العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الإعجاز العلمي في الصيام ومعالمه التربوية

لبنى السموني

:: متابع ::
إنضم
24 أكتوبر 2013
المشاركات
24
الكنية
ام عمر
التخصص
دراسات اسلامية
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
المالكي
إن القارئ للطب الحديث يلمس أنه لم يعد الصيام مجرد عملية إرادية يجوز للإنسان ممارستها أو الامتناع عنها، فإنه وبعد الدراسات العلمية والأبحاث الدقيقة على جسم الإنسان ووظائفه الفسيولوجية ثبت أن الصيام ظاهرة طبيعية يجب للجسم أن يمارسها؛ حتى يتمكن من أداء وظائفه الحيوية بكفاءة، وأنه ضروري جدًّا لصحة الإنسان تمامًا كالأكل والتنفس والحركة والنوم، فكما يعاني الإنسان بل يمرض إذا حرم من النوم أو الطعام لفترات طويلة، فإنه كذلك لا بد أن يصاب بسوء في جسمه لو امتنع عن الصيام. وفي الحديث عن أبي أمامة: قال "قلت: يا رسول الله، مرني بعمل ينفعني الله به قال : (عليك بالصوم فإنه لا مثل له) رواه النسائي .. وروى الطبراني في " الأوسط " وابن السني أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا تصحوا) والسبب في أهمية الصيام للجسم هو أنه يساعده على القيام بعملية الهدم التي يتخلص فيها من الخلايا القديمة، وكذلك الخلايا الزائدة عن حاجته، ونظام الصيام المتبع في الإسلام، والذي يمتنع فيه المسلم عن تناول الطعام والشراب على الأقل لمدة أربعة عشر ساعة من الجوع والعطش ثم بضع ساعات إفطار، هو النظام المثالي لتنشيط عمليتي الهدم والبناء، وهذا عكس ما كان يتصوره الناس من أن الصيام يؤدي إلى الهزال والضعف، بشرط أن يكون الصيام بمعدل معقول كما هو في الإسلام، حيث يصوم المسلمون شهرًا كاملاً في السنة، ويسن لهم بعد ذلك صيام ثلاثة أيام في كل شهر،كما جاء في سنة النبي (من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر) رواه النسائي عن أبي ذر رضي الله عنه وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صوموا تصحوا، وسافروا تصحوا، واغزوا تغنموا ) ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة بسند ضعيف ... وعن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال له: (ألا أدلُّكَ عَلـى أبْوَاب الـخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، والصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الـخَطِيئَةَ ، وَقِـيامُ العَبْدِ فِـي جَوْفِ اللَّـيْـلِ. وتلا هذه الآية: تَتَـجافَـى جُنُوبُهُم عَنِ الـمَضَاجِع، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفـا وَطَمَعا، ومِـمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ».ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم من طرق عن معمر به. وقال الترمذي: حسن صحيح. يقول الأستاذ الدكتور :محمود احمد نجيب ..( أستاذ الجراحة كلية طب جامعة عين شمس) في كتابه (الطب الإسلامي شفاء بالهدى القرآني) مطبعة وهبة طبع سنة 1982م ونستطيع أن نجعل الفوائد الصحية للصيام كما يلي: أولا- في الصيام يقل حجم الدم، نظرا لفقد السوائل في العرق والتبخر من سطح الجسم والبول، وذلك دون تعويض هذه السوائل بسبب الصيام 0 وقلة حجم الدم ينتج عنها أن المجهود الذي تبذله عضلة القلب في ضخ الدم من الأوردة إلي الشرايين يكون اقل، وهذا من شانه أن يعطي عضلة القلب فترة من الراحة تمتد إلي ما يقرب من ست عشرة ساعة، وعضلة القلب التي تعمل ليل ونهار طول العام لا تتاح لها ساعات من العمل دون إجهاد كبير إلا خلال ساعات الصيام الذي يمتد علي مدي ثلاثين يوما، مما يتيح للعضلة أن تجدد حيوية وقوة الألياف العضلية 0 ولا يستطيع العقل أن يفكر في وسيلة يمكن أن تحقق لعضلة القلب البناء والإصلاح والتجدد إلا بصيام شهر رمضان.
ثانيا - الجهاز الهضمي يعمل بصفة دائمة طوال العام، وحين يجئ شهر رمضان تتاح الفرصة للمعدة أن تظل علي مدي ساعات متتالية خالية تماما من أي طعام، وهذا شيء فريد في حد ذاته 0 وبهذا تهدا حركات وإفرازات المعدة والأملاح ويمكن أن تكون هذه هي الفرصة الملائمة التي تشفي فيها القرح أو الجروح بالأغشية المخاطية، وأيضا يتوقف الامتصاص من الأملاح، فلا يصل إلي الكبد أحماض امينية أو جلوكوز أو أملاح، وعلي هذا فان الخلايا الكبدية لا تستطيع أن تقوم بتكوين مركبات جليكوجين أو بروتينات أو كوليسرول لعدم وصول مكونات هذه المركبات، وذلك نتيجة لخلو الأمعاء من أي طعام وبالتالي توقف الامتصاص 0 ولما كان تكوين هذه المركبات هو أهم عمل للخلية الكبدية، فان ساعات الصيام تتيح الظروف الملائمة للبناء والإصلاح وإعادة التكوين ومن الثابت في علم الأمراض أن الخلية الكبدية هي من اقدر خلايا الجسم علي الالتئام وتكوين خلايا جديدة، وهذا هو ما يحدث بعد موت خلايا كبدية في حالات التهاب الكبد الفيروسي، وكذلك يتيح الصيام الفرصة للخلايا الكبدية في التخلص مما قد يكون قد ترسب في داخلها من دهنيات، ذلك لأنه من الأمراض الشائعة هو ترسيب وتخزين الدهنيات داخل الخلايا الكبدية وهو ما يعرف بالتآكل أو الهدم الدهني، وفي الصيام تنخفض الدهنيات في الدم الذي يصل إلي الكبد، ذلك لعدم امتصاص أي دهنيات علي مدي ساعات متتالية، وهذا قد يكون سببا لخروج الدهنيات عبر جدار الخلية الكبدية 0 ولنا أن نقول أن كان شهر رمضان هو العبادة والاستغفار وصفاء النفس، فهو للجسم استعادة للقوي ونماء للصحة وتجديد للخلايا المرهقة وقد قال الله سبحانه وتعالي: ( وان تصوموا خير لكم ) (البقرة : 184) وطبيا00 توجد حالات مرضية لا يسمح فيها الطبيب بالصيام، مثل مرض السكر الشديد الذي يحتاج فيه المريض إلي الحقن بالأنسولين في أوقات منتظمة أو الفشل الكلوي المزمن الذي يجب أن يتناول فيه المريض كميات كافية من السوائل علي مدي اليوم كله، وغير ذلك من الحالات المريضة الخاصة 0 إلا أن الحقيقة المبهرة في أمر الصيام أن المسلم المعافى الجسم في فترة الصيام من النادر جدا أن يصاب بأزمة صحية طارئة مثل الذبحة الصدرية أو جلطة أو نزيف المخ أو النزيف المعوي، وسجلات أقسام الاستقبال بالمستشفيات هي خير دليل علي ذلك.
رمضانُ مدرسةٌ تربوية إيمانية فذة لتخريج الربانيين والربانيات، إذا صام المسلمون أيامه، وقاموا لياليَه، وتخلَّقوا بالأخلاق المناسبة له، وَفقًا للأحكام والضوابط الشرعية، بعيدًا عن الرتابة التي تُبلِّد الحسَّ، وتلغي المقاصدَ.
وما زال الشهر الفضيل في حاجة إلى اقترابٍ مقاصدي يوازي الطرحَ الشعائري القائم على تناول الجزئيات الفقهية والأخلاقية، ليخوض في آفاق الغايات الكبرى، ويبرز الأهداف التربوية للفرد والمجتمع والإنسانية كلها، ومعلوم أن الكتابات في المجال المقاصدي نادرة بالمقارنة بالأبحاث الفقهية المستفيضة، لا تتعدى بعض مؤلفات ابن تيمية، وابن القيم، والعز بن عبدالسلام، والشاطبي، وولي الله الدهلوي، والطاهر بن عاشور، وجماعة من أمثالهم من القدامى والمحدَثين؛ لذلك يبذل العلماء الراسخون في عصرنا جهودًا كبيرة لاستدراك النقص، ودراسة شرائع الإسلام وشعائره وأخلاقه - ومنها الصوم - ليس دراسة فقهية أو حديثية فحسب، وقد أشبعت بحثًا من هذه الناحية عبر القرون؛ وإنما دراسة علمية أصولية مقاصدية، في إطار البناء الديني المتكامل، الجامع بين الالتزام الفردي والمنظومة الاجتماعية، وصناعة الحياة في ضوء المرجعية الإسلامية.
وأتناول في هذا المقال المختصر أمثلةً من مسائلَ متعلقةٍ بالصيام، نعرفها ونمارسها، لكن من غير أن نُعنى بمقاصدها التربوية إلا قليلاً.
فتصفيد الشياطين في شهر رمضان - مثلاً - مسألة غيبية تثير الجدل، لكن يتعلم منها المسلمون أن رمضان فرصةٌ مواتية للدعوة، فينشطون في استمالة القلوب، وتفتيق الأذهان، وكسْب النفوس إلى صف الحق، بعد أن خفَّ ضغط الشياطين، وتوفرت الأجواء الإيمانية، وبعبارة أخرى يكون داعي الشر خلال هذا الشهر في حالة تراجع، مما يتيح لداعية الخير أن يكر ويهاجم، ويدمغ الباطل، ويرفع راية الهداية.
وأما تفطير الصائم الذي يترتب عليه أجرٌ كبير، فما ينبغي أن نَقْصره على مجرد الفعل الفردي الكمالي؛ بل يجب تناوله في إطار العمل التضامني الواعي، الذي يستهدف محاربةَ الفاقة، وإشاعةَ روح الأخوة، من خلال تقاسم الأعباء المعيشية، ولا يكون ذلك إلا بالتغلب على هوى النفس، والتحررِ من حظوظها، وفهمُ الحديث النبوي بمثل هذه الكيفية يحقِّق القيمةَ الأخلاقية، وفي الوقت نفسه يعطي صورةً من صور البديل الإسلامي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وعندما تفقه هذا المعنى جماهيرُ الأمة المتعطشة لنيل الثواب، فإنها تكون أكثر بذلاً وعطاء، وينعكس ذلك إيجابيًّا على المجتمع، وينوع أساليب الدعوة، ويُبرِز للرأي العام وجهًا آخر من محاسن الإسلام، الكفيلة بأن تجعله يدخل القلوبَ بغير استئذان.

وإذا انتقلنا إلى مثال ثالث، نقف عند عبارة: "اللهم إني صائم"، التي لا تبرح في الغالب الميدان الفردي الجزئي الضيق؛ بل والشعاراتي أيضًا، برغم أنها تشكل ضمن النسق الإسلامي العام قاعدةً دينية، وكلية اجتماعية، ودافعًا دعويًّا تعصم المسلمين الواعين من الاستدراج على كل المستويات، بحيث يتربَّوْن ليس على رد الفعل السريع الأهوج، وإنما على رد الفعل المدروس الهادئ، ومعاني الحلم والمسامحة، والتحكم في العواطف مهما كانت الاستفزازات، فيُكتب لهم الفوزُ أخلاقيًّا ودعويًّا، وسياسيًّا وحضاريًّا.
أما صلاة التراويح، فهي لقاء سنوي حي مع دستور المسلم الأكبر ودليل حياته - القرآن الكريم - في رحلة تتجاوز عدد الركعات، لتكون تلقيًا مباشرًا غضًّا طريًّا لكلام الله - تعالى - وكأنه يتنزَّل للتوِّ على المؤمن، يخاطب قلبَه وعقلَه وحواسَّه، لتكتمل العبودية لله، ويتجدد الإيمان، فتدمع العين، ويقشعرُّ الجلد، ثم يطمئنُّ القلب لذِكر الله، وتنتشر بين المسلمين معاني الأخوة والمحبة والرحمة، فيزداد ارتباطهم بخالقهم وببعضهم .هذه أربعة أمثلة من قيم رمضانية، كان يمكن تجسيدها في أبعادها المقاصدية؛ لمعالجة أدواء الأمة، وتكوين الفرد الفعال الصالح، وبناء المجتمع المنشود، غير أن الذهنية المتسمة بالشعائرية، والجزئية، والسلبية اكتفتْ بالنظر السطحي، وفوَّتتْ علينا قطفَ ثمارِ الصيام الطيبة، وعلى رأسها التقوى؛ كما ورد في آية الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وقد كرَّس هذه الذهنيةَ الموروثة عن عصور الانحطاط كثيرٌ من الدروس المسجدية، والإذاعية، والتلفازية، ونحوها، التي لا تلتفت إلى رمضان إلا من خلال كلام متكرر، يحشد الفروع بدون رابط بينها، تضيع في خضمِّها المقاصدُ الشرعية، والأهدافُ التربوية.
ولنا أن نقارن بين هذه الدروس- التي تبقى ضرورية من غير شك لتعليم الناس أمورَ دينهم - وتلك التي يلقيها علماء ودعاة أفذاذ يربطون الفروع بالأصول، والجزئيات بالمقاصد، فيثلجون الصدور، ويحببون الصيام - والإسلامَ كله - للعباد، باعتباره عبادة لله من جهة، ومدرسة تربوية سلوكية من جهة أخرى، وهذا هو التناول التربوي الواعي الذي ننشده لدفع الشبهات، وإلجام الشهوات، وإذا لم ندرك نحن ذلك، فقد أدركه المتحكمون في الإعلام والتوجيه التربوي والاجتماعي من العلمانيين، فعملوا على تقزيم الحصص الدينية في الإذاعة والتلفاز والمدرسة؛ ليفرغوا الصيام - والشعائر كلها - من الشحنة الإيمانية التي تغيِّر الإنسان وتدفعه نحو الأفضل.
وحاصل القول :إنها دعوة لفقه مقاصد الصيام وغيره من شعائر الإسلام؛ لإصلاح النفوس، وبناء المجتمع، واستلهام النبع القرآني أكثر ضمن عملية دعوية واعية، وهذا هو الرجوع إلى القرآن والسنة عينُه، وهو خطوة ضرورية لتكوين القاعدة الصلبة، وإيجاد الربانيين، واستئناف الحياة الإسلامية.
 
إنضم
14 يونيو 2014
المشاركات
34
الكنية
أبو سلمان
التخصص
أصول فقه
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
سني
رد: الإعجاز العلمي في الصيام ومعالمه التربوية

جزيت خيراً أم عمر على هذه المشاركة المفيدة
 
أعلى