سهير علي
:: متميز ::
- إنضم
- 17 يوليو 2010
- المشاركات
- 805
- الجنس
- أنثى
- الكنية
- أم معاذ
- التخصص
- شريعة
- الدولة
- بريطانيا
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطأ والاعتذار ومدرسة الحلم الربانية
ولكن ما أروع الاعتذار، وما أجمل الرجوع للحق الذي هو أحق أن يُتبع متى رضي الله سبحانه عن العبد وجعله يرى بصدق؛ أفعاله مع غيره.
فهذه نعمة عظيمة وغالية ولكن الأجمل أن يكن عند الطرف الآخر بادرة العفو.
ففي مصنف (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - حديث اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها): ((ثم لما ذكر حق الله - وهو الوصية بالتقوى الجامعة لعقائد الدين وأعماله الباطنة والظاهرة - قال: وأول الخلق الحسن: أن تكف عنهم أذاك من كل وجه، وتعفو عن مساوئهم وأذيتهم لك، ثم تعاملهم بالإحسان القولي والإحسان الفعلي وأخص ما يكون بالخلق الحسن: سعة الحلم على الناس، والصبر عليهم، وعدم الضجر منهم، وبشاشة الوجه، ..... ومن الخلق الحسن: أن تعامل كل أحد بما يليق به، ويناسب حاله من صغير وكبير، وعاقل وأحمق، وعالم وجاهل.
فمن اتقى الله، وحقق تقواه، وخالق الناس على اختلاف طبقاتهم بالخلق الحسن، فقد حاز الخير كله؛ لأنه قام بحق الله وحقوق العباد. ولأنه كان من المحسنين في عبادة الله، المحسنين إلى عباد الله)). انتهى.
ولن أنكر دهشتي لعظيم حلم الله تعالى عندما قرأت هاتين الآيتين قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ* فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (12-13) المائدة، من بعض إحسان الله تعالى على اليهود وردهم على هذا الإحسان بالجحود، وطلب الله تعالى من نبيه عليه الصلاة والسلام العفو عنهم والصفح، ولأن هذا الإحسان يحبه الله تعالى ويحثنا عليه، وهو أرقى أنواع حسن الخلق، جعلني أتتبع بعض خطاب الله تعالى في القرآن الكريم للملائكة والإنس والجن لأرى كيفيته، فوجدت كمال الله تعالى في سموه سبحانه للعفو الذي متى تأسينا به سنكون على درجة راقية من حسن الخلق الجميل، لنطرح المشاحنة والبغضاء والشقاق جانبا، وبالتالي نحصل على راحة البال وسكينة النفس وسلامة الصدر والخير كله، وحسب ظني أنني وجدت أن أنواع خطاب الله تعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
- خطابه تعالى للملائكة:
ألم يُنزل الله سبحانه القرآن لنا لنتعلم كيف نتعامل في حياتنا ومع الكون وساكينه؟ ومن قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) آل عمران، وسبحانه يعلمنا لنحيا حياة متزنة سليمة، فجعل لين الرجل رحمة منه سبحانه، وأشار إلى أن عكس اللين (الفظ والغلظة) هي سبب للشقاق والفرقة، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتعامل مع الرحيم والقاسي واللين والغليظ، فأوصى الله تعالى نبيه عليه السلام أن يعفو، فما أجمل العفو وأهمية لاستقامة الحياة وهو كمال الإحسان في المعاملات.
- خطابه تعالى للبشر:
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (60) سورة يس، وكذلك عتابه الرحيم لعباده.
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (82) سورة طه، هذا خطاب الحليم مع أهل المعصية.
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} (83) سورة طه، وهذا خطاب رحيم، لعلمه سبحانه بحال عبده.
- خطابه سبحانه مع إبليس:
{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ* قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } ( 75- 76) سورة ص، أليس في إستطاعة الله تعالى أن يسحق الشيطان؟ بل والكون كله؟ بلى وربي.
ألا يعلم الله سبحانه ماذا سيقول الشيطان قبل أن يقول قوله هذا؟ فلماذا سأله الله تعالى وسمع منه الإجابة؟ ولله المثل الأعلى فإن سبحانه أخذ على إبليس الحجة حتى نتعلم نحن ونسمع من الناس حجتهم ولا نحكم عليهم مجرد علم عندنا مسبق، لأننا بشر ومن شأن البشر الخطأ والميل والهوى، وتعالى الله عن هذا كله علوا كثيرا.
وفي النهاية أذكر نفسي بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورةالحجرات: (10)
وقال {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} سورة الأنفال: (1)
وقال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} سورة النساء: (114)
وقال: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} سورة النساء: (85)
أن من علامة بشريتنا الخطأ، والخير كل الخير لمن أكرمه الله تعالى ورأى خطئه، فأقبل على الحق وأذعن نفسه له، وذهب يصحح هذا الخطأ، فكان كل همه أن يمحو من صفحته خطأ لم يقصده، أو أفاق عليه فأرد أن يمحوه، فذهب غير مبالي بشيء إلا أن يطهر كتابه، حتى إذا أقبل على الله تعالى وجده أبيضا، وقد تلقاه بيمينه.
وللكريم من أُسيءَ إليه سواء كانت الإساءة متعمدة أو غير ذلك، فمرحا بحسنات لك لم تتعب فيها كما قال الكثير من الصالحين، وكل منا يملأ كتابه بما يشاء، ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وكم علمنا الله سبحانه في القرآن الكريم كيف يكون الحلم في الخطاب.
فلا أجد أحلى ولا أطيب جزاء لأهل الصبر وحسن الخلق من هذا الحديث: عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ) .
وأخيرا:(حديث مرفوع) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "رَجُلانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ، خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي، قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ، يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ، فَانْظُرْ فِي الْجِنَّانِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبً مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ، لأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا، أَوْ لأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا، أَوْ لأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ، قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: اتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ".
فهل أجد من سيأخذ بيدي ويعفو عني؟ اللهم لطفك وعفوك يا رحيم.
عليكم ورحمة الله وبركاته
سهير علي