العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أصاب الإمام ابن حزم ، وأخطأ المتعقب ...نموذج للخلط بين الدليل والقياس

إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
بسم الله الرحمن الرحيم

* الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ ينكر القياس إذا لم يجمع بين الطرفين دلالة لغوية ، أما إذا كان المقيس مدلولا عليه باللغة كقياس الوخز بالابر في المقاصة على القتل بالسيف بجامع الاعتداء ، فهذا المعول فيه النص اللغوي الذي ورد به الشرع وهو قوله تعالى : ( فمن اعتدى ) فالوخز اعتداء ، والضرب باليسف اعتداء ، ونحن على المقاصة في الاعتداء مالم يقم دليل على التخصيص أو الالغاء ، قال ابن حزم في " الإحكام " : ظن قوم بجهلهم أن قولنا بالدليل خروج منا عن النص والإجماع ، وظن آخرون أن القياس والدليل واحد ، فأخطؤا في ظنهم أفحش خطأ ......

وكلام ابن حزم حول الدليل الذي يتميز به المذهب الظاهري ولا يمكن تصور المذهب الظاهري إلا من خلال هذا الأصل ماتع جدا بل غاية في النفاسة ، وروعة في الجمال ، ولولا طوله لنقلته هاهنا لعزته انظر : الإحكام (5/ 105 ـ 108)

* نموذج للخلط بين الدليل والقياس :

قال العلامة الكبير ، فقيه البدن أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ـ حفظه المولى تعالى ـ في كتابه العُجاب " ابن حزم خلال ألف عام " (4/ 122 ـ 115) :

" قال أبو محمد : ومن أكل وهو يظن أنه ليل أو جامع كذلك أو شرب كذلك فإذا به نهار إما بطلوع الفجر وإما بأن الشمس لم تغرب : فكلاهما لم يتعمد إبطال صومه ، وكلاهما ظن أنه في غير صيام ، والناسي ظن أنه في غير صيام ولا فرق ، فهما والناسي سواء ولا فرق .

وليس هذا قياساً ـ ومعاذ الله من ذلك ـ وإنما يكون قياساً لو جعلنا الناسي أصلاً ثم شبهنا به من أكل وشرب وهو يظن أنه في ليل فإذا به في نهار ، ولم نفعل هذا بل كلهم سواء في قول الله تعالى " ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم " وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " (1) .

إلا أن محقق المحلى تعقبه فقال : سواء رضي المؤلف أن يكون هذا قياساً أو لم يرضى فإنه قياس في الحقيقة على الناسي ؛ لأن النص لم يدل على عدم بطلان صوم من أفطر ظاناً في ليل ، والقياس على الناسي ـ الذي ذكره المؤلف ـ قياس صحيح ، وإن تحاشى هو أن يسميه قياساً (2) .

قال أبو عبدالرحمن ـ أي ابن عقيل ـ : لا والله ليس هذا قياساً ، وإنما رأيت كثيراً من المتمذهبين تعوزهم الدقة ، ولجلاء اللبس أقول هاهنا أمور :

أ ـ تماثل الخطأ والنسيان في عدم القصد ، أي أن الناسي والمخطىء غير عامدين للمخالفة .

ب ـ عدم العمد نتيجة حتمية لمعنى الخطأ والنسيان لغة ؛ لأن المخطىء من ضل مراده فلم يصبه وأصاب غيره ولا يكون مخطئا حتى يكون غير عامد .

ولهذا عرفت المعجمات الخطأ بأنه ضد الصواب بشرط عدم التعمد ، فإن كانت مفارقة الصواب عمداً فهو خطأ بكسر الخاء والنسيان لغة ضد الحفظ ، وهو بمعنى الترك ، والترك أعم من النسيان ، وإنما يتخصص النسيان بهذا القيد ( الترك دون تعمد ) .

والخطأ أيضاً ( ترك للصواب دون تعمد ) .

والفارق بينهما : أن المخطىء ترك الصواب وهو يحسب أن الصواب ما هو فيه أما الناسي فقد ترك الصواب ؛ لأنه غاب عن حافظته أنه مطلوب منه .

ج ـ الخطأ والنسيان اسمان لمسميين مختلفين من وجوه متفقين من وجه واحد هو عدم العمد .

د ـ إذن الخطأ والصواب مثلان في عدم العمد .

ه ـ رغم هذه المثلية فلا يجوز أن يقاس النسيان على الخطأ ولا الخطأ على النسيان في إثبات حكم أو نفيه إذا ورد الشرع نصاً على النسيان فقط أو الخطأ فقط .

و ـ إذا ورد النص على عدم العمد فالخطأ والنسيان سواء في الحكم وليس ذلك من باب قياس أحدهما على الآخر وإنما النص ورد في معنى من المعاني هو عدم العمد فالحكم للمعنى في أي مسمى وجد .

وفي هذه الحالة يقال حكم النسيان هو حكم الخطأ ولا فرق ؛ لأن النص ورد في حكم العمد ، وعدم العمد موجود فيهما .

ز ـ تسوية أبي محمد بين الخطأ والنسيان بناها على النص بالمعنى لا على القياس وهو قوله تعالى ( ولكن ماتعمدت قلوبكم ) والناسي والمخطىء ـ لغة لا عقلاً ـ غير متعمد .

ح ـ وبناها على النص بالاسم وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان ) فهذا نص في الخطأ والنسيان .

فكيف يحق لمحقق المحلى أن يلزم ابن حزم بالقياس مع وضوح هذه الحقائق ، إنما ينكر ابن حزم القياس إذا لم يجمع بين الطرفين دلالة لغوية ، فهذا النوع من القياس لا يمكن أن يجري على لسان ابن حزم في التفريع .

مثال ذلك : قياس العدس على البر في حكم الربا ، فليس للبر والعدس دلالة لغوية تجمع بينهما والنص ورد بالبر باسمه فلا يقاس عليه العدس وهو ليس مسمى للبر .

ومن قاس بينهما يورد جامعاً عقلياً أو حسياً لا تدل عليه اللغة كالوزن أو الكيل أو الادخار أو الاقتيات ... ألخ .

ولنكتف بمناقشة وصف واحد لجلاء الصورة وهو الكيل ، فنقول لا نماري في أن البر مثل العدس في الكيل ، فكلاهما يكال .

إلا أن هذا التماثل لا يوجب التسوية بينهما في الحكم لثلاثة أسباب :

أولها : أن لغة العرب لم تجعل صفة الكيل اسما للبر والعدس ، وإذاً فلا يجمع بينهما معنى لغوي .

وثانيها : أن النص لم يوجب الربا في صفة الكيل ، فلم يقل الربا في كل مكيل ، إذاً صفة الكيل ليست معنى شرعياً يجب به حكم شرعي .

ولو ورد النص بالربا في كل مكيل لكان الحكم حينئذ للنص لا للقياس .

وثالثها : أن تماثل البر والعدس في الكيل صفة حسية موجودة قائمة بعرف الناس ، بيد أن التسوية بينهما في حكم الربا زيادة شرع لم يدل عليه نص آخر ، ولا يفهم من النص الوارد في المقيس عليه " أ.ه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المحلى (6/ 222 ـ 223) .
(2) المحلى (6/ 223) .
 
أعلى