العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
مقاصد الشريعة

قد ردد كثيرٌ من المختصين بهذا العلم أن المتقدمين لم يعرفوا أو لم يهتموا بتعريف المقاصد الشرعية باعتبار شقيها ، وإن استحضروها أثناء اجتهاداتهم.

كذا ذكره الريسوني واليوبي والخادمي وجميلة تلوت وغيرهم.

وفي هذا نظر ، أولاً ، إذا قلنا : إن المتقدمين لم يعرفوا مقاصد الشريعة ، فإما أن يكون قد تكلموا فيما يرادفه وعرفوه أو لا يكون ، ولا تصح دعواهم أن العلماء قديماً إنما اهتموا باستحضار مقاصد الشريعة عند الاجتهاد فقط إلا على القول الثاني ، أي بأنهم لم يعرفوا مقاصد الشريعة ولا عرفوا ما يرادفها ، فحينئذٍ لا يبقى لهم إلا استعماله والنظر فيه حال الاجتهاد وتنزيل الأحكام.

أما إذا قلنا أنهم تكلموا عن مصطلحات مرادفة للمقاصد الشرعية ، فحينئذٍ لم يفتهم من علم المقاصد النظري إلا الاصطلاح الحادث اليوم (مقاصد الشريعة) فقط ، ويكونوا قد تكلموا فيه كما تكلم فيه من بعدهم ، فقصر عملهم على استحضار المقاصد الشرعية عند الاجتهاد خطأ محض ، لجواز أن يكونوا قد قعدوا لعلم المقاصد القواعد ووضعوا له القوانين تحت ذلك الاصطلاح المرادف .

فهل فعلوا؟

يقول الدكتور الخادمي : (كان قدامى العلماء يعبرون عن كلمة (مقاصد الشريعة) بعتبيرات مختلفة ، وكلمات كثيرة تتفاوت من حيث مدى تطابقها مع مدلول المقاصد الشرعية ومعناها ومسماها) (الاجتهاد المقاصدي) 1/47

وفي (علم المقاصد الشرعية) ص 14-15 يقول : (لم يوجد عند العلماء الأوائل تعريف واضح محدد أو دقيق لمقاصد الشريعة ، وإنما وجدت كلمات وجمل لها تعلق ببعض أنواعها وأقسامها ، وببعض تعبيراتها ومرادفاتها ...)

وهذا تصريح بأن المتقدمين قد تكلموا في المقاصد الشرعية تحت مسميات أخرى.

لكن في كلامه أيضاً ما يفيد أن لعلم المقاصد مفهوم واضح محدد دقيق عند المعاصرين ، بخلافه عند المتقدمين ، وهذا مأخوذ من مفهوم كلامه (لم يوجد عند العلماء الأوائل ...)

وفي الحقيقة لا يمكن وصف كلام المتقدمين بأنه (يقرب ويبعد أو يتعلق) بعلم المقاصد اليوم حتى يكون لعلم المقاصد اليوم تعريفاً واضحاً جلياً متفق عليه أو على مضمونه عند المعاصرين ، وهذا في الحقيقة لا وجود له ، ولو فرضنا أن هناك ثلاثة تعاريف تختلف مفاهيمها ، فلا شك أن الصواب فيها حينئذٍ واحد ، فإن لم نتفق عليه فقد يأتي تعريف المتقدم موافق لواحد من هذه الثلاثة ، فيختلف المعاصرين في مطابقة تعريف المتقدمين وبعده وقربه وتعلقه بحسب اختلافهم في تحديد التعريف الصحيح لعلم (مقاصد الشرعية).

ولننظر إلى مفهوم المقاصد الشرعية عند المعاصرين من خلال كتاب (مقاصد الشرعية الإسلامية) للدكتور زياد احميدان ، وقد ذكر هناك أحد عشر تعريفاً لم يسلم أكثرها من النقد ، وإذا حقق القارئ النظر وجدها جميعاً لا تخلوا من نظر ، وهاك هي : 1. قال حفظه الله : (التعريف الأول : لولي الله الدهلوي : علم أسرار الدين ، الباحث عن حكم الأحكام ، ولمياتها ، وأسرار خواص الأعمال ونكاتها)

وهذا التعريف ليس معاصراً ، فولي الله الدهلوي توفي في 1176هـ على ما ذكره الدكتور في حاشيته ، كما أنه غامض ، إذ لم يضعه على منوال الحدود والتعاريف ، فأسرار الدين لا تفيد بوضعها اللغوي معنى المقاصد أو ما يتعلق بها ، ولم يبين لها معنى اصطلاحي نعتمده في معرفتها ثم معرفة المعرَّف بها.

ولكن فيه إشارة إلى البواعث على التشريع . والله أعلم.

وننبه على أن الدكتور احميدان فسر قوله (ولمياتها) بحقيقتها ، وهذا خطأ ، فإن اللميات ما يسأل عنها بـ(ـلـِمَ) كما أن الماهيات ما يسأل عنها بـ (ما هي) فكل ما كان جواباً لسؤال (لِمَ ؟) فهو لميات المسؤول عنه ، أي أسباب الشيء وعلله الباعثة وحكمته وما شاكل.

وعلى كلٍّ الكلام في حكم الأحكام وأسبابها مما أسهب المتقدمون في الكلام عليه كما سيأتي.

2. ثم قال : (التعريف الثاني : الشيخ الطاهر بن عاشور : "مقاصد التشريع العامة : هي المعاني والحكم الملحوظة في جميع أحوال التشريع أو معظمها ، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة" ويعرض للمقاصد الخاصة في القسم الثالث من كتابه ـ مقاصد التشريع الخاصة ـ فيقول : "معرفة المقاصد الشرعية الخاصة في أبواب المعاملات ، وهي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة ، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة كيلا يعود سعيهم في مصالحهم الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيل مصالحهم العامة إبطالاً عن غفلة أو عن استزلال هوى ، وباطل شهوة)

ثم نقل الدكتور احميدان عن الدكتور حمادي العبيدي قوله : (إن هذا في الواقع ليس تعريفاً للمقاصد ، لأن التعريفات لا تكون بهذا الأسلوب ، وإنما هو بيان للمواطن التي تلتمس فيها المقاصد من الشريعة)

ونقل عن الدكتور اليوبي نقده للتعريف باعتبار شقيه ، وذلك أن أولهما يعطي تعريف المقاصد العامة خصوصاً ، فلا يصح بذلك أن يكون تفسيراً لعموم علم المقاصد الشامل لخاصها وعامها ، والثاني قسمه أيضاً إلى شطرين ، الأول يصلح لتعريف المقاصد العامة ، والثاني أدخل فيه لفظ (الكيفيات) ولا يعطي معنى دقيقاً للمقاصد.

وهكذا نقل نقد الدكتور الكيلاني للتعريف لكونه (يغلب عليه صفة البيان والتوضيح أكثر من صفة التعريف الذي يكون عادة جامعاً مانعاً ، ومحدداً بألفاظ محددة تصور حقيقة المعرف)

وفي الحقيقة هذا عندي شديد العماية ، وذلك أنه أدخل في تعريفه ألفاظ كـ (المعاني ، الحكم، ملحوظ، أحوال التشريع ، نوع خاص) وفي التعريف الثاني أدخل لفظ (الكيفيات) وهو غير واضح الدلالة لكونه أعم من المحدود و(المقاصد) فأعاد المحدود في حده، ثم ذكر كلاماً إنشائياً لا تعلق له بماهية المقصد ودلالته على غايته ليست من جهة الوضع البسيط المفهوم ، كقوله (كيلا يعود سعيهم في مصالح الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيل مصالحهم العامة إبطالاً عن غفلة أو عن استزلال هوى وباطل شهوة)!!

3. قال : (التعريف الثالث : علال الفاسي : المراد بمقاصد الشريعة : الغاية منها ، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)

ولم يعقب عليه بشيء ، وهو أحسنها أو من أحسنها ، سوى أنه ذكر الأسرار ، ويرد عليه ما قدمناه في تعريف الدهلوي ، وسنعود إليه.

4. قال : (التعريف الرابع : الدكتور يوسف العالم : المراد بأهداف الشرعية : مقاصدها التي شرعت الأحكام لتحقيقها ، ومقاصد الشارع هي المصالح التي تعود إلى العباد في دنياهم وأخراهم ، سواءً أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار)

وقد عقبه الدكتور احميدان بقوله : (نلاحظ أن طريقة التعريف ذاتها التي استعملها المتقدمون مثل الغزالي والعز ابن عبد السلام والآمدي)

فأفادنا الدكتور احميدان أن للمتقدمين تعريفاً للمقاصد الشرعية لا كما يزعم من ينفي ذلك ، وسيأتي. ونقل انتقاد الدكتور الكيلاني للعتريف بأنه : (لم يتعرض للمقاصد الجزئية التي يراعيها الشارع ويقصدها ، والتي من شأنها أن تفضي إلى الغاية الكبرى)

وفي هذا النقد نظر ، وذلك أن الإفضاء إلى الغاية الكبرى جعله الشارع عبر أحكام هي مصالح في ذاتها أو وسيلة إلى مصلحة ومفاسد في ذاتها أو وسيلة إلى مفسدة ، والجميع داخل في قوله : " سواءً أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار " أو يجعل الغاية الكبرى مقصداً ملحوظاً في وسيلته ، فيطلق على الوسيلة أنها مصلحة أو مفسدة باعتبار تأديتها إلى تلك الغاية الكبرى أو تأديتها إلى حرف الناس عن الوصول إليها. والله أعلم.

ومع ذلك فمن يزعم أن المتقدمين لم يتكلموا عن شرع الأحكام لمصالح العباد فهذا إما لا يستحي من الكذب أو بلغ من الجهل مبلغاً عظيماً.

5. قال : (التعريف الخامس : الدكتور وهبة الزحيلي : مقاصد الشرعية هي المعاني والأهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها ، أو هي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)

ولم ينتقد بشيء سوى أنه لم ينبه على أنه أخذه من تعريفي ابن عاشور والفاسي ، وفي هذا نظر.

لكن علته عندي أنه عرف بالمعاني والأهداف ، وهي أغمض من قولنا : المقصد ، فكان التعريف أغمض من المعرف فلا يفيد كبير فائدة ، كما أنه أدخل في التعريف ألفاظ غير واضحة كـ (الملحوظة) و(الأسرار) وتقدم الكلام عليها.

ونقل عبارة الفاسي والباعث لها عندهما ـ في ظني ـ عَقَدي ، وهو قوله : (التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها) فلم يجعل تلك المعاني والأسرار نتيجة للأحكام الموضوعة كما يقوله من يثبت تعليل الأفعال ، بل قال وضعها الله سبحانه عند تلك الأحكام ، وفاقاً منه لمن قصر العلل على أن تكون علامات للأحكام لجريان العادة على أن الله سبحانه يخلق تلك الأسرار عند وجود تلك الأحكام كما هو مذهب الأشاعرة.

والعيب في هذا أنه لا يستفيد منه من لا إلمام له بكلام الأشاعرة في أصول الدين في مسألة تعليل الأفعال ، فهو تعريف بمجهول. ومن يخالفهم يمنع من التعريف بهذه العبارة.

6. قال : (التعريف السادس : الدكتور أحمد الريسوني : إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت لأجل تحقيقها لمصلحة العباد) وهذا التعريف حسن أيضاً كتعريف الفاسي ، وسيأتي.

7. قال : (التعريف السابع : الدكتور حمادي العبيدي : المقاصد الشرعية هي الحكم المقصودة للشارع في جميع أحوال التشريع).

ولا عيب في هذا التعريف سوى إدخاله لفظ (أحوال) بحيث يحتاج إلى تعريف الأحوال حتى يتم التعريف به.

8. قال : (التعريف الثامن : الدكتور نور الدين بن مختار الخادمي : (المقاصد هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية والمترتبة عليها ، سواء أكانت تلك المعاني حكماً جزئية أم مصالح كلية ، أم سمات إجمالية ، وهي تتجمع ضمن هدف واحد ، وهو تقرير عبودية الله تعالى ومصلحة الإنسان في الدارين)

ولم ينتقده بشيء ، وفيه أنه استخدم ألفاظ معماة كـ (المعاني ، الملحوظة ، سمات ) وأدخل كلاماً إنشائياً في الحد لا دلالة له على الماهية ولا على نتيجتها بالوضع البسيط ، وهو قوله (وهي تتجمع ضمن هدف واحد ، هو تقرير عبودية الله تعالى ومصلحة الإنسان في الدارين)

أكتفي بهذا، وأقول :

لا أدري لما لا يقنع المعرفين باللفظ البسيط الدال بوضعه اللغوي على ماهية المحدود والغرض منه.


ثم إن المعرفين لم أراهم نبهوا على أن المقاصد قد يراد معرفة دلالتها وقد يراد معرفة مدلولها.

أما الأول فأن تقول : معنى المقصود أوالمقصد هنا خاصة المراد ، فمقصود الشارع مراده.


أما الثاني : فمراد الشارع من التشريع نفع العباد ، وذلك بتشريع ما يجلب لهم المصالح ويدفع عنهم المفاسد ، فالمقصود هو جلب تلك المنافع ودفع تلك المفاسد.

فالمقاصد الشريعة : هي جلب المصالح ودفع المفاسد المترتبة على التشريع .

وكل ما أفاد هذا المعنى فقد أعطى معنى المقاصد الشرعية ، ودعوى اختصاص هذا التعريف بالمقاصد العامة أو خروج الوسائل إلى المقاصد الشرعية عنه دعوى من لم يتصور معنى الحد حق تصوره.

ثم الحكمة : إما نفس تلك المصالح والمفاسد ، أو العلم بها على ما سيأتي.

ثم المصالح : المنافع وما يجلبها. والمفاسد : المضار وما يجلبها.

كل هذا بالتفصيل الممل موجود في كلام المتقدمين ، لكن كل في بابه كما كنت قدمته في (علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه) وسيأتي.

... يتبع ...
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

أقول : ولبيان أين تكلم السلف عن هذه المعاني المتقدمة ، وتحت أي مصطلح ، نرجع إلى كتاب الدكتور زياد حميدان ، فإنه وضع لذلك فصلاً تحت عنوان (مصطلحات وثيقة الصلة بالمقاصد)
وقال :
(استخدم الأصوليون مصطلحات لها صلة وثيقة بالمقاصد ، وربما كانت مرادفة لمصطلح المقاصد)
أقول : بل هي كذلك ، وعددها فقال : (العلة : اختلف الأصوليون في حقيقة العلة ، نورد هذا الاختلاف تفصيلاً )
وأقول : وهو مبحث مهم يحتاج إلى تفصيل فنتابع الدكتور على تأخيره إلى الموضع الأنسب له.
قال : (الحكمة : من المصطلحات المرادفة للمقاصد)
وهنا جزم المصنف بما أورده احتمالاً في السابق ، وإذا صححنا أن الحكمة مرادفة .. فقد بطل القول بأن المتقدمين لم يتكلموا في المقاصد ولم يعرفوه تعريفاً دقيقاً ، إلا على معنى أنهم لم يتكلموا على المركب من لفظي (مقاصد) و (شرعية) وإن كانوا تكلموا فيه تحت مصطلح آخر ، ولا يصح أن يُقال عنهم أنهم (إنما صبوا جل اهتمامهم على استحضارها أثناء اجتهادهم) (فقه التنزيل عند الإمام ابن تيمية) للأستاذة جميلة تلوت ، لأن المستحضر حال الإجتهاد ليس هو عبارة (مقاصد شرعية) بل المستحضر مفهوم هذه العبارة ، وقد تكلموا عن هذا المفهوم وفصلوا الكلام فيه تحت مصطلحات مغايرة.

قال الدكتور احميدان : (ومما ورد في تعريف الحكمة : 1. هي الفائدة التي لأجلها تكون العلة ، ولأجلها يوجد الحكم) ص 25، وذكر في حاشيته أنه منقول عن (الكاشف) للفخر الرازي.
أقول : و(الفائدة) المراد بها نفس النفع الحاصل بجلب المنافع ودفع المضار ، وجَعَلَها سبب وجود العلة والباعثة للحكم ، وعليه فالحكمة هنا هي مراد الشارع بوضع الحكم ، فيكون معنى هذا الحد ، الحكمة هي السر بحسب تعبير ولي الله دهلوي ومن وافقه ، والمعنى بحسب تعبيره وتعبير ابن عاشور ومن وافقهما أيضاً ، أو الغاية بحسب تعبير الفاسي ومن وافقه أو الأهداف بحسب تعبير الزحيلي ومن وافقه ، لأن هذه جميعها عند الرازي وعند من ذكرها سابقاً باعثة للحكم أو لأجلها وجد الحكم ، أو توجد عند وجود الحكم بحسب التعبيرات المختلفة المتقدمة سابقاً ، وجعلت العلل للدلالة عليها.
فإذا اتضح لك ذلك ، فأي التعاريف المتقدمة يخالف هذا التعريف ؟
وفي كلام بعض من تقدم زيادات ليست داخلة في صلب تعريف (المقاصد الشرعية) ، بل هي إما مكملات لا تعلق لها بنفس الماهية ، أو خطأ حمل عليه التنطع بغرض أن لا يستدرك اللاحق على المعرف .
قال : (2. ما تعلقت به عاقبة حميدة)
وذكر أنه نقل هذ التعريف عن (ميزان الأصول) للسمرقندي ، وهذا التعريف هو بالنظر إلى الحكمة من حيث هي من غير ربطها بالحكيم أو تقييدها بالشرعية أو غيرها.
فإذا ربطناه بالشارع الحكيم نتج لنا أحد التعريفين الذين كنت ذكرتهما في (علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه) عن شيخ الإسلام ابن تيمية و الإمام ابن الوزير رحمهما الله ، أي :
1. قال شيخ الإسلام : "الحكمة ما في خلقه وفعله من العواقب المحمودة والغايات المحبوبة"
2. وقال ابن الوزير : "نوع مخصوص من علم الله تعالى بالمنافع الخفية والعواقب الحميدة والمصالح الراجحة"
وإذا عرفت أن ما سماه من تقدم بالمعاني والأسرار والأهداف وما شاكل إنما أرادوا بها ما في الأحكام المشروعة من المصالح والمنافع العائدة على العباد ، تبين أن الحكمة هنا بمعنى المقاصد الشرعية.
وننبه على أن ماهية المقاصد الكلية والجزئية واحدة لا تفترق إلا بما لا تعلق له بنفس الماهية ، عرفت أنه لا داعي إلى التنصيص على ما يحدد المقاصد الجزئية في الحد العام لعلم المقاصد الشرعية خلافاً للخادمي ، بل يحد العلم بالحد العام ثم عند الكلام عن انقسام المقاصد إلى جزئية وكلية يعطى لكل واحد حده الذي يميزه عن الآخر ، أو يذكر ذلك القيد المميز للجزئي عن الكلي.

... يتبع ...
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

هذه خاطرة في ذهني أظن بها على النسيان ، فأسطرها هنا فأقول :
كنت أقرأ في (ترتيب الفروق) للبقوري فقرأت ما يلي : "المصلحة عبارة عن لذة ، أو عن سببها . أو فرحة أو سببها ، وأن المفسدة عبارة عن ألم ، أو عن سببه ، أو غم أو سببه. فإذا تبين هذا كان أصله ؛ ولكنه خصصه العرف الشرعي بشيء دون شيء. فلذات المعاصي وأسبابها لا يصدق عليها اسم المصلحة ، وإنما يصدق على ما عدا ذلك. ومشاق العبادات ومكارهها وأسبابها كذلك ، لا يصدق عليها اسم المفسدة ، قال عليه الصلاة والسلام : "حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات" ، ولكنه لا يقال لتلك الشهوات مصلحة ، ولا لتلك المكاره مفسدة" (ترتيب فروق القرافي) ص 31 ط دار المعرفة.
وكان أول ما خطر في بالي أن تعريف المصلحة باللذات وأسبابها إن كان تعريف للشيء بالماهية فلماذا لا تدخل اللذات الحاصلة بالمعاصي ؟ فمثلاً اللذة الحاصلة بالوطء واحدة سواءً كان الوطء حلالاً أو حراما ، والمنع غير راجع إلى نفس اللذة بل إلى طريق تحصيلهاه ، فينبغي أن تكون مصلحة في نفسها والمفسدة إنما هي في الزنا لا من حيث هو وسيلة لتحصيل اللذة ، إذ هو بهذا الاعتبار من أسباب المصلحة أو وسائل تحصيلها ، بل من حيث هو مؤدٍّ إلى مفسدة أخرى دنيوية كاختلاط الأنساب وأخروية كالعقاب.
وإذا أنا لم أخطء فكأن أساس هذا الخاطر كلام قرأته للإمام العز ابن السلام في (قواعده الكبرى) حيث اعتبر قطع يد السارق مفسدة واللذات الحاصلة بالمعاصي مصالح ، معاكساً بذلك لكلام البقوري .
والله أعلم
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

وكان أول ما خطر في بالي أن تعريف المصلحة باللذات وأسبابها إن كان تعريف للشيء بالماهية فلماذا لا تدخل اللذات الحاصلة بالمعاصي ؟ فمثلاً اللذة الحاصلة بالوطء واحدة سواءً كان الوطء حلالاً أو حراما
أليس للمعصية حسرة ، فبعد اللذة مباشرة ، هناك حسرة ، وتبعات ذلك على النفس وعلى المجتمع ، فاللذة لحظة ، والحسرة أقل ما تكون لحظات ، وربما ساعات ، وربما أيام ، وربما الى آخر العمر ، وربما الحسرة تبقى مستمرة في الدنيا والآخرة ، فأي لذة جنب هذه الحسرة
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

أليس للمعصية حسرة ، فبعد اللذة مباشرة ، هناك حسرة ، وتبعات ذلك على النفس وعلى المجتمع ، فاللذة لحظة ، والحسرة أقل ما تكون لحظات ، وربما ساعات ، وربما أيام ، وربما الى آخر العمر ، وربما الحسرة تبقى مستمرة في الدنيا والآخرة ، فأي لذة جنب هذه الحسرة
الكلام في اللذة من حيث هي ، فاللذة التي استمرت لحظة ثم أعقبتها حسرة استمرت في الدنيا والآخرة ، من حيث هي لذة ينبغي أن تكون مصلحة إذا عرفنا المصلحة بالملاذ والأفراح وأسبابهما ، إذ الحسرة التي تعقب ليست هي اللذة الحاصلة بالجماع فلا دخل لها في الماهية.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أقول : الحسرة التابعة لتلك اللذة هل سببها نفس اللذة الحاصلة بالجماع أو سببها حصول اللذة بالطريق الحرام ؟
إن قلت : حصولها بالطريق الحرام .
قلنا : فهذا لا علاقة له بنفس اللذة .
والله أعلم
 

صادبرك يحي نور

:: متابع ::
إنضم
23 يونيو 2009
المشاركات
10
التخصص
علوم إسلامية تخصص الفقه وأصوله
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

السلام عليكم
قال العز أن العلماء تعسفوا في استنباط العلل أو تعسفوا في استنباط الأحكام، وكان يكفيهم أن يرجعوا ويحتكموا في ذلك للمصلحة
أو في هذا المعنى
أحتاج من فضلكم إلى الموضع أوالعنوان الذي قال هذه العبارة تحته
وجزاكم الله خيــــــــــــــــــرا
 

أم أبيّ

:: متابع ::
إنضم
25 مايو 2014
المشاركات
67
الجنس
أنثى
التخصص
استشارات اسرية
الدولة
ليبيا
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
مالكي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

بارك الله بكم
 
إنضم
10 سبتمبر 2017
المشاركات
20
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
حضرموت
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

جزاك الله خيرا . عموما الموضوع جميل ولكن في بعض ما كتبته نظر
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

موضوع علم المقاصد الشرعية

قال الدكتور الخادمي : (موضوع أي علم يتناول مادته وماهيته وحقيقته ومحتواه، أي جملة الموضوعات والمسائل التي يتضمنها ويتعلق بها)
ومع أن مادة العلم وماهيته وحقيقته ومحتواه كله شيء واحد بحيث تُعدم العلة التي حملت الدكتور الخادمي على ذكر الكل، إلا أنا نرضى منه بما أتبعها من قوله (جملة الموضوعات ...) إلخ
وقد مثل الدكتور لذلك بعلوم نذكر منها قوله : (موضوع الفقه هو بيان أحكم الحلال والحرم، والواجب والمستحب والمكروه، وكذلك أدلتها التفصيلية من الآيات والأحاديث والسنن وتفاسير وأقوال العلماء والترجيح بينها.
وموضوع علم الأصول هو القواعد الإجمالية والمبادئ الكلية والمصادر التشريعية العامة التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام واستخراجها؛ لذلك سمي علم أصول الفقه بعلم الاستنباط والاستخراج)
دعنا لا نماحك ونقبل ما ذكر، فإنه في الجملة صحيح لا شيء فيه، فما هو علم المقاصد؟
يقول الدكتور : (فموضوع مقاصد الشريعة: هو بيان وعرض حِكَم الأحكام، وأسرار التشريع، وغايات الدين، ومقاصد الشارع، ومقصود المكلف ونيته، وغير ذلك مما يندرج ضمن ما أصبح يعرف حاليًا بمقاصد الشريعة التي أصبحت عِلمًا شرعيًا، وفنًا من فنون الشريعة الإسلامية، وضربًا من ضروبها) انتهى !!!
ماذا أقول؟!
أليستْ حِكَم الأحكام وأسرار التشريع وغايات الدين، ومقاصد الشارع شيءٌ واحد كما سبق بيانه في التعاريف؟!
أليس قصد المكلف ونيته شيء واحد؟!
وما المراد ببيان وعرض هذه الأمور؟
أليس كون علم المقاصد علماً شرعياً، هو بعينه كونه فناً من فنون الشريعة، وهذا ضرب من ضروبها؟!
طيب إيش علاقة قصد المكلف ونيته بموضوع العلم؟
طيب أين هو موضوع علم المقاصد من هذا الكلام؟!!!!!
إنما ذكرنا هذا لإثبات دعوانا التي عاتبنا عليها بعض من نحب أن القوم يتشدقون ويتنطعون بذكر الألفاط ويبالغون في تمطيطها، لغير قصدٍ صحيح، فالقوم يملأون أذنيك ألفاظاً ويخلون قلبك من المعاني.
نتجاوز ونقول ، قال الدكتور الخادمي : (الأمر الذي أدى بكثير من الباحثين والدراسين إلى الدعوة إلى تأسيس نظرية متكاملة في علم المقاصد يرتكز موضوعها على بحث المصالح الشرعية من حيث تعريفها وأمثلتها وحجيتها وحقيقتها، وأنواعها، ووسائلها، وآثارها، وعلاقتها بلأدلة، وصلتها بالواقع، وموقفها من العقل، وغير ذلك مما يتعلق به موضوع هذا الفن الجديد) انتهى
وفي نسخة الشاملة هنا سقط
جزى الله هؤلاء الباحثين خيراً، فقد أبانوا شيئاً من موضوع علم المقاصد، مع أنه لا يخفى على منصف أن من هذه المذكورات ما هو محض تكرار، وهي التعريف والحقيقة، وأن قوله (وآثارها) هو مجموع الحقيقة والحجية وعلاقتها بالأدلة وصلتها بالواقع وموقفها من العقل.
وبعضهم قصر موضوع علم المقاصد على علاقته بالأحكام فقط، هو الدكتور مسعود صبري.
وكيف كان فلا شك أن موضوع هذا العلم لا بُد أن يتناول ماهيته أولاً، ثم استمداده، ثم مسائله، وأهمها حجية المقاصد، وكيفية الإستنباط منها.
ولكل منها توابع ليست من حيث هي من مواضيع العلم، بل هي إما من مواضيع مواضيع العلم، كقولهم مثلاً أن موضوع أصول الفقه الأدلة الكلية، ثم يذكرون مثلاً تحت باب الكتاب تعريفه ورواياته وحجية المتواتر منها والشاذ والدلالات اللفظية كالمطلق والعام والخاص، فهي مواضيع لهذه المواضيع، وأصلها الكلي ككيفية الإستنباط من مواضيع أصول الفقه، لكن لا يقال أن القراءات الشاذة من مواضيع أصول الفقيه بل تذكر فيه في مبحث الكتاب الذي هو من مواضيع أصول الفقه. والله أعلم.
فإذاً أبواب تذكر في بعض تصانيفه كالفطرة ، والسماحة، وعموم الشريعة والمساواة وغير ذلك كثير ليست من مواضيع علم المقاصد باعتباره علم آلي، بل هي نفسها مقاصد، فهي كقوله سبحانه {أوفوا بالعقود} وقوله صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) والإجماع المنقول على وجوب الزكاة في عروض التجارة، وقياس تنصيف العدة على تنصيف الحد بالنسبة للأمة، فهذه ليست من مواضيع أصول الفقه وإن كانت أدلة جزئية مؤخوذة من الكلية التي هي من مواضيع أصول الفقه.

والآن إن عرفتَ أن من الأصوليين من فسر العلة بأنها الحكمة الغائية الباعثة للحكم أو الوصف المنضبط الدال عليها أو الازم لها، وأن المناسب من العلل هو الوصف الملائم لمصالح العباد عند العقلاء، وانقسامهما إلى ضروري وحاجي وتكميلي، مع تفصيل كل قسم منها، وشَرَطَ فيها الإنضباط والظهور والإضطراد.
وبينوا أدلتها، وكيفية استنباطها تحت عنوان مسالك العلة ودليل العلة وتصحيح القياس.
وكيفية استنباطها من الأصل، وتنقيحها عما يشوبها من الأوصاف غير المؤثرة، وتحقيق وجودها في الفرع.
وذكروا القوادح المانعة من اعتبارها.
بل وذكروا علاقتها بالأدلة كتخصيصهم العام وتقييدهم المطلق بها، بل وتعميم وإطلاق ما خرج خاصاً أو مقيداً بها كما في قوله سبحانه وتعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} و{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}
إذا عرفتَ هذا فالسؤال: ما الذي في علم المصالح الجديد من مواضيع جديدة؟

وقد كنتُ عبتُ في هذا الملتقى على بعض من صنف في علم المقاصد أنهم جاؤونا بعلمانية إسلامية، إن صح التعبير، وهاك مثاله واضحاً :
يقول الطاهر ابن عاشور : (ومما يصلح مثالاً للاجتزاء عن الوصف بغيره في صورة الضُّر تجارةُ المسلم في الخمر مع غير المسلمين، فإنَّ ما يُتوقع في شرب الخمر من المفاسد حاصل من الكافر والمسلم سواء، لارتفاع الوازع باختلال العقل. لكنْ يخلُفُ ما فيها من الضُّر في هذه الحالة شيءٌ قد يكون مسيغاً للتسامح في الإذن بالتجارة فيها مع الكفار. وهو: أن الضر الذي يصدر من الكافر لا يعدو قومَه وأهلَ مَحلته أو بلده غالباً. فالمسلمون في أمن من إضرار أهل الكفر، ويُضم إليه أن المسلمين غير مطالبين بحمل أهل الذمة على ترك ما تبيحه لهم ملَّتُهم.
فبهذا قد يُعتبر الضر في التجارة بالخمر مع الكفار أضعفَ من النفع الحاصل للمسلمين بأرباح تجارة الخمر. فجانب ما في التجارة بها معهم من النفع قد يُرجَّحُ على جانب المفاسد اللاحقة لهم، أو يرجّح على ذريعة أن يتناولها المسلمون في حانات أهل الذمة أو في ديارهم. فإذا تكاثر تردد المسلمين على حاناتهم أَمْكنَ تحجير التجارة في الخمر تحجيراً خاصاً ببعض الأوقات أو بعض الجهات بحسب فُشُوِّ ذلك) اهـ
وكأنه لم يقرأ قط قوله صلى الله عليه وسلم " (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة والخنزير والأصنام)، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرام»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه»)
لكنه حديث آحادي، والعمل بالمقاصد أصل من الأصول، فهيا نأصل الأصول لمحاربة الرسول.
اللهم غفرانك.
لكن هنا أسألة واردة على كلام الشيخ، فمثلاً إن أردنا أن نجلب هذه المصلحة ونبيع الخمر للكفار، هل نصنع نحن هذا الخمر أم نشتريه من الكفار؟ وما حكم هذا الشراء الذي يعود به النفع عليهم أيضاً كما سيعود علينا عندما سنبيعه نحن للكفار؟
وإذا صنعناه نحن، أليس الواجب علينا أن نتقن صناعته لقوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ»؟ فننشء له المصانع ونجلب عمال ذوي كفاءة جيدة ليكون المنتج خمراً نفتخر بجودته؛ وسيدر علينا أرباحاً أفضل من الخمور العادية والرديئة؟
ثم هل نروج له حتى يزيد بيعه فيكثر الربح الذي هو المنفعة الأهم من بيعه؟
وهل نسميه خمراً إسلامياً، لأنه من إنتاجنا نحن المسلمين وبكل فخر؟

بالله حين ترى أن علماً لم يتفقوا على حده، ولا له موضوع معتبر يخصه، محشو بالخطابيات، وينتج شذوذات، ماذا يكون موقفك منه؟
واعلم أن بعض من يدافع عنه لا يدافع عنه لقناعة ناجمة عن مضمونه، بل لأنه ضيع من عمره دهراً يتعلمه وتحصل على شهادة فيه، فهو وإن اقتنع بعدم جدواه لا يجرؤ أن يقول للناس، إن عدتُ من حيث بدأتُ.
ويذكرني هذا ببعض من تخصص بالفلسفة الماركسية حتى تحصل على شهادة الكتوراة، ثم عاد إلى عدن مع أوائل قيام الوحدة اليمنية، ثم ذهب إلى وزارة العمل يبحث على عمل على أساس الشهادة المذكورة، فسأله موظف هناك : (يا أخي بأيش من وظيفة أسجل طلبك؟ يعني اخليك واقف على باب مسجد تسب الدين والرب؟!)
وكيف كان هذا ما أمكن بحسب الظرف الحالي

والله سبحانه وتعالى أعلى وأجل وأعلم
سبحانك ربي ما أعظمك
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأفكار الشوارد في بعض ما سطره أصحاب المقاصد

قدمنا لك أن القوم لم يعينوا ما يصلح أن يكون موضوعاً لهذا العلم ـ على فرض التسليم ـ فنتبرع نحنُ فنقول :
أولاً : إذا شرعتَ في الكتابة في علم آلي، بل في أي علم سوى الأدب، فيجب التزام الأسلوب العلمي في الكتابة، لا الأدبي، لأن القصد الوصول إلى المعنى المقصود بأقصر وأوضح طريق، وهو ما يكاد أن تخلو عنه كتب القوم، فبدلاً من أن يحدوا الإنسان بالحيوان الناطق مثلاً، فيحصل بذلك تصور جُملي عن النوع الخاص، تراه عندهم (ذلك المخلوق الذي جمع الله في كنهه حقيقة الوجود، معبراً عنها بمقاصد يرجوها في ...) وطبعاً هذا مثال من عندي ليس نقلاً عن أحدهم، فإن شككت في دعوانا رددناك إلى المثال آنف الذكر، وهو قول الخادمي هدانا الله وإياه : (موضوع مقاصد الشريعة: هو بيان وعرض حِكَم الأحكام، وأسرار التشريع، وغايات الدين، ومقاصد الشارع، ومقصود المكلف ونيته، وغير ذلك مما يندرج ضمن ما أصبح يعرف حاليًا بمقاصد الشريعة التي أصبحت عِلمًا شرعيًا، وفنًا من فنون الشريعة الإسلامية، وضربًا من ضروبها) وسيأتي معك أمثلة على العناوين التي يضعونها في كتبهم، وهي أحق الكلام بالأسلوب العلمي الواضح المقتضب، لترى ما يضيق به صدرك، إن كُنْتَ ممن يقصد تحصيل الحقائق، إما إن كان جل همك تطلب الفكاهات والنوادر، فإن أسلوبي هو الذي سيضيق به صدرك، فاصبر نفسك ثم احكم.

ثم نخوض فيما نحن بصدده فنقول: إن مبادئ العلوم كالحد والاستمداد والثمرة ليست هي موضوعات هذه العلوم، بل مقدمات يُستعان بها، فإن توقف موضوع العلم عليها كان ذكرها ضرورياً، لكن لا تُعَدُّ من موضوعاته كما قُرّر، أما الموضوع فهي مسائل العلم الداخلة في حده اللقبي المحققة لثمرته.
إذاً لا بُد لنا من معرفة الحد ليحصل التصور الإجمالي، والثمرة؛ لكي لا نصرف الجهد والوقت فيما لا يحقق مقصود هذا العلم، والاستمداد؛ لأن منه تستخرج الماهية وأدلتها.
أما الحد: فالمقاصد الشرعية باعتبار المركب الإضافي (المصالح العائدة على المكلفين بالتزام الأحكام الشرعية). وكل عبارة أعطت هذا المعنى فهي حد ، وكل زيادة إن لم تنتهي إليه فباطلة أو انتهت إليه فلا حاجة إليها.
أما باعتبارها لقباً للعلم المخصوص : فهي (المقاصد باعتبارها دليلاً كلياً على الأحكام الشرعية)، هكذا يظهر من تصريح بعضهم بأنها قسيمة الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ومن تصريح بعضهم باستقلالها بالدلالة على أحكام الوقائع التي لم ينص الشارع على حكمها ولا على حكم نظائرها، ومن ثم ينبغي أن يضاف إليه (وكيفية الإستدلال بها) على وزان الأدلة الكلية، وينبغي أن يزاد أيضاً (والترجيح وحال المفيد والمستفيد) كما في حد أصول الفقه؛ لأنهم يتكلمون على رُتَب المصالح والترجيح بينها إذا تعارضت، وفي الفتوى وعلاقتها بالمقصد سواءً بالنسبة للفقيه لاحتياجه إلى معرفتها أو المستفتي لتنزل الفتوى على حاله بحيث يحصل المقصود الشرعي منها.
وهنا سؤال: هل نَعُدّ وسائل المقاصد من المقاصد؟
القوم متخبطون هنا تخبطاً لا يمكن الخروج منه بنتيجة.
لكن نقول: إن قلنا: ليست بمقاصد .. فلا إشكال، وصنيع الجماعة يخالفه عملياً.
وإن قلنا هي من المقاصد باعتبار أن تحصيل المقصد هو نفسه مقصد، فهذا اصطلاح، وليس مقصداً حقيقياً؛ لأن الوسائل قد لا تكون وصفاً مناسباً، لكنها تقود إلى المناسب.
وتصرفات المقاصديين مشعرة بأنهم لا يفرقون، وتفسيراتهم مشعرة بأن سبب عدم التفرقة سوء التصور لا الاصطلاح؛ فمنهم مثلاً من يجعل إظهار الحق مقصداً، مع أنه وسيلة عند التحقيق؛ لذا قد يُطلب إخفاء الحق في بعض المواضع لتحصيل مقصد شرعي، ولكنه من الاغترار بالألفاظ، حتى أن صاحب الاصطلاح المشار إليه ترك الاصطلاح السائد بين المتشرعة والقانونيين أي (البينات) أو (طرق الإثبات) واستعاض عنها بـ(طرق إظهار الحق)!

أما الثمرة : فمعرفة الأحكام الشرعية الفرعية، لكن هذا يختلف فيه المقاصديون باختلاف مذاهبهم، فمن يمنع منهم القول بالاستصلاح .. يخصها بتعريف الأحكام الشرعية المدلول عليها بغيرها من الأدلة الكلية أي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، بأن توضح مدلول النص، وتبين كون الإجماع مما يجوز تغير حكمه أو لا، أما القياس فلكونها علته، أو ملزومة للوصف المعتبر فيه.

أما الاستمداد: فبما أن الكلام في الأحكام الشرعية .. فينبغي أن يكون استمدادها من الكتاب والسنة، أما بالنسبة للأشاعرة؛ فلأن العقل لا مدخل له في وضع الأحكام الشرعية، أما المعتزلة؛ فلأن العقل عندهم لا يستقل بمعرفة المصالح والمفاسد وراء التكاليف الشرعية، ودعك مما يُنْسَبُ إليهم هنا بغرض التشنيع. أما الفقهاء؛ فلأن الأمر عندهم دائر بين الأمرين، أي إنشاء الحكم والكشف عنه، مع الموافقة على أن العقل لا يستقل بإدراك المصالح والمفاسد الشرعية.

أما الموضوع : فالمقصد الشرعي باعتباره دليلاً كلياً، وأقسامه باعتبار ثبوته، وأقسامه باعتبار ظهوره، وكيفية الاستدلال به، والترجيح عند التعارض، سواءً كان تعارضاً بين المقاصد أو بين المقصد الشرعي ودليل آخر من كتاب وسنة وإجماع وقياس، ثم حال المجتهد بالنظر إلى إلمامه بالمقاصد الشرعية وقدرته على تنزيلها على وقائع الأحوال، والمستفتي باعتبارى أنسب الأحكام المحققة للمقاصد الشرعية بالنظر إلى خصوص واقعته.
أما من يقول بالاستصلاح كالمالكية فيضيفون دلالتها على الأحكام الشرعية في الوقائع التي لم ينص الشارع على حكمها ولا على حكم نظائرها.

هذا ما كان ينبغي أن تكون عليه كتب المقاصد الشرعية المعتنية بهذا العلم باعتباره علم آلي يتوصل به إلى غيره ـ على فرض تسليمه الدعوى ـ .
فأي كتبهم تعرفه حقق هذا؟
هذا إمام الجماعة رحمه الله وغفر له قسم كتابه ثلاثة أقسام:
القسم الأول : وليس فيه مما له تعلق بعلم المقاصد الآلي سوى عنوانين فقط (طرق إثبات المقاصد الشرعية) و(مقاصد الشريعة مرتبتان : قطعية وظنية)، وهما مختلسان كلياً من كتب الأصول، ثم لا نوافقه مع ذلك على كل ما جاء تحتهما.
وحشى القسم الثاني بما لا تعلق له بعلم المقاصد الآلي كـ (ابتناء مقاصد الشريعة على وصف الشريعة الأعظم وهو الفطرة) و(السماحة أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها) و(طلب الشريعة للمصالح) و(عموم شريعة الإسلام) و(المساواة) و(ليست الشريعة بنكاية) و(مقصد الشريعة من التشريع تغيير وتقرير) وهذا العنوان قد يشير إلى نوع ارتباط، لكن لا على المعنى الذي شرحه الشيخ، و(أحكام الشريعة قابلة للقياس عليها باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية)!! و(التحيل على إظهار العمل في صورة مشروعة مع سلبه الحكمة المقصودة للشريعة)!! و(الرخصة) و(مراتب الوازع) و(مدى حرية التصرف عند الشريعة) ... إلى غير ذلك مما لا علاقة له بعلم المقاصد الآلي، وثمة عناوين مشتبهة لكن لا تحصل تحتها مما يمكن اعتباره من جملة المواضيع إلا نحو الجملة أو الفقرة وما قارب ذلك، وباقيه حشو.
وهكذا القسم الثالث، بل القسم الثالث ليس فيه مما يمكن عده من علم المقاصد سوى محاولته تعريف المقاصد الجزئية، والذي لم يسلمه له بعض متابعيه، وجُمَلٌ أو فقرات متفرقة قد لاكها في مواضع سابقة، ثم استجرها هنا.
وقد دار في خلدي ـ ولا يزال ـ أن الشيخ رحمه الله لم يقصد بكتابه هذا وضع علم آلي، بل هي أبحاث ضمنها بعض الضوابط وذكر مجموعة من المقاصد لا على نظام مخصوص؛ لتكون هادية للفقيه معينة له على تفهم النصوص مقربة لوجهات نظر المختلفين ونحو ذلك مما أشار إليه في أول كتابه.
لكن هذا يقتضي أن يستدرك من بعده ممن يصرح بأن الغرض إنشاء علم آلي مستقل عن باقي علوم الشريعة، ويكون قسيماً لها، كالخادمي وغيره، لكن ماذا صنعوا؟
عامتهم إنما يتكلم في المصالح المعينة لأحكام الشريعة إما في عموم أبواب الشريعة بشكل جُملي كما فعل الدكتور زياد احميدان في كتابه في المقاصد، أو في بعض أبوابها كما تراه في كثير من أبحاث الريسوني وابن بيه مثلاً.
وليس في هذه الكتب والأبحاث قواعد استنباط هذه المقاصد ولا ذكر لكيفية استنباطها، بل يقررونها رأساً مسبوقة بنحو (لا مراء أن مقصود الشارع من كذا هو كذا) ونحن ولو سلمنا بعدم المراء في المقصد المُدَّعى، فإنا نريد أن نعرف كيفية استنباط هذا الذي لا مراء فيه حتى نستفيد كيفية استنباط أمثاله حيث كان ثم مراء.
بهذا نكتفي الآن.

والله أعلم بالصواب
 
التعديل الأخير:
أعلى