العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

السياسة الشرعية في ادّخار لحوم الأضاحي

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
السياسة الشرعية في ادّخار لحوم الأضاحي
د. سعد بن مطر العتيبي

بسم الله الرحمن الرحيم


من القواعد التي قد تخفى مع أهميتها في مباحث السياسة الشرعية: النظر في نوع التصرف النبوي؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتصرف بصفات عدَّة؛ إذ هو الرسول، وهو المفتي، وهو الإمام، وهو الحاكم؛ ولكلِّ صفة منها خصائص استنباطية؛ وعليه فلا بد من مراعاة معرفة نوع التصرف النبوي الذي يراد الاستنباط منه .

وقد نصّ عدد من العلماء –كالقرافي- على أنَّ هذه التصرفات :

منها :
ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعاً، كإبلاغ الصلوات، وإقامتها، وإقامة مناسك الحج .

ومنها : ما يُجمع النَّاس على أنَّه بالقضاء ،كإلزام أداء الديون، وتسليم السلع، وفسخ الأنكحة .

ومنها :
ما يُجمع النَّاس على أنَّه بالإمامة ، كإقطاع الأراضي، وإقامة الحدود، وإرسال الجيوش .

ومنها :
ما يختلف العلماء فيه ، كإحياء الموات، والنهي عن ادّخار لحوم الأضاحي . فمن الأحاديث النبوية الشريفة التي صنّفها عدد من العلماء، ضمن تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم التي صدرت منه بصفته إماماً للمسلمين وحاكماً إدارياً لعاصمة الحكومة النبوية : ما ثبت عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (دفَّ أهلُ أبياتٍ من البادية حضْرَة الأَضْحَى، زمن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (( ادَّخِروا ثلاثا ، ثمّ تصدّقوا بما بقي )) . فلما كان بعد ذلك قالوا : يا رسول الله ! إنَّ النَّاس يتخذون الأسقيةَ من ضحاياهم ويَجْمِلُون منها الودك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وما ذاك ؟)) قالوا : نَهيْتَ أن تؤكل لحومُ الضَّحايا بعد ثلاثٍ . فقال : (( إنَّما نهيتكم من أجل الدَّافَّة التي دَفَّتْ ؛ فكُلُوا وادّخِروا وتصدّقوا)) رواه مسلم.

ففي هذا الحديث ظنّ بعض الصحابة رضي الله عنهم أنَّ نهي النبي صلى الله عليه وسلم في عامٍ سابق، عن ادّخار لحوم الأضاحي كان حكماً عاماً دائماً، فبيّن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه إنّما نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في ذلك العام، لعلّة كانت موجودة حين النهي، وهي: وصول (الدافّة)، أي : مجموعة من النازحين من ضعفاء أهل البادية، للمدينة طلباً للمواساة؛ بخلاف الحال التي لم يكن فيه دافّة .

وممن أشار إلى هذا الفقه في هذا الحديث من علماء الإسلام: الإمامُ الشافعي رحمه الله إذ قال في الرسالة: "فإذا دفّت الدافّةُ ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، وإذا لم تدفّ دافّة فالرخصة ثابتةٌ بالأكل والتزوّد والادّخار والصَّدقة".

وقال القرطبي في شرح صحيح مسلم: "((إنَّما نهيتكم من أجل الدَّافَّة)) نصٌّ منه صلى الله عليه وسلم على أنّ ذلك المنع كان لعلّة، ولمّا ارتفعت ارتفع المنع المتقدّم، ولو عادت لعاد الحكم بالمنع مرّة أخرى؛ ولم يكن ذلك نسخاً لحكم المنع، وإلا لم يحكم به أبداً " .

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : " والذي أراه راجحاً عندي : أنَّ النهي عن الادخار بعد ثلاث إنّما كان من النبي صلى الله عليه وسلم، لمعنى دفّ الدافّة، وأنَّه تصرّف منه -صلى الله عليه وسلم- على سبيل تصرّف الإمام والحاكم، فيما يَنظر فيه لمصلحة النّاس، وليس على سبيل التشريع في الأمر العامّ، بل يؤخذ منه : أنَّ للحاكم أن يأمر وينهى في مثل هذا، ويكون أمره واجب الطاعة، لا يسع أحداً مخالفته، وآية ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبروه عمّا نابَهم من المشقّة في هذا سألهم : (( وما ذاك ؟)) ، فلمّا أخبروه عن نهيه أبَان لهم عن علته وسببه، فلو كان هذا تشريعاً عامّاً لَذَكَر لهم أنَّه كان ثمّ نُسِخَ ، أمَّا وقد أبان لهم عن العلّة في النهي، فإنَّه قَصَدَ إلى تعليمهم أنَّ مثلَ هذا يدور مع المصلحة التي يراها الإمام، وأنَّ طاعته فيها واجبة .

ومن هنا نعلم أنَّ الأمر فيه على الفرض لا على الاختيار، وإنَّما هو فرضٌ محدّد بوقتٍ أو بمعنىً خاصٍّ، لا يتجاوز به ما يراه الإمامُ من المصلحة .

وهذا معنى بديع دقيق، يحتاج إلى تأمّل، وبُعد نظر، وسَعَةِ اطلاع على الكتّاب والسنّة ومعانيهما، وتطبيقه في كثير من المسائل عسير إلا على من هدى الله
" أهـ.

ومن هنا ، يمكن القول :
إنَّ هذا النهي النبوي تصرفٌ ولائي يمكن وصفه بالقرار الإداري النبوي الذي يتضمن حكماً شرعياً يرتبط بعلّة متى وُجِدت وُجد الحكم، ومتى انتفت انتفى الحكم .

وهنا أنبّه إلى أنَّ من المتقرّر في قـواعد الشريعة عند أهل العلم الراسخين
: أنَّ كلّ ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، فهو بيان للحكم الشرعي ؛ إلا ما استثناه الدليل، كالأفعال الجبلية مثلا .

ثمّ إنَّ ما يصدر من النبي صلى الله على وسلّم على بياناً للحكم الشرعي ، منه ما هو تشريع لعموم الأمّة، ومنه ما هو تشريع للأولي الأمر من الأمراء والقضاة ليقتدوا به فيه ..

---------------------------------
المصدر : http://www.al-madina.com/node/408712/risala


 
إنضم
27 سبتمبر 2012
المشاركات
332
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
رأس العين
المذهب الفقهي
المالكي
رد: السياسة الشرعية في ادّخار لحوم الأضاحي

بحث جميل ولفتة مبدعة في عنونة البحث ولعله باب خير فتح بهذا العنوان لدراسة تطبيقات السياسة الشرعية في السنة النبوية . وجزاكم الله خيراً.
 
أعلى