العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أدب المؤمن مع الريح

إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
تمر بديارنا هذه الأيام رياح مع غبار وحيث كان المؤمن له في كل حال عبادة وسلوك يميزه عن غيره كان لا بد من الإشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن اعتقاداً وسلوكاً تجاه ذلك .
من يرى أحوال الناس الآن يجد لهم سلوكيات خاطئة تجاه هذا الأمر فمنهم المتجزع الذي يسب الريح أو يسب الزمان أو المكان ، ومنهم الذي يعزو تأثيرها للطبيعة مطلقاً فيجعل الأسباب هي المؤثر الحقيقي لها ، ومنهم من يظهر الطرف والمزاح والعبث ضمن مقاطع وصور ونكت مكتوبة ومسموعة .
إن للريح شأناً عظيماً عند الله لا يعلمه إلا من نور الله بصيرته بنور القرآن والسنة وقذف في قلبه الإيمان والتدبر والتفكر ، فالريح خلق من خلق الله وجند من جنوده وآية من آياته ، وقد ذكر الله أمر الرياح في كتابه وكرره كثيراً لعظمها ولأثرها :
تارة ليبين أنها من آياته .
وتارة ليبين كيف يصرفها برداً وحراً ، خيراً وشراً ، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ، وكيف يجعلها عذاباً تارة ورحمة تارة أخرى كما بين أنه أهلك بها أقواماً ونصر بها آخرين :
قال الله تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دآبة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون )
وقال : ( واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون )
وقال : ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام (*) إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )
وقال : ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون )
وقال : ( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين )
وقال : ( وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهوراً ) .
وقال : ( أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون )
وقال : ( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )
وقال : ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ) .
وقال : ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور )
وقال : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً )
وقال - عن نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام - : ( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين )
وقال عن قوم عاد : ( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون )
وقال : ( كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر (*) إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر )
وقال : ( فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم (*) تدمر كلَّ شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ) .
وقال : ( وفي عادٍٍ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم )
وقال : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءت الريح تغير لونه وخاف :
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضاحكاً حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم . قالت : وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف في وجهه ، قالت : يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : ( يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ؟ عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا ) .
وقالت رضي الله عنها كما في رواية مسلم : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال : ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ) ، قالت : وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مطرت سرى عنه فعرفت ذلك في وجهه. قالت عائشة فسألته فقال : ( لعله يا عائشة كما قال قوم عاد ( فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ).
وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري .

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنها وسبها وأمر بالدعاء بصرفها لما هو خير وأمر بطلب خيرها والاستعاذة من شرها :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً لعن الريح عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تلعن الريح فإنها مأمورة وليس أحد يلعن شيئاً ليس له بأهل إلا رجعت عليه اللعنة ) أخرجه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني .
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبُّوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به ) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه .
وروى ابن حبان والحاكم وصححه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال : كان إذا اشتدت الريح يقول : ( اللهم لقحاً لا عقيماً ) .

وأختم الكلام في هذه الموضوع بمسألة فقهية ، وهي حكم الجمع بين الصلوات بسبب الريح فأقول :
هذه المسألة اختلف فيها على أربعة أقوال :
القول الأول : أنه لا يجوز الجمع للريح مطلقاً ولو مع ظلمة ، وهو مذهب المالكية ووجه عند الحنابلة .
وحجتهم : أنه لم يرد دليل بجواز الجمع بسببها مع وجود السبب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يصح قياسها على المطر لأن مشقتها دونها ، وليست من جنسها ولا ضابط يجمعهما فلا يصح القياس .
القول الثاني : أنه يجوز في حال كون الريح معها برد أو ندوة ، وهو ما يسمى بالشفَّان ، وهذا هو المشهور عند الشافعية .
وحجتهم : أن الشفَّان كالمطر فتقاس الريح عندئذٍ عليه .
القول الثالث : يجوز الجمع إذا كانت الريح شديدة البرودة ، وهو المشهور عند الحنابلة ، ووجه عند الشافعية .
وحجتهم : القياس على المطر .
القول الرابع : يجوز الجمع إذا كانت شديدة البرودة في ليلة مظلمة ، وهو قول لبعض الحنابلة .
وحجتهم : اجتماع عدة مشاق وأعذار فباجتماعها تقوى المشقة الموجبة للتيسير .
ولعل القول الثالث أقواها ؛ لأن الريح الشديدة الباردة لا تقل مشقة عن المطر المبيح للجمع .

وقد اختلف المجيزون للجمع ( بقيودهم ) في تحديد ما يجمع :
فبعضهم أجاز جمع الظهرين ( الظهر والعصر ) وجمع العشائين ( المغرب والعشاء ) وهو مذهب الشافعية .
وبعضهم أجازه في المغرب والعشاء فقط ، وهو قول الحنابلة ، وهو في المطر كذلك عندهم .
ولعل الأول أقوى لعدم وجود ما يفرق بين الأمرين ، وهو كذلك في عذر السفر والمرض ، وهذا هو اختيار شيخنا محمد العثيمين - رحمه الله - كما رجح - رحمه الله - أن الريح الشديدة التي تحمل الأتربة تبيح الجمع حتى وإن كانت غير باردة لوجود المشقة . والله أعلم .

تنبيه :الحنفية لا وجود لهم هنا ؛ لأنهم لا يرون الجمع لعذر مطلقاً ، والجمع عندهم مخصوص بالظهرين في عرفة والعشائين في مزدلفة .



 
التعديل الأخير:
إنضم
1 أبريل 2015
المشاركات
720
الكنية
أبو أحمد
التخصص
إدارة المخازن
المدينة
كركوك
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: أدب المؤمن مع الريح

جزاك الله خيرا
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: أدب المؤمن مع الريح

يرفع للتذكير والمناسبة
 
التعديل الأخير:
إنضم
18 مارس 2010
المشاركات
21
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
علم الحديث
المدينة
شبراخيت
المذهب الفقهي
الحنفي قديماً، الحنبلي حديثاً
رد: أدب المؤمن مع الريح

زادك الله علمًا، ورفع قدرك
 

أشواق

:: متابع ::
إنضم
22 سبتمبر 2015
المشاركات
16
التخصص
القرآن وعلومه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: أدب المؤمن مع الريح

بارك الله فيكم


 
أعلى