العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أحكام فصل الصيف

إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا ،شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ظلالة في النار
فقد نظرت في المكتبة الفقهية المعاصرة فلم أجد كتاباًً يجمع أحكام فصل الصيف في مؤلف مفرد بل العكس، فقد وجدت من ألف في أحكام الشتاء، رغم أن كثيراً من البلاد الإسلامية تعيش فصل الصيف بصفة لازمة وأكثر أيام السنة عندهم حر، كما هو الحال في بلادي عدن في اليمن الجنوبي.
ولذلك عقدت العزم على جمع ما تيسر لي من أحكام فصل الصيف والحر في مؤلف واحد يجمع شتات المسائل في أمهات الكتب الفقهية من المذاهب الأربعة وما سار على نهجها، بأسلوب مبسط ومختصر غير مخل لكلام الفقهاء مدعماً بالأدلة الشرعية المستندة على الكتاب والسنة الصحيحة والقواعد الفقهية الأصيلة.
وقد وفقني الله إلى جمعه بأسلوب مبتكر وغير مسبوق ، فجعلته على فصول ثلاثة غير التي تعود عليها غيري في الترتيب حسب الأبواب الفقهية، وبنظرة خاطفة في الفهرس يتعرف المتصفح لهذا الكتاب كيف رتبته ونسقته، وما توفيقي إلا بالله.
لذا أخي الكريم وأختي الكريمة إذا رأيتم ما يعجبكم فاحمدوا الله على توفيقه لي ،وإن رأيتم غير ذلك فالتمسوا لي العذر ، وحسبي أنني قد اجتهدت، فما كان فيه من حق فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.

رأفت الحامد العدني
1/ربيع أول/ 1441هـ.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=383867
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

لا أستطيع النشر في الصفحة كل التنسيقات تختفي ويظهر كأنه قطعة واحدة
 

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: أحكام فصل الصيف

لا أستطيع النشر في الصفحة كل التنسيقات تختفي ويظهر كأنه قطعة واحدة
اعمل نسخ ولصق من "أهل الحديث" إلى هنا.. سيبقى التنسيق كما هو.
وفقكم الله
 
التعديل الأخير:
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

قد فعلت ولم أنجح... هلا حاولتي من جهتك ....
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: أحكام فصل الصيف

قد فعلت ولم أنجح... هلا حاولتي من جهتك ....

ما لا تعرفه عن فصل الصيف

ما هو فصل الصيف؟
هو أحد فصول السنة الأربعة، ويأتي بعد فصل الربيع، ويليه فصل الخريف، وهو من أجمل فصول السنة، وأكثرها حيويّةً ونشاطاً، نظراً لدفء طقسه،بالإضافة إلى أن معظم الناس يؤجلون أفراحهم لفصل الصيف، فهو فصل الفرح.

فصل الصيف في القرآن الكريم:
وقد ورد ذكر فصل الصيف في القرآن الكريم، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في سورة قريش: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ*إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ). [قريش:1-2]
وقوله: (رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) : رحلة قريش الرحلتين: إحداهما إلى الشام في الصيف، والأخرى إلى اليمن في الشتاء. تفسير الطبري (24/ 622)

في القرآن آية يقال لها آية الصيف:
عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَذَكَرَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنَّ أَسْتَخْلِفَ، وَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ، وَلَا خِلَافَتَهُ، وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ، فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللهِ، الْكَفَرَةُ الضُّلَّالُ، ثُمَّ إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الْكَلَالَةِ، مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ، وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟» وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ، يَقْضِي بِهَا مِنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ، وَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ، وَلِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ فَيْئَهُمْ، وَيَرْفَعُوا إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.
وزاد أحمد : قَالَ: فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأُصِيبَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ. إسناده صحيح على شرط مسلم
رواه مسلم (1/ 396)78 - (567) 17 - بَابُ نَهْيِ مَنْ أَكَلِ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا، ورواه أحمد (1/ 249)89 .
وقوله: "آية الصيف" هي قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] وهي نزلت في الصيف، وهي أوضح من آية الشتاء التي هي في أول سورة النساء. قاله السندي.
وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 31 - 32: واختلفوا على ما يقع اسم الكلالة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه اسم للحي الوارث، وهذا مذهب أبي بكر الصديق وعامة العلماء الذين قالوا: إن الكلالة من دون الوالد والولد، فإنهم قالوا: الكلالة: اسم للورثة إذا لم يكن فيهم ولد ولا والد.
والثاني: اسم للميت، قاله ابن عباس والسدي وأبو عبيدة في جماعهْ.
والثالث: اسم للميت والحي، قاله ابن زيد.
واسم الكلالة مأخوذ من الإحاطة، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس، أو من الكلال وهو التعب كأنه يصل إلى الميراث من بُعدٍ وإعياءٍ.

متى يبدأ فصل الصيف :
يبدأ فصل الصيف بتاريخ الحادي والعشرين من شهر يونيو من كل عام، وينتهي بتاريخ الحادي والعشرين من شهر سبتمبر، وذلك في نصف الكرة الأرضيّة الشمالي، أي شمال خط الاستواء، كما أنه يبدأ في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر، وينتهي بتاريخ الحادي والعشرين من شهر مارس، وذلك في نصف الكرة الجنوبي، أي جنوب دائرة الاستواء، أي أن الفصول تتعاكس ما بين نصف الكرة الشمالي ونصفها الجنوبي.

مظاهر فصل الصيف :
ترتفع درجة الحرارة إلى أعلى مستوى لها خلال السنة، فهو أكثر فصول العام ارتفاعاً للحرارة، ويميل فيه الجو لأن يكون حاراً استوائياً، وجافاً في المناطق الصحراويّة، ورطباً في مناطق البحار والأنهار.
فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ". رواه البخاري (4/ 120)3260 ،و مسلم (1/ 431)185 - (617)
والحديث حمله بعضهم على ظاهره، وقال: شكواها حقيقة أن شدة الحر من وهج جهنم حقيقة على ما جاء فى الحديث، وأن الله أذن لها بنفسين؛ نفس فى الصيف، ونفس فى الشتاء، وذكر أنه أشد ما يوجد من الحر والبرد؛
وقيل: إنه كلام خرج مخرج التشبيه والتقريب، أى كأنه نار جهنم فى الحرِّ فاحذروه واجتنبوا ضرره، كما قال: شكى إلى جملى طول السرى، وهذا يسمى التعبير بلسان الحال، وكلا الوجهين ظاهر،
والأول أظهر وحمله على الحقيقة أولى، لا سيما على قول أهل السنة بأن النار موجودة مخلوقة الآن، فالله قادر على خلق الحياة، بجزء منها حتى تتكلم، أو يكون يُتكلم على لسانها خازنها أو من شاء الله عنها، أو يخلق لها كلاماً يسمعه من شاء من خلقه. إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 582)
قال أبو عمر بن عبدالبر : القول الأول يعضده عموم الخطاب، وظاهر الكتاب، وهو أولى بالصواب، والله أعلم. الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار 463 (1/ 353)

ويكثر فيه الغبار والرياح الجافة. تظهر النجوم والقمر في الليل بشكل واضح.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمٌ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، مَنِ اسْتَشْرَفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْهُ». رواه ابن حبان في صحيحه (13/ 291)5959، قال الألباني:حسن صحيح.
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخَوْلَانِيُّ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَسَرَّهُ إِلَيَّ لَمْ يَكُنْ حَدَّثَ بِهِ غَيْرِي، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ، سُئِلَ عَنِ الْفِتَنِ وَهُوَ يَعُدُّ: " الْفِتَنَ فِيهِنَّ ثَلَاثٌ لَا يَذَرْنَ شَيْئًا مِنْهُنَّ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، مِنْهَا صِغَارٌ، وَمِنْهَا كِبَارٌ "، قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي. رواه أحمد في مسنده (38/ 327)23291 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
قلت : ولعل التشبيه بها في كونها مؤذية لأن رياح الصيف حارة في الغالب وتعصف الرمال وتحرق النبات.

ويطولُ النهار، حتى يبلغ ذروته، ففي فصل الصيف أطول نهارٍ في السنة، كما يقصر وقت الليل، وفيه أقصر ليلٍ في العام.
فعن أم عبد الله أخت شداد بن أوس - رضي الله عنها - قالت: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره - وذلك في طول النهار وشدة الحر - " فرد إلي رسولي: أنى لك هذا اللبن؟ " , فقلت: من شاة لي، " فرد إلي رسولي: أنى لك هذه الشاة؟ " , فقلت: اشتريتها من مالي، " فشرب " , قالت: فلما كان من الغد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، بعثت إليك بذلك اللبن مرثية لك من طول النهار , وشدة الحر , فرددت إلي فيه الرسول؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت الرسل قبلي أن لا تأكل إلا طيبا , ولا تعمل إلا صالحا " . رواه ابن أبي الدنيا في الورع ج 1/ص 84 ح116 , والحاكم 7159 , والطبراني ج25ص175 ح428 , انظر صحيح الجامع: 1367 , الصحيحة: 1136

وتنضج فيه الخضروات والفواكه ومعظم أنواع الثمار، ويصبح لون أوراق الأشجار أشدّ خضرةً مما كان عليه في فصل الربيع.
فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُرَاقَةَ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ وَمَعَنَا ابْنُ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا "قَالَ: وَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ، فَقَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ "، قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا تَذْهَبُ الْعَاهَةُ، مَا الْعَاهَةُ؟ قَالَ: " طُلُوعُ الثُّرَيَّا ".
رواه أحمد في المسند (9/ 55)5012 ، وهو أيضا مخرج في صحيح البخاري (3/ 76)2193بَابُ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا،
قلت: النجم: هو الثريا، وطلوعها صباحاً يقع في أول فصل الصيف، وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز، وابتداء نضج الثمار.

ويُصبح لون الحقول أصفر، مثل حقول القمح والشعير والعدس وغيرها، ويبدأ الفلاحون بالحصاد.

وتنشط فيه الحشرات، وخصوصاً الذباب والبعوض، ويخرج النمل من مساكنه ليجمع الطعام، كما تصحو فيه الحيوانات من سباتها، وتكثر الزواحف مثل الأفاعي، والسحالي، وكذلك العقارب والعناكب، ومختلف أنواع الحشرات.

وتقل غزارة الينابيع والمياه الجوفيّة بشكل عام، وتُصبح التربة جافة ،وتكون الشمس فيه في أعلى ارتفاعٍ لها فوق الأفق وقت الظهيرة ،ويُصبح البحر هادئاً، وحركة أمواجه بين المدّ والجزر بطيئةً.


قواعد عامة تختص بفصل الصيف

القاعدة الأولى :
الحر لا يمنع من طاعة الله
إن الحر لا يمنع من طاعة الله، فهو ابتلاء، ولكن الخروج فيه في سبيل الله إلى جمعة وجماعة، واحتساب الأجر في هذه المشقة، شأنه عظيم،
قال العلي الأعلى جلّ وعلا: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81].
ولذلك لا يصلح التخلف عن الطاعات في الحر، بل هي فتنة، وهذا من ابتلاء الله للعباد، فيظهر من يطيعه في كل الأحوال والأوقات، كان السلف -رحمهم الله-: يصومون في الحر الشديد، وسيأتي تفصيل ذلك في فصل بيان حال السلف في الصيف.

القاعدة الثانية :
أن تقصد المشقة لا يجوز في شرعنا، يعتقد بعض الناس أن تقصد المشقة يحصل به الأجر الكبير، فترى بعض الجهلاء يستحب أداء مناسك الحج حافياً تقرباً إلى الله، حتى يتحقق فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: " أجرك على قدر نصبك "، او لحديث : يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم .
قال شيخ الإسلام : " فأما كونه مشقاً فليس سبباً لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقّاً ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة ... فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة، وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوباً مقرباً إلى الله، لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا، وانقطاع القلب عن علاقة الجسد، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم ". مجموع الفتاوى" (10/ 622 - 623)، " الموافقات" (2/ 129)

القاعدة الثالثة :
لا يَنبغي أن يَغيب عنَّا في كلِّ المكاره الَّتي تحصُل، أنها لا تخْلو من خيرٍ في الحال أو في المآل، فلننظُر إلى الجانب الحسَن فيما يُصيبُنا من أمراض وابتلاءات، فقد قدَّرها أحكمُ الحاكمين وهُو أعلم بِما يصلح به حال عبادِه، ï´؟ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ï´¾ [الملك: 14].فالضدُّ يظهر حسنَه الضدُّ، فكم من نعمةٍ لا تلتفت إليْها النفوس ولا تعرف قدْرَها إلاَّ إذا فقدتْها!.


أحوال السلف في الصيف

طلب العلم في فصل الصيف
من المسلّمات المعروفة: أنّ علماءنا الجهابذة (رحمة الله عليهم) لم يطلبوا العلم براحة النفس والجسد، ولم تكن مجالسهم شكلية تضيع في القيل والقال، بل ذاقوا أنواع المعاناة والمشقة والصبر، الأمر الذي تعجز الأسطر عن وصفه، وضربوا في ذلك أروع الأمثلة مما لا تجده في علماء أمة من الأمم السابقة؛ حيث كانت مجالسهم ذات هيبة لما يتلى ويذكر فيها من الآيات والأحاديث، تتنزل عليها الرحمات وتحفها الملائكة.
ولذلك: هجروا في سبيل طلب العلم النوم، والراحة، والدعة، وسائر اللذات، ولم يضرهم تغير الفصول في السنة.

طلب العلم في حر الصيف (التلقي والعرض)
َقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: القَعْنَبِيُّ ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، لَمْ أَرَ أَخْشَعَ مِنْهُ، سَأَلنَاهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْنَا (المُوَطَّأ) ، فَقَالَ: تَعَالَوْا بِالغَدَاةِ.فَقُلْنَا: لَنَا مَجْلِسٌ عِنْدَ حَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ.
قَالَ: فَإِذَا فَرَغْتُم مِنْهُ؟
قُلْنَا: نَأْتِي حِيْنَئِذٍ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ.
قَالَ: فَإِذَا فَرَغْتُم؟
قُلْنَا: نَأْتِي أَبَا حُذَيْفَةَ النَّهْدِيَّ.
قَالَ: فَبَعْدَ العَصْرِ؟
قُلْنَا: نَأْتِي عَارِماً أَبَا النُّعْمَانِ.
قَالَ: فَبَعْدَ المَغْرِبِ؟
فَكَانَ يَأْتِينَا بِاللَّيْلِ، فَيَخْرُجُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ كَبْلٌ مَا تَحْتَهُ شَيْءٌ فِي الصَّيْفِ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا فِي الحَرِّ الشَّدِيدِ حِيْنَئِذٍ، فكان يقرأ علينا وعليه كساؤه ولو أراد لأعطي الكثير.
والقَعْنَبِيُّ هو عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ،
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (10/ 260)، " الجرح والتعديل " 5 / 181، والكبل: الفرو الكبير.

طلب العلم في حر الصيف وتقديمهم الحديث على النوافل
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ زَيْدٍ المُعَدَّلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ الذُّهْلِيِّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي فِي الصَّيْفِ الصَّائِفِ وَقْتَ القَائِلَةِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ كُتُبِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ السِّرَاجُ، وَهُوَ يُصَنِّفُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، هَذَا وَقْتُ الصَّلاَةِ، وَدُخَانُ هَذَا السِّرَاج بِالنَّهَارِ، فَلَو نَفَّسْتَ عَنْ نَفْسِكَ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ، تَقُوْلُ لِي هَذَا، وَأَنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِيْنَ.
والذهلي هو مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ فَارِسِ بنِ ذُؤَيْبٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، البَارعُ، شَيْخُ الإِسْلامِ، وَعَالِمُ أَهْلِ المَشْرِقِ، وَإِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِخُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الذُّهْلِيُّ مَوْلاَهُمُ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (12/ 279)

طلب العلم في حر الصيف ولا خير فيمن عاقهُ الحرُ والبردُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ البَنَّاءِ: كَانَ الحُمَيْدِيّ مِنِ اجْتِهَاده و حرصه على السماع يَنسخُ بِاللَّيْلِ فِي حر بغداد ، فَكَانَ يَجلسُ فِي إِجَّانَة فِي مَاءٍ يَتبرَّد بِهِ وينسخ وهو على تلك الحال أو كما.
والحُمَيْدِيُّ هو أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ فُتُوْحِ بنِ عَبْدِ اللهِ الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الأَثرِي المُتْقِنُ، الحَافِظُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ فُتُوْح بن عَبْدِ اللهِ بنِ فُتُوْحِ بنِ حُمَيْدِ بنِ يَصِلَ الأَزْدِيُّ، الحُمَيْدِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ؛ المَيُورْقِي، الفَقِيْهُ، الظَّاهِرِيُّ، صَاحِبُ ابْنِ حَزْمٍ وَتِلْمِيْذُه.
تاريخ دمشق لابن عساكر (55/ 79)، سير أعلام النبلاء ط الرسالة (19/ 122)، قال في المصباح: الاجانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب.

طلب العلم في حر الصيف والرحلة في جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِر يَقُوْلُ:
بُلْتُ الدَّم فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ مرَّتين، مرَّة بِبَغْدَادَ، وَأُخْرَى بِمَكَّةَ، كُنْتُ أَمْشِي حَافِياً فِي الحرِّ، فَلحقنِي ذَلِكَ، وَمَا رَكبتُ دَابَّة قَطُّ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَكُنْت أَحْمِلُ كُتُبِي عَلَى ظَهرِي، وَمَا سَأَلتُ فِي حَال الطَّلَب أَحَداً، كُنْت أَعيشُ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيْلَ: كَانَ يَمْشِي دَائِماً فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عِشْرِيْنَ فَرْسَخاً، وَكَانَ قَادِراً عَلَى ذَلِكَ.
وابن طاهر هو مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الجَوَّال، الرّحَالُ، ذُو التَّصَانِيْفِ، أَبُو الفَضْلِ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ بن القَيْسَرَانِيِّ المَقْدِسِيُّ، الأَثرِيُّ، الظَّاهِرِي
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (19/ 363)، طبقات علماء الحديث (4/ 15)

حب صلاة الليل في حر الصيف
عن مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ يُصَلِّي فِي الشِّتَاءِ فِي السَّطْحِ، وَفِي الصَّيْفِ فِي بَطْنِ الْبَيْتِ يَتَيَقَّظُ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يَقُولُ: هَذَا الْجَهْدُ مِنْ صَفْوَانَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَإِنَّهُ لَتَرِمُ رِجْلَاهُ حَتَّى تَعُودَ مِثْلَ السَّفَطِ، مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَيَظْهَرُ فِيهَا عُرُوقٌ خُضْرٌ .
وصفوان هو صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ وَمِنْهُمُ الْمُجْتَهِدُ الْوَفِيُّ الْمُتَعَبِّدُ السَّخِيُّ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ الزُّهْرِيُّ، كَانَ ذَا جُهْدٍ وَاغْتِنَاءٍ، وَوِرْدٍ وَاعْتِنَاءٍ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 159)،تاريخ الإسلام (3/ 672)

لزوم الزهد في حر الصيف
عن عَبْدُ اللهِ الْأَعْرَجُ، - أَوْ غَيْرُهُ - قَالَ: " أَتَيْتُ دَاوُدَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَكَانَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي الْمَسْجِدِ , فَتَبِعْتُهُ فَصَعَّدَ فِيَّ الْبَصَرَ , فَقُلْتُ: أُضِيفُكَ اللَّيْلَةَ؟ فَدَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللهُ , فَأَخْرَجَ رَغِيفَيْنِ يَابِسَيْنِ , فَجَلَسَ فَقَالَ لِي: ادْنُ فَكُلْ , فَأَشْفَقْتُ عَلَيْهِ أَنْ آكُلَ مَعَهُ , فَأَكَلَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ فِي الدَّارِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَأَخَذَ يَشْرَبُ مِنْهُ , فَقُلْتُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ لَوْ أَمَرْتَ مَنْ يُبْرِدُ لَكَ هَذَا الْمَاءَ؟ فَقَالَ لِي: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِي يُبْرَدُ لَهُ الْمَاءُ فِي الصَّيْفِ وَيُسَخَّنُ لَهُ فِي الشِّتَاءِ لَا يُحِبُّ لِقَاءَ اللهِ؟ قُلْتُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أَوْصِنِي , قَالَ: صُمِ الدُّنْيَا , وَاجْعَلْ فِطْرَكَ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ , فَقُلْتُ: زِدْنِي , فَقَالَ: لِيَكُنْ كَاتِبَاكَ مُحَدِّثَيْكَ , فَقُلْتُ: زِدْنِي , قَالَ: بِرَّ وَالِدَيْكَ , قُلْتُ: زِدْنِي , قَالَ: فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ غَيْرَ مُفَارِقٍ لِجَمَاعَتِهِمْ , ثُمَّ خَرَجْتُ "
وداود هو دَاوُدُ بْنُ نُصَيْرٍ الطَّائِيُّ وَمِنْهُمُ الْفَقِيهُ الْوَاعِي , الْبَصِيرُ الرَّاعِي , الْعَابِدُ الطَاوِي , أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ نُصَيْرٍ الطَّائِيُّ.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (7/ 345)، صفة الصفوة/دار الحديث (2/ 77)

إجابة الدعاء في حر الصيف
[FONT=&quot]وَرَوَى: الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ، قَالَ:[/FONT]
[FONT=&quot]كَانَ أَنَسٌ يُصَلِّي حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ دَماً، مِمَّا يُطِيلُ القِيَامَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.[/FONT]
[FONT=&quot]ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، قَالَ: جَاءَ قَيِّمُ أَرْضِ أَنَسٍ، فَقَالَ: عَطِشَتْ أَرَضُوكَ.[/FONT]
[FONT=&quot]فَتَرَدَّى أَنَسٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى، وَدَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ، وَغَشِيتْ أَرْضَهُ، وَمَطَرَتْ، حَتَّى مَلأَتْ صِهْرِيْجَهُ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلهِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ؟[/FONT]
[FONT=&quot]فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلاَّ يَسِيْراً.[/FONT]
[FONT=&quot]وأنس هو أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ[/FONT]
[FONT=&quot]الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً.[/FONT]
[FONT=&quot]الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 277)، سير أعلام النبلاء (3/ 400) وقال: هَذِهِ كَرَامَةٌ بيِّنَة ثَبَتَتْ بِإِسْنَادَيْنِ.[/FONT]

[FONT=&quot]من علامات حسن الخاتمة في حر الصيف[/FONT]
[FONT=&quot]قَالَ الحُسَيْنُ بنُ يَوْحن البَاورِّيّ: كُنْت فِي مدينَة الخَان، فَسَأَلنِي سَائِل عَنْ رُؤْيَا، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ.[/FONT]
[FONT=&quot]فَقَالَ: إِنْ صدقت رُؤيَاك، يَموت إِمَام لاَ نَظير لَهُ فِي زَمَانِهِ، فَإِنَّ مِثْل هَذَا المَنَام رُئِيَ حَال وَفَاة الشَّافِعِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَأَحْمَد بن حَنْبَلٍ.[/FONT]
[FONT=&quot]قَالَ: فَمَا أَمسينَا حَتَّى جَاءنَا الخَبَر بِوَفَاة الحَافِظ أَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيّ.[/FONT]
[FONT=&quot]وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الخُجَنْدِيّ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو مُوْسَى، لَمْ يَكَادُوا أَن يَفرغُوا مِنْهُ، حَتَّى جَاءَ مَطَر عَظِيْم فِي الحرّ الشَّدِيد، وَكَانَ المَاء قَلِيْلاً بِأَصْبَهَانَ، فَمَا انْفَصل أَحَد عَنِ المَكَان مَعَ كَثْرَة الْخلق إِلاَّ قَلِيْلاً، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ إِمْلاَء أَملاَهُ: أَنَّهُ مَتَى مَاتَ مَنْ لَهُ مَنْزِلَة عِنْد الله، فَإِنَّ اللهَ يَبعثُ سحَاباً يَوْم مَوْته، علاَمَة لِلمَغْفِرَة لَهُ، وَلِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.[/FONT]
[FONT=&quot]وأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ هو مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ[/FONT]
[FONT=&quot]سير أعلام النبلاء ط الرسالة (21/ 156)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (6/ 162)، المؤتلف والمختلف لابن القيسراني = الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط (ص: 151)[/FONT]

[FONT=&quot]التعليق: الْقَوْل بِهذا يَحتاج إلى دليل ؛ لأن هذا مِن الأمور الغَيْبيَّـة ، ولا يُطَّلَع عليها إلاَّ عن طريق الوحي .[/FONT]
[FONT=&quot]وأعني به ما قيل مِن أنَّه (متى مات من له مَنْزِلة عند الله فإن الله يبعث سحابا يوم موته علامة للمغفرة له ، ولمن صلى عليه)[/FONT]
[FONT=&quot]وقد مَات سادات الأولياء بل والأنبياء ، ولم يَكن شيء مِن ذلك ![/FONT]
[FONT=&quot]مات خِيَار الصحابة وأفضل هذه الأُمَّـة بعد نَبِيِّها ، مات أبو بكر وعمر وقُتِل عثمان وعليّ ، رضي الله عنهم أجمعين ، ومات بقيَّـة العشرة ، وأصحاب الشَّجَرة ، ومات عُكاشة بن محصن ؛ وكلّ هؤلاء ممن رضي الله عنهم ، ومِمّن بشَّرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنَّة . ومع ذلك لم يَأتِ في خبر وفاة واحِدٍ منهم مثل ذلك .[/FONT]
[FONT=&quot]وكَون ذلك يَقَع اتِّفاقا لا يَدُلّ على كرامة ذلك الميِّت ، ولا زيادة فضله .[/FONT]
[FONT=&quot]وقد يَقَع الأمْر الكَونِيّ مُـتَّـفِقًـا مع وفاة صالِح مِن الصَّالِحين ، فلا يَدُلّ على وُجود عِلاقة بين حَدَث كَوني وبين وفاة صالِح مِن الصالحين .[/FONT]
[FONT=&quot]ولذلك نَـبَّـه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم وفاة ابنه إبراهيم عليه السلام ، إذ قد تَوَافَق موته مع كُسُوف الشمس ، فقال أُناس : انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبراهيم .[/FONT]
[FONT=&quot]فأكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم وُجود علاقة بين وفاة ابنه وبين كسوف الشمس بِقوله : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته . رواه البخاري ومسلم .[/FONT]

[FONT=&quot]بكاء السلف حزناًً على َظَمَأُ الْهَوَاجِرِ[/FONT]
[FONT=&quot]عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «لَوْلَا ثَلَاثُ خِلَالٍ لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَبْقَى فِي الدُّنْيَا»، فَقُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: «لَوْلَا وُضُوعُ وَجْهِي لِلسُّجُودِ لِخَالِقِي فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَكُونُ تَقَدُّمُهُ لِحَيَاتِي، وَظَمَأُ الْهَوَاجِرِ، وَمُقَاعَدَةُ أَقْوَامٍ يَنْتَقُونَ الْكَلَامَ كَمَا تُنْتَقَى الْفَاكِهَةُ».[/FONT]
[FONT=&quot]وأَبُو الدَّرْدَاءِ هو عُوَيْمِرُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ الإِمَامُ، القُدْوَةُ، قَاضِي دِمَشْقَ، وَصَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[/FONT]
[FONT=&quot]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 212)[/FONT]

[FONT=&quot]وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ: «انْظُرُوا أَصْبَحْنَا؟» فَأُتِيَ فَقِيلَ: لَمْ تُصْبِحْ، فَقَالَ: «انْظُرُوا أَصْبَحْنَا؟» فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: لَمْ تُصْبِحْ، حَتَّى أُتِيَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَقِيلَ: قَدْ أَصْبَحْتَ، قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ لَيْلَةٍ صَبَاحُهَا إِلَى النَّارِ، مَرْحَبًا بِالْمَوْتِ مَرْحَبًا، زَائِرٌ مُغِبٌّ، حَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ، اللهُمَّ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَخَافَكَ، فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْجُوكَ، اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ الدُّنْيَا وَطُولَ الْبَقَاءِ فِيهَا لِجَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَلَا لِغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَلَكِنْ لَظَمَأِ الْهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ السَّاعَاتِ، وَمُزَاحَمَةِ الْعُلَمَاءِ بِالرُّكَبِ عَنِ حِلَقِ الذِّكْرِ ".[/FONT]
[FONT=&quot]ومُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ هو أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، الْمُحْكِمُ لِلْعَمَلِ، التَّارِكُ لِلْجَدَلِ، مِقْدَامُ الْعُلَمَاءِ، وَإِمَامُ الْحُكَمَاءِ، وَمِطْعَامُ الْكُرَمَاءِ، الْقَارِئُ الْقَانِتُ، الْمُحِبُّ الثَّابِتُ، السَّهْلُ السَّرِيُّ، السَّمْحُ السَّخِيُّ، الْمَوْلَى الْمَأْمُونُ، وَالْوَفِيُّ الْمَصُونُ، مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْعِبَادِ وَالْأَمْوَالِ، وَمَصُونٌ مِنَ الْمَوَانِعِ وَالْأَحْوَالِ.[/FONT]
[FONT=&quot]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 239)و(5/ 103)[/FONT]

[FONT=&quot]وقَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا احْتُضِرَ عَامِرٌ، بَكَى. فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟[/FONT]
[FONT=&quot]قَالَ: مَا أَبْكِي جَزَعاً مِنَ المَوْتِ، وَلاَ حِرْصاً عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى ظَمَأِ الهَوَاجِرِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ[/FONT]
[FONT=&quot]وعَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ القُدْوَةُ الوَلِيُّ الزَّاهِدُ وهو الْمُضِرُّ بِلَذِيذِ الْعَيْشِ هو عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ الْمُرِاقِبُ الْمُسْتَحِي السَّالِمُ الْمُسْتَضيءُ القُدْوَةُ، الوَلِيُّ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو - التَّمِيْمِيُّ، العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ.[/FONT]
[FONT=&quot]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 88)، سير أعلام النبلاء ط الرسالة (4/ 19)[/FONT]

[FONT=&quot]وعَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مِعْضَدٍ، قَالَ: " لَوْلَا ثَلَاثٌ: ظَمَأُ الْهَوَاجِرِ وَطُولُ لَيْلِ الشِّتَاءِ وَلَذَاذَةُ التَّهَجُّدِ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ يَعْسُوبًا "[/FONT]
[FONT=&quot]ومِعْضَدٌ هو أَبُو زَيْدٍ الْعِجْلِيُّ وَمِنْهُمُ الْمُتَعَبِّدُ الْمُجْتَهِدُ الشَّاهِدُ الْمُسْتَشْهَدُ[/FONT]
[FONT=&quot]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 159)[/FONT]

[FONT=&quot]وعن الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ غَالِبٍ الْحُدَّانِيُّ لَمَّا بَرَزَ إِلَى الْعَدُوِّ: عَلَى مَا آسَى مِنَ الدُّنْيَا فَوَاللهِ مَا فِيهَا لِلْبَيْتِ جَذْلٌ، وَوَاللهِ لَوْلَا مَحَبَّتِي لِمُبَاشَرَةِ السَّهَرِ بِصَفْحَةِ وَجْهِي وَافْتِرَاشِ الْجَبْهَةِ لَكَ يَا سَيِّدِي، وَالْمُرَاوَحَةِ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ وَالْكَرَادِيسِ فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ رَجَاءَ ثَوَابِكَ وَحُلُولِ رِضْوَانِكَ لَقَدْ كُنْتُ مُتَمَنِّيًا لِفِرَاقِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا - قَالَ: ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَحُمِلَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ وَإِنَّ لَهُ لَرَمَقًا فَمَاتَ دُونَ الْعَسْكَرِ، قَالَ: فَلَمَّا دُفِنَ أَصَابُوا مِنْ قَبْرِهِ رَائِحَةَ الْمِسْكِ، قَالَ: فَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِهِ فِي مَنَامِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا فِرَاسٍ مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: خَيْرَ الصَّنِيعِ، قَالَ: إِلَى مَا صِرْتَ؟ قَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِحُسْنِ الْيَقِينِ وَطُولِ التَّهَجُّدِ وَظَمَأِ الْهَوَاجِرِ، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي تُوجَدُ مِنْ قَبْرِكَ؟ قَالَ: تِلْكَ رَائِحَةُ التِّلَاوَةِ وَالظَّمَأِ قَالَ: قُلْتُ: أَوْصِنِي قَالَ: اكْسَبْ لِنَفْسِكَ خَيْرًا لَا تَخْرُجْ عَنْكَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ عُطُلًا فَإِنِّي رَأَيْتُ الْأَبْرَارَ قَالُوا: الْبِرُّ بِالْبِرِّ.[/FONT]
[FONT=&quot]والْمُغِيرَةُ بْنُ حَبِيبٍ هو الْمُسَارِعُ اللَّبِيبُ فَارَقَ الشَّهَوَاتِ وَعَانَقَ الْقُرُبَاتِ[/FONT]
[FONT=&quot]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 247)[/FONT]

[FONT=&quot]وقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: لَوْلَا ثَلَاثٌ مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ يَعْسُوبًا , ظَمَأُ الْهَوَاجِرَ , وَطُولُ لَيْلَةِ الشِّتَاءِ , وَالتَّهَجُدُ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "[/FONT]
[FONT=&quot]وإبراهيم بن أدهم هو ابن منصور بن يزيد بن جابر، القُدْوَةُ، الإِمَامُ، العَارِفُ، سَيِّدُ الزُّهَّادِ، أَبُو إِسْحَاقَ العِجْلِيُّ .[/FONT]
[FONT=&quot]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/ 23)[/FONT]

[FONT=&quot]وعَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا احتُضِرَ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ عَلَى ثَلاَثٍ: ظَمَأِ الهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ، وَأَنِّي لَمْ أُقَاتِلِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ بِنَا -يَعْنِي: الحَجَّاجَ.[/FONT]
[FONT=&quot]وعَبْدُ اللهِ هو ابنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ[/FONT]
[FONT=&quot]سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 232)[/FONT]

[FONT=&quot]وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ، وَوَضَعُوا السُّفْرَةَ لَهُ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَلُمَّ يَا رَاعِي فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ. فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ الشَّدِيدِ سَمُومُهُ، وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْحَالِ تَرْعَى هَذِهِ الْغَنَمَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي أُبَادِرُ أَيَّامِي هَذِهِ الْخَالِيَةَ.[/FONT]
[FONT=&quot]فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ- وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْتَبِرَ وَرَعَهُ-: فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيَكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيَكَ مِنْ لَحْمِهَا مَا تُفْطِرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا يَفْعَلُ سَيِّدُكَ إِذَا فَقَدَهَا؟ فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ، وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي، يَقُولُ: «قَالَ الرَّاعِي فَأَيْنَ اللَّهُ» ؟[/FONT]
[FONT=&quot]قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلاهُ، فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمِ وَالرَّاعِي، فَأَعْتَقَ الرَّاعِي وَوَهَبَ مِنْهُ الْغَنَمَ.[/FONT]
[FONT=&quot]أسد الغابة ط الفكر (3/ 237)[/FONT]
 
التعديل الأخير:
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

جزاك ربي الجنة ونعيمها ... أختي الغالية
 
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

الفصل الأول

أحكام التشميس في فصل الصيف


حكم طهارة الأرض بالشمس، وهل يصح التيمم بها؟
إذا أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها، فهل تجوز الصلاة على مكانها، وهل يصح التيمم عليها؟

اختلف الفقهاء في ذلك إلى ثلاثة أقوال :

القول الأول : وهذا مذهب الحنفية وقديم قول الشافعي ورواية عند أحمد فقد قالوا:
إن أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها، و لا يجوز التيمم به، لأن المشروط للصلاة الطهارة، وللتيمم الطهورية

وقال زفر - رحمه الله تعالى - لا تجزئه؛ لأن الشرط طهارة المكان ولم يوجد، بدليل أن التيمم لا يجوز بهذا الموضع.

و استدلوا بالأحاديث والآثار التالية :

- عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَتِ الكِلاَبُ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ». رواه البخاري (1/ 45)174

- وعن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال قال ابن عمر
: كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وكنت فتى شابا عزبا وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك . رواه أبو داود (1/ 157) 139 - ت / 137 م باب في طهور الأرض إذا يبست 382 ،قال الشيخ الألباني : صحيح

- عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(محمد بن علي الباقر)، قَالَ: «زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا». مصنف ابن أبي شيبة (1/ 59)624

- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: «إِذَا جَفَّتِ الْأَرْضُ فَقَدْ زَكَتْ». مصنف ابن أبي شيبة (1/ 59)625

- قَالَ: «جُفُوفُ الْأَرْضِ طُهُورُهَا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ كَثِيرًا». وفي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 158)5143

- عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: «إِذَا جَفَّتِ الْأَرْضُ فَقَدْ زَكَتْ». مصنف ابن أبي شيبة (1/ 59)626

- حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ جَالِسًا عَلَى أَثَرِ بَوْلٍ جَافٍّ، فَقُلْتُ لَهُ: فَقَالَ: «إِنَّهُ جَافٌّ». مصنف ابن أبي شيبة (1/ 59)627

راجع: المقاصد الحسنة (ص: 355)504،الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 92)،تذكرة الموضوعات - الفتني (ص: 33)،التلخيص الحبير ط قرطبة (1/ 59)،نصب الراية (1/ 211)قال:غريب.

مراجع القول الأول: المبسوط للسرخسي (1/ 205)،اللباب في شرح الكتاب (1/ 51)،فتح القدير للكمال ابن الهمام (1/ 198) (1/ 199)،مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 68)، المجموع شرح المهذب (2/ 596)،الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (1/ 317)

القول الثاني : وهذا مذهب المالكية والشافعية ، والحنابلة ، واختيار زفر من الحنفية ، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر ، فقد قالوا : لا تطهر الأرض بالجفاف بالشمس، بل لا بد من غسلها.

فقالت المالكية:
لو جففت الشمس موضع نجاسة لم يطهر على المشهور، ولا يعد ذلك تطهيرا للنجاسة ؛ لأن النجاسة لا يطهرها إلا الماء.
مراجع : مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 162)،شرح التلقين (1/ 464)،إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك (ص: 21)،الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار 463 (2/ 133)،الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 284)،أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (1/ 268)

وقالت الشافعية :
إذا أصاب الارض نجاسة ذائبة في موضع ضاح فطلعت عليه الشمس وهبت عليه الريح فذهب اثرها ،
ففيه قولان قال في القديم يطهر لانه لم يبق شئ من النجاسة فهو كما لو غسل بالماء،
وقال في الام لا يطهر وهو الاصح لانه محل نجس فلا يطهر بالشمس كالثوب النجس، وأصحهما عند الأصحاب لا يطهر.
المراجع: المجموع شرح المهذب (2/ 596)، مختصر خلافيات البيهقي (2/ 248)مسألة (135)
،نهاية المطلب في دراية المذهب (2/ 323)،حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ط الرسالة الحديثة (1/ 327)

وقالت الحنابلة :
ولا تطهر أرض بشمس، أو ريح، أو جفاف.
المراجع : المغني لابن قدامة (2/ 72)،الفروع وتصحيح الفروع (1/ 324)، ،شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 47)،كشف المخدرات (1/ 89)،الممتع في شرح المقنع ت ابن دهيش ط 3 (1/ 219)

واستدل الجمهور :
بحديث أبي هريرة
- فعن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». رواه البخاري 220 (1/ 54) بَابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ

وقالوا : أما كون الأرض النجسة لا تطهر بالشمس؛ فلأن ذلك لا يثبت إلا بالشرع ولم يرد به.
و«لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بغسل بول الأعرابي». ولو كانت الشمس تطهر لاكتفى بها.
ولأن الأرض النجسة محل نجس فلم يطهر بالجفاف كالثوب المجفف بالشمس.


القول الثالث: وهو رواية عن أحمد، واختاره المجد في شرحه، وصاحب الحاوي الكبير، والفائق ونصرها ابن تيمية وابن عثيمين،
فقد قالوا : أن الجفاف مطهر مطلقاً، في حق الصلاة وفي حق التيمم وفي حق غيرهما.

قال شيخ الإسلام : والصحيح أنه يصلى عليها ويتيمم بها وهذا هو الصواب؛ لأنه قد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر: {أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك} ومن المعلوم أن النجاسة لو كانت باقية لوجب غسل ذلك. وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح من أنه {أمرهم أن يصبوا على بول الأعرابي الذي بال في المسجد ذنوبا من ماء} فإن هذا يحصل به تعجيل تطهير الأرض وهذا مقصود؛ بخلاف ما إذا لم يصب الماء فإن النجاسة تبقى إلى أن تستحيل.
وأيضا ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن وجد بها أذى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور} (صحيح ابن حبان) 2185 [قال الألباني]: صحيح - "صحيح أبي داود" (657).
وفي السنن أيضا: {أنه سئل عن المرأة تجر ذيلها على المكان القذر ثم على المكان الطاهر فقال: يطهره ما بعده} . رواه (الترمذي) 143 , و(أبوداود) 383 , و(ابم ماجة) 531 , و(أحمد) 26531
وقد نص أحمد على الأخذ بهذا الحديث الثاني ونص في إحدى الروايتين عنه على الأخذ بالحديث الأول وهو قول من يقول به من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما.

وقال : فإذا كان الشارع قد جعل الجامدات تزيل النجاسة عن غيرها لأجل الحاجة. كما في الاستنجاء بالأحجار وجعل الجامد طهورا علم أن ذلك وصف لا يختص بالماء. وإذا كانت الجامدات لا تنجس بما استحال إليها من النجاسة فالمائعات أولى وأحرى لأن إحالتها أشد وأسرع.
المراجع: مجموع الفتاوى (21/ 480)، مجموع الفتاوى (21/ 511)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (1/ 317)،الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 424)

قلت: والمذهب الأول والأخير متقاربان وهما أولى بالصواب في نظري المتواضع.


طهارة العرق

- عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالعَوَالِيِّ، فَيَأْتُونَ فِي الغُبَارِ يُصِيبُهُمُ الغُبَارُ وَالعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ العَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا».
رواه البخاري (2/ 6)902 بَابُ مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الجُمُعَةُ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ،ومسلم (2/ 581)6 - (847) 1 - بَابُ وُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَبَيَانِ مَا أُمِرُوا بِهِ، والمعنى: أي ليتكم اغتسلم لصلاة الجمعة، لأنه أفضل لما فيه من إزالة الرائحة الكريهة التي تؤذي الملائكة والمصلين.

- وعن عِكرِمة أنَّ أُناساً مِن أهلِ العراقِ جاؤوا فقالوا: يا ابنَ عبَّاس، أترى الغُسلَ يومَ الجُمُعةِ واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهَرُ وخير لِمَن اغتَسَلَ، ومَن لم يَغتَسِل فليسَ عليه بواجبٍ، وسأُخبِرُكم كيفَ بَدءُ الغُسلِ؟ كانَ النَّاسُ مجهودينَ يَلبَسونَ الصُّوفَ، ويَعمَلونَ على ظُهورِهم، وكان مَسجِدهم ضَيقاً مُقارِبَ السقفِ، إنَّما هو عَريشٌ، فخرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في يومِ حارّ وعَرِقَ الناسُ في ذلك الصوفِ، حتَّى ثارت منهم رِياحٌ، آذى بذلك بعضُهم بعضاً، فلمَّا وجدَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم - تلك الريحَ قال: "أيها الناس، إذا كانَ هذا اليومُ فاغتَسِلوا، وليَمَسَ أحدُكم أفضَلَ ما يَجِدُ مِن دُهنِه وطِيبِه". قال ابنُ عباس: ثمَّ جاءَ اللهُ بالخير، ولَبِسوا غيرَ الصوفِ، وكُفُوا العَمَلَ، ووُسعَ مَسجِدهم، وذهبَ بعضُ الذي كان يُؤذي بعضُهم بعضاً من العَرَق.
رواه أبو داود (1/ 264)353 125 - باب الرُّخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، وإسناده حسن، عبد العزيز بن محمَّد -وهو الدراوردي- وعمرو بن أبي عمرو، فيهما كلام يحطهما عن رتبة الصحيح، وباقي رجاله ثقات.وأخرجه البيهقي 1/ 295، وابن عبد البر في "التمهيد" 10/ 85 من طريق المصنف، بهذا الإسناد.

- وقال ابنُ عباس: "ثم جاء الله بالخيرِ، ولبسوا الصُّوفَ، وكُفُوا العملَ، ووُسِّعَ مسجدُهم، وذهبَ بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العَرَقِ".
حسن. أخرجه أبو داود (353)، وأحمد (1/ 268 - 269)،وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 362)، وقبله النووي في "المجموع" (4/ 536). والمعنى وحاصل المعنى أنهم كانوا يَعرَقون لمشيهم من مكان بعيد في شدة الحر، وتقدم أنهم كانوا يلبسون الصوف، فإذا اجتمع العرق مع وسخ لباس الصوف يثير رائحة كريهةً، فإذا حملها الريح إلى الناس، تأذوا بها، فأنكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وحثهم على الاغتسال، حتى لا يحصل هذا الضرر.

تعريف العرق :
هو ما جرى من أصول الشعر من ماء الجلد , وهو اسم للجنس لا يجمع , عرق عرقا , ورجل عرق : كثير العرق. قال أبو عبيد الرَّشْحُ العَرَقُ.
راجع: المحكم والمحيط الأعظم (1/ 187)،المخصص لابن سيده - موافق (2/ 406)
ويستعمل عند الفقهاء بمعنيين:
الأول: ما رشح من البدن (وهو المقصود في بحثنا هذا).
والآخر: نوع من المسكرات يقطر من الخمر، ويسمى عرقياً".

حكمه :
لا خلاف في طهارة العرق ولو من الجنب والحائض والكافر أو شارب الخمر، لأن كل حي طاهر سواء آدميا أو غيره -إلا ما ثبت الدليل بخلافه-، وكذلك عرقه ولعابه ومخاطه ودمعه ،لأنه متولد من اللحم فيعتبر عرق كل حيوان بسؤره طهارة ونجاسة وكراهة.

المراجع : الأم للشافعي (1/ 18)،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 36)،التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 28)،أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (1/ 56)،المجموع شرح المهذب (2/ 559)،حاشية الروض المربع (1/ 364)، المغني لابن قدامة (1/ 155)

وخالف ابن حزم اتفاق الفقهاء فقال :ولعاب الكفار من الرجال والنساء - الكتابيين وغيرهم - نجس كله، وكذلك العرق منهم والدمع، وكل ما كان منهم، ولعاب كل ما لا يحل أكل لحمه من طائر أو غيره، من خنزير أو كلب أو هر أو سبع أو فأر، حاشا الضبع فقط، وعرق كل ما ذكرنا ودمعه - حرام واجب اجتنابه. برهان ذلك قول الله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28]. المحلى بالآثار (1/ 137)134
قلت: وقوله شاذ لا يتلفت إليه، على عظيم قدره وعلو كعبه في العلم .

• وأجمع أهل العلم على أن خروج...العرق الذي يخرج من سائر الجسد .. لا ينقض طهارة ولا يوجب وضوءا. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/ 157)


مسائل متنوعة :
1- يجب على الزوج شراء ما يزيل رائحة إبط زوجته وإبطه، عند الحنفية ، والشافعية.
المراجع: حاشية ابن عابدين [3 /580]،روضة الطالبين وعمدة المفتين [9 /50]، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. [7 /195] ،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج [3 /431]

2- مذاهب الفقهاء في حكم نتف شعر الإبط متفقة على الإستحباب، وأنها سنة مسنونة، مجتمع عليها، مندوب إليها.
المراجع: حاشية ابن عابدين [6 /406]، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر [ص 226]
الاستذكار 463 [26 /242]،المجموع [1 /288]،المغني [1 /100] ،وقال بن قدامة في الكافي [1 /22] ،المحلى [2 /218]،نيل الأوطار [1 /133]،مراتب الإجماع [ص 157]
وقد نقل هذا الإجماع ابن عبدالبر في التمهيد (21/68) أيضاً،
وقد ذهب أبو بكر بن العربي إلى وجوب ذلك، وعامة العلماء على أنه مستحب، انظر: فتح الباري (10/339).

3- الحكمة من مشروعية نتف الإبط : أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك . فتح الباري لابن حجر [10 /344] ،طرح التثريب [2 /43]

4- الحلق بدلاً عن النتف، مذهب الحنفية :لا بأس بالحلق مطلقاً. وعند الشافعية والمالكية والحنابلة : جائز لمن صعب عليه النتف .
المراجع : درر الحكام شرح غرر الأحكام [4 /27]،المجموع [1 /288] ،، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار 463 [26 /242] ، المغني [1 /100]

5- يجوز حلق الإبط بالشفرة المخصصة للحلاقة،لأن المطلوب إزالة الشعر من الإبطين. الفتوى رقم 3184 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [5 /171]

6- يجوز استعمال بعض الكريمات لإزالة الشعر، والنتف للإبط أفضل إذا تيسر ، فإن لم يتيسر ذلك فلا حرج في إزالة شعرهما بأي نوع يزيل ذلك من الأشياء المباحة . مجموع فتاوى ابن باز [29 /49]، الفتوى رقم 7970 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [5 /171]

7- اتفاق الفقهاء على إخراج صاحب الصنان من المسجد،فقال المالكية يحرم بقائه في المسجد، وكره بقائه الشافعية، واستحب الحنابلة إخراجه.
والصنان :هو رائحة كرية تكون في المغابن ومعاطف الجسم ،وتحت الإبط خاصة.
المراجع : حاشية الصاوي على الشرح الصغير [11 /258]، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل [2 /183]،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج [1 /236]،.حاشية قليوبي [1 /261]،شرح منتهى الإرادات [1 /285]، كشاف القناع عن متن الإقناع [1 /498]

8- إذا سبق واحد إلى الصف الأوّل لم يجز للغير تأخيره إلا في مسائل : إحداها : إذا كان ممن يتأذى به القوم برائحة كريهة من صنان ونحوه ، وهذا مذهب الشافعية .
تحفة الحبيب على شرح الخطيب ( البجيرمي على الخطيب ) [2 /323]

9- إذا صف إلى جنب إنسان تنبعث من فيه رائحة كريهة من دخان أو بصل أو ثوم أو عرق أو غير ذلك، وكان يشق عليه أن يؤدي الصلاة على الوجه الأكمل فله أن يخرج من صلاته ويذهب إلى مكان آخر. قاله فضيلة الشيخ محمد العثيمين لقاء الباب المفتوح رقم [76] الخميس الخامس عشر من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ)


فوائد خروج العرق من الجسم

تتعدّد طرق الإخراج بجسم الإنسان، فيُخرج الفضلات الصلبة على شكل براز، والفضلات السائلة على شكل بول أو عرق، فكلما زاد شرب الماء، والمجهود الحركي، وارتفعت درجات الحرارة أدى ذلك إلى زيادة كمية العرق الناتجة من الغدد العرقية المنتشرة بجميع أجزاء الجسم والتي تكثر بجسم السيدات أكثر من الرجال، وتتواجد الغدد العرقية بكثرة بمنطقة الإبطين وعلى الجبين ومنطقة العانة.
ويعتبر استخدام المستحضرات التجميل العطرية ذات الخاصية المانعة للتعرق السبب الرئيسي لمرض الالتهاب القيحي ، فهي تؤدّي إلى انحصار العرق بالغدد وبالتالي تراكم الأوساخ والسموم بالغدد لتشكل فقاعات صغيرة مع الوقت تظهر على الجلد، لذلك يجب استبدال تلك المستحضرات العطرية بالعطور الخافية للرائحة وليس للتعرق.

أما فوائد خروج العرق:
1 - تنظيم درجة حرارة الجسم وجعلها ضمن المعدل الطبيعي الذي لا يتعدّى 37 درجة،
تخليص البشرة من البثور والحبوب،فالعرق يُخرج جميع الأتربة والغبار الموجودة بداخل المسامات معه، فإذا كان هنالك مشكلة بالتعرق تبقى تلك الأوساخ موجودة بداخل المسام لتنتفخ بعد ذلك وتكون حب الشباب الذي يتصف بالمزمن في بعض الحالات.
2- تنشيط الدورة الدموية في الجسم، وذلك لأنّ الغدد العرقية متواجدة بجانب الأوعية والشعيرات الدموية، فإذا تحركت الغدة العرقية تنشطت الأوعية والشعيرات وزاد تدفق الدم.
3- تخليص الجسم من العناصر الخطيرة والمضرة به كالألومنيوم، والمنغنيز، والزئبق، والرصاص، التي إذا بقيت أدّت لتسمّم في الدم.
4- يساعد الجسم على إفراز الإندورفين المحفز للسعادة والاسترخاء في جسم الإنسان، فهو سبب لتهدئة الأعصاب والابتعاد عن الاكتئاب والأمراض النفسية.
5- تخليص الجسم من البكتيريا والفطريات التي غالباً ما تتواجد على سطح الجلد، فعند خروجه يدفعها معه للخارج.
6- المساعدة على فقدان الوزن وتحقيق الوزن المثالي للجسم، فكثير من طرق حرق الدهون تعتمد على إخراجها على شكل عرق من الجسم، كدهن الجسم بالزيوت لتحفيز الغدد العرقية على إفراز العرق، أو لبس مشدات تزيد من درجة حرارة المنطقة وبالتالي زيادة تعرقها.

أضرار العرق :
1- هنالك ضرر واحد يسببه العرق إذ بقي لمدة زمنية طويلة على الجسم من دون تنظيف، فيجب إزالته بالماء والصابون بشكل يومي، فالأملاح الضارة، والميكروبات والدهون الخارجة منه إذا بقيت لمدّة تتعدى 24 ساعة أدّت إلى التهابات جلدية كالاحمرار والحكة، وتسلخ الجلد، كما يجب إزالة الشعر الموجود بالمناطق الأكثر تعرقاً حتى لا تكون بيئة مناسبة للجراثيم والميكروبات.


حكم استعمال الماء المشمس (المسخن بالشمس) للطهارة

فقد اختلف الفقهاء في حكم استعماله إلى ثلاثة أقوال مشهورة :

القول الأول : الكراهة مطلقاًًً، وهذا مذهب الحنفية ،وقول عند الشافعية ،والحنابلة.
واستدلوا بحديث عائشة

القول الثاني : الكراهة مقيدةًًً، وهذا مذهب المالكية والشافعية ،وينظوي تحت هذه الكراهة صور من الاستعمال المكروه :
1. يكره في البلاد الحارة كأرض الحجاز، لا في نحو مصر والروم، ، وهذا قول المالكية ،والشافعية.
2. يكره في أواني النحاس والصفر ونحوها لا الفخار ، وهذا قول عند المالكية ،والشافعية.
3. يكره إذا قصد تشميس الماء ، وهذا قول الشافعية ،والحنابلة.
4. يكره أن يستعمل في حال حرارته في البدن ،وقول الشافعية.

*وذكر الشافعية والمالكية أن محل الكراهة في:
• استعمال الماء المشمس على البدن أثناء الوضوء والغسل ولو غير مطلوب ، ويخرج بذاك غير الطهارة.
• وفي غسل النجاسة من البدن مباشرة لا من ثوب.
• وفي شربه.
• والطبخ به عند المالكية وفصل الشافعية فقالوا اذا كان مائعاً كالمرق فهو مكروه، وإذا لم يكن مائعاً كالخبز فر يكره.
• ومحل الكراهة أن يكون في آنية، ويخرج بذلك البرك والبحار.

واختلف القائلون بالكراهة في نوع الكراهة وهل هي شرعية أم طبية؟
• فقال الحنفية بأن الكراهة شرعية تنزيهية لا طبية.
• وقال الإمام الشافعي والمالكية الكراهة طبية لا شرعية لأن حرارة الشمس لا تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل بخلاف الكراهة ما لم تشتد حرارته فإنها شرعية
• وقال الشافعية أن الكراهة فهي كراهة تنزيه وهل هي شرعية يتعلق الثواب بتركها وإن لم يعاقب على فعلها أم إرشادية لمصلحة دنيوية لا ثواب ولا عقاب في فعلها ولا تركها فيه وجهان ذكرهما الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: قال واختار الغزالي الإرشادية وصرح الغزالي به في درسه قال وهو ظاهر نص الشافعي قال والأظهر واختيار صاحبي الحاوي والمهذب وغيرهما الشرعية، وهذا الثاني هو المشهور عن أصحاب الشافعي . والله أعلم
والفرق بين الكراهتين أن الشرعية يثاب تاركها بخلاف الطبية.

واختلفوا في زوال الكراهة بالتبريد، فقال المالكية وقول عند الحنابلة أنها تزول لزوال علة الكراهة ، وذهب بعض ممن قال بالكراهة من الحنابلة بأنها لا تزول بالتبريد على الصحيح.

الأدلة القائلين بالكراهة المطلقة والمقيدة

1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَسْخَنْتُ مَاءً فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ ".
قال البيهقي :وَهَذَا لَا يَصِحُّ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ خَالِدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مَتْرُوكٌ
وقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ: خَالِدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ. السنن الكبرى للبيهقي (1/ 11)14

قال النووي :هذا الحديث المذكور ضعيف باتفاق المحدثين. المجموع (1/ 87-88)
وقال ابن الجوزي :هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الموضوعات (2/ 80)
وقال مجد الدين ابن الأثير: ولا يَثْبُتُ البتة، وهو حديث ضعيف لا يُعَوَّلُ عليه. الشافي في شرح مسند الشافعي (1/ 116)
وقال الشوكاني: ورواه الدارقطني من طريق أخرى فيها الهيثم بن عدي، كذاب. وأخرجه ابن حبان من طريق فيها وهب بن وهب، وهو كذاب. وله طرق لا تخلو من كذاب أو مجهول. الفوائد المجموعة (ص: 8)
وقال الألباني : موضوع.إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 50)(18)
راجع :البدر المنير (1/ 423) التلخيص الحبير ط قرطبة (1/ 24) نصب الراية (1/ 102) تنزيه الشريعة المرفوعة (2/ 68)

2- عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، وَقَالَ: " إِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ " رواه الشافعي في الأم للشافعي (1/ 16) والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 10)
12 بَابُ كَرَاهَةِ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ

قال النووي : وهذا ضعيف أيضا باتفاق المحدثين فإنه من رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وقد اتفقوا على تضعيفه وجرحوه وبينوا أسباب الجرح إلا الشافعي رحمه الله فإنه وثقه. المجموع شرح المهذب (1/ 87-88)
وقال ابن الملقن: وَتركت الحَدِيث السائر لضَعْفه بل لوضعه. تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج (1/ 141)
وقال الألباني: وهذا الإسناد مسلسل بالعلل. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 53)
المراجع: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 68)50، المهذب في اختصار السنن الكبير للذهبي (1/ 9)12
القول الثالث : عدم الكراهة مطلقاً، وهذا مذهب الحنابلة ،ورواية عند الأحناف وقول عند المالكية والشافعية.

قال النووي : فحصل من هذا أن المشمس لا أصل لكراهته ولم يثبت عن الاطباء فيه شئ فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه وهذا هو الوجه الذي حكاه المصنف وضعفه وكذا ضعفه غيره وليس بضعيف بل هو الصواب الموافق للدليل ولنص الشافعي فإنه قال في الأم لا أكره المشمس إلا أن يكره من جهة الطب كذا رأيته في الأم: وكذا نقله البيهقي بإسناده في كتابه معرفة السنن والآثار عن الشافعي: وأما قوله في مختصر المزني إلا من جهة الطب لكراهة عمر لذلك وقوله إنه يورث البرص فليس صريحا في مخالفة نصه في الام بل يمكن جمله عليه فيكون معناه لا أكرهه إلا من جهة الطلب إن قال أهل الطب إنه يورث البرص.
فهذا ما نعتقده في المسألة وما هو كلام الشافعي: ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه لا كراهة كما هو المختار . المجموع شرح المهذب (1/ 87-88)

وقال ابن قدامة : ولنا أنه سخن بطاهر، أشبه ما في البرك والأنهار، وما سخن بالنار وما لم يقصد تشميسه، فإن الضرر لا يختلف بالقصد وعدمه، والحديث غير ثابت، يرويه، خالد بن إسماعيل، وهو متروك الحديث، وعمرو بن محمد الأعسم، وهو منكر الحديث. قاله الدارقطني، قال: ولا يصح عن الزهري.
وحكي عن أهل الطب أنهم لا يعرفون لذلك تأثيرا في الضرر.المغني(1/ 14)

وقال شيخ الإسلام : ولا يكره المسخن بالشمس في المنصوص المشهور ...لانه روى عن عمر لا تغتسلوا بالمشمس فإنه يورث البرص وليس بشيء لان الناس ما زالوا يستعملونه ولم يعلم أن أحدا برص ولان ذلك لو صح لم يفرق بين ما قصد بتشميسه وما لم يقصد والاثر ان صح فلعل عمر بلغه ذلك فنهى عنه كما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن تأبير النخل وقال ما أراه يغني شيئا ثم قال أنتم أعلم بأمر دنياكم لان المرجع في ذلك الى العادة. شرح العمدة (1/ 81)

قلت : والراجح ما ذهب إليه أصحاب القول بعدم الكراهة والإباحة المطلقة؛ لضعف أدلة أصحاب القول بالكراهة المطلقة والمقيدة؛ ولأن الكراهة تحتاج إلى دليل ولا دليل هنا على الكراهة، أما إذا كانت هناك أضرارٌ صحية تحصل باستعماله فهنا تكون الكراهية كراهة طبية لا شرعية؛ لأنها لا تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل لشدة حرارتها، فهنا نقول بكراهته؛ لعدم حصول الإسباغ الذي جاءت السنة بالحث عليه والأمر به.

المراجع: الحنفية : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 30)،فتح القدير للكمال ابن الهمام (1/ 36)،الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 180)،البناية شرح الهداية (1/ 366)، حاشية ابن عابدين (1/ 180)، المجموع شرح المهذب (1/ 87-88)
المالكية :التاج والإكليل لمختصر خليل (1/ 109)،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 45)،مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 78)،حاشية الصاوي على الشرح الصغير = بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 40)،الخرشي على مختصر سيدي خليل (1/ 78)

الشافعية : المجموع شرح المهذب (1/ 87-88)،حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/ 78)،حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 22)،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 119)
الحنبلية :المغني لابن قدامة (1/ 14)،الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (1/ 24)،تحقيق المطالب بشرح دليل الطالب (ص: 64)،المحلى بالآثار (1/ 210)156


تشميس الجلد

- المراد به أن يبسط الجلد في الشمس لتجف منه الرطوبة، وتزول عنه الرائحة الكريهة.

وهل يعتبر هذا التشميس دباغاًً يطهر به الجلد أولا ؟ نقول :

ذهبت الحنفية إلى أن هذا الفعل يعبر دباغاًً حكمياًً، ويصح الدباغ بالشمس والتراب إذا وقع الدباغ به، لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ». رواه مسلم (1/ 277)105 - (366) 27 - بَابُ طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ ، واسم الدباغ يتناول ما وقع بالشمس، ولأنه يحيل الجلد ويمنع من ورود الفساد عليه، فأشبه الشب. القدوري في التجريد (1/ 86)مسألة 7

وخالفهم الشافعية فقالوا أن التجفيف بالتراب والشمس لا يكون دباغاًًً، والدباغ إنما يحصل بما تدبغ به القرب من: القرظ والشب، أو ما يقوم مقامهما من: العفص وقشور الرمان، ونحوها من دواء فيه عفوصةٌ ينشف فضول الجلد، ويزيل ذهومته، ويحوله من طبع اللحوم إلى طبع الثياب؛ بحيث لا يفسد.
والتجفيف بالتراب والشمس لا يكون دباغاًًً. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ، فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا». رواه البخاري (8/ 139)6686 بَابُ إِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ نَبِيذًا، فَشَرِبَ طِلاَءً، أَوْ سَكَرًا، أَوْ عَصِيرًا « . البغوي في التهذيب في فقه الإمام الشافعي (1/ 174)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

جزاك الله عني خير الجزاء
 

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: أحكام فصل الصيف

آمين
وجزاكم الله خيرا
 
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

الفصل الثاني

أحكام التبرد في فصل الصيف

حكم الوضوء بنية التبرد


هذه المسألة لها صورتين :

الصورة الأولى : أن ينوي الوضوء متبرداًً لحر يجده لا ينوي به غيره، وفيه خلاف...

القول الأول :
هو مذهب الحنفية أن من توضأ متبرداًً فعندهم يجوز ،ويرتفع حدثه بهذه النية ، لأن النية في الوضوء سنة عندهم ، وبه قال الثوري والأوزاعي، والحسن بن حي ،ومالك في رواية.

القول الثاني:
وهو المشهور من مذهب المالكية أن من توضأ لحر يجده لا ينوي به غيره لم تجزه لصلاة فريضة ولا نافلة ولا مس مصحف ، لأن النية في الوضوء شرط عندهم ،


الصورة الثانية : أن ينوي الوضوء رفع الحدث والتبرد معاًً مشركاًً في النية بينهما، وفيه خلاف أيضاًً

القول الأول :
لو نوى رفع الحدث والتبرد أجزأه؛ لأن ما نواه حاصل وإن لم ينوه فلا تضاد، والنية صحيحة ولا يضرها ما صحبها. ومعنى هذا أنه يجوز التشريك في نية رفع الحدث والتبرد.
وهذا هو المذهب الصحيح المنصوص عليه عند الشافعية وهو مذهب المالكية، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة قالوا : لأنه نوى رفع الحدث وضم إليه ما لا ينافيه.

القول الثاني :
لا يجزئه؛ لأن المقصود من النية أن يكون الباعث على العبادة طاعة الله تعالى فقط وها هنا الباعث الأمران ، وهذا القول هو قول بعض المالكية والشافعية ومنهم ابن سريج ، وهو مذهب الظاهرية كما صرح بذلك ابن حزم.

قال النووي : وقالوا ليس هذا تشريكا وإنما صححنا وضوءه لأن التبرد حاصل سواء قصده أم لا فلم يجعل قصده تشريكا وتركا للإخلاص بل هو قصد للعبادة على حسب وقوعها لأن من ضرورتها حصول التبرد: ولو اغتسل بنية رفع الجنابة والتبرد ففيه الخلاف الذي في الوضوء والصحيح الصحة ذكره الرافعي وغيره والله أعلم. المجموع شرح المهذب (1/ 325)

حكم الماء المتوضئ به للتبرد


وهذه المسألة لها صورتين أيضاًً:

الصورة الأولى : أنه لو توضأ متوضئ للتبرد لا يصير الماء مستعملا بالإجماع.


الصورة الثانية : أنه لو توضأ المحدث للحدث وللتبرد، فهناك خلاف في حكم الماء المستعمل لذلك.

القول الأول :
وهو مذهب الحنفية فإنهم قالوا لو توضأ المحدث للتبرد صار الماء مستعملا عندهما وعند زفر - رحمه الله - خلافا لمحمد - رحمه الله - لعدم قصد القربة، لعدم إزالة الحدث عنده بلا نية.

القول الثاني:
وأما مذهب المالكية أن الماء المستعمل في طهارة الحدث ، والتبرد ،طاهر لا كراهة فيه ،وهو أيضاًً عند الشافعية طاهر مطهر بلا خلاف، وكذلك عند الحنابلة لا يصير الماء مستعملا في ذلك، ولا يكره استعماله بعد ذلك اتفاقا.


الراجع لما سبق من المسائل :
الحنفية :البناية شرح الهداية (1/ 235) (1/ 402) ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 24) ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 96)
المالكية :مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 70) (1/ 235)،المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: 177)،الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 164)، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (1/ 30)، روضة المستبين في شرح كتاب التلقين (1/ 169)
الشافعية: التهذيب في فقه الإمام الشافعي (1/ 172)،بحر المذهب للروياني (1/ 240)،المجموع شرح المهذب (1/ 325)،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 170)،الغاية في اختصار النهاية (1/ 283)
الحنابلة :الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (1/ 147)،الفروع وتصحيح الفروع (2/ 196)،مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 35)،مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 108)،شرح العمدة في الفقه لابن تيمية (1/ 167)
الظاهرية : المحلى بالآثار (1/ 94)
 


الغسل من حر الصيف


- عن عِكرِمة أنَّ أُناساً مِن أهلِ العراقِ جاؤوا فقالوا: يا ابنَ عبَّاس، أترى الغُسلَ يومَ الجُمُعةِ واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهَرُ وخير لِمَن اغتَسَلَ، ومَن لم يَغتَسِل فليسَ عليه بواجبٍ، وسأُخبِرُكم كيفَ بَدءُ الغُسلِ؟ كانَ النَّاسُ مجهودينَ يَلبَسونَ الصُّوفَ، ويَعمَلونَ على ظُهورِهم، وكان مَسجِدهم ضَيقاً مُقارِبَ السقفِ، إنَّما هو عَريشٌ، فخرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في يومِ حارّ وعَرِقَ الناسُ في ذلك الصوفِ، حتَّى ثارت منهم رِياحٌ، آذى بذلك بعضُهم بعضاً، فلمَّا وجدَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم - تلك الريحَ قال: "أيها الناس، إذا كانَ هذا اليومُ فاغتَسِلوا، وليَمَسَ أحدُكم أفضَلَ ما يَجِدُ مِن دُهنِه وطِيبِه".

قال ابنُ عباس: ثمَّ جاءَ اللهُ بالخير، ولَبِسوا غيرَ الصوفِ، وكُفُوا العَمَلَ، ووُسعَ مَسجِدهم، وذهبَ بعضُ الذي كان يُؤذي بعضُهم بعضاً من العَرَق.
رواه أبوداود (1/ 264) 353 125 - باب الرُّخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 127)1755 بَابُ ذِكْرِ عِلَّةِ ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ، وإسناده حسن، عبد العزيز بن محمَّد -وهو الدراوردي- وعمرو بن أبي عمرو، فيهما كلام يحطهما عن رتبة الصحيح، وباقي رجاله ثقات.
وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 362)، وقبله النووي في "المجموع" (4/ 536).وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.


مشروعية غسل يوم الجمعة

سلك الفقهاء ثلاثة مسالك في فهم أحاديث غسل يوم الجمعة:
أحدها :
الثبوت شرعاًً على وجه الندب والاستحباب وأنها سنة مسنونة للأمة ،فذهب الجمهور من فقهاء المذاهب الأربعة إلى أن غسل الجمعة سنة مؤكدة لأنها قد عمل بها رسول الله والخلفاء بعده والمسلمون واستحبوها وندبوا إليها، وهذا سبيل السنن المؤكدة.
وحكي وجوبه عن طائفة من السلف، حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك ورواية عن أحمد.

ثانيها :
أنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته فارتفع فليس بسنة وهو مذهب ابن عباس.
قال ابن تيمية: ويجب غسل الجمعة على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره وهو بعض من مذهب من يوجبه مطلقا بطريق الأولى. المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/ 41)
ورد أهل على هذا المسلك : بأن استنباط بن عباس وغيره فيه نظر إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب كما في الرمل والجمار على تقدير تسليمه مع زوال العلة التي شرع لها، وهي إغاظة المشركين..... فتح الباري لابن حجر (2/ 363)بتصرف ، المحلى بالآثار (1/ 261)، مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 242)
ونقل الزين بن المنير بعد قول الطحاوي لما ذكر حديث عائشة فدل على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب وإنما كان لعلة ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل وهذا من الطحاوي يقتضي سقوط الغسل أصلا فلا يعد فرضا ولا مندوبا لقوله زالت العلة إلخ فيكون مذهبا ثالثا في المسألة انتهى ولا يلزم من زوال العلة سقوط الندب تعبدا ولا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة. فتح الباري لابن حجر (2/ 363)

وثالثها :
أن الوجوب قد كان ونسخ، وقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" هو ناسخ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم"، وهذا محكي عن بعض الحنفية.
ودفع بأن الناسخ، وإن صححه الترمذي لا يقوى قوة حديث الوجوب وليس فيه تاريخ أيضاًً فعند التعارض يقدم الموجب. مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 48)


حكم الغسل بنية التبرد
لو اغتسل بنية رفع الجنابة والتبرد ففيه الخلاف الذي في الوضوء والصحيح الصحة ، وأما إن قصد به تبرداًً أو تنظفاًُ أو استحماماًُ مع عزوب النية عنه لم يجزئه لقوله عليه السلام
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وكذلك لأن نية التبرد من ضروريات الفعل مما لا يفتقر إلى نية أصلاًً.

المراجع : الذخيرة للقرافي (1/ 305)، المجموع شرح المهذب (1/ 325)،شرح منتهى الإرادات = دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (1/ 53)، الدر الثمين والمورد المعين (ص: 195)، الجامع لمسائل المدونة (1/ 242)


 
الصوم مع حر الصيف


إن الصوم في السفر أثناء فصل الصيف له ثلاث حالات :

الحالة الأولى : إذا لم يشق عليه الصوم ، فالصوم أفضل .
- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنِ رَوَاحَةَ»
رواه البخاري (3/ 34) بَابُ إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ 1945، ومسلم في الصيام باب التخيير في الصوم والفطر في السفر رقم 1122


الحالة الثانية : إذا شق عليه الصوم ، فالفطر أفضل .
- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ».
رواه مسلم (2/ 788) 16 - بَابُ أَجْرِ الْمُفْطِرِ فِي السَّفَرِ إِذَا تَوَلَّى الْعَمَلَ100 - (1119)

- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَهَرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ صِيَامٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، وَهُمْ مُشَاةٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَقَالَ: «اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ»، قَالُوا: نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَيْسَرُ مِنْكُمْ، إِنِّي رَاكِبٌ»، قَالَ: فَأَبَوْا، قَالَ: فَثَنَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخِذَهُ فَنَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ النَّاسُ، وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَهُ.
رواه أبي يعلى الموصلي (2/ 420)1214، ورواه أحمد (18/ 18)11423 ،إسناده صحيح على شرط مسلم


الحالة الثالثة : إذا تضرر بالصوم أو خاف الهلاك ، فالصوم حرام ، ويجب عليه أن يفطر .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».
رواه البخاري (3/ 34)بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الحَرُّ «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» 1946، ومسلم في الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر. . رقم 1115

قال النووي : قوله (ليس من البر أن تصوموا في السفر) معناه إذا شق عليكم وخفتم الضرر وسياق الحديث يقتضي هذا التأويل وهذه الرواية مبينة للروايات المطلقة ليس من البر الصيام في السفر ومعنى الجميع فيمن تضرر بالصوم. اهـ شرح النووي على مسلم (7/ 233)

قلت: وهذا المعنى هو الذي فهمه البخاري رحمه الله من الحديث في الترجمة.

وقال ابن القيم في تهذيب السنن : قالوا وأما قوله ليس من البر الصيام في السفر فهذا خرج على شخص معين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظلل عليه وجهده الصوم فقال هذا القول أي ليس البر أن يجهد الإنسان نفسه حتى يبلغ بها هذا المبلغ وقد فسح الله له في الفطر. اهـ عون المعبود وحاشية ابن القيم (7/ 34)

وقال الخطابي رحمه الله : قلت هذا كلام خرج على سبب فهو مقصور على من كان في مثل حاله كأنه قال ليس من البر أن يصوم المسافر إذا كان الصوم يؤديه إلى مثل هذه الحال بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم في سفره عام الفتح وبدليل خبر حمزة الأسلمي وتخييره بين الصوم والإفطار ولو لم يكن الصوم براً لم يخيره فيه والله أعلم. معالم السنن (2/ 124)
 
حكم استعمال الماء ظاهراًً للتبرد أثناء الصيام

- عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُبُ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ بِالسُّقْيَا، إِمَّا مِنَ الْحَرِّ وَإِمَّا مِنَ الْعَطَشِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ صَائِمًا حَتَّى أَتَى كَدِيدًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَفْطَرَ، وَأَفْطَرَ النَّاسُ، وَهُوَ عَامُ الْفَتْحِ ".
رواه أحمد في مسنده (27/ 146)16601 7، إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي نوح: وهو عبد الرحمن بن غزوان، فقد أخرج له البخاري متابعة، هو ثقة، وقد توبع، وصححه النووي في المجموع شرح المهذب (6/ 347)

- وعن أبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمن عن بعضِ أصحابِ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- قال: رأيتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- أمرَ النَّاسَ في سفرِه عامَ الفتحِ بالفِطْرِ، وقال: "تَقَوَّوْا لِعدُوكُم" وصامَ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم-.
قال أبو بكر: قال الذي حدَّثني: لقد رأيتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- بالعَرْجِ يصُبُّ على رأسِه الماءَ وهو صَائِمٌ مِن العطش، أو مِن الحَرِّ .
رواه أبو داود في سننه (4/ 45) 2365 27 - باب الصائم يصُبُّ عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق، إسناده صحيح. ففيه دليل على أنه يجوز للصائم أن يكسر الحر بصب الماء على بعض بدنه أو كله وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ولم يفرقوا بين الاغتسال الواجبة والمسنونة والمباحة

في فصل الصيف تختلف صور التبرد عند الناس، ولذلك فصل الفقهاء الكلام في كل صورة من صور التبرد بالماء ظاهراًً وقت الصيام، ولاختلاف الفقهاء في الحكم على بعض الصور رأيت من التسهيل والتقريب للأحكام المختلف فيها أن أفصل بين صور التبرد ثم أبين قول الفقهاء في كل صورة على حدة.

أولاًً: المضمضة والاستنشاق
جاء في صحيح البخاري (3/ 30)بَابُ اغْتِسَالِ الصَّائِمِ: قَالَ الحَسَنُ: " لاَ بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ، وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ.

اختلف الفقهاء في حكم المضمضة والاستنشاق للصائم أثناء الصيام للتبرد على قولين:

القول الأول : الكراهة
وهو قول الحنابلة والإمام أبو حنيفة لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة، ويلحق به ترك الماء في الفم للتبرد.

القول الثاني : الجواز
فقد ذهب الحنفية والشافعية والمالكية إلى جواز المضمضة أثناء الصيام للتبرد، لأن به عوناًً على العبادة ودفعاًً للضجر الطبيعي، ولحديث الباب.


مسألة : فإذا تمضمض الصائم فسبقه الماء فدخل حلقه، ففيه أقوال عند الفقهاء :

القول الأول: فإن لم يكن ذاكراًً لصومه فصومه تام كما لو شرب، وإن كان ذاكراًً لصومه فعليه القضاء ، وهذا مذهب الحنفية.

القول الثاني : لا يبطل صومه من ماء وضعه في فمه لنحو تبرد أو دفع عطش فسبقه منه شيء إلى جوفه ولو لنحو عطاس، وهو مذهب الشافعية والحنابلة لانعدام القصد.

القول الثالث: إن كان صياماًً واجباًً مثل رمضان أو غيره فعليه القضاء ولا كفارة عليه، وإن كان تطوعاًً فلا كفارة عليه ولا قضاء، وهو مذهب المالكية.
قلت : ومذهب الأحناف أقرب المذاهب إلى الصواب، والله أعلم.

ثانياًً : الغسل
لا بأس أن يغتسل الصائم وأن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش ، لأن فيه إزالة الضجر من العبادة ،لحديث الباب ،ولأنه كالجلوس في الظل البارد.
وهذا مذهب الحنابلة ،والمالكية ، والشافعية ، ولا يكره عند الحنفية ، وهو قول أبي يوسف وبه يفتى، وكرهه أبو حنيفة لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: يرش على صدره أحب إلي.

ثالثاًً: الغطس أو الغوص
الإنغماس في الماء أثناء الصيام من أقوى صور التبرد في فصل الصيف، وقد احتاط الفقهاء في الحكم على هذه الصورة من صور التبرد أثناء الصيام،

القول الأول: الجواز وعدم الكراهة
وهو قول الأصحاب من الحنفية، وأكثر علماء المالكية ، وعند الشافعية يجوز للصائم أن يصب على رأسه الماء وينغمس فيه، ما لم ينزل إلى حلقه، لو انغمس ولا يمكنه التحرز عن ذلك حرم عليه الانغماس وأفطر بذلك.

والقول الثاني : الكراهة
فيكره الغوص في الماء لئلا يدخل مسامعه، فإن دخل فهو كالداخل من المبالغة في الاستنشاق؛ لأنه حصل بفعل مكروه، وهذا مذهب الحنابلة والإمام مالك ، وكره الحسن والشعبي .

قلت: والقول الثاني أقرب إلى الصواب، والله أعلم.

رابعاًً : التلفف بثوب مبتل للتبرد
ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى جواز أن يبل الصائم ثوباًًً ويصب عليه الماء ، وهذا لا يكره أيضاًً عند الحنفية ، وهو قول أبي يوسف وبه يفتى، وكرهها أبو حنيفة لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة.
الراجع للمسائل السابقة:
الحنفية : مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 257)،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 248)،الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: 148)، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (1/ 265)، المبسوط للسرخسي (3/ 66)
المالكية: المدونة (1/ 440) و(1/ 396) و(1/ 271)،،التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (3/ 89)منح الجليل شرح مختصر خليل (2/ 148)،شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 260)،الخرشي على مختصر سيدي خليل (2/ 260)
الشافعية: المجموع شرح المهذب (6/ 348)،التهذيب في فقه الإمام الشافعي (3/ 166)،البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 531)،حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 379)،تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (3/ 406)،حاشية الجمل على شرح المنهج (2/ 321)،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 158)
الحنابلة :المغني لابن قدامة (3/ 124)، كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 322)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (2/ 195)،كشف المخدرات (1/ 278)،الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 449)، الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص: 232)، شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصيام (1/ 471) 483


 
حكم غسل الرأس والبدن للتبرد في الحج


- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟» فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ، حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ: لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ: «اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ» ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ».
رواه مسلم (2/ 864)91 - (1205) 13 - بَابُ جَوَازِ غَسْلِ الْمُحْرِمِ بَدَنَهُ وَرَأْسَهُ،وو ابن حبان في صحيحه (9/ 264) 3948 ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ فِي إِحْرَامِهِ

قال الشافعي : ولا بأس أن يغتسل المحرم متبردا أو غير متبرد يفرغ الماء على رأسه وإذا مس شعره رفق به لئلا ينتفه وكذلك لا بأس أن يستنقع في الماء ويغمس رأسه. الأم (2/ 225)

واتفقوا على أنه يجوز له غسل رأسه من الجنابة، واختلفوا في كراهية غسله من غير الجنابة، فقال الجمهور: لا بأس بغسل رأسه. وقال مالك: بكراهية ذلك وإذا غيب رأسه في الماء أن يطعم شيئا.
والإباحة مذهب الحنفية والحنابلة وأظهر القولين عند المالكية .

المراجع : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 191)، المغني لابن قدامة (3/ 279)،مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 155)، البيان والتحصيل (4/ 31)،بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 94)، المدونة (1/ 440)


 
حكم الإبراد بصلاة الظهر في فصل الصيف


تعريف الإبراد :

لغةًً:
قال الخطابي : الإبراد انكسار وهَج الشمس بعد الزوال وسُمِّي ذَلِكَ إبرادًا لأنه بالإضافة إلى حَرِّ الهاجرة بَرْدٌ وقد روينا هذا التّفسيرَ عن محمد بن كعب القُرَظِيّ.
غريب الحديث(1/ 186)،النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 114)، مجمع بحار الأنوار (1/ 157)

اصطلاحاًً:
* إبراد الصلاة: تأخيرها عن أول الوقت، ويكون ذلك في أوقات الحر، ومنه: أبرد الظهر: إذا أخر صلاته حتى يتمكن من المشي في الظل.
* أبرد الذبيحة: أخر سلخها حتى تزهق روحها وتبرد. معجم لغة الفقهاء (ص: 38)


أحاديث الإبراد بصلاة الظهر في الصيف :

- عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْرِدْ» ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ» حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «(تَتَفَيَّأُ) تَتَمَيَّلُ».
رواه البخاري (1/ 113)539 بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ، ومسلم (1/ 431)184 - (616) 32 - بَابُ اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إِلَى جَمَاعَةٍ، وَيَنَالُهُ الْحَرُّ فِي طَرِيقِهِ بلفظ : أَوْ قَالَ: «انْتَظِرِ، انْتَظِرْ»،

- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».
- وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ".
رواه البخاري (1/ 113)536 بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ، ومسلم (1/ 432)186 - (617) 32 - بَابُ اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إِلَى جَمَاعَةٍ، وَيَنَالُهُ الْحَرُّ فِي طَرِيقِهِ
وقوله من فيح جهنم أي من سعة انتشارها وتنفسها ومنه مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة وقيل هو من مجاز التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر والأول أولى ويؤيده الحديث الآتي اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين...الحديث

- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا وَقَالَتْ: أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ، نَفَسًا فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ، فَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الشِّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ، وَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الصَّيْفِ فَسَمُومٌ.
رواه الترمذي (4/ 292)2592 / 9 - بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 441)1457

- وفي رواية قال : فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا، وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا". سنن ابن ماجه (5/ 371)4319/ 38 - بَابُ صِفَةِ النَّارِ

- وعن خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا كَانَ الْحَرُّ، أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ».
رواه النسائي في السنن الكبرى (2/ 190)1497 تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي الْبَرْدِ، قال الألباني : حسن الإسناد. والمرفوع منه صحيح ـ «المشكاة» (620) .



شكاية حر الصيف


- عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي الرَّمْضَاءِ، فَلَمْ يُشْكِنَا»
قَالَ زُهَيْرٌ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: " أَفِي الظُّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفِي تَعْجِيلِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ "
رواه مسلم (1/ 432)باب الشكوى من حر الرمضاء 189 - 190 (619)
وقوله (الصلاة في الرمضاء) أي شكونا مشقة إقامة صلاة الظهر في أول وقتها لأجل ما يصيب أقدامنا من الرمضاء وهي الرمل الذي اشتدت حرارته (فلم يشكنا) أي لم يزل شكوانا.

مشروعية الإبراد في صلاة الظهر

اختلف العلماء في الجمع بين أحاديث الإبراد وحديث خباب إلى ثلاثة أقوال :
القول الأول:
أن الإبراد رخصة والتقديم أفضل واعتمدوا حديث خباب وحملوا حديث الإبراد على الترخيص والتخفيف في التأخير وبهذا قال بعض أصحابنا وغيرهم.

القول الثاني:
أن حديث خباب منسوخ بأحاديث الإبراد، وبه قال البيهقي والطحاوي.

والقول الثالث:
أن المختار استحباب الإبراد لأحاديثه وأما حديث خباب فمحمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الابراد لأن الإبراد يؤخر بحيث يحصل للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحر .
والصحيح استحباب الإبراد وبه قال جمهور العلماء والفقهاء من المذاهب الأربعة، وبه قال جمهور الصحابة لكثرة الأحاديث الصحيحة فيه المشتملة على فعله.
شرح النووي على مسلم (5/ 117)، فتح الباري لابن حجر (2/ 16)، البناية شرح الهداية (2/ 42)

تنبيه :
أغرب الشيخ عماد الدين بن كثير فزعم أن الحديث الوارد عن خباب عند مسلم وأصحاب السنن شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا طرف من حديث الباب وأن المراد أنهم شكوا ما يلقونه من المشركين من تعذيبهم بحر الرمضاء وغيره فسألوه أن يدعو على المشركين فلم يشكهم أي لم يزل شكواهم وعدل إلى تسليتهم بمن مضى ممن قبلهم ولكن وعدهم بالنصر انتهى ويبعد هذا الحمل أن في بعض طرق حديث مسلم عند بن ماجه الصلاة في الرمضاء وعند أحمد يعني الظهر وقال إذا زالت الشمس فصلوا وبهذا تمسك من قال إنه ورد في تعجيل الظهر وذلك قبل مشروعية الإبراد وهو المعتمد والله أعلم.
فتح الباري لابن حجر (7/ 167)


وقت الإبراد:
إختلف الفقهاء في وقت بدء الإبراد
فقال الحنفية : يحصل بصيرورة ظل كل شيء مثليه.
وقال المالكية: يحصل بتأخير الظهر إلى ذراع وبعده في الحر بعد ظل الزوال.
وقال الشافعية : تؤخر قدر ما يحصل للحيطان فيئ يمشي فيه طالب الجماعة ولا يؤخر عن النصف الأول من الوقت.
وقال الحنابلة : يحصل حين ينكسر الحر، ويتسع في الحيطان.

حكمه:
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنه يستحب الإبراد بالظهر وتأخيرها عن أول وقتها في الصيف.
ولكنهم اختلفوا هل الاستحباب مطلق أو هو مقيد شروط ؟

فقال الحنفية هو مطلق
لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا
وبين أن يكون في بلاد حارة أو لا
وبين أن يكون في شدة الحر أو لا
ولهذا قال في المجمع ونفضل الإبراد بالظهر مطلقا ،وهذا قول عند المالكية وهو مذهب أحمد بن حنبل.

وقال الشافعية هو مقيد بأربعة شروط:
أن يكون في حر شديد ، وهو قول عند المالكية ،والحنابلة
وأن تكون بلاد حارة ، وهو قول عند الحنابلة
وان تصلى جماعة في المساجد ، وهذا قول عند المالكية ، والحنابلة
وأن يقصدها الناس من البعد هكذا نص الشافعي في الأم وجمهور الأصحاب على هذه الشروط الأربعة.
والجمعة كالظهر أصلا واستحباباًً في الزمانين(يعني الصيف والشتاء)، فيسن تعجيلها في كل وقت بعد الزوال من غير إبراد ،وهو مذهب الحنفية ، ، والمالكية ،والشافعية ، والحنابلة.

علة مشروعية الإبراد :
عند الأحناف : لاشتغال الناس بالقيلولة؛ ولأن في حضور الجماعة في هذا الوقت ضرب حرج خصوصا في حق الضعفاء.
وعند الشافعية : أن الصلاة في شدة الحر والمشي إليها يسلب الخشوع أو كماله فاستحب التأخير لتحصيل الخشوع كمن حضره طعام تتوق نفسه إليه أو كان يدافع الأخبثين.
وعند الحنابلة: ليكثر السعي إلى الجماعات.

فائدة:
قال ابن رجب في شرح البخاري : واختلفوا في المعنى الذي لأجله أمر بالإبراد،فمنهم من قال: هو حصول الخشوع في الصلاة؛ فإن الصلاة في شدة الحر كالصلاة بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، وكصلاة من يدافع الأخبثين، فإن النفوس حينئذ تتوق إلى القيلولة والراحة، وعلى هذا فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة.
ومنهم من قال: هو خشية المشقة على من بعد من المسجد بمشيه في الحر، وعلى هذا فيختص الإبراد بالصلاة في مساجد الجماعة التي تقصد من الأمكنة المتباعدة.
ومنهم من قال: هو وقت تنفس جهنم....
وهذا يدل على أن شدة الحر عقيب الزوال من أثر تسجرها، فكما تمنع الصلاة وقت الزوال، فإنه يستحب تأخرها بعد الزوال حتى يبرد حرها ويزول شدة وهجها؛ فإنه إثر وقت غضب، والمصلي يناجي ربه، فينبغي أن يتحرى بصلاته أوقات الرضا والرحمة، ويجتنب أوقات السخط والعذاب، وعلى هذا فلا فرق بين المصلي وحده وفي جماعة – أيضا. انتهى فتح الباري لابن رجب (4/ 242-240)

المراجع للمسائل السابقة : للحنفية :بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 123)و125)،تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 83) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 260)،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 71)
للمالكية :مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 405)،شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 216)،حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 245)،الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 167)
للشافعية :الأم للشافعي (1/ 91) ،المجموع شرح المهذب (3/ 59) ،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 306) ،حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 132) ،حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (1/ 277)حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/ 403)
للحنابلة : مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (2/ 435)[126 ،المغني لابن قدامة (1/ 282) (534) ،الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (1/ 430) ،شرح منتهى الإرادات = دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (1/ 141)



السجود على الثوب في شدة الحر


- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ».
رواه البخاري (1/ 86)385 بَابُ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ

- وفي رواية قَالَ: «كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّهَائِرِ، فَسَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الحَرِّ».
رواه البخاري (1/ 114)542 بَابٌ: وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ، ورواه الترمذي (1/ 725) 584 411 - بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الحَرِّ وَالبَرْدِ

- وفي رواية قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ»
رواه مسلم (1/ 433) 191 - (620) باب السجود على الثوب في شدة الحر، ورواه ابن حبان (6/ 118)2354 ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْمَرْءِ بَسْطَ ثَوْبِهِ لِلسُّجُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ

- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَيَعْمِدُ أَحَدُنَا إِلَى قَبْضَةٍ مِنَ الْحَصَى، فَيَجْعَلُهَا فِي كَفِّهُ هَذِهِ، ثُمَّ فِي كَفِّهِ هَذِهِ، فَإِذَا بَرَدَتْ سَجَدَ عَلَيْهَا».
رواه ابن حبان (6/ 53)2276 ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْمُصَلِّي تَبْرِيدَ الْحَصَى بِيَدِهِ لِلسُّجُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ، قال الألباني: حسن - «صحيح أبي داود» (428).

- وَقَالَ الحَسَنُ: «كَانَ القَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى العِمَامَةِ وَالقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ»
رواه البخاري معلقاً (1/ 86) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ
دلت هذه الأحاديث على مشروعية دفع الضرر حال الصلاة بشئ أجنبيّ عنها، وعلى أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، وعلى الاهتمام بأداء الصلاة ولو مع المشقة، وعلى مراعاة ما يؤدى إلى الخشوع فيها لأن صنيعهم هذا كان لإزالة العبث الذى ينشأ من مباشرة حرارة الأرض حال السجود
واختلف العلماء فى السجود على الثوب من شدة الحر والبرد، وتعرف هذه المسألة عندهم بمسألة السجود على الحائل .

والحائل ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول: أن يكون الحائل من أعضاء السجود, كما لو سجد على كفه مثلاً, فهذا لا يجوز, ولا يجزئ السجود, لإفضائه إلى تداخل أعضاء السجود, ولأنه خلاف أمره وفعله عليه الصلاة والسلام، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، وذهب الحنفية إلى جواز ذلك في الأصح من أقوال المذهب، ومذهبهم ضعيف.

القسم الثاني: أن يكون الحائل من غير أعضاء السجود لكنه متصل بالمصلي, كما لو سجد على طرف ثوبه كالكم أو ذيل الثوب أو كور العمامة مثلاً,

فهذا له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون لعذر، كالحر، والبرد، ونحوهما ممايؤذي المصلي، فهذا جائز بلا كراهة, . وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وهو قول عمر ابن الخطاب، وإسحاق، وعطاء، وطاوس، والنخعي، والشعبي، والأوزاعي وبه قال أكثر العلماء، واستدلوا بأحاديث الباب، وهي صريحة الدلالة على الحكم.

الحالة الثانية: أن يكون لغير عذر فهذا مكروه كراهة تنزيهية. وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وهو قول على، وابن عمر، وعبادةُ ، وعن النخعى، وابن سيرين، وعبيدة.

وعلة الكراهة عندهم أن عدم مباشرته الأرض فيه ضرب من التكبر، وترك نهاية التعظيم، ولكراهة بعض الصحابة لذلك كابن عمر.

وذهب الشافعية و رواية عند الحنابلة إلى المنع من ذلك كله ويجب على المصلي مباشرة الجبهة للأرض، وبه قال داود الظاهري.
لما روي عن خباب، قال: «شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا. فلم يشكنا.» رواه مسلم. ولأنه سجد على ما هو حامل له، أشبه ما إذا سجد على يديه.

قلت : والصواب مذهب الجمهور، وردوا على حديث خباب بأن الظاهر أنهم طلبوا منه تأخير الصلاة، أو تسقيف المسجد، أو نحو ذلك، مما يزيل عنهم ضرر الرمضاء في جباههم وأكفهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالأحاديث والآثار تدل على أنهم في حال الإختيار كانوا يباشرون الأرض بالجباه, وعند الحاجة كالحر ونحوه يتقون بما يتصل بهم من طرف ثوب وعمامة وقلنسوة, ولهذا كان أعدل الأقوال في هذه المسألة أنه يرخص في ذلك عند الحاجة, ويكره السجود على العمامة ونحوها عند عدم الحاجة. أ.هـ. مجموع الفتاوى (22/ 172)
وقال ابن القيم : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة, ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن. أ.هـ زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 224)

القسم الثالث: أن يكون الحائل غير متصل بالمصلي كالسجاد والحصير, فهذا لا بأس به, وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهذه الحالة محل اتفاق بين فقهاء المذهب الأربعة.
ابنُ أبى أوفى، والحسن، ومكحول، وسعيد بن المسيب، والزهرى
ولكن قال بعض الفقهاء: يكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه, لأنه يشبه فعل الرافضة قبحهم الله.
قال الإمام النووي: العلماء مجمعون على أن المختار مباشرة الجبهة للأرض فلا يظن بالصحابة إهمال هذا. المجموع شرح المهذب (3/ 425)
وقال ابن القيم :وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض كثيراً, وعلى الماء والطين, وعلى الخمرة المتخذة من خوص النخل, وعلى الحصير المتخذ منه, وعلى الفروة المدبوغة) أ.هـ زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 224)

المراجع: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 337)،اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/ 238)
التاج والإكليل لمختصر خليل (2/ 258)،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 253) ،مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 547)
المجموع شرح المهذب (3/ 425)،أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 161)،
المغني لابن قدامة (1/ 371)،كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 352)،الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 68) المحلى بالآثار (2/ 296)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

يتبع....
 
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

الفصل الثالث

أحكام الاستظلال في فصل الصيف


- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا قَالَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ " ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه مسلم (4/ 1786)13 - (843) 4 - بَابُ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَعِصْمَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّاسِ
وفيه جواز الاستظلال بالشجر، وجواز افتراق العسكر في النزول إذا أمنوا على أنفسهم وكأنهم قد أجهدهم التعب والحر.

التعريف
الظل: الستر ومنه اشتقاق المظلة ، لأنها تستر من الشمس ، وبه أيضا سمي سواد الليل ظلا ، لأنه يستر كل شيء ، فكأن اسم الظل يقع على ما يستر من الشمس ، وعلى مالا تطلع عليه ،
والاستظلال في اللغة : طلب الظل، والظل هو: كل ما لم تصل إليه الشمس.
وفي الاصطلاح: هو قصد الانتفاع بالظل .
وقد فصل بعضهم أنواع الاستظلال ، فقال : يقال : استظل من الحر ، واستذرى من البرد ، واستكن من المطر . درة الغواص في أوهام الخواص (ص: 110)


حكم الاستظلال للمحرم في المحمل


- فعَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ، جَدَّتِهِ قَالَتْ: «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ».
رواه مسلم (2/ 944)312 - (1298) 50 - بَابُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَتَكُونُ مَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وأحمد (45/ 233)27259،وابن حبان (9/ 265) 3949 ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ إِرَادَتِهِ الْجَمْرَةَ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ الْحَرِّ، و أبو داود (3/ 234) 1834 34 - باب في المحرم يُظلَّل، والبيقهي في السنن الكبرى (5/ 111) 9190 بَابُ الْمُحْرِمِ يَسْتَظِلُّ بِمَا شَاءَ مَا لَمْ يَمَسَّ رَأْسَهُ
فيه من الفقه أن للمحرم أن يستظل بالمظال نازلاً بالأرض وراكباً على ظهور الدواب ورخص فيه أكثر أهل العلم. معالم السنن (2/ 179)

- وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، .... فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ، ......وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ،...
رواه مسلم (2/ 889)147 - (1218) 19 - بَابُ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أجمع أهل العلم على أن الرجل المحرم لا يجوز له أن يغطي رأسه في إحرامه،
وأجمعوا على أنه يجوز له أن يستظل وهو نازل بالأرض في مثل القبة والفسطاط(الخيمة العظيمة) أو شجرة أو جدار أو سقف إذا كان مجافياًً للرأس.

أما الاستظلال للمحرم في المحمل خاصة – وهو بفتح فسكون فكسر جمعه محامل ، الهودج ، وهو مركب يركب عليه على البعيروما كان في معناه - فقد اختلف الفقهاء فيه، إلى ثلاثة مذاهب :

المذهب الأول : من جوزه مطلقاًً، وهم الشافعية ، ورخص فيه ربيعة، والثوري.

المذهب الثاني : من اشترط ألا يصيب رأسه أو وجهه، فلو أصاب أحدهما يكره، وهم الحنفية.

واستدل أصحاب المذهبين الأولين بما ورد أنفاًً من الأحاديث، وبأفعال الصحابة كعثمان وعمار بن ياسر.
وقالوا : أن الاستظلال بما لا يماس الرأس بمنزلة الاستظلال بالسقف، وذا غير ممنوع عنه كذا هذا،.
وقد كانت الإباحة في ذلك عامة، لأن المسلمين قديما في العصر الأول وفيما يليه من الأعصار لم يزالوا يحرمون وهم في العماريات والقباب، لا يتناكرون ذلك ولا ينكر عليهم، فثبت أنه إجماع أهل الأعصار، ولأن كل ما جاز أن يستظل به المحرم نازلا جاز أن يستظل به سائرا كاليدين.

المذهب الثالث : من كره ذلك كراهة تنزيهية، وهم المالكية، والحنابلة. وسبب الكراهة القياس على تغطية رأسه وما ورد عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُحْرِمًا قَدِ اسْتَظَلَّ فَقَالَ: «ضَحِّ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ». مصنف ابن أبي شيبة (3/ 285)14253 إرواء الغليل (4/ 200)(1016/1)
صحيح موقوف.
وكره ذلك أيضاًً عبد الرحمن بن مهدي، وأهل المدينة. وكان سفيان بن عيينة يقول: لا يستظل ألبتة.
واختلف أصحاب هذا المذهب في الفدية فقالت المالكية عليه الفدية استحباباًً، وقالت الحنابلة لزوماًً، وقد ذهب الإمام أحمد إلى عدم الفدية وغلط مذهب أهل المدينة في ذلك.

قلت: أن يظلل المحرم رأسه بتابع له كالشمسية والسيارة، ومحمل البعير، وما أشبهه، فهو من الجائز المباح، وقد ذكرت حديث أم الحصين وجابر، وهما مقدمين على أثر ابن عمر.


مسألة : حكم ترك الاستظلال يوم عرفة.
ذهبت المالكية والشافعية إلى أن تركه مستحب مفضل للمحرم، لترك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يوم عرفة.
قال النووي: الأفضل للواقف أن لا يستظل بل يبرز للشمس إلا للعذر بأن يتضرر أو ينقص دعاؤه أو اجتهاده في الأذكار ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم استظل بعرفات مع ثبوت الحديث في صحيح مسلم وغيره عن أم الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم (ظلل عليه بثوب وهو يرمي الجمرة). المجموع شرح المهذب (8/ 117)

المراجع للمسائل السابقة:
لمذهب الحنفية:مختصر اختلاف العلماء (2/ 110) 583،بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 186)،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 269)،المبسوط للسرخسي (4/ 129)،البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 349)
لمذهب المالكية:مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 144)،الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 387)،البيان والتحصيل (3/ 455)و (4/ 28)و(4/ 32)،الدر الثمين والمورد المعين (ص: 530)
لمذهب الشافعية:الحاوي الكبير (4/ 128)،نهاية المطلب في دراية المذهب (4/ 242)،المجموع شرح المهذب (7/ 351)و(7/ 356)و(8/ 117)،البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 207)
لمذهب الحنابلة:المغني لابن قدامة (3/ 286) (2338) ،كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 425)،شرح منتهى الإرادات = دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (1/ 539)،الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/ 123)
المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة (1/ 364)


من نذر أن لا يستظل


- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»
رواه البخاري (8/ 143) بَابُ النَّذْرِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِي مَعْصِيَةٍ 6704، وابن حبان (10/ 230) 4385 ذِكْرُ الْأَمْرِ بِوَفَاءِ نَذَرِ النَّاذِرِ إِذَا نَذَرَ مَا لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ، وأبو داود (5/ 190)3300 22 - باب ما جاء في النذْر في المعصية، وابن ماجه(3/ 266)21 - بَابُ مَنْ خَلَطَ فِي نَذْرِهِ طَاعَةً بِمَعْصِيَةٍ 2136

- قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ... فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ، وَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الشَّمْسِ، إِذْ لَا طَاعَةَ فِي الْقِيَامِ فِي الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَعْذِيبٌ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَعْصِيَةً ". صحيح ابن خزيمة (3/ 352) 2242
قلت : فقد أمره - صلى اللَّه عليه وسلم - بالطاعة، وهو إتمام صومه، وأسقط عنه المباح، وهو عدم الكلام، والاستظلال، والقعود، فدلّ على أن النذر لا ينعقد في المباح.

مسألة : ما حكم من نذر أن لا يستظل بظل؟

قولان للفقهاء في هذه المسألة:

القول الأول : أن نذر المباح لا يلزم (الفعل ولا الترك) لأن المقصود من النذر القربة والمباح لا قربة فيه، ولم يأمره في الحديث بكفارة، فالأصل فيه أنه من المباحات.
وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة.
واستدلوا بحديث الباب، وحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ رَجُلَيْنِ وَهُمَا مُقْتَرِنَانِ، يَمْشِيَانِ إِلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَالُ الْقِرَانِ؟ " قَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَذَرْنَا أَنْ نَمْشِيَ إِلَى الْبَيْتِ مُقْتَرِنَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ هَذَا نَذْرًا " فَقَطَعَ قِرَانَهُمَا، قَالَ سُرَيْجٌ فِي حَدِيثِهِ: " إِنَّمَا النَّذْرُ مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
رواه أحمد في مسنده (11/ 324)6714، وهو حديث حسن، سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 857)2859

والقول الثاني : إذا نذرفعل المباح، فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين إذا تركه.
وهذا مذهب الحنابلة، واستدلوا بحديث عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. رواه الترمذي (3/ 156)1525 1 - بَابُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ .وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ وَأَبُو صَفْوَانَ هُوَ مَكِّيٌّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الحُمَيْدِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَجِلَّةِ أَهْلِ الحَدِيثِ وقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ: لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ: لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/ 214)(2590)، وهو صحيح

قلت: والراجح - والله أعلم - أن الناذر لا يستظل وأن يترك هذا النذر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولكن الأفضل أن يكفر إذا ترك كفارة يمين خروجا من الخلاف، وكفارة اليمين هي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .
المراجع : تحفة الفقهاء (2/ 339)،الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 196)،المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: 650)،التبصرة للخمي (4/ 1656)،الجامع لمسائل المدونة (6/ 365)،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/ 235)،المجموع شرح المهذب (8/ 452)
تحفة المحتاج (10/ 81)،المغني لابن قدامة (10/ 5)و(10/ 7)،كشاف القناع عن متن الإقناع (6/ 275)،المبدع في شرح المقنع (8/ 123)،شرح الزركشي على مختصر الخرقي (7/ 199)،شرح منتهى الإرادات (3/ 475)


فائدة:
قال الإمام ابن رجب الحنبلي: وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقا، فقد «رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قائما في الشمس، فسأل عنه، فقيل إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد ويستظل، وأن يتم صومه» فلم يجعل قيامه وبروزه في الشمس قربة يوفي بنذرهما وقد روي أن ذلك كان في يوم جمعة عند سماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فنذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ما دام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب؛ إعظاما لسماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قربة توفي بنذره، مع أن القيام عبادة في مواضع أخر، كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة، والبروز للشمس قربة للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن.. جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 178)



حكم استئجار الأشجار للاستظلال بها


- عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، ثُمَّ نَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَشَامَ السَّيْفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ "، ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ.
رواه البخاري (4/ 40)2913 بَابُ تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنِ الإِمَامِ عِنْدَ القَائِلَةِ، وَالِاسْتِظْلاَلِ بِالشَّجَرِ

قال المهلب: فيه أن تعليق السيف والسلاح فى الشجر صيانة لها من الأمر المعمول به. ... وفيه: تفرق الناس عن الإمام عند القائلة وطلبهم الظل والراحة. شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 100)
وفيه جواز الاستظلال بأشجار البوادي وتعليق السلاح وغيره. شرح النووي على مسلم (15/ 44)

مسألة : هل يجوز استئجار الأشجار؛ لتجفيف الثياب والاستظلال بها؟

القول الأول : التحريم، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، وهو القول الأصح عند الشافعية، فقد قالوا : لا يجوز استئجار الأشجار للاستظلال بها، لأن هذه منفعة غير مقصودة من الشجر وأن الأشجار لا تراد لهذا الأمر؛ فكان بذل العوض فيه تبذيراًًً وسفهاًًً، ومن أكل المال بالباطل ولأنه لا يضمن منفعتها بالغصب فلم يضمن بالعقد.

القول الثاني : الإباحة، مذهب الحنابلة والقول الثاني عند الشافعية، فقد قالوا : يجوز أن يستأجر شجراًً ونخيلاًً، ليجفف عليها الثياب، أو يبسطها عليها ليستظل بظلها، أو الربط بها، لأنها منفعة مقصودة متقومة مباحة ، يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، فجاز العقد عليها، واستئجارها كالحبال والخشب والشجر المقطوع.

قلت: إن كانت الأشجار في أرض مملوكة للغير لم يجز الاستظلال بظلها، وإذا كانت في أرض مباحة جاز الاستظلال بظلها لأنه بمجرده لا يقصد ولا يقابل بمال وإنما منفعتها ربط الدواب والأمتعة بها وتجفيف الثياب عليها وغير ذلك مما في معناه... والله أعلم

المراجع :
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 192)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (4/ 19)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (3/ 446)، المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (2/ 244)، المغني لابن قدامة (5/ 404) (4307) ، كشاف القناع عن متن الإقناع (3/ 562).



التبول والتخلي في الظل


- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ».
رواه مسلم (1/ 226) 20 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّخلِّي فِي الطُّرُقِ، وَالظِّلَالِ 68 - (269)

- وعن معاذِ بن جبل، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا المَلاعِنَ الثلاثةَ: البَرازَ في المَوَارِدِ، وقارِعَةِ الطَريقِ، والظّلِّ".
رواه أبو داود (1/ 21) 14 - باب المواضع التي نُهي عن البول فيها 26
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي سعيد الحميري، وروايته عن معاذ منقطعة، فإنه لم يدركه. وأخرجه ابن ماجه (328) من طريق نافع بن يزيد، بهذا الإسناد.

- وعن ابْنُ هُبَيْرَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثَ " قِيلَ: مَا الْمَلاعِنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " أَنْ يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ يُسْتَظَلُّ فِيهِ، أَوْ فِي طَرِيقٍ، أَوْ فِي نَقْعِ مَاءٍ ".
رواه أحمد في مسنده(4/ 448)2715 ، حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام راويه عن ابن عباس. عبد الله: هو ابن المبارك، وروايته عن ابن لهيعة صالحة.

ورد النهي عن التخلي فيما يستظل به الناس من شجرة أو جدار ونحوها مما ينتفع به، وكذا الأماكن التي يتردد إليها الناس، كالمنتزهات والحدائق، وأماكن الاستراحة.
وعلة النهي عن ذلك في الظل والطريق لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره والله أعلم. شرح النووي على مسلم (3/ 162)

المسألة ألأولى : حكم التخلي في الظل
اختلف الفقهاء في النهي هل هو للكراهة التنزيهية، أم هو للتحريم المطلق؟ فكان

القول الأول :
أن النهي للكراهة التنزيهية، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، سواء كان ظل شجر أو حائط يستظل به.

والقول الثاني :
أن النهي للتحريم، وهو مذهب الحنابلة، والخطابي والنووي من الشافعية، للأخبار الصحيحة ولإيذاء المسلمين.
قال النووي : وهذا الأدب وهو اتقاء الملاعن الثلاث متفق عليه وظاهر كلام المصنف والأصحاب أن فعل هذه الملاعن أو بعضها مكروه كراهة تنزيه لا تحريم وينبغي أن يكون محرما لهذه الأحاديث ولما فيه من إيذاء المسلمين وفي كلام الخطابي وغيره إشارة إلى تحريمه. المجموع شرح المهذب (2/ 87)

المسألة الثانية: هل كل ظل ينهى فيه التخلي أم يخص ما ينتفع الناس به ؟
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن ليس كل ظل يمنع قضاء الحاجة تحته، وإنما المراد بالظل مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلاًً ومناخاًً ينزلونه أو يقعدون تحته وينتفعون بالجلوس فيه، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «أو في ظلهم»، يعني: الظل الذي هو محل جلوسهم، وانتفاعهم بذلك.

المسألة الثالثة: هل يباح ذلك في مكان يجتمع فيه لمحرم أو مكروه ؟
ذهب الحنفية إلى أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن محلا للاجتماع على محرم أو مكروه وإلا فقد يقال يطلب ذلك لدفعهم عنه.
قال العثيمين : وقال بعض أهل العلم: إلا إذا كانوا يجلسون لغيبة، أو فعل محرم جاز أن يفرقهم، ولو بالبول، أو الغائط وفي هذا نظر؛ لعموم الحديث؛ ولأن لا فائدة من ذلك، لأنهم إذا علموا أنه تغوط أو بال في أماكن جلوسهم فإنهم يزيدون شرا، وربما يتقاتلون معه.
والطريق السليم أن يأتي إليهم وينصحهم. الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 128)

المسألة الرابعة: هل متشمس الناس في فصل الشتاء له نفس الحكم أو لا؟
نعم ... يلحق بالظل في الصيف محل اجتماع الناس ومجالسهم ومتحدثهم في الشمس في الشتاء، وهذا مذهب المذاهب الأربعة بلا خلاف بينهم في ذلك.
قال العثيمين: وهذا قياس صحيح جلي. الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 128)

تنبيه: ذكر بعض فقهاء المالكية أن مذهب القاضي عياض هو تحريم التخلي في الظل خلافاًً للمذهب ، فقال الحطاب الرُّعيني : وفي شرح مسلم قال عياض وليس كل ظل يحرم القعود عنده لقضاء الحاجة فقد قضاها - صلى الله عليه وسلم - تحت حائش ومعلوم أن له ظلا انتهى. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 277)
وقال محمد عرفه الدسوقي : قال شيخنا والظاهر أن قضاء الحاجة في المورد والطريق والظل وما ألحق به حرام كما يفيده عياض. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 107)
وفي الحقيقة أنني قد رجعت إلى كتاب شَرْح صَحِيح مُسْلِمِ المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإِمَام الحَافظ أبى الفضل عيَاض بن مُوسَى بن عيَاض اليَحْصَبِى، فلم أجد فيه الكلام الذي نسب إليه، وهو شبيه بكلام الخطابي في المعالم، فلعل الناقل عن القاضي عياض اختلط عليه لما نقل من شرح مسلم للنووي، فنسب كلام الخطابي للقاضي عياض وكما هو معروف أن الإمام النووي قد أكثر من النقل عن القاضي في شرحه لصحيح مسلم.

المراجع للمسائل السابقة:
الحنفية :البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 256)،الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 343)
المالكية:حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 107)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 277)،حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 90)
الشافعية: حاشية البجيرمي على الخطيب (1/ 192)،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 158)،المجموع شرح المهذب (2/ 86)، معالم السنن (1/ 21)
الحنابلة: المغني لابن قدامة (1/ 122)، شرح منتهى الإرادات (1/ 36)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 127)


الجلوس بين الشمس والظل


- عن محمَّد بنِ المنكدِرِ، قال: حدَّثني من سَمعَ أبا هريرة يقولُ: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحَدُكُم في الشمس -وقال مخلد: في الفيء- فَقَلَصَ عنهُ الظِّلُّ، وصارَ بعضُهُ في الشمسِ، وبعضُه في الظِّلُّ فليَقُم".
رواه أبو داود (7/ 195) 4821 15 - باب في الجلوس ببن الظل والشمس، وهو حديث حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الراوي عن أبي هريرة.انظر صحيح الجامع: 748 , الصحيحة: 837
قوله: "إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه"، (الفيء): الظل، (قلص)؛ أي: ذهب الظل عنه، فبقي بعضه في الشمس وبعضه في الفيء. "فليقم" من ذلك الموضع، فإنه مضر في الطب.

وفي رواية: " إذا كان أحدكم جالسا في الشمس فقلصت عنه , فليتحول من مجلسه ".
رواه أحمد في مسنده 8964 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره.

- وعن قيسٌ بن أبي حازم عن أبيه أنه جَاءَ ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يخطبُ، فقامَ في الشمسِ، فأمَرَ بهِ فحُوِّل إلى الظِّلُّ.
رواه أبو داود (7/ 196)4822 15 - باب في الجلوس ببن الظل والشمس، وإسناده صحيح. انظر صحيح الجامع: 2925 , الصحيحة: 833

- وعَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُجْلَسَ بَيْنَ الضِّحِّ وَالظِّلِّ، وَقَالَ: " مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ ".
رواه أحمد في مسنده (24/ 147)15421 ، وهو حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.انظر صحيح الجامع: 6823 , والصحيحة: 838 , 3110
قوله :" مجلس الشيطان"؛ أي: فإن ذلك المجلس مجلس يأمر الشيطان الرجل بالجلوس فيه؛ ليخالف السنة.
وسئل الإمام أحمد بن حنبل : يكره أن يجلس الرجل بين الظل والشمس؟
قال: هذا مكروه. أليس قد نهي عن ذا.
مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (9/ 4868)[3569-] ،كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 79)

وقال الإمام ابن القيم : والنوم في الشمس يثير الداء الدفين، ونوم الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل رديء. زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 222)

سبب النهي :
لأن الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين، كذا قاله بعض الشراح، وتبعه ابن الملك، ولأنه خلاف العدالة الموجبة لاختلال الاعتدال مع أنه تشبه بمجلس المجانين. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2983)



الفصل الأخير

من خصائص أمير المؤمنين علي رضي الله عنه
صرف الحر والبرد عنه


- فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ عَلَيْنَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ الشِّتَاءِ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا فِي الشِّتَاءِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ الصَّيْفِ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ مَسَحَ الْعَرَقَ عَنْ جَبْهَتِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَبِيهِ قَالَ: يَا أَبَةِ «أَرَأَيْتَ مَا صَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ خَرَجَ إِلَيْنَا فِي الشِّتَاءِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ الصَّيْفِ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا فِي الصَّيْفِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ الشِّتَاءِ» فَقَالَ أَبُو لَيْلَى: هَلْ فَطِنْتَ؟ وَأَخَذَ بِيَدِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَتَى عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَ إِلَيَّ، وَأنا أَرْمَدُ شَدِيدُ الرَّمَدِ، فَبَزَقَ فِي عَيْنِي ثُمَّ قَالَ: «افْتَحْ عَيْنَيْكَ فَفَتَحْتُهُمَا، فَمَا اشْتَكَيْتُهُمَا حَتَّى السَّاعَةِ، وَدَعَا لِي» فَقَالَ: «اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرَدَ، فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا، وَلَا بَرْدًا حَتَّى يَوْمِي هَذَا».
رواه للنسائي في السنن الكبرى (7/ 463)8483 ذِكْرُ مَا خُصَّ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ صَرْفِ أَذًى الْحَرِّ وَالْبَرَدِ عَنْهُ

وفي رواية أخرى
- قَالَ: كَانَ أَبِي يَسْمُرُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَثِيَابَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ سَأَلْتَهُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَرْمَدُ الْعَيْنِ. قَالَ: فَتَفَلَ فِي عَيْنِي وَقَالَ: " اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ " فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلا بَرْدًا مُنْذُ يَوْمِئِذٍ، وَقَالَ: " لاعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ " فَتَشَرَّفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَانِيهَا.
رواه أحمد في مسنده (2/ 168)778 ، وإسناده ضعيف، وأخرجه ابن ماجه (117) قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ورقة 2/10: هذا إسناد ضعيف، وأخرجه البزار (496) ، والنسائي في "الخصائص" (14) وصحح إسناده ووافقه الذهبي!
قال الألباني : حسن بطريقين آخرين في أوسط الطبراني (1/127/1و222/2) وحسنه الهيثمي (9/122) دون قصة البعث فهي في الصحيحين دون " ليس بفرار " وهذا له شاهد في مسند أبي يعلى (9/374). صحيح ابن ماجة (1/ 26) 114
وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 19)14707قال: وإسناده حسن.

فائدة:
قال االحافظ ابن حجر العسقلاني : وأوعب من جمع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص .... وقد روينا عن الإمام أحمد قال مابلغنا عن أحد من الصحابة مابلغنا عن علي بن أبي طالب. فتح الباري لابن حجر (7/ 74)


أجر سقي البهائم في الحر


- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا»
رواه مسلم (4/ 1761)154 - (2245) 41 - بَابُ فَضْلِ سَاقِي الْبَهَائِمِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِطْعَامِهَا
وفي لفظ له أخر قال : «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»
صحيح مسلم (4/ 1761)155 - (2245)،قوله(بركية) الركية البئر
ففي الحديث أن الرحمة في القلوب- حتى البهائم- سبب خيرة وأجر، واستعطاف لرب السماء والأرض؛ فإنه يرحم من عباده الرحماء.
قال القرطبي : وفي هذه الأحاديث ما يدلّ: على أن الإحسان إلى الحيوان، والرفق به تُغفَرُ به الذنوب، وتُعظم به الأجور. ولا يناقض هذا: أنَّا قد أمرنا بقتل بعضها، أو أبيح لنا، فإنَّ ذلك إنَّما شرع لمصلحة راجحة على قتله، ومع ذلك: فقد أمرنا بإحسان القتلة، والرفق بالذبيحة. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 546)


ما يقول إذا كان يوم شديد الحرارة


- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ عَنِ ابْنِ حُجَيْرةَ الْأَكْبَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ أَحَدِهِمَا - حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْ حَرِّكِ فَاشْهَدِي أَنِّي أَجَرْتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَنِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ ". قَالُوا: مَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: «بَيْتٌ يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ، فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ».
رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص: 265)306 بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْحَرِّ أَوْ شَدِيدُ الْبَرْدِ، و البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 459)387، بسند ضعيف رواية دراج عن أبي الهيثم ضعيفة
وللمزيد راجع: كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني(2/ 347)2982، المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة للسخاوي (ص: 714)1283، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (13/ 950)6428


الأسباب التي تجعل فصل الصيف أفضل من الشتاء


استعرض علماء وخبراء عشرة أسباب أساسية تحدد أفضلية الصيف وتميزه على فصول السنة الأخرى فيما يتعلق بصحة الإنسان ونشاطه وحيويته.

ويرى العلماء أن الأجواء المشمسة وارتفاع الحرارة لا تساعد في توفير مناخ معتدل فحسب بل تقدم الكثير من الفوائد للصحة والحياة البشرية، إذ يساعد ضوء الشمس في تنظيم معظم العمليات الحيوية في الجسم كما يساهم في تحسين الصحة البدنية والنفسية ونوعية الحياة.

وأول تلك الأسباب تتمثل في تقليل خطر الإصابة بالأزمات القلبية، فقد أظهرت البحوث العلمية أن معدلات الوفاة من النوبات القلبية تكون أقل في فصل الصيف مقارنة بالشتاء، لذلك فإن التعرض للشمس يمثل طريقة جيدة لتقليل مستويات الكوليسترول، وبالتالي تقليل خطر الإصابة بالجلطات القلبية والسكتات الدماغية.
وبينت الدراسات أيضا أن ضوء الشمس يلعب دورا حيويا في الوقاية من أنواع مختلفة من الأمراض المزمنة، إذ يزيد نقص فيتامين (د) الضروري لامتصاص الكالسيوم في الجسم، خطر الإصابة بهشاشة وترقق العظام، كما أظهرت عدة بحوث سابقة أن نمو الورم في كل من سرطانات المبيض والثدي والأمعاء يبطؤ عند التعرض للشمس.

أما ثاني الأسباب فيتمثل في زيادة إقبال الناس خلال الصيف على تناول الخضراوات والفواكه، إذ يساعد الارتفاع في درجات الحرارة وتوافر الفاكهة الصيفية بأنواعها المختلفة، في الحصول على الكميات الموصى بها التي تتحدد بخمس حصص على الأقل من الثمار الطازجة يوميا.
ولفت العلماء إلى أن معدل استهلاك السعرات يكون أقل بشكل عام في فصل الصيف، لأن زيادة درجة حرارة الجسم تضعف شهية الإنسان للأطعمة الدهنية والسكريات، بعكس الشتاء حيث يزداد الإقبال على تناولها طلبا للشعور بالدفء.

أما ثالث الأسباب فهي علاجية، بمعنى أن التعرض لأشعة الشمس يحقق أثرا علاجيا على الجلد، وخاصة عند من يعانون من حب الشباب والصدفية والالتهابات الجلدية.

ونبه العلماء إلى أن الرياضة هي أكثر الطرق فعالية لحرق السعرات الحرارية الزائدة، وتحسين التدفق الحيوي للأكسجين إلى الدماغ، وتقليل مستويات التوتر، وزيادة القدرة على التركيز، لذلك يوصي خبراء اللياقة بـ 20 دقيقة من الرياضة الهوائية مثل المشي السريع أو السباحة ثلاث مرات أسبوعيا.

كما يعتبر الطقس الدافئ مفيدا للمرضى المصابين بالتهاب المفاصل، حيث يشعر الكثير منهم بالحيوية والقدرة على الحركة وانخفاض ملحوظ في درجات الألم، خلال الصيف.

ويتمثل رابع فوائد الصيف على الصحة، في إقبال الناس على الإكثار من شرب الماء الذي يعتبر مصدر الحياة وأهم المواد للعمليات الحيوية التي تجري في الخلايا، ويساعدها على القيام بوظائفها بصورة صحيحة ومناسبة، وتشمل تحسين عملية الهضم، وتنظيم درجة حرارة الجسم، وتحسين صحة الجلد وحيويته ونضارته، والتخلص من السموم.

وفي أشهر الصيف يزداد التوجه نحو شرب لترين كاملين من الماء، وهي الكمية اليومية الموصى بها التي يحتاجها الإنسان للمحافظة على صحة أفضل.

ويرى الخبراء أن خامس فوائد الصيف يكمن في تقليل خطر الإصابة بالتجلط والانسداد الرئوي، حيث يساعد الجو الدافئ على توسيع الأوعية الدموية، فتسمح للدم بالمرور والدوران بشكل أفضل.

أما السبب السادس فيعتمد على دراسة كندية أظهرت أن الجو الجاف والمشمس والصافي يقلل نوبات الصداع النصفي ويخفف معاناة المرضى المصابين به، بينما تشجع الأجواء الغائمة والرطبة ظهور الأعراض.

ويؤثر فصل الصيف على مرضى السكري أيضا، حيث لاحظ الأطباء أن التغيرات في الطقس تزيد معدلات الإصابة بالسكري المعتمد على الأنسولين، كما أظهرت الإحصاءات أن هذا النوع من المرض أقل شيوعا في البلدان الحارة القريبة من خط الاستواء.


وأخيرا، يقول العلماء أن التعرض للشمس في الصباح الباكر يساعد في تنظيم أنماط النوم عند الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم والقلق، وذلك لأن ضوء الشمس الطبيعي يساعد في إعادة تشغيل الساعة البيولوجية الداخلية للجسم، إضافة لما تلعبه أشعة الشمس في خلق حالة من التوازن العاطفي، بعد حالة الكآبة المعروفة التي يسببها فصل الشتاء.

لذلك ينصح خبراء النوم بالتعرض لضوء الشمس لمدة ساعة على الأقل في الفترة الصباحية ما بين الساعة السابعة والتاسعة كل يوم للتخلص من مشكلات الأرق وعدم القدرة على النوم أثناء الليل، مشيرين إلى ضرورة النوم في غرفة غير مضاءة لأن الظلام يزيد إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

ثمَّ تَأمل بعد ذَلِك احوال هَذِه الشَّمْس فِي انخفاضها وارتفاعها لاقامة هَذِه الازمنة والفصول وَمَا فِيهَا من الْمصَالح وَالْحكم إِذْ لَو كَانَ الزَّمَان كُله فصلا وَاحِدًا لفاتت مصَالح الْفُصُول الْبَاقِيَة فِيهِ فَلَو كَانَ صيفا كُله لفاتت مَنَافِع مصَالح الشتَاء وَلَو كَانَ شتاء لفاتت مصَالح الصَّيف وَكَذَلِكَ لَو كَانَ ربيعا كُله اَوْ خَرِيفًا كُله فَفِي الشتَاء تغور الْحَرَارَة فِي الاجواف وبطون الارض وَالْجِبَال فتتولد مواد الثِّمَار وَغَيرهَا وتبرد الظَّوَاهِر ويستكثف فِيهِ الْهَوَاء فَيحصل السَّحَاب والمطر والثلج وَالْبرد الَّذِي بِهِ حَيَاة الارض وَأَهْلهَا واشتداد أبدان الْحَيَوَان وقوتها وتزايد القوى الطبيعية واستخلاف مَا حللته حرارة الصَّيف من الابدان وَفِي الرّبيع تتحرك الطبائع وَتظهر الْموَاد المتولدة فِي الشتَاء فَيظْهر النَّبَات ويتنور الشّجر بالزهر ويتحرك الْحَيَوَان للتناسل وَفِي الصَّيف يحتد الْهَوَاء ويسخن جدا فتنضج الثِّمَار وتنحل فضلات الابدان والاخلاط الَّتِي انْعَقَدت فِي الشتَاء وتغور الْبُرُودَة وتهرب الى الاجواف وَلِهَذَا تبرد الْعُيُون والابار وَلَا تهضم الْمعدة الطَّعَام الَّتِي كَانَت تهضمه فِي الشتَاء من الاطعمة الغليظة لانها كَانَت تهضمها بالحرارة الَّتِي سكنت فِي الْبُطُون فَلَمَّا جَاءَ الصَّيف خرجت الْحَرَارَة الى ظَاهر الْجَسَد وَغَارَتْ الْبُرُودَة فِيهِ فَإِذا جَاءَ الخريف اعتدل الزَّمَان وَصفا الْهَوَاء وَبرد فانكسر ذَلِك السمُوم وَجعله الله بِحِكْمَتِهِ برزخا بَين سموم الصَّيف وَبرد الشتَاء لِئَلَّا يتنقل الْحَيَوَان وهلة وَاحِدَة من الْحر الشَّديد الى الْبرد الشَّديد فيجد اذاه ويعظم ضَرَره فَإِذا انْتقل اليه بتدريج وترتب لم يصعب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عِنْد كل جُزْء يستعد لقبُول مَا هُوَ اشد مِنْهُ حَتَّى تَأتي جَمْرَة الْبرد بعد استعداد وَقبُول حِكْمَة بَالِغَة وَآيَة باهرة وَكَذَلِكَ الرّبيع برزخ بَين الشتَاء والصيف ينْتَقل فِيهِ الْحَيَوَان من برد هَذَا الى حر هَذَا بتدريج وترتيب فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين واحسن الْخَالِقِينَ. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 208)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: أحكام فصل الصيف

السلام عليكم هل يمكنك أخي الفاضل رفع الكتاب بصيغة الوورد (word) ؟
 
التعديل الأخير:
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

هذه نسخة من الكتاب على صيغة ورد حسب طلب أختنا أم إبراهيم حفظها الله ورعاها.

مودتي للجميع
 

المرفقات

  • كتاب أحكام فصل الصيف.rar
    657.2 KB · المشاهدات: 6
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: أحكام فصل الصيف

غير مضغوط
 

المرفقات

  • كتاب أحكام فصل الصيف.docx
    662.8 KB · المشاهدات: 0
أعلى