رد: أيهما أولى كفالة اليتيم أم طالب العلم
السلام عليكم ورحمة الله
في هذه المسألة يراعى فيها المصالح والمفاسد فلوقلنا أن كفالة اليتيم أفضل فذلك بالنظر إلى المجتمع من حيث حرص المجتمع الأسلامي على نقاوة عناصرة من الأضغان والأحقاد التيي تنمو مع الفرد المهمل عن الرعاية والعطف فخطر ذلك الفرد على المجتمع أخطر بكثير عن عدم كفالة طالب العلم الذي إذا لم يجدمن يكفله فعنده
أدنى وازع للحفظ على المجتمع وتماسكه وقس بذلك مثل هذه المسائل
أولاً :تأمل ما قال الخلال ( توقيعي ):
قال الخلال في السنة:" وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَزَالَ الْجَاهِلُ بِخَيْرٍ مَا وَجَدَ عَالِمًا يَقْمَعُ جَهْلَهُ، وَيَرُدُّهُ إِلَى صَوَابِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، إِنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ الْجَاهِلُ بِجَهْلِهِ، وَعُدِمَ النَّاسُ الْعَالِمَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ، فَقَدْ تَوَدَّعَ مِنَ الْخَلْقِ، وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ" (1 /229-230)
ثانياً:
قال ابن القيم في زاد المعاد:
[فَصْلٌ اضْطِرَارُ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ]
فَصْلٌ
وَمِنْ هَاهُنَا تَعْلَمُ اضْطِّرَارَ الْعِبَادِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ عَلَى التَّفْصِيلِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَلَا يُنَالُ رِضَا اللَّهِ الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى أَيْدِيهِمْ، فَالطَّيِّبُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ لَيْسَ إِلَّا هَدْيَهُمْ وَمَا جَاءُوا بِهِ، فَهُمُ الْمِيزَانُ الرَّاجِحُ الَّذِي عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ تُوزَنُ الْأَقْوَالُ وَالْأَخْلَاقُ وَالْأَعْمَالُ، وَبِمُتَابَعَتِهِمْ يَتَمَيَّزُ أَهْلُ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ، فَالضَّرُورَةُ إِلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَدَنِ إِلَى رُوحِهِ وَالْعَيْنِ إِلَى نُورِهَا وَالرُّوحِ إِلَى حَيَاتِهَا،فَأَيُّ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ فُرِضَتْ، فَضَرُورَةُ الْعَبْدِ وَحَاجَتُهُ إِلَى الرُّسُلِ فَوْقَهَا بِكَثِيرٍ. وَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ إِذَا غَابَ عَنْكَ هَدْيُهُ وَمَا جَاءَ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَسَدَ قَلْبُكَ، وَصَارَ كَالْحُوتِ إِذَا فَارَقَ الْمَاءَ وَوُضِعَ فِي الْمِقْلَاةِ، فَحَالُ الْعَبْدِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ قَلْبِهِ لِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ كَهَذِهِ الْحَالِ بَلْ أَعْظَمُ، وَلَكِنْ لَا يُحِسُّ بِهَذَا إِلَّا قَلْبٌ حَيٌّ
وَ
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ
[1]
وَإِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ مُعَلَّقَةً بِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبَّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْجَاهِلِينَ بِهِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
[2]
قال ابن تيمية: " الرسالة ضرورية للعباد ، لا بدَّ لهم منها ، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته ، فأيُّ صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور ؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة ، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ، ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة ، وهو من الأموات ، قال الله تعالى : ( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النَّاس كمن مَّثله في الظُّلمات ليس بخارجٍ منها ) [ الأنعام : 122 ] ، فهذا وصف المؤمن كان ميتاً في ظلمة الجهل ، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان ، وجعل له نوراً يمشي به في الناس ، وأمّا الكافر فميت القلب في الظلمات " .
وبين رحمه الله تعالى : " أن الله سمّى رسالته روحاً ، والروح إذا عدم فقدت الحياة ، قال الله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَّهدي به من نَّشاء من عبادنا ) [ الشورى : 52 ] ، فذكر هنا الأصلين ، وهما : الروح ، والنور ، فالروح الحياة ، والنور النور " وبين رحمه الله تعالى :" أن الله يضرب الأمثال للوحي الذي أنزله حياة للقلوب ونوراً لها بالماء الذي ينزله من السماء حياة للأرض ، وبالنَّار التي يحصل بها النور ، وهذا كما في قوله تعالى : ( أنزل من السَّماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السَّيل زبداً رَّابياً وممَّا يوقدون عليه في النَّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل فأمَّا الزَّبد فيذهب جفاءً وأمَّا ما ينفع النَّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) [ الرعد : 17 ] .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله معقباً على الآية : " فشبه العلم بالماء المنزل من السماء لأن به حياة القلوب ، كما أنَّ بالماء حياة الأبدان ، وشبّه القلوب بالأودية ، لأنّها محلّ العلم ، كما أنَّ الأودية محل الماء ، فقلب يسع علماً كثيراً ، وواد يسع ماءً كثيراً ، وقلب يسع علماً قليلاً ، وواد يسع ماءً قليلاً ، وأخبر تعالى أنَّه يعلو على السيل من الزبد بسبب مخالطة الماء ، وأنّه يذهب جفاءً ، أي : يرمى به ، ويخفى ، والذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويستقر ، وكذلك القلوب تخالطها الشهوات والشبهات ، ثم تذهب جفاءً ، ويستقر فيها الإيمان والقرآن الذي ينفع صاحبه والناس ، وقال : ( وممَّا يوقدون عليه في النَّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل ) [ الرعد : 17 ] . فهذا المثل الآخر وهو الناري ، فالأول للحياة ، والثاني للضياء .
وبين رحمه الله أن لهذين المثالين نظيراً " وهما المثالان المذكوران في سورة البقرة في قوله تعالى : ( مثلهم كمثل الَّذي استوقد ناراً فلمَّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون – صمُّ بكم عميٌ فهم لا يرجعون – أو كصيبٍ من السَّماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصَّواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ) [ البقرة : 17-19 ] .
وبعد أن بيَّن الشيخ رحمه الله وصف المؤمن ، بين وصف الكافر ، فقال : " وأمّا الكافر ففي ظلمات الكفر والشرك غير حيّ ، وإن كانت حياته حياة بهيمية ، فهو عادم الحياة الروحانية العلوية التي سببها الإيمان ، وبها حصل للعبد السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ، فإنّ الله – سبحانه – جعل الرسل وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم ، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم ، وبعثوا جميعاً بالدعوة إلى الله وتعريف الطريق الموصل إليه ، وبيان حالهم بعد الوصول إليه " .
ثم بيّن رحمه الله هذه الأصول التي أشار إليها هنا فقال : " فالأصل الأول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر ، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه ، وهي القصص التي قصّها الله على عباده والأمثال التي ضربها لهم .
والأصل الثاني يتضمن تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة ، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه . والأصل الثالث يتضمن الإيمان باليوم الآخر ، والجنّة والنار والثواب والعقاب " .
ثم بيّن أنَّ " على هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر ، والسعادة والفلاح موقوفة عليها ، ولا سبيل إلى معرفتها إلاّ من جهة الرسل ، فإنَّ العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها ، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة ، كالمريض الذي يدرك وجه الحاجة إلى الطب ومن يداويه ، ولا يهتدي إلى تفاصيل المرض ، وتنزيل الدواء عليه "
[3]
ويقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة :
"وأمّا الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضا الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية ، فمبناها على الوحي المحض ، والحاجة إلى التنفس فضلاً عن الطعام والشراب، لأنّ غاية ما يقدر في عدم التنفس والطعام والشراب موت البدن ، وتعطل الروح عنه ، وأما ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة ، وهلاك الأبد ، وشتان بني هذا وهلاك البدن بالموت ، فليس النّاس قطّ إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والقيام به ، والدعوة إليه ، والصبر عليه ، وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه ، وليس للعالم صلاح بدون ذلك ألبتة ، ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلاّ بالعبور على هذا الجسم "
[4]
(راجع الرسل والرسالات للأشقر الفصل الثاني :حاجة البشرية إلى الرسل والرسالات .(29-41) ط.دار السلام دار النفائس.
(والكلام نقلا منه وعليه بعض تعليقات الشيخ الأشقر رحمه الله) )
[1] عجز بيت للمتنبي وصدره:
من يهن يسهل الهوان عليه
وهو في ديوانه (4/277) من قصيدة يمدح بها أبا الحسن علي بن أحمد المري الخرساني
[2] زاد المعاد ( 1 /68 -69 )ط.الرسالة بيروت - مكتبة المنار الإسلامية الكويت.
[3] النصوص السابقة من هذا الحديث منقولة من مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 19/93-96 .
[4] مفتاح دار السعادة (2/2)