العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد أهمية مقاصد الشريعة وأثرها على الاختلاف نظرات في اطروحة ابن عاشور التجديدية

إنضم
8 أبريل 2012
المشاركات
60
الكنية
كلية الامام الاعظم الجامعة
التخصص
أصول فقه
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
مالكي
أهمية مقاصد الشريعة وأثرها على الاختلاف
نظرات في اطروحة ابن عاشور التجديدية

الباحث
إيهاب محمد جاسم اللمعي





بسم الله الرحمن الرحيم
m
إن الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية ، ليست أزمة نقص في قواعدها ، أو عدم قدرة علمائها على تفعيل الأدوات المعرفية ، بل الأمر يتعدى ذلك بكثير ، فالأدوات المعرفية التي تعين على مواكبة كل المستجدات قد نضجت بنمو الواقع وتفاعلت معه .

وأما قدرة العلماء على تفعيل أدوات الدرس الأصولي فواضحة من خلال مؤلفاتهم واستنباطاتهم ، وكذلك من خلال محاولة إيجاد حلول للوقائع المستجدة من خلال توظيف الأدوات المعرفية في الدرس الأصولي .
والسبب الرئيس الذي تعاني منه الأمة قديما وحديثاً هي أزمة المنهجية ؛ التي يتعامل بها في استنباط الأحكام وتنزيلها على الواقع ، فلا تزال امتنا تعاني من هذه المناهج المتطرفة التي تعتمد النص دون محاولة السبر في مقصوده والغوص في أعماقه لتحديد العلل الواضحة المنضبطة .
فالاختلاف الذي لا يزال موجوداً بين المذاهب الاسلامية ، هو ليس راجعاً لطبيعة الرجال ، وإنما لطبيعة التكوين العقلي الذي يعود أثره أخيراً على النظر في أدوات الاستنباط التي يحاولون أن يضيقوا دائرة معقول النص بحسن نية على الأغلب .
فيخطأ من ينطلق في دراسته في تقصي الفروع ويناقشها ؛ لأن الخلاف الواقع بين المدارس الفكرية الإسلامية ليست متعلقة في أغلب الأحيان في التنزيل ، وإنما في الغالب هي في المراحل التي تسبق تحقيق المناط ، وذلك في مفهوم التعليل أصلاً ، وما يلازماً تبعاً .
فلكي نستطيع تجاوز أزمة الخلاف الواقعة بين صفوف المدارس الإسلامية فعلينا مراجعة أدوات الدرس الأصولي ومحاولة ربطها بمقاصد الشريعة الإسلامية ، والتي تعد من أهم الوسائل لرفع الخلاف وتقليله .
وقد اقتضى تقسيم البحث إلى مبحثين :
المبحث الأول : التعريف بمفهوم المقاصد والاختلاف وأسبابه
المطلب الأول : تعريف مقاصد الشريعة
المطلب الثاني : تعريف الخلاف
المطلب الثالث : بيان أسباب الاختلاف
المبحث الثاني : مجالات الدرس المقاصدي لرفع الخلاف
المطلب الأول : الجانب النظري لاستثمار الدرس المقاصدي لرفع الخلاف
المطلب الثاني : الجانب التطبيقي لاستثمار الدرس المقاصدي لرفع الخلاف
المبحث الأول : التعريف بمفهوم المقاصد والاختلاف وأسبابه
المطلب الأول : تعريف مقاصد الشريعة
قد تنوعت التعريفات لمفهوم مقاصد الشريعة عند المعاصرين ابتداء بالإمام ابن عاشور[1] ومن جاء بعده ، ولا يزال العلماء يعرفون المقاصد بتعريفات مختلفة ، وإن أفضل تعريف حسب ما أرى هو تعريف العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه (حفظه الله تعالى) وذلك لجمعه في التعريف بين دلالات الخطاب ودلالات المعاني حيث يقول : (مقاصد الشريعة هي : المعاني الجزئية أو الكلية المفهومة من خطاب الشارع ابتداء ، أصلية أو تابعة ، وكذلك المرامي والمرامز والحكم والغايات المستنبطة من الخطاب ، وما في معناه من سكوت بمختلف دلالاته مدركةً للعقول البشرية متضمنة لمصالح العباد معلومة بالتفصيل أو في الجملة )([2]).
فمقاصد الشريعة هدفها تقليل الخلاف ورفعه ، وذلك من خلال جملة من الأدوات المعرفية التي يتضمنها الدرس المقاصدي .
وقد أشار الإمام ابن عاشور إلى تلك الأدوات المعرفية التي قصدتها الشريعة لتخرج المكلف من دائرة الاختلاف إلى دائرة الاطمئنان النفسي .وذلك في قاعدة : نوط الشريعة بالضبط والتحديد ؛ وهذه القاعدة ترمي: (لأن تكون عوناً للعلماء تهديهم عند خفاء المعاني في الأوصاف أو وقوع التردد فيها...)([3]) .
وقد استقرأ الإمام ابن عاشور جملة من طرق الانضباط والتحديد في الشريعة المعينة على رفع الخلاف وتقليله حصرها بست وسائل :

  1. الانضباط بتمييز الماهيات والمعاني تمييزاً لا يقبل الاشتباه ، كطرق القرابة المبينة في أسباب الميراث .
  2. مجرد تحقق مسمى الاسم ، كنوط الحد في الخمر بشرب جرعة من الخمر .
  3. التقدير ، كنُصُب الزكوات في الحبوب والنقدين .
  4. التوقيت ، كمرور الحول في زكاة الأموال .
  5. الصفات المعيِّنة للماهيات المعقود عليها ، كالمهر والولي في ماهية النكاح ليتميز عن السفاح .
  6. الاحاطة والتحديد كمنع الاحتطاب من الحرم عدا الاذخر ([4]).
فمن خلال ما سبق يتبين لنا جلياً ، بأن الشريعة قصدت في تشريعها في الجملة الوضوح والانضابط والتحديد لتقلل دائرة الاختلاف في تحديد مقصودها ، وتركت مجالا لدائرة الاجتهاد لا يجوز لغيرهم اقتحامها ، وشرطت عليهم عدم الاختلاف المذموم ، بل لابد أن يبقى الاختلاف في دائرة الاختلاف المحمود ، وأن يستعينوا بمقاصد الشريعة لكي تساهم في رفع الخلاف وتقليله .

المطلب الثاني : تعريف الخلاف
الاختلاف في اللغة :والخلاف : المخالفة ؛ وقال الحياني : سررت بمقعدي خِلافَ أصحابي أي مخالفهم ، وخَلْفَ أصحابي أي بعدهم ، وقيل : معناه سُررت بمقامي بعدهم ([5]).
وتخالف الأمران ، واختلفا لم يتفقا ، وكل ما لم يتساو فقد تخالف واختلف ([6]).
وفي الاصطلاح : يقول الدكتور العلواني : الاختلاف والمخالفة : أن ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للآخر في حاله أو في قوله ، والخلاف أعم من الضد ؛ لأن كل ضدين مختلفين ، وليس كل مختلفين ضدين ، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة ([7]).
المطلب الثالث : بيان أسباب الاختلاف
قد تنوعت أسباب الاختلاف بين الفقهاء ، فمنها ما يرجع إلى الأدلة ، ومنها ما يرجع إلى طبيعة البشر ، ومنها ما يرجع إلى تعدد المذاهب وأصولها ، ومنها ما يرجع إلى التقليد والجمود ، ومع تعددها يمكننا أن نتلمس الأسباب الجامعة لهذا الاختلاف الواقع بين الفقهاء ، ونحاول بيان أوجه التخلص منها بالاستفادة من الدرس المقاصدي .
وقد حاول العلامة عبد الله بن بيه (حفظه الله تعالى) أن يحصر أوجه الاختلاف في طبيعة الأدلة ، فارجعها إلى أربعة أسباب رئيسة([8]) ، وهي :

  1. اختلاف في دلالات الألفاظ وضوحاً وغموضاً واعتباراً ورداً .
  2. اختلاف في أدلة معقول النص التي ترجع إلى مقاصد الشريعة قبولاً ورفضاً .
  3. اختلاف في وسائل ثبوت النصوص الشرعية ودرجات الثبوت .
  4. اختلاف في ترتيب الأدلة عند التعارض قوة وضعفاً.
وإن السبب الرئيس بالاختلاف في هذه الأدلة يرجع إلى مدى الاعتماد على الدرس المقاصدي وتوظيفه في رفع الخلاف وتقليله .
ولكن المدارس الفقهية قديماً وحديثاً فإنها تقف على مفترق طرق في التعامل مع الدرس المقاصدي ، فمنها ما تعتمده في مناهجها الأصولية ، ومنها ما لا تعتمد عليه إلا في حدود المنصوص عليه فقط ، وكذلك نجد المعاصرين كذلك فهم طرائق قددا .
لذلك لكي نستطيع توظيف الدرس المقاصدي وتفعيله في مجمل المدارس الفقهية ، فنحن أمام اتجاهين من المدارس التي نريد أن نسلط الضوء على مناهجها ، ونحاول أن نبين منهجية كل طرف ومدى تعامله من الدرس المقاصدي ايجاباً وسلباً :
الاتجاه الأول : التعامل مع المدارس التي لا تؤمن بالمقاصد ، وهم الظاهرية ؛ فيتوجب على المدارس الفقهية التي تتعامل مع المقاصد كأصل من أصول الشريعة أن تقرب الدرس المقاصدي من خلال إعادة قراءة الأدوات الأصولية وربطها بالمقاصد ، من خلال إنشاء ورش عمل تقريبية ومؤتمرات موسعة للوصول إلى مستوى تقريبي على الأقل لتجاوز الفجوة الموجود بين كلا المدرستين .
وعلى المؤسسات التعليمية في الكليات الشرعية التركيز على الجانب المنهجي لخريجي الشريعة ، والاطمئنان على سلامة المنهج لديهم قبل أن يدخلوا في الجانب العملي حين التصدر لخطبة المنابر أو التدريس في الكليات والمدارس وهلم جراً .
الاتجاه الثاني : التعامل مع مدرسة المقاصد التي تؤمن بالمقاصد وتعتبرها مصدراً للتعامل مع النصوص ، فهذه المدرسة تنقسم إلى قسمين :
الأولى : المدرسة الوسطية في التعامل مع المقاصد وهي التي تجعل من النص مرجعاً للمقصد ، ولا يمكن أن يتعارض المقصد مع أصله ، فهذه المدرسة بحاجة إلى الشد على أيديها وتأييدها وفسح المجال لها في نشر الفكر الوسطي المقاصدي .
الثانية : المدرسة التي غلبت الجانب المقاصدي على النص ، بحيث جعلوا المقاصد معياراً لقبول النص ، وكأن النص حالة استثنائية ، والمقصد هو الأصل ، وهذا الاتجاه في التعامل مع المقاصد لا يقل خطراً عن المدرسة الظاهرية ، إذ أن تضييق جانب النص هو كتوسيع جانب النص فوق ما ينبغي ، إذ الجانب الأول وان احتفظ بالنص فإنه أضعف ديمومة الشريعة ، وأما الجانب الثاني فإنه أضاع النص في فوضى المقاصد ، إذ أننا إذا اعتمدنا المقاصد بدون ضوابط في مقابل نص في فترة معينة ، فإن الجيل الآخر سيرى أن المقصد الذي اعتمده سلفهم لا يتناسب مع واقعهم فسيغيرونه وهكذا كل جيل سيرى مقصداً مخالفا لمن سبقه وبالمحصلة لن نجد هناك معياراً نحتكم إليه ، بل مقصد مقابل مقصد ، وليس الأول بأحق من الثاني .
ومع ذلك فالدرس المقاصدي هو قطعي من خلال إجراء القياس المصلحي ـ كما سيأتي ـ ومن خلال الاستقراء الكلي لعلل الشريعة في أبواب معينة يتم من خلالها استنباط مقاصد قطعية يرتفع بها الخلاف الواقع بين الفقهاء .
لذلك نرى الإمام ابن عاشور يصوب نقده لإطروحة القطع بعدة مسائل مهمة ، بنى عليها اطروحتة (بظنية أصول الفقه ) فيقول : ( وقد يظنُّ ظانُّ أن في مسائل علم أصول الفقه غُنْيَةً لِمُتَطلِّب هذا الغرض ، بيد أنه إذا تمكن من علم الأصول رأى رأْيَ اليقين أن معظم مسائله مُخْتَلَفٌّ فيها بين النظار ، مستمر بينهم الخلاف في الأصول تبعاً للاختلاف في الفروع . وإن شئت فقل : قد استمر بينهم الخلاف في الأصول لأن قواعد الأصول انتزعوها من صفات تلك الفروع ، إذ كان علم الأصول لم يُدون إلا بعد تدوين الفقه بزهاء قرنين )([9]) .
ويبين الإمام سبب الخلاف بين العلماء ، والذي تداركه الفلاسفه وغيرهم ، وكان علماء الشرع ـ حسب تعبيره ـ الأولى بذلك ، وهي ايحاد قواعد قطعيه أو قضايا متفق عليها عند الحجاج والخلاف فيقول : ( كانوا لا ينتهون في حجاجهم إلى أدلة ضرورية ، أو قريبة منها ، يذعن إليها المكابر ، ويهتدي بها المُشَبَّهُ عليه ...)([10]).
وإذا كان كلام الإمام عاما في وصف حال العلماء في خلافهم ، إذ لم تكن عندهم قواعد قطعية أو تقريبية ، فإنه بأسطر قليلة ، يشخص الداء ويبين مدى الفجوه بين قواعدهم الاستنباطية من حيث الاعتماد عليها ، وبين ما تؤول إليه فروعهم من تنافر في الأحكام
لذا نجده يصوب قلمه نحو علم أصول الفقه ، ويرد على من اعتمده كمادة يرجع إليها في استنباط الحكم في كل حين ، إذ بين أن مسائله أكثرها ظنية ، وهذا الأمر ينعكس على استنباطاتهم ، إلى أن يؤدي إلى عدم وجود وحدة رأي أو تقريب حال([11]).
وهذا التوصيف لعلم أصول الفقه من الإمام ، كان عن رؤية مستقرة في الذهن أثناء تدريسه ومطالعته ، فقد أدرك الإمام السبب في هذا الخلاف ، لعدم وجود أدلة تغليبية وتقريبية ، ووجدها في علم مقاصد الشريعة .
لذا فإنه لم يبين الداء ويعجز عن تشخيص الدواء ، بل أدركهما معاً ، وترك لكليهما مؤلفاً مستقلاً ، بين فيه اجتهاداته .
فالإمام نظر إلى أدلة علم الأصول من حيث توظيفها ، فوجدها ( تؤول إلى محامل ألفاظ الشريعة في انفرادها واجتماعها وافتراقها... فهم قصروا مباحثهم على الفاظ الشريعة ... وعلى المعاني التي أنبأت عليها الألفاظ ؛ وهي علل الحكام القياسية ...)([12]).
فالإمام وجد أن الخلل وقع في توظيف أدوات علم الأصول ، وحصرها بالبحث في مقتضيات الألفاظ فقط دون النظر إلى النسق العام الذي يربط اللفظ بمقصده التغليبي او التقريبي العام .
ويبين الإمام في موضع آخر أن السبب في تأليف علم الأصول هو لرفع الخلاف ، لكنه بسبب عدم التوظيف الصحيح ؛ ولعدم وجود منهجية محدده في التأليف اختلط علم الأصول بعلم الجدل ، فأصبح علم الأصول غير قادر بهذا الشكل على توفير قواعد قطعية أو تغليبية([13]).
ويمكن تلخيص أسباب عدم وجود أصول قطعية حسب رأي الإمام ابن عاشور بأمور :

  1. تبعية الأصول للمرجعية المذهبية ، فكانت لكل مذهب أصول متفقه في البناء المعرفي الكلي ؛ لكنها في المباحث الجزئية تصل لدرجة التقاطع .
  2. انعدام صلتها بخدمة مقاصد الشريعة .
  3. عدم تمييزها بين الدليل القطعي والظني في أدلة الأحكام
ومن تلك النظريات التجديدية التي فاضت بها قريحة الإمام في تطوير علم أصول الفقه قوله : ( فنحن إذا أردنا أن ندوِّن أصولاً قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة وأن نُعيد ذَوْبَها في بوتقة التدوين ونعيرها بمعيار النظر والنقد فننفيَ عنها الأجزاء التي غلثت بها ، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر ، ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه علم مقاصد الشريعة ، ونترك علم أصول الفقه على حاله ، تُسْتمَدُّ منه طرقُ تركيب الأدلة الفقهية ، ونعمد إلى ما هو من مسائل أصول الفقه منزو تحت سُرَادِق مقصدنا هذا من تدوين مقاصد الشريعة ، فنجعل منه مبادئ لهذا العلم الجليل : علم مقاصد الشريعة )([14]) .
أود أن أسجل بعض النقاط التي تهدف إليها هذه الكلمة :

  1. أن الإمام لم يفصل بين علمي مقاصد الشريعة وأصول الفقه ، بل بهما يستنبط الحكم الشرعي .
  2. إن الفصل الذي يدعو إليه الإمام ، إنما هو الفصل في الوظيفة ، لا الفصل في كل شيء ، فكلاهما يكمل الآخر .
  3. إن ما يدعوا إليه الإمام هو البحث عن علم قطعي ؛ لا عن علم مختلف في أدواته ، إذ إن الاختلاف يورث الضعف في الحكم .
  4. إن وجود قواعد قطعية تجعل الخلاف متعذر ، ويورث اطمئنان القلب إلى الحكم .
  5. هنالك قواعد لتفسير الألفاظ وغيرها يصاحبها الاحتمال وتداخل المحامل يجعل من حمل أمر دون آخر أمر يحتاج إما إلى تقريب أو تغليب .
ويشير الإمام ابن عاشور إلى وسيلة مهمة لتجاوز هذا الحال المرير الذي تعاني منه الأمة ، وواقعها العلمي بوجه خاص ، ومن أهم علومها ؛ علم أصول الفقه ، الذي يعتبرها قانونها العام ، وذلك بالدعوة إلى إنشاء (مجمع علمي) ويكون من جدول عمله إيجاد قواعد أصولية قطعية ، فيقول : ( من أجل هذا كانت الأمة الإسلامية بحاجة إلى علماء أهل نظرٍ سديد في فقه الشريعة ، وتمكُّنٍ من معرفة مقاصدها ، وخبرةٍ بواضع الحاجة في الأمة ، ومقدرةٍ على إمدادها بالمعالجة الشرعية لاستبقاء عظمتها ، واسترفاء([15]) خروقها ، ووضع الهناء بمواضع النقب من أديمها ... والأحوال التي ظهرت حاجة المسلمين فيها إلى العمل بعملٍ واحدٍ لا يناسبه ما هم عليه من اختلاف المذاهب . فهم بحاجة في الأقل إلى علماء يُرجِّحون لهم العمل بقول بعض المذاهب المقتدى بها الآن بين المسلمين ، ليصدر المسلمون عن عمل واحد . وفي كل هذه الأحوال قد اشتدت الحاجة إلى إعمال النظر الشرعي والاستنباط والبحث عمَّا هو مقصد أصلي للشارع وما هو تبع ، وما يقبل التغيُّرَ من أقوال المجتهدين وما لا يقبله ... وإن أقلَّ ما يجب على العلماء في هذا العصر أن يبتدئوا به من هذا الغرض العلمي أن يسعوا إلى جمع (مجمع علمي) يحضره أكبر العلوم بالعلوم الشرعية في كلِّ قطرٍ إسلاميٍّ على اختلاف مذاهب المسلمين في الأقطار ، ويبسطوا بينهم حاجات الأمة ، ويصدروا فيها وفاق فيما يتعين عمل الأمة عليه ، ويُعْلِمُوا أقطارَ الإسلام بمقرَّراتهم ، فلا أحسب أحداً ينصرف عن اتباعهم ؛ ويعينوا يومئذٍ أسماء العلماء الذين يجدونهم قد بلغوا مرتبة الاجتهاد أو قاربوا)([16]).
فالإمام قد أشار ظمناً إلى وضع هذا المشروع على جدول أعمال (المجمع العلمي) الذي يكون دوره تقليل الخلاف ، والاعتماد على رأي واحد ... ولكي نتجاوز هذه المسألة ، فلا بد أن نعتمد إلى إيجاد قواعد قطعية أصولية ، فنعمد إلى أصول كل مذهب ونقارنها بأصول المذاهب الأخرى ونرى الأقوى من الأدلة ، ونحاول بعد ذلك بإبراز فقه جديد يعتمد على القواعد القطعية ، فعندها نخلص من كل خلاف واختلاف([17]) .
وأخيرًاً يمكن لنا أن نسجل هذه الكلمة : خلاصة لرأي الامام ابن عاشور ، فإن الخلاف الواقع بين العلماء لا بد له من منهجية قطعية يرجع إليها عند الاختلاف والتنازع ، وقد أشار إلى أهم وسيلة يمكن أن يستعان بها لرفع الخلاف وهي أدوات الدرس المقاصدي لتفوقها على أدوات الدرس الأصولي من حيث الظن ومن حيث الغاية ؛ فأما الظن فإن أدوات الدرس الأصولي ظنية في غالبها ، بينما أدوات الدرس المقاصدي قطعية أو قريبة من القطع ، ومن حيث الغاية فأن التوظيف الخاطئ لأدوات أصول الفقه جعلتها أدوات للخلاف وليس لرفعه ، وأما أدوات المقاصد فهي أدوات لم تتأثر بمجال الاختلاف وذلك لعدم السماح بعلم الجدل أن يكون عنصراً رئيساً في مادة الدرس المقاصدي .
المبحث الثاني : مجالات الدرس المقاصدي لرفع الخلاف
المطلب الأول : الجانب النظري لاستثمار الدرس المقاصدي لرفع الخلاف
إن مقاصد الشريعة تعد من اهم الروافد المهمة في رفع الخلاف ، فعلى دارس الشريعة الاسلامية التزود من معينها ، لكي يتأهل للنظر في الأدلة ويستنبط المقاصد التي تساهم في رفع الخلاف ؛ لذلك سأحاول بيان كيفية تجاوز أسباب الاختلاف التي ذكرها العلامة ابن بيه من خلال مقاصد الشريعة .
وقبل بيان مجالات الاستنجاد بالمقاصد فلابد من بيان أهمية الدرس المقاصدي لدارس الشريعة ، ليتبين المجال المنطوط بهم ، ومدى استفادتهم منه .
يقول العلامة الدهلوي : (وأولى العلوم الشرعية عن آخرها وأعلاها منزلة وأعظمها مقداراً ، هو علم أسرار الدين ، الباحث عن حجج الأحكام ولمياتها وأسرار خواص الأعمال ونكاتها؛ إذ به يصير الإنسان على بصيرة فيما جاء به الشرع )([18]).
ويقول العلامة القرضاوي : ( إن معرفة المقاصد والعلل للأحكام الشرعية ضرورة لا بد منها لمن يريد أن يدرس الشريعة ، ويتعرف على حقيقة مواقفها وأسرارها ، ولا بد له من إطالة الدراسة والتأمل في ذلك قبل أن يثبت أو ينفي : أن للشريعة مقصداً أو حكمة في هذا الحكم أو ذاك ، وإلا وقع في الخطأ المؤكد ، ونفى حيث يجب الإثبات ، أو أثبت حيث يجب النفي )([19])
يقول الدكتور أحمد الريسوني : ( فأما حاجة الفقيه والمتفقه إلى معرفة مقاصد الشريعة ، فحسبنا في ذلك أن الفقه حتى في أصله اللغوي لا يتحقق إلا بمعرفة حقائق الأشياء ، والنفوذ إلى دقائقها وأسرارها ، فليس الفقه حقاً سوى العلم بمقاصد التشريع وأسراره... وحين تجرد الفقه من مراعاة المقاصد ، ومن بيانها وتوجيه المكلفين إليها فهماً وطلباً ، حينذاك بدأ يتحول إلى مجرد قوانين تتسم بالظاهرية والجفاف والبرودة ، وبدأ يصاب بالشلل العلمي والعملي )([20]).
ويبن العلامة الدريني (رحمه الله) قصور المدرسة الظاهرية عن مواكبة الوقائع من خلال أدوات المنهج الظاهري فيقول : (معلوم أن الظاهرية الذين ذهبوا إلى الوقوف عند ظواهر النصوص ، اصطنعوا منهجاً خاصاً بهم في تفسير الشريعة ، لا يتفق وطبيعة التشريع نفسه ، ذلك أن التشريع ليس معنى حرفياً يؤخذ عن طريق قواعد النحو والصرف والمفاهيم اللغوية فقط ... بل التشريع دلالات وقواعد قامت على علل وأسباب ومصالح أو مقاصد اقتضت تشريعها . فالتمسك بحرفية النص إذن منهج لا يتفق ومعقولية الشريعة من حيث أنها أحكام ليست مجردة عن أسبابها وعللها وما تستهدفه من تحقيق مصالح حيوية في جميع مجالات الحياة ، بل لا تجد حكماً واحداً في الشريعة ، مما يتعلق بالتعامل ، مسلوب الحكمة التشريعية ، أو العلة التي شُرع من أجلها)([21])
ويمكن لنا الاستنجاد بالمقاصد لتجاوز الاختلاف ، وذلك من خلال جملة من النواحي التي يحتاجها الفقيه لكي يستطيع أن يحدد المقصد الشرعي
أولها : فهم النص الشرعي ، والاستفادة من مدلولات الأقوال ، وذلك بالرجوع إلى الاستعمال العربي ([22]).
لذلك يقول العلامة القرضاوي : (البحث عن مقصد النص قبل إصدار الحكم : أول مرتكزات المدرسة الوسطية : أنها تجتهد في البحث عن مقصد النص الشرعي وهدفه ، قبل أن تسارع بإصدار الحكم من مجرد لفظه . وذلك لا يكون إلا بطول البحث والتدبر للنصوص الواردة )([23])
إن احتياج الفقهاء إلى تحديد المقصد من دلالات الألفاظ ليعد مرحلة أولية في سُلم الاجتهاد ، لأنه يلزمه بعد ذلك التعليل وتحقيق المناط ، فأي خطأ في أي مرحلة يترتب الخطأ على المراحل التي تليها ، لذلك وضع العلماء جملة من الأدوات المعرفية في الدرس المقاصدي المعينة على استنباط المقصد من دلالات الألفاظ .
ثانياً : البحُث عمَّا يعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد ، والتي استكمل إعْمَالَ نظره في استفادة مدلولاتها ليستيقن أن تلك الأدلة سالمةٌّ مِمَّا يُبْطِل دلالتَها ويقضي عليها بالإلغاء والتنقيح . فإذا استيقن أن الدليل سالِمٌّ عن المعارض أعمله ، وإذا ألفى له معارضاً نظر في كيفية العمل بالدليلين معاً ، أو رُجْحَان أحدِهما على الآخر([24]) .
ويبين العلامة عبد الله بن بيه وجه الاستنجاد بالمقاصد في هذا المنحى بقوله : (الترجيحُ بين عمومين على ضوء المقصد ، الذي قد يتمثل في وجود علة في أحد النصين ، وفقدها في الآخر ، كتقديم الجمهور خبر : " من بدل دينه فاقتلوه"([25]) الذي يقتضي قتل المرتدة في الصحيحين من النهي عن قتل النساء ؛ لأن الخبر الأول تضمن العلة فحملوا النهي في الثاني على الحربية ...)([26]).
ثالثاً : قياسُ مالم يرِدْ حكمُه في أقوال الشارع على حكم ماورد حكمُه فيه ، بعد أن تُعْرَفَ عِللُ التشريعات الثابتة بطريق من طرق مسالك العلة المُبَيَّنَة في أصول الفقه .
إن هذا المسلك ليعد المرحلة الثانية من مراحل الاجتهاد وهي دائرة التعليل ، وهو العمل خارج النص ، من خلال تحديد معقول النص ، وقد يختلف العلماء في تحديد العلة وفي تنزيلها .
فإن هذا المسلك قد اتخذ العلماء في تفعيله اتجاهات متعددة ، منها اتجاه منضبط بقواعد الاستنباط ، ومنها ما حثمل فوق طاقته فضخم العمل به ، فلكي نتمكن من رفع الخلاف في هذا المنحى فلابد من محاولة جادة وجريئة في إعادة تفعيل جانب القياس المصلحي التركيبي متجاوزاً بذلك فوضى القياس الجزئي ، وظنيته .ولكي أستطيع توضيح ذلك فأقول :

  • فالقياس الجزئي تضخم العمل به حتى نادت بعض المذاهب إلى قياس الفرع على الفرع ؛ وكأنه انعدمت الأدوات المعرفية في الدرس الأصولي ولم يبقى إلا هذه الأداة .لذلك يقول الدكتور أحمد الريسوني : (وحتى القياس أصبح شيئاً فشيئاً يتسم بالسطحية والصورية ، وأصبح كثير من الأصوليين والفقهاء ينظرون إلى علل الأحكام على أنها تلك الأمارات الخارجية (الظاهرة المنضبطة) فحلت القرائن والمظاهر محل العلل الحقيقية للأحكام ، وأصبحت هذه القرائن عندهم مناط الحكم وأساس التفريع والقياس ، فبدل أن يجتهد المجتهد وفق ما فهمه من حكم ومقاصد ، ووفق ما يحقق المصلحة الشرعية ويدرأ المفسدة ، صار يتعين عليه ـ وفق آلية القياس الصوري ـ أن يجتهد وفق ما في القضية من تطابق صوري ، ومن شبه شكلي أو اشتراك لفظي ؛ لأن هذه الأمور واضحة منضبطة ، أما الحكم والمقاصد والمصالح والمفاسد فأمور غير منضبطة ، فصار القياس مقدما على المصالح المعتبرة اعتباراً عاماً ، وصار يقدم على الكليات ، ثم وصل بعض الفقهاء والأصوليين إلى حد ابتكار فكرة (القياس على القياس) ، وكأن الأدلة الشرعية قد انتهت والمسالك الاجتهادية قد نضبت وعجزت ، فلم يبق إلا القياس ، ثم القياس على القياس ، ثم القياس مرة ثالثة أو أكثر ...! )([27])
  • أما ظنية القياس الجزئي فيمكن إدراك ذلك من خلال الآتي : فإن عملية القياس لكي تتم ، فلا بد لها من مرحلتين أساسيتين اتفق العلماء جميعاً عليهما ، وإن لم نجد لهم فيها تصريحاً واضحاً لهذا التقسيم . المرحلة الأولى : عملية تحديد العلة ، وهي عملية النظر الاجتهادي لتحديد الوصف بكونه علة من بين الأوصاف الكثيرة التي تلوح للمجتهد ، فعلية تحديد الوصف المناسب للحكم . المرحلة الثانية : عملية تحقق العلة في الفرع ، ومعرفتها ، ومرتبتها بالنسبة لعلة الأصل ، لأننا نجد أن العلة تتفاوت مرتبتها ، فهناك القياس المسمى بالأولى ، وهناك المساوي ، وهلم جراً . فمثلاً : قياس الأولى واختلاف العلماء فيه بين إلحاقه بمباحث القياس أو إلحاقه بمفهوم الموافقة ، على مذاهب وطرق ، وساق كل مذهب آرائه ، وسبب الخلاف عدم وجود أدلة قطعية تحسم الخلاف فعلى هذا تختلف وجهات النظر الاجتهادي في كلا المرحلتين ، وأهم أسباب الاختلاف ظنية الدليل ، أو الأدوات المعتمدة في عملية الاجتهاد. والسبب الرئيس في الاختلاف في عملية الإلحاق القياسي الجزئي ، هي المرجعية المذهبية ، واختلاف الأصول لكل مذهب ، فلكل مذهب طرق في استخدام مسالك التعليل فينتج عنه اختلاف في التعليل والتحقيق .
ويوضح العلامة الدريني (رحمه الله تعالى ) عملية القياس الجزئي وبيان الاختلاف في تحقيق المناط بقوله : ( قد يرى المجتهد نتيجة البحث العلمي والاجتهاد أن الفرع المقيس ، قد تحققت فيه " علة الأصل" المتفق عليها ، فيجري القياس بين الأصل والفرع ، ويعدى حكم الأصل إليه ؛ لأن " وحدة العلة " توجب " وحدة الحكم " عقلاً وشرعاً ، بينما يلحظ مجتهد آخر معنى دقيقاً في الفرع ينهض فارقاً بينه وبين الأصل المقيس عليه ،فيحول دون تحقيق مناط حكم الأصل فيه ، ومن ثم لا يجري القياس ، بل يثبت له حكماً آخر بدليل آخر)([28])
ويبين العلامة ابن بيه جانب من الاستنجاد بالمقاصد في هذا المنحى بقوله : (الاستنجاد بالمقاصد لإلحاق فرع لا نص فيه بأصل منصوص لوصف جامع ، وهذا ما يسمى بقياس العلة...وبالجملة فإن العلة إ؟ذا كانت من نوع المناسب فهي تفيد المقصدية)([29])
رابعاً : إعطاءُ حكمٍ لفعلٍ أو حادثٍ حدث للناس لا يُعرَفُ حكْمُه فيما لا ح للمجتهدين من أدلة الشريعة ، ولا له نظيرُّ يُقَاسُ عليه ([30]) .
أما القياس المصلحي فهو قياس إلى أصل كلي قطعي ضروري أو حاجي أو تحسيني .لذلك يقول الإمام ابن عاشور :(لا ينبغي الاختلاف بين العلماء بتصاريف الشريعة المحيطين بادلتها في وجوب اعتبار مصالح هذه الأمة ومفاسد أحوالها عندما تنزل بها النوازل وتحدث لها النوائب ، وانه ليس للعالم أن يترقب حتى يجد المصالح المثبتة أحكامها بالتعيين أو الملحقة بأحكام نظائرها بالقياس،بل يجب عليه تحصيل المصالح غير المثبتة أحكامها بالتعيين ولا الملحقة بأحكام نظائرها بالقياس،وكيف يخالف عالم في وجوب اعتبار جنسها على الجملة وبدون دخول في التفاصيل ابتداءً ، ثقة بان الشارع قد اعتبر أجناس نظائرها التي ربما كانت صلاح بعضها اضعف من صلاح بعض هذه الحوادث )([31]).
ثم انطلق الإمام ليعقد مقارنة بين ربط الفرع الغير منصوص عليه بالأصل المنصوص عليه المعين ، وبين ربط الفرع الغير منصوص بنصوص المصالح الكلية الغير معينة ، وما تحمله العملية القياسية الأولى من مطارق الظن وما تحمله العملية القياسية الثانية من القطع أو الظن القريب من القطع لارتباطها بالقطعيات من كليات الشريعة الحاصلة بالاستقراء فيقول : ( ثم لا احسب أن عالماً يتردد بعد التأمل في أن قياس هذه الأجناس المحدثة على أجناس نظائرها الثابتة في زمن الشارع, أو زمان المعتبرين من قدوة الأمة المجمعين على نظائرها ، أولى وأجدر باعتبار من قياس جزئيات المصالح عامها وخاصها بعضها على بعض ؛ لان جزئيات المصالح قد يتطرق الاحتمال :

  1. إلى أدلة أصول أقيستها([32]).
  2. والى تعيين الأوصاف التي جعلت مشابهتها فيها بسبب الإلحاق والقياس وهي الأوصاف المسماة بالعلل([33]) .
  3. والى صحة المشابهة فيها([34]).فهذه مطارق احتمالاتٍ ثلاثة ، بخلاف أجناس المصالح فان أدلة اعتبارها حاصلة من استقراء الشريعة قطعاً أو ظناً قريباً من القطع ، وان أوصاف الحكمة قائمة بذواتها غير محتاجة إلى تشبيه فرع بأصل ، وإنها واضحة لنظائر فيها وضوحاً متفاوتاً ، لكنه غير محتاج إلى استنباط ولا إلى سلوك مسالكه )([35]).
خامساً : تلقِّي بعض أحكام الشَّريعة الثابتة عنده تلقِّي مَنْ لم يعرف عَلَلَ احكامها ولا حكمةَ الشريعة في تشريعها ، فهو يتهم نفسه بالقصور عن إدراك حكمة الشارع منها ، ويستضعف علمه في جَنْبِ سَعَةِ الشريعة ، فيسمِّي هذا النوعَ بالتعبدي ([36]) .
وقد تبين مما سبق أهمية توظيف الدرس المقاصدي في رفع الخلاف وتقليله ، وذلك من خلال استنباط جملة من المقاصد القطعية ، والاحتكام إليها عند التنازع ، وذلك يتم في أكثر من منحى من مناحي التشريع .

المطلب الثاني : الجانب التطبيقي لاستثمار الدرس المقاصدي لرفع الخلاف
تزخز مدونة الامام بن عاشور بتحقيقات مقاصدية ، ساهمت في ازالة الخلاف وذلك من خلال الاستنجاد بالدرس المقاصدي ، ومن تلك المسائل التي وقع فيها التباس في تحديد مدلولها ، وتنزيل حكمها مسألة اسميتها (أثر الاختلاف في تعليل مقصد التغيير في خلق الله)
إن الناظر في مدونة الإمام محمد الطاهر بن عاشور ؛ فإنه يتلمس جوانب التجديد المتنوعة ، ونجد المراجعات الكثيرة لكبرى المسائل المعضلة ، وتارة نجده يرفع إشكال لكثير من النصوص التي لم تفهم على حقيقتها والمرجح في ذلك أدوات الدرس المقاصدي .
ولم تسلم مراجعاته لكثير من النصوص من الطعن والرد ، وذلك لكون الناظر في تراث الإمام لا يمكنه أن يصل لحكم واضح دون النظر في كافة كتبه ، فالإمام ابن عاشور لم يكن يستعرض في كثير من بحوثه الأدلة التي اعتمد عليها ، وإنما يترك الأمر للناظر فيها ، وكأنه لا يكتب إلا للعلماء المتخصصين ، وهذا هو السبب حسب رأيي لعدم فهم الكثير من الناظرين في مدوناته لعدم امتلاكهم الأدوات المعينة لهم على الفهم .
ولكي نساهم في رفع الالتباس الحاصل في بعض الفروع الفقهية التي أُسيء فهم اجتهاد الإمام ابن عاشور ، لذا سأحاول النظر في جوانب الموضوع المتعددة ، وذلك من خلال أدوات الدرس الأصولي والمقاصدي .
ومن تلك الفروع التي رفع الإمام الإشكال في بيان مقصود النص فيها حديث : " لعن رسول الله (r) النامصة والمتنمصة ... ؛ فهذا النص من الفروع التي وقع فيها سوء فهم ، وقد تلقاها المتأخرون بالتسليم لها ولم يجتهدوا باستنباط مناطها ، وقد غلب عليهم التقليد والعكوف على كلام السابقين .
فإن هذا النص قد تظمن جملة من القواعد الأصولية التي لا يمكن فهم النص إلا ببيان تعلقها بالنص ، كقاعدة الاجتهاد في فهم النص ، وقاعدة العرف ، وقاعدة بيان المجمل ، وقاعدة التعليل .
وقبل بيان رأي الإمام ابن عاشور فسوف أذكر بعض آراء العلماء لكي نستطيع تقريب رأي الإمام ، ولكي نستطيع أن ندرك مدى الاعتماد على الدرس المقاصدي في فهم النص .
فعن قبيصة بن جابر الأسدي ، قال : انطلقت مع عجوز إلى ابن مسعود ، فذكر قصة ، فقال عبد الله : سمعت رسول الله (r) : يلعن المتنمصات والمتفلجات والموشمات اللاتي يغيرن خلق الله عز وجل)([37]) .
وقد تعددت تأويلات العلماء لهذا الحديث :
فنجد عند الإمام ابن قدامة تفريق بين النمص والحلق بقوله : (فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه ، والمتنمصة : المنتوف شعرها بأمرها ؛ فلا يجوز للخبر ، وإن حلق الشعر فلا بأس ؛ لأن الخبر إنما ورد في النتف)([38]) .
إن تفسير ابن قدامة هو تفسير حرفي وظاهري ، وليس فيه سبر لمعقول النص ، لأن النتيجة واحدة سواء في النمص أو الحلق ، وهي إزالة الشعر ، فلا يصح من عالم كابن قدامة أن يجمد على النص ولا يعمل الفكر لاستنباط علة التفريق ، وإنما يكون تفسيره ورود الخبر بذلك .
وجاء في حاشية ابن عابدين تفسيراً معقولاً ، بقوله : ( ولعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب وإلا فلو كان في وجهها شعر فينفر زوجها عنها بسببه ففي تحريم إزالته بُعد ؛ لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين ...)([39]) .
ويقول صاحب الحاوي في تفسير لفظ الواصلة ( فأما الواصلة والمستوصلة ، ففيه تأويلان : الأول : أنها التي تصل بين الرجال والنساء بالفاحشة ، والثاني : أنها تصل شعرها بشعر نجس )([40]).وهذا التفسير الأخير يتفق مع رأي الإمام ابن عاشور .
وقد ذكر الإمام ابن عاشور هذا الحديث في سياق الحديث عن عموم الشريعة وأن نصوصها خالدة ، لكن بعض نصوصها تحتاج إلى تحقيق مناط خاص بها لاختلاف أسبابها فيقول : (ومن معنى حمل القبية على عوائدها في التشريع إذا روعي في تلك العوائد شيءٌ يقتضي الإيجاب أو التحريم ، يتضح لنا دفعُ حيرةٍ وإشكال ٍ عظيم ٍ يعرضان للعلماء في فهم كثير من نهي الشريعة عن أشياء لا تجد فيها وجه المفسدة بحال ، مثل تحريم وصل الشعر للمرأة وتفليج الأسنان والوشم ... فإن الفهم يكادُ يضل في هذا ، إذ يرى ذلك صنفاً من أصناف التزيُّن الأذون في جنسه للمرأة كالتحمير والخلوق والسواك فيتعجب من النهي الغليظ عنه .ووجهُهُ عندي الذي لم أر من أفصح عنه ، أنَّ تلك الأحوال كانت عند العرب أماراتٍ على ضعف حصانة المرأة ، فالنهيُ عنها نهيٌ عن الباعث عليها أو عن التعرض لهتك الأعراض بسببها)([41]) .
إن النص السابق يحمل في طياته جملة من المسائل المعقدة ، التي لا يمكن أن نبينها إلا بمحاولة تفكيك العبارة ومن ثم تركيبها ليتم بيان المقصود من النص .
لو نظرنا إلى النص جيداً فإننا سنرى ان الإمام ابن عاشور أناط الحكم في بيان النص إلى العرف اولاً ، لأن معرفة السياق العرفي للنص يمكن لنا بيان الغرض والعلة التي من اجلها شرع الحكم .
وقبل بيان السياق العرفي للنص لا بد من بيان كيفية فهم السياق العرفي من النص ، لذلك فقد حدد الإمام ابن عاشور " رحمه الله تعالى" مراحل استنباط العلل من النصوص ، وهذه المراحل لا يستطيع المسلم العادي أن يصلها ، وإنما هي موجه للمجتهدين ، وذلك لكون لديهم ملكة علمية عالية ؛ ولكونهم يمتلكون أدوات للنظر الاجتهادي .
وقد حصرها الإمام بخمسة نواحي ؛ الأول : فهمُ أقوالها ، واستفادة مدلولات تلك الأقوال ، بحسب الاستعمال اللغوي وقد سبق ذكرها .
ويقول الإمام عن ضرورة معرفة تاريخ العرب لبيان النص بقوله : ( ... وكان لمعرفة أحوال العرب وسيرة النبي (r) أثر عظيم في فهم حقائق الشريعة ...)([42]).
فمن خلال قاعدة فهم النص حسب الاستعمال العربي يتبين لنا : أن النص التشريعي لكي يفهم مقصوده ، لابد من الرجوع إلى السياق العرفي الذي ورد من أجله الحكم ، فهو أفضل وسيلة لتحديد العلة المقصودة من تشريع الحكم .
وتأييداً للوجه الذي ذكره الإمام ، لا بد من ذكر أن الإمام عالم بالعربية ، وعالم بأساليب العرب وقد خطت يداه آثاراً كثيرة في هذا السياق ، من ذلك فقد كتب مقالة في حصر وتحديد طريقة شعراء العرب في توجيه الخطاب للمرأة وقد حصرها بخمسة أغراض ([43]).
إذ أن هذا الأمر ليوحي إلى البعد الفكري الذي يمتلكه الإمام ، إذ كانت له استقراءات لطريقة الشعراء الجاهليين في توجيه الخطابات للمرأة ، فإذا كان كذلك ، وهو كذلك ، فالإمام له دراية بتاريخ العرب وأساليب العرب ومعهود الخطاب في ذلك العصر .
فالإمام له دراية بمعهود الخطاب التشريعي كذلك ، فمعهود الخطاب زمن الرسالة يعرف الإمام أبعاده وأغراضه ، كيف كان يتُلَقى ، وكيف كان يتنزل على حقائق الأشياء لما كان القرآن يتنزل على سيدنا محمد (r) ؛ لأن الشارع كان يصف ظواهر ويحكم عليها ، فهذه الظواهر ماهي ؟ فلا بد اذاً من معرفة تاريخ العرب .
اذاً لابد من النظر إلى الأحكام على أساس دقيق ، ومعرفة عوائد الأمم والشعوب على سبيل العموم ، وعلى سبيل الخصوص بالنظر إلى الواقعة في الأفراد من حيث انطباقها عليه أم لا... .
ثانياً : قاعدة السياق العرفي :
بما أن الإمام ابن عاشور استند في بيان النص على عرف كان سائد لدى ضعيفات الحصانة ، فلا بد من بيان العرف العملي ، وما يرتبط به .
الأول : العرف العملي الخاص : يقول الإمام ابن عاشور : (غلبة صدور فعل دون غيره من جنسه من شخص حتى يظن أن لفظه إذا اطلق لا ينصرف إلا لما غلب عليه فعله ؛ لأنه الذي يخطر له عند الذهن ، وإذا حمل اللفظ عليها كان تخصيصاً لا محالة ...)([44])
فالنص الوارد بلعن النامصات ... عرف عملي كان سائداً في ذلك الزمن ، فلا يحمل اللفظ إلا على هذا المفهوم لغلبة هذه الأفعال لتلك البواعث ولتلك الأجناس من النساء، فإذا لم تتصف النساء ضعيفات الحصانة بهذه العلامات في الوقت المعاصر فإن تنزيل النص على محله يعتبر خطأ في الاجتهاد التنزيلي .
الثاني : بيان ما يرتبط بالألفاظ العرفية : إن الإمام ابن عاشور بين أن النهي ليس مرتبطاً بهذه الأوصاف وإنما بالباعث عليها وهي الأفعال ، لذلك يقول الإمام القرافي في الفرق الثامن والعشرين : (فإن التحريم والتحليل إنَّما تحسن إضافتهما لغة للأفعال دون الأعيان فذات الميتة لا يمكن العرفي أن يقول هي حرام بما هي ذات ، بل فعل يتعلق بها ، وهو المناسب لها كالأكل للميتة والدم ولحم الخنزير والشرب للخمر والاستمتاع للإمهات ، ومن ذكر معهن ومن هذا الباب قوله عليه السلام : " ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " . والأعراض والأموال لا تحرم ، بل أفعال تضاف إليها فيكون التقدير ألا وإن سفك دمائكم وأكل أموالكم وثلب أعراضكم عليكم حرام .
وعلى هذا المنوال جميع ما يرد من الأحكام كان أصله أن يضاف إلى الأفعال ويركب معها فإذا ركب مع الذات في العرف وما بقي يستعمل في العرف إلا مع الذوات ، فصار هذا التركيب الخاص وهو تركيب الحكم مع الذوات موضوعاً في العرف للتغيير به عن تحريم الأفعال المضافة لتلك الذوات ، وليس كل الأفعال ، بل فعل خاص مناسب لتلك الذوات كما تقدم تفصيله ، وتحصيله )([45]).
فالإمام ابن عاشور لم يخطئ حين بين بأن النهي مرتبط بالأفعال وليس بالأعيان ، لذلك يقول الإمام ابن عاشور : ( وتتعلق التحريم بأسماء الذوات يحمل على تحريم ما يقصد من تلك الذات غالباً ، فنح : (حرمت عليكم الميتة) الخ معناه حرم أكلها ، ونحو : حرم الله الخمر ، أي: شربها وفي : (حرمت عليكم امهاتكم) معناه: تزوجهن )[SUP] ([46])[/SUP]
ويقول : ( إضافة الحكم إلى الأعيان على إرادة أشهرها أحوالاً ... )[SUP] ([47])[/SUP]
والمقصد من هذا كله : بيان أن أولى الخطوات لمعرفة مقاصد الشارع واستخراجها من نصوصه – أي :استنباطه مصلحيا – هي معرفة مقاصده من خطابه الشرعي ، من ألفاظه ، وعباراته ، وأساليبه التعبيرية ، فهذا هو المستوى الأول من معرفة المقاصد .
ولمعرفة هذا المستوى يقتضي تدبراً عميقاً للنصوص الشرعية ، والبحث في مقامات الأحوال والسياقات المعينة على تعيين المراد من مقاصد النصوص ، وعدم الاكتفاء بالنظر الظاهر لألفاظ الشارع ، وخاصة حينما يشير معناها الظاهري تناقضاً واستثكالاً .
ونحن ننظر في الساحة نجد أن الكثير ممن لا يُحسنون فهم النص ، وذلك لعدم امتلاكهم الأدوات المعينة على فهم النص ، يقعون في فهم خاطئ للنص ، ويصفون كثير من النساء باللعن والطرد من رحمة الله تعالى ، وذلك لعدم فهمهم بأن النص جاء لعلاج ظاهرة عُرفية في زمن التشريع ، ولا يصح حمل العرف على أناس اختلفت اعرافهم ؛ لأن في ذلك حرج شديد وتضييق واسع للمباح .
فالعرف كما هو معلوم عند المتخصصين في ـ علم أصول الفقه ـ بأنه لا يطرد إلا إذا كان أهل البلد يعتبرونه بينهم ، ولا بد أن يكون عاماً لجميع الناس .
لذلك نجد الإمام القرافي يقول : (... إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين ، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد([48]) يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة ، وليس هذا تجديداً للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد ، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد )([49]) .
وقال الإمام القرافي في الفرق الثامن والعشرين : (وعلى هذا القانون تُراعى الفتاوى على طول الأيام ، فمهما تجدد في العرف اعتبره ، ومهما سقط أسقطه ، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك ... والجمود على المنقولات([50]) أبداً ظلال في الدين ، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين ...)([51]) .
ويقول سيدي الإمام عبد الله بن الشيخ المحفوظ ابن بيه عن دور العرف في تفسير الألفاظ ( ويدخل العرف في مدلولات الألفاظ)([52]).
ويقول : ( ... أن العرف قد يكون أساساً لتغير الفتوى ... بل إنه يخالف ظاهر النص بسبب اختلاف العرف الذي كان قائماً عليه )([53]) .
بقيت قاعدة التعليل : فالنص علل الحكم بأنه تغيير لخلق الله ، وكما هو معلوم بأن الأحكام تدور مع عللها وجوداً وعدماً ، فإذا كان العرف لم يعد مطرداً فهل علة تغيير خلق الله الذي انيط بها الحكم مطردة أم قاصرة .
قبل بيان رأي الإمام ابن عاشور في ذلك ، لا بد من بيان معنى التغيير كمصطلح منفرداً ، قبل بيانه مع ضميمته([54]) ، باعتباره تغييراً لخلق الله ، وهل يصدق تغيير خلق الله على هذه الأفعال أم لا ؟.
يقول الراغب الأصفهاني : ( والتغيير يقال على وجهين : أحدهما : لتغيير صورة الشيء دون ذاته ، يقال غيرت داري إذا بنيتها بناءً غير الذي كان . والثاني : لتبديله بغيره ، نحو غيرت غنمي ودابتي إذا بدلتهما بغيرهما ، نحو : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )([55]) ([56]) .
فالتغيير الذي ورد في الحديث يحتمل أن يكون من النوع الأول ؛ لأن التغيير من خلال النمص والتفليج ... ليس تبديلاً للشي في مادته([57]) كما يعبر المناطقة ، وإنما في صورته .
فهل تغيير صورة الشيء يستوجب اللعن ، وهل هو حقيقة تغيير لخلق الله ، وأفضل من يجيب عن ذلك الإمام ابن عاشور بقوله : ( ...ويدخل في معنى تغيير خلق الله وضع المخلوقات في غير ما خلقها الله له ، وذلك من الضلالات الخرافية ، كجعل الكواكب آلهة ، وجعل الكسوفات والخسوفات دلائل على أحوال الناس ، ويدخل فيه تسويل الإعراض عن دين الإسلام ، الذي هو دين الفطرة ، والفطرة خلق الله ؛ فالعدول عن الإسلام إلى غيره تغيير لخلق الله([58]) .
وليس من تغيير خلق الله التصرف في المخلوقات بما أذن الله فيه ولا ما يدخل في معنى الحسن ؛ فإن الختان من تغيير خلق الله ولكنّه لفوائد صحية ، وكذلك حلق الشعر لفائدة دفع بعض الأضرار ، وتقليم ُ الأظفار لفائدة تيسير العمل بالأيدي ، وكذلك ثقب الآذان للنساء لوضع الأقراط والتزين .
وأما ما ورد في السنة من لعن الواصلات والمتنمصات والمتفلجات للحسن فمما أشكل تأويله .
وأحسب تأويله : أن الغرض منه النهي عن سمات كانت تُعد من سمات العواهر في ذلك العهد ، أو من سمات المشركات ، وإلا فلو فرضنا هذه منهياً عنها ، لما بلغ النهي إلى حد لعن فاعلات ذلك .
وملاك الأمر أن تغيير خلق الله إنما يكون إثماً إذا كان فيه حظ من طاعة الشيطان ، بأن يجعل علامة لنحلة شيطانية ، كما هو سياق الآية واتصال الحديث بها ...) ([59]) .
فتغيير خلق الله الذي انيط به الحكم هو التغيير المرتبط بنحلة شيطانية تدعوا اصحابها لارتكاب المعاصي ونشرها ، حتى تصبح علامات تعرفهم بها ، أما إذا لم يكن القصد من التغيير ارتباطها بنحلة شيطانية فلا اثم فيها . والله تعالى أعلم .
إضافة إلى ذلك : فهناك وجه آخر يمكن لنا أن نستنجد به لكي يرفع الالتباس ؛ هو معرفة مرتبة هذه المسألة من خلال كليات الشريعة ومقاصدها ، وقد أشار إليه الإمام ابن عاشور ، وذلك لأن المعهود في تصرفات الشريعة أنها لا تصف الأمور الصغيرة بعظيم الذنوب إلا إذا كان ذلك الأمر يستوجب ذلك ، فلا يعقل أن تكون تلك الأفعال تستوجب اللعن من رحمة الله تعالى ؛ إذ هي ليست من الضروريات الخمس ؛ وليست من الحاجيات إذ نجد ان الإمام عبد الله بن بيه يجعل لبس الحجاب من الحاجيات([60]) ، فلا يعقل أن يكون نمص شعرات من الحاجب من الحاجيات وتغطية الرأس من الحاجيات ، فلم يبقى إلا أنها من التحسينيات ؛ وترقى للحاجيات إذا كان ورائها دوافع شيطانية .
والتغيير كعلة فهي مطردة ، وليست متعلقة بالأعيان السابقة ، وإنما مرتبطة بالوصف الذي ذكره الامام ابن عاشور : هو ارتباط التغيير بحظ من الشيطان .
وممن أيد الإمام برأيه الشيخ محمود شمّام في تراجمه بقوله : ( فالشيخ ابن عاشور يفتي هنا بحلية لبس الباروكة وما شابهها، وتزجيج الحواجب ، وتكحيل العيون ، تفهما لمعنى الأثر والمورد الذي ورد فيه ، ولأن هذه الأمور يقصد بها الآن الزينة لا تغيير خلق الله ولا تبديله ، وما ورد من نهي على فرض صحته وصحة سنده ، فالمقصود به نساء في ذلك العصر اتصفن برقّة في العفاف وضعف في الدين وسوء سيرة ، ولا يشمل كافة النساء ولا كافة العصور ... وهكذا انحل هذا المشكل الذي تعثرت الأقلام في تفسيره ، وعجزت الأفكار عن حله ، حتّى أفتى به بالرأي السّديد والفهم الرشيد أستاذنا الجليل رحمه الله )([61]) .
والمعلوم عند كل الفقهاء ـ تقريباً ـ أن فعل هذه الأشياء : توصيل الشعر ، أو لبس (الباروكة) ، وطلب إيصاله ، والوشام وطلبه ، وتفليج الأسنان ، وتزجيج الحاجبين ، كلها حرام تحريماً مغلظاً ، وقوفاً عند ظاهر هذا النص .
ولكن الفكر المتفتح المقنع بصلاحية الإسلام لكل الأزمنة والأمكنة يحار حيرة عظيمة ، ويستشكل هذا الأمر استشكالاً ، لا يدفعه إلا النظرة التعبدية ، ولكن الشيخ ابن عاشور ـ رحمه الله ـ الذي يؤمن بأن أحكام الشريعة في غير العبادات معقولة المعنى ، والذي استبطن أعماق النصوص ، واستنطق مقاصد الشريعة ، وربط بين النصوص وبين ملابساتها من عوائد الناس ، وأسباب ورود النص ، اهتدى إلى هذا الحل الذي يزيل الإشكال ، ويدفع الحيرة عن عقل المسلم الذي يرى أن من حق المرأة أن تتزين وتتحسن لزوجها ، لما في ذلك من حصانة له ولها ، ويقع في ارتباك عظيم حينما يصطدم بهذا النص المحجر لأنواع من الزينة على المرأة المسلمة ، في حين أنه أباح لها نظائرها من أنواع التزين كالتحمير والسواك والخلوق وسائر الحلي .
وحينما يجد في ملابسات النص أن تلك الأفعال كانت من أمارات البغايا ، يعلم أن الشارع لعنهن ، لا لمجرد التزين بتلك الأصناف من الزينة ، وإنما لعنهن لأجل ما كن يهدفن إليه من ذلك الفعل ، الذي ظاهره التزين ، وباطنه العهر والفجور والإثارة للغرائز الجنسية عند الرجل .
فهذا النهي وارد كناية عن المسبب وهو التبرج والعهر ، لا عن السبب الذي هو في أصل جنسه مباح ([62]) .
وأخيراً : فالدرس المقاصدي هو إحدى الأدوات المعرفية لتقليل الخلاف بين العلماء ، فلا بد من توظيف الدرس المقاصدي في كل جوانب الاختلاف ، والاعتماد عليه باعتباره اصلا كليا .









الخاتمة
إن الإمام ابن عاشور قد كاانت مقدمته لمقاصد الشريعة هي محاولة لتجاوز أدوات الدرس الأصولي الظنية ، والتي كانت أحد أسباب الخلاف بين العلماء ، وذلك من خلال أدوات الدرس المقاصدي القطعية ؛ والتي اتفق جمهور العلماء على الاعتماد عليها في الاستنباط .
وقد بين الإمام جملة من الأدوات للدرس المقاصدي التي يمكن الاستعانة بها في لتجاوز ازنة الاختلاف الواقعة بين العلماء ، والتي يتبين جوهر الاختلاف فيها على عمل المستفتي وفكره .
ومن أهم أدوات الدرس المقاصدي التي اشار اليها الامام ابن عاشور ، ويمكن أن يُستنجد فيها لرفع الاختلاف والخلاف :

  1. أدوات الدرس المقاصدي عموماً ؛ تعتبرأهم رافد من روافد رفع الاختلاف وتقليله .
  2. انشاء مجامع فقهية ، يمكن من خلالها حصر دائرة الاختلاف في تلك القاعات المغلقة ، والتي تساهم في تبيين الحكم الشرعي .
  3. محاولة تفعيل أداة القياس المصلحي ، وذلك لقطعية المستند ، والتي يقل معها الاختلاف .
  4. محاولة تأهيل المجتهدين وتوجيههم إلى أنحاء الاعتماد على الدرس المقاصدي والتي من خلالها يمكن تقليل الاختلاف
  5. الاعتماد على مقاصد الشريعة في فهم النصوص الشرعية ، من خلال معرفة المعهود في زمن الرسالة .
  6. الاعتماد على مقاصد الشريعة في تحديد مقصد تغيير خلق الله تعالى ، وتبيين عدم امكان تنزيل الوصف على أفعال في هذا الزمن ، وقد اختلفت البواعث ، وكانت أدوات مقاصد الشريعة هي المفسرة للنص ، ورافعة الالتباس .














([1]) هو محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن محمد الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور ، شيج الجامع الاعظم الزيتنة في تونس ، صاحب المؤلفات العديدة منها : التحرير والتنوير . مقاصد الشريعة الإسلامية . أصول النظام الاجتماعي في الإسلام . أليس الصبح بقريب . الوقف وآثاره في الإسلام .كشف المعطي من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ ..حواشٍ على التنقيح لشهاب الدين القرافي في أصول الفقه . التوضيح والتصحيح في أصول الفقه . النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح . وكانت وفاته بالمرسى عن 94 سنة ، يوم الأحد 13 رجب 1394 / 12 أغسطس 197 ووري رحمه الله التراب في مقبرة الزلاج من مدينة تونس . ينظر : م محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ، شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور، الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة ، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، دولة قطر (1425هـ /2004م) 1/169 . أعلام تونسيون الصادق الزمرلي ، تقديم وتعريب : حمادي الساحلي ، د،ط، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ،(361) . تونس وجامع الزيتونة ،، محمد الخضر حسين ، جمع وتحقيق علي رضى التونسي ، الدار التونيسة للنشر. (125 ) ؛ شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور حياته وآثاره ،د.بلقاسم الغالي ، ط(1) ، دار ابن حزم ـ بيروت (1417هـ/1996م) (ص35) ؛ معجم المؤلفين عمر رضى ، مطبعة الترقي . (5/33)، شجرة النور الزكية، محمد مخلوف ، دار الكتاب العربي – بيروت . (392). إتحاف أهل الزمان بأخبار ملا تونس وعهد الأمان ، ، أحمد بن أبي الضياف ، ط (2) الدار التونسية للنشر ، دار القلم تونس . (8/167) .

([2]) ابن بيه : العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ : مشاهد من المقاصد ، ط(2) ، دار التجديد (1433هـ2012م) ، (32 ،33) .

([3]) ابن عاشور : مقاصد الشريعة ، (371) .

([4]) ينظر : ابن عاشور : مقاصد الشريعة ، (373 ـ 375) .

([5]) ابن منظور : لسان العرب ، (9/86) .

([6]) المرسي : المحكم والمحيط الأعظم ، (5/201) .

([7]) العلواني : د طه جابر : ادب الاختلاف في الإسلامي ، المعهد العالمي للفكر فرجينيا ، (1987م) ، (21) .

([8]) ابن بيه : عبد الله بن الشيخ المحفوظ : صناعة الفتاوى وفقه الأقليات ، مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث ، الرابطة المحمدية للعلماء ، ط(1) ، (1433هـ2012م) ، (89) .

([9]) مقاصد الشريعة الإسلامية ، (166) .

([10]) مقاصد الشريعة ص 166 .

([11]) ينظر مقاصد الشريعة ص 166 .

([12]) مقاصد الشريعة ص 167 .

([13]) ينظر أليس الصبح بقريب ص 176 .

([14]) مقاصد الشريعة ص 172 .

([15]) رتقها وإصلاحها ، من رفأ الثوب يرفؤه رفئاً : لأم خروقه بالخياطة وضم بعضه إلى بعض وأصلح ما بلي منه . مقاصد الشريعة ، (407) .

([16]) مقاصد الشريعة ، (407 ـ409) .

([17]) ملاحظة : ينظر الفتاوى في مباحث الزكاة أو لحوق الاوراق النقدية مسألة المجمع الفقهي .

([18]) الدهلوي : حجة الله البالغة ، (2/21) .

([19]) القرضاوي : د يوسف : نتيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن والسنة ، حو فقه ميسر معاصر في أصول الفقه الميسر فقه العلم ، ط(2) مكتبة وهبة القاهرة ، (1429 هـ 2008م) ، (94)

([20]) الريسوني : د أحمد عبد السلام : مدخل إلى مقاصد الشريعة ، ط(1) ، دار الكلمة ، (1431هـ2011م) ، (17 ،18) .

([21]) الدريني : د محمد فتحي : بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله ، ط(2) ، مؤسسة الرسالة (1429هـ 2008م) ،(1/108 ، 109)

([22]) ينظر : ابن عاشور : مقاصد الشريعة ، (183) .

([23]) القرضاوي : د يوسف : دراسة في فقه مقاصد الشريعة ، ط(2) ، دار الشروق القاهرة (2007م) ، (155)

([24]) ينظر : ابن عاشور : مقاصد الشريعة ، (183) .

([25])

([26]) ابن بيه : مشاهد من المقاصد ، (162) .

([27]) الريسوني : د أحمد عبد السلام :الاجتهاد النص ، الواقع ، المصلحة ، (147 ، 148)

([28]) الدريني : بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله (1/122) .

([29]) ابن بيه : مشاهد من المقاصد ، (157 ، 159) .

([30]) ابن عاشور : مقاصد الشريعة ، (183) .

([31]) المرجع السابق ص310 .

([32]) يقصد الأصل الذي يراد به الإلحاق ، قد يكون ضعيفاً ، وهناك من هو أقوى منه .

([33]) ويقصد بها العلل المستنبطة .

([34]) ويقصد بها صحة المناسبة بين الفرع والأصل ، وهو ما يعبر عنه بالقياس مع الفارق

([35]) مقاصد الشريعة الإسلامية ص310-311 .

([36]) ابن عاشور : مقاصد الشريعة ، (184) .

([37]) مسند أحمد ، رقم الحديث (3956) ، (7/68) .

([38]) ابن قدامة : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد : المغني ، مكتبة القاهرة ، (1388هـ 1968م) ، (1/70)

([39]) ابن عابدين :حاشية رد المختار على الدرر المختار شرح تنوير الأبصار ، دار الفكر بيروت ، (1421هـ 2000م) ، (6/373) .

([40]) الماوردي : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري ، (450هـ) ، الحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي ، تحقيق : الشيخ علي محمد معوض ، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، ط(1) دار الكتب العلمية ، بيروت (1419هـ 1999م) ، (2/256) .

([41]) ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية ، (323).

([42]) حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ، (2/55 ، 56) .

([43])ينظر : ابن الخوجة : محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ( 1/520 ومابعدها) .

([44]) حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ،2/249 .

([45]) الفروق ، ( 1/313 ،314) .

([46]) التحرير والتنوير 4 / 294 .

([47]) المرجع السابق 28 / 51 .

([48]) لايقصد الإمام القرافي أن جميع نصوص الأحكام تابعة للعرف ، وإنما يخص فقط الآيات التي جاءت لعلاج قضية عرفية ، وهذه الايات تعرف بمواضعها .

([49]) الأحكام ، (218) .

([50]) يقصد كتب الفقه ، فليس كل ما موجود فيه يصح أن يفتى به لأنه ربما اختلفت الاعراف .

([51]) الفروق (1/176 ، 177) .

([52]) ابن بيه : صناعة الفتوى وفقه الأقليات : (259) طبعة دار المنهاج .

([53]) ابن بيه : أمالي الدلالات ومجالي الاختلاف ، (577) دار المنهاج .

([54]) يقول سيدي الشاهد البوشيخي : ( الضمائم وتتضمن : كل مركب مصطلحي (ضميمة) مكون من لفظ المصطلح المدروس ، مضموماً إلى غيره ، أو مضموماً إليه غيره ، لتفيد الضميمة المركب في النهاية مفهوماً جديداً خاصاً مقيداً ، ضمن المفهوم العام المطلق ، للمصطلح المدروس ، فكأن المصطلح بضمائمه ينمو ويتشعب مفهومياً من داخله . وأبرز أشكال الضمائم :

  • ضمائم الإضافة : سواء أضيف المصطلح إلى غيره ، أو أضيف غيره إليه .
  • ضمائم الوصف : وقد يكون فيها المصطلح واصفاً أو موصوفاً .
ينظر : البوشيخي : الشاهد ، دراسات مصطلحية ، ط (1) ، دار السلام (1433هـ/2012م) (34).

([55]) سورة الرعد : 11 .

([56]) المفردات في غريب القرآن ، (477) .

([57]) يقول سيدي عبد الله بن بيه (حفظه الله تعالى) ونعني بالمادة أصل الشيء الذي منه بناؤه وبنيته والذي بدونه لا تتصور شيئيته ، والذي تتشكل منه الصورة ، ينظر : إثارات تجديدية في حقول الأصول ، عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، (28) .

([58]) إن هذا النوع هو تبديل حقيقي ، وهو الوجه الذي ذكره الراغب الاصفهاني حيث يتم التغيير في المادة .

([59]) التحرير والتنوير ، (5/205 ، 206) .

([60]) ابن بيه : صناعة الفتوى وفقه الأقليات ، (401) .

([61]) شمام : محمود : اعلام من الزيتونة ، ط(2) المطابع الموحدة بتونس (1996م) (256، 257)

([62]) ينظر : التشريع الإسلامي والمدارس الفقهية المعاصرة ، د محمد بن إبراهيم ، (230) .

المصادر

  1. القرآن الكريم

  • ابن الخوجة : الشيخ محمد الحبيب :

  1. محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة ، شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور ، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، دولة قطر (1425هـ /2004م)

  • ابن بيه : العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ :

  1. إثارات تجديدية في حقول الأصول ، دار تجديد .
  2. أمالي الدلالات ومجالي الاختلاف ، دار المنهاج .
  3. صناعة الفتاوى وفقه الأقليات ، مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث ، الرابطة المحمدية للعلماء ، ط(1) ، (1433هـ2012م)
  4. صناعة الفتوى وفقه الأقليات : طبعة دار المنهاج
  5. مشاهد من المقاصد ، ط(2) ، دار التجديد (1433هـ/2012م)

  • ابن عابدين :

  1. حاشية رد المختار على الدرر المختار شرح تنوير الأبصار ، دار الفكر بيروت ، (1421هـ 2000م)

  • ابن عاشور : محمد الطاهر بن عاشور:

  1. أليس الصبح بقريب. ، ط (1) ، دار السلام القاهرة ، (1427هـ / 2006م)
  2. التحرير والتنوير الدار التونسية ، (1884م).
  3. حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ، مطبعة النهضة ، نهج الجزيرة ، عدد 11 ، تونس ، (1341هـ ) .
  4. مقاصد الشريعة، تحقيق : محمد الطاهر الميساوي ، ط (2) دار النفائس عمان (1421هـ /2001م)

  • ابن قدامة : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد :

  1. المغني ، مكتبة القاهرة ، (1388هـ 1968م)

  • ابن منظور : محمد بن مكرم :

  1. لسان العرب ، ط(3) ، دار صادر بيروت.

  • البوشيخي : الشاهد :

  1. دراسات مصطلحية ، ط (1) ، دار السلام (1433هـ/2012م)

  • الخضر : محمد الخضر حسين :

  1. تونس وجامع الزيتونة ، جمع وتحقيق علي رضى التونسي ، الدار التونيسة للنشر.

  • الدريني : د محمد فتحي :

  1. بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله ، ط(2) ، مؤسسة الرسالة (1429هـ 2008م)

  • الدهلوي : أحمد شاه ولي الله ابن عبد الرحيم :

  1. حجة الله البالغة ، ضبطه ووضع حواشيه : محمد سالم هاشم ، ط(2) ، دار الكتب العلمية ، لبنان (1426 هـ 2005م) .

  • الراغب الأصفهاني أبو القاسم الحسين بن محمد (تـ502هـ) :

  1. المفردات في غريب القرآن ،، تحقيق : صفوان عدنان الداودي ، ط (1) ، دار القلم الشامية ـ دمشق /بيروت (1412هـ) .

  • الريسوني : د أحمد عبد السلام :

  1. الاجتهاد النص ، الواقع ، المصلحة ، حوارات لقرن جديد بين ، الدكتور أحمد الريسوني ، والأستاذ محمد جمال باروت ، ط (1) دار الفكر المعاصر بيروت (1422هـ/2000م) .
  2. مدخل إلى مقاصد الشريعة ، ط(1) ، دار الكلمة ، (1431هـ2011م)

  • الزمرلي : الصادق :

  1. أعلام تونسيون ، تقديم وتعريب : حمادي الساحلي ، د،ط، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت

  • شمام : محمود :

  1. اعلام من الزيتونة ، ط(2) المطابع الموحدة بتونس (1996م)


  • الضياف : أحمد :

  1. إتحاف أهل الزمان بأخبار ملا تونس وعهد الأمان ، ط (2) الدار التونسية للنشر ، دار القلم تونس . (8/167) .

  • العلواني : د طه جابر :

  1. ادب الاختلاف في الإسلامي ، المعهد العالمي للفكر فرجينيا ، (1987م) .

  • الغالي : د بلقاسم:

  1. شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور حياته وآثاره ، ط(1) ، دار ابن حزم ـ بيروت (1417هـ/1996م)

  • القرافي : أحمد بن إدريس:

  1. الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام ، دراسة وتقديم : الدكتور عبد السلام بلاجي ، ط(1)دار ابن حزم (1431هـ 2010م) .
  2. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق ، ضبطه وصححه : خليل المنصور ، ط (3) ، دار الكتب العلمية ، لبنان (2009م).

  • القرضاوي : د يوسف :

  1. دراسة في فقه مقاصد الشريعة ، ط(2) ، دار الشروق القاهرة (2007م) .
  2. نتيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن والسنة ، نحو فقه ميسر معاصر في أصول الفقه الميسر فقه العلم ، ط(2) مكتبة وهبة القاهرة ، (1429 هـ 2008م) .

  • كحالة : عمر رضا :

  1. معجم المؤلفين ، مطبعة الترقي .

  • الماوردي : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري ، (450هـ) :

  1. الحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي ، تحقيق : الشيخ علي محمد معوض ، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، ط(1) دار الكتب العلمية ، بيروت (1419هـ 1999م) .

  • مخلوف : محمد :

  1. شجرة النور الزكية، ، دار الكتاب العربي – بيروت .

  • المرسي : علي بن إسماعيل :

  1. المحكم والمحيط الأعظم ، تحقيق : عبد الحميد هناوي ، ط(1) ، (1421هـ 2000م)، دار الكتب العلمية .

  • محمد بن إبراهيم :

  1. التشريع الإسلامي والمدارس الفقهية المعاصرة ، ط (1) دار السلام القاهرة ، (1431هـ 2010م) .
 
إنضم
7 يونيو 2014
المشاركات
14
التخصص
مقاصد الشريعة
المدينة
باماكو
المذهب الفقهي
المالكي
رد: أهمية مقاصد الشريعة وأثرها على الاختلاف نظرات في اطروحة ابن عاشور التجديدية

جهد مشكور
 

أم وائل

:: متابع ::
إنضم
11 يناير 2012
المشاركات
9
التخصص
اقتصاد اسلامي
المدينة
دبي
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: أهمية مقاصد الشريعة وأثرها على الاختلاف نظرات في اطروحة ابن عاشور التجديدية

شكرا لك على جهدك
 
أعلى