العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التحريم بسبب الرضاع: عدد الرضعات التي تُحَرِّم

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي
التحريم بسبب الرضاع


عدد الرضعات التي تُحَرِّم


جعل الله كلا من النسب والمصاهرة سببًا في تحريم نكاح بعض النساء. كما جعل الله الرضاع سببًا في مثل ذلك. وقد وَرَدَالرضاع المقتضي للتحريم في القرآن مطلقًا بقول الله سبحانه: ]حُرِمَتْ عليكمْ أمهاتكم وبناتكم.... وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ[ [النساء: 23].
ثم تقيَّد ذلك بقيود، وردتْ بها السنَّة عن مقدار الرضاع المحرِّم، اختلف الناس فيها على أقوال. ففي هذه المسألة ثلاثة أقوال، هي:
القول الأول: يثبت التحريم بقليل الرضاع، وكثيره.
وهذا قول جمهور السلف والخلف، مثل: سعيد بن المسيب، والحسن، والزهري، وقتادة. ومذهب مالك، وأبي حنيفة، والأوزاعي، والثوري، والليث، ورواية عن أحمد.
وحجة هؤلاء:
1. مُطلق قول اللهUفي المحرَّمات:] وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ [[النساء: 23]. فأثبت الحرْمة بفعل الإرضاع. فاشتراط العدد فيه يكون زيادة على النص، ومثله لا يثبت بخبر الواحد.
2. ومطلق قول النبي e:"يحرُم من الرضاعة، ما يحرُم من النسب"[1].
فحيث وُجِدَ اسم الرضاعة، وُجِدَ حكمُها.
3. وعن عقبة بن الحارث، أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ. قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ e، فَأَعْرَضَ عَنِّي. قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟! فَنَهَاهُ عَنْهَا"[2].
4. أن ذلك سبب يتعلق به تحريم مؤبد، فلم يُعتبر فيه العدد، كالوطء، وتحريم أمهات النساء.
5. يُروى هذا القول عن: علي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وجابر[3].
القول الثاني: لا يثبت التحريم بأقل من ثلاث رضعات.
وهو قول: إسحق،وأبي ثور، وأبي عبيد، وابن المنذر، وداود وأصحابه، ورواية ثانية عن أحمد.
وحجة هذا القول:
1. ما ثبت عن النبي eأنَّه قال:"لا تُحرِّم المصَّة والمصَّتان". وقال أيضًا:"لا تُحَرِّم الإملاجة، ولا الإملاجتان"[4].
2. وفي حديث آخر، أنَّ رجلا من بني عامر بن صعصعة قال: يا رسول الله! هل تُحرِّم الرضعة الواحدة؟ قال: "لا"[5].
وهذه أحاديث صحيحة صريحة، رواها مسلم في صحيحه.
3. أنَّ ما يُعتبر فيه العدد والتكرار، يُعتبر فيه الثلاث[6].
القول الثالث: لا يثبت التحريم بأقل من خمس رضعات.
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد في ظاهر مذهبه، وقول ابن حزم. وحجة هؤلاء:
1. حديث عائشة– رضي الله عنها- قالت: "كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسخْنَ بخمسٍ معلومات، فَتُوفى رسول الله e وهُنَّ فيما يُقرأ من القرآن"[7].
2. ويكفي قول النبي eلسهلة بنت سهيل: "أرضعيه خمس رضعات"، فكان بمنزلة ولده من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها، ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا خمس رضعاتٍ، ثم يدخل عليها[8].
3. أنَّ قول الله Uفي المحرَّمات:] وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ [ [النساء: 23]. فسرتها السنَّة، وبيَّنت الرضاعة المحرِّمة.
4. أنَّ صريح ما رويناه يخص مفهوم ما رووه، فنجمع بين الأخبار، ونحملها على الصريح الذي رويناه.
5. وهذا قول عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعائشة[9].
الترجيح:
من الواضح، قوة أدلة من قال بأن التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات؛ وذلك لما يلي:
1- أن حديث: "خمس رضعات معلومات يحرمن"، هو قرآن، نُسخ لفظه، وبقي حُكمه.
2- أنَّ عائشة أعلم الأمَّة بحكم هذه المسألة هي ونساء النبي e، وكانت عائشة- رضي الله عنها- إذا أرادت أن يدخل عليها أحدٌ، أمرت إحدى بنات إخوتها أو أخواتها، فأرضعْنَه خمس رضعات[10].
3- إذا علَّقنا التحريم بالخمس، لم نخالف شيئًا من النصوص التي استدل بها المخالف، وإنَّما نكون قد قيَّدنا مُطلقها بالخمس، وتقييد المطلق بيان، لا نسخ، ولا تخصيص[11].
4- أنَّه إعمال لجميع النصوص الواردة في المسألة،وحمل مطلقها على مقيدها، وإعمال لمنطوق الخمس، مقدمًا إياه على مفهوم حديث المصَّة والمصتان. ولا شك أنَّ المنطوق أقوى من المفهوم.
5- أنَّ التحريم بقطرة أو رضعة واحدة، فيه من الحرج ما فيه. ولا ريب أنَّ أعدل الأقوال في هذه المسألة، أنْ يبلغ خمس رضعات متفرقات. وهو الأصلح للزمن الحاضر، الذي يحسُن فيه تسهيل سبل الزواج، وعدم إحراج الناس بأضيق الاجتهادات في الحِلِّ والحُرْمَة. يقول الله U: } وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ { [الحج: 78].
وعلى هذا القانون الكويتي في المادة السابعة عشرة منه، والقانون الإماراتي[12]، ومشروع القانون المصري السوري الموحد.
والخلاصة: أن التحريم لا يكون إلا بخمس رضعات مشبعات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]أخرجه مسلم،كتاب الرضاع،باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل(1445).

[2]أخرجه البخاريكتاب النكاح،باب شهادة المرضعة (5104).

[3]المبسوط: السرخسي 5/126. بدائع الصنائع: الكاساني 4/13. المغني: ابن قدامة 7/536. الإنصاف: المرداوي 9/349. بداية المجتهد: ابن رشد، مج3، ص1309. القوانين الفقهية: ابن جزي، ص179.

[4]أخرجهما مسلم، كتاب الرضاع،باب في المصة والمصتان(1450)، (1451).

[5]أخرجه مسلم، كتاب الرضاع،باب في المصة والمصتان (1451).

[6]المغني 7/536. بداية المجتهد مج3، ص1309. المحلى: ابن حزم 11/89.

[7] مسلم،كتاب الرضاع،باب التحريم بخمس رضعات (1452).

[8]أخرجه أحمد من حديث عائشة- رضي الله عنها (25691). وأبو دَاوُد، باب من حرَّم به (2061).وقالشعيب الأرنؤوط: حديث صحيح. وهذا إسناد جيد.

[9] المغني 7/536.شرح النووي على مسلم 10/28. المحلى 11/88 وما بعدها. مغني المحتاج: الخطيب الشربيني 3/546.

[10]الحديث في ذلك أخرجه أبو دَاوُد،كتاب النكاح، باب من حرَّم به(2061).

[11] زاد المعاد: ابن القيم 5/509-511.

[12] المادة (46/2).
 
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
166
التخصص
فقه وتشريع
المدينة
الضفة الغربية
المذهب الفقهي
مذهب الائمة الاربعة (اذا صح الحديث فهو مذهبي)
السلام عليكم

السلام عليكم

اخي العزيز:
نظرا لكون ادلة الطرف الاول فيها الصحيح، ونظرا لان اقوى دليل يعتمد عليه القائلون بالتحريم بالخمس رضعات حديث عائشة والذي حدث حولة عدة نقاشات منها اننا لا نجد في القران النص الدال والمحدد للرضعات الخمسة او الثلاثة ولان هذه النقاشات حول ما قالته عائشة رضي الله عنها والادلة الاخرى التي استدلوا بها لا يخلو من الاحتمالات في الاستدلال بها .
والدليل اذا دخله الاحتمال سقط به الاستدلال، والاخبار الاخرى كقوله لا تحرم المصة والمصتان، ولا الاملاجة والاملاجتان، لا تدل بشكل قطعي على كون الرضاع المحرم هو خمس او ثلاث.
وايضا الاحتياط في حفظ الانساب يقتضي كما ازعم ترجيح القول الاول الموجب التحريم بمجرد الرضاع ولو لمرة او نصف مرة، وخاصة في هذا الزمن الذي ظهر فيه بنوك للحليب وما فيها من اضرار. يقول احد العلماء (نقلا من موقع www.islamonline.net)
فإن العبرة في اللبن هنا بما فيه من مواد بيولوجية تؤثر في تكوين الرضيع، فأخذ الرضيع من هذا اللبن له دور لا يمكن اغفاله في تكوين العظم، وإنبات اللحم أي تشكيل البنية الأساسية للطفل".
والعلم الحديث أثبت أن استعداد الطفل في المراحل الأولى من تكوينه لتفعيل المواد الغذائية داخل جسمه وتكوين الخلايا وانقسامها بسرعة؛ نظرًا لما يتمتع به الطفل في تلك المرحلة من غزارة في الخلية الجذعية وهو كلام علمي ثابت وليس نظري.
ومن المعلوم لدى المتخصصين أن الخلايا الجذعية هي التي تقوم بدورها بإعطاء الأوامر لنفسها للتجديد، وإعطاء الأوامر لباقي الخلايا الجسدية لتجديدها؛ لذا فإن أي مادة يحصل عليها الطفل في تلك المرحلة تكون أكثر تفاعلاً في بنائه؛ نظرًا لما يتمتع به من غزارة في الخلية الجذعية التي تُعَدّ عاملاً أساسيًّا في تجديد الخلايا لنفسها، وذلك هو ما وافتنا به البحوث الحديثة، وهذا كله يصب في معنى واحد وهو إعجاز التنزيل الحكيم من التحريم بالرضاعة".

ازعم انه يجب الافتاء بهذا القول بغض النظر عن اصحابه لموافقته لمقاصد التشريع الاسلامي في حفظ النسب والنفس والدين وكذلك النسل.
 
أعلى