العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التكتل النبوي - بناؤه وثوابته

إنضم
15 مارس 2011
المشاركات
8
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم


التكتل النبوي بناءه وثوابته
كيف تبني حزبا اسلاميا ؟
" لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة "

الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله
الحمد لله الذي علم الانسان ، وكرمه
والصلاة والسلام على رسول الله محمد النبي الامي وعلى آله وصحبه اجمعين
اما بعد

ارسل الله سبحانه سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا ، بلغنا الرسالة والنعمة التامة الشاملة لكل جوانب الحياة وكل احكام الشريعة لكل مناحي الحياة بافعالها واشيائها ، وان من اول الدروس التي يتعلمها الداعية من خلال النظر في سيرته صلى الله عليه وسلم هي " كيفية بناء التنظيم " فقد قام عليه الصلاة والسلام ببناء تكتل على نسق لم يعرفه اهل زمانه ، ولا عهد لهم بمثله ولا خبرة ، فالسرية او التنظيم السري وتصغير عدد كل خلية وعدم تمكين عضو التنظيم من معرفة كل الاعضاء الباقين ، والتحدث الى من يأنس منهم رشدا من الناس عن الانضمام الى الحركة ( البحث عن خيار الناس ) ، هي اعمال تنظيمية اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية ، وثابر عليها وداوم مما يجعلها فروضا لأن تمسكه بها طيلة الوقت هو بمثابة توكيد جازم على الوجوب ، وهناك اعمال اصر عليها ولم يقبل بتغييرها ابدا من مثل اصراره على تسفيه احلامهم وسب آلهتهم وشتمها والتعييب عليها بما لا يدع مجالا للقول ان على من اراد بناء تكتل دعوي ان يقتدي بسنته صلى الله عليه وسلم وان فيها ثوابت يجب ان لا نحيد عنها لأنها وحي ولا يمكن ان تكون من المباحات لأن الاصرار على الفعل طيلة وجوده في مكة دليل يرفعها الى الوجوب والفرض
ان الدعوة الى الله عمل تعبدي اخروي وبالتالي فان طريقة القيام به يجب ان تكون وحيا ، اذ لها احكام ككل احكام الاسلام لأن الاسلام لم يترك امرا الا وبين حكمه الشرعي ، فما بالك اذا كان هذا العمل اخرويا دعويا ....
" قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني "
فاتباعه صلى الله عليه وسلم يكونون على بصيرة ، باتباع خطواته واعماله بعيدا عن الابتداع يظلون على بصيرة باتباعه في كل ما عمل لأن عمله سنة وقدوة وصراط مستقيم .

سائلا العلي العظيم التوفيق والسداد ابدأ بالكتابة عن كيفية انشاء حزب اسلامي بالطريقة النبوية ، اي عبر استنباط طريقة لاتباعها والسير على خطاه فهو اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، في محاولة لاسكتشاف الثوابت والطريقة والوسائل ، ومعرفة فروضها ومندوباتها ومباحاتها . وعلى امل تجنب الابتداع والزيغ والضلال وتجنب دخول جحر الضب او اللحاق بسنن اليهود والنصارى والعياذ بالله .
والله الموفق





بالعودة الى ترتيب النزول للسور المكية وبناء على ما ورد في كتب الحديث وفي السيرة رجح ان السور نزلت كما يلي :

1 – سورة العلق – الآيات الخمس الاول : اقرأ
2 – القلم : ما انت بنعمة ربك بمجنون ...ودوا لو تدهن فيدهنون ( اياك ان تجامل او تهادن)
3 – المزمل : قم الليل ........ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا , وذرني والمكذبين اولي النعمة ومهلهم قليلا ( هجوم على مترفي قريش)
4 – المدثر : قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر ( ثم هجوم على الوليد بن المغيرة)
5 – الفاتحة : الحمد لله
6 – المسد : تبت يدا ابي لهب ( هجوم على الكافر وزوجته )
7 – التكوير: اذا الشمس كورت واذا ... ( هجوم على وأد البنات )
8 – الاعلى : سبح اسم ربك الاعلى .... فذكر ...سنقرئك فلا تنسى
9 -- الليل : فسنيسره لليسرى ... فسنيسره للعسرى
10– الفجر : والفجر وليال عشر ..... الابتلاء بالاعطاء والابتلاء بالمنع
11- الضحى : ولسوف يعطيك ربك فترضى
12 – الانشراح : الم نشرح لك صدرك..... اليسر اقوى من العسر
13 – العصر : الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
14 – العاديات : ستقوم القيامة وسيكون الحساب
15 – الكوثر: رد على احد رؤوس الكفر ورفع معنويات
16 – التكاثر:
17 – الماعون : هجوم احد على رؤوس الكفر
18 – الكافرون : التمايز بين الكفر والايمان واجب
19 – الفيل : ربك قادر قوي
20 – الفلق : وقاية وحماية ورعاية
21 – الناس : وقاية وحماية ورعاية
22 – الاخلاص : توحيد وتميز
23 – النجم : الاسراء والمعراج لتثبيت الفؤاد وتمحيص المؤمنين
24 - عبس : اهتم بالمؤمنين فهم اهم من الكافرين
25 – القدر : بشارة وجائزة في ليلة القدر لرفع المعنويات
26 – الشمس : فألهمها فجورها وتقواها
27 – البروج : عليكم بالصبر
28 – التين : المؤمنين هم احسن تقويم
29 – قريش : تذكير بفضل الله على قريش لعلهم يؤمنون
30 – القارعة : فأما من ثقلت موازينه يوم الحساب
31 – القيامة : التخويف من اليوم الآخر
32 – الهمزة : هجوم عى احد رموز الكفر
33 – المرسلات : التخويف من اليوم الآخر
34 – ق : التخويف من اليوم الآخر
35 – البلد : دعوة لعمل الصالحات
36 – الطارق: دعوة الى الايمان وتخويف باليوم الآخر
37 – القمر: التخويف من اليوم الآخر وتثبيت فؤاد النبي
38 – ص : تثبيت فؤاد النبي
39 – الاعراف :
40 – الجن : تثبيت فؤاد النبي
41 – يس : تثبيت فؤاد النبي ووقاية وحماية
42 – الفرقان – فاطر- مريم – طه – الواقعة – الشعراء – النمل – القصص – الاسراء
51 – يونس : تثبيت فؤاد النبي
52 – هود : تثبيت فؤاد النبي
53 – يوسف : تثبيت فؤاد النبي
54 – الحجر – الانعام – الصافات – لقمان – سبأ – الزمر – غافر – فصلت – الشورى
63 – الزخرف – الدخان – الجاثية – الذاريات
68 – الغاشية : دعوة الى الايمان وتخويف من اليوم الآخر
69 – الكهف
70 – النحل
71 – نوح : تثبيت فؤاد النبي
72 – ابراهيم : تثبيت فؤاد النبي
73 – الانبياء : تثبيت فؤاد النبي
74 – المؤمنون – السجدة – الطور- الملك – الحاقة – المعارج
80 – النبأ : دعوة الى الايمان – النازعات – الانفطار – الانشقاق – العنكبوت
86 – المطففين : هجوم على سلوكيات الكفار

( قال حافظ صالح في كتاب نهج القرآن الكريم في الدعوة : اعتمدت الترتيب بحسب رأي الجلالين ورأي الشيخ محمد المتولي ، شيخ القراء بالديار المصرية ، والشيخ عمر عبدالكافي )


النتائج المستخلصة من النظر الى السور ومواضيعها تجد ثوابت واسس لم يتزحزح عنها لا بل جرى توكيد وجوبها في اكثر من سورة :

1 ) التهيئة والمواصفات المطلوبة من الداعية وعوامل التثبيت
2 ) ابطال عقائد الكفار وبيان تهافتها وزيفها وشتم آلهتهم وعيبها
3 ) فضح مؤامرات الكفار ومكرهم والاعيبهم ومهاجمة زعماء الكفر
3 ) التخويف من اليوم الآخر ويوم الحساب ويوم الجمع ويوم البعث
4 ) مواساة النبي بقصص الانبياء السابقين وعبرها
5 ) الهجوم على سلوكيات شائنة كوأد البنات والبخل والتطفيف والظلم وسيء الاخلاق

.........................................................................................
تعليمات نتعملها من سيرته صلى الله عليه وسلم ونتعرف على حكم كل منها شرعا :

1) توجيه الإنذار بأمر من رب العزة وبقرينة جازمة فهو فرض فرضه الله بعد التسلح بقيام الليل والتطهر والصبر لله :

استمرالانذار وتحدي المشركين منذ اليوم الأول من تبليغ دعوته، ويتضح ذلك من مجموعة الأوامر الربانية التي نزلت في الأيام الأولى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي :
{يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر، ولربك فاصبر} ، إن الإنذار لا يترك أحدًا يخالف الله إلا أنذره بالعاقبة الوخيمة، والإنذار يقتضي وجود يوم للمحاسبة غير أيام الدنيا ألا وهو يوم الجزاء، مما يفرض وجود حياة أخرى غير هذه الحياة الدنيا .

- انذر الخلق جميعا
" ان انت الا نذير " " بل عجبوا ان جاءهم منذر منهم "
- كبر ربك
الله اكبر فلا تخش الا الله ولا تهادن ولا تجامل
- طهر ثيابك
فعملك هذا عبادة والعبادة تلزمها الطهارة ، والأمربالطهارة مقدمة للأمر بالصلاة كذلك
- اهجر الرجز
- لا تستكثر عملك ولا تمنن
لاتغتر بعملك ونشاطك في الدعوة ولا تمنن على احد بذلك فهذا فرض عليك وادائه واجب وفرض عظيم
- اصبر لربك
تأكد انك ستواجه المتاعب والمصاعب فعليك بالصبر

هذه قائمة تعليمات محددة لمن يريد ان يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم ، وعلينا ان نتذكر ان هذه السورة هي من اوائل ما نزل على نبي الله محمد ، فتكون هذه التعليمات اولى قواعد العمل ومواصفات الداعية وعليه التعهد بالتزامها ابتداءا .

مرة اخرى : لا بأس من حفظها غيبا لأنها ستكون اسس ، فانظر .........

ثم تعال لننظر الى قوله تعالى :
" يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا "
تشعر ان هذه الآيات تهدف الى تقوية النفسية والروحانية فقيام الليل وتنزل الآيات وقد سماها قولا ثقيلا وهي مع قيام الليل ترتقي بالروح وهي اقوم قيلا .

ثم انظر الى افتتاحية سورة " ن والقلم " كيف تقوي عزيمته وترفع معنوياته .

2) السرية في العمل ، من اين تعلمها سيدنا محمد ؟ ولماذا تمسك بها ؟ اهي فرض ؟

دور الابتداء، بدأ مع نزول الوحي واستمر لمدة ثلاثة سنوات، داخل مكة، في جو من الدعوة السرية، بقصد إعداد الطليعة الأولى من رجالها . وقد جاء في كتب السيرة ان الدعوة قد عرضت على من يأنس منهم رشدا ، وكذلك فعل ابو بكر حين دعا من يثق فيهم من معارفه واصدقائه .
وقد بدأ عليه وآله الصلاة والسلام بدعوة زوجته وخادمه وأصدقائه ومن يتوسم فيهم الخير وحب الحق والصدق، فكانت المجموعة الأولى زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وعلي بن ابي طالب وابو بكر ثم الذين شكلوا الرعيل الأول وطليعة المسلمين.
وتلتهم المجموعة الثانية المشكلة من بلال بن رباح رضي الله عنه وصحبه ممن بلغ عددهم أربعين نفرًا بما يشمل المجموعة الأولى أيضًا.
وقد أسلموا سرًا، واجتمع إليهم على شكل مجموعات صغيرة ، عليه وآله الصلاة والسلام متخفيًا، وكانت السور لتنقية عقولهم من الشوائب وتعميق إيمانهم بالله واليوم الآخر ، وخير شاهد على انهم كانوا في مجموعات صغيرة تراها وتلمسها بالنظر في قصة اسلام عمر بن الخطاب حيث وجد عمر خباب وسعيد وفاطمة بنت الخطاب في خلية واحدة .

وللتدليل على السرية التي كانت متبعة تعال ننظر الى قصة اسلام ابي ذر :

حيث يذكر ابو ذر انه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم : من معك ؟
فقال عليه الصلاة والسلام : حر وعبد ،
فظن ابو ذر انه ربع الاسلام ( اي ان المسلمين اربعة نفر )
ولكن الثابت انه اسلم قبل ابي ذر اكثر من ذلك .

وكذلك قصة بحث ابي ذر عن النبي واصحابه ولقاء سيدنا علي والتخفي قبل ملاقاة النبي


واستمرت الدعوة فردية سرية طيلة هذا الدور حتى تشكلت الجماعة المؤمنة الصلبة المتعاونة وإن لم يزد عددها عن الأربعين.
ونزل الوحي مؤذنًا بنهاية هذا الدور بإعلان الدعوة، ومجابهة الباطل، ومهاجمة الأصنام.

3) الأمر بالصدع ، وهذا نزل عليه بأمر سماوي

كما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين}، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي : (يا بني فهر يا بني عدي) لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا ً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟)، قالوا : نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا. قال : (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت : {تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب}.
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة جانبًا آخر من هذه الحادثة قال: لما نزلت هذه الآية : {وأنذر عشيرتك الأقربين} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعم وخص فقال: (يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها)

وما أن نزل قوله تعالى بعد ذلك بقليل {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} حتى انفجر غضب مكة واستنكرت القول بضلالها كعبدة للأصنام، وقامت لتحسم الموقف، لأنها أدركت معنى الإيمان بالرسالة واليوم الآخر، وأنه الطاعة التامة في النفس والمال، وأنهم غير مستعدين لذلك {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه}، أي يريد الواحد منهم الحياة ليمارس الفجور الدائم فيها.

4) عدم المهادنة ، والتحذير الرباني من الميل للمهادنة

إن وضوح فكرة الدعوة منذ اليوم الأول، وتحديها للكفر ، وخطابها غير المهادن ، قد فرضا الاحتكاك لولا تجنب أسبابه، فقد قامت قريش ضده صلى الله عليه وسلم وصحبه، فقررت أن تأتي عمه أبا طالب ليخلي بينهم وبين أخيه إذ لم يكفه عنهم، فردهم أبو طالب ردًا جميلا ً، ومضى نبي الله عليه وآله الصلاة والسلام في طريقه مظهرًا دين الله وداعيًا إليه.
وحزن رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام لإعراض وتكذيب قريش له ، وتألم لهذا ، فواساه الله {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}، فسار رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام في طريق التبليغ وهو يشحن أصحابه بكل طاقات الصبر والثبات، فكانوا الدعائم الصلبة لحمل هذا العبء الثقيل.
رجع الوفد ثانية لأبي طالب ليشتدوا في عتابه لأنه لم يكفه عنهم، وأصروا عليه هذه المرة إما أن يكفه أو ينازلوه هو واياه حتى يهلك أحد الطرفين، ثم انصرفوا، فدعاه أن يبقي على نفسه وعليه، فظن عليه الصلاة والسلام أن عمه قد ضعف عن نصرته، وأنه سيخذله ، إذ جاء في [دلائل النبوة] أن قريشًا مشت إلى أبي طالب مرة بعد مرة فلما كانت المرة الأخيرة قالوا : يا أبا طالب: إنا جئناك مرة بعد مرة نكلمك في ابن أخيك، وتعلم أنك وإن كنت فينا ذا منزلة لشرفك ومكانك فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك حتى نهلكه أو ما قد أظهره فينا من شتم آبائنا وعيب ديننا، فقال أبو طالب: انظر في ذلك، ثم قال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي قد جاءني قومك يشكونك، وقد آذوني فيك وحملوني ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عنهم ما يكرهون من شتمك آباءهم وعيبك دينهم، فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
(والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذه الأمر أبدًا حتى أنفذه أو أهلك)، فلما رأى أبو طالب ما بلغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي امض على التابعين وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا، وجاء نحوه في [السيرة النبوية] من أن قريش مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له : يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنها، أو ننازله وإياك ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له، ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا الذي كانوا قالوا له، فابق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فقال عليه الصلاة والسلام بعد أن شعر أن عمه خذله:
(يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا ابن أخي، قال : فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.

اخي :
"لا تهادن الديمقراطية ولا الأنظمة الوضعية ابدا "
هذا درس عظيم للدعاة اليوم ، فمهما كانت درجة ضعفكم فانه لا يحل لكم ان تهادنوا انظمة الكفر ولا عقائده ولا تمالئوا ولا يحل لكم التنازل في تبليغ العقيدة ودحض الكفر وفضحه ، فالاسلام حق والراسمالية باطل والاسلام نور والديمقراطية ظلمات ولا مجاملات .

ان إصرار رسول الله على هذا النهج يدل على أنه فرض لأنه لو كان غير فرض لقبل نبينا ان يجاملهم حتى يكف شرهم عنه وعن جماعته الجديدة الفتية الضعيفة حتى يشتد عودها ولكن هيهات هيهات ، هو يعلمنا عبر هذه المواقف ان مواقف العزة والتحدي والوضوح فرض وليست خيار او مندوب، فالكف عن تسفيه أحلامهم وشتم آبائهم وسب آلهتهم وعيبها كانت هي مطالبهم ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرض أن يتركها دون مهاجمة أبدًا.

اخي:

ويريدون حاليًا أن نتوقف عن وصف النصارى بالكفار وان نترك فضح كفر اليهود وضلالهم لا بل يريدون ان نقول اننا واياهم اخوة !!! مع ان رب العزة قال :
"لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة ".

5) الصبر والحث عليه تنفيذا لأمر الله سبحانه

كان المسلمون يخفون إسلامهم واجتماعهم حيث وحين لزم، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوة والعبادة ويخفي الاجتماع بأصحابه حرصًا عليهم وعلى الدعوة. وبقي المسلمون يصرون على الصبر والثبات رغم جميع أنواع الاضطهاد، فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رغم ضعف جسمه يتحداهم بإسماعهم جزءًا من سورة الرحمن، كما أصر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على أمه أن تأكل وأنه لو كانت لها مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما ترك دينه الذي تطالبه به. وكان بعض الصحابة يستأذنونه عليه الصلاة والسلام بالرد على أذاهم ، فنزلت الآيات الأربعة الأخيرة من سورة النحل :
{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} إلى قوله : {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
وبقي الثبات على الصبر السمة البارزة الوحيدة طيلة المرحلة المكية للدعوة الإسلامية دون أن يؤذن لأحد بالعمل المادي حتى آخر لحظة في هذه المرحلة، مما يفرض على الحركات الإسلامية الالتزام الجاد بذلك في دعواتها طيلة المرحلة السابقة لعودة الدولة الإسلامية التي يطلق عليها في السيرة النبوية بالمرحلة المكية.


الهجرة إلى الحبشة مقاومة للظلم ومحافظة على الاتباع
والسؤال هو : من اين تعلم فكرة الهجرة ؟ اليس هو ما ينطق عن الهوى .
لا سبيل الا ان نفهمها انها بالوحي .

كانت الهجرة إلى الحبشة أول هجرة في الإسلام، ذلك بأنه عليه وآله الصلاة والسلام اشتد عليه الحزن لما يرى مما يحل بأصحابه من الاضطهاد دون أن يملك دفعه عنهم، فأراد أن ينقذهم من ذلك فدعاهم إلى الهجرة للحبشة وذلك بعد سنتين من الجهر بالدعوة، وفي رجب من السنة الخامسة للبعثة، وكانوا اثني عشر رجلا ً وأربع نسوة، رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا ينتمون إلى مختلف القبائل، مما يؤكد مدى ما وصلت إليه الدعوة في اتساعها إذ سمع بها العرب جميعًا بغض النظر عن المكانة العلمية أو القبلية، وحاولت قريش أن تمنعهم من الهجرة فلاحقتهم ولكنهم أفلتوا منها إذ استقلوا سفينتين تجاريتين حملتهم إلى الحبشة قبل أن تلحق بهم قريش.

الهجرة فعل سياسي ادى الى تشويه صورة قريش أمام الدول والقبائل ومعناه أن قريش تعذب أبناءها وانها دولة ظالمة مستبدة ، فكانت من نتائج الهجرة ان تعاطف بعض الناس مع المسلمين وانتشر المزيد من الاخبار عن الاسلام واهله .

6) التحدي بالمظاهرات


- اشتهرت كثيرا قصة خروج المسلمين في صفين على رأس احدهما الحمزة وعلى الثاني عمر بن الخطاب .
- وقبلها اشتهر انه صلى الله عليه وسلم كان يخرج الى اسواق العرب يقرأ على البلغاء القرآن متحديا موضحا انه يحمل ما يعجز الناس عن مثله .
- واشتهر تحدي عبدالله بن مسعود
- واشتهر تحدي عثمان بن مظعون


7) رفض فكرة " الرأي والرأي الآخر" ، واستحالة التعايش بين الفكرين اليس لو كان خيارا لقبل الرسول بفكرة المهادنة او المجاملات او عام لك وعام لنا .

جرت محاولة الضغط الأخيرة على أبي طالب، ذلك أن قريش خشيت أن يلحقهم الهجاء لو فعلوا بابن أخيه شيئًا بعد موته، فقرروا أن يعرضوا عليه أن يأخذ من ابن أخيه وله، ويأخذ منهم ولهم ليكفوا عنه ويكف عنهم، جاء في [تفسير ابن كثير] أن أبا سفيان وأبا جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وأبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود البختري انطلقوا وبعثوا رجلا ً منهم يقال له المطلب قالوا: استأذن لنا على أبي طالب، فأتى أبا طالب فقال: لهؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك، فأذن لهم عليه، فدخلوا عليه، فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا، وإن محمدًا قد آذانا وآذى آلهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا تريدون؟) قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا ولندعك وإلهك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم العجم وأدت لكم الخراج ؟) قال أبو جهل: وأبيك لنعطيكها وعشرة أمثالها، قالوا: فما هي؟ ، قال: (قولوا لا إله إلا الله)، فأبوا واشمأزوا وقال أبو طالب: يا ابن أخي قل غيرها فإن قومك قد فزعوا منها، قال:
(يا عم، ما أنا بالذي يقول غيرها حتى يأتوا بالشمس فيضعوها في يدي، ولو أتوا بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها) إرادة أن يؤيسهم فغضبوا فلم لم يرض النبي بالاندماج بين الرأيين أو التساوم ليصلوا إلى حل وسط بينهم ، ولم لم يقبل من البداية أن يكف عن شتم آلهتهم؟!
- انظر كيف هاجم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى
- وانظر الى التحدي في قوله : " فليدع ناديه سندعو الزبانية "
- لا بل انك تجد سيدنا محمدا يقول : " شيبتني هود "
ومعروف ان سيدنا هود تحدى الكفار بقوله : " فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون "
ويقول سيدنا محمد انه لا يقبل ان يكون احد خيرا منه فتحدى الكفار وتصدى لهم وعاب آلهتهم وشتمها وسفه احلامهم .
- كما ان سيدنا محمد اقتدى بسيدنا ابراهيم في التبرؤ من الكفار ومما يعبدون
" انا برآء منكم ومما تعبدون "

وعلينا ان نتذكر ان الدعوة كانت في بداياتها اي في مرحلة التكوين وهي مرحلة الضعف ومع ذلك لا يسمح له الرب بالتزلف او المداهنة او النفاق او المداراة او التلون

وفي الختام لن يصلح آخر هذه الامة الا بما صلح به اولها
والله الموفق

واتمنى على اخوتي ابداء الرأي في الموضوع وجزاكم الله خيرا
 
إنضم
15 مارس 2011
المشاركات
8
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: التكتل النبوي - بناؤه وثوابته

برجاء تلقي ردود
 
أعلى