د. أيمن علي صالح
:: متخصص ::
- إنضم
- 13 فبراير 2010
- المشاركات
- 1,023
- الكنية
- أبو علي
- التخصص
- الفقه وأصوله
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- الشافعي - بشكل عام
هذه هي الحلقة (3) من المبادئ العامة للفكر الأصول -فقهي الإسلامي في تعامله مع النص
ثانياً: مبدأ صِدْق النّصّ ومعقوليته:
ثانياً: مبدأ صِدْق النّصّ ومعقوليته:
أي أنّ النّصّ الثّابت صادقٌ فيما أخبر به من العقائد والقصص والأحداث الماضية والمستقبليّة. وصِدق النّص ناجمٌ عن صدق المخبِر به، وهو الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، عن الله تعالى. قال ابن حزم: «قد وافَقَنا المعتزلةُ وكلُّ من يخالفنا في هذا المكان على أنّ خبر النّبيّ، صلى الله عليه وسلّم، في الشّريعة لا يجوز فيه الكذب، ولا الوهم؛ لقيام الدّليل على ذلك»([1]).
وقال الزركشي: «اتّفقوا على استحالة الكذب والخطأ فيه»([2]) أي في النَّص الذي بلَّغه النبي، صلى الله عليه سلم.
وقال الغزالي: «ما أخبر الله تعالى عنه فهو صِدقٌ بدليل استحالة الكذب عليه. ويدلّ عليه دليلان:
أقواهما: إخبار الرّسول، عليه السّلام، عن امتناع الكذب عليه تعالى.
والثّاني: أنّ كلامه تعالى قائمٌ بنفسه، ويستحيل الكذب في كلام النّفس على من يستحيل عليه الجهل»([3]).
ولذلك لم يجوِّز الأصوليّون نسخ الخبر؛ «لأنَّ نسخه والرّجوع عنه يُفضي إلى الكذب»([4]).
وبناءً على هذا المبدأ فليس بمقبولٍ أصولياً: منهج بعض الفلاسفة: «الذين يقولون: إنَّ الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر، وعن الجنّة والنّار، بل وعن الملائكة، بأمورٍ غير مطابقةٍ للأمر في نفسه، ولكنَّهم خاطبوهم بما يتخيَّلون به ويتوهَّمون به أنّ الله جسمٌ عظيم، وأنّ الأبدان تُعاد، وأنَّ لهم نعيماً محسوساً، وعقاباً محسوساً، وإنْ كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر، لأنَّ من مصلحة الجمهور أن يُخاطبوا بما يتوهَّمون به ويتخيَّلون أنَّ الأمر هكذا، وإنْ كان هذا كذباً فهو كذبٌ لمصلحة الجمهور؛ إذ كانت دعوتُهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطّريق. وقد وضع ابنُ سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل، كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية. وهؤلاء يقولون: الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرَها، وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظّواهر، وإن كانت الظّواهر في نفس الأمر كذباً وباطلاً ومخالفةً للحقّ، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة»([5]).
وكذلك ليس بمقبولٍ: منهج القائلين من بعض المعاصرين بأنّ النّصّ استخدم «الأسطورة»، والقَصّ الرّوائي (=غير الحقيقي)، مراعاةً لأحوال العرب وقت نزول النّصّ، كما دندن حوله نصر أبو زيد([6]) وغيره. قال تعالى: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُول}(ص:84)، وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}(النساء:87)، وقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(يوسف:111).
وقد انبنى على مبدأ صدق النص أنّه معقول أي أنّه لا يأتي بما تحيله أو تأباه العقولُ أبداً، ولا بما يصادم حقائق العلم أو الواقع أو التاريخ. وإذا وُجد ثَمَّ ما قد يعارض العقل البيِّن من النّصوص فهو: إمَّا ليس بثابتٍ، وإمّا المقصود به معنىً غيرُ ما ظهر منه.
قال ابن عقيل: «أجمع أرباب العقول من أهل الشّرائع أنّه لا يجوز أن يَرِد الشّرع بغير مُجوَّزات العقول»([7]). ولذلك قال تلميذُه ابنُ الجوزي: «كلُّ حديثٍ رأيتَه يخالف المعقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنّه موضوع»([8]).
وقال الجصّاص: «مِمّا يُرَدُّ به أخبار الآحاد من العِلل أن ينافيَ موجبات أحكام العقول؛ لأنَّ العقول حجّةٌ لله تعالى، وغيرُ جائزٍ انقلابُ ما دلَّت عليه وأوجبته. وكلُّ خبر يضادُّه حجّةٌ للعقل فهو فاسدٌ غير مقبول، وحجَّةُ العقل ثابتةٌ صحيحة، إلا أن يكون الخبر محتمِلاً لوجهٍ لا يخالف به أحكامَ العقول، فيكونَ محمولاً على ذلك الوجه»([9]). وذلك، كما يقول التفتازاني؛ «لأنّ النّقل يقبل التأويل بخلاف العقل، ولأنّه [أي النّقل] فرعُ العقل لاحتياجه إليه من غير عكس، فلا يجوز تكذيبُ الأصل لتصديق الفرع المتوقّفِ صِدقُه على صدق الأصل»([10]).
ورغم اتّفاق الأصوليّين، وأهل العلم عموماً، على هذا المبدأ من حيث الجملة إلا أنّهم يتفاوتون فيما بينهم فيما يُعدّ ثابتاً بالعقل، وما لا يعدو كونَه ظنّا أو حتّى وهماً، فبعضهم يتوسّع في تحكيم العقل في مجال النّظريات، وبعضُهم يضيّق، وتبعاً لهذا يبالغ المتوسّعون في تأويل النّصوص بدعوى التوفيق بينها وبين دلائل العقول، وينكر المضيّقون ذلك. ولهذا فإنَّ ابن تيمية، وهو من المضيّقين، يشترط في الدّليل العقلي الذي يُؤوّل أو يُردُّ به النّص أن يكون صريحاً أو بيّناً، لا ممّا يخفى ويشتبه، ويكونُ مَدعاةً للخلاف بين العقلاء، قال رحمه الله: «لا يُعلم حديثٌ واحدٌ يخالف العقل أو السّمع الصّحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف، بل موضوع...ولكنَّ عامَّة موارد التعارض هي من الأمور الخفيّة المشتبهة التي يحار فيها كثيرٌ من العقلاء، كمسائل أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما بعد الموت من الثّواب والعقاب والجنّة والنّار والعرش والكرسي، وعامَّة ذلك من أنباء الغيب التي تقصُر عقولُ أكثر العقلاء عن تحقيق معرفتها بمجرّد رأيهم، ولهذا كان عامَّة الخائضين فيها بمجرّد رأيهم: إمّا متنازعين مختلفين، وإمّا حيارى مُتَهوِّكين»([11])، و«النّصوص الثابتة في الكتاب والسنّة لا يعارضها معقولٌ بَيِّنٌ قطّ»([12]).
وقال الزركشي: «اتّفقوا على استحالة الكذب والخطأ فيه»([2]) أي في النَّص الذي بلَّغه النبي، صلى الله عليه سلم.
وقال الغزالي: «ما أخبر الله تعالى عنه فهو صِدقٌ بدليل استحالة الكذب عليه. ويدلّ عليه دليلان:
أقواهما: إخبار الرّسول، عليه السّلام، عن امتناع الكذب عليه تعالى.
والثّاني: أنّ كلامه تعالى قائمٌ بنفسه، ويستحيل الكذب في كلام النّفس على من يستحيل عليه الجهل»([3]).
ولذلك لم يجوِّز الأصوليّون نسخ الخبر؛ «لأنَّ نسخه والرّجوع عنه يُفضي إلى الكذب»([4]).
وبناءً على هذا المبدأ فليس بمقبولٍ أصولياً: منهج بعض الفلاسفة: «الذين يقولون: إنَّ الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر، وعن الجنّة والنّار، بل وعن الملائكة، بأمورٍ غير مطابقةٍ للأمر في نفسه، ولكنَّهم خاطبوهم بما يتخيَّلون به ويتوهَّمون به أنّ الله جسمٌ عظيم، وأنّ الأبدان تُعاد، وأنَّ لهم نعيماً محسوساً، وعقاباً محسوساً، وإنْ كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر، لأنَّ من مصلحة الجمهور أن يُخاطبوا بما يتوهَّمون به ويتخيَّلون أنَّ الأمر هكذا، وإنْ كان هذا كذباً فهو كذبٌ لمصلحة الجمهور؛ إذ كانت دعوتُهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطّريق. وقد وضع ابنُ سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل، كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية. وهؤلاء يقولون: الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرَها، وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظّواهر، وإن كانت الظّواهر في نفس الأمر كذباً وباطلاً ومخالفةً للحقّ، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة»([5]).
وكذلك ليس بمقبولٍ: منهج القائلين من بعض المعاصرين بأنّ النّصّ استخدم «الأسطورة»، والقَصّ الرّوائي (=غير الحقيقي)، مراعاةً لأحوال العرب وقت نزول النّصّ، كما دندن حوله نصر أبو زيد([6]) وغيره. قال تعالى: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُول}(ص:84)، وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}(النساء:87)، وقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(يوسف:111).
وقد انبنى على مبدأ صدق النص أنّه معقول أي أنّه لا يأتي بما تحيله أو تأباه العقولُ أبداً، ولا بما يصادم حقائق العلم أو الواقع أو التاريخ. وإذا وُجد ثَمَّ ما قد يعارض العقل البيِّن من النّصوص فهو: إمَّا ليس بثابتٍ، وإمّا المقصود به معنىً غيرُ ما ظهر منه.
قال ابن عقيل: «أجمع أرباب العقول من أهل الشّرائع أنّه لا يجوز أن يَرِد الشّرع بغير مُجوَّزات العقول»([7]). ولذلك قال تلميذُه ابنُ الجوزي: «كلُّ حديثٍ رأيتَه يخالف المعقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنّه موضوع»([8]).
وقال الجصّاص: «مِمّا يُرَدُّ به أخبار الآحاد من العِلل أن ينافيَ موجبات أحكام العقول؛ لأنَّ العقول حجّةٌ لله تعالى، وغيرُ جائزٍ انقلابُ ما دلَّت عليه وأوجبته. وكلُّ خبر يضادُّه حجّةٌ للعقل فهو فاسدٌ غير مقبول، وحجَّةُ العقل ثابتةٌ صحيحة، إلا أن يكون الخبر محتمِلاً لوجهٍ لا يخالف به أحكامَ العقول، فيكونَ محمولاً على ذلك الوجه»([9]). وذلك، كما يقول التفتازاني؛ «لأنّ النّقل يقبل التأويل بخلاف العقل، ولأنّه [أي النّقل] فرعُ العقل لاحتياجه إليه من غير عكس، فلا يجوز تكذيبُ الأصل لتصديق الفرع المتوقّفِ صِدقُه على صدق الأصل»([10]).
ورغم اتّفاق الأصوليّين، وأهل العلم عموماً، على هذا المبدأ من حيث الجملة إلا أنّهم يتفاوتون فيما بينهم فيما يُعدّ ثابتاً بالعقل، وما لا يعدو كونَه ظنّا أو حتّى وهماً، فبعضهم يتوسّع في تحكيم العقل في مجال النّظريات، وبعضُهم يضيّق، وتبعاً لهذا يبالغ المتوسّعون في تأويل النّصوص بدعوى التوفيق بينها وبين دلائل العقول، وينكر المضيّقون ذلك. ولهذا فإنَّ ابن تيمية، وهو من المضيّقين، يشترط في الدّليل العقلي الذي يُؤوّل أو يُردُّ به النّص أن يكون صريحاً أو بيّناً، لا ممّا يخفى ويشتبه، ويكونُ مَدعاةً للخلاف بين العقلاء، قال رحمه الله: «لا يُعلم حديثٌ واحدٌ يخالف العقل أو السّمع الصّحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف، بل موضوع...ولكنَّ عامَّة موارد التعارض هي من الأمور الخفيّة المشتبهة التي يحار فيها كثيرٌ من العقلاء، كمسائل أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما بعد الموت من الثّواب والعقاب والجنّة والنّار والعرش والكرسي، وعامَّة ذلك من أنباء الغيب التي تقصُر عقولُ أكثر العقلاء عن تحقيق معرفتها بمجرّد رأيهم، ولهذا كان عامَّة الخائضين فيها بمجرّد رأيهم: إمّا متنازعين مختلفين، وإمّا حيارى مُتَهوِّكين»([11])، و«النّصوص الثابتة في الكتاب والسنّة لا يعارضها معقولٌ بَيِّنٌ قطّ»([12]).
([1]) ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: أحمد شاكر، بيروت: دار الآفاق الجديدة، (د.ت)، ج1، ص120.
([2]) الزركشي. البحر المحيط، مرجع سابق، ج6، ص14.
([3]) الغزالي. المستصفى، مرجع سابق، ص112.
([4]) أبو يعلى الفراء: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف. العدّة في أصول الفقه، تحقيق: أحمد بن علي المباركي، (د.م): (د.ن)، ط2، 1410هـ=1990م، ج3، ص825.
([5]) ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم. درء تعارض العقل والنقل، تحقيق: محمد رشاد سالم، المملكة العربية السعودية: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط2، 1411هـ= 1992م، ج1، ص8. ويُنظر: ابن رشد: محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الحفيد). فصل المقال فيما بين الشّريعة والحكمة من الاتصال، تحقيق: محمد عمارة، الرياض: دار المعارف، ط2، (د.ت)، ص48.
([6]) يُنظر كتابه: النص، السّلطة، الحقيقة، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 1995م.
([7]) ابن عقيل: علي بن عقيل بن محمد. الواضح في أصول الفقه، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1422هـ=1999م، ج3، ص377.
([8]) ابن الجوزي: جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد. الموضوعات، المدينة المنورة: المكتبة السلفية، ط1، 1386هـ=1966م، ج1، ص106.
([9]) الجصاص. الفصول في الأصول، مرجع سابق، ج3، ص121.
([10]) التفتازاني: سعد الدين مسعود بن عمر. شرح التلويح على التوضيح، مصر: مكتبة صبيح، (د.ط)، (د.ت)، ج1، ص247.
([11]) ابن تيمية. درء تعارض العقل والنقل، مرجع سابق، ج1، ص150.
([12]) المرجع السابق، ج1، ص155.