العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أضواء على منهاج الطالبين

محمد محمود أمين

:: مشارك ::
إنضم
4 ديسمبر 2008
المشاركات
242
التخصص
..
المدينة
الدقهلية
المذهب الفقهي
شافعي المذهب
أضواء على منهاج الطالبين
فارس العزاوي



هذه خلاصةٌ موجزة في إطار التوصيف حول كتاب "المنهاج" للإمام النووي، لم يقف فيها الباحثُ مع مسائل "المنهاج" على وجه التفصيل، ولم يعرضها للنقد المنهجي والعلمي؛ وإنما الهدف منها التعريف بالمنهاج على وجه الإجمال؛ ليكون مدخلاً للمهتمين بمذهب الشافعية.

كتاب "المنهاج" يعتبر من أجلِّ مصنفات الإمام النووي، ومـن أحسن الكتب الفقهية؛ وذلك للأسباب التالية:
أولاً: متانة العبارة، وغزارة المادة، وتمام الفائدة.
ثانيًا: تضلّع صاحبه - رحمه الله - في العلوم المختلفة، سواء في ذلك علوم الآلة وعلوم المقاصد.
ثالثًا: قد حوى جلَّ مقاصد مذهب الإمام الشافعي - رحمه الله.
رابعًا: اعتماد مصنفه على معتمد المذهب.

ومن المقرر عند متأخِّري الشافعية أن معتمد المذهب هو ما اتفق عليه الشيخان، وهما: الرافعي والنووي - رحمهما الله تعالى - فإن اختلفا فالمعتمدُ ما قاله النووي - رحمه الله.

وقد حظي الكتابُ باهتمام العلماء والفقهاء وطلاب العلـم، حفظًا، وتصنيفًا، وشرحـًا، واختصـارًا، وتحشية، وغير ذلـك، ووُضعتْ عليه الشروحُ الكثيرة، والحواشي الطويلة، ويمكن أن يراجَع في ذلك كتاب "كشف الظنون"، فقد ذكر شروحات "المنهاج" ولـم يستقـص، والـذي يهمـنا: أن نركـز على بـعض الشروحـات والتعليقات المشتهرة بين طلاب العلم، وأهمها:
أولاً: "تحفة المحتاج شرح المنهاج" للإمام ابن حجر الهيتمي:
صنَّف ابن حجر - رحمه الله - عدة مصـنفات في الفقه، وكان لها المنزلة والمكانة العالية عند علماء الشافعية وطلاب العلم، وخاصة في اليمن وأرض الحرمين، ويأتي كتابه "تحفة المحتاج" في مقدمة كتبه المعتمدة؛ بل هو المقدَّم في الفتوى، سواء في ذلك كتبه الأخرى وكتب المذهب، باستثناء كتب الجمال الرملي.

وقد ذكر ابن حجر منهجَه في الترجيح بين الأقوال الواردة في المذهب في مقدمة "التحفة"، فقال - رحمه الله -: "ثم الراجح منها - من الأقوال - مـا تأخَّر إن عُلم، وإلا فما نصَّ على رجحانه...".

وهذا النص يقتضي أن الراجح من الأقوال هو المتأخِّر إن عُلم، حتى لو نص على رجحان المتقدم، وهو رأي لم يوافِق عليه البعض؛ بل رأى أنه ليس كذلك قطعًا، فلو عكس وقال: الراجح ما نص على رجحانه، وإلا فما تأخر إن علم، والرأي الأخير المعترض هو ما اتبعه الرملي في "نهايته".

وقد تصدى الرشيدي للرد على هذا الاعتراض بقوله: "وما قاله - أي: المعترض، وهو الشهاب بن قاسم - مردود نقلاً ومعنى: أما نقلاً، فإن ما ذكره الشهاب ابن حجر هو منقول المذهب كـ"الروضة" وغيرها، وكتب الأصول كـ"جمع الجوامع" وغيره من غير خلاف، وأما معنى فلأنَّ المتأخِّر أقوى في الترجيح؛ لأن المجتهد إنما رجَّح الأول بحسب ما ظهر له، وما ذكره ثانيـًا كالناسخ للأول بترجيحه".

والحق أن الذي جرتْ عليه القواعد: إذا كان التباين الملحوظ في رأي الفقيه هو ما بين تصنيف وتصنيف في الفقه، فالمعتدُّ به هو الآخر تأليفًا؛ لاحتمال رجوعه عن السابق، قال الكردي في "الفوائد المدنية": "والقاعدة أنه يؤخَذ من أقوال الإنسان بالمتأخر منها".

ثانيًا: "نهاية المحتاج شرح المنهاج" للإمام الجمال الرملي:
تعُود شهرة الإمام الرملي بين العلماء والفقهاء إلى أمرين:
1- شهرة والده الإمام الشهاب الرملي - رحمه الله - قاله بعض المتأخرين كالبيجوري.
2- كتبه التي صنفها وأخذها عنه أكثر الشافعية.

ولا شك أن أجلَّ كتبه هو كتاب "نهاية المحتاج"، الذي يعتبر معتمد الشافعية في مصر وبلاد الحرمين.

وقد اتفق متأخِّرو الشافعية على أن معتمد المذهب الشافعي الذي لا يجوز الخروج عليه: هو ما رجَّحه الإمامان ابن حجر في "التحفة"، والرملي في "النهاية".

ولقد أوضح الرملي منهجه في مقدمة كتابه، فقرر عكس ما قرره ابن حجر في "التحفة"، حيث بيَّن أن الراجح من الأقوال ما نص على رجحانه، وإلا فما عُلم تأخُّره.

ومما ينبغي أن يعلم: أن كتابَي "التحفة" و"النهاية" وإن كانا معتمد المذهب والراجح فيه، إلا أنه قد انتقد عليهما في بعض المسائل التي اعتبرتْ من قبيل الغلط، أو الضعيف الواضح الضعف، أو أنها نقلت من كتب أخرى وفهمت خلاف مـراد قائليها، وقد تصدَّى لبيان ذلك العلامةُ محمد بن سليمان الكردي - رحمه الله - في "الفوائد المدنية"، ونقلها عنه العلامة علوي بن أحمد السقاف في "الفوائد المكية".

ثالثًا: "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج" للإمام الخطيب الشربيني:
مغني المحتاج من أهم كتب الشافعية، وأشهرها، وأكثرها تناولاً عند طلاب الفقه، قال عنـه الدكتور عمر الأشقر في كتابـه "المدخـل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهيـة": "فمحمد الشربيني الخطيب وضع شرحًا ضافيًا على متن "المنهاج" للنووي.

وقد بيَّن الخطيب - رحمه الله - منهجَه في مقدمة كتابه بقوله: "وإن كان فيها قولان جديدان، فالعمل بآخرهما، فإن لم يعلم فبما رجَّحه الشافعي، فإن قالهما في وقت واحد ثم عمل بأحدهما كان إبطالاً للآخر عند المزني، وقال غيره: لا يكون إبطالاً؛ بل ترجيحًا، وهذا أولى".

والذي يُكثِر النظر في شروحات "المنهاج" الثلاثة المتقدمة، يجد أن مصنفيها قد استفاد واستمد بعضهم من بعـض، قال الكردي في "الفوائد المدنية": "لما سئل العلامة السيد عمر البصري عـن "المغني" للخطيب، و"التحفة" لابن حجر، و"النهاية" للجمال الرملي - يعني في موافق عبارتها -: هـل ذلك من وقع الحافر على الحافر، أو من استمداد بعضهم من بعض؟ أجاب السيد عمر - رحمه الله - بقولـه: شرح الخطيب الشربيني مجموع من خلاصة شروح "المنهاج"، مع توشيحه بفوائد من تصانيف شيخ الإسلام زكريا، وهو متقدم على "التحفة"، وصاحبه في رتبة مشايخ شيخ الإسلام ابن حجر؛ لأنـه أقدم منه طبقة، ثم قال السيد عمر: وأما شيخنا الجمال الرملي، فالذي ظهر لهذا الفقير من سبره أنه في الربع الأول يماشي الخطيب الشربيني ويوشح من "التحفة"، ومن فوائد والده وغير ذلك، وفي الثلاثة الأرباع يماشي "التحفة" ويوشح من غيرها. انتهى ما أردت نقله من فتاوى السيد عمر البصري.

وأقول: إن ابن حجر يستمد كثيرًا من "التحفة" من حاشية شيخه عبدالحق على شرح المنهاج، والخطيب في "المغني" يستمد كثيرًا من كلام شيخـه الشهاب الرملي، ومن شرح ابن شُهبة الكبير على المنهاج... فهؤلاء الأئمة يستمد بعضهم من بعض".

وأما بالنسبة للحواشي التي وُضعـت على شروحات المنهاج، كحاشية ابن قاسم على تحفة المحتاج، وحاشية عميرة على شرح المحلي، وحاشية الشبراملسي على نهاية المحتـاج، وحاشيـة قليوبي على شرح المحلي - فهي حواشٍ معتبَرة في المذهـب؛ ولكن بشرطين:
1- عدم مخالفة ما في "التحفة" و"النهاية".
2- عدم معارضتها لأصول المذهب.

قال السيد البكري في حاشيته على "فتح المعين" للمليباري: "وحواشي المتأخرين غالبًا موافقة للرملي، فالفتوى بها معتبرة، فإن خالفت "التحفة" و"النهاية" فلا يعول عليها... وأعمد أهل الحواشي: الزيادي، ثم ابن قاسم، ثم عميرة، ثم بقيتهم، لكن لا يؤخذ بما خالفوا فيه أصول المذهب".

رابعًا: "النجم الوهاج في شرح المنهاج" للإمام الدميري:
هذا الكتاب كان حبيس دور المخطوطات، فخرج أخيرًا في طبعة ضافية أشرفتْ عليها دار المنهاج في جدة، مع تحقيق ودراسة لهذا الكتاب، فخرج ليكون مرجعًا فقهيًّا لطلاب الشافعية وغيرهم، وهو بحق سفر جليل جمع فيه شارحُه بين المعقول والمنقـول، وأحاط بمسائل من سبقه، وأضاف فوائـد، ومهمات فقهية، ومباحث علمية جليلة تفي بالمقصود، وتسدُّ الحاجة، وقد وصفه شيخنا العلامة عبدالرحمن بكير - عضو هيئة الإفتاء بالجمهورية اليمنية - بقوله: "النجم الوهاج كتاب يغني عن غيره، ولا يغني غيرُه عنه".

وقد بيَّن الإمام الدميري - رحمه الله - منهجه في مقدمة كتابه فقال: "وإن كان في الجديد قولان، فالعمل بآخرهما، فإن لم يُعلَم فبما رجَّحه أصحاب الشافعي، فإن قالهما في وقت ثم عمل بأحدهما، كان إبطالاً للآخر عند المزني، وقال غيره: لا يكون إبطالاً؛ بل ترجيحًا، واتفق ذلـك للشافعي في نحو ستَّ عشرةَ مسألة، وإن لم يعلم هل قالهما معًا أو مرتبًا، لزم البحث عن أرجحهما بشرط الأهلية".

خامسًا: "عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج" للإمام ابن الملقن:
وهو من الكتب التي ظهرت في الآونة الأخيرة، وقد تمَّ طبعُه وتحقيقه في دار الكتاب بالأردن، وقد ظهر من خلال التتبع أن المصنفين وشراح المنهاج الذين جاؤوا بعد ابن الملقن أخذوا من العجالة، كما فعل الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج"؛ بل غالبًا ما كان ينقل عبارة ابن الملقن كاملة؛ لذلك فالكتاب يعتبر مرجعًا جديدًا للفقه الشافعي.

أما منهجه في الكتاب، فقد ذكره في مقدمته بعد أن شرح المنهاج بصورة موسعة في كتابه "عمدة المحتاج إلى كتاب المنهاج"، فقال - رحمه الله -: "أردت أن أنتخب منه – أي: من العمدة - مع زيادة قد تنسخ جزءًا لطيفًا كالتوضيح؛ لتسهـل مراجعته لقارئـه، ويقرُب تناولُه لمدرسه ومقرئه، ويكون بداية للفقيـه، وترقيـًا للتوغل فيه، ولا أخرج غالبًا عن مسائل الكتاب، ولا أنبه على ما وقع فيه إلا إذا خالف الصواب".

سادسًا: "السراج الوهاج على متن المنهاج" للشيخ محمد الزهري الغمراوي:
وهو شرح مختصر، اكتفى فيه الشيخ بالتعليق على المتن، وضمنه بيان الألفاظ، وإظهار معانيها، ووجوه الكلام، وذكر التقييدات والضوابط عند الشافعية، دون أن يتجاوز مسائل الكتاب أو يفرع عليها؛ لذلك جاء شرحًا مختصرًا.

سابعًا: "منهاج الطالبين" تحقيق وتعليق: د.أحمد بن عبدالعزيز الحداد:
وهو آخر ما ظهر من تعليقات على المنهاج، وقد قدم له محققه - حفظه الله - مقدمة ذكر فيها النسخ التي اعتمد عليها في التحقيق، ثم اختصر رسالتي العلامة ابن سميط والعلامة شميلة الأهدل في بيان اصطلاح المنهاج وجعلها في المقدمة، واقتصر في تحقيقه لمسائل المنهاج على بيان الدليل والتعليل دون أن يكون هناك تفريع عليها.

الملاحظ على شروحات المنهاج وحواشيها أنها أغفلتْ ذِكرَ المسائل التي في كتب النووي الأخرى، واقتصرت على ذكـر بعض المسائل في كتبـه ممـا خالف قوله في "المنهاج"، ودون استقصاء لها في جميع الكتب.


منقوووول
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
التعديل الأخير:
أعلى