في الأصل وشرحه( )، بل إنه قد يكتفي بالإشارة إلى الشاهد الشعري دون ان يسوقه بلفظه اختصاراً( ).
هذا ما وجدته ضمن ملفات عندي على lsb ولا أدري لمن. قمت بجمع ما يتعلق بهذا الإمام منذ سنين ولا أدري من صاحب هذا البحث. لعله يفيدك في مبتغاك خاصة في ترجمة الإمام وشيوخه وتلاميذه.
أما بحثي حول الإمام وكتابه السلم المرونق سرقت مني نسخته الرقمية ولا أجد إلا نسخة ورقية.
لا تنساني أخي من صالح دعاكئك والله المستعان.