العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع الفقهية

إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
365
التخصص
أصول الفقه
المدينة
قسنطينة
المذهب الفقهي
حنبلي
الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع الفقهية

"دراسة تأصيلية"

للدكتور





عبد السلام بن محمد الشويعر




عضو هيئة التدريس في كلية الملك فهد الأمنية قسم العلوم الشرعية.


** نشر البحث في مجلة مجلة البحوث الإسلامية التي تصدرها دار الإفتاء في المملكة العدد67ص 293-323






الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد فإن مسألة ( الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع الفقهية ) من المسائل التي يحتاجها الفقيه وتعرض له ، خصوصا عند نظره في الخلاف العالي بين المذاهب الفقهية ، فكثيرا ما يتوقف الناظر عند بعض المسائل الفقهية التي انفرد بها الظاهرية عن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة ، وذلك بسبب اختلاف أصول هذا المذهب عن البقية باعتماده على ظواهر النصوص وعدم عمله بالقياس ، إضافة لما في شخصية بعض المنتسبين إليه من التميز سواء في سلاسة العبارة وقوة الحجة ، أو شدة التعبير على المخالفين حتى قورن أحيانا بسيف الحجاج شدة وبطشا ، مما يجعل البعض يتوقف عند هذا المذهب وأصحابه وقفة إعجاب أحيانا ، أو حنق أحيانا أخرى ، أو توسطا بين ذلك توقف نظر وتأمل . فلذلك عمد بعض الباحثين لهذه المفردات فجمعها ، واعتنى بدراستها لكن من الناحية الفقهية فقط .
ولما لم أقف على من أفرد النظر في هذه المفردات من ناحية تأصيلية ، من حيث اعتمادها والاعتداد بها مع ما يراه المطالع لكتب كثير من الفقهاء- مع جلالة قدرهم- عندما يحكون خلافا شاذا للظاهرية يتبعونه بعبارة مؤداها (أن خلاف الظاهرية غير معتبر) مع اختلاف في البناء والصياغة لهذا المعنى؛ ففي حين يكتفي البعض بهذا الرد عن مقارعتهم بالحجة والبرهان ، يزيد آخرون ببعض الأوصاف والنعوت الغريبة لهذا المذهب الفقهي ، حتى صارت هذه طريقة للبعض لرد خلاف الظاهرية دون النظر في دليلهم وتعليلهم ، بل وصمها بعض العلماء بأنها: ( طريقة القاصرين ، إذا أعيتهم الأدلة ادعوه على منازعهم ، ولا يليق ذلك بأئمة التحقيق ).
فأردت البحث في هذه المسألة ، وهل هي مسألة مسلمة بين الفقهاء ، أم هي من مواضع النزاع بينهم؟ وزاد عزمي ما سبق
بيانه من عدم وقوفي على من أفرد بحثها ، مع أهميتها .
فجمعت شتات هذه المسألة من غير مظانها ، من بطون الكتب ، وخبايا الزوايا بحسب المستطاع ، فإن هذه المسألة اشترك في بحثها شراح الأحاديث ، وعلماء الفقه عند ذكرهم لخلافات الظاهرية في الفروع الفقهية- وذكرها علماء الأصول- في مباحث الإجمـاع ، والقياس ، والاجتهاد والتقليد ، وغيرها من المباحث ، بل وكان للمؤرخين نصيب في ذكر هذه المسألة- كما سيأتي- . فسطرت هذا البحث جمعا للمتفرق ، وتوليفا لهذا الشتات ، سائلا الله تعالى التوفيق والسداد .
وجعلته في أربعة مباحث:
الأول : تحرير محل النزاع في المسألة .
الثاني : سبب الخلاف في المسألة .
الثالث : خلاف أهل العلم في المسألة ، وأدلتهم ، والترجيح .
الرابع : أمثلة تطبيقية لخلاف الظاهرية .



المبحث الأول : تحرير محل النزاع في المسألة ؛ (مشكلة البحث):

المقصود بهذا البحث خلاف الظاهرية في المسائل الفقهية الفرعية ، دون غيرها من المباحث ، كخلافهم في بعض المباحث الأصولية ، أو خلاف بعضهم في بعض المباحث العقدية .
والمسائل الفرعية التي يبدي فيها الظاهرية رأيهم الفقهي لا تخلو من ثلاث حالات:
1 - أن يكون رأي الظاهرية موافقا لرأي المذاهب الفقهية الأربعة ، أو أحدها . فهنا لا خلاف في اعتبار رأيهم ؛ لأنهم مسبوقون إليه .
2 - أن يكون من مفرداتهم عن المذاهب الأربعة ، ولم يوافقهم عليه أحد من الأئمة الأربعة ، ولا هو قول عند أصحابهم ، لكن قال به أحد العلماء المعتبرين من الصحابة ، أو التابعين ، فمن بعدهم .
فهذه مسألة خارجة عن محل البحث؛ لأنها داخلة في مسألة حكم تقليد الميت ، وما إذا كان هناك خلاف في مسألة على قولين ، ثم حدث إجماع على أحدهما ، فهل يكون هذا الإجماع رافعا للنزاع ، أم لا؟ ، وفيهما نزاع مشهور .
3 - أن يغرب فقهاء الظاهرية باختيار قول لم يسبقهم إليه أحد من علماء المسلمين المعتبرين ، سواء كان العلماء مجمعين على خلافه ، أو لهم أقوال سوى قول الظاهرية ، فهل يعتد بهذا القول ، أم لا؟
فهذا هو محل النزاع ، وهي الحالة التي يراد بحثها في هذا المبحث ، وما عداها لا يخلو من أحد الأقسام الماضية ، وهي خارجة عن محل البحث .
المبحث الثاني: سبب الخلاف في المسألة :
سبب خلاف العلماء في الاعتداد بخلاف الظاهرية فيما أغربوا فيه ، هو أن من أعظم أصول الظاهرية التي شذوا بها عن باقي العلماء إنكار القياس ، وعدم العمل به .
وقد نقل بعض العلماء الإجماع على إعمال القياس ، فهل يكون الظاهرية بفعلهم هذا قد خالفوا الإجماع ، وأنكروا ظواهر النصوص؟ فخرجوا عن أصول أهل السنة ، فلا يعتد بخلافهم ؛ كما لا يعتد بخلاف باقي الفرق الضالة ، كالخوارج والإمامية ، وغيرهم ، وأنهم- على أقل تقدير في رأي البعض- بعدم عملهم بالقياس تركوا معلوما لدى أهل العلم ، وطريقا من طرق الاستنباط المتفق عليها ؛ فأشبهوا العوام فلا يعتد بخلافهم . . أم أنهم بفعلهم هذا لم يخالفوا جماعة المسلمين ، ولا يعدو قولهم أن يكون من الاجتهاد السائغ بين المسلمين . وقد يكون سبب خلافهم هو المسألة الأصولية: ((إذا أجمع المسلمون على أن في المسألة قولين ، أو أكثر ، فهل يجوز إحداث قول ثالث)) .
ولكن هذا في بعض المسائل ، وليس كليا؛ لأنه توجد مسائل شذ الظاهرية بقول ، ولا يعلم للمتقدم فيها رأي .


المبحث الثالث: خلاف أهل العلم في المسألة ، وأدلتهم ، والترجيح .
اختلف أهل العلم القائلون بالقياس - رحمهم الله- في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول : أن خلافهم غير معتبر ، وليس معتدا به مطلقا .
وهو منسوب لجمهور أهل العلم ، حكاه أبو إسحاق الاسفرائيني (ت 316 هـ) عن جمهور أهل العلم ، وذكر أبو العباس القرطبي (ت 656 هـ) أن جل الفقهاء والأصوليين على أنه لا يعتد بخلافهم . وقال النووي (ت 676 هـ) : (( ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور )) ، وقال في موضع آخر : (( ومخالفة داود لا تضر في انعقاد الإجماع ؛ على المختار الذي عليه المحققون والأكثر )) .
وقال بدر الدين الزركشي (ت 794 هـ) : (( ولم يعدهم المحققون من أحزاب الفقهاء . . . وأخرجوهم من أهل الحل والعقد )) .
وحكاه ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) ، والصنعاني (ت 1182 هـ) عن بعض الناس .
وممن وقفت على قوله من أهل العلم موافقا لهذا القول ، أبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ) ، وأبو بكر الجصاص الرازي (ت 370 هـ) ، والحموي (ت 1098 هـ) . ، وابن عابدين (ت 1252 هـ) من الحنفية .
ومن المالكية : القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403 هـ) ، وابن بطال (ت 449 هـ) (شرح صحيح البخاري، لابن بطال 1 \ 352.) ، والقاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543هـ) ، وأبو العباس القرطبي (ت 656 هـ) (المفهم لأبي العباس القرطبي 1 \ 543.) ، والدرديري (ت 1201 هـ) (بلغة السالك لأقرب المسالك، للدرديري 2 \ 389.) ، وعليش (ت 1299 هـ) .
وبه قال من الشافعية أبو العباس بن سريج (ت 306 هـ) (انظر كتاب: (المحمدون من الشعراء للقفطي 2 \ 427). ، والأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني (ت 316 هـ) ، وأبو علي بن أبي هريرة ( ت 345 هـ ) ، والقاضي أبو الحسن المروزي ( ت 462 هـ ) ، وأبو المعالي الجويني ( ت 478 هـ ) ((البرهان ، للجويني 2 \ 819 - في مبحث مسالك العلة - ، وانظر : فيض القدير للمناوي 6 \ 226 )) ، وأبو حامد الغزالي ( ت 505 هـ ) (البحر المحيط 4 \ 472 ، حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2 \ 242 ). ، وحكي عن النووي ( ت 676 هـ ) الجزم بعدم الاعتداد بقولهم ، ورجح هذا القول صلاح الدين الصفدي ( ت 826 هـ ) (الوافي بالوفيات ، للصفدي 13 \ 475) . ، وولي الله العراقي ( ت 826 هـ ) (طرح التثريب شرح التقريب ، لولي الله العراقي 2 \ 37 ). ، ونقله أبو منصور البغدادي ( ت 429 هـ ) عن طائفة من متأخري الشافعيين .
وقال به نجم الدين الطوفي ( ت 716 هـ ) من الحنابلة (التعيين في شرح الأربعين ، للطوفي ص 244 )..
والحافظ أبو بكر ابن مفوز ( ت 505 هـ ) من علماء الحديث .
القول الثاني : أن خلافهم معتبر مطلقا .
وممن قال به القاضي عبد الوهاب البغدادي من المالكية ( ت 422 هـ ) (قاله في كتاب ( الملخص ) ، ونقله عنه الزركشي في ( البحر المحيط 4 \ 472 ) ..
وبه قال من الشافعية أبو منصور البغدادي الشافعي ( ت 429 هـ ) ؛ وحكى أنه الصحيح من مذهب الشافعية ، ونسب هذا القول لأبي عمرو ابن الصلاح ( ت 650 هـ ) ، وقال به الذهبي ( ت 748 هـ ) (سير أعلام النبلاء ، للذهبي 13 \ 104 ). ، وابن السبكي ( ت 771 هـ ) ، ( وهو الذي استقر عليه الأمر آخرا كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين ) قاله ابن الصلاح ( الفتاوى ص 67 ) ، والنووي ( تهذيب الأسماء واللغات 1 \ 183 ) . .
وهو رأي كثير من الحنابلة .
واختاره غير واحد من المحققين ؛ كالعلامة ابن القيم ( ت 751 هـ ) ، والصنعاني ( ت 1182 هـ ) (العدة ، للصنعاني 1 \ 140 ). ، والشوكاني ( ت 1250 هـ ) (إرشاد الفحول ، للشوكاني ص 71) . ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( ت 1393 هـ ) (نثر الورود على مراقي السعود ، للشنقيطي 2 \ 428 ، أضواء البيان . ونسبه للمحققين من علماء الأصول ).
القول الثالث : أن خلافهم معتبر في غير المسائل القياسية ، وأما المسائل القياسية فلا اعتبار بقولهم .
وهو قول أبي الحسن الأبياري ( ت 618 هـ ) (نقله عنه في ( البحر المحيط 4 \ 473 ) . .
القول الرابع : أن خلافهم معتبر فيما خالف القياس الخفي ، دون ما خالف القياس الجلي .
وهو قول ابن الصلاح ( ت 650 هـ ) ؛ قال : " والذي أجيب به بعد الاستخارة والاستعانة بالله أن داود يعتبر قوله ويعتد به في الإجماع إلا فيما خالف فيه القياس الجلي " (نقله عنه النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات 1 \ 184 ) ، وسكت عنه ). .
 
إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
365
التخصص
أصول الفقه
المدينة
قسنطينة
المذهب الفقهي
حنبلي
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول ( وهم القائلون بعدم الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقا ) بأدلة متعددة ، بعبارات مختلفة ، وسأسوق بعضا منها :
- أن أهل الظاهر ليسوا من العلماء ولا من الفقهاء ، بل هم من جملة العوام الذين لا يعتد بخلافهم (نقله في ( المفهم 1 \ 543 ) عن القاضي أبي بكر الباقلاني ). .
- أن الظاهرية في حيز العوام ، فلا اعتبار بخلافهم (الفصول في الأصول 3 \ 296 ، سير أعلام النبلاء 13 \ 104) . .
- أن معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد ، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة ، فبإنكارهم القياس والاجتهاد يكونون ملتحقين بالعوام ، وكيف يدعون الاجتهاد ، ولا اجتهاد عندهم ، وإنما غاية التصرف التردد على ظواهر الألفاظ . (البرهان للجويني 2 \ 818 ) .
- أن من أنكر القياس لا يعرف طرق الاجتهاد ، وإنما هو متمسك بالظواهر ، فهو كالعامي الذي لا معرفة له (البحر المحيط 4 \ 472 ). .
- أنهم لا يعتد بخلافهم لأنهم من جملة العوام ، وأن من اعتد بخلافهم فإنما ذلك لأن مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع ، والحق خلافه (المفهم 1 \ 543 ، وعنه البحر المحيط 4 \ 472 ). .
- ولأنهم في الشرعيات كالسوفسطائية في العقليات (البحر المحيط 4 \ 472 ).
- أن منكري القياس من الظاهرية ليسوا من علماء الأمة ؛ لأنهم مباهتون على عنادهم فيما ثبت استفاضة وتواترا ، ومن لم يزعه التواتر ، ولم يحتفل بمخالفته لم يوثق بقوله ومذهبه (البرهان للجويني 2 \ 818 ). .
- أنهم كالشيعة في الفروع ، ولا يلتفت إلى أقوالهم ، ولا ينصب معهم الخلاف ، ولا يعتنى بتحصيل كتبهم ، ولا يدل مستفت من العامة عليهم (سير أعلام النبلاء 13 \ 104 ). .
- أنهم لم يبلغوا رتبة الاجتهاد ، ولا يعتبر في الإجماع إلا خلاف من له أهلية النظر والاجتهاد .
بل بالغ بعضهم فلم يعدوا الظاهرية من العلماء والفقهاء .
- أنهم لما أحدثوا قواعد تخالف الأولين ، أفضت إلى المناقضة لمجلس الشريعة ، فلم يعتبر خلافهم (البحر المحيط ، لبدر الدين الزركشي 6 \ 291) . .
- أنهم لما اجترءوا على دعوى أنهم على الحق ، وأن غيرهم على الباطل أخرجهم أهل العلم من أهل الحل والعقد (البحر المحيط ، لبدر الدين الزركشي 6 \ 291 ). .
- أنه قد دل الدليل القاطع على أصل القياس ، وهو لا يحتمل المنازعة فيه لظهوره . وقد نازع الظاهرية فيه .
وهذه المنازعة الظاهر أنها عناد ، والمعاند في الحق لا عبرة بقوله ، وهذا ظاهر .
وإن لم تكن عنادا - كما هو الظنون بذوي الحجى - ، فقد نفوا ما ثبت بالدليل القاطع باجتهاد ، قصاراه إفادة الظن الذي لا يعارض القطع الظاهر (الوافي بالوفيات ، للصفدي 13 \ 475) . .
والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به ، وينقض الحكم به (فتاوى ابن الصلاح ص 69 ).
- أن من أنصف لنفسه علم أن النصوص التي أخذت منها الأحكام لا تفي بعشر معشار الحوادث التي لا نهاية لها ، فما الذي يقوله الظاهري في غير المنصوص إذا أتاه عامي وسأله عن حادثة لا نص فيها ، أيحكم فيها بشيء أم يدع العامي وجهله ؟
لا قائل من المسلمين بالثاني ؛ أعني أنا ندع العامي يخبط في دينه ، وإن حكم فيها - والواقع أن لا نص - ؛ فإما أن يقيس ، أو يخترع من نفسه حكما يلزم الناس الأخذ به .
إن اخترع من عند نفسه ونسبه إلى الحكم الشرعي كان كاذبا على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلا كان ملزما للناس بفلتات لسانه ، فما بقي إلا أنه لا يخترعه من عند نفسه ويقيسه على الصور المنصوص عليها .
والظاهري لا يقول بذلك ، فعاد الأمر إلى أنه إما أن يدع العامي يخبط في دينه بما لم ينزل الله به سلطانا ، أو يكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو يلزم الناس بهفواته ، والثلاثة لا يقولها ذو لب - معاذ الله – (الوافي بالوفيات ، للصفدي 13 \ 475 ). .
- أن داود ينفي حجج العقول . . . فمن كان هذا مقدار عقله ومبلغ علمه كيف يجوز أن يعد من أهل العلم وممن يعتد بخلافه . . . (الفصول في الأصول ، للجصاص 3 \ 296 ).
- أنهم قد أخذوا هذا القول - نفي القياس - عن النظام من المعتزلة ، وقد كفره جمع من أهل العلم (فقه أهل العراق وحديثهم ، للكوثري ص 17 ) . .
مما سبق من تعليلات القائلين بعدم الاحتجاج بخلاف الظاهرية يتبين أنهم يدورون حول معنى واحد وإن اختلفت العبارات ، وهو :
أن الظاهرية عندما أنكروا القياس خرجوا عن دائرة العلم ، وأهله [ وصاروا في دائرة العوام ، أو الجهال ، أو المبتدعة ،
أو المباهتين (البرهان للجويني 2 \ 818 . ، أو الكفار والمشركين - بحسب اختلاف العبارات - ] وهؤلاء لا يصح الاحتجاج بهم في الإجماع ، ولا يقدح خلافهم فيه .
والسبب في ذلك - مما تقدم - ثلاثة أمور :
أ - أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية ، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية .
ب - أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع .
ج - أن القياس قد دل عليه ( الدليل القاطع ) فإنكارهم له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة ، فخالفوا صريح العقول ، وصحيح المنقول .
أما الأمر الأول ؛ وهو أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية ، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية .
فلا يسلم ذلك - عندهم - فإن في القرآن والسنة بيانا لجميع الأحكام الشرعية إما بطريق المنطوق أو المفهوم أو غيرها من دلائل الألفاظ ووسائل الاستنباط غير القياس ، ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى : سورة النحل الآية 89 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ، وقوله تعالى : سورة الأنعام الآية 38 مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ .
وقال ابن حزم (النبذ في أصل الفقه ، لابن حزم ص 118 ) : " كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله ، حاشا القراض فما وجدنا له أصلا البتة " .
قال أبو إسحاق الشاطبي ( ت 790 هـ ) (الموافقات للشاطبي 4 \ 189 ) : " العالم بالقرآن على التحقيق عالم بجملة الشريعة ، ولا يعوزه منها شيء ، والدليل على ذلك أمور . . .
ومنها : التجربة ؛ وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها أصلا ، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظاهر الذين ينكرون القياس ، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل " ا . هـ .
وقال الشوكاني ( ت 1255 هـ ) بعد ذكره لدليل المانعين من الاعتداد بخلاف منكري القياس : ويجاب عنه بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها ، وتدبر آيات الكتاب العزيز ، وتوسع في الاطلاع على السنة المطهرة ، علم بأن نصوص الشريعة جمع جم ، ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب ، ولا سنة ، ولا قياس مقبول ( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ) . نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها ، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جدا " (إرشاد الفحول ص 72 ). .
أما الأمر الثاني ؛ وهو أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع .
فقد دفع ابن حزم هذا التراشق بأمرين ؛ أحدهما : أنه لا يهمه من وافقه من أهل الباطل ، فلا ينكر أن تقول اليهود لا إله إلا الله ويقولها هو .
وثانيهما : أنها لا تخلو كلمة حق أو باطل يذهب إليها غيره من آخذ بها من أهل الباطل ، فالأخذ بالقياس قال به بعض المعتزلة ، والأزارقة ، وأحمد بن حابط ، ولكل هؤلاء من شنيع الأقوال ما هو كفر (تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب للعلامة ابن عقيل الظاهري ص 52 ) .
أما الأمر الثالث ؛ وهو أن القياس قد دل عليه ( الدليل القاطع ) ، فإنكار الظاهرية له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة ، فخالفوا بذلك صريح العقول ، وصحيح المنقول .
فهو محل النزاع بين الظاهرية وغيرهم ، وقد أطال الظاهرية في نقاش هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بصحة القياس (انظر مثلا : الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 2 \ 761 وما بعده ) .
إضافة إلى أن ( الدليل القاطع ) إن سلم به ، فإنما هو قد دل على أصل القياس ، وصحة الاستدلال بجنسه . لا على صور آحاده ؛ فإنها باتفاق ظنية ، ما عدا بعض الصور التي قال بعض العلماء بأن القياس فيها قطعي ؛ كالقياس الأولوي على نزاع في تسميته قياسا .
وبذلك يتبين فساد المقدمات التي بنى عليها أصحاب هذا القول نتيجتها ؛ وهو عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية . فإذا سقطت المقدمات سقطت النتيجة المترتبة عليها . وعليه يتبين ضعف هذا القول - والله أعلم - .
واستدل أصحاب القول الثاني ( القائلون باعتبار خلاف الظاهرية مطلقا ) بأدلة متعددة ، وسأسوق أولا عباراتهم ؛ فمنها :
- أن ما تفردوا به هو من قبيل مخالفة الإجماع الظني ، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي (سير أعلام النبلاء 13 \ 104 ) .
- قال الصنعاني ( ت 1182 هـ ) (العدة شرح إحكام الأحكام ، للصنعاني 1 \ 140 - بتصرف يسير ). : إن الظاهرية لم يخالفوا في المسائل المجمع عليها ؛ لأن التحقيق أنه لم يقم الدليل إلا على حجية الإجماع القولي ، وقد كذب من ادعاه إلا في المسائل الضرورية - كما قال الإمام أحمد - .
فإذا حققت فالحق أن دعوى الإجماع طريقة القاصرين ، إذا أعيتهم الأدلة ادعوه على منازعهم ، ولا يليق ذلك بأئمة التحقيق ، فليس العمدة إلا الدليل من الكتاب والسنة أو قياس في معنى الأصل ، فإذا قام الدليل فلا ينظر إلى التنقيش قال به قائل أو لا ؟ ، فلا وحشة مع الدليل ، ولا ناظر بعد وجوده إلى قال ولا قائل ولا قيل ، والله يقول الحق ويهدي السبيل .
- أن هؤلاء المخالفين في القياس كلا أو بعضا ، هم بعض الأمة ، فلا بد من الاعتداد بخلافهم (إرشاد الفحول ص 210 ) .
- أنه لم يذكر أحد من العلماء أن من شرط المجتهد المعتبر قوله أن يكون من أهل القياس القائلين به .
- أن قول الظاهرية اجتهاد منهم ، ومن لم يعتد بخلافهم كان هذا اجتهادا منه فكيف يرد اجتهاد بمثله (سير أعلام النبلاء 13 \ 105) ، ونقله عنه الصفدي في (الوافي 13 \ 474 ) . .
- أن داود الظاهري كان يقرئ مذهبه ، ويناظر عليه ، ويفتي به في مثل بغداد ، وكثرة الأئمة بها وبغيرها ، فلم نراهم قاموا عليه ، ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه ، ولا سعوا في منعه من بثه (سير أعلام النبلاء 13 \ 105 . ثم ذكر أمثلة لبعض العلماء الذين عاصروا داود ) .
- أنهم وإن جاء عنهم مسائل غريبة ، فإنهم علماء مجتهدون ، وقد صدر من كثير من العلماء مسائل تخالف الإجماع ، وإنما تحكى للتعجب ؛ كقول ابن عباس في المتعة ، والصرف ، وإنكار العول (سير أعلام النبلاء 13 \ 105 - 106 ) .
- أن كثيرا من الأئمة المصنفين أوردوا خلاف الظاهرية في كتبهم ، مما يدل على اعتبارهم له ، فلولا اعتدادهم بخلافهم لما أوردوا مذاهبهم في مصنفاتهم ، لمنافاة موضوعها لذلك (فتاوى ابن الصلاح ص 68) .
- أننا ما اعتددنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة ، بل لتحكى في الجملة ، وبعضها سائغ ، وبعضها قوي ، وبعضها ساقط (سير أعلام النبلاء 13 \ 104 ) .
- أنه يلزم القائل بعدم الاعتبار بخلاف الظاهرية في الإجماع يلزمه أن لا يعتبر خلاف منكر العموم ، وخبر الواحد ، ولا ذاهب إليه (البحر المحيط 4 \ 472 ، نقلا عن الأصفهاني شارح ( المحصول ) . .
- أن خلاف الظاهرية معتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل ، ويمنع العموم ، ومن حمل الأمر على الوجوب ؛ لأن مدار الفقه على هذه الطرق (البحر المحيط 4 \ 472 ، نقلا عن القاضي عبد الوهاب في ( الملخص ) . .
- أن عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية غير صحيح ؛ لأنه إن كان نفيا للوجود فهذا كذب تدفعه المشاهدة والعيان ، وإن قيل : إن الله أمر بعدم سماعه ، أو رسوله أمر بذلك فهذا شر من الأول لأنه كذب على الله ورسوله .
مما تقدم يتبين أن الحديث في قبول خلاف الظاهرية ما ادعي فيه الإجماع مقبول وأنه مانع من انعقاد الإجماع لأمور :
أ - منع صحة الإجماع شرعا ، وعقلا في المسائل التي خالف فيها الظاهرية (وقد أطال ابن حزم في ( الإحكام 2 \ 494 - 506 ) النفس في تقرير هذا الأصل ، فيراجع) .
ب - وعلى فرض صحة الإجماع قبل خلافهم ، فإنه يمنع من الوقوع ؛ لأن الوقائع التي ادعي فيها خلاف الظاهرية للإجماع ، إنما هو خلاف ظني (قاله الذهبي في ( السير 13 \ 104 ) ، والصنعاني في ( العدة شرح إحكام الأحكام 1 \ 140 ) وتقدم نقله . .
ج - أن إنكارهم للقياس لا يعني خروجهم من دائرة العلماء ؛ لأنهم مجتهدون توفرت فيهم جميع أدوات الاجتهاد - ولم يذكر أحد من العلماء أن من شروط المجتهد أن يكون عاملا بالقياس في المسألة المجتهد فيها - ، كما أنه يلزم من عدم الاعتداد بخلافهم عدم الاعتداد بخلاف منكري حديث الآحاد - مطلقا أو في وقائع معينة - ومنكري العمل بالحديث المرسل ، ومن يرى نسخ القرآن بالسنة ، ومنكري العموم ، وغير ذلك من صور عدم العمل ببعض آحاد الأدلة المتفق عليها من الكتاب والسنة .
د - ( القلب للدليل ) وهو أن الإجماع منعقد على قبول خلاف الظاهرية ؛ لأن داود الظاهري أظهر قوله في عصره وكذا تلامذته من بعده وحكى خلافهم أهل العلم في كتبهم ، ولم يرو عن أحد معاصريه أنه أنكر خلافه ولم يعتد به .
واستدل أصحاب القول الثالث ( وهم القائلون بقبول خلافهم في المسائل غير القياسية ، وأما القياسية فلا يعتد بخلافهم ) بأدلة منها :
أن المسألة إن كانت مما يتعلق بالآثار والتوقيف واللفظ اللغوي ، ولا مخالف للقياس فيها ، لم يصح أن ينعقد الإجماع بدونهم - إلا على رأي من يرى أن الاجتهاد لا يتجزأ - .
فإن قلنا بالتجزؤ ، لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون ، كما نعتبر خلاف المتكلم في المسألة الكلامية ؛ لأن له فيه مدخلا ، كذلك أهل الظاهر في غير المسائل القياسية يعتد بخلافهم (البحر المحيط 4 \ 473 ، نقلا عن الأبياري).
ويظهر بتأمل هذا القول أنه عائد في الحقيقة إلى القول الأول القائل بعدم الاعتداد بخلاف الظاهرية ؛ لأن جل المسائل إنما هي قياسية ؛ كما قال إمام الحرمين الجويني ( ت 478 هـ ) (البرهان ، للجويني 2 \ 818 ) :
" إن معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد ، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة " .
كما أن في التفريق بين المسائل التي يدخلها القياس والتي لا يدخلها القياس خلافا بين العلماء ؛ فمثلا مسائل الحدود ، والكفارات ، والعبادات فإن بين القائسين خلافا في جريان القياس فيها من عدمه .
إضافة لذلك فإن هذا التفريق هو محل النزاع ؛ فإن الظاهرية يرون أن جميع هذه المسائل ليست قياسية ؛ فيكون قولهم معتبرا .
واستدل أصحاب القول الرابع ( وهم القائلون باعتبار خلافهم فيما خالف القياس الخفي ، دون ما خالف القياس الجلي ) بأدلة منها :
أن خلاف الظاهرية فيما خالف القياس الخفي معتبر ؛ لما سبق في أدلة القول الثاني .
أما خلافهم فيما خالف القياس الجلي فهو غير معتد به ؛ لكونه مبنيا على ما يقطع ببطلانه ، والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به ، وينقض الحكم به (فتاوى ابن الصلاح ص 69 ) .
ولأنه يجوز تبعيض الاجتهاد ؛ بمعنى أن يكون العالم مجتهدا في نوع دون غيره ، فكذلك الظاهرية يعتبر قولهم فيما عدا ما خالفوا القياس الجلي (فتاوى ابن الصلاح ص 69 ) .
ولأن المسائل التي خالفوا فيها القياس الجلي ، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه ، أو بنوه على أصولهم التي قام الدليل القاطع على بطلانها باتفاق من سواهم على خلافه ، إجماع منعقد . وقولهم حينئذ خارج من الإجماع ؛ كقولهم في التغوط في الماء الراكدة ؛ وقولهم : لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها .
فخلافهم في هذا ، وشبهه غير معتد به ؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه ، والاجتهاد على خلاف الدليل القاطع مردود ، وينتقض حكم الحاكم به (تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1 \ 184) . .
ويعرض على تفريقهم بين القياس الجلي ، والقياس الخفي في الاعتداد بخلاف الظاهرية في الثاني دون الأول . أن يقال لهم :
أ - إن تقسيم القياس إلى جلي وخفي - بحسب تقسيم الشافعية - إنما هو تقسيم لما يطلق عليه القياس ، لا القياس الشرعي المعرف بين الأصوليين ، والذي فيه نزاع الظاهرية .
فإن الجمع بنفي الفارق - وهو القياس الخفي - ليس من حقيقة القياس (تيسير التحرير لأمير بادشاه 4 \ 77 ). .
فعاد هذا القول للقول الأول ، وهو نفي الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقا ، فيكون القول فيهما واحدا .
ب - كذلك فإنه يقال : إما أن يعمم عدم الاعتداد بخلاف من خالف قول الأكثر في القياس الجلي سواء كان من أهل القياس ، أم لا . أو أن يخص بأهل الظاهر فقط .
فإن قيل بالأول وهو أن كل من خالف في القياس الجلي لم يقبل قوله ، ولا يعتد بخلافه ، فهذا يؤدي إلى القول بقطعية هذا القياس ، وفيه نظر ؛ بدليل خلاف بعض القياسيين فيه .
وإن قيل بتخصيص منكري القياس فقط . ففيه تحكم ؛ لأنه ربما خالف في هذه المسألة التي يدعي أن القياس فيها جلي غير الظاهرية ممن يعمل القياس ؛ فيكون القائل هذا القول قد أهمل خلاف الظاهري ، وأعمل خلاف غيره في مسألة واحدة ، وهو تحكم .
مثال ذلك : ما ذكره أصحاب هذا القول من التمثيل للمسائل التي خالف فيها الظاهرية القياس الجلي ؛ بأن الظاهرية يقولون : " بأن الربا لا يجري إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها في الحديث فقط ، ولا يتعداها لغيره " .
وهذه المسألة لم ينفرد بها الظاهرية بل وافقهم عليها بعض أهل القياس ، فقال أبو الوفا ابن عقيل ( ت 513 هـ ) من الحنابلة ، وغيره .
فإن قبلنا خلافه ، ورددنا خلاف الظاهرية فهو تحكم . وإن قلنا برد خلاف الجميع فلا فائدة من تخصيص الظاهرية بعدم الاعتداد بقولهم ، بل نرد خلاف جميع من خالف في هذا القياس
 
إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
365
التخصص
أصول الفقه
المدينة
قسنطينة
المذهب الفقهي
حنبلي
والراجح في هذه المسألة - والله تعالى أعلم - هو الاحتجاج بخلاف الظاهرية مطلقا ، وعدم انعقاد الإجماع بدونهم . وأن خلافهم مانع من انعقاده . ولا يصح رد قولهم بإجماع معاصريهم .
وأما ما شذوا فيه فيرده كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهما اللذان يحكمان ببطلانه حال عرضه عليهما .

المبحث الرابع : أمثلة تطبيقية على خلاف الظاهرية
سبق في بيان محل البحث والنزاع أن الحديث هنا فيما إذا انفرد الظاهرية بقول ولم يسبقوا إليه بقول أحد من الصحابة أو التابعين ، أو لم يوافقهم عليه أحد من علماء المذاهب الأربعة المعروفة .
وبالنظر إلى كثير من المفردات التي ذكرها من حرص على جمع مفردات الظاهرية ، أو ابن حزم بالخصوص ، نجد أنهم يذكرون ما خالف فيه مشهور أقوال الأئمة الأربعة فقط ، وهذا في الحقيقة خلاف المقصود بالبحث .
وسأذكر بضع مسائل ، لا بقصد الاستيعاب ، بل لقصد التمثيل فحسب .
مسألة : وجوب تقديم العضو الأيمن على الأيسر في الوضوء .
قال ابن حزم بوجوبه (المحلى 3-66)
وقد حكى الإجماع على الاستحباب دون الوجوب جمع من العلماء ؛ منهم ابن المنذر (الأوسط 1-387، والنووي (المجموع 1-383) .
مسألة : وجوب الاضطجاع على الشق الأيمن على من صلى ركعتي الفجر .
ذكر ابن حزم (المحلى 3-196) أنه يجب على من صلى ركعتي الفجر أن يضطجع على شقه الأيمن قبل صلاة الفجر سواء صلاها في وقتها أو قاضيا لها من نسيان أو عمد نوم ، فإن عجز عن الضجعة أشار إلى ذلك حسب طاقته . ولم يجز له أن يصلي الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن .
مسألة : جواز قص المحرم لأظفاره .
ذكر ابن حزم (المحلى 7-246) أنه يجوز للمحرم قص أظفاره وأنه لا شيء عليه فيه .
وقد حكى الإجماع على حرمتها جمع من أهل العلم ؛ كابن المنذر (الاجماع ص 17) ، وابن قدامة (المغني 5-146) ، وغيرهم .
مسألة : عدم توريث الجدة أم الأب .
أنكر ابن حزم الإجماع على توريث أم الأب ، وقال (المحلى 10-350) : " إن أبا بكر رضي الله عنه لم يورث إلا جدة واحدة فقط ؛ وهي أم الأب ، فلا ميراث لغيرها من الجدات " .
وقد حكى الإجماع على توريث أم الأم جمع من العلماء ؛ منهم ابن المنذر (الاجماع ص 34) ، والماوردي (الحاوي 8-110) ، والبغوي (شرح السنة 8-347) ، والعمراني (البيان 3-704) ، وغيرهم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
*** انتهى البحث***
 
إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
بارك الله فيكما وبالاخص الاخ المصري
 
إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
365
التخصص
أصول الفقه
المدينة
قسنطينة
المذهب الفقهي
حنبلي
بالطبع أخى الكريم كلنا أخوة
الكلام موجه إلى الجميع :)

أعلم جيدا أننا كلنا إخوة - و الحمد لله - لكني سألت عن سبب التخصيص :)
سميه إن شئت فضولا :D
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
في فتاوى ابن الصلاح:
مسألة53 (ص88-93):

- هل كان داود الظاهري صاحب المذهب رضي الله عنه ممن يعتد به في انعقاد الإجماع في زمانه أم لا؟

- وهل كان بحيث إذا حدثت في زمانه فخالف فيها وحده يعد خارقا للإجماع؟

أجاب رضي الله عنه :
أما الاعتداد بداود يرحمه الله في الاجماع وفاقا وخلافا مما وقع فيه الاختلاف بين الفقهاء والأصوليين منا ومن غيرنا:

فذكر الأستاذ الإمام أبو اسحق الاسفرائيني رحمه الله أن أهل الحق اختلفوا :
فذهب الجمهور منهم:
إلى أن نفاة القياس لا يبلغون منزلة الاجتهاد ولا يجوز توليهم القضاء.
وهذا ينفي الاعتداد بداود في الاجماع

ونقل صاحب الإسناد أبو منصور البغدادي عن أبي علي بن أبي هريرة وطائفة من متأخري الشافعيين: أنه لا اعتبار بخلافه وسائر نفاة القياس في فروع الفقه لكن يعتبر خلافهم في الأصوليات.


وقال الإمام أبو المعالي بن الجويني:
ما ذهب إليه ذوو التحقيق أنا لا نعد منكري القياس من علماء الأمة وحملة الشريعة فإنهم أولا باقون على عنادهم فيما ثبت استفاضة وتواترا وأيضا فان معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد والنصوص لا تفي بالعشر من أعشار الشريعة فهؤلاء ملتحقون بالعوام وكيف يدعون مجتهدين ولا اجتهاد عندهم.
وهذا منه نوع إفراط

وكان أبو بكر الرازي من أئمة المحققين:
يذهب في داود وأضرابه إلى نحو هذا المذهب ويغلو فذكر داود في مقدمة كتابه في أحكام القرآن ومال عليه فأفرط وقال فيما قال: لو تكلم داود في مسألة حادثة في عصره وخالف فيها بعض أهل زمانه لم يكن خلافا عليهم.
قال: وكان ينفي حجج العقول ومشهور عنه أنه كان يقول "بل على العقول" وقال بعد كلام كثير: ولأجل ذلك لم يعد خلافه أحد من الفقهاء خلافا ولم يذكروه في كتبهم فقد انعقد الاجماع على اطراحه وترك الاعتداد به.
هذا رأي الرازي فيه وهو كما ترى لا يخلو عن نوع من الحيف الذي قد كان فيه وكان شديد الميل والعصبية على من يخالفه من
حيث أنه قد وصف داود في هذا الموضع من كتابه بما يأباه عنه الثابت المعروف من زهده وتحريه.

والذي اختاره الأستاذ أبو منصور في هذا وذكر أنه الصحيح من المذهب:

أنه يعتبر خلافه في الفقه الذي استقر عليه الأمر آخرا فيما هو الأغلب الأعرف من صفوة الأئمة المتأخرين الذين أوردوا مذاهب داود في إثبات مصنفاتهم المشهورة في الفروع كالشيخ أبي حامد الإسفرائيني وصاحبه المحاملي وغيرهم رضي الله عنهم فانه لولا اعتدادهم بخلافه لما أوردوا مذاهبه في أمثال مصنفاتهم هذه لمنافاة موضوعها لذلك.
وبهذا أجبت مستخيرا الله تعالى مستعينا :
مما بناه داود من مذاهبه على أصله في نفي القياس الجلي
وما اجتمع عليه القياسيون من أنواعه أو على غيره من أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها
فاتفاق من عداه في مثله على خلافه إجماع منعقد وقوله في مثله معدود خارقا للاجماع
وكذلك قوله في المتغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة فيه
وكقوله في الربا فيما سوى الأشياء الستة
فخلافه في هذا وأمثاله غير معتد به لكونه مبنيا على ما يقطع ببطلانه والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في انزالهما بمنزلة ما لا يعتد به وينقض الحكم به.
وهذا الذي اخترته يثبت بدليل القول بتحرير تجزؤ منصب الاجتهاد وقد تقرر جواز ذلك وإن العالم قد يكون مجتهدا في نوع دون غيره والعلم عند الله سبحانه وتعالى
ثم لا فرق فيما ذكرناه بين زمانه وما بعده فإن المذاهب لا تموت بموت أصحابها.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
في فتاوى ابن الصلاح:
مسألة53 (ص88-93):

- هل كان داود الظاهري صاحب المذهب رضي الله عنه ممن يعتد به في انعقاد الإجماع في زمانه أم لا؟

- وهل كان بحيث إذا حدثت في زمانه فخالف فيها وحده يعد خارقا للإجماع؟

أجاب رضي الله عنه :
أما الاعتداد بداود يرحمه الله في الاجماع وفاقا وخلافا مما وقع فيه الاختلاف بين الفقهاء والأصوليين منا ومن غيرنا:

فذكر الأستاذ الإمام أبو اسحق الاسفرائيني رحمه الله أن أهل الحق اختلفوا :
فذهب الجمهور منهم:
إلى أن نفاة القياس لا يبلغون منزلة الاجتهاد ولا يجوز توليهم القضاء.
وهذا ينفي الاعتداد بداود في الاجماع

ونقل صاحب الإسناد أبو منصور البغدادي عن أبي علي بن أبي هريرة وطائفة من متأخري الشافعيين: أنه لا اعتبار بخلافه وسائر نفاة القياس في فروع الفقه لكن يعتبر خلافهم في الأصوليات.


وقال الإمام أبو المعالي بن الجويني:
ما ذهب إليه ذوو التحقيق أنا لا نعد منكري القياس من علماء الأمة وحملة الشريعة فإنهم أولا باقون على عنادهم فيما ثبت استفاضة وتواترا وأيضا فان معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد والنصوص لا تفي بالعشر من أعشار الشريعة فهؤلاء ملتحقون بالعوام وكيف يدعون مجتهدين ولا اجتهاد عندهم.
وهذا منه نوع إفراط

وكان أبو بكر الرازي من أئمة المحققين:
يذهب في داود وأضرابه إلى نحو هذا المذهب ويغلو فذكر داود في مقدمة كتابه في أحكام القرآن ومال عليه فأفرط وقال فيما قال: لو تكلم داود في مسألة حادثة في عصره وخالف فيها بعض أهل زمانه لم يكن خلافا عليهم.
قال: وكان ينفي حجج العقول ومشهور عنه أنه كان يقول "بل على العقول" وقال بعد كلام كثير: ولأجل ذلك لم يعد خلافه أحد من الفقهاء خلافا ولم يذكروه في كتبهم فقد انعقد الاجماع على اطراحه وترك الاعتداد به.
هذا رأي الرازي فيه وهو كما ترى لا يخلو عن نوع من الحيف الذي قد كان فيه وكان شديد الميل والعصبية على من يخالفه من
حيث أنه قد وصف داود في هذا الموضع من كتابه بما يأباه عنه الثابت المعروف من زهده وتحريه.

والذي اختاره الأستاذ أبو منصور في هذا وذكر أنه الصحيح من المذهب:

أنه يعتبر خلافه في الفقه الذي استقر عليه الأمر آخرا فيما هو الأغلب الأعرف من صفوة الأئمة المتأخرين الذين أوردوا مذاهب داود في إثبات مصنفاتهم المشهورة في الفروع كالشيخ أبي حامد الإسفرائيني وصاحبه المحاملي وغيرهم رضي الله عنهم فانه لولا اعتدادهم بخلافه لما أوردوا مذاهبه في أمثال مصنفاتهم هذه لمنافاة موضوعها لذلك.
وبهذا أجبت مستخيرا الله تعالى مستعينا :
مما بناه داود من مذاهبه على أصله في نفي القياس الجلي
وما اجتمع عليه القياسيون من أنواعه أو على غيره من أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها
فاتفاق من عداه في مثله على خلافه إجماع منعقد وقوله في مثله معدود خارقا للاجماع
وكذلك قوله في المتغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة فيه
وكقوله في الربا فيما سوى الأشياء الستة
فخلافه في هذا وأمثاله غير معتد به لكونه مبنيا على ما يقطع ببطلانه والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في انزالهما بمنزلة ما لا يعتد به وينقض الحكم به.
وهذا الذي اخترته يثبت بدليل القول بتحرير تجزؤ منصب الاجتهاد وقد تقرر جواز ذلك وإن العالم قد يكون مجتهدا في نوع دون غيره والعلم عند الله سبحانه وتعالى
ثم لا فرق فيما ذكرناه بين زمانه وما بعده فإن المذاهب لا تموت بموت أصحابها.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رأيي الخاص هو ما ذهب إليه ابن الصلاح ومن قبله الأستاذ أبو منصور، فيما استقر عليه الأمر آخرا فيما هو الأغلب الأعرف من صفوة الأئمة المتأخرين:
وهو الاعتداد بخلاف أهل الظاهر لتوفر صفة الاجتهاد لديهم، وإنما لا يعتد بأقوالهم مما يقطع ببطلانها، لفواتها عن محل الاحتهاد الذي تسرح فيه الأقوال.
ولا اختصاص لأهل الظاهر بذلك، فهم وغيرهم في ذلك سواء إلا أن التنبيه عليه جيد لكثرة ما وقع لهم من ذلك، يفسره إنكارهم القياس الجلي، حتى ادعي عليهم المكابرة.
 

هدى إبراهيم

:: متابع ::
إنضم
17 أكتوبر 2009
المشاركات
31
التخصص
فقه وأصول
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
إن صح الحديث فهو مذهبي..درست على المذهب الحنبلي
جيد هذا الطرح...والتأصيل
 
إنضم
28 يونيو 2008
المشاركات
36
التخصص
علم الحديث
المدينة
البيضاء
المذهب الفقهي
ليس لي مذهب
شكر الله لكم ..،

و أرى أن جماع القول هو قول الأستاذ الفاضل فؤاد :

"وإنما لا يعتد بأقوالهم مما يقطع ببطلانها، لفواتها عن محل الاحتهاد الذي تسرح فيه الأقوال.
ولا اختصاص لأهل الظاهر بذلك، فهم وغيرهم في ذلك سواء إلا أن التنبيه عليه جيد لكثرة ما وقع لهم من ذلك، ."

و أما الكثرة فهذا إطلاق فيه تعتيم ..، و لو جاريتك ..، و قلت : ما حوته المذاهب الأربعة من الأقوال الباطلة ما تشيب له الغربان و الليالي..، لكنت صا دقا في هذا الإطلاق ..، لأن أقوالهم الباطلة لا يحصيها إلى خالقهم سبحانه و تعالى ..،

و أما قولك : " يفسره إنكارهم القياس الجلي، حتى ادعي عليهم المكابرة."

فهذا قصور في تصور المسألة لدى القياسيين ، يدل على أنهم لم يقرؤوا عن و للظاهرية ، فالظاهرية ينكرون تسميته بالقياس الجلي..، لأن تسميته بالقياس الجلي من تسمية الأشياء و الحقائق بغير مسمايتها ..، فهذه مغالطة منهم ..، و هذا الذي سموه قياسا جليا هو ما يسمى عند الإمام ابن حزم بالدليل ، و هو قسم من أقسام الدليل عند الإمام ابن حزم ، و هو شبيه بالأخذ بعموم النص ..،


و بهذا تعلم بأن الاختلاف في القياس الجلي بين الظاهرية و غيرهم خلاف لفظي كما نص عليه الشوكاني ، و لكن تسميته بأنه قياس جلي مغالطة من القياسيين قد أبطلها الإمام ابن حزم - رحمه الله - ..،
و بما سبق تدري أن من وصمهم بأنهم مكابرون جاهل حقه أن يوبخ و يقرع ..،

و هذا يدلك على أن الذين لم يعتدوا بخلاف الظاهرية هم مقلدة لمن سبقهم ، و جاهلون بنهج أهل الظاهر ..، أنفوا أن يقرؤوا كتبهم ..، و للأسف و إن قرؤوها فلن يعوا كلامهم ..،


و أرجو ألا يتضايق أحد من كلامي هذا ..، فكما أنكم استجزتم تسطير كلام أعده تنقيصا و قدا في الظاهرية ..، مع أنه باطل ..، فقد سطرت بعضا مما يوجب الحق أن أسطره ..، و أنا لا أدع العصمة للظاهرية فلهم أخطاء و أغلاط ..، و لكن عذر الظاهرية فيها لائح بخلاف غيرهم ..،و الله المستعان.
 
أعلى