العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التنبيه على خطأ من نفى حظ المكلف في باب العبادات

إنضم
4 فبراير 2010
المشاركات
785
التخصص
شريعة
المدينة
------
المذهب الفقهي
اهل الحديث
التنبيه على خطأ من نفى حظ المكلف في باب العبادات.
يذهب بعض الاصوليين الى ان القصد من العبادات هو الابتلاء للعبد وطلب الامتثال المحض.
وينفون وجود قصد يرجع الى الله تعالى سوى مجرد ارادة الابتلاء.

لانهم قالوا : ان تشريع الله تعالى للعبادات اذا كان لمقصد يعود الى الله تعالى فهذا يلزم منه الافتقار لهذا المقصد ، وهو محال على الله تعالى ، فلذلك نفوا تعليل افعال الله تعالى.
وسموا هذا الدليل بدليل الافتقار او الاستكمال بالغير وابرز من ركز عليه الرازي.

وهذه النقطة في الحقيقة ناتجة عن الاختلاف بين اهل السنة والجماعة وبين اهل الكلام في مسالة تعليل افعال الله تعالى.
وقد بين ابن تيمية رحمه الله خطا قول اهل الكلام والاصوليين الذين تبنوا اراءهم من الاشاعرة او المعتزلة في هذا الموضع.

وبين بالادلة الصحيحة وجود المقاصد الاخرى غير طلب الامتثال تعود الى الله تعالى مثل محبته للعبادة ورضاه عن العبد ونحو ذلك مما يترتب على تشريع العبادات.
وقد اطال اكثر منه في رد شبه اهل الكلام ولاسيما الرازي : ابن القيم في الصواعق وشفاء العليل بحيث رد على جميع الشبه التي ساقها الرازي وغيره في نفي تعليل افعال الله المتمثلة بالافتقار والتسلسل والاستكمال بالحوادث ..الخ ادلته.

اذن :
هذه نقطة جوهرية ناشئة عن نقطة اعظم منها وهي الاختلاف في العقيدة.

فعقائد الناس تحدد مذاهبهم في مسالة التعليل.

وانبنى على هذا الخلاف اختلافهم في تفسير العلة.
ولما خالف الغزالي في تفسير العلة بالباعث في احد اقواله رماه بعض الاشاعرة بان فيه شوبا من الاعتزال.
كل هذا لاجل نفي الغرض عن الله تعالى وانه تعالى ليس له غرض من شرعه سوى محض الابتلاء وطلب الامتثال.
واذا كانت العبادات -وهي حق الله تعالى- ليس فيها قصد يعود الى الله تعالى سوى قصد الابتلاء وكشف الامتثال ، فانه من باب اولى ان لايوجد في المعاملات قصد يعود الى الله تعالى.

كل ذلك تهربا من نفي الغرض عنه تعالى حسب زعمهم.
واما وجود المقاصد في العبادات التي تعود الى المكلف فقد نفاها الاشاعرة ايضا وجعلوا العبادات لمجرد الابتلاء والاختبار محتجين بذلك بما ورد في بعض النصوص القرانية.

وقد رد عليهم ابن تيمية في هذا المكان ايضا.
فبين انه توجد مقاصد في العبادات تعود لله تعالى وهي محبته لذلك ورضاه وفرحه بطاعة عبده ...
وبين انه توجد مقاصد كثيرة تعود للعباد في مجال العبادات ، فالعبد لذته وسروره ونعيمه وحياة قلبه هو بالعبادات ...
فكيف يقال لا يوجد مقاصد تعود للعبد في العبادات ؟

وقد رد على اهل الكلام من الاشاعرة والمعتزلة وغيرهم
..
والامام الشاطبي - بما درسه من شيوخه الاشاعرة - لاشك ان يتاثر بهم في هذا الموضع.
ولذا جعل العبادات لاحظ فيها للمكلف.
وهو ترديد لقول الاشاعرة.

وقد ساق ابن تيمية وابن القيم ادلة كثيرة لبطلان هذا القول.

واساس هذا القول هو اصل المتكلمين في نفي الصفات الاختيارية مثل الحب والرضا والسرور ونحوها عن الله تعالى ، وجعل التشريعات تعود الى الارادة المحضة فقط دون وجود المحبة والرضا عن صدور تلك العبادات
لان اهل الكلام ينفونها عن الله تعالى ومنهم الاشاعرة الذين منهم الشاطبي.
هذه اغوار جعل الشاطبي حظ المكلف ( وجودا وانتفاءا) علامة من علامات المقاصد الاصلية.
ويكفي للتعقيب عليه بان قصر حظ المكلف على تلبية شهواته الجسدية فقط هو قصور شديد في تفسير المصلحة الحقيقية وهو تفسير يقترب كثيرا من التفسير المادي للمصلحة ومن هنا نفذ العلمانيون في استغلال كلام الشاطبي لمذاهبهم الباطلة ، علما ان الشاطبي يكرر كثيرا من المصلحة المعتبرة هي الاخروية والدنيوية وان المصلحة الدنيوية المفوتة للاخروية ملغاة وكلامه يقيد بعضه بعضا.

لكن جعله العبادات لاحظ للمكلف فيها هو انعكاس لعقيدته .

بل يكفي لان نتعقب على الامام الشاطبي ان نقول :
ان حظ المكلف من العبادات اعظم بكثير من حظه من المعاملات

فان لذة العبادة وانس العبد بربه وحلاوة الايمان وقربه من الله تعالى ونحو ذلك هو اعظم من نيل شهوات البطن والفرج ، فكيف تجعل نيل شهوات العبد لبطنه وفرجه فيها حظ للمكلف ولا تجعل هذه الاعمال القلبية والروحانية فيها حظ للمكلف وهي اعظم بكثير ؟
من هنا انتقد ابن تيمية رحمه الله اهل الكلام في قلب الامور حيث جعلوا المهم اقل اهمية ، ورفعوا الاقل الى الاعلى ، فجعلوا اللذة المادية فيها حظ للمكلف واللذة الروحية لم يجعلوها من حظ المكلف وهي اعظم.

وعليه :
فان قول الشاطبي رحمه الله بان المقاصد الاصلية لاحظ للمكلف فيها ، فيه نظر.
فان قيل : انه قصد بالحظ هو الحظ الجسدي ، فهذا يضيف خطا جديدا اخر ولايعالج الخطا بل زاد الخطأ فاصبح خطأين.

اذ كيف يجعل فوائد الجسد من الحظ ولا يجعل فوائد النفس والروح من الحظ.
بل كما سبق ان الفوائد الروحانية والنفسية اولى بوصف حظ المكلف.
رحم الله اهل العلم وتجاوز عنا وعنهم.
ورحم الله ابن تيمية اذ كانت عنده المنظومة السلوكية والمنظومة العقدية والمنظومة الفقهية الاصولية متناسقة فيما بينها.

حقيقة عندي نقولات كثيرة من كلام ابن تيمية وابن القيم ومكتوبة في الاوراق وعندي كلام مطول في مسالة التعليل لكن لا اجد وقتا لكتابتها فالكلام السابق ليس انشاء بل توجد نقولات كثيرة تقع بين الاسطر لتؤيده لكن يحتاج الى شخص سريع الطباعة.
وخلاصة القول:
العبادات فيها مقاصد راجعة الى الله تعالى لا كما يزعم اهل الكلام ومن تاثر بهم من الاصوليين.

وفيها مقاصد راجعة للعبد لا كما قاله بعض الاصوليين.

بل يمكن ان ازعم ان حظ المكلف من العبادات اعظم من حظه من المعاملات.
كما قاله ابن القيم رحمه الله ان الانسان حاجته الى العبادة اعظم من حاجته الى الهواء والغذاء والماء.

والله اعلم.
 
إنضم
4 فبراير 2010
المشاركات
785
التخصص
شريعة
المدينة
------
المذهب الفقهي
اهل الحديث
رد: التنبيه على خطأ من نفى حظ المكلف في باب العبادات

رد ابن تيمية رحمه الله على من جعل علة تحريم الميسر مادية وليست معنوية فقال :
" الوجه الثالث " أن يقال : قول القائل : إن الميسر إنما حرم لمجرد المقامرة دعوى مجردة وظاهر القرآن والسنة والاعتبار يدل على فسادها . وذلك أن الله تعالى قال : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة } . فنبه على علة التحريم وهي ما في ذلك من حصول المفسدة وزوال المصلحة الواجبة والمستحبة فإن وقوع العداوة والبغضاء من أعظم الفساد.
المجموع 32 / 227.
ثم يتكلم عن تحريم الخمر ويرد على من يقول ان علة تحريم الخمر هي اكل المال بالباطل والمقصد من تحريمها الحفاظ على المال فيقول:

ومعلوم أن الخمر لم تحرم لمجرد أكل المال بالباطل ... فكيف تجعل المفسدة المالية هي حكمة النهي فقط وهي تابعة وتترك المفسدة الأصلية التي هي فساد العقل والقلب والمال مادة البدن والبدن تابع القلب وقال النبي صلى الله عليه وسلم { ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح بها سائر الجسد وإذا فسدت فسد بها سائر الجسد ألا وهي القلب } . والقلب هو محل ذكر الله تعالى وحقيقة الصلاة . فأعظم الفساد في تحريم الخمر والميسر إفساد القلب الذي هو ملك البدن : أن يصد عما خلق له من ذكر الله والصلاة ويدخل فيما يفسد من التعادي والتباغض . والصلاة حق الحق . والتحاب والموالاة حق الخلق . وأين هذا من أكل مال بالباطل ومعلوم أن مصلحة البدن مقدمة على مصلحة المال ومصلحة القلب مقدمة على مصلحة البدن ...
والمقصود هنا : أن يعرف " مراتب المصالح والمفاسد " وما يحبه الله ورسوله وما لا يبغضه مما أمر الله به ورسوله :
كان لما يتضمنه من تحصيل المصالح التي يحبها ويرضاها ودفع المفاسد التي يبغضها ويسخطها ؛ وما نهي عنه كان لتضمنه ما يبغضه ويسخطه ومنعه مما يحبه ويرضاه .
وكثير من الناس يقصر نظره عن معرفة ما يحبه الله ورسوله من مصالح القلوب والنفوس ومفاسدها وما ينفعها من حقائق الإيمان وما يضرها من الغفلة والشهوة كما قال تعالى : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } وقال تعالى : { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا } { ذلك مبلغهم من العلم }
فتجد كثيرا من هؤلاء في كثير من الأحكام لا يرى من المصالح والمفاسد إلا ما عاد لمصلحة المال والبدن .
وغاية كثير منهم إذا تعدى ذلك أن ينظر إلى " سياسة النفس وتهذيب الأخلاق " بمبلغهم من العلم كما يذكر مثل ذلك المتفلسفة والقرامطة مثل أصحاب " رسائل إخوان الصفا " وأمثالهم ....

وقوم من الخائضين في " أصول الفقه " وتعليل الأحكام الشرعية بالأوصاف المناسبة إذا تكلموا في المناسبة وأن ترتيب الشارع للأحكام على الأوصاف المناسبة يتضمن تحصيل مصالح العباد ودفع مضارهم ورأوا أن المصلحة " نوعان " أخروية ودنيوية : جعلوا الأخروية ما في سياسة النفس وتهذيب الأخلاق من الحكم ؛ وجعلوا الدنيوية ما تضمن حفظ الدماء والأموال والفروج والعقول والدين الظاهر .
وأعرضوا عما في العبادات الباطنة والظاهرة من أنواع المعارف بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وأحوال القلوب وأعمالها : كمحبة الله وخشيته وإخلاص الدين له والتوكل عليه والرجا لرحمته ودعائه وغير ذلك من أنواع المصالح في الدنيا والآخرة .
وكذلك فيما شرعه الشارع من الوفاء بالعهود . وصلة الأرحام ؛ وحقوق المماليك والجيران وحقوق المسلمين بعضهم على بعض وغير ذلك من أنواع ما أمر به ونهى عنه حفظا للأحوال السنية وتهذيب الأخلاق . ويتبين أن هذا جزء من أجزاء ما جاءت به الشريعة من المصالح .

المجموع 32 / 230-234.
يرجى القراءة بدقة وبطء ، فهنا يوجد معْلمٌ خاص من معالم المنظومة المقاصدية عند ابن تيمية رحمه الله.
 
إنضم
4 فبراير 2010
المشاركات
785
التخصص
شريعة
المدينة
------
المذهب الفقهي
اهل الحديث
رد: التنبيه على خطأ من نفى حظ المكلف في باب العبادات

وقال ابن تيمية رحمه الله :
للناس في مقصود العبادات مذاهب :

منهم من يقول المقصود بها تهذيب أخلاق النفوس وتعديلها لتستعد بذلك للعلم وليست هي مقصودة في نفسها ويجعلونها من قسم الأخلاق وهذا قول متفلسفة اليونان وقول من اتبعهم من الملاحدة والإسماعيلية وغيرهم من المتفلسفة الإسلاميين كالفارابي وابن سينا وغيرهما ومن سلك طريقهم من متكلم ومتصوف ومتفقه كما يوجد مثل ذلك في كتب أبي حامد والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وابن عربي وابن سبعين لكن أبو حامد يختلف كلامه تارة يوافقهم وتارة يخالفهم وهذا القدر فعله ابن سينا وأمثاله ممن رام الجمع بين ما جاءت به الأنبياء وبين فلسفة المشائين أرسطو وأمثاله .....

والقول الثاني :
قول من يقول إن الله عوض الناس بالتكليف بالعبادات ليثيبهم على ذلك بعد الموت فإن الإنعام بالثواب لا يحسن بدون التكليف لما فيه من الإجلال والتعظيم الذي لا يستحقه إلا مكلف كما يقول ذلك القدرية من المسلمين وغيرهم وهؤلاء قد يجعلون الواجبات الشرعية لطفا في الواجبات العقلية وقد يقولون إن الغاية المقصودة التي بها يحصل الثواب هو العمل والعلم ذريعة إليه حتى يقولوا مثل ذلك في معرفة الله تعالى يقولون إنما وجبت لأنها لطف في أداء الواجبات العقلية العملية.

والقول الثالث :
قول من يقول بل الله أمر بذلك لا لحكمة مطلوبة ولا بسبب بل لمحض المشيئة وهذا قول الجبرية المقابلين للقدرية كالجهم والأشعري وخلق كثير من المتكلمين والفقهاء والصوفية وغيرهم.
القول الرابع :
قول سلف الأمة وأئمتها وهو أن نفس معرفة الله تعالى ومحبته مقصودة لذاتها وأن الله سبحانه محبوب مستحق للعبادة لذاته لا إله إلا هو ولا يجوز أن يكون غيره محبوبا معبودا لذاته وأنه سبحانه يحب عباده الذين يحبونه ويرضى عنهم ويفرح بتوبة التائب ويبغض الكافرين ويمقتهم ويغضب عليهم ويذمهم وأن في ذلك من الحكم البالغة وكذلك من الأسباب ما يطول وصفه في هذا الخطاب كما قد بسط في موضعه.

الجواب الصحيح 6 / 23 -41. ط الرياض.
 
أعلى