العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الاستقراء: كجهة تعريفية لمقصد الشارع ( الشاطبي - النجار -) بقلم د. أحمد الريسوني

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
سبق في موضوع : خاتمة أراد بها الشاطبي أن يكر على كتاب المقاصد بالبيان والتعريف
http://www.mmf-4.com/vb/newreply.php?do=newreply&p=4267

أن أشرتُ إلى أن الدكتور أحمد الريسوني زاد جهتين في المسالك المعرِّفة بمقصد الشارع
د. أحمد الريسوني في هذا الباب الذي عقده خالف الشاطبي في عدِّ الجهات التي تعرف بها الشريعة، فهو اعتبرها خمس جهات، لا أربع، وقد زاد فيها جهتين:
وهي:
1- فهم المقاصد وفق مقتضيات اللسان العربي:
وبها صدر الباب.
2- الاستقراء.
وبهذه الجهة ختم الباب.
ونجده كذلك دمج جهتين ذكرها الشاطبي مستقلتين في جهة واحدة، وهما:
1- مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي.
2- اعتبار علل الأمر والنهي.

وفي هذا الموضوع بحول الله وقوته
نستعرض ما ذكره د. الريسوني في "الاستقراء" وهي خاتمة الجهات التعريفية لمقصد الشارع حسب الترتيب الذي ذكره.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول د. أحمد الريسوني في خاتمة الفصل الذي عقده في " بماذا تعرف مقاصد الشارع؟":


5- الاستقراء

وهذا المسلك باعتبار أهميته حقه أن يكون الأول. ولكن الغريب أن الشاطبي لم يذكره أصلا مع الجهات الأربع التي تعرف بها مقاصد الشارع، والتي خصص لها خاتمة كتاب المقاصد. فهو لم يجعله لا الأول والخامس!
وما زلت منذ قرأت هذه الخاتمة أتعجب لعدم ذكره فيها للاستقراء، ضمن الطرق الموصلة إلى معرفة مقاصد الشريعة.
وزاد من عجبي أن كلام الشاطبي – حيث كان – مليء بذكر الاستقراء استشهادا به أو إحالة عليه أو تنويها بقيمته وأهميته.
وقد أحصيت من ذلك حوالي مائة مرة، في أجزاء الموافقات الأربعة، فكيف لم يجعله جهة مستقلة واضحة، فيما يعرف به قصد الشارع؟!
هل ترك ذكره هنا اكتفاء بالإحالات والإشارات الواردة في ثنايا الكتاب؟ أم أن ذلك جاء عن غفلة أتت عليه تحرير الفصل الخاتم لكتاب المقاصد؟ أم لمعنى يتعلق برؤيته للموضوع؟ لحد الآن لا أجد أجوابا أرتاح إليه.
ومهما يكن الأمر، فإن الذي يمكن الجزم به باطمئنان، هو أن الاستقراء – عند الشاطبي – هو أهم وأقوى طريق لمعرفة وإثبات مقاصد الشريعة. وبيان ذلك فيما يلي:

أهمية الاستقراء في نظر الشاطبي

في المقدمة الأولى من المقدمات الثلاث عشرة لكتاب "الموافقات" ينص الشاطبي على أن أصول الفقه (أي الأسس والكليات التي ينبني عليها ) لا بد أن تكون قطعية، ولا يقبل فيها الظن. والدليل على ذلك: "الاستقراء المفيد للقطع". لأن كليات الشريعة لا تستند إلى دليل واحد، بل إلى مجموع أدلة تواردت على معنى واحد، فأعطته صفة القطع.
"وتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا. وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي...".
ومن هنا كان الشاطبي حريصا على نشدان الأدلة الاستقرائية لما يقوله ولما يقرره. وكان يرى أن هذه إحدى إبرز سمات كتابه. وإلى هذا يشير بقوله: "وإنما الأدلة المعتبرة هنا: المستقرأة من جملة أدلة ظنية، تضافرت على معنى واحد، حتى أفادت القطع".
ثم يذكر المزية لكتابه صراحة في قوله: "فكذلك الأمر في مأخذ الأدلة في هذا الكتاب".
وفي مكان متأخر من الموافقات يعود لتذكيرنا بهذه الميزة لكتابه.
وبعبارة أصرح: "...ومر أيضا بيان كيفية اقتناص القطع من الظنيات. وهي خاصة هذا الكتاب لمن تأمله، والحمد لله".
وممن تأملوه. وأكدوا هذه الخاصية فيه، الشيخ "عبد الله دراز" وهو ممن درسوا "الموافقات" دراسة دقيقة وكاملة، وقد نوه بطريقة الشاطبي في كونه "يتتبع الظنيات – في الدلالة، أو في المتن، أو فيهما – والوجوه العقلية كذلك، ويضم قوة منها إلى قوة، ولا يزال يستقري حتى يصل إلى ما يعد قاطعا في الموضوع...فهذه خاصية هذا الكتاب في استدلالاته، وهي طريقة ناجحة أدت إلى وصوله إلى المقصود، اللهم إلا في النادر، رحمه الله رحمة واسعة"
هذه فكرة موجزة عن الاستقراء عند الشاطبي، تبين أهميته عنده ومدى اعتماده عليه، بصفة عامة، ولنعد الآن إلى موضوعنا الخاص، وهو معرفة المقاصد وإثباتها عن طريق الاستقراء.

الاستقراء والمقاصد

الشاطبي يربط بين الاستقراء والكشف عن المقاصد منذ خطوته الأولى في كتاب "الموافقات"، وذلك في خطبة الكتاب، وهو يشرح قصة هذا التأليف، حيث قال: "ولما من مكنون السر ما بدا، ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى، لم أزل أقيد من أوابده، وأضم من شوارده، تفاصيل وجملا، معتمدا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينا أصولها النقلية، بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة في بيان مقاصد الكتاب والسنة....."
ولما كانت مقاصد الكتاب والسنة كلها قائمة على أساس فكرة تعليل الشريعة وأحكامها، وأن خلاصة هذا التعليل تتمثل في كون الشريعة معللة برعاية المصالح، فإن أول ما بدأ به الشاطبي استدلاله على هذا، هو الاستقراء: "والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد."
وحتى النصوص التي أوردها للتدليل على وجود التعليل في تفاصيل الشريعة، فإنما أوردها على سبيل الاستقراء المفيد – في المجموع – للعلم القطعي فكان دليله أولا وأخيرا هو الاستقراء.
ولعل أهم مسألة طبق فيها الاستقراء، وبين فيها كونه أهم مسلك لإثبات مقاصد الشريعة هي مسألة "كون الشارع قاصدا للمحافظة على القواعد الثلاث: الضروية، والحاجية، والتحسينية...."
فالقول بقصد الشارع إلى حفظ هذه الكليات الكبرى، لا يكفي لإثباته الإتيان بنص أو بضعة نصوص – إن وجدت – تصرح بهذا القصد.
فالقضية أكبر وأخطر من أن تثبت بدليل يمكن تطريق الاحتمال إليه، سواء في ثبوته ، أودلالته، أو سلامته من المعارض...فالقضية لا تحتمل الظن، ولا يقيمها إلا الدليل القطعي، لأنها أصل الأصول في الشريعة.
فما هو المسلك القطعي إلى هذا؟
قال رحمه الله:
"وإنما الدليل على المسألة ثابت على وجه آخر هو روح المسألة وذلك أن هذه القواعد الثلاث لا يرتاب في ثبوتها شرعا أحد ممن ينتمي إلى الاجتهاد من أهل الشرع وأن اعتبارها مقصود للشارع
ودليل ذلك استقراء الشريعة والنظر في أدلتها الكلية والجزئية وما انطوت عليه من هذه الأمور العامة على حد الاستقراء المعنوي الذي لا يثبت بدليل خاص بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض مختلفة الأغراض بحيث ينتظم من مجموعها أمر واحد تجتمع عليه تلك الأدلة على حد ما ثبت عند العامة جود حاتم وشجاعة علي رضي الله عنه وما أشبه ذلك فلم يعتمد الناس في إثبات قصد الشارع في هذه القواعد على دليل مخصوص ولا على وجه مخصوص بل حصل لهم ذلك من الظواهر والعمومات والمطلقات والمقيدات والجزئيات الخاصة في أعيان مختلفة ووقائع مختلفة في كل باب من أبواب الفقه وكل نوع من أنواعه حتى ألفوا أدلة الشريعة كلها دائرة على الحفظ على تلك القواعد هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من قرائن أحوال منقولة وغير منقولة."([1])
وبهذه الطريقة الاستقرائية تحدث عن إثبات حفظ الضروريات الخمس: (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال).
وفي مباحث الأوامر والنواهي من كتاب الأحكام، ذكر أن الأوامر والنواهي، يمكن أخذها على ظاهرها، ويمكن أخذها بالنظر إلى قصد الشارع فيها، حسبما يعطيه الاستقراء".
وقد تقدم معنا – قبل قليل – أنه ثبت بالاستقراء أن ما كان خادما ومقويا لمقصود شرعي، فهو أيضا مقصود للشارع، وإن بالقصد الثاني.
وفي سياق محاربته للبدع، وتفنيده لمستندات المدافعين عنها – في كتابه "الاعتصام" – تطرق إلى القول بأن قاعدة المصالح المرسلة، لا دخل لها في مجال العبادات، وأن أحكام العبادات قائمة على التوقيف والتحكم الشرعي.
ولإثبات هذا لجأ إلى استقراء عدد من أحكام العبادات التي يمكن إدخالها تحت النظر العقلي، والتعليل المصلحي.
ثم قال:
" إن في هذا الاستقراء معنى يعلم من مقاصد الشرع أنه قصد قصده ونحى نحوه واعتبرت جهته وهو أن ما كان من التكاليف من هذا القبيل فإن قصد الشارع أن يوقف عنده ويعزل عنه النظر الاجتهادي جملة وأن يوكل إلى واضعه ويسلم له فيه..."([2])
ثم قال أيضا:
"وبذلك كله يعلم من قصد الشارع أنه لم يكل شيئا من التعبدات إلى آراء العباد. فلم يبق إلا الوقوف عندما حده"([3])
وأحسب أن هذا القدر كاف لبيان مدى اعتماد الشاطبي على الاستقراء عموما، وفي إثبات المقاصد خصوصا. وبه يتضح ما تقدم من الجزم بأن الاستقراء هو أهم مسلك لمعرفة المقاصد الشرعية عند الشاطبي، رغم عدم إيراده له في الخاتمة المخصصة لهذا الموضوع.
فإذا كانت هذه منزلة الاستقراء عند الشاطبي، فيبقى أن أشير إلى منزلة الاستقراء بالمقارنة مع المسالك الأخرى التي تعرف بها مقاصد الشارع.
ويتلخص ذلك في كون المقاصد التي تثبت بالاستقراء هي المقاصد الكبرى والعامة للشريعة الإسلامية.
وهي معظم ما دارت حوله مقاصد الشاطبي.
ولهذا كان الاستقراء ملازما له حيثما قرر شيئا من كليات الشريعة.
أو أعلن عن مقصد من مقاصدها العامة.
كما أن المقاصد الاستقرائية تمتاز بالقطع. وقد رأينا – قبل قليل – كيف يؤكد الشاطبي على قطعية الاستقراء سواء أكان تاما أو ناقصا (أكثريا بتعبير الشاطبي 9 متجاهلا بذلك ما يتردد عند كثير من الأصوليين والمناطقة من كون الاستقراء يفيد الظن، ولا يفيد العلم، اتباعا منهم للمنطق الأرسطي.
هذا، بينما المقاصد التي تثبت عن طريق المسالك الآخرى هي غالبا مقاصد جزئية، تتعلق بهذا الحكم أو ذاك، وهذا النص أو ذاك.
كما أن كثيرا منها يقف عند مجرد الظن والرجحان، مثلما هو الشأن في المقاصد التي تؤخذ من مجرد ظاهر الأمر والنهي، وكذا التي يعتمد فيها على العلل المتوصل إليها بمسالك ظنية، كمسلك المناسبة مثلاً.
والشاطبي – وإن كان قد ذكر الجهات الأربع التي بها يعرف مقصود الشارع – فإن اعتماده كان على الاستقراء أكثر من اعتماده على أي جهة من هذه الجهات. ولهذا جاءت "مقاصده" متسمة بالعموم والقطع. وقلما كان يتعرض للمقاصد الجزئية، الخاصة ببعض التكاليف. فإن فعل، فإنما يكون ذلك عرضا.
والعجب كل العجب من الأحكام التي أطلقها الدكتور عبد المجيد النجار في مقاله المشار إليه سابقا، حيث اعتبر أن الشاطبي: "ينحو منحى التجزئة والتفصيل والتدقيق في بسط المقاصد..." ليفسر بهذا كون الشاطبي اقتصر في طرق إثبات المقاصد على المسالك الملائمة لهذا المنحى التجزيئي، قال: "فلما جاء إلى بيان مسالك الكشف عن المقاصد....كانت متجانسة في طبيعتها مع ما جعلت خلاصة له من عامة البحث، فاتصفت بالجزئية في الغالب، من حيث اتجهت إلى رسم الطريق في البحث عن المقاصد في نطاق آحاد الأحكام، لا في نطاق المقاصد الكلية العامة، وهو ما يظهر بجلاء في المسالك الثلاثة الأخيرة".
والظاهر أن الدكتور النجار بنى مقاله عموما والأحكام الواردة في هذه الفقرة خصوصا، على مجرد خاتمة كتاب المقاصد؛ فعليها تنطبق – إلى حد ما – هذه الأحكام.
وقد بينت في الصفحات السابقة أن مقاصد الشاطبي هي – أساسا – المقاصد العامة، التي سلك في إثباتها مسلك الاستقراء، وأن المقاصد الجزئية لا تأتي إلا عرضا.
ولا أظن إلا أن الدكتور النجار قد قرأ كتاب المقاصد – على الأقل – ولكن لم يظهر أثر ذلك في هذا المقال، الذي انصب على خاتمة الكتاب، فغاب عنه أهم مسالك المقاصد، بل غاب عنه حتى نوع المقاصد، التي تملأ كتاب الشاطبي.
واستعراض عناوين الشاطبي وحدها، كاف لإدراك أن الرجل غير مشغول بالمقاصد الجزئية، وإنما همه الكليات، والمقاصد العامة.
وإنما دخل الخلل على أحكام الدكتور النجار من إغفاله للاستقراء عند الشاطبي، بينما هو يقوم ويقعد به في كل نواحي "الموافقات".
وقد رتَّب على هذا الخلل مقارنات بين مسالك الشاطبي ومسالك ابن عاشور....وحسبي بيان الأساس الذي قامت عليه تلك المقارنات، أي أنها قائمة على إغفاله لمسلك الاستقراء عند الشاطبي.([4])
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])الموافقات - (ج 2 / ص 51)
([2]) الاعتصام - (ج 1 / ص 386)
([3]) الاعتصام
([4]) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي د. أحمد الريسوني ( ص 307-314)
 
التعديل الأخير:
إنضم
28 فبراير 2010
المشاركات
3
التخصص
الاختلاف في العلوم الشرعية
المدينة
تيفلت
المذهب الفقهي
المالكي
زادك الله علماً وتقوى يا أخي ....... وشكري لك موصول على هذا البحث الرائع
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
أعلى