العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الاتجاهات الفقهية في زكاة الديون والرأي الراجح فيها لـ أ.د. عبد الرحمن صالح الأطرم

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الندوة الثامنة عشرة
لقضايا الزكاة المعاصرة

الاتجاهات الفقهية في زكاة الديون والرأي الراجح فيها

إعداد
أ.د.عبد الرحمن صالح الأطرم
الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض

الاتجاهات الفقهية في زكاة الديون والرأي الراجح فيها
أ.د. عبد الرحمن صالح الأطرم(http://www.mmf-4.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=14#_edn1)

زكاة الدين المؤجل
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:
فهذا بحث موجز في حكم زكاة الديون المؤجلة وأثر تلك الديون على الأموال الزكوية كتبته تلبية لطلب بيت الزكاة بالكويت للمشاركة به في الندوة الثامنة عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة وقد خصصته بالديون المؤجلة؛ لأنها موضع البحث في هذه الندوة، أما الديون الحالة فقد سبق بحثها وصدر قرار بشأنها بما يغني عن إعادة بحثها مرة أخرى، وعلى هذا فإني لا أتطرق للدين الحال إلا ما جاء عَرَضاً في ثنايا نقل أو ما جرّ إليه بحث بمسألة ونحو ذلك.
وتعد زكاة الديون من المسائل المهمة، وتزداد أهميتها في هذا العصر نظراً لانتشار المؤسسات المالية المتخصصة في التمويل من مصارف وشركات، وما تبع ذلك من توسع في الطلب على التمويل بمختلف أنواعه وآجاله من القطاعين العام والخاص، وقد ظهر أثر ذلك في القوائم المالية للشركات والمؤسسات بمختلف أنواعها.
ثم إن هذه المسألة من مسائل الخلاف الشهيرة بين الفقهاء قديماً وحديثاً، والتباين في زكوات الشركات نتيجة هذا الخلاف تباين كبير جداً، مما يوجب على أهل العلم التمعن في الأثر المترتب على الأخذ بقول من الأقوال فيها، سواءً كان ذلك في حق دافع الزكاة أو آخذها.
وقد جعلت هذا البحث في فصلين وخاتمة.

الفصل الأول: في زكاة الدين المؤجل. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الآثار الواردة في زكاة الدين، وفيه مطلبان:
الأول: الآثار التي تدل على وجوب الزكاة في الدين.
الثاني: الآثار التي تدل على عدم وجوب الزكاة في الدين.
المبحث الثاني: حكم زكاة الدين المؤجل.
الفصل الثاني: في أثر الدين على الزكاة.
خاتمة في خلاصة البحث.
وقد أرفقت في نهاية هذا البحث ما يأتي:
1- قرارات ندوات بيت الزكاة في زكاة الديون.
2- جدول مقارنة زكاة بعض المؤسسات المالية والشركات بناء على الأقوال المختلفة
هذا وإني أتوجه بالشكر الجزيل لبيت الزكاة بالكويت على إقامة هذه الندوات وما أثمرته من نتائج مثمرة في المجال العلمي، ومؤثر في الميدان العملي.
كما أتوجه بالشكر الجزيل للأخ الشيخ عبد الله بن عيسى العايضي الذي تولى جمع مادة هذا البحث وصياغته في مرحلته الأولى، فجزاه الله خيرا وأثابه على هذا([ii]).
وكتبه: د. عبد الرحمن بن صالح الأطرم
28/2/1430هـ.

() الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود-الرياض.

([ii]) للشيخ عبد الله العايض- بحث ماجستير تكميلي بعنوان (التطبيقات المعاصرة لزكاة الديون).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الفصل الأول: في زكاة الدين المؤجل
المبحث الأول: الآثار الواردة في زكاة الدين، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الآثار التي تدل على وجوب الزكاة في الدين:
1- ما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا خرج العطاء، أخذ الزكاة من شاهد المال عن الشاهد والغائب(http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php/-2938/index?p=14438#_edn1).
2- عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: قال رجل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يجيء إبان زكاتي ولي دين، فأمره أن يزكيه([ii]).
3- قول عثمان رضي الله عنه: "زكه -يعني الدين- إذا كان عند الملاء"([iii]).
4- وجاء عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما- أنهما قالا: "من أسلف مالا فعليه زكاته كل عام إن كان في ثقة"([iv]).
5- وعن السائب بن يزيد أن عثمان رضي الله عنه كان يقول: "إن الصدقة تجب في الدين الذي لو شئت تقاضيته من صاحبه والذي هو على ملئ تدعه حياء أو مصانعة ففيه الصدقة"([v]).
6- وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "كل دين لك ترجو أخذه فإن عليك زكاته كلما حال الحول"([vi]).
7- عن أبي الزناد: أن رجلاً باع من رجل مالاً ليتيمٍ له بعشرين ألف درهم، منجَّمةً على المبتاع، في كل عام ألف درهم، فقال عبد الله بن عمر لوالي اليتيم: أخرج مما وصل إليك في كل عام صدقة المال كله، ناضَّه وكالئه، فلما سمع ذلك الرجل استقال البيع([vii]).
المطلب الثاني: الآثار التي تدل على عدم وجوب الزكاة في الدين:
1- عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (ليس في الدين زكاة)([viii]).
2- نافع عن ابن عمر قال: (ليس في الدين زكاة)([ix]).
3- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في الدين: (ليست فيه زكاة حتى يقبضه)([x]).
4- عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "زكوا زكاة أموالكم حولا إلى حول وما كان من دين ثقة فزكه وإن كان من دين مظنون فلا زكاة فيه حق يقضيه صاحبه"([xi]).
5- عن علي رضي الله عنه أنه قال في الدين الظنون: "إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى"([xii]).
6- عن محمد بن سيرين قال: "نبئت أن عليا رضي الله عنه قال: إن كان صادقا فليزك إذا قبض - يعني الدين"([xiii]).


() أخرجه أبو عبيد في الأموال، باب الصدقة في التجارات والديون، وما وجب فيها، كما لا يجب ص429-430، من طريق محمد بن إسحاق عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن ابن عبد القاري، والأثر فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس ولم يصرح بالسماع.

([ii]) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، باب لا زكاة إلا في الناض 4/103، وابن أبي شيبة، باب فيقي زكاة الدين 2/289، برقم (10253)، والأثر وصله عبد الرزاق، ورجال إسناده ثقات.

([iii]) أخرجه البيهقي في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الدين إذا كان على مليء موفي، 4/149، برقم 7408 من طريق الوليد بن مسلم ثنا بن لهيعة عن عقيل عن بن شهاب عن السائب بن يزيد، وعلة الأثر ابن لهيعة، فهو ضعيف، أما الوليد بن مسلم فقد صرح في الأثر بالسماع.

([iv]) أخرجه البيهقي، كتاب الزكاة، باب زكاة الدين إذا كان على مليء موفي 4/149، والأثر فيه انقطاع؛ لأنه من رواية الليث بن سعد عن ابن عباس وابن عمر.

([v]) أخرجه أبو عبيد في الأموال، باب الصدقة في التجارات والديون، وما يجب فيها وما لا يجب، ص435 برقم 1213.

([vi]) أخرجه أبو عبيد في الأموال، باب الصدقة في التجارات والديون، وما يجب فيها وما لا يجب، ص435، برقم 1214.

([vii]) أخرجه ابن زنجويه في كتابه الأموال (3/1749).

([viii]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، في كتاب الزكاة، باب من قال ليس في الدين زكاة حتي يقبض، 4/264، برقم 10357، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الزكاة، باب لا زكاة إلا في الناض، 4/103، برقم 7124، والأثر قال عنه الألباني في الإرواء 2/252: "هذا سند ضعيف، فيه العمري هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ضعيف كما في التقريب".

([ix]) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الزكاة، باب لا زكاة إلا في الناض، 4/103، برقم 7125.

([x]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الزكاة، باب من قال ليس في الدين زكاة حتي يقبض، 2/390، برقم 10259، والحديث في سنده عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف. انظر: إرواء الغليل 3/253.
وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها ما يفيد نفي وجوب الزكاة في الدين مطلقا، وهو ما رواه ابن أبي شيبة وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت (ليس في الدين زكاة) كما تقدم، ولكن الأقرب أن مذهبها هو أن الدين ليس به زكاة حتي يقبض لأمرين:
الأول: أن الأثر المقتضي عدم وجوب الزكاة مطلقا شديد الضعف؛ لأنه من رواية العمري كما تقدم في تخريجه وقد قال ابن تيمية "الكذب ظاهر عليه ".
الثاني: أنه يمكن الجمع بين الأثرين بحمل المطلق على المقيد، فيكون القول بأن مذهبها لا زكاة في الدين حق يقبض فيه جمع بين الأثرين.

([xi]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الزكاة، باب من قال ليس في الدين زكاة حتى يقبض، 2/390، برقم 10251، والبيهقي في سننه 4/1580، برقم (7413)، والأثر في سنده موسى بن عبيدة، قال عنه الإمام أحمد: منكر الحديث، انظر: الجرح والتعديل 8/151.

([xii]) أخرجه عبد الرزاق، باب لا زكاة إلا في الناض 1/100، برقم (7116) من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة عن على به، قال الألباني: "وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين". انظر الإرواء 3/253.

([xiii]) أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، باب في زكاة الدين، 4/262، برقم 10340، من طريق وكيع عن ابن عون عن محمد به، و الأقرب أن الأثر بهذا اللفظ شاذ لأن هذا الأثر إنما ورد في الدين الظنون، فقد أخرجه عبد الرزاق، باب لا زكاة إلا في الناض 1/100، برقم (7116) من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أنه قال في الدين الظنون: "إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى". انظر الإرواء 3/253.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المبحث الثاني: حكم زكاة الدين المؤجل:
يمكن إجمال أقوال الفقهاء -رحمهم الله- في حكم زكاة الدين المؤجل في خمسة أقوال، أربعة منها في وجوب الزكاة في الدين المؤجل على خلاف بين أصحاب هذه الأقوال في تفصيل ذلك، والخامس في عدم وجوب الزكاة فيه، وبيانها على النحو الآتي:
القول الأول: تجب الزكاة في الدين المؤجل، ويلزم الإخراج عند حلول الحول ولو لم يُقبَض الدين إذا كان المدين مليئا، أما إذا كان معسراً فلا يلزم الإخراج إلا عند القبض، فإذا قبضه الدائن زكاه لما مضى من السنين، وهذا وجه عند الشافعية(http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php/-2938/index?p=14438#_edn1).
جاء في تحفة المحتاج بشرح المنهاج في معرض كلامه عن زكاة الدين([ii]): "(أو مؤجلا) ثابتا على مليء حاضر (فالمذهب أنه كمغصوب) فلا يجب الدفع إلا بعد قبضه (وقيل: يجب دفعها قبل قبضه) كغائب يسهل إحضاره" اهـ.
القول الثاني: تجب فيه الزكاة إذا قبضه لما مضى من السنين، وهو المذهب عند الشافعية([iii])، والحنابلة([iv]).
جاء في المجموع شرح المهذب([v]): "فإن كان حالا وجبت الزكاة بلا شك ووجب إخراجها في الحال، وإن كان مؤجلا فطريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) عند المصنف والأصحاب أنه على القولين في المغصوب (أصحهما) يجب الزكاة (والثاني) لا تجب و هذه طريقة أبي إسحاق المروزي... فان قلنا بوجوب الزكاة فهل يجب إخراجها في الحال فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وآخرون (أصحهما) لا يجب وبه قطع الجمهور كالمغصوب" اهـ.
وجاء في الإنصاف([vi]): "وفي الدين على غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان، وكذا لو كان على مماطل أو كان المال مسروقا أو موروثا أو غيره جهله أو جهل عند من هو وأطلقهما في الفروع والشرح والرعايتين والحاويين والمستوعب والمذهب الأحمد والمحرر، إحداهما: كالدين على المليء، فتجب الزكاة في ذلك كله إذا قبضه وهو الصحيح من المذهب" اهـ. ولعل مراده -رحمه الله- فتجب الزكاة ويلزم الإخراج إذا قبضه؛ لأن هذا هو المشهور من المذهب في الدين على المليء.
القول الثالث: إذا كان الدين لتاجر مدير([vii])، وكان الدين مرجو السداد؛ فإن الزكاة تجب في قيمته كل عام، فيقوم ديونه كل عام وتزكى القيمة، أما إن كان غير مرجو السداد أو كان الدين لتاجر محتكر([viii]) أو كان قرضا، فلا زكاة فيه حق يقبضه الدائن، فإذا قبضه زكاه لعام واحد. وهذا مذهب المالكية([ix]).
وبيان قولهم على النحو الآتي:
1- وجوب الزكاة في القيمة كل عام إذا كان الدين لتاجر مدير وكان الدين مرجو السداد.
جاء في الكافي لابن عبد البر([x]): "وأما دين التاجر المدير لتجارته فإنه يزكيه إذا كان في ملئ ثقة كما يقوم عروض تجارته؛ لأنه ينض شيئا بعد شيء ولا يصل إليه ناضا في وقت واحد فمن هاهنا صار دين المدير وعرضه كعين ناض كله" اهـ.
وجاء في المدونة([xi]): "وقال مالك: إن كان رجل يدير ماله في التجارة، فكلما باع اشترى مثل: الحناطين والبزازين والزياتين، ومثل التجار الذين يجهزون الأمتعة وغيرها إلى البلدان، قال: فليجعلوا لزكاتهم من السنة شهرا، فإذا جاء ذلك الشهر قوموا ما عندهم مما هو للتجارة وما في أيديهم من الناض فزكوا ذلك كله، قال: فقلت لمالك: فإن كان له دين على الناس؟ قال: يزكيه مع ما يزكي من تجارته يوم يزكي تجارته إن كان دينا يرتجي اقتضاؤه" اهـ.
وطريقة التقويم عندهم أن يقوم الدين بعرض ثم العرض بنقد وتزكى القيمة.
جاء في شرح الخرشي([xii]): "أو نقدا مؤجلا مرجوا قومه بما يباع به على المفلس العرض بنقد والنقد بعرض ثم بنقد وزكى تلك القيمة لأنها هي التي تملك لو قام غرماؤه" اهـ.
وجاء في الشرح الكبير للدردير: "(وإلا) يكن نقدا حالا بأن كان عرضا أو مؤجلا مرجوين فهو راجع لقوله: النقد الحال فقط (قومه) بما يباع به على المفلس العرض بنقد والنقد بعرض ثم بنقد وزكى القيمة" اهـ.
وجاء في الفواكه الدواني: "(إلا أن تكون مديرا) أي حريصا على سرعة البيع بحيث (لا يستقر) أي لا يمكث (بيدك عين ولا عرض) بل تبيع ولو بلا ربح وتخلفه بغيره كالعطارين والزياتين ونحوهم من كل ما لا يرصد الأسواق، (فإنك) يا مدير إذا بعت بنقد ولو درهما (تقوم عروضك) قيمة عدل تراعي فيها الزمان والمكان في (كل عام)، والتقويم عام في سائر عروضه المعدة للتجارة ولو طعام سلم ولو بارت عنده سنين؛ لأن بوارها وكسادها لا ينقلها للقنية ولا للاحتكار، وكذا ديونه التي على الناس المؤجلة الكائنة من بيع كانت عروضا أو نقودا حيث كانت مرجوة، لكن العرض يقوم بعين والنقد بعرض ثم بنقد، لا ديونه الغير المرجوة" اهـ.
2- وجوب الزكاة لسنة إذا كان الدين لتاجر مدير وكان الدين غير مرجو السداد، أو كان الدين ناشئا عن قرض.
جاء في شرح الخرشي([xiii]) في معرض الكلام عن زكاة التاجر المدير: "المشهور أن الدين النقد إذا كان غير مرجو فإنه لا يزكيه وهو كالعدم، وكذلك على المشهور إذا كان قرضا؛ لعدم النماء فيه، لأنه خارج عن حكم التجارة، ويزكيه لعام واحد بعد قبضه ما لم يؤخر قبضه فرارا من الزكاة كما مر في زكاة الدين" اهـ.


3- وجوب الزكاة لسنة إذا كان الدين لتاجر محتكر.
جاء في شرح الخرشي([xiv]): "وإنما يزكى دين إن كان أصله عينا بيده أو عرض تجارة وقبض عينا (ش) أي أن دين المحتكر سواء كان عرضا، أو عينا إنما يزكى لسنة من يوم زكى أصله، أو ملكه إن لم تجب فيه الزكاة، ولو أقام عند المدين أعواما بشروط" اهـ.
وجاء في الكافي لابن عبد البر([xv]): "كل من كان له دين من قرض أقرضه وأخرجه عينا من يده أو من ثمن سلعة كانت عنده للتجارة وهو غير مدير فباعها بدين فلا زكاة عليه فيه حق يقبضه فإذا قبضه زكاه لحول واحد وسواء أقام حولا أو أحوالا عند الذي هو عليه" اهـ.
وقريب من رأي المالكية ما اختاره الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- فقد جاء في الفتاوى السعدية([xvi]) ما نصه: "س: هل في الدين الذي على الفلاحين (المزارعين) زكاة؟.
ج: الأوفق أنك تزكيه ولو لم تقبضه، لأنه وثيق، وفيه رهائن، والوقت وقت مسغبة، والزكاة تصير على رأس المال منه وعلى المصلحة، إن كان هو حال، وإلا فبقسطه، والزكاة إنما هي في القيمة".
وقد بين الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- مراد شيخه جوابا عن سؤال جاء فيه-: "ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في الفتاوى هذه الجملة: (الزكاة تصير على رأس المال منه وعلى المصلحة إن كان هو حال، وإلا فبقسطه) فما معنى قول الشيخ؟.
فأجاب رحمه الله: "معنى قول الشيخ -رحمه الله- أن الدين إن كان حالا وجبت زكاة أصله وربحه، وإن كان مؤجلا وجبت زكاة أصله، أما ربحه فيجب بقسطه، فمثلا إذا بعت عليه ما يساوي ألفا بألف ومائتين إلى سنة، وكان حول الألف يحل في نصف السنة وجب عليك زكاة ألف ومائة فقط عند تمام حول الألف"([xvii]).
وقد اختار الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله- قريبا من هذا الرأي ونص وجهة نظره ما يأتي: "إن زكاة الدين المؤجل تجب في رأس ماله كل عام، سواء قبضه الدائن أم بقي عند المدين حتى نهاية الأجل كله، أما ما زاد عن رأس المال من الربح الذي جعل مقابل الأجل، والذي قسط على مدد معلومة، فإن الزكاة تجب فيما حل منه فقط، سنة بعد سنة، بمعنى أن الزكاة لا تجب في تلك الأقساط عاما بعد عام.
والنتيجة أنه إذا تم الأجل كله؛ فإن الدائن يكون قد زكى رأس المال كله كل عام، وإذا كان الربح مقسطا على ثلاثة أقساط، فإن القسط الأول من الأقساط الثلاثة زكاه ثلاثة سنين، والقسط الثاني زكاه سنتين، والقسط الثالث زكاه سنة واحدة فقط، وذلك على افتراض أن الدائن لم يقبض دينه إلا في نهاية الأجل"([xviii]).
ومؤدى هذا القول فيما يظهر أن الزكاة تجب في القيمة؛ لأنه جعل الزكاة على الدين المؤجل بعد خصم الأرباح التي جعلت مقابل الأجل عن كل سنة من السنوات الثلاث.
القول الرابع: أن الدين المؤجل يزكى عند قبضه لسنة مطلقا سواء كان مرجوا أو غير مرجو، وهذا القول يفهم من كلام بعض المالكية، فقد قال الرجراجي في مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل في شرح المدونة وحل مشكلاتها([xix]) ما نصه: "فإن كان الدين من بيع فلا يخلو من أن يكون على مليء أو معدم، فإن كان على معدم فلا يزكيه باتفاق؛ لأنه تاوٍ، والتاوي لا قيمة له، وإن كان على مليء فهل يزكيه أم لا؟ فالمذهب على قولين:
أحدهما: أنه لا يزكيه حتى يقبضه فإذا قبضه زكاه لعام واحد، وهو قول المغيرة والمخزومي.
والثاني: أنه يزكيه، وهو المشهور" اهـ.
فهذا النص يفهم منه أن من المالكية من يرى أن الدين المؤجل يزكى لسنة سواء كان على مليء أو معدم، ويتعين هنا حمل قول الرجراجي: "فإن كان على معدم فلا يزكيه باتفاق" اهـ على نفى وجوب الزكاة كل عام، ولا ينفي هذا وجوب الزكاة لسنة عند قبضه؛ لأنه حكى الاتفاق على نفي الوجوب مع أن المشهور من مذهب المالكية وجوب الزكاة في الدين غير المرجو لسنة عند القبض، فلا يستقيم حكاية الاتفاق مع ذلك.
كما أن هذا القول يفهم من ما ذكره صاحب الشرح الكبير على المقنع عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والليث والأوزاعي ومالك في سياق الكلام عن الدين على غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع، فبعد ذكر كلام صاحب المقنع الذي نصه: "وفي الدين علي غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان" اهـ قال الشارح([xx]): "هذا الضرب الثاني وهو الدين على المماطل والمعسر والمجحود الذي لا بينة به والمغصوب والضال حكمه حكم الدين على المعسر، وفي ذلك كله روايتان: إحداهما لا تجب فيه الزكاة، وهو قول قتادة و إسحاق و أبي ثور وأهل العراق؛ لأنه مال ممنوع منه غير قادر على الانتفاع به أشبه الدين على المكاتب.
والرواية الثانية: يزكيه إذا قبضه لما مضى وهو قول الثوري و أبي عبيد لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الدين المظنون إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى، وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد؛ ولأنه مال يجوز التصرف فيه أشبه الدين على المليء؛ ولأن ملكه فيه تام أشبه ما لو نسي عند من أودعه؟ و للشافعي قولان كالروايتين، وعن عمر بن عبد العزيز و الحسن و الليث و الأوزاعي و مالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد، لأنه كان في ابتداء الحول في يده ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد" اهـ.
فقد يفهم من هذا أن وجوب الزكاة لما مضى يعود على جميع الصور بما فيها الدين المؤجل، وإنما قلت يفهم؛ لأن كلمة المؤجل وردت في كلام المتن (صاحب المقنع) ولم ترد في كلام الشارح في صدر المسألة.
القول الخامس: لا زكاة في الدين المؤجل مطلقا، وهو أحد القولين في مذهب الشافعية([xxi])، وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة([xxii])، وقول الظاهرية([xxiii]).
جاء في البيان للعمراني([xxiv]): "وإن كان له دين مؤجل على مليء مقر ففيه وجهان:... الثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة لا يملكه قبل حلول الأجل؛ لأنه لا يملك المطالبة به، فعلى هذا إذا قبضه استأنف به الحول، ولا يزكيه لما مضى" اهـ.
وجاء في الفروع لابن مفلح([xxv]): "ولا زكاة في مؤجل أو على معسر أو مماطل أو جاحد قبضه ومغصوب ومسروق ومعرف وضال رجع وما دفنه ونسيه وموروث أو غيره وجهله أو جهل عند من هو في رواية صححها صاحب التلخيص وغيره، ورجحها بعضهم، واختارها ابن شهاب وشيخنا" اهـ.
ويظهر من هذا النص نسبة القول بعدم وجوب الزكاة في الدين المؤجل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، كما عزاه إليه البعلي في الاختيارات([xxvi]) لكن لم أجد في كلام ابن تيمية -رحمه الله- نصا صريحا بعدم وجوب الزكاة في الدين المؤجل، وغاية ما وقفت عليه ما جاء في مجموع الفتاوى 25/47-48 بعد ذكر أقوال الفقهاء في وجوب الزكاة في الصداق المؤجل يدفع للمرأة بعد أن تمضي عليه السنين ونصه: "وأقرب الأقوال قول من لا يوجب فيه شيئا بحال حتى يحول عليه الحول، أو يوجب فيه زكاة واحدة عند القبض" اهـ.
هذا ومن المعلوم أن الصداق المؤجل تعارف الناس على أنه غير مؤدى غالبا، وهو دين لا يراد سداده عرفا، وإنما هو للزجر عن الطلاق أو لغير ذلك، وحتى لو كان مؤجلا بمدة معلومة فإن طلبه يتعسر على المرأة لما يسببه من ضرر عليها، فالقول بعدم وجوب الزكاة فيه له وجه ظاهر، لكن لا يجري ذلك على كل دين مؤجل، ولا يفهم من ذلك النص أن شيخ الإسلام يقول بعدم زكاة الدين المؤجل مطلقا، وإنما قد يكون صرح بذلك في موضع لم يصل إلينا، والله أعلم.
أدلة الأقوال ومناقشتها:
أدلة أصحاب القول الأول:
أورد الشافعية جملة من الأدلة في زكاة الدين الحال، وألحق أصحاب هذا القول من الشافعية الدين المؤجل بالدين الحال، وعليه يمكن الاستدلال لهم بما استدل به جمهور الشافعية على زكاة الدين الحال، وأبرز تلك الأدلة ما يأتي:
الدليل الأول: القياس على الوديعة.
وتقريره: أن الدين نصاب مقدور على قبضه من غير منع؛ فتجب فيه الزكاة بحلول الحول ولو لم تكن يد الدائن عليه، كما أن المودع يجب عليه إخراج الزكاة عن المال الزكوي الذي عند المودَع وإن لم تكن يده عليه لقدرته على قبضه([xxvii]).
وأجيب عن هذا بأنه قياس مع الفارق، ويظهر الفرق من وجهين:
الأول: أنه قياس دين على عين، فالوديعة وهي في يد المودَع عين، أما الفرع الذي ألحقتموه به فهو دين، والعين أقوى من الدين([xxviii]).
الثاني: أن الوديعة إنما وجبت فيها الزكاة على المودِع لأنها بمنزلة ما في يده ؛ لأن المستودَع نائب عن المودِع في حفظها، وليس كذلك الدين لاسيما إذا كان مؤجلا([xxix]).
ويمكن أن يجاب كذلك بأن هذا الدليل لو صح دليلا فهو إنما يصح في الدين الحال؛ لأن للدائن الحق في مطالبة المدين به بخلاف الدين المؤجل فلا تجوز المطالبة به قبل حلول الأجل.
الدليل الثاني: أن الدين سواء كان حالا أم مؤجلا مال مملوك لصاحبه ملكا تاما؛ لأن له التصرف فيه بالحوالة به والإبراء؛ فتجب فيه الزكاة([xxx]).
أدلة أصحاب القول الثاني:
هذا القول له جانبان: الأول: وجوب زكاة ما مضى من السنين عند قبض الدين.
والثاني: عدم لزوم الإخراج إلا بعد قبض الدين.
أما وجوب زكاة ما مضى من السنين فاستدلوا عليه بما سبق ذكره في أدلة القول الأول.
وأما عدم لزوم الإخراج قبل قبض الدين فيستدل له بما ذكره بعض ...الحال قبل قبضه بأن مبنى الزكاة على المواساة، وليس من المواساة في ...
زكاة مال لا يُنتفع به([xxxi])، والدائن لا ينتفع بالدين وهو في يد المدين فلا جـ.... زكاته حتى يقبضه، وإذا كان هذا في الدين الحال قبل قبضه فالمؤجل أولى.
أدلة أصحاب القول الثالث:
أولا: أدلة المالكية على زكاة الدين على التاجر المحتكر:
واستدلوا على عدم وجوب زكاة ما مضى من السنين قبل سنة القبض على التاجر المحتكر بأن هذا الدين معرض للهلاك ولا يدري صاحبه هل يقبضه أم لا؟ فلا يكلف أداء الزكاة عنه من ماله؛ لأنه قد يهلك فيكون قد أدى الزكاة عن مال لم يصر إليه([xxxii])، ولذا لا تجب عليه زكاة ما مضى.

واستدلوا على وجوب الزكاة لسنة واحدة عند قبض الدين بما يأتي:
الدليل الأول: الزكاة متعلقة بالنماء، فإذا أقام الدين الناشئ من عرض تجارة لتاجر محتكر عند المدين أعواما؛ ففيه زكاة عام واحد؛ لأن النماء لم يحصل فيه إلا مرة واحدة([xxxiii]).
الدليل الثاني: بأن الدين الذي في ذمة المدين نض في يد الدائن في طرفي الحول([xxxiv])، فتلزمه زكاة عام من غير نظر لوسط الحول، كما لو كان في يده نقد في أول الحول، فاشترى به سلعة، ثم باعها في آخر الحول بنقد، فإنه يزكي النقد الذي بيده؛ لحصوله في طرفي الحول([xxxv]).
ونوقش: بأنه ينبغي أن يكون لوسط الحول تأثير؛ لأن المانع إذا وجد في أي جزء من أجزاء الحول أثر في إسقاط الزكاة، كنقص النصاب إذا وجد في بعض الحول انقطع الحول، فإذا كمل النصاب استؤنف الحول([xxxvi])، فإما أن يقال بوجوب الزكاة كل حول، أو يقال بعدم وجوبها مطلقا ولهذا قال أبو عبيد([xxxvii]): "فأما زكاة عام فلا نعرف له وجها" اهـ.
الدليل الثالث: كلما انقضى حول فلم يتمكن من أدائه سقط عنه ذلك الحق اللازم في ذلك الحول؛ لأن الزكاة وجبت بشرطين: حضور عين المال، وحلول الحول، فإذا انتفى حضور عين المال في كل سنة، وحضر في السنة الأخيرة تعلقت بها الزكاة فيجب عليه إخراج الزكاة لسنة واحدة([xxxviii]).
ويمكن أن يناقش بأن الاستناد على أن حضور عين المال شرط لوجوب الزكاة استدلال بمحل النزاع؛ والمخالف ينازع في هذا الشرط فلا يصح أن يكون حجة عليه.
ثانيا: أدلة المالكية على زكاة الدين على التاجر المدير:
استدلوا على وجوب الزكاة على التاجر المدير بأن ضبط حول كل دين نشأ من سلعة باعها التاجر المدير مع تكرر التعاملات وتكرر الأيام فيه عسر، فإذا ألزمناه بذلك أضررنا به، وإذا أسقطنا الزكاة أضررنا بالفقراء فكانت المصلحة الجامعة بأن يجعل له يوم في السنة يقوم فيه عروضه ويزكي القيمة([xxxix]).
واستدلوا على أن الزكاة تجب في قيمة الدين المؤجل بأن الذي استقر ملك الدائن عليه من دينه المؤجل ليس كل الدين بل قيمته الحالة فقط؛ لأنه لو أفلس الدائن فباع الحاكم عليه دينه لم يتحصل من ذلك إلا قيمته الحالة([xl]).
أدلة أصحاب القول الرابع: القائل بوجوب الزكاة لسنة
أدلة هذا القول هي الأدلة التي تقدم ذكرها في زكاة التاجر المحتكر، ومن أهمها: أن الدين الذي في ذمة المدين نض في يد الدائن في طرفي الحول، فتلزمه زكاة عام من غير نظر لوسط الحول، كما لو كان في يده نقد في أول الحول، فاشترى به سلعة، ثم باعها في آخر الحول بنقد، فإنه يزكي النقد الذي بيده؛ لحصوله في طرفي الحول([xli]).
أدلة القول الخامس: القائل بعدم وجوب الزكاة في الدين المؤجل مطلقا.
الدليل الأول: أن الدين في حكم المعدوم؛ "لأنها لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط، وليس له عنده عين مال أصلا، فكيف تلزم زكاة ما هذه صفته؟"([xlii]).
ويمكن أن يجاب: بعدم التسليم بأن الدين المؤجل في حكم المعدوم، بل هو في حكم الموجود، لأن الدائن قادر على التصرف فيه بالحوالة والإبراء والبيع بشرطه.
الدليل الثاني:
أن الدين وهو في ذمة المدين مال غير قابل للنماء؛ فلا تجب فيه الزكاة([xliii]).
ويمكن أن يجاب: بأن هذا الدليل إنما يصح في الدين المؤجل إذا كان ناشئا عن قرض، أما الدين المؤجل إذا كان دينا تجارياً فإن الغالب قد استوفى نماءه، لأن الغالب أن التأجيل يكون له ما يقابله من الثمن([xliv]).
الدليل الثالث:
أن من شروط وجوب الزكاة تمام الملك، وملك الدائن للدين ملك غير تام، فأشبه دين الكتابة([xlv]).
ونوقش: بعدم التسليم بأن تمام الملك غير متحقق، بدليل أن الدائن يستطيع أن يتصرف في هذا الدين بالحوالة والإبراء، وغيرها من التصرفات([xlvi]).
الترجيح:
الذي يظهر والله أعلم أن الزكاة تجب في الدين المؤجل الناشئ من تعاملات تجارية جرى التأجيل فيها باختيار العاقدين، وتقوّم الديون المؤجلة بقيمتها الحالة العادلة عند كل حول.
أما كون الزكاة تجب في الديون المؤجلة فلأدلة التي سبق ذكرها في الأقوال الأربعة الأولى، ويؤيد ذلك ما يأتي:
أولا: أن الدين المؤجل الناشئ من عقد لازم مال مملوك لصاحبه ملكا تاما، وقد استقر في ذمة المدين بالعقد اللازم، فيكون مشمولاً بقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103].
وبما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وفيه: (فاخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم)([xlvii]).
ومما يدل على أن هذا الدين تام الملك أنه تصح الحوالة به ويصح الإبراء منه.
ثانيا: أن الديون التجارية الناشئة عن التأجيل تعد أموالا نامية من حين إجراء العقد؛ لأن الربح قد زاد مقابل الأجل، والتعامل الآجل مجال من مجالات الاسترباح بل هو في العصر الحاضر من أبرزها خاصة في المؤسسات التمويلية.
ثالثا: أن الأصل في الديون التجارية التي تنشأ باختيار العاقدين أنها ديون مرجوة خاصة في ديون المؤسسات المالية التي يخضع إنشاء الديون فيها لكثير من الضوابط الائتمانية إضافة إلى ما يرصد لها من مخصصات مما قلل التعثر في الديون، وجعل الأصل فيها أنها ديون مرجوة.
رابعا: أن القول بإسقاط الزكاة في الدين المؤجل سيؤدي إلى خلل في إقامة هذه الفريضة في عصرنا الحاضر؛ لأنه يترتب عليه إسقاط الزكاة عن نسبة كبيرة مؤثرة في الأموال الزكوية مع أنها أموال قابلة للنماء، وهي في الغالب مملوكة للتجار، فإسقاطها مناف لمقاصد الشريعة([xlviii]).
أما كون الديون المؤجلة تقدر بقيمتها الحالة فلما يأتي:
أولا: أن إيجاب الزكاة على الدائن في دينه كله كل عام لا في قيمته الفعلية عند حلول الزكاة فيه إجحاف بماله؛ لأن الدين قد يؤجل تحصيله لعشر سنوات أو أكثر مما يعني أنه سيدفع 25% من قيمة الدين كزكاة مع أنه لم ينتفع به طوال هذه المدة، ولا هو قادر على قبضه([xlix]).
ثانيا: أن الذي استقر ملك الدائن عليه من دينه المؤجل ليس كل الدين بل قيمته الحالة فقط([l])، لأن ما زاد على القيمة الحالة جعل في مقابل الأجل، والأجل لم يمض بعد.
خامساً: أن للزمن قيمة مالية عند جمهور الفقهاء، والبدل الحال أعلى قيمة من البدل المؤجل إذا تساويا في المقدار.
قال السرخسي في المبسوط([li]) "المؤجل أنقص في المالية من الحال".
وجاء في الموافقات([lii]) "والأجل في أحد العوضين لا يكون عادة إلا عند مقارنة الزيادة به في القيمة إذ لا يسلم الحاضر في الغائب إلا ابتغاء ما هو أعلى من الحاضر في القيمة وهو الزيادة".
وقال ابن تيميه([liii]): "الأجل يأخذ قسطا من الثمن".
ولذا فقد ذكر بعض الفقهاء أنه في حال تعجيل الدين بسبب الوفاء يجب إسقاط ما يقابل الأجل المتبقي([liv]).
فهذه النصوص تدل على أن الألف نقدا مثلا لا تساوي ألفا مؤجلة إلى شهر، فإلزام الدائن بدفع الزكاة عن دينه المؤجل كله إجحاف به، لأنه في هذه الحال نكون قد ألزمناه بدفع الزكاة عن مال أكثر من المال الذي يملكه.
وأختم هذه المسألة بمسالة تتعلق بالتقويم، وهي أن المالكية ذكروا صورة لتقويم الدين، وهي أن يقوم الدين بعرض، ثم يقوم العرض بنقد وتزكى القيمة كما تقدم، ويمكن أن يكون لذلك صور أخرى منها ما استقر عليه العمل في المعايير المحاسبية في إظهار المركز المالي للعام الحالي حيث تظهر القوائم أصل الدين إضافة إلى أرباح السنة الحالية فقط، ومن ذلك النظر إلى الدين لو تم سداده مبكرا كم تكون قيمته وفقا للمعايير العادلة.
ولا يرد على مسألة تقويم الدين في هذا الموضع أن ذلك يؤدي إلى إجازة بيع الديون وتداولها؛ لأن الكلام هنا ليس في البيع والتداول، وإنما لغرض بيان ما يجب أثناء الأجل مثل ما لو حل الدين بالوفاة فإنه ينظر إلى ما يستحق عليه حين وفاته دون اعتبار لأرباح بقية الأجل كما نص على ذلك عدد من فقهاء الأحناف والحنابلة.
قال في الإنصاف([lv]) -بعد ذكر الخلاف في المذهب في إسقاط جزء من الربح إذا حل الدين المؤجل بالموت-: "والمختار سقوط جزء من ربحه مقابل الأجل وهو مأخوذ من الوضع والتعجيل" اهـ. وقريب منه ما في حاشية ابن عابدين.

() انظر: المطلب في دراية المذهب 2/330، المهذب 1/520، المجموع 5/506، نهاية المحتاج 3/131، النجم الوهاج 3/246.

([ii]) التحفة مع حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي 3/400.

([iii]) انظر: المهذب 1/520، روضة الطالبين 2/194، نهاية المحتاج 3/13.

([iv]) انظر: الإنصاف مع الشرح الكبير 6/326، تصحيح الفروع 3/447، كشاف القناع 4/320.

([v]) المجموع 5/506.

([vi]) انظر: الإنصاف مع الشرح الكبير 6/326.

([vii]) هو الذي يبيع بالسعر الحاضر كيف ما كان ويخلف ما باعه بغيره. انظر: الشرح الصغير على أقرب المسالك 1/640.

([viii]) هو الذي لا يدير سلعه بالبيع والشراء وإنما يرصد بها ارتفاع الأسواق. انظر: الشرح الصغير على أقرب المسالك 1/640.













([ix]) ذكر الدكتور علي الندوي في بحثه المقدم للهيئة الشرعية بمصرف الراجحي أن الدين المؤجل عند المالكية يمكن تقسيمه من حيث وجوب الزكاة وعدمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ديون لا زكاة فيها على الدائن مطلقا، فإذا قبضها استقبل بها الحول، وهذه الديون هي: الديون التي لم تنشأ عن معاوضة، كميراث بيد الوصي على تفرقة التركة. وكذلك الديون التي أصلها ثمن عروض قنية لم يقصد بها التجارة، إذا باعها صاحبها بدين.
القسم الثاني: الديون التي تجب فيها الزكاة على الدائن يوم قبضها لسنة فقط، وهي: الديون التي أصلها قرض إذا لم يؤخر قبضها فرارا من الزكاة، والديون التي أصلها ثمن عرض تجارة لتاجر محتكر، والديون التي أصلها عرض تجارة لتاجر مدير، وكان الدين غير مرجو السداد.
القسم الثالث: الديون التي تجب فيها الزكاة كل عام، وهي الديون المرجوة للتاجر المدير، فيقومها المدير كل عام ويزكي قيمتها.
انظر: الكافي لابن عبد البر 1/293، المقدمات الممهدات 1/280- 281، الشرح الصغير على أقرب المسالك 1/632-634، حاشية الدسوقي 1/466- 469.

([x]) الكافي لابن عبد البر 1/293.

([xi]) ي

([xii]) شرح الخرشي 2/197.

([xiii]) شرح الخرشي 2/197.

([xiv]) شرح الخرشي 2/189.

([xv]) الكافي لابن عبد البر 1/293.

([xvi]) ص217.

([xvii]) فتاوى في أحكام الزكاة ص20.

([xviii]) انظر: محضر الاجتماع السابع عشر للهيئة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية، العدد الثاني، وقد أخذت من ورقة بخط الشيخ عبد الله البسام بين فيها وجهة نظره.

([xix]) انظر: مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل في شرح المدونة وحل مشكلاتها 2/215.

([xx]) الإنصاف مع الشرح الكبير 6/325.

([xxi]) انظر: المهذب 1/520، روضة الطالبين 2/194، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/50.

([xxii]) انظر: الفروع 3/477، المبدع في شرح المقنع 2/297، كشاف القناع 4/320.

([xxiii]) انظر: المحلى 6/103.

([xxiv]) البيان للعمراني 3/292.

([xxv]) الفروع 3/477.

([xxvi]) حكاه عنه البعلي في الاختيارات ص146.

([xxvii]) انظر: الأم 3/132، البيان للعمراني 3/291، الحاوي الكبير، 3/263، النجم الوهاج 3/245.

([xxviii]) انظر: التجريد، للقدوري 3/1337.

([xxix]) انظر: المغني 3/270، الشرح الكبير على المقنع 6/224.

([xxx]) انظر: الكافي لابن قدامه 2/90، المغني 4/271، الإنصاف مع الشرح الكبير 6/327، شرح منتهى الإرادات 2/174.

([xxxi]) انظر: المغني 4/270، الشرح الكبير على المقنع 6/323، التجريد للقدوري 3/1335.

([xxxii]) المنتقى للباجي 3/147.

([xxxiii]) انظر: حاشية الدسوقي 1/473.

([xxxiv]) مراد المالكية من الدليل فيما يظهر أن أصل الدين كان عرض تجارة اشتري بنقد، ثم بيع هذا العرض بدين فإذا قبض الدين فقد نض النقد المال في يد الدائن في طرفي حول، عند قبض النقد الناض الذي اشتري به العرض، وعند قبض النقد الناض وفاءً للدين، يؤيد هذا أن المالكية اشترطوا لزكاة الدين لسنة إذا كان الدائن تاجراً محتكراً أن يكون أصل الدين عينا، قال عبد الوهاب البغدداي في شرح الرسالة 1/399: "فإذا قبض الدين وبيع العروض زكيا لسنة واحدة إن كان أصلهما عينا معه، فإن لم يكن أصلهما عنده عينا فلا زكاة عليه في الدين إذا قبضه" اهـ.

([xxxv]) انظر: المرجع السابق 3/29، الإشراف في مسائل الخلاف 1/384.

([xxxvi]) انظر: المغني لابن قدامه 4/273، الشرح الكبير على المقنع 6/326.

([xxxvii]) الأموال ص440.

([xxxviii]) انظر: بداية المجتهد 1/228.

([xxxix]) انظر الذخيرة 3/20.

([xl]) انظر: الخرشي على مختصر خليل 2/197، حاشية الدسوقي 1/473، التاج والإكليل 3/187.

([xli]) انظر: المرجع السابق 3/29، الإشراف في مسائل الخلاف 1/384.

([xlii]) المحلى 6/105.

([xliii]) انظر: مغني المحتاج 2/124، الكافي لابن قدامه 2/90.

([xliv]) أجاب بهذا الشيخ عبد الله بن منيع -حفظه الله-، انظر: أبحاث وأعمال الدورة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة ص319.

([xlv]) انظر: الكافي لابن قدامة 2/89-90، المغني 3/270، الشرح الكبير 6/325.

([xlvi]) انظر: المغني 4/271.

([xlvii]) أخرجه البخاري برقم (7372).

([xlviii]) انظر: أبحاث وأعمال الدورة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة ص319.

([xlix]) انظر: بحث د. أشرف العماوي، أبحاث وأعمال الندوة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة ص321.

([l]) انظر: الخرشي على مختصر خليل 2/197، حاشية الدسوقي 1/473.

([li]) 13/78.

([lii]) 4/381.

([liii]) مجموع الفتاوى 29/499.

([liv]) انظر: الإنصاف 13/328.

([lv]) الإنصاف 13/328.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المسألة الرابعة: أثر الدين على زكاة مال المدين:
المراد بهذه المسألة: هل يحسم المدين من المال الزكوي مقدار ما عليه من الديون، أم أن اشتغال ذمة المدين بالدين لا أثر له على المال الزكوي؟.
تحرير محل النزاع:
1- اتفق الفقهاء على أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إذا ثبت في ذمة المدين بعد وجوب الزكاة(http://www.mmf-4.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=2938#_edn1).
2- كما اتفقوا على أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إذا كان لا ينقص النصاب([ii]).
3- واختلفوا في تأثير الدين على الزكاة، والتأثير له جانبان:
- الأول: تأثيره بمنع الوجوب إذا كان الدين يستغرق النصاب أو ينقصه.
- الثاني: تأثيره على المال الزكوي بخصم ما يقابل الدين ليزكى ما زاد على مقدار الدين.
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في أثر الدين على زكاة مال المدين على أربعة أقوال:
القول الأول: أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة في المال مطلقا؛ سواء كان الدين حالا أم مؤجلا، وسواء كان المال من الأموال الظاهرة أم من الأموال الباطنة([iii])، وهذا أظهر الأقوال عند الشافعية([iv])، وهو رواية في مذهب الحنابلة([v])، وقول الظاهرية([vi]).
جاء في روضة الطالبين للنووي([vii]): "فصل الدين هل يمنع وجوب الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها، وهو المذهب والمنصوص في أكثر الكتب الجديدة: لا يمنع، والثاني: يمنع، قاله في القديم، واختلاف العراقيين، والثالث: يمنع في الأموال الباطنة، وهي الذهب والفضة، وعروض التجارة، ولا يمنع في الظاهرة، وهي الماشية، والزرع، والثمر، والمعدن، لأن هذه نامية بنفسها، وهذا الخلاف جار، سواء كان الدين حالا، أو مؤجلا، وسواء كان من جنس المال، أم لا، هذا هو المذهب" اهـ.
وجاء في الإنصاف للمرداوي([viii]): "قوله ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب، هذا المذهب إلا ما استثني وعليه أكثر الأصحاب، وعنه لا يمنع الدين الزكاة مطلقا، وعنه يمنع الدين الحال خاصة جزم به في الإرشاد وغيره" اهـ.
جاء في المحلى لابن حزم([ix]): "مسألة ومن عليه دين كما ذكرنا وعنده مال تجب في مثله الزكاة سواء كان أكثر من الدين الذي عليه أو مثله أو أقل منه، من جنسه كان أو من غير جنسه: فإنه يزكى ما عنده، ولا يسقط من أجل الدين الذي عليه شيء من زكاة ما بيده" اهـ.
وبهذا أخذت اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية، فقد جاء في فتاوى اللجنة([x]): "ولا يمنع الدين الذي في ذمتك لأبيك الزكاة على الصحيح من قولي العلماء" اهـ.
القول الثاني: أن الدين يمنع وجوب الزكاة في المال مطلقا، وهذا مذهب الحنفية([xi]) وأحد الأقوال في مذهب الشافعية([xii])، وهو المذهب عند الحنابلة([xiii]).
جاء في الهداية شرح البداية([xiv]): "ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه وقال الشافعي رحمه الله تجب لتحقق السبب وهو ملك نصاب تام ولنا أنه مشغول بحاجته الأصلية فاعتبر معدوما كالماء المستحق بالعطش وثياب البذلة والمهنة وإن كان ماله أكثر من دينه زكى الفاضل" اهـ.
لكن منع الدين للزكاة في مذهب الحنفية ليس على إطلاقه، فقد استثنى فيها الحنفية أمرين: الأول: وجوب زكاة الحبوب والثمار في المشهور من المذهب، جاء في بدائع الصنائع([xv]) ما نصه: "فأما وجوب العشر فلا يُمنَع [أي لا يمنع وجوب العشر الدين]؛ لأنه متعلق بالطعام يبقى ببقائه ويهلك بهلاكه والطعام ليس مال التجارة حتى يصير مستحقا بالدين" اهـ.
الثاني: المهر المؤجل في أحد القولين في مذهب الحنفية، جاء في شرح فتح القدير لابن الهمام: "ولو كان عليه مهر لامرأته وهو لا يريد أداءه لا يجعل مانعا من الزكاة ذكره في التحفة عن بعضهم لأنه لا يعده دينا، وذكر قبله مهر المرأة يمنع مؤجلا كان أو معجلا لأنها متى طلبت أخذته، وقال بعضهم: إن كان مؤجلا لا يمنع لأنه غير مطالب به عادة" اهـ.
وقد تقدم في القول الأول نقل عن الشافعية والحنابلة يفيد ما جاء عنهم في هذا القول. القول الثالث: أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة دون الأموال الظاهرة، وهذا مذهب المالكية([xvi])، وأحد الأقوال عند الشافعية([xvii])، وهو رواية في مذهب الحنابلة([xviii]).
جاء في شرح الخرشي على مختصر خليل([xix]): "(ص) ولا تسقط زكاة حرث وماشية ومعدن بدين (ش) يعني أن الدين بإطلاقه أي سواء كان عينا، أو عرضا، أو ماشية أو طعاما لا يسقط زكاة الحرث ولا المعدن ومنه الركاز إذا وجبت فيه الزكاة ولا الماشية لتعلق حق الزكاة بعينها ولأن الحرث والماشية من الأموال الظاهرة فهي موكولة إلى الإمام لا إلى أربابها فلم تؤتمن عليها بخلاف العين فهي موكولة إلى أربابها فيقبل قولهم إن عليهم دينا كما يقبل قولهم في دفع زكاتها فكان الدين يسقط زكاتها" اهـ.
وجاء في المبدع لبرهان الدين ابن مفلح([xx]): "(ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب) أي يمنع إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين" اهـ.
القول الرابع: التفريق بين الدين المؤجل والحال، فإذا كان الدين حالا منع وجوب الزكاة، وإذا كان الدين مؤجلا لم يمنع وجوب الزكاة، وهو رواية عند الحنابلة([xxi]).
وقد تقدم في القول الأول ما يفيد هذه الرواية عن الحنابلة.
أدلة الأقوال ومناقشتها:
أدلة أصحاب القول الأول:
استدل القائلون بأن الدين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقا بأدلة منها:
الدليل الأول: عموم الأدلة التي تدل على وجوب الزكاة في المال كقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) [التوبة: 103].
وجه الدلالة: أن ما بيد المدين من أمواله ملك له يجوز تصرفه فيه، فوجب أن يستحق الأخذ منه؛ لدخوله في عموم الآية([xxii]).
ونوقش هذا الاستدلال من أوجه:

صفحة مفقودة وهي صفحة رقم (26)


الدليل الرابع:
أن رهن المال في الدين أقوى من استحقاقه بالدين؛ لأن الرهن في الرقبة والدين في الذمة، فلما لم يكن الرهن في الدين مانعا من وجوب الزكاة؛ كان أولى ألا يكون مجرد الدين مانعا من وجوب الزكاة([xxiii]).
ويمكن أن يناقش بأن هذا قياس على أصل مختلف فيه، فقد ذهب الحنفية إلى أن الرهن مانع من وجوب الزكاة([xxiv]) لعدم تحقق تمام الملك، ومن شرط القياس أن يكون الأصل متفقا عليه.
الدليل الخامس:
"أن الدين واجب في الذمة، والزكاة لا تخلو من أن تكون واجبة في العين أو في الذمة؛ فإن وجبت في العين؛ لم يكن ما في الذمة مانعاً منها، لاختلاف محلي الوجوب كالعبد إذا جنى وفي ذمة سيده دين يحيط بثمنه؛ لم يكن الدين مانعاً من وجوب الأرش في رقبته.
وإن وجبت الزكاة في الذمة؛ لم يكن ما ثبت من الدين أولاً في الذمة مانعاً منها، كالدين إذا ثبت في الذمة لزيد لم يكن مانعاً من ثبوت دين آخر في الذمة لعمرو"([xxv]).
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أن متعلق كل من الدين والأرش مختلفان، فالدين متعلق بذمة السيد، والأرش متعلق برقبة الجاني، فلم يكن أحدهما مانعا من وجوب الآخر، بخلاف الدين مع الزكاة فالدين متعلق بالذمة، وكذلك الزكاة حق لو قيل إنها تجب في عين المال إلا أن لها تعلقا بالذمة.
الثاني: القول بعدم منع الدين للزكاة قياسا على شغل الذمة بدين لعمر ثم شغلها بدين آخر لزيد غير مسلم؛ لأنه لا منافاة بين الدينين في الأصل المقيس عليه بخلاف الزكاة مع الدين، فالمدين بالدين الحال مطالب شرعا بالوفاء من ماله، وهذا يضعف ملكه لهذا المال لتعلق حق غيره به، فالزكاة لم تتعلق بعد بذمة المدين لعدم تحقق شرطها.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني القائلون بأن الدين يمنع وجوب الزكاة في المال مطلقا بأدلة منها:
الدليل الأول:
ما رواه السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: "هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم"([xxvi]). وفي لفظ "ثم ليؤد زكاة ما فضل"([xxvii]).
وجه الدلالة من الأثر:
أن عثمان -رضي الله عنه- لم يأمر بإخراج الزكاة عن المؤدى في الدين، وهذا قاله بمحضر من الصحابة، ولم ينقل مخالفته، فيكون إجماعا([xxviii]).
ونوقش هذا الاستدلال: بأن غاية ما يفيده الأثر تقديم سداد الدين على الزكاة، فيكون المراد بقوله "هذا شهر زكاتكم": هذا الشهر الذي إذا مضى حلت فيه زكاة أموالكم، فأرشدهم إلى الوفاء بالدين قبل حلول الزكاة، فإذا أخرج من ماله وفاء دينه فلا زكاة عليه إلا فيما بقي([xxix]).
وأجيب عن هذا: بأن هذا الجواب خلاف الظاهر ولا ينسجم مع بعض ألفاظ([xxx]) الأثر، فقد جاء في لفظ ابن أبي شيبة "فمن كان عليه دين فليقضه، وزكوا بقية أموالكم"([xxxi]).
وقد جاء في المدونة([xxxii]): "وقد كان عثمان يصيح في الناس: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة، فكان الرجل يحصي دينه، ثم يؤدي مما بقي في يديه إن كان ما بقي تجب فيه الزكاة".
فقوله: "وزكوا بقية أموالكم" دليل على وجوب الزكاة عليهم قبل ذلك؛ لأنه أوجب أداء الزكاة مما بقي بعد الدين، ثم إنه لو كان رأيه أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة بعد الحول الدين لكان أبعد الخلق من إبطال الزكاة بتعليمهم الحيلة فيه بأداء الدين قبيل الحول([xxxiii]).
الدليل الثاني:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: "فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"([xxxiv]).
استدل بهذا الحديث على منع الدين للزكاة من وجهين:
الأول: أن الزكاة إنما تجب على الأغنياء، ومن استوعب دينه ما بيده فليس بغني، فلا تجب عليه الزكاة([xxxv]).
الثاني: أنه جعل الناس صنفين: صنف تؤخذ منه الزكاة، وصنف تدفع إليه، وهذا تدفع إليه الزكاة لقوله (وَالْغَارِمِينَ) [التوبة: 60] فلم يجز أن تؤخذ منه الزكاة([xxxvi]).
ويمكن أن يناقش من وجهين:
الأول: أن هذا الدليل لا ينفي أخذ الصدقة ممن ليس بغني، والقول بعدم أخذ الزكاة ممن ليس بغني استنادا إلى هذا الحديث مفهوم لقب، ومفهوم اللقب ليس حجة عند جماهير الأصوليين.
الثاني: أن التقسيم الثنائي ليست حاصراً، فهو مدفوع بالإجماع على وجود قسم ثالث يؤخذ منه ويدفع إليه؛ وهم بنو السبيل، تؤخذ منهم الصدقة عن أموالهم الغائبة، وتدفع إليهم الصدقة في أسفارهم للحاجة الماسة([xxxvii]).
الدليل الثالث:
أن مال المدين محتاج إليه لأداء الدين ليدفع المطالبة والحبس عن نفسه([xxxviii])، وأداء الدين أولى من الزكاة؛ لأن الدين قد أخذ عوضه والزكاة لم يؤخذ عوضها، فكان أداء ما قد أخذ عوضه أولى، ولهذا المعنى شاهد من الأصول، وهو الاتفاق على أن الدين مقدم على الميراث وإن كان الميراث للورثة وليست للميت، وليس في ذلك إلا أن الدين قد أخذ عوضه، والميراث لم يؤخذ منه عوض([xxxix]).
الدليل الرابع:
"أن الزكاة إنما وجبت مواساة من الأغنياء للفقراء، وشكرا للنعمة، والمدين محتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد، وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لدفع حاجة غيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول"([xl]).
ونوقش هذا الدليل من وجهين([xli]):
الأول: المنع من أن العلة لإيجاب الزكاة هي المواساة فقط، بل المقصود الأعظم هو الطهرة من الذنوب، كما قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبة: 103]
الثاني: على فرض التسليم بأن المقصود المواساة؛ فإن هذا لا يقتضي تخصيص العموم، لأنها علة مستنبطة لا تقوى على تخصيص العموم.
ويمكن أن يجاب بما يأتي:
أما منع كون الزكاة وجبت مواساة من الأغنياء للفقراء فيؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فأعلمهم أن افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).
وأما الاعتراض على تخصيص العموم بكون العلة مستنبطة فجوابه من وجهين:
1- العلة وإن كانت مستنبطة إلا أنها في قوة المنصوص ويؤيد ذلك الحديث المتقدم.
2- أن دلالة العموم غير مسلمة؛ لأن اللفظ مجمل بدليل أن الوجوب يقف على شروط لا يتضمنها اللفظ، فهو عام أريد به الخصوص، لأنه لم يرد كل الأموال قطعا والعام إذا أريد به الخصوص لا يكون عمومه حجة.
فإن قيل: لم لا يكون من العام المخصوص ليبقى العموم حجة في غير الصورة التي أخرجها دليل التخصيص؟
فالجواب: أن براءة الذمة من وجوب الزكاة فيما توقف وجوب الزكاة فيه على الشروط التي لم تتضمنها الآية سابقة للوجوب الذي اقتضته الآية، وقد قامت الأدلة التي تدعم هذا الأصل كنفي الوجوب عن عروض القنية، فالقول بأنه عام مخصوص يلزم ومنه أن الشارع نفى الوجوب ثم أوجب ثم نفاه، فكان اعتباره من العام الذي أريد به الخصوص أولى من اعتباره من العام المخصوص وإن كان كلا الاحتمالين قائم.
وهذا على التسليم أن الصدقة هنا هي الزكاة المفروضة، وإلا فقد ذهب الجمهور إلى أن الصدقة هنا هي صدقة التطوع([xlii]).
الدليل الخامس:
أن الزكاة تجب في الأموال القابلة للنماء، وأموال المدين غير قابلة للنماء، لأن الدائن قادر على الحجر عليه ومنعه من تنمية المال الذي تحت يده فوجوب سقوط الزكاة عنه.
الدليل السادس:
أن الزكاة عبادة يتعلق وجوبها بالمال؛ فوجب أن يكون الدين مانعا من الوجوب كما منع الدين وجوب الحج([xliii]).
ونوقش: بأن هذا القياس غير صحيح؛ لأن التلازم بين الحج والزكاة ممتنع، فالزكاة تجب على الصبي والمجنون وإن لم يجب الحج عليهما، والحج يجب على الفقير إذا كان مقيما بمكة وإن لم تجب الزكاة عليه، فثبت أن اعتبار أحدهما بالآخر في الوجوب غير صحيح([xliv]).
الدليل السابع:
أن الزكاة تجب على الدائن لأجل المال الذي أخذه المدين ديناً، فلو وجبت الزكاة على المدين وقد وجبت على الدائن؛ لأوجبنا زكاتين في مال واحد([xlv]).
ونوقش: بأن هذه دعوى بلا برهان، بل هما مالان مختلفان لرجلين مختلفين، لأن الدين متعلق بذمة المدين لا بعين ماله، والذي يزكيه المدين هو ماله وليس دينه([xlvi]).
أدلة القول الثالث:
أدلة أصحاب القول الثالث على منع الدين زكاة الأموال الباطنة هي أدلة أصحاب القول الثاني.
واستدلوا أيضا بما أخرجه أبو عبيد بسنده([xlvii]) عن ابن شهاب أنه سئل عن رجل تسلف في حائط له، أو في حرثه حتى أحاط بما خرج له، أيزكي حائطه ذلك أو حرثه؟ فقال: "لا نعلمه في السنة أن يترك ثمر رجل كان عليه دين، لكنه يصدق وعليه دينه. فأما رجل كان عليه دين وله ورق أو ذهب فإنه لا يصدق بشيء من ذلك حتى يقضي دينه".

واستدلوا على عدم منع الدين زكاة الأموال الظاهرة بما يلي:
الدليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم "في خمس من الإبل شاة، وفي أربعين شاة
شاة"([xlviii]).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة عند بلوغ النصاب مطلقا، ولم يفرق بين من عليه دين وبين غيره([xlix]).
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر و عمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يبعثون السعاة لأخذ الزكاة من أربابها، ولم يكونوا يسألون عما على صاحبها من دين، فدل على أن الدين لا يمنع زكاتها([l]).
الدليل الثالث: أن أخذ الزكاة في الأموال الباطنة جارية مجرى الشعائر للدين، فإذا كان سبب الزكاة وهو النصاب موجودا فيها؛ فإن القول بأن الدين يسقطها يمنع هذا المقصود([li]).
أدلة القول الرابع:
استدلوا على منع الدين الحال للزكاة بالأدلة التي استدل بها أصحاب القول الثاني.
أما عدم منع الدين المؤجل لوجوب الزكاة فاستدلوا بما يأتي:
الدليل الأول: أن الدين المؤجل لا يطالب به المدين في الحال، فلا يمنع وجوب الزكاة([lii]).
الدليل الثاني: استُدِل لهم بأثر عثمان رضي الله عنه المتقدم، وفيه "فليؤد دينه"، فيفهم من هذا أنه إنما أراد الحال دون المؤجل؛ لأن المؤجل لا يؤدى إلا بعد حلول الأجل([liii]).

الترجيح:
أن الدين المؤجل يمنع الزكاة مطلقا في الأموال الظاهرة والباطنة، فإن كان الدين يستغرق النصاب أو ينقصه فلا زكاة، وإن كان لا يستغرق النصاب ولا ينقصه فيخصم من المال الزكوي ما يقابل الدين، ويقوم الدين المؤجل الذي على المدين بقيمته الحالة على نحو ما ذكر في زكاة الدائن.
ووجه القول بأن الدين المؤجل يمنع وجوب الزكاة مطلقا هو ما ورد في أدلة أصحاب القول الثاني، ثم إن هذا يتحقق به العدل بالنظر إلى الديون بطرفيها الدائن والمدين، ولا يؤدي إلى الثني في الزكاة.
وأما كون الدين المؤجل يقوم بما يساويه حالا فهو من باب طرد قول المالكية الذي سبق ترجيحه في المسألة الأولى في زكاة الدائن، وما ذكر من توجيهات هناك يصلح أن يكون توجيها هنا. والله أعلم بالصواب.
إذا ظهر ذلك فهل يقابل الدين بالمال الزكوي فقط، أم يقابل الدين بالمال الزكوي وغيره ولو كان من الحاجات الأصلية؟
اختلف الفقهاء في هذا ذلك على قولين:
القول الأول: أن المزكي يجعل الدين الذي عليه في مقابلة عروضه التي تباع لو أفلس ولو كانت تلك العرض عروض قنية، ويزكي ماله الزكوي، فإن لم تف عروضه بالدين الذي عليه جعل ما فضل في أمواله الزكوية وزكى الفاضل إن كان نصابا، وهذا مذهب المالكية([liv]) ورواية عند الحنابلة([lv]) واختيار أبي عبيد([lvi]).
جاء في الكافي لابن عبد البر([lvii]): "ومن كان بيده عين وعليه من الدين مثله سقطت عنه الزكاة فإن كان له من العروض ما يفي بذلك الدين زكى ما بيده وسواء كان عرضا لتجارة أو لقنية" اهـ.
قال المرداوي في الإنصاف([lviii]): "ومن كان له عرض قنية يباع لو أفلس، يفي بما عليه من الدين جعل في مقابلة ما عليه من الدين وزكى ما معه من المال على إحدى الروايتين" فالضابط فيما يجعل مقابل الدين: هو العرض الذي يباع لو أفلس، أي: أنه من الفاضل عن الحاجة.
القول الثاني: أن المزكي يجعل الدين الذي عليه في مقابلة المال الزكوي فقط، فيمنع الدين وجوب الزكاة ولو كان له عرض قنية زائد عن حاجته الأصلية، وهذا مذهب الحنفية([lix])،والحنابلة([lx]).
جاء في بدائع الصنائع([lxi]): "ثم إذا كان على الرجل دين وله مال الزكاة وغيره من عبيد الخدمة وثياب البذلة ودور السكنى فإن الدين يصرف إلى مال الزكاة عندنا سواء كان من جنس الدين أو لا ولا يصرف إلى غير مال الزكاة وإن كان من جنس الدين" اهـ.
جاء في شرح المنتهى([lxii]): "ومن له عرض قنية يباع لو أفلس أي لو حجر عليه لفلس بأن كان فاضلا عن حاجته الأصلية يفي العرض بدينه الذي عليه ومعه مال زكوي جعل الدين في مقابلة ما معه من مال زكوي ولا يزكيه لئلا تختل المواساة ولأن عرض القنية كملبوسه في أنه لا زكاة فيه" اهـ
أدلة الأقوال ومناقشتها:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
الدليل الأول: أن اشتراط هذا الشرط هو الأحظ للفقراء، فاعتباره يحقق المصلحة التي من أجلها شرعت الزكاة([lxiii]).
ويمكن أن يناقش: بأن مجرد كونه أحظ للفقراء لا يصح اعتباره علة مقتضية لاشتراط هذا الشرط، ثم إن الزكاة كما نظر فيها لمصلحة الفقير روعي فيها أيضا عدم الإجحاف بالمزكي.
الدليل الثاني: أن المكلف إذا وجد لديه من العروض الفاضلة عن حاجته ما يجعله في مقابلة الدين ووجد لديه مال زكوي؛ فهو مالك لنصاب فاضل عن حاجته لقضاء دينه؛ فتلزمه الزكاة، كما لو لم يكن عليه دين، ووجب جعل العروض في مقابل الدين؛ لأنه من ماله المملوك له فيكون مكان دينه([lxiv]).
ويمكن أن يناقش بعد التسليم بأن المدين والحالة هذه مالك لنصاب فاضل عن حاجته، بل هو محتاج إلى النصاب لقضاء دينه، فالوفاء إنما يكون ابتداء بماله الناض لا بعروض القنية التي لديه.
أما أصحاب القول الثاني فاستدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أن إيجاب الزكاة على المدين لمجرد وجود عروض قنية يؤدي إلى اختلال المواساة([lxv]).
الدليل الثاني: أن عرض القنية نُزِّل منزلة الملبوس في عدم وجوب الزكاة، والملبوس لا يجعل في مقابلة الدين، فكذا عرض القنية([lxvi]).
ونوقش هذا الدليل: بأن عرض القنية يشبه الملبوس في عدم الزكاة، لكنه يفارقه أن الدين يقضى منه عند الفلس، واعتبار هذا المعنى في يقتضي أن الأولى جعل الدين في العرض لا في النصاب([lxvii]). والله أعلم بالصواب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



() انظر: البيان للعمراني 3/146، المغني 4/366.
([ii]) انظر: الحاوي للماوردي 3/309، الشرح الكبير مع الإنصاف 6/366.
([iii]) قال الماوردي في الأحكام السلطانية ص145: "الأموال المزكاة ضربان: ظاهرة وباطنة، فالظاهرة ما لا يمكن إخفاؤه كالزرع والثمار والمواشي، والباطنة ما أمكن إخفاؤه من الذهب والفضة وعروض التجارة" اهـ.
انظر: الكافي لابن عبد البر 2/816- 817، روضة الطالبين 2/197، المغني لابن قدامه 4/263- 264.
([iv]) انظر: المهذب 1/464، روضة الطالبين 2/197، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/51.
([v]) انظر: المبدع 2/300 الإنصاف مع الشرح الكبير 6/339.
([vi]) انظر: المحلى 6/102.
([vii]) روضة الطالبين 2/197.
([viii]) الإنصاف مع الشرح الكبير 6/339.
([ix]) انظر: المحلى 6/102.
([x]) فتاوى اللجنة الدائمة 9/323.
([xi]) انظر: المبسوط 2/6، فتح القدير 2/160-162، حاشية ابن عابدين 5/426-427، 430.
([xii]) انظر: المهذب 464، روضة الطالبين 2/197، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/51.
([xiii]) انظر: المبدع 2/300 الإنصاف مع الشرح الكبير 6/339، شرح منتهى الإرادات 2/181-182.
([xiv]) الهداية شرح البداية 1/95.
([xv]) بدائع الصنائع 2/7، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت.
([xvi]) انظر: المقدمات الممهدات 1/280-281، حاشية الدسوقي 1/481، الشرح الصغير على أقرب المسالك 1/647، شرح الخرشي 2/181، 202.
([xvii]) انظر: المهذب 1/464، روضة الطالبين 2/197، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/51.
([xviii]) انظر: المبدع 2/300 الإنصاف مع الشرح الكبير 6/339.
([xix]) شرح الخرشي 2/202.
([xx]) المبدع 2/300.
([xxi]) الإنصاف مع الشرح الكبير 6/339.
([xxii]) انظر: الحاوي الكبير 3/310.
([xxiii]) انظر: الحاوي الكبير 3/310.
([xxiv]) انظر الفتاوى الهندية 1/172.
([xxv]) المرجع السابق 3/310، وانظر: البيان للعمراني 3/147، النجم الوهاج 3/246.
([xxvi]) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الزكاة، باب الزكاة في الدين 1/253، برقم 593، أبو عبيد في الأموال، باب الصدقة في التجارات والديون، وما يجب فيها، وما لا يجب، ص442، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الزكاة، باب الدين مع الصدقة 4/148، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الزكاة، باب ما قالوا في الرجل يكون عليه الدين 4/315، برقم 10650، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الزكاة، باب لا زكاة إلا في فضل 4/92، برقم 7068، والحديث صححه الألباني في الإرواء 3/260.
([xxvii]) هذا لفظ عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الزكاة، باب لا زكاة إلا في فضل 4/492، برقم7068.
([xxviii]) انظر: شرح الزركشي 2/484.
([xxix]) انظر: الأم 3/129، الحاوي الكبير 3/311، الشرح الممتع 6/32.
([xxx]) انظر: أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 1/313، بحث زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة للدكتور: أحمد الخليل في مجلة العدل، العدد التاسع والعشرون، لشهر محرم 1427هـ، ص34.
([xxxi]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الزكاة، باب ما قالوا في الرجل يكون عليه الدين 4/414، برقم 10555.
([xxxii]) 2/277.
([xxxiii]) انظر: التجريد للقدوري 3/1356، الجوهر النقي 4/149.
([xxxiv]) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد إلى الفقراء حيث كانوا 2/128، برقم 1426، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 1/50، برقم 19.
([xxxv]) انظر: الحاوي الكبير 3/310، الشرح الكبير على المقنع 6/339.
([xxxvi]) انظر: التجريد 3/1356، الذخيرة 3/42، الحاوي الكبير 3/310، الشرح الكبير على المقنع 6/339.
([xxxvii]) الحاوي الكبير 3/310-311، وانظر: التجريد 356.
([xxxviii]) انظر: تحفة الفقهاء 1/274، بدائع الصنائع 2/384، فتح القدير 2/162.
([xxxix]) انظر: شرح الرسالة، لعبد الوهاب البغدادي 1/396. والحديث أخرجه مسلم من حديث جابر، كتاب الزكاة، باب النفقة بالنفس 2/693.
([xl]) الشرح الكبير على المقنع 6/340، شرح منتهى الإرادات 2/182. والحديث أخرجه مسلم من حديث جابر، كتاب الزكاة، باب النفقة بالنفس 2/693.
([xli]) انظر: الشرح الممتع 6/32-33.
([xlii]) انظر: زاد المسير في علم التفسير 3/496.
([xliii]) انظر: التجريد 3/1356، البيان للعمراني 3/146، مغني المحتاج 2/125.
([xliv]) الحاوي الكبير 3/311.
([xlv]) انظر: المرجع السابق 3/310، روضة الطالبين 2/198، النجم الوهاج 3/246.
([xlvi]) انظر: الحاوي الكبير 3/311، الشرح الممتع 6/53.
([xlvii]) في الأموال، باب ما اختلف الناس في وجوب صدقته من الأموال ص506-507، برقم 1543.
([xlviii]) أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، من حديث ابن عمر برقم 1568، 1569. والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، برقم 621، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الإبل والغنم برقم 1798، وقال الترمذي: حديث حسن، والعمل على هذا عند عامة الفقهاء.
([xlix]) انظر: البيان للعمراني 3/147.
([l]) انظر: الشرح الكبير على المقنع 6/342، المبدع 2/300، إرشاد أولي البصائر ص75.
([li]) إرشاد أولي البصائر ص75.
([lii]) انظر: بدائع الصنائع 3/384، فتح القدير 2/163، الشرح الكبير على المقنع 6/340.
([liii]) انظر: بحث زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة، للدكتور: أحمد الخليل، في مجلة العدل، العدد التاسع والعشرين، لشهر محرم 1427هـ، ص52.
([liv]) انظر: الكافي لابن عبد البر 1/293، حاشية الدسوقي 1/459، شرح الخرشي 2/204.
([lv]) انظر: الفروع 3/459، الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344.
([lvi]) انظر: الأموال ص443.
([lvii]) الكافي لابن عبد البر 1/294.
([lviii]) الإنصاف مع الشرح الكبير 2/344.
([lix]) انظر: المبسوط 2/179، فتح القدير 2/278.
([lx]) انظر: الفروع 3/459، الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344.
([lxi]) بدائع الصنائع 2/8، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت.
([lxii]) شرح المنتهى 2/183.
([lxiii]) انظر: الفروع 3/495، الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344.
([lxiv]) انظر: الأموال ص443، المغني 4/268، الشرح الكبير 6/347.
([lxv]) انظر: شرح منتهى الإرادات 2/183، كشاف القناع 4/326.
([lxvi]) انظر: حاشية ابن قندس مع الفروع 3/459، شرح منتهى الإرادات 2/183.
([lxvii]) بحت زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة، للدكتور: أحمد الخليل، في مجلة العدل، العدد التاسع والعشرون، لشهر محرم 1427هـ، ص45.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قرارات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة في زكاة الديون
الندوة الأولى: قرار بشأن زكاة القروض الإسكانية والاستثمارية المؤجلة:.
مع مراعاة ما ورد في مؤتمر الزكاة الأول البند (10) بشأن الدين الاستثماري والزكاة وما رأته اللجنة في ذلك المؤتمر من الأخذ مبدئيا في هذا بخصوصه بمذهب من قال من الفقهاء (أنه إذا كان الدين مؤجلا فلا يمنع من وجوب الزكاة. على أن الأمر بحاجة إلى مزيد من البحث والتثبت والعناية) استقر الرأي في هذه الندوة على ما يأتي: الديون الإسكانية وما شابهها من الديون التي تمول أصلا ثابتا لا يخضع للزكاة ويسدد على أقساط طويلة الأجل يسقط من وعاء الزكاة ما يقابل القسط السنوي المطلوب دفعه فقط إذا لم تكن له أموال أخرى يسدده منها.
أما القروض التي تمول رأس المال المتداول (العامل) فإنها تخصم كلها من وعاء الزكاة. والحاجة قائمة لمزيد من البحث في تفاصيل جوانب هذا الموضوع.

الندوة الثانية: قرار بشأن زكاة الديون الاستثمارية والإسكانية
تنفيذا للتوصية العاشرة لمؤتمر الزكاة الأول، والتوصية التاسعة للندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة المتضمنة حسم القروض الممولة لرأس المال المتداول، وعدم حسم الديون الإسكانية أو الديون الممولة لأصول ثابتة باستثناء القسط السنوي المطلوب دفعه فقط. والتي ختمت ببيان الحاجة إلى دراسة جوانب تفاصيل هذا الموضوع، فقد انتهت من الندوة إلى ما يلي:
أولا: يحسم من الموجودات جميع الديون التي تمول عملا تجاريا إذا لم يكن عند المدين عروض قنية "أصول ثابتة" زائدة عن حاجاته الأساسية.
ثانيا: يحسم من الموجودات الزكوية الديون الاستثمارية التي تمول مشروعات صناعية "مستغلات" إذا لم توجد لدى المدين عروض قنية "أصول ثابتة" زائدة عن حاجاته الأصلية بحيث يمكن جعلها في مقابل تلك الديون، وفي حالة كون هذه الديون الاستثمارية مؤجلة يحسم من الموجودات الزكوية القسط السنوي المطالب به "الحال" فإذا وجدت تلك العروض تجعل في مقابل الدين إذا كانت تفي به وحينئذ لا تحسم الديون من الموجودات الزكوية. فإن لم تف تلك القروض بالدين يحسم من الموجودات الزكوية ما تبقى منه.
ثالثا: القروض الإسكانية المؤجلة والتي تسدد عادة على أقساط طويل أجلها يزكي المدين ما تبقى مما بيده من أموال بعد حسم القسط السنوي المطلوب منه إذا كان الباقي نصابا فأكثر.

الندوة الثانية عشرة: قرار بشان زكاة الديون.
ناقش المشاركون في الندوة البحوث المقدمة في الديون وانتهوا إلى ما يلي.
أولا: بالنسبة للدائن:
إذا كان الدين نقودا أو عرضا تجارية فتجب الزكاة فيها على الدائن حالا كان أم مؤجلا ما دام لا يتعذر على الدائن استيفاؤه بسبب ليس من جهته، كمماطلة المدين أو إعساره فلا يزكيه إلا عن سنة واحدة بعد قبضه.
وللدائن أن يؤخر إخراج الزكاة عن الدين المؤجل الذي وجبت عليه زكاته إلى حين استيفائه كليا أو جزئيا، فإذا استوفاه أخرج زكاته عن المدة الماضية محسوما منها المدة التي تعذر عليه فيها استيفاؤه -إن وجدت-
ثانيا: بالنسبة للمدين:
إذا كان على المدين ديون بعضها حال وبعضها مؤجل إلى ما بعد الحول فإن المدين يحسم مقدار دينه من أمواله الزكوية إذا كان الدين حالا أو يحل وفاؤه عليه قبل تمام الحول الزكوي
وإذا كان الدين مؤجلا إلى أجل يمتد إلى ما بعد تمام الحول فلا يجوز للمدين حسمه من الموجودات الزكوية التي يملكها في نهاية الحول
وعليه: فإن الديون المؤجلة التي تسدد عادة على أقساط طويل أجلها (سنة فأكثر) يزكى المدين ما تبقى مما بيده منها بعد حسم القسط السنوي إذا حل موعد سداده قبل نهاية الحول الزكوي الذي عليه أو قبل نهاية المالية للشركة ولم يسدد حتى يوم الزكاة إذا كان الباقي نصابا فأكثر بنفسه أو بضمه إلى ما عنده من أموال الزكاة.

الندوة الرابعة عشرة: قرار بشأن زكاة الديون.
تداولت لجنة الصياغة في ما صدر سابقاً من قرارات خاصة بموضوع زكاة الديون وانتهى التداول إلى هذين الرأيين:
1- يحسم من الموجودات الزكوية الديون الساحقة (هي التي حل أجلها قبل نهاية الحول وتأخر سدادها إلى ما بعده)، كما يحسم من الموجودات الزكوية القسط السنوي الواجب السداد خلال الفترة المالية اللاحقة للحول المزكى عنه، أما الديون الواجبة السداد بعد الفترة المالية اللاحقة للحول المزكى عنه فلا تحسم من الموجودات الزكوية.
2- تحسم الديون التي على الفرد أو الشركة سواء كانت طويلة الأجل أو قصيرة الأجل من الوعاء الزكوي إذا لم توجد أموال قنية (أموال لا تجب فيها الزكاة) زائدة عن الحاجات الأساسية (المراد بالحاجات الأساسية أصول القنية الضرورية لقيام الشركة بنشاطها الرئيسي ومساعدتها على الإنتاج ويشمل ذلك مقر الشركة والأجهزة والآلات المستخدمة فعلاً في مزاولة نشاط الشركة) تغطي هذه الديون، فإن وجد أموال غير زكوية زائدة عن الحاجات الأساسية فتحسم الديون منها، لا من الأموال الزكوية، فإن غطت أموال القنية بعض هذه الديون فقط دون جميعها حسم باقي الدين من الوعاء الزكوي.

ويترك الاختيار بين هذين الرأيين لهيئات الرقابة الشرعية في الشركات.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الموضوع للمدارسة
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الاتجاهات الفقهية في زكاة الديون والرأي الراجح فيها لـ أ.د. عبد الرحمن صالح الأطرم

جزاكم الله خيراً
 

شتاء

:: متابع ::
إنضم
27 نوفمبر 2011
المشاركات
4
التخصص
شريعة
المدينة
الكويت
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
رد: الاتجاهات الفقهية في زكاة الديون والرأي الراجح فيها لـ أ.د. عبد الرحمن صالح الأطرم

حفظكم الله
أين يمكنني أن أجد الصفحة المفقوده (26)
وبالنسبة لبحث الدكتور عبدالله العايضي في التطبيقات المعاصرة لزكاة الديون , لم أجد سوى المقدمة والفهارس ومحتوى الرسالة لم أجدها في الشبكة , هل من الممكن مساعدتي
بورك فيكم
 
أعلى