العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الأخذ بالقول المرجوح عند الاقتضاء

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هذا أحد مباحث كتاب "الفتوى في الشريعة الِإسلامية" للشيخ عبد الله آل خنين، المطبوع هذا العام في مجلدين اثنين، وهو في الحقيقة كتابٌ من الطراز الأول، إن كان في تحرير العبارة وإن كان في دقة التصور، وإن كان في حسن البناء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.


والنقل كان مع بعض الاختصار


---------------------


الأخذ بالقول المرجوح عند الاقتضاء

المراد بالأخذ بالقول المرجوح:
هو إعمال المفتي قولا مرجوحاً، وترك الراجح لمقتضٍ شرعي من ضرورة أو حاجة.
حكمه:
اختلف العلماء في الأخذ بالقول المرجوح في الفتوى على ثلاثة أقوال، هي:
القول الأول: منع الأخذ والعمل بالقول المرجوح ولو كان ثم حاجة أو ضرورة.
وبذلك قال المازري (ت: 536) والشاطبي من المالكية في أحد قوليه.
وعللوا بما يأتي:
1- أن للضرورة حكمها وهي مبينة عند الفقهاء، فمتى وقعت عولجت بما يقتضيه الحال، وقرِّر لها الحكم الكلي الملاقي لها.
2- أن في فتح هذا الباب فتحاً لباب اتباع الهوى من غير ضرورة ولا حاجة؛ مما يؤدي إلى الحكم بالتشهي، ويخرم الانضباط في الأحكام.
3- أن ذلك يؤدي إلى انسلاخ الناس من الدين بترك اتباع الدليل والانسياق وراء ضعيف الأقوال وشاذها، وربما أدى إلى خرق الإجماع بالتلفيق بين الأقوال.
4- أن ذلك يؤدي إلى الاستهانة بالدين؛ إذ يصير بذلك سيالاً لا ينضبط.
القول الثاني:
للمفتي الأخذ بالقول المرجوح في خاصة نفسه ولا يجوز ذلك في الفتيا.
وبذلك قال بعض المالكية وبعض الشافعية.
وعللوا:
بأنه لا يصار إلى العمل بالقول الضعيف إلا عند الضرورة، والمفتي لا يتحقق الضرورة بالنسبة لغيره كما يتحققها من نفسه، فالمنع لأجل ألا تكون الضرورة محققة، لا لأجل أنه لا يعمل بالضعيف إذا تحققت الضرورة.
القول الثالث:
جواز الأخذ والعمل في الفتيا بالقول المرجوح عند الاقتضاء من ضرورة أو حاجة بشروط.
وبذلك قال جمهور الفقهاء من الحنفية وأكثر المالكية، وهو أحد قولي الشاطبي، وبعض الشافعية وهو مذهب الحنابلة.
وعللوا بما يأتي:
1- أن للضرورة والحاجة حكمها، وتقدر بقدرها عند وقوعها.
2- أن المكلف وافق دليلاً في الجملة.
3- أن دليل المرجوح أقوى في مراعاة الحال التي استدعته.
وأذكر بعض أقوال العلماء من أصحاب القول الثالث فيما يلي:
أولاً المذهب الحنفي:
يقول ابن عابدين: "إنه إذا اتفق أبو حنيفة وصاحباه على جواب لم يجز العدول عنه إلا لضرورة".
وقال – أيضا بعد إيراد الخلاف في الحكم على الغائب - : "فالظاهر عندي أن يتأمل في الوقائع، ويحتاط، ويلاحظ الحرج والضرورات، فيفتي بحسبها جوازاً أو فساداً....
[وأورد مثالا ثم عقب عليه بقوله:]
فينبغي أن يحكم عليه وله، وكذا للمفتي أن يفتي بجوازه دفعاً للحرج والضرورات، وصيانة للحقوق عن الضياع."
ثانياً: المذهب المالكي:
1- يقول العلمي: "ولم يزل أهل الفتوى والقضاء يختارون الفتوى بقول شاذ ويحكمون به لدليل ظهر لهم في ترجيحه...."
2- يقول ابن عاشور: "وقد يقع الإغضاء عن خلل يسير ترجيحا لمصلحة تقرير العقود كالبيوع الفاسدة إذا طرأ عليها بعض المفوِّتات المقررة في الفقه، وقد كان الأستاذ أبو سعيد بن لب مفتي حضرة غرناطة في القرن الثامن يفتي بتقرير المعاملات التي جرى فيها عرف الناس على وجه غير صحيح في مذهب مالك إذا كان لها وجه ولو ضعيفا من أقوال العلماء". وهذا فيه اعتبار مصلحة استقرار العقود والمعاملات.
3- يقول ابن سلمون: "إلا أنه قد يلوح للحاكم في النازلة وجه الصواب مما يتضح عنده من دلالته وأحكامه وأسبابه وبراءة المطلوب لخيره، وبعده عن المطلب الذي طلبه به مع عذر الشبهة والخلطة، فإذا كان كذلك عمل بحسبه في إسقاط اليمين من غير هوى يكون له فيها أو حيف يعلمه الله منه فلا حرج عليه."
4- الإمام الشاطبي من المالكية لم يطرد قوله بالمنع في كل الصور كما في قوله الأول؛ بل قال بمراعاة الخلاف في صور لو وقعت وكان في إزالتها ضرر أعظم من الاستمرار عليها، ومثل لذلك بالنكاح بدون ولي فهو يرى أنه باطل، لكن إذا عثر عليه بعد الدخول فقد يراعى فيه الخلاف، فلا تقع فيه الفرقة لأن نقضه وإبطاله يؤول إلى مفسدة توازي مفسدة النهي أو تزيد.
فهو يقول في الأخذ بالرأي المرجوح في بعض الصور: "فمن واقع منهيا عنه، فقد يكون فيما يترتب عليه من الأحكام زائد على ما ينبغي بحكم التبعية لا بحكم الأصالة، أو مؤد إلى أمر أشد عليه من مقتضى النهي، فيترك5 وما فعل من ذلك، أو نجيز6 ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل، نظرًا إلى أن ذلك الواقع وافق7 المكلف فيه دليلًا على الجملة، وإن كان مرجوحًا، فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأن ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهي، فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن [به] من القرائن المرجحة.... فالنكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح جانب التصحيح.وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة [مقتضى] النهي أو تزيد."
المذهب الشافعي:
يقول السبكي: "إذا قصد المفتي الأخذ بالقول المرجوح مصلحةً دينية جاز".
المذهب الحنبلي:
1- يرى ابن تيمية أنه تجوز الزيادة على التوقيت في المسح على الخفين إذا تضرر اللابس بالخلع، مثل أن يكون هناك برد شديد كما يوجد في أرض الثلوج ....فهنا يمسح على الخفين للضرورة.....
2- يقول الرحيباني (ت 1240هـ) بعد أن ذكر جواز التقليد لبعض العلماء فيما قالوا به مثل تقليد داود الظاهري في حل شحم الخنزير، وتقليد ابن حزم في جواز اللبث في المسجد للجنب، وتقليد ابن تيمية في إمضاء الطلاق الثلاث إذا كان دفعة واحدة طلقة واحدة، قال: "فمن وقف على هذه الأقوال، وثبت عنده نسبتها لهؤلاء الرجال، يجوز له العمل بمقتضاهاعند الاحتياج إليه خصوصا ما دعته الضرورة إليه، وهو متجه"
3- يقول ابن بدران: "إن المفتي المقلد لمذهب له أن يفتي عند الحاجة بقول مرجوح في مذهبه".
4- وقرر الشيخ محمد بن إبراهيم في مواضع من فتاواه، من ذلك قوله:
"المسألة الخلافية إذا وقعت فيها الضرورة....جاز للمفتي أن يأخذ بالقول الآخر من أقوال أهل العلم الذي فيه الرخصة".
وقال في موضع آخر: "...وهذا من شيخ الإسلام – يعني ابن تيمية – بناء على قاعدة ذكرها في بعض كتبه وهو أنه إذا ثبتت الضرورة جاز العمل بالقول المرجوح نظرا للمصلحة، ولا يتخذ عاما في كل قضية، بل الضرورة تقدر بقدرها، والحكم يدور مع علته وجود وعدما".
شروط العمل بالقول المرجوح في الفتوى:
العمل بالقول المرجوح رخصة فهو يعد استثناء من الأصل، فلا يؤخذ به إلا بشروط ذكرها الفقهاء المجيزون للأخذ بالقول المرجوح عند الاقتضاء تعود في جملتها إلى الشروط الآتية:
1- ألا يخالف القول المعدول إليه دليلا صريحا من الكتاب والسنة لا يمكن الجمع بينه وبين أدلة القول الراجح أو المشهور، بل إن أدلة القول المعدول إليه هي الراجحة في هذه الواقعة ؛ إذ إن أوصاف النازلة تنطبق على القول المعدول إليه؛ فكأن الاختلاف بين القولين اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد لأن القول الراجح ليس هو عين القول المعدول إليه في هذه النازلة إذ إن النازلة قد زادت أو نقصت وصفا أو قيدا مؤثرا سوغ العدول عن هذا القول للقول الآخر.
يقول الشاطبي:
"فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجاوز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن به من القرائن المرجحة".
2- أن يثبت القول المعدول إليه بطريق صحيح لقائله.
3- أن يكون العدول للقول الآخر لضرورة أو حاجة مما هو في رتبة الضروريات والحاجيات لا التحسينات، لأن ما كان في هذه الرتبة لا يكون موجبا للإعراض عن المشهور.
4- أن يكون العمل بالقول المعدول إليه مقتصرا على النازلة محل الفتوى ولا يكون ذلك عاما في كل واقعة بل إذا زال الموجب عاد للأصل فإن من القواعد المقررة في هذا الباب أنه (إذا وجبت مخالفة أصل أو قاعدة وجب تقليل المخالفة ما أمكن ) وبأنه ( ما جاز لعذر يبطل بزاوله )
5- أن يكون الناظر في ذلك متمكنا من تقدير الضرورات والحاجات.
وليحذر المفتي كل الحذر من أن يحمله على ذلك تشه أو هوى....
يقول الشيخ عبد الله آل خنين بعد أن رجح القول الأخير:
فهو عندي استحسان فقهي يحصل به العدول من قول لآخر لمقتض شرعي في الفتيا.
ثم رجح أنه لا يشترط فيه "الاجتهاد في الفتيا" بالقول المرجوح وأنه يجوز أيضاً من المقلد الذي عنده القدرة على تقدير الحاجات والضرورات، وعلى الترجيح والاختيار بين الأقوال، وهو كثير بين الفقهاء والمفتين ممن لم يبلغوا رتبة الاجتهاد.
لكن عليه التثبت من مسوغ العدول إلى القول المرجوح والتأني في ذلك والحرص على تقدير الحاجة أو الضرورة المقتضية لذلك.
 
التعديل الأخير:

سمية

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
22 سبتمبر 2008
المشاركات
508
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
00000
المذهب الفقهي
00000
وهذا موضوع ذو صلة:

http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php/-3367?p=16216#post16216

يقول الأستاذ: عبد السلام العسيري في كتابه: نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي، ص:69

إن الفقهاء المتقدمين لما قـرروا تشهير قول لاحظوا أن ذلك القول في ذلك الزمن هو الذي كان يحقق مصالح العباد ، فلما جـاء الفقهاء المتأخرون وجدوا أن ذلك المشهور لم يعد في بعض الأزمان و في بعض الأمكنة يـحقـق ذلك الغرض، وهذا موافق للقاعدة الفقهية التي تقول: إن تغير الأحكام عند تـغير الأسباب ليس خروجاً عن المشهور بل فيه جري على أصل المذهب في المحافظة على المصالح المعتبرة شرعاً .وأمثال هذه الاعتبارات موجودة كثيراً فيما جرى به العمل.
 
أعلى