العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع منقول من هذا الرابط

فتاة تصرف أول دفعة من حافز في؟؟؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم


تمر الأيام ونرى معها العجائب في حياتنا من خلال بعض المواقف السلبية والايجابية ولأننا بحاجة إلى تعزيز المواقف الايجابية وإظهارها على السطح لتزاحم الزخم الهائل من السلبيات والتي أصبحت ديدننا في مجالسنا وكأننا نعيش بمجتمع بلغ به السوء مبلغه متناسين الخير المتأصل في اعماق الناس

الموقف الأول

اتصلت فتاة من قرية مجاورة على مؤسسة مكة المكرمة الخيرية وقالت أنها ترغب بأن تكفل يتيم وسألت عن مبلغ الكفالة فقلنا لها قيمة الكفالة 1800ريال فقلت أريد أن اكفل لكني انتظر نزول دفعة حافز وإذا نزلت سوف أسددكم مباشرة ومن حديثها أنها كانت تتمنى أن تكفل يتيما وبما أنها ستحصل على مكافئة حافز فمن باب شكرها لله ستجعل أول دفعة لكفالة يتيم وتكون حققت أمنيتها





وشاب آخر قدم لمكتب مؤسسة مكة الخيرية وقال اعتدت على إهداء والدي وأجدادي هدايا سنوية وقررت هذا العام أن تكون الهدايا كفالة أيتام فكفل عشرة أيتام وجعلها هدايا لوالديه وأجداده


موقف يعطي انطباعا جميلا عن المجتمع وأن الخير متأصل فيه مهما ظهر على سطحه بعض الملاحظات

في مؤسسة مكة الخيرية ومن خلال العمل فيها تمر بنا مواقف تجعلنا نستمتع بالعمل ونتذوق طعم السعادة ونحمد الله أن اختارنا لمثل هذه لمشاريع الطيبة التي نرى من خلها الوجه المشرق للناس

نقلته لكم

بعد قراءتي لهذا الموضوع ، خطر ببالي هذا السؤال : أيهما أولى كفالة اليتيم أم كفالة طالب العلم ، فإن الكثير من الناس يكفلون اليتيم ، ويبنون المساجد ، ويفعلون الكثير من أعمال الخير ، لكن من النادر أن نرى من يساعد طالب العلم ، ليس فقط ماديا لكن حتى معنويا
 

فيض الايمان

:: متابع ::
إنضم
25 يونيو 2012
المشاركات
41
التخصص
فقه مقارن
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
-
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

اذا لاحظا ان العلة من كفالة التييم هى نفسها موجودة فى كفالة طالب العلم التى هى المحافظة على النشء المسلم حتى ينبت نبات حسنا بعيدا عن سبل الغواية والضلال .. فيكون والله أعلى وأعلم فى نفس الفضيلة إن لم يكن أعلى منزله وخاصة فى حالة غض الطرف من الكثيرين عن دعم طالب العلم ماديا أو معنويا.
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

نعم ، الجمع بين الأمرين أفضل ، لكن أكثر المنفقين لا يفعلون ذلك ، نجد قلة من ينفقون على الأيتام ، وكثيرا من الناس ينفقون على المساجد خصوصا ، بل وينفقون الأموال الطائلة على قاعات مجالس العزاء ، على أساس أنها صدقة جارية ، بينما لا نسمع عن أحد ينفق على طلبة العلم .
ومنهم يرى أن الصدقة التي يعطيها للأيتام والمحتاجين ليست صدقة جارية ، على أساس أن المحتاج يأكلها وتنتهي ، وهذا خطأ كبير ،
عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ) رواه مسلم برقم
1014
 
إنضم
3 يونيو 2012
المشاركات
11
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

السلام عليكم ,

في مسائل التفضيل الأحسن التفصيل , إذ به يحصل التحقيق بإذن الله , وإذا كان الأفضل المطلق -الذي ثبت بالنص كونه أفضل على وجه الإطلاق- قد تعرض له أحوال تجعله مفضولاً فكيف بغيره ؟

لذا فيما يتعلق بالمسألة التي طرحها أخونا لعل الأقرب أن يُقال : إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد , ونحقيق المناط في الحاجة يختلف باختلاف الزمان والمكان .

والله أعلم,,
 
إنضم
26 ديسمبر 2011
المشاركات
97
الكنية
أبو عبيدة
التخصص
اقتصاد
المدينة
*******
المذهب الفقهي
شافعي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

أسأل الله ان يجزي الجميع خيراً ................
ولكن أشعر أحياناً بعد شكري للمنفقين فعلهم ، أن الصدقة هذه يعتبرها البعض أذى يريد التخلص منه لا يبحث عن أفضل من سيتفيد بإذن الله من هذه الصدقة -على حسْب ظنه- فتراهم يفعلون أفاعيل -هه (أتنهَّد) -الله المستعان .......
والله عندنا مسجد شهير في مصر بُني حديثاً كل من دخل المسجد يسأل :كيف دخل هذا المصباح (النَّجَفَة)[1] في المسجد لأن منظره يلفت الانتباه من عظمه وكبره وزخرفته ، والمسجد كله مزخرف بشكل يثير أي إنسان يدخله كذا منبره فإنه يشبه البرج وقد قال لي أحد الإخوة وكان في المسجد قال أنه نجَّار وأن هذا المنبر يربو على المليون والنصف لأن خشبه أغلى من خشب الأرو ........
ولطالما سألتُ نفسي كم كان يُزَوّج هذا المسجد من شباب ويعفهم بذات المال الذي بُني به إذا بني على نفس الحجم بدون بهرج ولا زخرفة ولا أمور ليس لها أي داعي غير المظاهر والتفاخر ؟
كم كان يكفل من أيتام ؟
كم يرعى من أُسر فقيرة؟
غير أن المنفق لا يبحث عن ما هو الأقرب والأرضى إلى الله -أو كان جاهلاً- ولكن يريد أن ينفق بما يوافق هواه فهو يريد أن يبني مسجداً يضاهي في زخرفه وزينته مساجد أخرى قديمة ويحاكي مساجد كأنه معلم أثري ولا ينظر إلى مسجد النبي الذي بني من خشب وقد تربَّى فيه أسود أشاوس ....أنا لا أقول الا نبني مساجد ولكن ننظر ما هو الصلح للناس حتى وإن بنينا مساجد..
أما مسألة أيهما أفضل كفالة طالب العلم أم كافل اليتيم
فطالب العلم يضاف إليه حفظ دين الناس إضافة إلى حفظ دينه غير أنه -أي العلم الزائد الذي ليس هو فرض عين- فرض كفاية يجب أن تتحقق الكفاية للناس من العلماء حتى لا تأثم الأمة -أسأل الله أن يرزقنا العلماء الربانيين الصادقين المخلصين الأئمة الأثبات وأن يجعلنا منهم بينما اليتيم يحفظ دينه إضافة إلى أمور أخر مثل تحقيق حد الكفاية ..

قال النووي في المجموع في سهم الفقراء في الزكاة:

قَالُوا وَالْمُعْتَبَرُ كَسْبٌ يَلِيقُ بِحَالِهِ وَمُرُوءَتِهِ (وَأَمَّا) مَا لَا يَلِيقُ بِهِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ قَالُوا وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْكَسْبِ لَانْقَطَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا) من لا يتأتى مِنْهُ التَّحْصِيلُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدْرَسَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الْمُشْتَغِلِ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ :
(أَحَدُهَا) يَسْتَحِقُّ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ
(وَالثَّانِي) لَا
(وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ نَجِيبًا يُرْجَى تَفَقُّهُهُ وَنَفْعُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا مَنْ أَقْبَلَ عَلَى نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ بِهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ عِبَادَتِهِ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَغِلِ بِالْعِلْمِ
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْكَسُوبُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ.

( 6 /190 -191 )
قلتُ :هذا في الزكاة فما بالكم بما دونها......
هذا ، وأحتاج إلى تحقيق المسألة ولكن هذا ما تيسر لي الآن وبارك الله فيكم وأظن ان بالملتقى من هو أجدر مني بهذا وأقدر على التكلم وما تلكمت إلا رجاء النفع لي ولغيري وأسأل الله الصدق في القول والعمل.والله المستعان

[1] نَجَفَة :
جمع نَجَفات ونجَف : مجموعة من المصابيح الكهربيّة مختلفة الشكل متّسقة الوضع باهرة الضوء ، تُعَلّق في السّقف ، ويقال لها الثُّريَّا " تدلَّت من السّقف نجفة كبيرة أضاءت المسجدَ كلَّه " .
المعجم: اللغة العربية المعاصر
النَّجَفَة - نَجَفَة :
النَّجَفَة : مكان مستطيل كالجدار في وسط الوادي لا يعلوه الماهُ .
و النَّجَفَة مجموعة من المصابيح الكهربية على نظام معيّن متسقة الوضع باهرة الضوء .
وسمِّيت بالثُّريّا تشبيهًا بثريَّا السماء .
و النَّجَفَة من الكثيب : إبطه ، وهو الموضعُ تصفِّقه الرياح فتنجُفُه فيصير كأنه جُرُف مُنْجَرِف . والجمع : نَجَفٌ ، ونِجَاف .
المعجم: المعجم الوسيط
http://www.almaany.com/home.php?language=arabic&lang_name=عربي&word=نجفة
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

بارك الله فيكم ، إضافة نافعة ، نفعكم الله بما تعلمون ، وجعلها ذخرا لكم يوم تلقونه
 
إنضم
21 ديسمبر 2011
المشاركات
14
التخصص
لغة عربية ودراسات إسلامية
المدينة
السويس
المذهب الفقهي
شافعي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

السلام عليكم ورحمة الله
في هذه المسألة يراعى فيها المصالح والمفاسد فلوقلنا أن كفالة اليتيم أفضل فذلك بالنظر إلى المجتمع من حيث حرص المجتمع الأسلامي على نقاوة عناصرة من الأضغان والأحقاد التيي تنمو مع الفرد المهمل عن الرعاية والعطف فخطر ذلك الفرد على المجتمع أخطر بكثير عن عدم كفالة طالب العلم الذي إذا لم يجدمن يكفله فعنده
أدنى وازع للحفظ على المجتمع وتماسكه وقس بذلك مثل هذه المسائل
 
إنضم
26 ديسمبر 2011
المشاركات
97
الكنية
أبو عبيدة
التخصص
اقتصاد
المدينة
*******
المذهب الفقهي
شافعي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

السلام عليكم ورحمة الله
في هذه المسألة يراعى فيها المصالح والمفاسد فلوقلنا أن كفالة اليتيم أفضل فذلك بالنظر إلى المجتمع من حيث حرص المجتمع الأسلامي على نقاوة عناصرة من الأضغان والأحقاد التيي تنمو مع الفرد المهمل عن الرعاية والعطف فخطر ذلك الفرد على المجتمع أخطر بكثير عن عدم كفالة طالب العلم الذي إذا لم يجدمن يكفله فعنده
أدنى وازع للحفظ على المجتمع وتماسكه وقس بذلك مثل هذه المسائل
أولاً :تأمل ما قال الخلال ( توقيعي ):
قال الخلال في السنة:" وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَزَالَ الْجَاهِلُ بِخَيْرٍ مَا وَجَدَ عَالِمًا يَقْمَعُ جَهْلَهُ، وَيَرُدُّهُ إِلَى صَوَابِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، إِنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ الْجَاهِلُ بِجَهْلِهِ، وَعُدِمَ النَّاسُ الْعَالِمَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ، فَقَدْ تَوَدَّعَ مِنَ الْخَلْقِ، وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ" (1 /229-230)
ثانياً:
قال ابن القيم في زاد المعاد:
[فَصْلٌ اضْطِرَارُ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ]
فَصْلٌ
وَمِنْ هَاهُنَا تَعْلَمُ اضْطِّرَارَ الْعِبَادِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ عَلَى التَّفْصِيلِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَلَا يُنَالُ رِضَا اللَّهِ الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى أَيْدِيهِمْ، فَالطَّيِّبُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ لَيْسَ إِلَّا هَدْيَهُمْ وَمَا جَاءُوا بِهِ، فَهُمُ الْمِيزَانُ الرَّاجِحُ الَّذِي عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ تُوزَنُ الْأَقْوَالُ وَالْأَخْلَاقُ وَالْأَعْمَالُ، وَبِمُتَابَعَتِهِمْ يَتَمَيَّزُ أَهْلُ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ، فَالضَّرُورَةُ إِلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَدَنِ إِلَى رُوحِهِ وَالْعَيْنِ إِلَى نُورِهَا وَالرُّوحِ إِلَى حَيَاتِهَا،فَأَيُّ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ فُرِضَتْ، فَضَرُورَةُ الْعَبْدِ وَحَاجَتُهُ إِلَى الرُّسُلِ فَوْقَهَا بِكَثِيرٍ. وَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ إِذَا غَابَ عَنْكَ هَدْيُهُ وَمَا جَاءَ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَسَدَ قَلْبُكَ، وَصَارَ كَالْحُوتِ إِذَا فَارَقَ الْمَاءَ وَوُضِعَ فِي الْمِقْلَاةِ، فَحَالُ الْعَبْدِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ قَلْبِهِ لِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ كَهَذِهِ الْحَالِ بَلْ أَعْظَمُ، وَلَكِنْ لَا يُحِسُّ بِهَذَا إِلَّا قَلْبٌ حَيٌّ
وَ
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ[1]
وَإِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ مُعَلَّقَةً بِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبَّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْجَاهِلِينَ بِهِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. [2]

قال ابن تيمية: " الرسالة ضرورية للعباد ، لا بدَّ لهم منها ، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته ، فأيُّ صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور ؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة ، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ، ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة ، وهو من الأموات ، قال الله تعالى : ( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النَّاس كمن مَّثله في الظُّلمات ليس بخارجٍ منها ) [ الأنعام : 122 ] ، فهذا وصف المؤمن كان ميتاً في ظلمة الجهل ، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان ، وجعل له نوراً يمشي به في الناس ، وأمّا الكافر فميت القلب في الظلمات " .
وبين رحمه الله تعالى : " أن الله سمّى رسالته روحاً ، والروح إذا عدم فقدت الحياة ، قال الله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَّهدي به من نَّشاء من عبادنا ) [ الشورى : 52 ] ، فذكر هنا الأصلين ، وهما : الروح ، والنور ، فالروح الحياة ، والنور النور " وبين رحمه الله تعالى :" أن الله يضرب الأمثال للوحي الذي أنزله حياة للقلوب ونوراً لها بالماء الذي ينزله من السماء حياة للأرض ، وبالنَّار التي يحصل بها النور ، وهذا كما في قوله تعالى : ( أنزل من السَّماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السَّيل زبداً رَّابياً وممَّا يوقدون عليه في النَّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل فأمَّا الزَّبد فيذهب جفاءً وأمَّا ما ينفع النَّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) [ الرعد : 17 ] .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله معقباً على الآية : " فشبه العلم بالماء المنزل من السماء لأن به حياة القلوب ، كما أنَّ بالماء حياة الأبدان ، وشبّه القلوب بالأودية ، لأنّها محلّ العلم ، كما أنَّ الأودية محل الماء ، فقلب يسع علماً كثيراً ، وواد يسع ماءً كثيراً ، وقلب يسع علماً قليلاً ، وواد يسع ماءً قليلاً ، وأخبر تعالى أنَّه يعلو على السيل من الزبد بسبب مخالطة الماء ، وأنّه يذهب جفاءً ، أي : يرمى به ، ويخفى ، والذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويستقر ، وكذلك القلوب تخالطها الشهوات والشبهات ، ثم تذهب جفاءً ، ويستقر فيها الإيمان والقرآن الذي ينفع صاحبه والناس ، وقال : ( وممَّا يوقدون عليه في النَّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل ) [ الرعد : 17 ] . فهذا المثل الآخر وهو الناري ، فالأول للحياة ، والثاني للضياء .
وبين رحمه الله أن لهذين المثالين نظيراً " وهما المثالان المذكوران في سورة البقرة في قوله تعالى : ( مثلهم كمثل الَّذي استوقد ناراً فلمَّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون – صمُّ بكم عميٌ فهم لا يرجعون – أو كصيبٍ من السَّماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصَّواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ) [ البقرة : 17-19 ] .
وبعد أن بيَّن الشيخ رحمه الله وصف المؤمن ، بين وصف الكافر ، فقال : " وأمّا الكافر ففي ظلمات الكفر والشرك غير حيّ ، وإن كانت حياته حياة بهيمية ، فهو عادم الحياة الروحانية العلوية التي سببها الإيمان ، وبها حصل للعبد السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ، فإنّ الله – سبحانه – جعل الرسل وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم ، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم ، وبعثوا جميعاً بالدعوة إلى الله وتعريف الطريق الموصل إليه ، وبيان حالهم بعد الوصول إليه " .
ثم بيّن رحمه الله هذه الأصول التي أشار إليها هنا فقال : " فالأصل الأول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر ، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه ، وهي القصص التي قصّها الله على عباده والأمثال التي ضربها لهم .
والأصل الثاني يتضمن تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة ، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه . والأصل الثالث يتضمن الإيمان باليوم الآخر ، والجنّة والنار والثواب والعقاب " .
ثم بيّن أنَّ " على هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر ، والسعادة والفلاح موقوفة عليها ، ولا سبيل إلى معرفتها إلاّ من جهة الرسل ، فإنَّ العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها ، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة ، كالمريض الذي يدرك وجه الحاجة إلى الطب ومن يداويه ، ولا يهتدي إلى تفاصيل المرض ، وتنزيل الدواء عليه " [3]
ويقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة :
"وأمّا الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضا الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية ، فمبناها على الوحي المحض ، والحاجة إلى التنفس فضلاً عن الطعام والشراب، لأنّ غاية ما يقدر في عدم التنفس والطعام والشراب موت البدن ، وتعطل الروح عنه ، وأما ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة ، وهلاك الأبد ، وشتان بني هذا وهلاك البدن بالموت ، فليس النّاس قطّ إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والقيام به ، والدعوة إليه ، والصبر عليه ، وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه ، وليس للعالم صلاح بدون ذلك ألبتة ، ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلاّ بالعبور على هذا الجسم " [4]
(راجع الرسل والرسالات للأشقر الفصل الثاني :حاجة البشرية إلى الرسل والرسالات .(29-41) ط.دار السلام دار النفائس.
(والكلام نقلا منه وعليه بعض تعليقات الشيخ الأشقر رحمه الله) )

[1] عجز بيت للمتنبي وصدره:
من يهن يسهل الهوان عليه
وهو في ديوانه (4/277) من قصيدة يمدح بها أبا الحسن علي بن أحمد المري الخرساني
[2] زاد المعاد ( 1 /68 -69 )ط.الرسالة بيروت - مكتبة المنار الإسلامية الكويت.
[3] النصوص السابقة من هذا الحديث منقولة من مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 19/93-96 .
[4] مفتاح دار السعادة (2/2)
 
إنضم
26 ديسمبر 2011
المشاركات
97
الكنية
أبو عبيدة
التخصص
اقتصاد
المدينة
*******
المذهب الفقهي
شافعي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

قال الخطيب في تاريخ بغداد:
أخبرنا الصيمري، أخبرنا عمر بن إبراهيم، حدثنا مكرم بن أحمد، حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن عُبَيْد الله عَن عَلِيّ بْن حرملة التيمي عَن أبي يوسف قَالَ: كنتُ أطلبُ الحديث والفقه وأنا مقل رث الحال، فجاء أبي يومًا وأنا عِنْدَ أبي حنيفة فانصرفتُ معه. فقال: يا بني لا تمدن رجلك مَعَ أبي حنيفة، فإن أَبَا حنيفة خبزه مشوي، وأنت تحتاج إلى المعاش، فقصرت عَن كثير من الطلب، وآثرت طاعة أبي، فتفقدني أَبُو حنيفة وسأل عني، فجعلتُ أتعاهد مجلسه. فلما كَانَ أول يوم أتيته بعد تأخري عَنْهُ قَالَ لي: ما شغلك عنَّا؟ قلت: الشغل بالمعاش وطاعة والدي، فجلست فلما انصرف الناس دفع إلي صرة، وقال: استمتع بِهذه، فنظرتُ فإذا فيها مائة درهم. فقال لي: الزم الحلقة وإذا نفدت هذه فأعلمني، فلزمتُ الحلقة فلما مضت مدة يسيرة دفع إلي مائة أخرى، ثُمَّ كَانَ يتعاهدني وما أعلمته نحلة قط ولا أخبرته بنفاد شيء، وكان كأنه يُخبر بنفادها حتى استغنيتُ وتموَّلتُ. وحكي أن والد أبي يوسف مات وخلف أَبَا يوسف طفلا صغيرًا، وأنّ أمه هِيَ التي أنكرت عَلَيْهِ حُضوره حلقة أبي حنيفة.
كذلك أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ: ذكر مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زياد النقاش أن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن السامي أخبرهم بهراة قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الجعد، أَخْبَرَنِي يعقوب بْن إِبْرَاهِيم أَبُو يوسف القاضي قَالَ: تُوُفِّيَ أبي إِبْرَاهِيم بْن حبيب وخلَّفني صغيرًا فِي حجر أمي، فأسلمتني إلى قصَّار أخدمه، فكنتُ أدع القصار وأمرُّ إلى حلقة أبي حنيفة فأجلس أستمع، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة، فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى القصار، وكان أَبُو حنيفة يعنى بي لما يرى من حضوري وحرصي عَلَى التعلم، فلما كثر ذَلِكَ عَلَى أمي وطال عليها هربي، قَالَتْ لأبي حنيفة: ما لِهذا الصبي فسادٌ غيرك، هذا صبي يتيم لا شيء لَهُ، وإنما أطعمه من مغزلي وآمل أن يكسب دانقًا يعود بِهِ عَلَى نفسه. فقال لَهَا أَبُو حنيفة: مُري يا رعناء هذا هُوَ ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق، فانصرفت عَنْهُ وقالت لَهُ: أنت شيخٌ قد خرفت وذهب عقلك، ثُمَّ لزمته فنفعني الله بالعلم ورفعني حتى تقلدت القضاء، وكنت أجالس الرشيد وآكل معه عَلَى مائدته، فلما كَانَ فِي بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذجة فقال لي هارون يا يعقوب كل منه فليس كل يوم يعمل لنا مثله. فقلتُ: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال:هذه فالوذجة بدهن الفستق، فضحكتُ. فقال لي: مم ضحكت؟ فقلتُ: خيرًا، أبقى الله أمير المؤمنين، قَالَ: لتخبرني- وألحّ علي- فخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها فعجب من ذَلِكَ. وقال: لعمري إن العلم ليرفعُ وينفع دينًا ودنيا، وترحم عَلَى أبي حنيفة، وقال: كَانَ ينظر بعين عقله مالا يراهُ بعين رأسه.
(14 / 247 - 248)


وقال التنوخي في الفرج بعد الشدة :
بَين الْأَصْمَعِي والبقال الَّذِي على بَاب الزقاق
وجدت فِي بعض الْكتب عَن الْأَصْمَعِي، قَالَ: كنت بِالْبَصْرَةِ أطلب الْعلم، وَأَنا مقل، وَكَانَ على بَاب زقاقنا بقال، إِذا خرجت باكرا؛ يَقُول لي: إِلَى أَيْن؟ فَأَقُول: إِلَى فلَان الْمُحدث، وَإِذا عدت مسَاء؛ يَقُول لي: من أَيْن؟ فَأَقُول: من عِنْد فلَان الأخباري، أَو اللّغَوِيّ.
فَيَقُول: يَا هَذَا، اقبل وصيتي، أَنْت شَاب، فَلَا تضيع نَفسك، واطلب معاشا يعود عَلَيْك نَفعه، وَأَعْطِنِي جَمِيع مَا عنْدك من الْكتب، حَتَّى أطرحها فِي الدن، وأصب عَلَيْهَا من المَاء للعشرة أَرْبَعَة، وأنبذه، وَأنْظر مَا يكون مِنْهُ، وَالله، لَو طلبت مني، بِجَمِيعِ كتبك، جرزة بقل، مَا أَعطيتك.
فيضيق صَدْرِي بمداومته هَذَا الْكَلَام، حَتَّى كنت أخرج من بَيْتِي لَيْلًا، وَأدْخلهُ لَيْلًا، وحالي، فِي خلال ذَلِك، تزداد ضيقا، حَتَّى أفضيت إِلَى بيع آجر أساسات دَاري، وَبقيت لَا أهتدي إِلَى نَفَقَة يومي، وَطَالَ شعري، وأخلق ثوبي، واتسخ بدني.
فَأَنا كَذَلِك متحيرا فِي أَمْرِي، إِذْ جَاءَنِي خَادِم للأمير مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي، فَقَالَ: أجب الْأَمِير.
فَقلت: مَا يصنع الْأَمِير بِرَجُل بلغ بِهِ الْفقر إِلَى مَا ترى؟ فَلَمَّا رأى سوء حَالي، وقبح منظري؛ رَجَعَ فَأخْبر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بخبري، وَعَاد إِلَيّ، وَمَعَهُ تخوت ثِيَاب، ودرج فِيهِ بخور، وكيس فِيهِ ألف دِينَار.
وَقَالَ: قد أَمرنِي الْأَمِير أَن أدْخلك الْحمام، وألبسك من هَذِه الثِّيَاب، وأدع بَاقِيهَا عنْدك، وأطعمك من هَذَا الطَّعَام، وَإِذا بخوان كَبِير فِيهِ صنوف الْأَطْعِمَة، وأبخرك؛ لترجع إِلَيْك نَفسك، ثمَّ أحملك إِلَيْهِ.
فسررت سُرُورًا شَدِيدا، ودعوت لَهُ، وعملت مَا قَالَ، ومضيت مَعَه، حَتَّى دخلت على مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، فَسلمت عَلَيْهِ، فقربني، ورفعني.
ثمَّ قَالَ: يَا عبد الْملك، قد اخْتَرْتُك لتأديب ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ، فاعمل على الْخُرُوج إِلَى بَابه، وَانْظُر كَيفَ تكون؟ فشكرته ودعوت لَهُ، وَقلت: سمعا وَطَاعَة، سأخرج شَيْئا من كتبي وأتوجه.
فَقَالَ: وَدعنِي، وَكن على الطَّرِيق غَدا.
فَقبلت يَده، وَقمت، فَأخذت مَا احتجت إِلَيْهِ من كتبي، وَجعلت بَاقِيهَا فِي بَيت وسددت بَابه، وأقعدت فِي الدَّار عجوزا من أهلنا، تحفظها.
وباكرني رَسُول الْأَمِير مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، وأخذني، وَجَاء بِي إِلَى زلال قد اتخذ لي، وَفِيه جَمِيع مَا أحتاج إِلَيْهِ، وَجلسَ معي ينْفق عَليّ، حَتَّى وصلت إِلَى بَغْدَاد.
وَدخلت على أَمِير الْمُؤمنِينَ الرشيد، فَسلمت عَلَيْهِ، فَرد عَليّ السَّلَام.
وَقَالَ: أَنْت عبد الْملك بن قريب الْأَصْمَعِي.
قلت: نعم، أَنا عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ بن قريب الْأَصْمَعِي.
قَالَ: اعْلَم أَن ولد الرجل مهجة قلبه، وَثَمَرَة فُؤَاده، وهوذا أسلم إِلَيْك ابْني مُحَمَّدًا بأمانة الله، فَلَا تعلمه مَا يفْسد عَلَيْهِ دينه، فَلَعَلَّهُ أَن يكون للْمُسلمين إِمَامًا.
قلت: السّمع وَالطَّاعَة.
فَأخْرجهُ إِلَيّ، وحولت مَعَه إِلَى دَار، قد أخليت لتأديبه، وَأَخْدَم فِيهَا من أَصْنَاف الخدم والفرش، وَأجْرِي عَليّ فِي كل شهر عشرَة آلَاف دِرْهَم، وَأمر أَن تخرج إِلَيّ فِي كل يَوْم مائدة، فَلَزِمته.
وَكنت مَعَ ذَلِك، أَقْْضِي حوائج النَّاس، وآخذ عَلَيْهَا الرغائب، وأنفذ جَمِيع مَا يجْتَمع لي، أَولا فأولا، إِلَى الْبَصْرَة، فأبني دَاري، وأشتري عقارا وضياعا.
فأقمت مَعَه، حَتَّى قَرَأَ الْقُرْآن، وتفقه فِي الدَّين، وروى الشّعْر واللغة، وَعلم أَيَّام النَّاس وأخبارهم.
واستعرضه الرشيد، فأعجب بِهِ، وَقَالَ: يَا عبد الْملك، أُرِيد أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فِي يَوْم الْجُمُعَة، فاختر لَهُ خطْبَة، فحفظه إِيَّاهَا.
فحفظته عشرا، وَخرج، فصلى بِالنَّاسِ، وَأَنا مَعَه، فأعجب الرشيد بِهِ، وَأَخذه نثار الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم من الْخَاصَّة والعامة، وأتتني الجوائز والصلات من كل نَاحيَة، فَجمعت مَالا عَظِيما.
ثمَّ استدعاني الرشيد، فَقَالَ: يَا عبد الْملك، قد أَحْسَنت الْخدمَة، فتمن.
قلت: مَا عَسى أَن أَتَمَنَّى، وَقد حزت أماني.
فَأمر لي بِمَال عَظِيم، وَكِسْوَة كَثِيرَة، وَطيب فاخر، وَعبيد، وإماء، وَظهر، وفرش، وَآلَة.
فَقلت: إِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْذَن لي فِي الْإِلْمَام بِالْبَصْرَةِ، وَالْكتاب إِلَى عَامله بهَا، أَن يُطَالب الْخَاصَّة والعامة، بِالسَّلَامِ عَليّ ثَلَاثَة أَيَّام، وإكرامي بعد ذَلِك.
فَكتب إِلَيْهِ بِمَا أردْت، وانحدرت إِلَى الْبَصْرَة، وداري قد عمرت، وضياعي قد كثرت، ونعمتي قد فَشَتْ، فَمَا تَأَخّر عني أحد.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث؛ تَأَمَّلت أصاغر من جَاءَنِي، فَإِذا الْبَقَّال، وَعَلِيهِ عِمَامَة وسخة، ورداء لطيف، وجبة قَصِيرَة، وقميص طَوِيل، وَفِي رجله جرموقان، وَهُوَ بِلَا سَرَاوِيل.
فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا عبد الْملك؟ فاستضحكت من حماقته، وخطابه لي بِمَا كَانَ يخاطبني بِهِ الرشيد.
وَقلت: بِخَير، وَقد قبلت وصيتك، وجمعت مَا عِنْدِي من الْكتب،وطرحتها فِي الدن، كَمَا أمرت، وصببت عَلَيْهَا من المَاء للعشرة أَرْبَعَة، فَخرج مَا ترى.
ثمَّ أَحْسَنت إِلَيْهِ بعد ذَلِك، وَجَعَلته وَكيلِي.
( 3 / 161 - 165 )
 
إنضم
26 ديسمبر 2011
المشاركات
97
الكنية
أبو عبيدة
التخصص
اقتصاد
المدينة
*******
المذهب الفقهي
شافعي
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

ثم إنك لا تتحدَّث عن جو عمل إيماني أنك ستعمل كما كان يعمل هؤلاء السلف.......
سل كل من يعمل بالجامعات التي في دولنا أسأل الله ان يهدي المسؤولين ويمنعوا الإختلاط والتبرج والسفور والصداقة والمخادنة ،وكلما كان القلوب أطهر كانت بالمصائب أشعر
أسألك بالله بأي قلب ستقرأ الفقه والأصول والعقيدة ........ أم بأي ذهن وقريحة ستسنبط أم بأي فكر ستستقرئ وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ..و"ليس الخبر كالمعاينة"
ولا ينبئُك مثل خبير .
 
إنضم
10 أغسطس 2013
المشاركات
30
الكنية
ام اويس
التخصص
لا يوجد
المدينة
بنى سويف
المذهب الفقهي
شافعى
رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا الطرح الجيد ـ جعله الله فى ميزان حسناتكم
اظن انه من وجهه نظرى القاصره [أن كفاله طالب العلم أولى من كفاله اليتم ،لانه لو كفل طالب علم واصبح عالم من العلماء الربانيين سيكون كل ما يفعله فى ميزان الكافل ـ هذا والله أعلم]
 
أعلى