العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أولويات البحث في الأصول والمقاصد

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أولويات البحث في الأصول والمقاصد
الدكتور أحمد الريسوني
كلية الآداب ـ الرباط

هذه ورقة تكميلية للبحث الذي تقدم به الأستاذ الدكتور الحسين آيت سعيد،فهي أقرب إلى أن تكون تعقيبا وتتميما منها إلى البحث المستقل القائم بنفسه. ولذلك أدخل وبدون مقدمات إلى صميم الموضوع،وإلى صميم ما هو مطلوب، وهو القضايا ذات الأهمية والأولوية في مرحلتنا الحالية في مجال أصول الفقه ومقاصد الشريعة.

في الدراسـات الأصولية

أولا /علم أصول الفقه تاريخيا ومنهجا:


التأريخ لأي علم مسألة في غاية الأهمية،لأن التأريخ للعلم، ودراسة هذا التأريخ مدخل لا غنى عنه لمعرفة كنه ذلك العلم،وكيف تشكل وكيف نشأ، وكيف سار في مختلف مساراته وتطوراته، وكيف تفاعل مع مختلف المؤثرات العلمية وغير العلمية،وكيف نما حين نما،وكيف كبا حين كبا...
وبالنسبة للعلوم الإسلامية،فقد قيض الله لمعظمها- قديما وحديثا- من يؤلفون ويكتبون في تاريخها، مثلما كتب الدكتور على سامي النشار كتابه الضخم " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلاموكتب غيره قديما في تاريخ علم الكلام والفرق الكلامية، وكتب الأستاذ محمد الحجوي الثعالبي كتابه الكبير الشهير"الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" وكتب الشيخ محمد الخضري عن "تاريخ التشريع الإسلامي"، والشيخ محمد أبو زهرة عن"تاريخ الجدلونحو ذلك من الكتابات التأريخية لمختلف العلوم والفنون.
ومهما يكن من شأن هذه المؤلفات في تاريخ مختلف العلوم الإسلامية ومدى فاستيفائها التاريخي، فإن علم أصول الفقه يبقى أقلها حظا في هذا المجال. فالجانب التاريخي عادة ما يكتفي أصحابه بتسجيل مقتضب لمرحلة التأسيس، مع ذكر أبرز المؤلفات والاتجاهات الأصولية. وهذا الاقتضاب سببه أن هذا الالتفات التاريخي يأتي عرضا ضمن مقدمات المؤلفات الأصولية أو الدراسات المخصصة لبعض أعلام الأصوليين.
ما أعنيه الآن هو ضرورة وضع تاريخ كامل وشامل لعلم أصول الفقه، من حيث المساحة الزمنية التاريخية،ومن حيث المساحة المكانية الجغرافية، ومن حيث المدارس والمذاهب والتوجهات، ومن حيث التطور الداخلي للعلم في قضاياه وإشكالا ته،وإجماعاته واختلافاته، وفي مفاهيمه ومصطلحاته،وكذلك تفاعلات أصول الفقه- تأثرا وتأثيرا- بمختلف المؤثرات المحيطة به في الزمان والمكان.
مثل هذا التأريخ الشامل المتكامل لعلم أصول الفقهله فوائده الكثيرة والكبيرة،منها:
1- التمييز في هذا العلم وقضاياه وقواعده،بين ما هو ثابت وما هو متغير، بين ما هو من صميم الشرع وما هو اجتهاد وفكر وثقافة ظرفية،وما هو علمي مشترك،وما هو مذهبي خاص بأهله أو بصاحبه.
2- الوقوف على التطورات الهائلة - كما وكيفا- التي عرفها الفكر الأصولي عبر العصور،مما يسمح لنا بتقدير المساحة القابلة للمراجعة والإلغاء والإبقاء،والتكميل والتجديد.
3- استكشاف الحلقات والثغرات المفقودة أو المغمورة أو المهملة من هذا العلم وأعلامه ومصنفاته واتجاهاته المنهجية،مما لا نجده عادة في تلك المقدمات أو اللمحات المقتضبة التي تقتصر على ذكر مشاهير الأصوليين ومؤلفاتهم المتداولة التي تناسل بعضها من بعض،جمعا،أو شرحا،أو اختصارا...
ومعلوم أن عددا غير قليل من العلماء الراسخين،ليس لهم مصنفات في علم أصول الفقه، ولكن لهم تراث أصولي نفيس مبثوث في كتبهم الفقهية أو التفسيرية أو في كتب ليس لها تصنيف محدد،أذكر هنا على سبيل المثال ابن جرير الطبري، وأبا سليمان الخطابي، وابن عبد البر، وابن دقيق العيد، وابن عبد السلام،وابن القيم.
وواضح أن ما أدعو إليه من التأريخ والدراسة التاريخية لعلم أصول الفقه لا يحققه كذلك ما ألف وأنجز من تراجم الأصوليين ومن أعمال ببليوغرافية، فهذه تمثل حلقات صغيرة متقطعة، مفيدة بدون شك، ولكنها بعيدة عن تقديم الصورة العامة التي أقصدها.
وهنا لابد من التنويه بالعمل الجيد الذي قدمه الدكتور عبد الوهاب أبوسليمان في كتابه القيم"الفكر الأصولي، دراسة تحليلية نقدية"، فهو عينة قريبة مما أدعو إليه، ويمكن اعتباره حلقة أولى- أو مبادرة أولية- في هذا المشروع. وكذلك الأطروحة التي قدمها بهذه الكلية الأستاذ عبد السلام بلاجي.
ولاشك أن هذا المشروع الكبير يحتاج إنجازه إلى فريق من الباحثين المختصين في حدود العشرة. ولا بأس إذا تكرر إنجاز هذا العمل مرتين أو عدة مرات،أو تكرر البحث والتأليف في بعض جوانبه وحلقاته، لكي تكون هذه الإنجازات يكمل بعضها بعضا، ويسدد بعضها بعضا، ويصحح بعضها بعضا فأسأل الله تعالى أن يقيض لهذا المشروع من يقومون له ويقومون به بتوفيقه وعونه سبحانه.

ثانيا /الدراسة الأصولية للقرآن والسنة:
جرت عادة الأصوليين أن يقرروا الأصول والأدلة والقواعد،ثم يلتمسون الاستدلال عليها من القرآن والسنة، ومن غيرهما من الوجوه الاستدلالية النقلية والعقلية. فتجدهم يقولون- مثلا-:القياس حجة شرعية،والدليل من القرآن كذا ومن السنة كذا.والإجماع حجة ودليله الآية كذا والحديث كذا. وهكذا في بقية الأدلة، وفي كثير من الأصول و القواعد المعتمدة والمرجحة عندهم. ثم يأتي اللاحقون - إلى يومنا هذا- فيأخذون الأمور بهذه الطريقة نفسها: مقررات أو مسلمات،أو اختيارات أصولية، ثم يؤتى بدليلها من آية أو آيتين أو حديث أو حديثين.
ما أدعو إليه الآن هو أن نعمد إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة،فندرسهما دراسة أصولية كاملة، بحيث نستخرج وندرس كل نص شرعي له دلالة أصولية وبعد أصولي.
لقد تناقش الأصوليين في عدد آيات الأحكام، فقيل إنها مائة وخمسون آية،وقيل بأكثر من هذا، وأظن أنهم لو تناقشوا في عدد الآيات الأصولية لما خرجت تقديراتهم عن حدود العشرات. وآية ذلك أننا لو نظرنا في كثير من المصنفات الأصولية لوجدنا أن الآيات التي يدور عليها تأصيلهم وتقعيدهم واستشهادهم لا تخرج في مجموعها عن العشرات. وهذا يرجع إلى طريقتهم التي ذكرتها.
بعبارة أخرى يجب أن نتخذ القرآن والسنة مصدرا أولا ومباشرا لكل القضايا والقواعد الأصولية، ثم بعد ذلك تأتي بدهيات العقول والتجارب.في هذه الحالة لا يبقى القرآن والسنة مجرد مرجع وشاهد، يتم النظر فيهما لاقتناص الشواهد والدلالات عند الحاجة إليها.بل ندرسهما دراسة كاملة لاستخراج كل مقتضياتهما الأصولية، مع ما يلزم من ضم وتركيب واستنتاج.
مثلا لو درسنا موضوع "الاستصلاح في القرآن الكريم" أو"الاستصلاح في السنة النبوية" أو"القياس في القرآن والسنة"أو"القواعد التشريعية في القرآن" وكذلك في السنة، في هذه الحالة سنجد أن أنفسنا أمام ثروة أصولية جديدة، وربما أمام ثورة أصولية جديدة.
الدارس في هذه الحالة لا يحتاج إلى الاغتراف من التركة الأصولية وقضاياها ورصيدها، بل يحتاج منها أساسا أن يعرف وظائف علم أصول الفقه والطبيعة الكلية والمنهجية لقواعده وأحكامه، ثم ينطلق في بحثه ودراسته، مستعينا في ذلك بالأصوليين والمتكلمين، كما بالمفسرين والفقهاء واللغويين وغيرهم.
وفي هذه الحالة وبهذه الطريقة سنجد للقرآن والسنة مكانة ومساحة في علم أصول،أو نجد لعلم أصول الفقه مكانة ومساحة في القرآن والسنة، هي على كل حال أضعاف ما نعهده في المصنفات والدراسات الأصولية السائدة.

ثالثا /الدراسات الأصولية المقارنة:
للدراسات المقارنة أهمية علمية لا تخفى على العلماء والدارسين. ومن ثمراتها أنها تؤدي إلى تلاقح العلوم المختلفة وتفاهم العقول المتباعدة، كما تؤدي إلى بلورة القضايا المشتركة والقواعد المنهجية العامة لدى مختلف الحقول المعرفية.
ولاشك أن كافة العلوم،قد عرفت في هذا العصر نموا وتقدما كبيرين،كما أن العلوم الإسلامية - وإن كانت قد تحركت ونشطت في هذا العصر- لم تسترجع بعد مكانتها الريادية. ولذلك لا نتردد في القول:إنها مسبوقة ومتجاوزة في كثير من الجوانب.ولذلك فإن أهلها بحاجة إلى الاستفادة من كل من سبقهم في أي جانب من الجوانب. وهنا تأتي أهمية الدراسات الأصولية المقارنة.
على أن هذا اللون من الدراسات سيكشف كذلك عن مواطن السبق والريادة والتفوق في علم أصول الفقه،مما يجعله يستفيد ويفيد.
ومن المجالات العلمية التي تصلح للدراسة المقارنة مع علم أصول الفقه:
1- المجال القانوني التشريعي.
2- المجال اللغوي اللساني.
3- مناهج الفكر والبحث في العلوم الإنسانية.
4- المقارنة- كذلك- بين الفكر الأصولي السني ونظيره الشيعي،القديم والحديث.
ومعلوم أن هناك خطوات قد تم إنجازها في هذه المجالات كلها،ولكنها - حسب علمي- ما زالت محدودة، وما زالت الحاجة واسعة إلى هذه اللون من البحوث والدراسات.
فــي الدراســـات المقــاصديــة


أولا /الدراسة المقاصدية للقرآن والسنة:
وهذا الجانب يقال فيه ما قيل في"الدراسة الأصولية للقرآن والسنة". وبما أن مقاصد الشريعة إنما هي مقاصد الكتاب والسنة لا أقل ولا أكثر،فإذا كنا نلتمس المقاصد ونستخرجها من كتب الفقه وكتب الأصول وغيرها،فأولى بنا الآن أن نلتمسها ونستخرجها من القرآن الكريم والسنة النبوية. فإنما المقاصد مقاصدهما،وإنما الأصول أصولهما. قال الإمام الشاطبي وهو يحكي رحلته مع المقاصد ومع كتاب (الموافقات): « ولما بدا من مكنون السر ما بدا،ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى، لم أزل أقيد من أوابده،وأضم من شوارده تفاصيل وجملا، وأسوق من شواهده في مصادر الحكم وموارده مبينا لا مجملا، معتمدا على الاستقراءات الكلية،غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينا أصولها النقلية بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة في بيان مقاصد الكتاب والسنة »(1)
ثم قال رحمه الله في موضع آخر"إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة،وينبوع الحكمة،وآية الرسالة،ونور الأبصار والبصائر...وإذا كان كذلك،لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها،واللحاق بأهلها،أن يتخذه سميره وأنيسه،وأن يجعله جليسه على مر الليالي والأيام...ولا يقدر على ذلك إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب."(2)
على أن مقاصد القرآن والسنة ليست محصورة في آيات الأحكام وأحاديث الأحكام. بل كل الآيات والأحاديث لها مقاصدها،ويجب أن تدرس وتفهم بمقاصدها. فالقصص القرآنيله مقاصده، والأدعية القرآنية والنبوية لها مقاصدها، وضرب الأمثال في القرآن والسنة له مقاصده، كما للآيات والأحاديث التشريعية مقاصدها.

ثانيا /إعمال المقاصد واعتمادها في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر:
إن مقاصد الشريعة - العامة منها والجزئية- تمثل ثوابت الإسلام ومراميه وأسسه العقدية والتشريعية ولذلك فهي تمثل عنصر الثبات والوحدة والانسجام لحركة الفكر الإسلامي في مختلف قضاياه وجوانبه.
ومن جهة ثانية فإن الفكر الإسلامي المعاصر قد أصبح عرضة- أكثر من أي وقت مضى - لتأثيرات قوية نافذة من الفكر الغربي الحديث، مما يوسع من احتمالات الاختلاف والتباعد،ليس بين رواده ومدارسه فحسب، ولكن التباعد حتى عن بعض ضوابط الإسلام ومقتضياته وعن صبغته وطبيعته.
ومقاصد الشريعة بما تتضمنه وتبرزه من كليات وثوابت،ومن شمولية وتناسق في النظر إلى الأمور، وبما تتضمنه من مراتب وأولويات،هي خير مؤسس وموجه وموحد للفكر الإسلامي في مختلف القضايا التي يواجهها ويعالجها اليوم،سواء منها العقدية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التربوية...، ولا نبالغ إذا قلنا إن "الفكر الإسلامي" لا يكون جديرا بهذه الصفة إلا بقدر ما يتمثل مقاصد الشريعة ويصطبغ بها، ويترجمها إلى إجابات وحلول لقضايا العصر وإشكالاته وتحدياته.

ثالثا / طرق إثبات المقاصد:
هذا الموضوع كما لا يخفى هو مفتاح الكشف والإثبات لمقاصد الشريعة.وهو أيضا المفتاح الذي به نغلق الباب على أدعياء المقاصد والمتقولين على المقاصد،والمتقولين على الشريعة وأحكامها باسم المقاصد.
فحينما يصبح القول في مقاصد الشريعة وتحديدها وتعيينها وترتيبها عملا علميا دقيقا ومضبوطا،يمكننا أن نتقدم بثبات وثقة في مزيد من الكشف عن مقاصد الأحكام، إتماما- ولربما تصحيحا- لما قام به أسلافنا من فقهاء وغيرهم، على مر العصور. وكذلك حينما يكون القول في مقاصد الشريعة عملاله قواعده وضوابطه،فإن هذا سيغلق الباب على الطفيليين ودعاة التسيب باسم المقاصد والاجتهاد، اللذين أصبح شعارهم "لا نص مع الاجتهاد" و "حيثما كان رأينا فتلك هي المصلحة" و"حيثما اتجه تأويلنا وغرضنا فتلك هي مقاصد الشريعة ".
نعم لقد بذلت مجهودات،وكتبت أبحاث ومقالات في هذا الموضوع مثل بحث الأستاذ فريد شكري، المقدم بهذه الكلية، وبحث الدكتور نعمان جغيم، وهو مطبوع بعنوان (طرق الكشف عن مقاصد الشارع)،ولكنها تظل حتى الآن قاصرة كمًّا وكيفًا عن سد هذه الثغرة وإيفائها حقها، بما يتناسب مع أهميتها وخطورتها.

رابعا /مقاصد العقائد:
وهذا المجال في تقديري هو أهم المجالات والآفاق التي على البحث المقاصدي ارتيادها وإلحاقها بمجالات الدراسات المقاصدية،وأعني به البحث في (مقاصد العقيدة الإسلامية)،تمامامثلما بحث السابقون ويبحث المعاصرون في(مقاصد الشريعة الإسلامية).وليست شرائع الإسلام أولى بالعناية وبالبحث عن مقاصدها من عقائد الإسلام فلما نجد الحديث ينمو ويتكاثر عن مقاصد الأحكام ولا نجد شيئا عن مقاصد العقائد؟ !
ففي الفقه والتشريع كانت مقاصد الأحكام حاضرة ومؤثرة في الفهم والاستنباط والاجتهاد والتطبيق،مما جعل الحديث عن مقصود الشرع، ومقصود الحكم، وحكمة الشريعة ومقاصد الشريعة،حديثا مألوفا ومعتمدا عند عامة علماء الفقه وعلماء أصول الفقه.
أما مجال العقائد(علم التوحيد وعلم الكلام) فقد خلا تقريبا من النظر المقاصدي، وكأن عقائد الإسلام ليس لها مقصد ولا غرض ولا ثمرة ترجى،وأن على المكلف أن يعتقدها ويعقد عليها قلبه ليس إلا. وليت الأمر وقف عند هذا الحد، فإنه هين،ولكن الذي حصل ونتج عن تغييب مقاصد العقائد هو اتخاذ مقاصد غير مقاصدها، وتفنيدها والرد عليها بما يضادها. وأدخلت العقائد الإسلامية-تلك البسيطة البريئة- في متاهات ذهنية خيالية أفقدتها قيمتها وفائدتها، وصرفتها عن مقاصدها وعن بعدها العلمي.
أنا أنطلق من أن لكل عقيدة من عقائد الإسلام(الإيمان بالله،صفات الله وأسماؤه الحسنى،النبوات، القضاء والقدر، الملائكة، اليوم الآخر،الجنة،النار، الصراط،الثواب، العذاب...) كل عقيدة من هذه العقائد، وضمنها عقائد جزئية،لها مقصودها الشرعي أو مقاصدها. وهي مقاصد-كمقاصد الأحكام التشريعية-مصرح ببعضها، أو مومأ إلى بعضها، وبعضها يدرك بالبداهة والفطرة، أو يدرك بالنظر والربط والاستنتاج. بل إن مقاصد العقائد تدرك أيضا من خلال مقاصد الشريعة مثلما العكس أيضا. فإن الشرائع والعقائد ملة واحدة ذات مقاصد واحدة.
المهم: لكي تستعيد عقائدنا وجهها الحقيقي وتؤدي دورها الحقيقي،وتستعيد موقعها الأساسي في حياتنا وعلومنا وثقافتنا، لابد من البحث في مقاصدها الشرعية، ودراستها والتعامل معها في ضوء مقاصدها تلك.
فهذا مجال كبير وبكر من مجالات(علم المقاصد)، يحتاج إلى باحثين أفذاذ ومستكشفين رواد.
وقد انشغلت بهذا الموضوع وتهممت به منذ عدة سنوات،حيث عرجت بي بعض المناسبات على نقاشات وقراءات في بعض القضايا العقدية.وكنت فيما قبل قد تعاملت كأي طالب علم مع هذا المجال وقضاياه،ثم مضيت إلى شيء من التخصص والتركيز في مجالي الأصول والمقاصد وغيرهما. فلما عدت مؤخرا إلى بعض المراجعات العقدية،هالني أن أجد العقائد بلا مقاصد! ونما في نفسي هم وقلق شبيه بذلك الذي عبر عنه أبو الوليد بن رشد رحمه الله بقوله: "فإن النفس مما تخلل هذه الشريعة من الأهواء الفاسدة والاعتقادات المحرفة في غاية الحزن والتألم"(3)
وأنا إلى الآن أتعجب وأتساءل:كيف ظهر في المسلمين(علم مقاصد الشريعة) ولم يظهر فيهم(علم مقاصد العقيدة) !؟
ولقد كدت أستسلم لمقولة(الواقع لايرتفع)،ولكن نظرا لأهمية القضية وخطورتها وشدة إلحاحها علي بدأت أفكر وأقتنع بأن هذا الواقع لابد أن يرتفع. فإذا لم أكن أنا متخصصا في مجال العقائد ولا قادرا على التفرغ له، فلأكن فيه داعيا ومناديا. وفي هذا السياق تأتي إثارتي لهذه القضية ودعوتي إلى بحثها ومعالجتها وتدارك الخلل الواقع فيها.















ـــــــ
المراجع:
1- الموافقات 1/ 9 طبعة دار ابن عفان1417/1997
2- الموافقات 4/144
3- فصل المقال، ص57/58
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
جزاك الله خيراً على هذا النقل
وبنظري يستحق التثبيت
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
يطلقون على الدكتور أحمد الريسوني عندنا في المغرب : الشاطبي الصغير ....(ابتسامة)
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: أولويات البحث في الأصول والمقاصد

شكرا على مروركم وتعطير الأجواء بعبيركم الفواح.
 
أعلى