العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الإحصار في الحج (معناه، أحكامه)

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
الإحصار في الحج

المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فلما كانت فريضة الحج ركناً من أركان الإسلام لمن كان مستطيعاً على القيام بهذه الفريضة في قوله تعالى: ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ [آل عمران: 97] .
وفي حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان"(1). وفريضة الحج مفروضة في العمرة مرة واحدة، لما ورد من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال:" يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله، فسكت. حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال: ذروني ما تركتم"(2).
ولما كان المسافر إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الفريضة قد تعترضه بعض المشاق التي ربما منعت الحاج من الوصول إلى مكة المكرمة، فينقطع به السبيل فلا يستطيع إتمام النسك، والإحصار يعتبر من العوارض النادرة، فمن اعتقد أنه إذا حج أحصر عن البيت لم يكن عليه الحج بل خلو الطريق وأمنه وسعة الوقت شرط في لزوم السفر باتفاق المسلمين(3).
وأحكام هذه الموانع والحواجز قد تكون مجهولة لدى كثير من حجاج بيت الله الحرام، فهذا بحث متواضع بعنوان: (الإحصار في الحج).
وهذا البحث يشتمل على ستة مباحث، ثم مطالب، ثم مسائل بحسب الحاجة، وهي كالآتي:
المبحث الأول: تعريف الإحصار.

المبحث الثاني: الأصل في حكم الإحصار.
المبحث الثالث: المقصود بالمحصر في الآية.
المبحث الرابع: الاشتراط عند الإحرام وأثره عند الإحصار.
المبحث الخامس: أحكام الإحصار.
المبحث السادس: الإحصار الجزئي.

سائلا من المولى سبحانه وتعالى التوفيق والسداد والإخلاص في القول والعمل.


كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول
بتاريخ20ذو القعدة1247هـ الموافق 10/12/2006م.
مراجعة: علي عمر بلعجم 20/12/2006م.

المصدر

 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج

رد: الإحصار في الحج

المبحث الأول: تعريف الإحصار:
1- تعريف الإحصار في اللغة:
الإحصار: مصدر أحصره، يقال: حصره العدو حصراً: أحاط به ومنعه من المضي لأمره(4). قال ابن منظور: والإحصار: المنع(5). وقال الزبيدي: "حصره حصراً فهو محصورٌ وحصيرٌ وأحصره كلاهما: حبسه ومنعه عن السفر... وقال ابن الأثير: الإحصار أن يمنع عن بلوغ المناسك بمرض أو نحوه. وقال الفراء: العرب تقول للذي يمنعه خوفٌ أو مرضٌ من الوصول إلى تمام حجه أو عمرته ... يقال في المرض: قد أحصر. وفي الحبس إذا حبسه سلطانٌ أو قاهرٌ مانعٌ: قد حصر فهذا فرق بينهما" (6). وقد قرر أهل اللغة أن الحصر: للمنع بالعدو، والاحصار: للمنع بالمرض. والآية وردت بمناسبة الحصر بالعدو، وأطلقت كلمة: "أحصرتم" والإحصار في اللغة: للمنع بالمرض.

2- تعريف الإحصار في الشرع:
في كتب الحنفية: الإحصار: هو اسمٌ لمن أحرم ثم منع عن المضي في موجب الإحرام سواءٌ كان المنع من العدو أو المرض أو الحبس أو الكسر أو العرج وغيرها من الموانع من إتمام ما أحرم به حقيقةً أو شرعًا[SUP][SUP](7)[/SUP][/SUP] . وحد المرض الذي يثبت به الإحصار عند الحنفية: أن يقعده عن الذهاب والركوب إلا لزيادة مرضٍ[SUP][SUP](8)[/SUP][/SUP]. وعرفه الزهري فقال: الحصر ما منعه من وجعٍ أو عدو حتى يفوته الحج[SUP][SUP](9)[/SUP][/SUP]. وعَرَّف الخليلُ الإحصارَ فقال: "هو أن يحصر الحاج عن بلوغ المناسك مرضٌ أو عدو"[SUP][SUP](10)[/SUP][/SUP]. وقيل: منع الخوف أو المرض من وصول المحرم إلى تمام حجته أو عمرته[SUP][SUP](11)[/SUP][/SUP]. وقيل: منع المضي في أفعال الحج سواء كان المنع ظاهرا كالعدو أو باطنا كالمرض والحصر لا يكون إلا في الباطن[SUP][SUP](12)[/SUP][/SUP]. وفي كتب المالكية(13) والشافعية(14) والمشهور عند الحنابلة(15): أن الإحصار هو حصر العدو.

ومن هذه التعاريف يظهر ما يلي:
1- الإحصار من العدو محل اتفاق العلماء.
2- الإحصار يقع في الحج، ويقع في العمرة أيضاً. والدليل ما يلي:
أ- قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ عقيب قوله عز وجل ﴿ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّه﴾ [البقرة:196]. فالمراد أن الإحصار يقع في الحج ويقع في العمرة.
ب- وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم حصروا بالحديبية فحال كفار قريشٍ بينهم وبين البيت وكانوا معتمرين فنحروا هديهم وحلقوا رؤوسهم.
ج- ولأن التحلل بالهدي في الحج لمعنًى هو موجودٌ في العمرة وهو التضرر بامتداد الإحرام(16).
3- الفرق بين الإحصار والفوات، فالإحصار: هو عجز الحاج عن فعل النسك بعد الإحرام بأي سببٍ من الأسباب. والفوات: هو أن يذهب وقت الوقوف بعرفة، دون أن يدرك الحاج الوقوف بها، سواء كان ذلك بعذر أم بغير عذر.
4- الفوات يختص بالحج، أما العمرة: فإنها لا تفوت، لأنها غير مؤقتة بوقت.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج

رد: الإحصار في الحج

المبحث الثاني: الأصل في حكم الإحصار:
1- قوله تعالى:﴿ وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ﴾ [البقرة: 196].
2- حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - معتمرين، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه(17) وحلق رأسه"(18).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج

رد: الإحصار في الحج

المبحث الثالث: المقصود بالمحصر في قوله تعالى: ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ .

اختلف الفقهاء في مفهوم المحصر في هذه الآية، واختلفوا في حصر النبي – صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية:
1- منهم من يرى أن الإحصار يكون بالعدو فقط.
2- منهم يرى أن الإحصار يكون بالعدو وبالمرض.
3- منهم من يرى أن الإحصار يكون بأي سبب من الأسباب
(19).
وفي كل هذه كالأحوال: إما أن يكون الإحصار عاما أوخاصاً، فالعام: ما كان في حق المجموعة من الحجاج كحصر العدو، والخاص: ما كان في حق الشخص الواحد كأن يتعرض له ظالم في طريقه، أو أن يصيبه المرض، أو أن يفقد نفقته، وغير ذلك.

أقوال الفقهاء في المراد بالمحصر:
القول الأول: قول مالك(20) والشافعي(21) وهو المشهور من أقوال أحمد(22): أن الإحصار لا يكون إلا بالعدو، فإذا منعه عدو بحج أو عمرة فله التحلل. فإن أمكن المحصر الوصول من طريق أخرى لم يُبح له التحلل ولزمه سلوكها بعدت أو قربت خشي الفوات أو لم يخشه. والمحصر لا ينسب إليه تفريط في الحج بخلاف من فاته الحج[SUP][SUP](23)[/SUP][/SUP].
وبناءًا على هذا القول: فكل من يتعذر عليه الوصول إلى الكعبة المشرفة بغير حصر العدو من مرض أو عرج أو ذهاب نفقة ونحو ذلك: أنه لا يعتبر محصرًا، ولا يثبت في حقه حكم الإحصار، وهو التحلل من الإحرام.
لكن من غلب على ظنه الوصول إلى البيت وزوال حصر العدو أن يبقى على إحرامه، علَّه أن يدرك الحج، أو يذهب الظن الذي ظنه. قال ابن عبد البر: "ولا أعلم خلافا فيمن حصره العدو أنه إذا غلب عليه رجاؤه في الوصول إلى البيت وأدرك الحج أنه يقيم على إحرامه حتى ييأس فإذا يئس حل"(24).

حجة القائلين بأن الحصر لا يكون إلا حصر العدو:
1- إن آية الإحصار نزلت في حصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الحديبية في الحصر بالعدو فيكون هو المقصود، ولا يلحق به المرض.
2- قد قال تعالى في الآية: ﴿فإذا أمنتم﴾ والأمن يكون من العدو، فلا يتحلل إلا في الإحصار بالعدو ونحوه.
3- قوله تعالى: ﴿ فمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ ﴾ [البقرة:196]. قالوا: فلو كان المحصر بمرض لما كان لذكر المرض بعد ذلك فائدة
4- روي عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو(25).
5- الفرق بين المحصر بعدو، والمحصر بمرض، وأن المحصر بمرض لا يقاس على المحصر بعدو. قال الإمام الشافعي: "المحصر بعدو خائفٌ القتل على نفسه إن أقدم عليه وغير عالمٍ بما يصير إليه منه إذا أقدم عليه وقد رخص لمن لقى المشركين أن يتحرف للقتال أو يتحيز إلى فئةٍ فإذا فارق المحصر موضعه راجعًا صار إلى حالٍ أحسن من حاله في التقدم والمقام لمزايلة الخوف إلى الأمن. والمريض ليس في شيءٍ من هذه المعاني لا هو خائفٌ بشرًا ولا صائرٌ بالرجوع إلى أمنٍ بعد خوفٍ ولا حالٌ ينتقل عنه إلا رجاء البر والذي يرجوه في تقدمه رجاؤه في رجوعه ومقامه حتى يكون الحال به معتدلًا له في المقام والتقدم إلى البيت والرجوع، فالمريض أولى أن لا يقاس على المحصر بعدو"(26). وعلَّلَ المزني: أن المحصر بالعدو له عدة حالات بخلاف المحصر بالمرض فله حالة واحدة فقال: "والفرق بين المحصر بالعدو والمرض أن المحصر بالعدو خائف القتل إن أقام وقد رخص لمن لقي المشركين أن يتحرف لقتال أو يتحيز إلى فئة فينتقل بالرجوع من خوف قتل إلى أمن والمريض حاله واحدة في التقدم والرجوع والإحلال رخصة فلا يعدى بها موضعها"(27).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج

رد: الإحصار في الحج

القول الثاني: قول أبي حنيفة[SUP][SUP](28)[/SUP][/SUP]، وقول لمالك في غير المعتمد(29)، وهو قول لأحمد غير المعتمد من أقواله[SUP][SUP](30)[/SUP][/SUP]: أن الحصر يكون بكل شيء يحبس عن الكعبة سواء كان عدواً - ولو مسلما - أو مرضاً يزيد بالذهاب أو الركوب، أو موتاً لمحرم المرأة أو زوجها عند القائلين بوجوبه، أو هلاك النفقة. وبناءً على هذا القول: فكل من يتعذر عليه الوصول إلى الكعبة المشرفة سواءً كان الحصر من العدو أو بسبب المرض أو ذهاب النفقة ونحو ذلك: أنه يعتبر إحصارًا، ويصير به محصرًا، وله التحلل من الإحرام. قال أبو حنيفة:" من حبس عن الحج بعدما يحرم لمرض أو عن العمرة بعدما يحرم بها لمرض أصابه لا يقدر على النفاذ، فإنه يبعث الهدى ويواعدهم فيه بيوم ينحر فيه الهدي فإذا نحر حَلّ"(31).
وقال ابن عبد البر: قال مالك:" وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض أو بغيره فهو محصر عليه ما على المحصر"(32).

ومن الموانع التي يتعذر بسببها الوصول على هذا القول:
1- موت محرم المرأة أو زوجها في الطريق؛ لأنها ممنوعة شرعًا من المضي في موجب الإحرام -أي الحج أو العمرة- بلا زوج ولا محرم من أقاربها. وكذلك إذا أحرمت بحجة التطوع ولها محرم من أقاربها وزوج، فمنعها زوجها من الحج تصير محصرة؛ لأن للزوج أن يمنعها من حجة التطوع، كما أن له أن يمنعها من صوم التطوع، فصارت بمنع الزوج ممنوعة شرعًا، فصارت محصرة كالممنوع حقيقة بالعدو ونحوه. قال الشافعي:" وإن أحرم العبد بغير إذن سيده، والمرأة بغير إذن زوجها فهما في معنى الإحصار وللسيد والزوج منعهما وهما في معنى العدو في الإحصار(33). وإن أحرمت المرأة بحجة الإسلام ولا محرم لها ولا زوج، فهي محصرة لأنها ممنوعة عن المضي في موجب الإحرام لحق الله -تعالى- وهذا المنع أقوى من منع العباد. أما إذا كانت تريد حجة الإسلام ولها محرم، ولها استطاعة على نفقته ونفقتها للحج فليس لزوجها منعها من فريضة الحج، كما ليس له منعها من الفرائض كالصلوات المكتوبة وصيام رمضان.
2- المحبوس بدمٍ أو دَينٍ يمنعه الحاكم.
3- السفيه المحجور عليه يمنعه وليه أو وصيه.
4- المدين يمنعه الدائن(34).

حجة القائلين بأن الحصر يكون بالعدو ويكون بالمرض ونحوه:
1- عموم قوله تعالى: ﴿فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي﴾، والإحصار هو المنع، والمنع كما يكون من العدو يكون من المرض ونحوه.
2- لفظ الإحصار: هو ما يكون بالمرض، أما ما يكون بالعدو فهو الحصر لا الإحصار.
3- قوله تعالى: ﴿فإذا أمنتم﴾ أجابوا عنه: بأن الأمن كما يكون من العدو يكون من زوال المرض لأنه إذا زال مرض الإنسان أمن الموت منه أو أمن زيادة المرض .
4- روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابلٍ"[SUP][SUP](35)[/SUP][/SUP] فقوله: حل: أي جاز له أن يحل(36).

القول الراجح:
الذي يظهر- والله أعلم- : أن الحصر قد يكون بالعدو وقد يكون بالمرض.
سبب الترجيح:
1- عموم قوله تعالى: ﴿فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي﴾ والإحصار هو المنع، والمنع كما يكون من العدو يكون من المرض ونحوه. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إذ الحكم يتبع اللفظ لا السبب. والآثار إنما جاءت في المحصر أنه يحل إذا نحر هديه ولا يبالي أعدو حصره أم مرض، إنما يراد من ذلك العذر الذي يمنعه من الذهاب إلى مكة فإذا جاء من المرض ما لا يقدر معه على الانطلاق إلى مكة صار كالذي حصره العدو.
2- المعنى الذي يجعل المحصر بالعدو يتحل من إحرامه هو موجود كذلك في المرض ، وهو الحاجة إلى الترفيه والتيسير لما يلحقه من الضرر والمشقة والحرج بإبقائه محرمًا مدة مديدة، والحاجة إلى الترفيه والتيسير متحققة في المرض ونحوه، فيتحقق به الإحصار، ويثبت حكمه في حق المحرم، وهو التحلل(37).
3- لأن المحصر بعدو قد يمكنه دفع شر العدو بالقتال، فيدفع الإحصار عن نفسه، ولا يمكن المحصر بمرض دفع المرض عن نفسه، فإذا اعتبر الإحصار بالعدو عذرًا، فاعتبار الإحصار بالمرض عذرًأولى.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز- رحمه الله- :" والصواب أن الإحصار يكون بالعدو ويكون بغير العدو فيهدي ويحلق ويقصر ويتحلل هذا هو حكم المحصر يذبح ذبيحة في محله ولو كان خارج الحرم فإن لم يتيسر حوله أحد نقلت إلى فقراء الحرم أو إلى من حوله من الفقراء أو إلى فقراء بعض القرى ثم يحلق أو يقصر ويتحلل , فإن لم يستطع الهدي صام عشرة أيام"(38).

 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج

رد: الإحصار في الحج

المبحث الرابع: الاشتراط عند الإحرام وأثره عند الإحصار:

إذا اشترط الحاج في ابتداء إحرامه أنه يحل من إحرامه إذا حبسه حابس من عدو أو مرض أو غيره وقال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني. فهذا الاشتراط له أثره عند إحصاره؛ إذ يجوز له التحلل من إحرامه إذا أصابه إحصار بعدو أو بغيره من الموانع، ولا شيء عليه لا هدي ولا قضاء ولا غيره. لحديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير فقال لها: " لعلك أردت الحج. قالت: والله لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي قولي: اللهم محلي حيث حبستني " (39).
ومعنى: "حيث حبستني" هو المكان الذي تقدر للشخص فيه الإصابة بعلة المرض والعجز عن الإتيان بالمناسك(40). وهذا الإشتراط يكون عند الإحرام لما روى ابن عباس: أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله: إني أريد الحج أشترط ؟ قال:" نعم " قالت: فكيف أقول ؟ قال: قولي لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني(41) . فهذ النص يبين الأصل: وهو لزوم الإحرام إلى أن يؤدي أفعال الحج إلا أن يشترط ذلك عند الإحرام فحينئذ يصير التحلل له حقاً بالشرط.
يفيد هذا لحديث: أنه لو اشترط الحاج في ابتداء إحرامه أنه يحل من إحرامه لوجود مانع يمنعه عن أداء الحج. فهذا الاشتراط يجيز له التحلل من إحرامه، وبعد التحلل من الإحرام بسبب الإحصار يباح للحاج تناول جميع ما حظره الإحرام لزوال الحاظر -المانع- فيعود حلالاً كما كان قبل الإحرام.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج (معناه، أحكامه)

المبحث الخامس: أحكام الإحصار، وفيه مطلبان:

قال الكاساني:" فالإحصار يتعلق به أحكامٌ لكن الأصل فيه حكمان. أحدهما: جواز التحلل عن الإحرام. والثاني: وجوب قضاء ما أحرم به بعد التحلل" أما من منع عن المضي في موجب الإحرام شرعًا لحق العبد مثل المرأة، والعبد الممنوعين شرعًا لحق الزوج والمولى بأن أحرمت المرأة بغير إذن زوجها أو أحرم العبد بغير إذن مولاه، فللزوج والمولى أن يحللهما في الحال من غير ذبح الهدي(42) وعليه فهذه الأحكام التي سأذكرها إنما هي فيمن منع شرعاً لحق الله تعالى ، كالمحصر بعدو، أو مرض، أو نحوه. فأقول: للمحصر حكمين اثنين وهما في مطلبين:
المطلب الأول: جواز التحلل من الإحرام.
المطلب الثاني: قضاء ما أحرم به بعد التحلل.
وأبدأ الكلام في المطلب الأول:

المطلب الأول: الحكم الأول من أحكام المحصر: جواز التحلل من الإحرام ، وفيه ست مسائل:

المسألة الأولى: معنى التحلل:
هو فسخ الإحرام والخروج منه بالطريق الموضوع له شرعًا.

المسألة الثانية: دليل جواز التحلل:
1- قوله تعالى: ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ [البقرة: 196]. ، وفيه إضمار، ومعناه - والله أعلم- فإن أحصرتم عن إتمام الحج والعمرة، وأردتم أن تحلوا -أي تتحللوا من إحرامكم- فاذبحوا ما استيسر من الهدي(43).
2- حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - معتمرين، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه(44) وحلق رأسه"(45).
3- وقد أجمع أهل العلم: على أن المحصر بعدو إذالم يجد طريقا آمنا يوصله إلى الحج أنه يجوز له التحلل من إحرامه(46).

المسألة الثالثة: وقت التحلل:
أ- المحصر بالعدو: له أن يتحلل وقت الحصر بشرط: عدم وجود طريق أخرى آمنة توصله إلى الحج، وهذا محل اتفاق العلماء(47). فلو صد عن طريق وهناك طريق آخر نظر إن تمكن من شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه سواء طال هذا الطريق أم قصر سواء رجا الإدراك أم خاف الفوات أم تيقنه، وإذا سلكه ففاته الحج لطول الطريق الثاني أو خشونته أو غيرهما مما يحصل الفوات بسببه لم يلزمه القضاء على الأظهر(48).
واستحَبَّ الشافعية: تأخر التحلل إن كان الوقت واسعاً، وأما إن تيقن زوال الحصر بحيث يستطيع أن يدرك الحج فيمنع التحلل. قال الماوردي:" إن تيقن زوال الحصر في الحج في مدة يمكن إدراكه بعدها أو في العمرة في مدة ثلاثة أيام امتنع التحلل" (49). فإن فاته الحج والإحصار دائم تحلل بعمل عمرة(50). قال ابن قدامة: والمحصر له أن يتحلل سواءً كان الإحرام بحج أو عمرة أو بهما في قول وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وحكي عن مالك: أن المعتمر لا يتحلل لأنه لا يخاف الفوات وليس بصحيح؛ لأن الآية إنما نزلت في حصر الحديبية وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه محرمين بعمرة فحلوا جميعا(51).
ب- المحصر بالمرض وغيره: بناءً على الترجيح في المراد بالإحصار، فإن للمريض التحلل من إحرامه، وذبح الهدي في مكان مرضه، وهذا التحلل يكون عند نزول المرض بشرط: أن يقعده المرض عن الذهاب والركوب. وعند الشافعية: ليس للمحرم التحلل بعذر المرض بل يصبر حتى يبرأ، فإن كان محرما بعمرة أتمها، وإن كان بحج وفاته تحلل بعمل عمرة، ولا يجزيه الهدي حتى يبلغ الحرم(52). والصحيح: أنه يتحلل كالمحصر بعدو.(53).
قال ابن حزم:" وأما القول ببقاء المحصر بمرضٍ على إحرامه حتى يطوف بالبيت فقولٌ لا برهان على صحته ولا أوجبه قرآنٌ ولا سنةٌ ولا إجماعٌ"(54). وقد ردَّ ابن تيمية على من يقول إن المحصر بمرض يبقى محرماً فقال:" لا يقول فقيه إن الله أمر المريض المعضوب المأيوس من برئه أن يبقى محرما حتى يموت بل أكثر ما يقال إنه يقيم مقامه من يحج عنه كما قال ذلك الشافعي وأحمد في أصل الحج فأوجباه على المعضوب إذا كان له مال يحج به غيره عنه، إذ كان مناط الوجوب عندهما هو ملك الزاد والراحلة، وعند مالك: القدرة بالبدن كيف ما كان، وعند أبي حنيفة: مجموعهما"(55).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج (معناه، أحكامه)

المسألة الرابعة: بيان ما يتحلل به المحصر:
يلزم من أراد التحلل من إحرامه بسبب الإحصار ما يلي:
أ- ذبح الهدي بنية التحلل.
ب- الحلق أو التقصير. وأبدأ الكلام عن الأمر الأول:

أ- ذبح الهدي بنية التحلل. اختلف العلماء في وجوب الهدي على المحصر:
ذهب الجمهور: إلى وجوب الهدي على المحصر وقالوا: كل من منع من المضي في موجب الإحرام حقيقةً أو منع منه شرعًا حقا لله تعالى لا لحق العبد فلا يتحلل إلا بالهدي.(56) والدليل قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾.فيجب على المحصر الهدي إذا أراد التحلل ويكون شاة أو ما يقوم مقامها من بدنة أو بقرة، وإنما يحصل التحلل بالذبح ونية التحلل المقارنة له؛ لأن الذبح قد يكون للتحلل، وقد يكون لغيره فلا بد من تحديد القصد وهو أن ينوي بذبحه خروجه عن الإحرام، ولأن من أتى بأفعال النسك أتى بما عليه فحَلَّ بإكماله فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر، فإنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها، فافتقر إلى نية(57).
في كتب الحنابلة: إن كان مع المحصر هدي لم يحل حتى ينحره، وله ذبحه حيث أحصر وقيل في الحرم والأول اصح. ويجب أن ينوي بذبحه التحلل(58). قال ابن قدامة:" وإذا قدر المحصر على الهدي، فليس له الحل قبل ذبحه، فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه الشراء، ويجزيه في ذلك شاة أو سبع بدنة"(59). وقال السرخسي:"وإن حل المحصر قبل أن ينحر هديه فعليه دم لإحلاله، لأنه حل قبل أوانه" (60). وبمثل هذا القول قال الحنابلة(61).
وأما هدي الإحصار عن العمرة فقد أجمع العلماء على أنه يجوز في أي وقت شاء (62).
احتج من قال بوجوب الهدي: أن الله تعالى أمر المحصر أن لا يحل حتى ينحر هديه بنص الكتاب العزيزفي قوله تعاى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾. وكذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [البقرة:196]. والمعنى: حتى يبلغ الهدي محله فيذبح، ولأن شرع التحلل ثبت بطريق الرخصة لما فيه من فسخ الإحرام والخروج منه قبل أوانه فكان ثبوته بطريق الضرورة والضرورة تندفع بالتحلل بالهدي فلا يثبت التحلل بدونه. وعندما حُصِر النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية إنما حَلَّ من إحصاره بالهدي(63).
وحكي عن مالك أنه قال: ليس على المحصر هدي؛ فيتحلل بنية التحلل فقط، ولا يجب عليه ذبح الهدي ولا الحلق بل هما سنة، لأنه تحلل أبيح من غير تفريط أشبه من أتم حجه(64) . ومما يؤيد أن هذا القول محكي عن مالك ورود هذا القول في كتب المالكية: حيث ورد في الذخيرة: أن المحصر بعدو يتحلل بموضعه إذا أيسر حيث كان من الحرم وغيره، ولا هدي عليه، وإن كان معه هدي نحره ويحلق أو يقصر(65). وفي الاستذكار: من أحصر بعدو فأنه يحل من إحرامه ولا هدي عليه ولا قضاء إلا أنه إن كان ساق هديا نحره(66). وهذا القول ليس بصحيح، لأن الله تعالى قال: ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ [البقرة: 196]. قال الشافعي: لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، ولأنه أبيح له التحلل قبل إتمام نسكه فكان عليه الهدي كالذي فاته الحج وبهذا فارق من أتم حجه(67).
احتج من قال بالتحلل من غير هديٍ: بما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حل عام الحديبية عن إحصاره بغير هديٍ، لأن الهدي الذي نحره كان هديًا ساقه لعمرته لا لإحصاره فنحر هديه على النية الأولى وحل من إحصاره بغير دمٍ فدل أن المحصر يحل بغير هديٍ(68). قال ابن الأمير الصنعاني:"والحق معه- أي مع مالك- فإنه لم يكن مع كل المحصرين هدي وهذا الهدي الذي كان معه - صلى الله عليه وسلم - ساقه من المدينة متنفلا به وهو الذي أراده الله تعالى بقوله: ﴿ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ [الفتح:25]. والآية لا تدل على الإيجاب أعني قوله تعالى : ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾"(69). والصحيح: وجوب الهدي لنص الآية عليه.

المقصود بقوله تعالى: ﴿فما استيسر من الهدي ﴾ [البقرة: 196].
المقصود بالهدي: إن المنصوص عليه هو ما استيسر من الهدي وأدناه شاةٌ، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة(70) فيلزم من تحلل بالإحصار دم شاة إن لم يكن سبق منه شرط، فإن كان شرط عند إحرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط في إسقاط الدم طريقان أحدهما وأصحهما: أن الاشتراط لا يؤثر في إسقاط الدم، لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط فشرطه لاغ(71).

محل ذبح الهدي:
ذهب الجمهور: إلى أن محل ذبح الهدي هو موضع الحصر والدليل: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عندما حُصِروا بالحديبية ذَبَحوا الهدي فيها، وهي من الحل (72).
قال الشافعية: يلزم من أحصر أن يذبح الهدي حيث أحصر، وكذا ما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار وما معه من هدي ويفرق لحومها على مساكين ذلك الموضع هذا إن صد عن الحرم فإن صد عن البيت دون أطراف الحرم فهل له الذبح في الحل وجهان أصحهما الجواز(73).
حجة الجمهور في أن محل ذبح الهدي هو موضع الحصر:
حديث بن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي خرج مع أصحابه رضي الله عنهم معتمرا فأحصر بالحديبية فذبح هداياه وحلق بها وقاضاهم على أن يعود من قابل فيخلوا له مكة ثلاثة أيام بغير سلاح فيقضي عمرته فإنما نحر رسول الله الهدي في الموضع الذي أحصر فيه، ولأنه لو بعث بالهدي لا يأمن أن لا يفي المبعوث على يده، أو يهلك الهدي في الطريق، وإذا ذبحه في موضعه يتيقن بوصول الهدي إلى محله وخروجه من الإحرام بعد إراقة دمه فكان هذا أولى(74).
قال ابن حزم:" وأما القول ببعثه هديًا يحل به فقولٌ لا يؤيده قرآنٌ ولا سنةٌ ولا إجماعٌ". فإن قيل: فإن الله تعالى يقول : ﴿ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [البقرة:196]. قلنا: نعم وليس هذا في المحصر وحده بل هو حكم كل من ساق هديًا في حج أو عمرةٍ على عموم الآية والمحصر إذا صُدَّ فقد بلغ هديه محله(75).

وذهبت الحنفية وهو قول لأحمد غير المعتمد وهو قول الحسن والشعبي والنخعي وعطاء(76): إلى أنه إذا تحقق الإحصار جاز للمحصر أن يتحلل من إحرامه، وذلك بأن ينوي التحلل ويبعث شاة تُذبح عنه في الحرم. قال أبو حنيفة: يلزمه أن يبعث بالهدي إلى الحرم ، أو يبعث بثمنها لتشترى به، ثم تذبح هناك، ويضرب للذبح موعداً يتحلل بعده، وما لم يذبح لا يتحلل من إحرامه.
حجة الحنفية في أن محل ذبح الهدي هو الحرم:
قوله تعالى: ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله﴾. ومحله الحرم بدليل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج:33]. بعد ما ذكر الهدايا. وقالوا: ولأن التحلل بإراقة دم هو قربة وإراقة الدم لا يكون قربة إلا في مكان مخصوص وهو الحرم أو زمان مخصوص وهو أيام النحر ففي غير ذلك المكان والزمان لا تكون قربة ونقيس هذا الدم بدم المتعة من حيث أنه تحلل به عن الإحرام وذلك يختص بالحرم. وقالوا: وأما ما روي في نحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الهدايا حين أحصر، فقد اختلفت الروايات فروي: أنه بعث الهدايا على يدي ناجية لينحرها في الحرم حتى قال ناجية ماذا أصنع فيما يعطب منها قال انحرها واصبغ نعلها بدمها واضرب بها صفحة سنامها وخل بينها وبين الناس ولا تأكل أنت ولا رفقتك منها شيئا. وهذه الرواية أقرب إلى موافقة الآية، وهي قوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح:25].(77) فإن لم يجد من يبعث بالهدي على يديه، قالوا: عليه أن يتحلل لعجزه عن تبليغ الهدي محله(78).
القول الراجح:
الذي يظهر – والله أعلم- أن محل ذبح الهدي هو موضع الحصر؛ لفعل النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث نحر الهدي حين أحصر في موضع حصره في الحديبية، ولأن بعث الهدي إلى الحرم غير متيقن وصوله، مع احتمال أن يصل على اعتبار أن الحصر كان خاصا، وقول الحنفية إنما هو فيمن كان حصره خاصا، وأما الحصر العام، فإنه يتعذر وصول الهدي إلى محله مما يفضي إلى تعذر الحل.

زمان ذبح الهدي:

إن تيقن المحصر عدم وصوله لأداء مناسك الحج، فله أن يذبح هديه في ذلك الوقت، ولا يتوقت بيوم النحر سواءٌ كان الإحصار عن الحج أو عن العمرة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه زمن الحديبية حلوا ونحروا هداياهم بها - أي في الحديبية- قبل يوم النحر. ولأن التحلل من المحصر تحللٌ قبل أوان التحلل يباح لضرورة دفع الضرر ببقائه محرمًا رخصةً وتيسيرًا فلا يختص بيوم النحر. وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد. وفي قولٍ لأحمد وهو قول أبو يوسف ومحمدٌ: إن المحصر عن الحج لا يذبح عنه إلا في يوم النحر أي يوم العاشر من ذي الحجة، وهو اليوم الأول من عيد الأضحى. وأما المحصر عن العمرة فلا خلاف في أنه يَذبَح في أي وقتٍ كان(79).

حكم من لم يجد الهدي:

اختلف الفقهاء حكم من لم يجد الهدي في على قولين:
القول الأول: قول الجمهور: المحصر إذا لم يجد الهدي، ينتقل إلى البدل، وهو الإطعام بما يساوي قيمة الشاة أو صيام عشرة أيام. قال عطاء بن أبي رباحٍ في المحصر لا يجد الهدي: قُوِّم الهدي طعامًا وتصدق به على المساكين، فإن لم يكن عنده طعامٌ صام لكل نصف صاعٍ يومًا وهو مروي عن أبي يوسف(80).
وقال الشافعي في قول: إن لهدي الإحصار بدلاً إن لم يجده: فالبدل هو الصوم، وفي قول: البدل هو الإطعام(81) . ومما ذكره أصحاب المذاهب في كتبهم عن البدل للهدي إن لم يتيسر ما يلي:
في كتب الحنابلة: فإن عدم الهدي زمن الوجوب وهو وقت الفوات صام عشرة أيام ثلاثة في الحج أي حج القضاء وسبعة إذا رجع، لما روى الأثرم بإسناده أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر: ما حبسك؟ قال: حسبت أن اليوم يوم عرفة. قال: فانطلق إلى البيت فطف به سبعا، وإن كان معك هدية فانحرها ثم إذا كان قابل فاحجج فإن وجدت سعة فأهد فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله(82). واشترط الحنابلة: نية التحلل في الصيام، لأن من أتى بأفعال النسك أتى بما عليه فحل بإكماله فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر فانه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها فافتقر إلى نية(83).
وفي كتب الشافعية: فإن فقد الدم فالأظهر أن له بدلا وأنه طعام بقيمة الشاة، إلا إن عدم المساكين في الحرم أخره حتى يجدهم كمن نذر التصدق على فقراء بلد فلم يجدهم. فإن عجز عن الإطعام صام عن كل مد يوماً، وله التحلل في الحال في الأظهر(84).

القول الثاني: قول الحنفية: المحصر إذا لم يجد الهدي يبقى محرماً حتى يجد الهدي، ولا يقوم غيره مقامه، فإذا لم يجد المحصر الهدي ولا ثمن الهدي لا يحل بالإطعام والصوم بل يبقى محرما إلى أن يجد الهدي، فيقتضي أن لا يتحلل ما لم يذبح الهدي سواءٌ صام أو أطعم أولا، لأن التحلل بالدم قبل إتمام موجب الإحرام عُرِف بالنص بخلاف القياس فلا يجوز إقامة غيره مقامه بالرأي(85).

متى يتحلل من لم يجد الهدي:

إن كان البدل عن الهدي الإطعام، فلا يتحلل حتى يطعم، وإن كان البدل عن الهدي الصيام، فله التحلل في الحال، لطول مدة الصيام، ولتحقق المشقة في الاستمرار على الإحرام، وله أن يصوم بعد ذلك بنية التحلل، وهذا هو ما رجحه الشافعية حيث قالوا: من لم يجد الهدي لإعساره أو غير ذلك فهل يتحلل في الحال أم يتوقف التحلل على وجوده؟ قولان أظهرهما: التحلل في الحال ولا بد من نية التحلل. فإن كان المحصر الذي لم يجد الهدي يُطعِم توقف التحلل عليه كتوقفه على الذبح، وإن كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف ومنع التوقف هنا أولى للمشقة في الصبر على الإحرام لطول مدة الصوم (86). وعند الحنابلة: يلزم من تحلل قبل الذبح أو الصوم دم لتحلله(87). وقال الآجري: إن عدم الهدي مكان إحصاره قومه طعاما وصام عن كل مد يوما وحَلَّ وأُوجِب أن لا يحل حتى يصوم إن قدر، فإن صعب عليه حل ثم صام(88).
والصحيح: أن من لم يجد الهدي، وانتقل إلى الصيام، فله التحلل حالاً، تخفيفًا عليه حتى لا يتضرر بالمقام على الإحرام، فلو أمرناه بالاستمرار على الإحرام إلى أن يأتي بالبدل وهو الصيام لتضرر.
ب- الحلق أو التقصير: اختلف الفقهاء في حكم الحلق أو التقصير للمحصر على قولين:
القول الأول: قول المالكية، وهو القول المعتمد عند الشافعية، وهو قول للحنابلة: أن الحلق أو التقصير واجب. قال ابن رشد، وهو من المالكية: : قال مالك: الحلاق نسك للحاج وللمعتمر وهو أفضل من التقصير ويجب على كل من فاته الحج وأحصر بعدو أو مرض أو بعذر وهو قول جماعة الفقهاء إلا في المحصر بعدو فإن أبا حنيفة قال: ليس عليه حلاق ولا تقصير(89).
وقال الشربيني، وهو من الشافعية: وكذا الحلق أو نحوه إن جعلناه نسكاً وهو المشهور ، ويشترط تأخره عن الذبح للآية السابقة(90). وقال الشافعي: الحلق نسك(91) . وقال النووي وهو من الشافعية: وهل يجب الحلق؟ إن قلنا هو نسك فنعم، وإلا فلا والحاصل: أنا إن اعتبرنا الذبح والحلق مع النية فالتحلل بالثلاثة(92). أي بالذبح، والنية، والحلق.
وقال البهوتي، وهو من الحنابلة: على المحصر الحلق أو التقصير وجوبا، وقيل عدم الوجوب لعدم ذكره في الآية، ولأنه مباح ليس بنسك خارج الحرم لأنه من توابع الوقوف كالرمي(93).
القول الثاني: قول الحنفية، وهو قول الشافعية غير المعتمد، وهو قول للحنابلة: أن الحلق أو التقصير غير واجب.
وقد تقدم أن ذكرت أقوال الشافعية والحنابلة من كتبهم، وأن لهم في هذه المسألة قولان، وبقي أن أذكر كلام الحنفية في عدم وجوب الحلق أو التقصير. حيث قالوا: ليس على المحصر تقصير ولا حلق، وإن حلق فحسنٌ، وهو قول أبي حنيفة ومحمدٍ. وقال أبو يوسف: عليه أن يحلق أو يقصر فإن لم يفعل فلا شيء عليه(94). أما إذا أحصر في الحرم فيحلق اتفاقًا (95). وقالوا: إن المحصر إذا حلق قبل الذبح فإنه تجب عليه الفدية(96) بدليل أن من حلق قبل الذبح لأذًى في رأسه أنه تلزمه الفدية بالنص، فالذي يحلق رأسه بغير أذًى به أولى، ولهذا قال أبو حنيفة بزيادة التغليظ في حق من حلق رأسه قبل الذبح بغير أذًى حيث قال: لا يجزئه غير الدم، وصاحب الأذى مخيرٌ بين الدم والطعام والصيام كما خيره. قلت: لكن قد ورد في الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ فقال:" اذبح ولا حرج . فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال: ارم ولا حرج. فما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج" (97).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج (معناه، أحكامه)

المسألة الرابعة: بيان ما يتحلل به المحصر:
يلزم من أراد التحلل من إحرامه بسبب الإحصار ما يلي:
أ- ذبح الهدي بنية التحلل.
ب- الحلق أو التقصير. وأبدأ الكلام عن الأمر الأول:

أ- ذبح الهدي بنية التحلل. اختلف العلماء في وجوب الهدي على المحصر:
ذهب الجمهور: إلى وجوب الهدي على المحصر وقالوا: كل من منع من المضي في موجب الإحرام حقيقةً أو منع منه شرعًا حقا لله تعالى لا لحق العبد فلا يتحلل إلا بالهدي.(56) والدليل قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾.فيجب على المحصر الهدي إذا أراد التحلل ويكون شاة أو ما يقوم مقامها من بدنة أو بقرة، وإنما يحصل التحلل بالذبح ونية التحلل المقارنة له؛ لأن الذبح قد يكون للتحلل، وقد يكون لغيره فلا بد من تحديد القصد وهو أن ينوي بذبحه خروجه عن الإحرام، ولأن من أتى بأفعال النسك أتى بما عليه فحَلَّ بإكماله فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر، فإنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها، فافتقر إلى نية(57).
في كتب الحنابلة: إن كان مع المحصر هدي لم يحل حتى ينحره، وله ذبحه حيث أحصر وقيل في الحرم والأول اصح. ويجب أن ينوي بذبحه التحلل(58). قال ابن قدامة:" وإذا قدر المحصر على الهدي، فليس له الحل قبل ذبحه، فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه الشراء، ويجزيه في ذلك شاة أو سبع بدنة"(59). وقال السرخسي:"وإن حل المحصر قبل أن ينحر هديه فعليه دم لإحلاله، لأنه حل قبل أوانه" (60). وبمثل هذا القول قال الحنابلة(61).
وأما هدي الإحصار عن العمرة فقد أجمع العلماء على أنه يجوز في أي وقت شاء (62).
احتج من قال بوجوب الهدي: أن الله تعالى أمر المحصر أن لا يحل حتى ينحر هديه بنص الكتاب العزيزفي قوله تعاى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾. وكذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [البقرة:196]. والمعنى: حتى يبلغ الهدي محله فيذبح، ولأن شرع التحلل ثبت بطريق الرخصة لما فيه من فسخ الإحرام والخروج منه قبل أوانه فكان ثبوته بطريق الضرورة والضرورة تندفع بالتحلل بالهدي فلا يثبت التحلل بدونه. وعندما حُصِر النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية إنما حَلَّ من إحصاره بالهدي(63).
وحكي عن مالك أنه قال: ليس على المحصر هدي؛ فيتحلل بنية التحلل فقط، ولا يجب عليه ذبح الهدي ولا الحلق بل هما سنة، لأنه تحلل أبيح من غير تفريط أشبه من أتم حجه(64) . ومما يؤيد أن هذا القول محكي عن مالك ورود هذا القول في كتب المالكية: حيث ورد في الذخيرة: أن المحصر بعدو يتحلل بموضعه إذا أيسر حيث كان من الحرم وغيره، ولا هدي عليه، وإن كان معه هدي نحره ويحلق أو يقصر(65). وفي الاستذكار: من أحصر بعدو فأنه يحل من إحرامه ولا هدي عليه ولا قضاء إلا أنه إن كان ساق هديا نحره(66). وهذا القول ليس بصحيح، لأن الله تعالى قال: ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ [البقرة: 196]. قال الشافعي: لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، ولأنه أبيح له التحلل قبل إتمام نسكه فكان عليه الهدي كالذي فاته الحج وبهذا فارق من أتم حجه(67).
احتج من قال بالتحلل من غير هديٍ: بما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حل عام الحديبية عن إحصاره بغير هديٍ، لأن الهدي الذي نحره كان هديًا ساقه لعمرته لا لإحصاره فنحر هديه على النية الأولى وحل من إحصاره بغير دمٍ فدل أن المحصر يحل بغير هديٍ(68). قال ابن الأمير الصنعاني:"والحق معه- أي مع مالك- فإنه لم يكن مع كل المحصرين هدي وهذا الهدي الذي كان معه - صلى الله عليه وسلم - ساقه من المدينة متنفلا به وهو الذي أراده الله تعالى بقوله: ﴿ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ [الفتح:25]. والآية لا تدل على الإيجاب أعني قوله تعالى : ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾"(69). والصحيح: وجوب الهدي لنص الآية عليه.

المقصود بقوله تعالى: ﴿فما استيسر من الهدي ﴾ [البقرة: 196].
المقصود بالهدي: إن المنصوص عليه هو ما استيسر من الهدي وأدناه شاةٌ، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة(70) فيلزم من تحلل بالإحصار دم شاة إن لم يكن سبق منه شرط، فإن كان شرط عند إحرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط في إسقاط الدم طريقان أحدهما وأصحهما: أن الاشتراط لا يؤثر في إسقاط الدم، لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط فشرطه لاغ(71).

محل ذبح الهدي:
ذهب الجمهور: إلى أن محل ذبح الهدي هو موضع الحصر والدليل: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عندما حُصِروا بالحديبية ذَبَحوا الهدي فيها، وهي من الحل (72).
قال الشافعية: يلزم من أحصر أن يذبح الهدي حيث أحصر، وكذا ما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار وما معه من هدي ويفرق لحومها على مساكين ذلك الموضع هذا إن صد عن الحرم فإن صد عن البيت دون أطراف الحرم فهل له الذبح في الحل وجهان أصحهما الجواز(73).
حجة الجمهور في أن محل ذبح الهدي هو موضع الحصر:
حديث بن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي خرج مع أصحابه رضي الله عنهم معتمرا فأحصر بالحديبية فذبح هداياه وحلق بها وقاضاهم على أن يعود من قابل فيخلوا له مكة ثلاثة أيام بغير سلاح فيقضي عمرته فإنما نحر رسول الله الهدي في الموضع الذي أحصر فيه، ولأنه لو بعث بالهدي لا يأمن أن لا يفي المبعوث على يده، أو يهلك الهدي في الطريق، وإذا ذبحه في موضعه يتيقن بوصول الهدي إلى محله وخروجه من الإحرام بعد إراقة دمه فكان هذا أولى(74).
قال ابن حزم:" وأما القول ببعثه هديًا يحل به فقولٌ لا يؤيده قرآنٌ ولا سنةٌ ولا إجماعٌ". فإن قيل: فإن الله تعالى يقول : ﴿ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [البقرة:196]. قلنا: نعم وليس هذا في المحصر وحده بل هو حكم كل من ساق هديًا في حج أو عمرةٍ على عموم الآية والمحصر إذا صُدَّ فقد بلغ هديه محله(75).

وذهبت الحنفية وهو قول لأحمد غير المعتمد وهو قول الحسن والشعبي والنخعي وعطاء(76): إلى أنه إذا تحقق الإحصار جاز للمحصر أن يتحلل من إحرامه، وذلك بأن ينوي التحلل ويبعث شاة تُذبح عنه في الحرم. قال أبو حنيفة: يلزمه أن يبعث بالهدي إلى الحرم ، أو يبعث بثمنها لتشترى به، ثم تذبح هناك، ويضرب للذبح موعداً يتحلل بعده، وما لم يذبح لا يتحلل من إحرامه.
حجة الحنفية في أن محل ذبح الهدي هو الحرم:
قوله تعالى: ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله﴾. ومحله الحرم بدليل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج:33]. بعد ما ذكر الهدايا. وقالوا: ولأن التحلل بإراقة دم هو قربة وإراقة الدم لا يكون قربة إلا في مكان مخصوص وهو الحرم أو زمان مخصوص وهو أيام النحر ففي غير ذلك المكان والزمان لا تكون قربة ونقيس هذا الدم بدم المتعة من حيث أنه تحلل به عن الإحرام وذلك يختص بالحرم. وقالوا: وأما ما روي في نحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الهدايا حين أحصر، فقد اختلفت الروايات فروي: أنه بعث الهدايا على يدي ناجية لينحرها في الحرم حتى قال ناجية ماذا أصنع فيما يعطب منها قال انحرها واصبغ نعلها بدمها واضرب بها صفحة سنامها وخل بينها وبين الناس ولا تأكل أنت ولا رفقتك منها شيئا. وهذه الرواية أقرب إلى موافقة الآية، وهي قوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح:25].(77) فإن لم يجد من يبعث بالهدي على يديه، قالوا: عليه أن يتحلل لعجزه عن تبليغ الهدي محله(78).
القول الراجح:
الذي يظهر – والله أعلم- أن محل ذبح الهدي هو موضع الحصر؛ لفعل النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث نحر الهدي حين أحصر في موضع حصره في الحديبية، ولأن بعث الهدي إلى الحرم غير متيقن وصوله، مع احتمال أن يصل على اعتبار أن الحصر كان خاصا، وقول الحنفية إنما هو فيمن كان حصره خاصا، وأما الحصر العام، فإنه يتعذر وصول الهدي إلى محله مما يفضي إلى تعذر الحل.

زمان ذبح الهدي:
إن تيقن المحصر عدم وصوله لأداء مناسك الحج، فله أن يذبح هديه في ذلك الوقت، ولا يتوقت بيوم النحر سواءٌ كان الإحصار عن الحج أو عن العمرة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه زمن الحديبية حلوا ونحروا هداياهم بها - أي في الحديبية- قبل يوم النحر. ولأن التحلل من المحصر تحللٌ قبل أوان التحلل يباح لضرورة دفع الضرر ببقائه محرمًا رخصةً وتيسيرًا فلا يختص بيوم النحر. وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد. وفي قولٍ لأحمد وهو قول أبو يوسف ومحمدٌ: إن المحصر عن الحج لا يذبح عنه إلا في يوم النحر أي يوم العاشر من ذي الحجة، وهو اليوم الأول من عيد الأضحى. وأما المحصر عن العمرة فلا خلاف في أنه يَذبَح في أي وقتٍ كان(79).

حكم من لم يجد الهدي:
اختلف الفقهاء حكم من لم يجد الهدي في على قولين:
القول الأول: قول الجمهور: المحصر إذا لم يجد الهدي، ينتقل إلى البدل، وهو الإطعام بما يساوي قيمة الشاة أو صيام عشرة أيام. قال عطاء بن أبي رباحٍ في المحصر لا يجد الهدي: قُوِّم الهدي طعامًا وتصدق به على المساكين، فإن لم يكن عنده طعامٌ صام لكل نصف صاعٍ يومًا وهو مروي عن أبي يوسف(80).
وقال الشافعي في قول: إن لهدي الإحصار بدلاً إن لم يجده: فالبدل هو الصوم، وفي قول: البدل هو الإطعام(81) . ومما ذكره أصحاب المذاهب في كتبهم عن البدل للهدي إن لم يتيسر ما يلي:
في كتب الحنابلة: فإن عدم الهدي زمن الوجوب وهو وقت الفوات صام عشرة أيام ثلاثة في الحج أي حج القضاء وسبعة إذا رجع، لما روى الأثرم بإسناده أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر: ما حبسك؟ قال: حسبت أن اليوم يوم عرفة. قال: فانطلق إلى البيت فطف به سبعا، وإن كان معك هدية فانحرها ثم إذا كان قابل فاحجج فإن وجدت سعة فأهد فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله(82). واشترط الحنابلة: نية التحلل في الصيام، لأن من أتى بأفعال النسك أتى بما عليه فحل بإكماله فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر فانه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها فافتقر إلى نية(83).
وفي كتب الشافعية: فإن فقد الدم فالأظهر أن له بدلا وأنه طعام بقيمة الشاة، إلا إن عدم المساكين في الحرم أخره حتى يجدهم كمن نذر التصدق على فقراء بلد فلم يجدهم. فإن عجز عن الإطعام صام عن كل مد يوماً، وله التحلل في الحال في الأظهر(84).

القول الثاني: قول الحنفية: المحصر إذا لم يجد الهدي يبقى محرماً حتى يجد الهدي، ولا يقوم غيره مقامه، فإذا لم يجد المحصر الهدي ولا ثمن الهدي لا يحل بالإطعام والصوم بل يبقى محرما إلى أن يجد الهدي، فيقتضي أن لا يتحلل ما لم يذبح الهدي سواءٌ صام أو أطعم أولا، لأن التحلل بالدم قبل إتمام موجب الإحرام عُرِف بالنص بخلاف القياس فلا يجوز إقامة غيره مقامه بالرأي(85).

متى يتحلل من لم يجد الهدي:
إن كان البدل عن الهدي الإطعام، فلا يتحلل حتى يطعم، وإن كان البدل عن الهدي الصيام، فله التحلل في الحال، لطول مدة الصيام، ولتحقق المشقة في الاستمرار على الإحرام، وله أن يصوم بعد ذلك بنية التحلل، وهذا هو ما رجحه الشافعية حيث قالوا: من لم يجد الهدي لإعساره أو غير ذلك فهل يتحلل في الحال أم يتوقف التحلل على وجوده؟ قولان أظهرهما: التحلل في الحال ولا بد من نية التحلل. فإن كان المحصر الذي لم يجد الهدي يُطعِم توقف التحلل عليه كتوقفه على الذبح، وإن كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف ومنع التوقف هنا أولى للمشقة في الصبر على الإحرام لطول مدة الصوم (86). وعند الحنابلة: يلزم من تحلل قبل الذبح أو الصوم دم لتحلله(87). وقال الآجري: إن عدم الهدي مكان إحصاره قومه طعاما وصام عن كل مد يوما وحَلَّ وأُوجِب أن لا يحل حتى يصوم إن قدر، فإن صعب عليه حل ثم صام(88).
والصحيح: أن من لم يجد الهدي، وانتقل إلى الصيام، فله التحلل حالاً، تخفيفًا عليه حتى لا يتضرر بالمقام على الإحرام، فلو أمرناه بالاستمرار على الإحرام إلى أن يأتي بالبدل وهو الصيام لتضرر.

ب- الحلق أو التقصير: اختلف الفقهاء في حكم الحلق أو التقصير للمحصر على قولين:
القول الأول: قول المالكية، وهو القول المعتمد عند الشافعية، وهو قول للحنابلة: أن الحلق أو التقصير واجب. قال ابن رشد، وهو من المالكية: : قال مالك: الحلاق نسك للحاج وللمعتمر وهو أفضل من التقصير ويجب على كل من فاته الحج وأحصر بعدو أو مرض أو بعذر وهو قول جماعة الفقهاء إلا في المحصر بعدو فإن أبا حنيفة قال: ليس عليه حلاق ولا تقصير(89).
وقال الشربيني، وهو من الشافعية: وكذا الحلق أو نحوه إن جعلناه نسكاً وهو المشهور ، ويشترط تأخره عن الذبح للآية السابقة(90). وقال الشافعي: الحلق نسك(91) . وقال النووي وهو من الشافعية: وهل يجب الحلق؟ إن قلنا هو نسك فنعم، وإلا فلا والحاصل: أنا إن اعتبرنا الذبح والحلق مع النية فالتحلل بالثلاثة(92). أي بالذبح، والنية، والحلق.
وقال البهوتي، وهو من الحنابلة: على المحصر الحلق أو التقصير وجوبا، وقيل عدم الوجوب لعدم ذكره في الآية، ولأنه مباح ليس بنسك خارج الحرم لأنه من توابع الوقوف كالرمي(93).
القول الثاني: قول الحنفية، وهو قول الشافعية غير المعتمد، وهو قول للحنابلة: أن الحلق أو التقصير غير واجب.
وقد تقدم أن ذكرت أقوال الشافعية والحنابلة من كتبهم، وأن لهم في هذه المسألة قولان، وبقي أن أذكر كلام الحنفية في عدم وجوب الحلق أو التقصير. حيث قالوا: ليس على المحصر تقصير ولا حلق، وإن حلق فحسنٌ، وهو قول أبي حنيفة ومحمدٍ. وقال أبو يوسف: عليه أن يحلق أو يقصر فإن لم يفعل فلا شيء عليه(94). أما إذا أحصر في الحرم فيحلق اتفاقًا (95). وقالوا: إن المحصر إذا حلق قبل الذبح فإنه تجب عليه الفدية(96) بدليل أن من حلق قبل الذبح لأذًى في رأسه أنه تلزمه الفدية بالنص، فالذي يحلق رأسه بغير أذًى به أولى، ولهذا قال أبو حنيفة بزيادة التغليظ في حق من حلق رأسه قبل الذبح بغير أذًى حيث قال: لا يجزئه غير الدم، وصاحب الأذى مخيرٌ بين الدم والطعام والصيام كما خيره. قلت: لكن قد ورد في الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ فقال:" اذبح ولا حرج . فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال: ارم ولا حرج. فما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج" (97).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج (معناه، أحكامه)

المسألة الخامسة: حكم التحلل:
بعد أن يتحلل المحصر بذبح الهدي، مع النية، أو الإطعام أو الصيام إن لم يجد الهدي، مع النية في البدل، وبالحلق أو التقصير، فإنه بعد هذا يباح له تناول جميع ما حظره الإحرام لارتفاع الحاظر فيعود حلالاً كما كان قبل الإحرام(98).

المسألة السادسة: حكم زوال الإحصار:
إذا زال الحصر عن المحصر قبل تحلله، ويستطيع أن يدرك الحج أو العمرة، فيلزمه أن يمضي لإتمام حجه أو عمرته، لأن إباحة التحلل له إنما هي لعذر الإحصار والعذر لم يعد موجوداً. ولا خلاف في هذا، وإن كان لا يستطيع أن يدرك الحج أو العمرة، فيجوز له التحلل بما مرَّ سابقاً. وللحنفية في هذا تفصيل جميل حيث قالوا: إذا زال الإحصار فلا يخلو من أحد وجهين: إما إن زال قبل بعث الهدي أو بعدما بعث فإن زال قبل أن يبعث الهدي مضى على موجب إحرامه وإن كان قد بعث الهدي ثم زال الإحصار فهذا لا يخلو من أربعة أوجهٍ: إما إن كان يقدر على إدراك الهدي والحج أو لا يقدر على إدراكهما جميعا أو يقدر على إدراك الهدي دون الحج أو يقدر على إدراك الحج دون الهدي. فإن كان يقدر على إدراك الهدي والحج لم يجز له التحلل ويجب عليه المضي فإن إباحة التحلل لعذر الإحصار والعذر قد زال. وإن كان لا يقدر على إدراك واحدٍ منهما لم يلزمه المضي وجاز له التحلل لأنه لا فائدة في المضي فتقرر الإحصار فيتقرر حكمه. وإن كان يقدر على إدراك الهدي ولا يقدر على إدراك الحج لا يلزمه المضي أيضًا لعدم الفائدة في إدراك الهدي دون إدراك الحج إذ الذهاب لأجل إدراك الحج فإذا كان لا يدرك الحج فلا فائدة في الذهاب فكانت قدرته على إدراك الهدي والعدم بمنزلةٍ واحدةٍ .وإن كان يقدر على إدراك الحج ولا يقدر على إدراك الهدي قيل إن هذا الوجه الرابع إنما يتصور على مذهب أبي حنيفة لأن دم الإحصار عنده لا يتوقف بأيام النحر بل يجوز قبلها، فيتصور إدراك الحج دون إدراك الهدي. وإذا عرف هذا فقياس مذهب أبي حنيفة في هذا الوجه أنه يلزمه المضي ولا يجوز له التحلل لأنه إذا قدر على إدراك الحج لم يعجز عن المضي في الحج فلم يوجد عذر الإحصار فلا يجوز له التحلل ويلزمه المضي. ومتى زال الإحصار فيذهب إلى مكة فيحج إن بقي وقت الحج وإن فات وقت الحج فيتحلل بأفعال العمرة هذا هو المشهور من قولنا(99).

 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج (معناه، أحكامه)

المبحث السادس: الإحصار الجزئي، وفيه ثلاث مسائل:

تعريف الإحصار الجزئي: هو حصر الحاج عن نسك من مناسك الحج كأن يُصَد عن البيت دون عرفة، أو العكس.
وأما المسائل الثلاث فهي كالتالي:

المسألة الأولى: حكم من أحصر عن عرفة دون غيرها:
قالت المالكية(127): يتحلل لعمرة. وقالت الشافعية(128)والحنابلة(129): يفسخ نية الحج، ويجعله عمرة، ولا هدي عليه. قالوا: لأن قلب الحج عمرة جائز من غير حصر، فعند الحصر يكون أولى، فإن كان قد طاف وسعى للقدوم، ثم أحصر أو مرِض حتى فاته الحج تحلل بطواف وسعيٍ، وليس عليه تجديد الإحرام.
وقالت الحنفية(130): من أحصر عن عرفة، فلا يعد محصراً إذا قدر على الطواف، لأن من فاته الحج يتحلل بالطواف والد بدل عنه في التحلل.
ومن هنا نجد أن الأقوال متقاربة، ومتفقة على أن المحرم المحصر عن عرفة دون البيت له أن يقلب نية الحج إلى عمرة، وهذا جائز في غير الحصر، كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع:" إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة "(131) . فقلب النية مع الإحصار أولى.

المسألة الثانية: حكم من
وقف بعرفة ومنع عن باقي أعمال الحج:
من وقف بعرفة ومنع عن باقي أعمال الحج ، فقد أدرك الحج؛ وتم حجه؛ لأن الحج عرفة(132)، وبهذا قالت المالكية(133). والحنفية، ورواية عن الشافعية . قال ابن عبد البر: وقال مالك من وقف بعرفة فليس بمحصر ويقيم على إحرامه حتى يطوف بالبيت ويهدي وهو قول أبي حنيفة. وللشافعي فيها قول آخر كقول مالك سواء(134). وقال ابن نجيم الحنفي: ولا إحصار بعدما وقف بعرفة، لأنه لا يتصور الفوات بعده فأمن منه(135).
وقالت الشافعية: من وقف بعرفة وأحصر عن البيت فحكمه حكم المحصر. قال النووي:" لا فرق في جواز التحلل بالإحصار بين أن يتفق قبل الوقوف بعده، ولا بين الإحصار عن البيت فقط، أو عن الموقف فقط، أو عنهما"(136).
وهناك قول آخر للحنفية: أنَّ من قدم مكة لا يكون محصراً . قال الكاساني: ولا إحصار بعدما قدم مكة أو الحرم إن كان لا يمنع من الطواف. وروي عن أبي يوسف أنه قال: سألت أبا حنيفة هل على أهل مكة إحصارٌ؟ فقال: لا. فقلت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحصر بالحديبية فقال: كانت مكة إذ ذاك حربًا، وهي اليوم دار إسلامٍ وليس فيها إحصارٌ (137).

المسألة الثالثة: حكم من أحصر عن فعل واجب من واجبات الحج:

من أحصر أو مرض عن نزول مزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، فليس له التحلل، لأن صحة الحج لا تتوقف على ذلك، بل على وقوفه بعرفة، وعليه دم لتركه ذلك الواجب، ويعتبر حجه تاماً، وبهذا قال الجمهور من العلماء(138).

والله تعالى أعلم , والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول
بتاريخ20ذو القعدة1247هـ الموافق 10/12/2006م.
مراجعة: علي عمر بلعجم 20/12/2006م.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الإحصار في الحج (معناه، أحكامه)

الهوامش:

(1) أخرجه البخاري 1/12 برقم 8، ومسلم 1/45 برقم 21.

(2) أخرجه مسلم 2/975 برقم 1337.

(3) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه 26/229.

(4) التعاريف 1 / 41.

(5) لسان العرب 4 / 193.

(6) تاج العروس 1 / 2693- 2694.

(7) بدائع الصنائع 2/175، الفتاوى الهندية 1/255، البحر الرائق 3/57

(8) الفتاوى الهندية 1/255.

(9) المحلى 7/204.

(10) كتاب العين 3 / 113.

(11) أنيس الفقهاء 1 /143.

(12) التعاريف 1 / 41.

(13) الاستذكار 4/171، بداية المجتهد 2/289.

(14) الأم 1/158، فتح الوهاب 1/268.

(15) المغني 3/381، المبدع في شرح المقنع 3/274، تأليف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت – 1400هـ.

(16) بدائع الصنائع 2/177.

(17) بدنه: جمع بدنة، وهي ما يهدى للحرم من الإبل. وقيل: من الإبل والبقر. صحيح البخاري 2 / 643.

(18) صحيح البخاري 2 / 643 رقم 1717.

(19) بداية المجتهد 1/605.

(20) بداية المجتهد 2/289.

(21) الأم 1/158.

(22) شرح مختصر خليل 2/ص388، المغني 3/381، المبدع في شرح المقنع 3/274، تأليف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت – 1400هـ.

(23) شرح مختصر خليل 2/388

(24) الاستذكار 4/176.

(25) تفسير ابن كثير 1 / 533.

(26) الأم 2/167.

(27) مختصر المزني 1/73.

(28) شرح فتح القدير 3/125.

(29) الاستذكار 4/177.

(30) المبدع في شرح المقنع 3/273، تأليف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت – 1400هـ.

(31) الحجة 2/182

(32) الاستذكار 4/177.

(33) مختصر المزني 1/73.

(34) البحر الرائق 3/57، المبسوط للشيباني 2/463، المبسوط للسرخسي 4/110, بدائع الصنائع 2/176، المغني 3/173، الإقناع للشربيني 1/266.

(35) رواه أبو داود 1/575 رقم 1862. قال الألباني: صحيح، انظر الجامع الصغير وزيادته1/1147, برقم 11467.

(36) بدائع الصنائع 2/175.

(37) انظر: بدائع الصنائع 2/175، الحجة 2/183، المبسوط للشيباني 2/463.

(38) تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام 1 / 257. تأليف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الطبعة: الثانية. الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية. تاريخ النشر: 1423هـ.

(39) صحيح البخاري 5 / 1957 رقم 4801 .

(40) صحيح البخاري 5 / 1957 .

(41) سنن أبي داود 1 / 551 رقم 1776. قال لألباني: حسن صحيح، انظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود 4 /276, رقم 1776.
(42) بدائع الصنائع 2/181.

(43) بدائع الصنائع 2/177

(44) بدنه: جمع بدنة، وهي ما يهدى للحرم من الإبل. وقيل: من الإبل والبقر. صحيح البخاري 2 / 643.

(45) صحيح البخاري 2 / 643 رقم 1717.

(46) مغني المحتاج 1/532.

(47) بداية المجتهد 1/259- 260.

(48) روضة الطالبين 3/ص180.

(49) فتح الوهاب 1/269.

(50) روضة الطالبين 3/181.

(51) المغني 3/173، مختصر الإنصاف والشرح الكبير 1/344 .

(52) الأم 2/169، روضة الطالبين 3/173

(53) الفروع 3/396.

(54) المحلى 7/207.

(55) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه 26/228.

(56) بدائع الصنائع ج2/ص177، بداية المجتهد 1/259- 260.

(57) الإقناع للشربيني 1/266، كشاف القناع 2/526، مطالب أولي النهى 2/456.

(58) الكافي في فقه ابن حنبل 1/462- 429، الإنصاف للمرداوي 4/68.

(59) المغني 3/173.

(60) المبسوط للسرخسي 4/112.

(61) شرح العمدة في الفقه 3/369. تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مكتبة العبيكان - الرياض - 1413، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. سعود صالح العطيشان.

(62) تحفة الفقهاء 1/41.

(63) انظر: بدائع الصنائع 2/178.

(64) سبل السلام 2/ 218.

(65) الذخيرة 3/187.

(66) الاستذكار 4/170.

(67) المغني 3/173.

(68) بدائع الصنائع 2/178.

(69) سبل السلام 2/218.

(70) كشاف القناع عن متن الإقناع 2/524. تأليف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1402، تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال.، الاستذكار 4/171.

(71) روضة الطالبين 3/174.

(72) كشاف القناع 2/526.

(73) الأم 2/169، روضة الطالبين 3/175.

(74) المبسوط للسرخسي 4/106.

(75) المحلى 7/207.

(76) الوسيط 2/707 ، تحفة الفقهاء 1/417، مختصر اختلاف العلماء 2/187. تأليف: الجصاص /أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، دار النشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت - 1417، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد.

(77) البحر الرائق 3/57، المبسوط للسرخسي 4/106، الحجة 2/185 , المبسوط للشيباني 2/462، تحفة الفقهاء 1/417.

(78) المبسوط للسرخسي 4/109.

(79) بدائع الصنائع 2/180، مطالب أولي النهى 2/453 .

(80) بدائع الصنائع 2/180.

(81) بدائع الصنائع 2/180.

(82) كشاف القناع عن متن الإقناع 2/524. تأليف: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1402، تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال، وانظر: رسالة في الفقه الميسر 1 / 78.

(83) شرح منتهى الإرادات 1/599.

(84) منهاج الطالبين 1/44. إعانة الطالبين 2/325. حواشي الشرواني 4/202.

(85)بدائع الصنائع 2/180، تحفة الفقهاء 1/417.

(86) روضة الطالبين 3/175.

(87) شرح منتهى الإرادات 1/599.

(88) كشاف القناع 2/526.

(89) بداية المجتهد 1/269.

(90) الإقناع للشربيني 1/266.

(91) المبسوط للسرخسي 4/107.

(92) روضة الطالبين 3/175.

(93) كشاف القناع 2/526 ، شرح منتهى الإرادات 1/599 ، وانظر: مختصر زاد المعاد 1 / 349. تأليف: محمد بن عبد الوهاب، دار النشر: مطابع الرياض - الرياض، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.

(94) البحر الرائق 3/57، المبسوط للشيباني 2/462 ، البحر الرائق 3/58، مختصر اختلاف العلماء 2/190.

(95) البحر الرائق 3/57، المبسوط للشيباني 2/462 ، البحر الرائق 3/58.

(96) صحيح البخاري 1 / 43 رقم 83.

(97) بدائع الصنائع 2/158.

(98) بدائع الصنائع 2/181.

(99) تحفة الفقهاء 1/417، بدائع الصنائع 2/183.

(100)روضة الطالبين 3/180.

(101) الذخيرة 3/190.

(102) المغني 3/173.

(103) الأم 2/218.

(104) الوسيط 2/707.

(105) شرح منتهى الإرادات 1/599.

(106) حواشي الشرواني 4/211.

(107) منهاج الطالبين 1/44.

(108) الإقناع للشربيني 1/267.

(109) حاشية البجيرمي 2/163.

(110) المغني 3/173.

(111) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه 26/186.

(112) الاستذكار 4/169.

(113) الاستذكار 4/176.

(114) بداية المجتهد 1/259- 260.
(115)الحجة 2/182.

(116)المبسوط للسرخسي 4/107 بتصرف.

(117) بدائع الصنائع 2/182- 183، تحفة الفقهاء 1/418، الفتاوى الهندية 1/255.

(118) اختلاف العلماء 1/85. تأليف: محمد بن نصر المروزي أبو عبد الله، دار النشر: عالم الكتب - بيروت - 1406، الطبعة: الثانية، تحقيق: صبحي السامرائي.

(119) صحيح البخاري 2 / 643 .
(120) الاستذكار 4/176، بداية المجتهد 1/259- 260، كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه 20/374- 26/226، المغني 3/173.

(121) المغني 3/173.

(122) بداية المجتهد 1/259- 260.

(123) بدائع الصنائع 2/182- 183، تحفة الفقهاء 1/418، الفتاوى الهندية 1/255.

(124) الاستذكار 4/175.

(125) بدائع الصنائع 2/182- 183، تحفة الفقهاء 1/418، الفتاوى الهندية 1/255، المغني 3/173.

(126) سبل السلام 2/218.

(127) حاشية الدسوقي على الشح الكبير 2/94.

(128) أسنى المطالب في شرح روض الطالب 1/529.

(129) المغني 3/379.

(130) شرح فتح القدير 3/134-135.

(131)سنن أبي داود 1 / 585, رقم 1905. وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1 / 356, رقم 1676.

(132) إشارة إلى الحديث : أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى:" الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج "سنن الترمذي 3 / 237 رقم 889. وصححه الألباني، انظر: مختصر إرواء الغليل 1 / 207 رقم 1064.

(133) شرح مختصر خليل 2/391.

(134) الاستذكار 4/172.

(135) البحر الرائق 3/60.

(136) روضة الطالبين 3/181، أسنى المطالب في شرح روض الطالب 1/529.

(137) بدائع الصنائع 2/177.

(138) الإنصاف للمرداوي 4/68، مغني المحتاج 1/533.
 
أعلى