العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
كتاب الطهارة
قال الله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً } يشترط لرفع الحدث والنجس ماء مطلق : وهو ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد ؛ فالمتغير بمستغنى عنه كزعفران تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء غير طهور ؛ ولا يضر تغير لا يمنع الاسم ولا متغير بمكث وطين وطحلب وما في مقره وممره ؛ وكذا متغير بمجاور كعود ودهن أو بتراب طرح فيه في الأظهر .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
الْكِتَابَ لُغَةً مَعْنَاهُ : الضَّمُّ وَالْجَمْعُ . يُقَالُ : كَتَبْت كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : تَكَتَّبَتْ بَنُو فُلَانٍ إذَا اجْتَمَعُوا ؛ وَكَتَبَ إذَا خَطَّ بِالْقَلَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ . وَاصْطِلَاحًا : اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ .
وَالطَّهَارَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ : اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ ، وَبِالْكَسْرِ : اسْمٌ لِمَا يُضَافُ إلَى الْمَاءِ مِنْ سِدْرٍ وَنَحْوِهِ ، وَبِالْفَتْحِ الْمُرَادُ هُنَا لُغَةً : النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالنَّجَاسَاتِ ، أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ مِنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالزِّنَا وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهَا ، فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا – أي : في الأدناس الحسية والمعنوية - ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقِيلَ : مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا ، وَقِيلَ : مُشْتَرَكَةٌ ، وَعَطْفُ الْخُلُوصِ تَفْسِيرٌ . وَعُرْفًا : زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ . قَالَهُ الْقَاضِي .

أَوْ : صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ . قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ ، وَأَشَارَ بِالْأَوَّلِ لِلثَّوْبِ ، وَبِالثَّانِي لِلْمَكَانِ ، وَبِالثَّالِثِ لِلشَّخْصِ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَوْ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ الْمَيِّتَ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُمْ بِالْغُسْلِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَنَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعِبَادَةٍ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ بِمُنَاكَحَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ ، وَأَهَمُّهَا الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالدِّينِ ، ثُمَّ الْمُعَامَلَةُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا ، ثُمَّ الْمُنَاكَحَةُ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ ، ثُمَّ الْجِنَايَةُ لِأَنَّهَا غَالِبًا إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ ، فَرَتَّبُوهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَرَتَّبُوا الْعِبَادَةَ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِ خَبَرِ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إلَخْ . رواه البخاري ومسلم . وَاخْتَارُوا رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ ، لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَوْرِيٌّ وَيَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ وَإِفْرَادُ مَنْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِهَا الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ » رواه الترمذي ؛ وقال : هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ .
وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَقُدِّمَ وَضْعًا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا .
مسألة :

أقسام المياه :

المياه على أربعة أقسام :

1 – القسم الأول : طَاهِر في نفسه مطهر لغيره غير مَكْرُوه استعماله وَهُوَ المَاء الْمُطلق .

2 – القسم الثاني : طَاهِر في نفسه مطهر لغيره مَكْرُوه استعماله وَهُوَ المَاء المشمس .

3 – القسم الثالث : طَاهِر في نفسه غير مطهر لغيره وَهُوَ نوعان :

أ – النوع الأول : المتغير بِمَا خالطه من الطاهرات .

ب - النوع الثاني : الماء المستعمل .

4 – القسم الرابع : الماء المتنجس .

وسنفصل القول في هذه الأقسام إن شاء الله تعالى .
مسألة :

معنى الماء المطلق :

اخْتلف فِي حَد الماء المطلق :
1فَقيل : هُوَ العاري عَن الْقُيُود وَالْإِضَافَة اللَّازِمَة وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة وَالْمُحَرر وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي . فَقَوله : عَن الْقُيُود خرج بِهِ مثل قَوْله تَعَالَى { من مَاء مهين } { من مَاء دافق } وَقَوله : الْإِضَافَة اللَّازِمَة . خرج بِهِ مثل مَاء الْورْد وَنَحْوه . وَاحْترز بِالْإِضَافَة اللازمة عن الْإِضَافَة غير اللَّازِمَة كَمَاء النَّهر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا تخرجه هَذِه الْإِضَافَة عَن كَونه يرفع الْحَدث ويزيل النَّجس لبَقَاء الْإِطْلَاق عَلَيْهِ .

2وَقيل : المَاء الْمُطلق هُوَ الْبَاقِي على وصف خلقته .

3 - وَقيل : مَا يُسمى مَاء .
وَسمي مُطلقًا ؛ لِأَن المَاء إِذا أطلق انْصَرف إِلَيْهِ . وَهَذَا مَا ذكره ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي شرح الْمُهَذّب .

مسألة :
تباح الطهارة بِكُلِّ مَاءٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ الَّتِي ذَكَرناهَا ، عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ ، وَالْعُذُوبَةِ وَالْمُلُوحَةِ ، نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، أَوْ نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَدِيرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
الأدلة :
1 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [الأنفال: 11]

2 - قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } [الفرقان: 48]

3 - قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ »

4 – قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»

وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْهُ . هُوَ نَارٌ . وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .

وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لما يلي :

1 - قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } [النساء: 43] وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ .

2 - رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا ، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ » أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

3 - رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ "

4 – إنه مَاءٌ بَاقٍ عَلَى أَصِلْ خِلْقَتِهِ، فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْعَذْبِ .

وَقَوْلُهُمْ: " هُوَ نَارٌ " إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً .

مسألة :
اشتراط الماء المطلق في رفع الحدث ؛ ولايجوز بالنبيذ ؛ وغيره من المائعات :

1 - ذهب الحنفية – على المعتمد عندهم – والشافعية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة . إلى عدم جواز رفع الحدث إلا بالماء المطلق .

الأدلة :
أ – قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماء فتيمموا ) فَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِغَيْرِهِ .

ب – قوله صلى الله عليه وسلم : « الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

2 – روي فِي النَّبِيذِ عَنْ الْإِمَامِ أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ :

الْأُولَى : أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ التَّيَمُّمَ . وَهِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ .

الثَّانِيَةُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَسُؤْرِ الْحِمَارِ ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ .

وَالثَّالِثَةُ : التَّيَمُّمُ فَقَطْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عند الحنفية .

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالْأَوْزَاعِيُّ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : النَّبِيذُ وَضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِد الْمَاءَ . وَقَالَ إِسْحَاقُ : النَّبِيذُ حُلْوًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّيَمُّمِ ، وَجَمْعُهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ .
استدلال القائلين بهذا القول :
استدلوا بما رَوَى « ابْنُ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ ، فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَقَالَ: أَمَعَكَ وَضُوءٌ ؟ فَقَالَ: لَا ، مَعِي إدَاوَةٌ فِيهَا نَبِيذٌ . فَقَالَ : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» .
رد الجمهور على هذا الاستدلال :
أجاب الجمهور على هذا الدليل بقولهم : هذا الحديث لَا يَثْبُتُ ، وَرَاوِيهِ أَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ سُئِلَ : هَلْ كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ فَقَالَ : مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد . وَرَوَى مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : لَمْ أَكُنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَوَدِدْت أَنِّي كُنْت مَعَهُ .
قال ابن قدامة في المغني : فَأَمَّا غَيْرُ النَّبِيذِ مِنْ الْمَائِعَاتِ ، غَيْرِ الْمَاءِ ، كَالْخَلِّ، وَالدُّهْنِ ، وَالْمَرَقِ ، وَاللَّبَنِ ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِيمَا نَعْلَمُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهَا وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ الطَّهُورِيَّةَ لِلْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [الأنفال: 11] ، وَهَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ .

مسألة :
هل يشترط الماء المطلق في إزالة النجاسة ؟
قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
1القول الأول : يشترط الماء المطلق في إزالة النجاسة . وهو مذهب الجمهور من الشافعية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة .
أدلة الجمهور :
أ - عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ : سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ »

ب - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - « أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .

ج – إنها طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ ، فَلَا تَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمَاءِ ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ .

2القول الثاني : يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ لِلْعَيْنِ وَالْأَثَرِ، كَالْخَلِّ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَنَحْوِهِمَا . وهو قول الإمام أبي حنبفة رحمه الله تعالى ؛ وَرُوِيَ عَنْ الإمام أَحْمَدَ رحمه الله تعالى .

أدلة أصحاب القول الثاني :

أ – قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : « إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا »

أَطْلَقَ الْغَسْلَ ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْمَاءِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ .
ب – إنه مَائِعٌ طَاهِرٌ مُزِيلٌ ، فَجَازَتْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ ، كَالْمَاءِ .

رد الجمهور :

رد الجمهور على استدلال أصحاب القول الثاني فقالوا : مُطْلَقُ حَدِيثِهِمْ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِنَا، وَالْمَاءُ يَخْتَصُّ بِتَحْصِيلِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ ، فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى .
 
إنضم
2 سبتمبر 2012
المشاركات
423
الكنية
جلال الدين
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
انواكشوط -- أطار
المذهب الفقهي
مالكي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

لعلكم أخي الكريم ترقمون ما تشرحونه ( ترقيم المسائل)
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

جزاكما الله تعالى خيرا .
أخي محمد ابراهيم صبري لا أعلم كيفية رفعه بصيغةpdf
أخي محمد جلال فكرت بترقيم المسائل وإن شاء الله تعالى سأطبقها .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مسألة رقم ( 17 ) ويحل استعمال كل إناء طاهر إلا ذهبا وفضة فيحرم .
مسألة رقم ( 18 ) وكذا اتخاذه في الأصح .
مسألة رقم ( 19 ) ويحل المموه في الأصح ؛ والنفيس كياقوت في الأظهر.
مسألة رقم ( 20 ) وما ضبب بذهب أو فضة ضبة كبيرة لزينة حرم ؛ أو صغيرة بقدر الحاجة فلا ؛ أو صغيرة لزينة أو كبيرة لحاجة جاز في الأصح.
مسألة رقم ( 21 ) وضبة موضع الاستعمال كغيره في الأصح .
قلت : المذهب تحريم ضبة الذهب مطلقا . والله أعلم .

<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة رقم ( 32 )

يباح استعمال كل إناء طاهر للوضوء وغيره ما لم يكن الإناء مغصوباً ، أو كان من الذهب أو الفضة فيحرم اتخاذه أو استعماله ، فإن توضأ أحد منها فوضوءه صحيح مع الإثم "1" .

مسألة رقم ( 33 )

حكم استعمال واتخاذ أواني الذهب والفضة :
اتفقت المذاهب الأربعة على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب والوضوء ؛ وسائر وجوه الاستعمال "2"

الأدلة :
1 – قول النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ » "3" أخرجه البخاري .
2 – قوله صلى الله عليه وسلم : « الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ » "4" أخرجه مسلم .
3 - عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ : أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ ، وَاتِّبَاعِ الجِنَازَةِ ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الفِضَّةِ ، أَوْ قَالَ : آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ وَالقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإِسْتَبْرَقِ ""5" أخرجه البخاري .
ويقاس غير الأكل والشرب عليهما ؛ لأنه إذا حرم الأكل والشرب – وهما من الضروريات – فمن باب أولى أن يحرم غيرهما .
ويستثنى من حرمة الاستعمال حالة الضرورة كَأَنْ يَحْتَاجَ إلَى جِلَاءِ عَيْنِهِ بِالْمِيلِ فَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ "6" .


مسألة رقم ( 34 )

هل يباح اتخاذ أواني الذهب والفضة ؟
اتخاذ أواني الذهب والفضة ؛ وهو : اقتناؤها من دون استعمال حرام في المعتمد عند الشافعية ؛ وهو مذهب المالكية ؛ والحنابلة "7" .
لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَلَا لِغَيْرِهِمْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ كَآلَةِ الْمَلَاهِي .
ولِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلى الاستعمال "8" .
ومقابل المعتمد عند الشافعية هو جواز اتخاذ آنية الذهب والفضة ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا الِاتِّخَاذِ ، وَلَيْسَ كَآلَةِ الْمَلَاهِي ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا يَدْعُو إلَى اسْتِعْمَالِهَا لِفَقْدِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِخِلَافِ الْأَوَانِي "9" .


مسألة رقم ( 35 )

حكم استعمال الأواني النفيسة غير الذهب والفضة :

يباح استعمال الأواني النفيسة غير الذهب والفضة ؛ كالياقوت والزبرجد ؛ والنحاس ؛ وهو المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول الحنفية ؛ والمعتمد عند المالكية ؛ وبه قال الحنابلة "10" .

الأدلة :
1الدليل الأول : قوله تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه } "11"
فدلت الآية الكريمة على أن الأصل حلُّ جميع ما سُخِّر لبني آدم حتى يدل الدَّليل على التحريم ، ومن ذلك المعادن إذا اتخذت منها الأواني حلّ الإنتفاع بها ما لم ينصَّ الشرع على تحريم شيء منها كالذهب ، والفضة ، فإذاً الأصل في الإناء أنه يباح لك استعماله واتخاذه ولو كان ثمينا .
2الدليل الثاني : مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ: « أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ "12" ، فَتَوَضَّأَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ "13"
3الدليل الثالث : عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ : « كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ » رواه أبو داود" 14" والشبه : الصفر "15"
ومقابل المعتمد عند الشافعية ؛ وقول ضعيف عند المالكية : هو حرمة استعمال النفيس وذلك لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ "16" .

مسألة رقم ( 36 )
حكم الإناء المموه بالذهب أو الفضة :
التمويه : هو طلاء الآنية بماء الذهب أو الفضة ، وما تحته نحاس أو حديد أو غير ذلك "17"
وقد اختلف العلماء في حكمه على أقوال :
1 – القول الأول : ذهب الشافعية في المعتمد عندهم إلى حرمة المطلي بالذهب أو الفضة إذا كان الطلاء كثيرا بِأَنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النار ؛ ويحل إذا كان قليلا بِأَنْ كَانَ لا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النار ؛ وذلك لقلته فكأنه معدوم .
والقول بالحرمة قول الحنابلة أيضا .
2 – القول الثاني : وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى جواز الشُّرْب فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالرُّكُوب عَلَى السَّرْجِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوس عَلَى الْكُرْسِيِّ الْمُفَضَّضِ وَالسَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ إذَا كَانَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضة .
3 – القول الثالث : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُكْرَهُ ذَلِكَ .
4 – القول الرابع : قَوْلُ مُحَمَّدٍ . يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ .
لَهُمَا : أَنَّ مُسْتَعْمِلَ جُزْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ مُسْتَعْمِلَ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُكْرَهُ ، كَمَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : أَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّوَابِعِ فَلَا يُكْرَهُ .
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ ، فَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ .
5 – القول الخامس : وهو للمالكية ؛ واختلفوا على قولين :

فمنهم من قال بالجواز .
ومنهم من قال بالحرمة "18" .

مسألة رقم ( 37 )
حكم الإناء المضبب بضبة ذهب أو فضة :
أصل الضبة : أَنْ يَنْكَسِرَ الْإِنَاءُ فَيُوضَعَ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ نُحَاسٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ غَيْرُهُ لِتَمْسِكَهُ، ثُمَّ تَوَسَّعَ الْفُقَهَاءُ فَأَطْلَقُوهُ عَلَى إلْصَاقِهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْكَسِرْ "19" .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم المضبب بالذهب أو الفضة على أقوال :

1القول الأول : إن ضبة الذهب حرام مطلقا ؛ سواء كانت صغيرة أو كبيرة ؛ لحاجة أو لزينة ؛ وهو المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول أكثر الحنابلة .
قال في المغني : ( وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْيَسِيرُ مِنْ الذَّهَبِ ، وَلَا يُبَاحُ مِنْهُ إلَّا مَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ ، كَأَنْفِ الذَّهَبِ ، وَمَا رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ )
أما ضبة الفضة ؛ ففصل الشافعية ؛ فقالوا : إن كانت ضبة كبيرة لزينة حرم .
أو صغيرة بقدر الحاجة فلا تحرم ولا تكره وذلك للصغر والحاجة .
أو صغيرة لزينة أو كبيرة لحاجة جاز مع الكراهة .
وعند الحنابلة : تباح ضبة الفضة اليسيرة .
وهل تباح ولو من دون حاجة ؟ أم لا تباح إلا مع الحاجة ؟ قولان لهم .
إلا أنهم قالوا : مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُبَاحُ كَالْحَلْقَةِ ، وَمَا لَا يُسْتَعْمَلُ كَالضَّبَّةِ يُبَاحُ .
وسبب تحريم ضبة الذهب مطلقا ؛ والتفصيل في ضبة الفضة هو الحديث الذي رواه أنس « أَنَّ قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ » "20" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
قالوا : فهذا الْحَدِيثَ فِي الْفِضَّةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الفضة جَوَازُ الذهب ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْخَاتَمِ لِلرَّجُلِ مِنْهَا .
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ سَرَفٌ وَلَا خُيَلَاءُ ، فَأَشْبَهَ الضَّبَّةَ مِنْ الصُّفْرِ.
ومعنى الحاجة : غَرَضُ إصْلَاحِ الْكَسْرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عَنْ التَّضْبِيبِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ غَيْرِهِمَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ الَّذِي كُلُّهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَضْلًا عَنْ الْمُضَبَّبِ بِهِ .
وَمَرْجِعُ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْعُرْفُ .
2القول الثاني : إن ضبة الذهب يجري فيها التفصيل في ضبة الفضة لدى أصحاب القول الأول ؛ وهو مقابل المعتمد عند الشافعية .
3القول الثالث : قول أئمة الحنفية ؛ الإمام الأعظم ؛ والقاضي أبي يوسف ومحمد ؛ وهو كالخلاف في المموه .
4القول الرابع : قول المالكية ؛ وهو كالقول في المموه "21" .

مسألة رقم ( 38 )
ضبة موضع الاستعمال كغير موضع الاستعمال في التفصيل المذكور في القول الأول ؛ هذا هو المعتمد عند الشافعية؛ وذلك لأن الاستعمال منسوب إلى الإناء كله .
ومقابل المعتمد : إن كانت الضبة في موضع الاستعمال حرم مطلقا ؛ لأنه يقع به الاستعمال .
وعند الحنابلة : تُكْرَهُ مُبَاشَرَةُ مَوْضِعِ الْفِضَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ ؛ كَيْ لَا يَكُونَ مُسْتَعْمِلًا لَهَا "22" .
___________________________________
1 - الموسوعة الفقهية ؛ إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف ؛ الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net ؛ ج 1 ؛ ص 10 .
2 – بداية المبتدي بهامش الهداية وفتح القدير ؛ ج 10 ؛ ص 5 ؛ ومختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 194 ؛ وزاد المستقنع ؛ ص 10 .
3 – صحيح البخاري ؛ ج 7 ؛ ص 77 ؛ رقم الحديث 5426 .
4 – المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم = صحيح مسلم ؛ المؤلف : مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري ؛ المحقق : محمد فؤاد عبد الباقي ؛ الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت ؛ ج 3 ؛ 1634 ؛ رقم الحديث 2065 .
5 – صحيح البخاري ؛ ج 7 ؛ ص 113 ؛ رقم الحديث 5635 .
6 – الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ؛ ج 1 ؛ ص 157 ؛ وشرح زاد المستقنع للشيخ الشنقيطي ؛ ج 1 ؛ ص 63 .
7 – مختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 198 ؛ و كشاف القناع عن متن الإقناع ؛ المؤلف: منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى ؛ الناشر: دار الكتب العلمية ؛ ج 1 ؛ ص 51 .
8 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 105 ؛ و منح الجليل شرح مختصر خليل ؛ المؤلف: محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي ؛ الناشر: دار الفكر – بيروت ؛ الطبعة: بدون طبعة ؛ تاريخ النشر: 1409هـ/1989م ؛ ج 1 ؛ ص 58
9 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 105 .
10 – تحفة المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 49 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 106 ؛ وشرح المحلي على المنهاج ؛ ج 1 ؛ ص 42 ؛ و بداية المبتدي بهامش الهداية وفتح القدير ؛ ؛ ج 10 ؛ ص 6 ؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 64 ؛ وزاد المستقنع ؛ ص 10 .
11 – الجاثية ، آية : 13.
12 – الصفر هو : النحاس .
13 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 50 ؛ رقم الحديث : 197 ؛ ولم أجده في صحيح مسلم .
14 - سنن أبي داود ؛ المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (المتوفى: 275هـ) ؛ المحقق: محمد محيي الدين عبدالحميد ؛ الناشر: المكتبة العصرية ، صيدا – بيروت ؛ ج 1 ؛ ص 24 ؛ رقم الحديث : 98 .
15 - شرح سنن أبي داود ؛ المؤلف : أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ) ؛ المحقق : أبو المنذر خالد بن إبراهيم المصري ؛ الناشر: مكتبة الرشد – الرياض ؛ الطبعة : الأولى، 1420 هـ -1999 م ؛ ج 1 ؛ ص 268 . وانظر : شرح زاد المستقنع للشنقيطي ؛ ج 1 ؛ ص 62 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 111 .
16 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 106 ؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 64 .
17 – الموسوعة الفقهية الكويتية ؛ ج 1 ؛ 119 .
18 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 104 و 105 ؛ وبداية المبتدي مع الهداية بهامش فتح القدير ؛ ج 1 ؛ ص 7 ؛ ومتن الإقناع مع شرحه " كشاف القناع " ج 1 ؛ ص ؛ ومختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 199 .
19 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 106 و 107 .
20 – صحيح البخاري ؛ ج 4 ؛ ص 83 ؛ رقم الحديث 3109 .
21 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 107 و 108 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 109 و 110 ؛ ومختصر خليل ج 1 ؛ 199 .
22 – النجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ ص 261 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 107 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 110 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

باب
أسباب الحدث

مسألة رقم ( 22 ) هي أربعة :
أحدها : خروج شيء من قبله أو دبره إلا المنى .

مسألة رقم ( 23 ) ولو انسد مخرجه وانفتح تحت معدته فخرج المعتاد نقض وكذا نادر كدود في الأظهر أو فوقها وهو منسد أو تحتها وهو منفتح فلا في الأظهر .
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
مسألة رقم ( 39 )
المراد بأسباب الحدث :
المراد بأسباب الحدث هو نواقض الوضوء ؛ والنواقض جمع ناقضة وناقض، والنقض: إذا أضيف إلى الأجسام ؛ كنقض الحائط : يراد به إبطال تأليفها. وإذا أضيف إلى المعاني ؛ كالوضوء : يراد به إخراجها عن إقامة المطلوب بها .
والمعنى الثاني هو المراد هنا ، فمعنى ناقض الوضوء : إخراج الوضوء عن إفادة المقصود منه ، كاستباحة الصلاة بالوضوء "1" .
قلت : نواقض الوضوء ؛ وأسباب الحدث ؛ ومبطلات الوضوء ؛ والأحداث : تراجم لمعنى واحد ؛ وهو الذي ذكرناه قبل قليل ؛ وهو : إخراج الوضوء عن إفادة المقصود منه .

مسألة رقم ( 40 )
ما خرج من أحد السبيلين :
هذا هو الناقض الأول من نواقض الوضوء ؛ وهو : ما خرج من أحد السبيلين ؛ ونستطيع أن نقسم الخارج من أحد السبيلين على قسمين :
القسم الأول : الخارج المعتاد ؛ وهو : البول والغائط ؛ والريح ؛ والمذي؛ والودي ؛ والمني .
القسم الثاني : الخارج غير المعتاد ؛ كالدم ؛ والحصى ؛ وغير ذلك .
أما القسم الأول ؛ وهو : الخارج المعتاد ؛ فقد اتفق الشافعية ؛ والحنفية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة على أنه ناقض للوضوء "2" .
الأدلة :
1 – قوله تعالى : ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) "3" ؛ كناية عن الحدث من بول أو غائط .
2 - قوله صلّى الله عليه وسلم : « لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ، فقال رجل من أهل حضرموت : ما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال : فُسَاء أو ضراط » رواه البخاري ومسلم "4 " .
3 - قوله عليه الصلاة والسلام : « لا وضوء إلا من صوت أو ريح » رواه الترمذي ؛ وابن ماجة ؛ وقال عنه الترمذي : حديث حسن صحيح "5" .
4 - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ: « فِيهِ الوُضُوءُ » رواه البخاري ومسلم . "6"
وَيُقَاس بِمَا فِي الْآيَة وَالْأَخْبَار كل خَارج مِمَّا ذكرنا "7" .
واستثنى الشافعية ( المني ) لأنه أوجب أعظم الأمرين بخصوصه ؛ فلا يوجب أدونهما بعمومه .
أي : بخصوص كونه منيا ؛ وبعموم كونه خارجا .
كَزِنَا الْمُحْصَنِ لِمَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا .
والمراد : مَنِيَّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجَ مِنْهُ أَوَّلًا ؛ أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ أَوْ مَنِيُّهُ إذَا عَادَ فَيَنْتَقِضُ خُرُوجُهُ "8" .
وأما القسم الثاني : وهو الخارج الغير معتاد ؛ فقد ذهب الشافعية ؛ والحنفية ؛ والحنابلة إلى أنه ناقض للوضوء .
الأدلة :
1 - حَدِيثِ « فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ "9" .
فَأَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَدَمُهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ. وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ . أَشْبَهَ الْمُعْتَادَ .
2 - عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ أَوْ رِيحٍ » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وذهب المالكية إلى عدم نقض الوضوء بالخارج غير المعتاد مثل : الدم ؛ والقيح ؛ والحصى ؛ والدود ؛ لأن قول الله تعالى : ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) خطاب عام وقد خصصه المالكية بالخارج المعتاد ؛ لأن خطاب الله تعالى يحمل على الغالب المعتاد "10" .

مسألة رقم ( 41 )
الخارج من غير السبيلين :
الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لاَ يُعْتَبَرُ حَدَثًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ نَجِسًا على قولين :
1 – القول الأول : إن النجس الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء ؛ وهو قول الشافعية والمالكية .
الأدلة :
1 - مَا رَوَى أَبُو دَاوُدُ عَنْ جَابِرٍ قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ - فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لاَ أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلاً، فَقَال: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا "11" ؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الأْنْصَارِ، فَقَال: كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ قَال: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلاَنِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الأْنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُل، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ "12" لِلْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا "13" بِهِ هَرَبَ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأْنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ: قَال: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَلاَ أَنْبَهْتنِي أَوَّل مَا رَمَى؟ قَال: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا "14" .
2 - مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ "15" .
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا خَرَجَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إِنِ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ "16" ؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
2 – القول الثاني : إن النجس الخارج من غير السبيلين ناقض للوضوء ؛ كالقيء ؛ والدم ؛ ونحو ذلك ؛ وهو قول الحنفية ؛ والحنابلة .
قال الحنفية : خُرُوجُ النَّجَسِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْحَيِّ ، يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ كَيْفَمَا كَانَ عِنْدَنَا ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَيَّدَوا بِالْخُرُوجِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ نَاقِضَةٍ مَا لَمْ تُوصَفْ بِالْخُرُوجِ وَإِلَّا لَمَا حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ لِشَخْصٍ مَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنِ بَدَنُ الْحَيِّ كَمَا ذَكَرْنَا ، فَإِنَّهَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ بَعْدَ غُسْلِهِ لَا تُوجِبُ إعَادَةَ غُسْلِهِ بَلْ تُوجِبُ غَسْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَشَرْطُ التَّجَاوُزِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ احْتِرَازًا عَمَّا يَبْدُو وَلَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى خَارِجًا، فَكَانَ تَفْسِيرًا لِلْخُرُوجِ وَرَدًّا لِمَا ظَنَّ زُفَرُ أَنَّ الْبَادِيَ خَارِجٌ حَتَّى أَوْرَدَ مَا لَمْ يَسِلْ نَقْضًا عَلَى قَوْلِنَا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ .
وشرطوا الخروج إلى موضع يلحقه حكم التطهير ؛ أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمٌ هُوَ التَّطْهِيرُ، وَالْمُرَادُ : أَنْ يَجِبَ تَطْهِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ ، بِخِلَافِ الْبَوْلِ إذَا نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ هُنَاكَ لَمْ تَصِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَفِي الْأَنْفِ وَصَلَتْ إلَى ذَلِكَ إذْ الِاسْتِنْشَاقُ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ .
وشرط الحنابلة أن يكون خروج النجس فاحشا ؛ أي : كثيرا ؛ والفاحش : مَا يَسْتَفْحِشُهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ . لَا مَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ » وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ حَرَجٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا "17" .
أدلة أصحاب القول الثاني :
1 - قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْوُضُوءُ مِنْ كُل دَمٍ سَائِلٍ )
أخرجه الدار قطني عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: قَالَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ »
قال : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَلَا رَآهُ , وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ , وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولَانِ "18"
2 - قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ( مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ ) أخرجه ابن ماجة "19"
3 – إن الدَّمَ وَنَحْوَهُ نَجَاسَةٌ خَارِجَةٌ مِنَ الْبَدَنِ فَأَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ .
وَوَجْهُ مَا اشْتَرَطَهُ الْحَنَابِلَةُ مِنَ الْكَثْرَةِ فِي غَيْرِ الْغَائِطِ وَالْبَوْل أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَال فِي الدَّمِ : إِذَا كَانَ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الإْعَادَةُ .
وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ دَمٌ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ "20" .

مسألة رقم ( 42 )
الخارج من ثقبة تحت المعدة أو فوقها :
هذه المسألة لها صور :
1 – الصورة الأولى : الخارج من ثقبة تحت المعدة ؛ والمخرجان الأصليان منسدان؛ ففي هذه الصورة اتفق الشافعية والمالكية على أن ما يخرج يعتبر ناقضا للوضوء ؛ سواء خرج المعتاد أو النادر في المعتمد عند الشافعية ؛ لأنه لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ فَأُقِيمَ هَذَا مَقَامَهُ .
ومقابل المعتمد عند الشافعية : لا ينقض النادر ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي خُرُوجِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ .
2 – الصورة الثانية : الخارج من ثقبة تحت المعدة ؛ وأحد المخرجين منسد ؛ والآخر مفتوح .
فالمعتمد عند الشافعية النقض .
ومقابل المعتمد : قول الصميري : لَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْبَاقِي لَا غَيْرُ .
وللمالكية قولان .
3 - الصورة الثالثة : الخارج من ثقبة فوق المعدة أو منها أو محاذيها ؛ والأصلي منسد ؛ فالمعتمد عند الشافعية عدم النقض ؛ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ مُحَاذِيهَا لَا يَكُونُ مِمَّا أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ فَهُوَ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ .
ومقابل المعتمد : ينقض ؛ إذ لا بد من مخرج .
وللمالكية قولان .
4 - الصورة الرابعة : الخارج من ثقبة تحت المعدة ؛ والأصلي منفتح ؛ فالمعتمد عند الشافعية عدم النقض ؛ لأنه لَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِ الْحَادِثِ مَخْرَجًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ .
ومقابل المعتمد : ينقض ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّ الْخُرُوجِ تَحَوَّلَ مَخْرَجُهُ إلَى مَا ذُكِرَ .
وللمالكية قولان "21" .
___________________________________
1 – الفقه الإسلامي وأدلته ؛ ج 1 ؛ ص 418 .
2 – تنوير الأبصار ؛ ج 1 ؛ ص 260 ؛ ومختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 298 ؛ و منتهى الإرادات بهامش دقائق أولي النهى ؛ الناشر: عالم الكتب ؛ الطبعة: الأولى، 1414هـ - 1993م ؛ ج 1 ؛ ص 69 .
3 - المائدة: 6 / 5 .
4 – صحيح البخاري ؛ ج 9 ؛ ص 23 ؛ رقم الحديث : 6954 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 204 ؛ رقم الحديث : 225 .
5 – سنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 130 ؛ رقم الحديث : 74 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 172 ؛ رقم الحديث : 515 .
6 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ 38 ؛ رقم الحديث : 132 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 247؛ رقم الحديث : 303 ؛ بلفظ : عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: « يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ »
7 – الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ؛ ج 1 ؛ ص 220 .
8 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 114 .
9 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 75 ؛ رقم الحديث : 286 ؛ و سنن الدارقطني ؛
المؤلف : أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني (المتوفى: 385هـ) ؛ حققه وضبط نصه وعلق عليه: شعيب الارنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم ؛ الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م .
10 - دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات ؛ المؤلف: منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفى: 1051هـ) ؛ الناشر: عالم الكتب ؛ الطبعة: الأولى، 1414هـ - 1993م ؛ ج 1 ؛ 69 ؛ والفقه المالكي وأدلته ؛ الحبيب بن طاهر ؛ دار ابن حزم ؛ الطبعة الأولى ؛ 1418ه ؛ 1998م ؛ ج 1 ؛ ص 89 .
11 - يكلؤنا ؛ أي : يحرسنا .
12 - ربيئة القوم هو الرقيب الذي يشرف على المرقب ينظر العدو من أي جهة يأتي فينذر أصحابه .
13 – أي : شعروا وعلوا بمكانه .
14 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 50 ؛ رقم الحديث : 198 .
15 - هذا الحديث غريب لا ذكر له في كتب الحديث . قاله العيني .
16 - الموسوعة الكويتية ؛ ج 17 ؛ ص 114 .
17 – العناية شرح الهداية ؛ ج 1 ؛ ص 38 و 39 ؛ ودقائق أولي النهى ؛ ج 1 ؛ ص 70 ؛ وانظر : الموسوعة الفقهية الكويتية ؛ ج 17 ؛ ص 113 .
18 – سنن الدار قطني ؛ ج 1 ؛ 287 ؛ رقم الحديث : 581 .
19 – سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 385 ؛ رقم الحديث : 1221 .
20 – الموسوعة الكويتية ؛ ج 17 ؛ ص 113 .
21 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 115 ؛ وشرح المحلي على المنهاج ؛ ج 1 ؛ ص 45 ؛ ومختصر خليل مع الشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 118 .
 

محمد إبراهيم صبري

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 يوليو 2011
المشاركات
125
الكنية
ابو إبراهيم
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
القدس
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

جزاكم الله خيراً وبارك فيكم
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

وفيكم بارك الله .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مسألة رقم ( 24 )
والثاني : زوال العقل إلا نوم ممكن مقعده .
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
مسألة رقم ( 43 )
زوال العقل بالسكر ؛ والنوم وغير ذلك :
ذهب الشافعية ؛ والحنفية ؛ والمالكية ؛ والحنابلة إلى أن السكر ؛ والجنون والإغماء تنقض الوضوء سواء كانت يسيرة أو كثيرة ؛ طويلة أو قصيرة "1"
الأدلة :
1 – قوله صلى الله عليه وسلم : ( الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ ) رواه أبو داود ؛ وابن ماجة "2"
والسه : الدبر .
والوكاء : الخيط الذي يربط به الشيء .
وَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّ الْيَقِظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ، وَلَا يَشْعُرُ بِهِ .
وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ "3" أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْخَبَرُ.
2 - إنَّ هَؤُلَاءِ حِسُّهُمْ أَبْعَدُ مِنْ حِسِّ النَّائِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَبِهُونَ بِالِانْتِبَاهِ ، فَفِي إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَى النَّائِمِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِهِ بِمَا هُوَ آكَدُ مِنْهُ "4" .

مسألة رقم ( 44 )
انتقاض الوضوء بالنوم :
1 – قال الشافعية : ينظر في النوم :
أ - فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَوْ مُكِبٌّ أَوْ مُتَّكِئٌ انْتَقَضَ وضوءه ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ )
ب - وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَمَحَلُّ الْحَدَثِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَرْضِ ؛ فلا ينتقض وضوءه ؛ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ .
وَلِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ . رواه مسلم "5" .
وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ .
ج - إِنْ نَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ ؛ فالمعتمد النقض وهو القول الجديد ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ )
وَلِأَنَّهُ نَامَ زَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ فَأَشْبَهَ الْمُضْطَجِعَ "6" .
2 – وقال الحنفية : النوم الناقض للوضوء : هو النوم الذي يزيل القوة الماسكة بِحَيْثُ تَزُولُ مَقْعَدَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ ، وَهُوَ النَّوْمُ عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ أَوْ وِرْكَيْهِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ وَجْهِهِ ؛ وذلك لا سترخاء المفاصل فلا يخلو من خروج شيء في العادة .
بِخِلَافِ النَّوْمِ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ؛ لقَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - « لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا ، فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ » "7" "8"
3 – وقال المالكية : النوم على أربعة أقسام :
القسم الأول : طويل ثقيل { ينقض الوضوء }
القسم الثاني : قصير ثقيل { ينقض الوضوء أيضا }
القسم الثالث : قصير خفيف { لا ينقض الوضوء }
القسم الرابع : طويل خفيف { يستحب منه الوضوء }
ولا عبرة عند المالكية بصفة النائم من كونه جالسا أو مستندا أو مضطجعا بل العبرة عندهم بصفة النوم كما تقدم ؛ فإذا ثقل النوم حتى لا يشعر صاحبه بمن يأتي ومن يذهب نقض وضوءه على كل حال .
الأدلة على أن النوم الخفيف لا ينقض الوضوء :
أ – عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها – أي : صلاة العشاء – ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقضنا ثم رقدنا ثم خرج علينا فقال : ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم .
أخرجه البخاري "9" .
وجه الاستدلال : أنهم لم يعيدوا الوضوء لأن نومهم كان خفيفا لا يوجب إعادة الوضوء .
ب – عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان ينام جالسا ثم يصلي ولا يتوضأ .
أخرجه الإمام مالك "10" .
وجه الاستدلال : أن نومه مان يسيرا يعلم منه أنه أنه لم ينتقل عن مستوى جلوسه "11" .
4 – وقال الحنابلة : النَّوْمُ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ :
أ - نَوْمُ الْمُضْطَجِعِ ، فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَسِيرُهُ وَكَثِيرُهُ .
ب - نَوْمُ الْقَاعِدِ ، إنْ كَانَ كَثِيرًا نَقَضَ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَنْقُضْ .
واستدلوا : بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ )
وعموم قول صفوان بن عسال : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ.
أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح "12" .
وإنما خصصوا عموم هذين الحديثين باليسير لحديث أنس : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ .
وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ كَثْرَةٍ وَلَا قِلَّةٍ فَإِنَّ النَّائِمَ يَخْفِقُ رَأْسُهُ مِنْ يَسِيرِ النَّوْمِ، فَهُوَ يَقِينٌ فِي الْيَسِيرِ، فَيُعْمَلُ بِهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَا يُتْرَكُ لَهُ الْعُمُومُ الْمُتَيَقَّنُ ؛ وَلِأَنَّ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ يُعَلَّلُ بِإِفْضَائِهِ إلَى الْحَدَثِ وَمَعَ الْكَثْرَةِ وَالْغَلَبَةِ يُفْضِي إلَيْهِ ، وَلَا يُحِسُّ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَثِيرِ عَلَى الْيَسِيرِ، لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْحَدَثِ .
ج - مَا عَدَا هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ :
إحْدَاهُمَا : يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي تَخْصِيصِهِ مِنْ عُمُومِ أَحَادِيثِ النَّقْضِ نَصٌّ ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ ، لِكَوْنِ الْقَاعِدِ مُتَحَفِّظًا ، لِاعْتِمَادِهِ بِمَحَلِّ الْحَدَثِ إلَى الْأَرْضِ ، وَالرَّاكِعُ وَالسَّاجِدُ يَنْفَرِجُ مَحَلُّ الْحَدَثِ مِنْهُمَا .
الثانية : لا ينقض إلا إذا كثر .
وهل للنوم الكثير حد ؟ اختلفوا في ذلك .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : وَالصَّحِيحُ : أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ إنَّمَا يُعْلَمُ بِتَوْقِيفٍ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا ، فَمَتَى وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ، مِثْلُ سُقُوطِ الْمُتَمَكِّنِ وَغَيْرِهِ، انْتَقَضَ وُضُوءُهُ .
وَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَتِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مُتَيَقِّنَةٌ ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ "13"

والله تعالى أعلم .
_____________________________
1 – بداية المبتدي ؛ ج 1 ؛ ص 50 ؛ ومختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 303 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 256 .
2 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 52 ؛ رقم الحديث : 203 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 161 ؛ رقم الحديث : 477 .
3 – وهو السكر والجنون والإغماء .
4 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 116 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 256 .
5 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 284 ؛ رقم الحديث : 376 .
6 – المهذب بهامش المجموع ؛ ج 2 ؛ ص 13 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 117 .
7 – أخرجه أبو داود بلفظ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ وَيَنْفُخُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ، فَقَالَ: « إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا »، زَادَ عُثْمَانُ، وَهَنَّادٌ: فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَوْلُهُ: « الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا » هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ وَرَوَى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا .
8 – الدر المختار ؛ ج 1 ؛ ص 270 و 271 ؛ وبداية المبتدي مع الهداية ؛ ج 1 ؛ ص 48 ؛ و 49 .
9 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 118 ؛ رقم الحديث : 570 .
10 - موطأ الإمام مالك ؛ المؤلف: مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (المتوفى: 179هـ) ؛ صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي ؛ الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان ؛ عام النشر: 1406 هـ - 1985 م ؛ ج 1 ؛ ص 22 .
11 – أسهل المدارك ؛ ج 1 ؛ ص 62 ؛ والفقه المالكي وأدلته ؛ ج 1 ؛ ص 91 و 92 .
12 – سنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 156 ؛ رقم الحديث : 96 .
13 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 257 و 258 و 259 و 262 و 263 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

مسألة رقم ( 25 )
الثالث : التقاء بشرتي الرجل والمرأة إلا محرما في الأظهر .
مسألة رقم ( 26 )
والملموس كلامس في الأظهر .
مسألة رقم ( 27 )
ولا تنقض صغيرة .
مسألة رقم ( 28 )
وشعر وسن وظفر في الأصح .
______________________________________________

مسألة رقم ( 45 )
التقاء بشرتي الرجل والمرأة :
1 - ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن لمس الرجل المرأة ناقض للوضوء؛ فهذا الحد متفق عليه عندهم ؛ واختلفوا بعد ذلك في جملة من المسائل كما ستعرف إن شاء الله تعالى "1" .

الدليل على انتقاض الوضوء بلمس الرجل المرأة :
استدل الجمهور على أن لمس الرجل المرأة ناقض للوضوء بقَوْله تَعَالَى : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمِ النِّسَاءَ } "2" أَيْ : لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ ، فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الأْمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ ، فَدَل عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ كَالْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ .
وَلَيْسَ مَعْنَاهُ ( أَوْ جَامَعْتُمْ ) لأِنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ، إِذْ اللَّمْسُ لاَ يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ بدليل قَوله تَعَالَى: { فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } "3" وَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ . أخرجه البخاري . "4" "5" .
وَاللَّمْسُ : هو الْجَسُّ بِالْيَدِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي صُوَرِ الِالْتِقَاءِ "6" فَأُلْحِقَ بِهِ .
وَالْبَشَرَةُ : مَا لَيْسَ بِشَعْرٍ وَلَا سِنٍّ وَلَا ظُفْرٍ، فَشَمِلَ مَا لَوْ وَضَحَ عَظْمَ الْأُنْثَى وَلَمَسَهُ ؛ أَيْ : فَإِنَّهُ يَنْقُضُ .
وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ : الذَّكَرُ إذْ بَلَغَ حَدًّا يَشْتَهِي ؛ وليس المراد به الْبَالِغ .
والمراد بِالْمَرْأَةِ : الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ حدا تشتهى وليس المراد بها الْبَالِغَة "7" .

مسألة رقم ( 46 )
ما اختلف فيه الجمهور فيما بينهم في كونه ناقضا أو غير ناقض :
أولا :
اللمس بلذة :
قال الشافعية : ينقض الوضوء سواء لمس بلذة أو بغير لذة ؛ بل حتى لو كان ناسيا أو مكرها فإن وضوءه عندهم ينقض ؛ وهو رواية عن الإمام أحمد رحمهم الله تعالى جميعا .
وذلك لعموم قوله تعالى : ( أو لا مستم النساء )
وقال المالكية : ينقض الوضوء إذا لمس بلذة أو وجدها ؛ فإن لمس بلذة انتقض وضوءه ؛ وإن لم يلمس بلذة لكنه وجدها حال اللمس انتقض أيضا ؛ وإن لم يلمس بلذة ولا وجدها حال اللمس لم ينتقض وضوءه .
واستثنوا القبلة في الفم ؛ فهي ناقضة للوضوء بلذة أو بغير لذة ؛ وذلك لأنها مظنة للذة ؛ إلا إذا كانت لوداع أو رحمة فيجري فيها التفصيل المتقدم .
وقال الحنابلة : إن لَمْسَ النِّسَاءِ لِلذة يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يَنْقُضُهُ لِغَيْرِ لذة ؛ وهو المشهور عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
وذلك لِلْجَمْعِ بَيْنَ الآْيَةِ وَبَيْنَ الأْخْبَارِ الَّتِي تَدُل عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ بِمُجَرَّدِ الاِلْتِقَاءِ كَمَا سَيَأْتِي "8" .

ثانيا :
لمس المحرم :
المحرم : مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ – تَعَالَى .
وقد اختلف الجمهور في كون لمسها ناقضا للوضوء على قولين :
1 – القول الأول : إن لمس المحرم غير ناقض للوضوء ؛ وهو المعتمد عند الشافعية ؛ وقول ضعيف عند المالكية .
وذلك لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ .
2 – القول الثاني : إن لمس المحرم ناقض للوضوء ؛ وهو مقابل المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول الحنابلة ؛ وهو المعتمد عند المالكية إن وجد اللذة لا إن قصدها فقط ؛ إلا إذا كان فاسقا فقصده اللذة ناقض أيضا .
قال المالكية : وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَلْتَذَّ بِمَحْرَمِهِ لِدَنَاءَةِ أَخْلَاقِهِ لَا كُلُّ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ .
والدليل على أن لمس المحرم ناقض للوضوء : عُمُومُ النَّصِّ ، وَاللَّمْسُ النَّاقِضُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الشَّهْوَةُ ، وَمَتَى وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمِيعِ "9" .

ثالثا :
انتقاض وضوء الملموس واللامس :
الملموس : هُوَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً .
وقد اختلف العلماء : أينتقض وضوء اللمس والملموس ؟ أم وضوء اللامس فقط ؟
على قولين :
1 – القول الأول : ينتقض وضوء اللامس والملموس ؛ وهو المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول المالكية ؛ وقول للحنابلة .
وذلك لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرَكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ .
2 – القول الثاني : ينتقض وضوء اللامس فقط ؛ وهو مقابل المعتمد عند الشافعية .
وذلك وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى اللَّامِسِ "10" .

رابعا :
هل ينقض لمس الصغيرة ؟
قد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
1 – القول الأول : إن لمس الصغيرة لا ينقض الوضوء ؛ وهو المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول المالكية .
وذلك لانتفاء الشهوة .
2 – القول الثاني : إن لمس الصغيرة ينقض الوضوء ؛ وهو مقابل المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول الحنابلة .
وذلك لعموم النص "11" .

خامسا :
هل ينقض لمس الشعر والسن والظفر ؟
قد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
1 – القول الأول : إن لمس الشعر والسن والظفر غير ناقض للوضوء ؛ وهو المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول الحنابلة .
لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى بِلَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ لِعَدَمِ الِالْتِذَاذِ بِلَمْسِهَا وَإِنْ اُلْتُذَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا.
2 – القول الثاني : إن لمس الشعر والسن والظفر ناقض للوضوء ؛ وهو مقابل المعتمد عند الشافعية ؛ وهو قول المالكية .
نَظَرًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ فِي عُمُومِهَا لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ "12" .

سادسا :
لمس المرأة من وراء حائل :
1 – ذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم نقض الوضوء باللمس من وراء حائل ولو كان رقيقا .
لأَنَّهُ لَمْ يَلْمَسْ جِسْمَ الْمَرْأَةِ ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمَسَ ثِيَابَهَا، وَالشَّهْوَةُ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَكْفِي، كَمَا لَوْ مَسَّ رَجُلًا بِشَهْوَةٍ ، أَوْ وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ مِنْ غَيْرِ لَمْسٍ .
2 – وذهب المالكية إلى نقض الوضوء باللمس من وراء حائل .
وهل المراد بالحائل الخفيف ؛ فإن كان كثيفا لم ينقض الوضوء ؟
قولان مرجحان عندهم .
والخفيف : هُوَ الَّذِي يَحُسُّ اللَّامِسُ فَوْقَهُ بِطَرَاوَةِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ الْكَثِيفِ .
وَيُسْتَثْنَى مَا عَظُمَتْ كَثَافَتُهُ كَاللِّحَافِ فَلَا نَقْضَ بِهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهِرٌ كَالْبِنَاءِ "13" .
2 – وذهب الحنفية إلى عدم نقض الوضوء باللمس ؛ إنما الناقض : هو مُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ بِتَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ وَلَوْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ مَعَ الِانْتِشَارِ لِلْجَانِبَيْنِ الْمُبَاشِرُ وَالْمُبَاشَرُ، وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
الأدلة :
أ - ما نقل عن ابن عباس ترجمان القرآن رضي الله عنهما: أن المراد من اللمس في قوله تعالى : ( أو لا مستم النساء ) هو الجماع .
ب - عَنْ عَائِشَةَ، « أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَخَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ » رواه الترمذي ؛ وابن ماجة
قال الترمذي : وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، قَالُوا: لَيْسَ فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ.
وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ.
وَإِنَّمَا تَرَكَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا لأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ لِحَالِ الإِسْنَادِ.
وسَمِعْت أَبَا بَكْرٍ العَطَّارَ البَصْرِيَّ يَذْكُرُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ هَذَا الحَدِيثَ، وَقَالَ: هُوَ شِبْهُ لاَ شَيْءَ.
وسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ، وقَالَ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وَهَذَا لاَ يَصِحُّ أَيْضًا، وَلاَ نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ سَمَاعًا مِنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا البَابِ شَيْءٌ "14" .
ج – عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا .
رواه البخاري "15"

__________________________________
1 – مختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 304 ؛ وزاد المستقنع ؛ ص 15 .
2 – سورة النساء / 43 .
3 – سورة الأنعام / 7 .
4 – صحيح البخاري ؛ ج 8 ؛ ص 167 ؛ رقم الحديث : 6824 .
5 – الموسوعة الكويتية ؛ ج 17 ؛ ص 118 .
6 – كالتقبيل .
7 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 120 ؛ ونهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 116 .
8 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 119 ؛ والفقه المالكي وأدلته ؛ ج 1 ؛ ص 95 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 283 .
9 – الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ؛ ج 1 ؛ ص 119 و 121 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 285 .
10 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 118 ؛ وشرح الخرشي مع حاشية العدوي ؛ ج 1 ؛ ص ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص
11 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 118 ؛ والشرح الكبير على مختصر الخرقي ؛ ج 1 ؛ ص 119 .
12 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 188 ؛ والشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 120 .
13 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 285 ؛ والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ؛ ج 1 ؛ ص 120 .
14 – سنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 143 و 144 ؛ رقم الحديث : 86 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 168 ؛ رقم الحديث : 502
15 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 86 ؛ رقم الحديث : 382 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 29 )
الرابع : مس قبل الآدمي ببطن الكف .
مسألة رقم ( 30 )
وكذا في الجديد حلقة دبره .
مسألة رقم ( 31 )
لا فرج بهيمة .
مسألة رقم ( 32 )
وينقض فرج الميت والصغير ؛ ومحل الجب ؛ والذكر الأشل ؛ وباليد الشلاء في الأصح .
مسألة رقم ( 33 )
ولا ينقض رأس الأصابع وما بينهما .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة رقم ( 47 )
ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن مس القبل ناقض للوضوء "1" .
هذا مااتفقوا عليه ؛ واختلفوا بعد ذلك في بعض المسائل كما ستعرف إن شاء الله تعالى .
الأدلة :
1 – عن بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ »
أخرجه أبو داود ؛ وأخرجه الترمذي بلفظ : مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلاَ يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ.
قال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلَ هَذَا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرَةَ "2" .
2 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إذا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ستر ولا حجاب ، فليتوضأ "
رواه ابن حبان "3"
وذهب الحنفية إلى أن مس الذكر غير ناقض للوضوء ؛ ولكن يستحب أن يغسل يده وذلك جمعا بين قوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ » "4"
وقوله عليه الصلاة والسلام حينما سئل عن الوضوء من مس الذكر ؛ قال : ( هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك ) "5"
أخرجه أبو داود ؛ والترمذي ؛ والنسائي ؛ وابن ماجة "6" .

مسألة رقم ( 48 )
المس ببطن الكف :
ذهب الشافعية إلى أن مس الذكر الناقض للوضوء هو المس ببطن الكف وهو الراحة مع بطون الأصابع ؛ فلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ .
لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ستر ولا حجاب ، فليتوضأ "
وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً : الْمَسُّ بِبَطْنِ الكف .
وعند المالكية : المس الناقض : هو المس ببطن الكف أو جنبه ؛ وببطن الأصابع أو جنبها أو رؤوسها ؛ لا بظهر الكف ولا بالذراع .
وقال الحنابلة : لَا فَرْقَ بَيْنَ بَطْنِ الْكَفِّ وَظَهْرِهِ وحرفه .
واحتجوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ فَلْيَتَوَضَّأْ » وفسروا الْإِفْضَاءَ بأنه : اللَّمْسُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ .
وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ يَدِهِ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى مُطْلَقِ الْيَدِ، فَأَشْبَهَ بَاطِنَ الْكَفِّ "7".

مسألة رقم ( 49 )
هل ينقض مس حلقة الدبر ؟
اختلف الجمهور في هذه المسألة على قولين :
1 – القول الأول : إن مس حلقة الدبر ينقض الوضوء ؛ وهو القول الجديد في مذهب الشافعية وهو قول الحنابلة .
لِأَنَّهُ فَرْجٌ ؛ وَقِيَاسًا عَلَى الْقُبُلِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا .
2 – القول الثاني : إن مس حلقة الدبر لا ينقض الوضوء ؛ وهو القول القديم في مذهب الشافعية وهو قول المالكية .
لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْحَدِيثِ : " مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ " وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ مَسَّهُ ، وَلَا يُفْضِي إلَى خُرُوجِ خَارِجٍ .
ولأَنَّهُ لَا يَلْتَذُّ بِمَسِّهَا "8" .

مسألة رقم ( 50 )
مس المرأة فرجها :
قد اختلف العلماء في مس المرأة على قولين :
1 – القول الأول : إن مس المرأة فرجها ناقض للوضوء ؛ وهو مذهب الشافعية ؛ وقول عند المالكية ؛ ورواية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى عن الجميع .
الأدلة :
أ – عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ "
ب – إنها آدَمِيٌّ مَسَّ فَرْجَهُ ، فَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ كَالرَّجُلِ .
2 – القول الثاني : إن مس المرأة فرجها غير ناقض للوضوء ؛ وهو المعتمد عند المالكية ؛ ورواية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى على الجميع.
لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ، وَلَيْسَ مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فِي مَعْنَاهُ ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَدْعُو إلَى خُرُوجِ خَارِجٍ ، فَلَمْ يَنْقُضْ "9" .

مسألة رقم ( 51 )
هل ينقض الوضوء مس فرج بهيمة ؟
مذهب الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – الجديد عدم انتقاض الوضوء بمس فرج بهيمة ؛ وهو مذهب الحنابلة والمالكية .
قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سِتْرِهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ .
والقديم : ينقض ؛ لِأَنَّهُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمَسِّ "10" .

مسألة رقم ( 52 )
هل ينقض فرج الميت ؟
ذهب الشافعية على المعتمد ؛ والحنابلة إلى أن مس فرج الميت ناقض للوضوء ؛ وذلك لِبَقَاءِ الِاسْمِ وَالْحُرْمَةِ ، لِاتِّصَالِهِ بِجُمْلَةِ الْآدَمِيِّ .
ومقابل المعتمد عند الشافعية : أن مس فرج الميت غير ناقض للوضوء . وقال المالكية : لَوْ مَسَّتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ مَيِّتٍ بَالِغٍ لَمْ يَنْقُضْ ذَلِكَ طُهْرَهَا إلَّا أَنْ يُحَرِّكَ مِنْهَا لَذَّةً .
وذلك لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ فِيه "11" .

مسألة رقم ( 53 )
هل ينقض فرج الصغير ؟
المعتمد عند الشافعية أن مس فرج الصغير ناقض للوضوء ؛ ولو كان الصغير ابن يوم سواء مس قلفته التي تزول بالختان أو غيرها ؛ وهو قول الحنابلة .
وذلك لعموم الأدلة الدالة على الوضوء من مس الذكر .
ومقابل المعتمد : لا ينقض مس فرج الصغير ؛ وهو قول المالكية ؛ لخروج ذلك عن مظنة الشهوة "12" .
مسألة رقم ( 54 )
هل ينقض مس محل الجب ؟
محل الجب : هو القطع للفرج .
وقد ذهب الشافعية على المعتمد عندهم إلى أن مس موضع الجب ينقض الوضوء ؛ لأنه محل خروج الخارج .
ومقابل المعتمد : لا ينقض مسه ؛ وهو قول المالكية والحنابلة ؛ لأنه لم يمس ذكرا .
ومحل الخلاف : إن لم يبق شاخص فإن بقي نقض قطعا "13" .

مسألة رقم ( 55 )
هل ينقض مس الذكر الأشل ؟
الذكر الأشل : هو الَّذِي يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ أَوْ بِالْعَكْسِ .
والمعتمد عند الشافعية أن مسه ينقض الوضوء ؛ لعموم الأدلة ؛ وهو مذهب الحنابلة .
قلت : قال في مواهب الجليل : ( وَالْعِنِّينُ وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لَا الْقِيَاسِ )
فقياسا على هذا الكلام يكون مذهب المالكية كالمعتمد عند الشافعية والحنابلة .
ومقابل المعتمد لدى الشافعية : لا ينقض مس الذكرؤ الأشل ؛ لخروج ذلك عن مظنة الشهوة "14"

مسألة رقم ( 56 )
هل ينقض المس باليد الشلاء ؟
اليد الشلاء : هِيَ الَّتِي بَطَلَ عَمَلُهَا .
والمعتمد عند الشافعية أن مس الذكر باليد الشلاء ناقض للوضوء ؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على الوضوء من مس الذكر .
ومقابل المعتمد : لا ينقض ؛ لانتفاء الشهوة "15" .
والله تعالى أعلم .
_______________________________
1 – مختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 307 ؛ ومختصر الخرقي بهامش المغني ؛ ج 1 ؛ ص 267.
2 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 46 ؛ رقم الحديث : 181 ؛ وسنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 139 ؛ رقم الحديث : 82 .
3 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ؛ المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ) ؛ ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (المتوفى: 739 هـ) ؛ حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط ؛ الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت ؛ الطبعة: الأولى، 1408 هـ - 1988 م ؛ ج 3 ؛ ص 401 ؛ رقم الحديث : 1118 .
4 – تقدم تخريجه .
5 – حاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 278 و 279 .
6 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 46 ؛ رقم الحديث : 182 ؛ وسنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 142 ؛ رقم الحديث : 85 ؛ وسنن النسائي ؛ ج 1 ؛ ص 101 ؛ رقم الحديث : 165 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 163 ؛ رقم الحديث : 483 بلفظ : إنما هو منك .
7 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 119 ؛ والشرح الكبير للدردير ؛ ج 1 ؛ ص 121 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 269 و 270 ؛ وكشاف القناع ؛ ج 1 ؛ ص 127 .
8 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 123 ؛ وأسهل المدارك ؛ ج 1 ؛ ص 60 ؛ وكشاف القناع ؛ ج 1 ؛ 128 .
9 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 122 ؛ وأسهل المدارك ؛ ج 1 ؛ ص 60 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 271 .
10 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 120 و 121 ؛ و مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ؛ المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي (المتوفى: 954هـ) ؛ الناشر: دار الفكر ؛ الطبعة: الثالثة، 1412هـ - 1992م ؛ ج 1 ؛ ص 302 ؛ وشرح منتهى الإرادات ؛ ج 1 ؛ ص 71 .
11 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 124 ؛ ومواهب الجليل ؛ ج 1 ؛ ص 299 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 271 .
12 – النجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ ص 276 و 277 ؛ و مواهب الجليل ؛ ج 1 ؛ ص 302 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 270 .
13 – النجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ 276 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 124 ؛ ومواهب الجليل ؛ ج 1 ؛ ص 299 ؛ وكشاف القناع ؛ ج 1 ؛ ص 127 .
14 – النجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ ص 277 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 124 ؛ ومواهب الجليل ؛ ج 1 ؛ ص 299 ؛ وشرح منتهى الإرادات ؛ ج 1 ؛ ص 72 .
15 – النجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ 277 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 124 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 34 )
ويحرم بالحدث الصلاة .
مسألة رقم ( 35 )
والطواف .
مسألة رقم ( 36 )
وحمل المصحف ومس ورقه .
مسألة رقم ( 37 )
وكذا جلده على الصحيح ؛ وخريطة وصندوق فيهما مصحف ؛ وما كتب لدرس قرآن كلوح في الأصح .
مسألة رقم ( 38 )
والأصح حل حمله في أمتعة ؛ وتفسير ؛ ودنانير .
مسألة رقم ( 39 )
لا قلب ورقه بعود .
مسألة رقم ( 40 )
وأن الصبي المحدث لا يمنع .
قلت : الأصح حل قلب ورقه بعود وبه قطع العراقيون . والله أعلم .
مسألة رقم ( 41 )
ومن تيقن طهرا أو حدثا وشك في ضده عمل بيقينه ؛ فلو تيقنهما وجهل السابق فضد ما قبلهما في الأصح .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
فصل
محرمات الحدث الأصغر

مسألة رقم ( 57 )
يحرم بالحدث الأصغر الصلاة بجميع أنواعها :
تحرم الصلاة إذا كان الشخص محدثا ؛ وذلك لَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ « لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ » "1" .
وَالْقَبُولُ يُقَالُ :
1 - لِحُصُولِ الثَّوَابِ .
2 - وَلِوُقُوعِ الْفِعْلِ صَحِيحًا .
وَالْمُرَادُ هُنَا المعنى الثاني بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ فَالْمَعْنَى لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِوُضُوءٍ .
قال المصنف رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم : وقد أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا : تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ . وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ .
وَلَوْ صَلَّى مُحْدِثًا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَا يَكْفُرُ عِنْدنَا وَعِنْدَ الْجَمَاهِيرِ ؛ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَكْفُرُ لِتَلَاعُبِهِ .
وَدَلِيلُنَا : أَنَّ الْكُفْرَ لِلِاعْتِقَادِ وَهَذَا الْمُصَلِّي اعْتِقَادُهُ صَحِيحٌ .
وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي مُحْدِثًا عُذْرٌ ؛ أَمَّا الْمَعْذُورُ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَائِلُونَ :
1 - أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ وَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الطَّهَارَةِ
2 - وَالثَّانِي : يَحْرُمُ عَلَيْهِ أن يصلي ويحب الْقَضَاءُ
3 - وَالثَّالِثُ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ
4 - وَالرَّابِعُ : يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا ؛ فَأَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ؛ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ : كُلُّ صَلَاةٍ أُمِرَ بِفِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ "2" .

مسألة رقم ( 58 )
يحرم بالحدث الطواف :
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الطَّوَافِ لِلْمُحْدِثِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا أَمْ وَاجِبًا أَمْ نَفْلاً ، فِي نُسُكٍ أَمْ فِي غَيْرِهِ ، وَيَعْتَبِرُونَ الطَّهَارَةَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الطَّوَافِ ، لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّلاَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الطَّوَافُ حَوْل الْبَيْتِ مِثْل الصَّلاَةِ ، إِلاَّ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلاَ يَتَكَلَّمَنَّ إِلاَّ بِخَيْرٍ ) رواه الترمذي "3" .
والحنفية جعلوا الطهارة للطواف واجباً لا شرطاً في صحته ، فيصح مع الكراهة التحريمية الطواف محدثاً ؛ لأن الطواف بالبيت شبيه بالصلاة بنص الحديث السابق ، ومعلوم أنه ليس بصلاة حقيقة ، فلكونه طوافاً حقيقة يحكم بالجواز، ولكونه شبيهاً بالصلاة يحكم بالكراهة "4" .

مسألة رقم ( 59 )
يحرم على المحدث حمل المصحف ومس ورقه المكتوب فيه وغيره ؛ سواء مسه بأعضاء الطهارة أو غيرها .
الأدلة :
1 – قوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) "5" ؛ أَيْ : لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ، وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ .
اعترض : بِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ؛ وَالْمُطَهَّرُونَ : الْمَلَائِكَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُطَهَّرَ : مَنْ طَهَّرَهُ غَيْرُهُ ؛ وَلَوْ أُرِيدَ بَنُو آدَمَ لَقِيلَ : الْمُتَطَهِّرُونَ !
وَجَوَابُهُ : أَنَّ الْمُرَادَ هُمْ وَبَنُو آدَمَ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ، بِدَلِيلِ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ » "6"
2 – إن تعظيم القرآن واجب وليس من التعظيم مسه بيد حل بها الحدث "7"

مسألة رقم ( 60 )
حكم مس جلد المصحف :
قال الشافعية : الجلد لا يخلوا إما أن يكون :
1 – متصلا ؛ فيحرم مسه - على المعتمد - لأنه كالجزء منه بدليل أنه يتبعه في البيع .
ومقابل المعتمد : لا يحرم مسه ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مُتَّصِلًا حَقِيقَةً .
2 – أو منفصلا ؛ فالمعتمد أنه يحرم مسه أيضا إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جُعِلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا .
وعند الحنفية والمالكية والحنابلة : يحرم مس الجلد المتصل بالمصحف دون الجلد المنفصل عنه "8" .

مسألة رقم ( 61 )
المعتمد عند الشافعية أن الخريطة ؛ وهي : وعاء كالكيس ؛ والصندوق المعدين للمصحف يحرم مسهما ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ كَانَا كَالْجِلْدِ .
ومقابل المعتمد : يجوز المس ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ وَرَدَتْ فِي الْمُصْحَفِ ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ عَنْهُ .
وعلى القولين : يحرم الحمل ؛ فالخلاف في المس .
وعند الحنفية والحنابلة : يجوز المس والحمل ؛ لأنه غَيْرُ مَاسٍّ لَهُ ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ حَمَلَهُ فِي رَحْلِهِ .
وعند المالكية : يجوز المس ويحرم الحمل ؛ كما هو مقابل المعتمد في مذهب الشافعية "9" .

مسألة رقم ( 62 )
يحرم مس اللوح الذي كتب فيه قرآن لأجل الدراسة في المعتمد عند الحنابلة ؛ وهو قول الحنفية الحنابلة ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أُثْبِتَ فِيهِ لِلدِّرَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمُصْحَفَ .
وعند المالكية : يجوز للمعلم والمتعلم مس اللوح الذي كتب فيه قرآن لأجل التعلم أو التعليم وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا مِمَّا يُضْطَرُّ إلَيْهِ كَحَمْلِهِ لِبَيْتٍ مَثَلًا فَيَجُوزُ لِلْمَشَقَّةِ "10" .

مسألة رقم ( 63 )
المعتمد عند الشافعية جواز حمل متاع فيه قرآن إن قَصَدَ الْأَمْتِعَةَ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا ؛ فإن قصدهما ؛ فالمعتمد عند الإمام الرملي الجواز ؛ وعند الخطيب الحرمة .
وعند المالكية : يجوز إن قصد الأمتعة فقط .
ويكره عند الشافعية حمل التفسير إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ أَوْ تَسَاوَيَا حَرُمَ .
وقال الحنفية : إنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يُكْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ يُكْرَهُ .
وَالْأَوْلَى إلْحَاقُ الْمُسَاوَاةِ بِالكراهة .
وقال المالكية : يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّ التَّفْسِيرِ وَلَوْ كَتَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ ولو قصد الآي .
وقال الحنابلة : يجوز مس كتب التفسير قَلَّ التَّفْسِيرُ أَوْ كَثُرَ ؛ لأن اسم المصحف لا يتناوله "11" .

مسألة رقم ( 64 )
المعتمد عند الشافعية أنه يجوز مس وحمل الدراهم والدنانير المكتوب عليها قرآن ؛ وهو مذهب الماكية ؛ وقول للحنابلة ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُصْحَفِ ، فَأَشْبَهَتْ كُتُبَ الْفِقْهِ ؛ وَلِأَنَّ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْهَا مَشَقَّةٌ، أَشْبَهْت أَلْوَاحَ الصِّبْيَانِ .
ومقابل المعتمد في مذهب الشافعية أنه لا يجوز مس وحمل الدراهم والدنانير المكتوب عليها قرآن ؛ وهو مذهب الحنفية ؛ وقول للحنابلة ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْوَرَقَ "12" .

مسألة رقم ( 65 )
صحح المصنف رحمه الله تعالى جواز قلب أوراق المصحف الشريف بعود وهو مذهب الحنابلة والحنفية ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ .
وعند المالكية : يحرم ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْوَرَقَةِ فَهُوَ كحملها "13" .

مسألة رقم ( 66 )
المعتمد في مذهب الشافعية أن الولي لا يمنع الصبي المميز من مس المصحف لحاجة تعلمه منه ؛ وذلك لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا ؛ وهو مذهب الحنفية ؛ وهو المعتمد عند المالكية ؛ وأحد قولين عند الحنابلة.
ومقابل المعتمد في مذهب الشافعية ؛ والقول الثاني للحنابلة : الْمَنْعُ ؛ لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ الْآيَةِ "14" .

مسألة رقم ( 67 )
من تيقن الطهارة وشك في الحدث عمل باليقين ؛ فيكون متطهرا ؛ وهذا مذهب الشافعية والحنفية والحنابلة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا » رواه مسلم "15" .
وقال المالكية : من تيقن الطهارة وشك في الحدث نقض وضوءه إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا بِأَنْ يَشُمَّ فِي كُلِّ وُضُوءٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ يَطْرَأَ لَهُ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا أَثَرَ لِشَكِّهِ الطَّارِئِ بَعْدَ عِلْمِ الطُّهْرِ .
وقد راعى المالكية رحمهم الله تعالى سهولة الوضوء وكثرة نواقضه فاحتاطوا لأجل الصلاة .
ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث عند المذاهب الأربعة .
ومن تيقن الحدث والطهارة بأن علم أنهما وجدا منه بعد شروق الشمس مثلا ؛ فله حالات :
الحالة الأولى : أن يعلم أن الحدث كان أولا ثم توضأ فهو متطهر من دون خلاف .
الحالة الثانية : أن يعلم أن الحدث وجد بعد أن تطهر ؛ فهو محدث من دون خلاف .
الحالة الثالثة : أن يجهل السابق ؛ فلا يعلم أهو الطهر أم الحدث ؛ وفي هذه الحالة خلاف :
1 – قال الشافعية – في المعتمد - والحنابلة : إِنْ جَهِلَ قَبْلَهُمَا بِأَنْ لَمْ يَدْرِ: هَلْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشُّرُوقِ؟ تَطَهَّرَ وُجُوبًا ، إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، لِتَيَقُّنِهِ الْحَدَثَ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ ؛ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ لِأَنَّ وُجُودَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى مَشْكُوكٌ فِيهِ : أَكَانَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ هُنَا وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَجْهَلْ حَالَةً قَبْلَهُمَا بَلْ عَلِمَهَا فَهُوَ عَلَى ضِدِّهَا فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَمُحْدِثٌ ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَمُتَطَهِّرٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ زَوَالَ تِلْكَ الْحَالِ إلَى ضِدِّهَا ؛ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ ، لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ .
2 – ومقابل المعتمد في مذهب الشافعية : لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ احْتِيَاطًا ؛ وهو مذهب المالكية .
3 – وقال الحنفية : من تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق فهو متطهر . قالوا : لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطَّهَارَةَ بَعْدَ الْحَدَثِ "16" .
________________________________
1 – صحيح البخاري ؛ ج 9 ؛ ص 23 ؛ رقم الحديث : 6954 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 204 ؛ رقم الحديث : 225 .
2 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 125 ؛ و المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ؛ المؤلف : أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) ؛ النشر : دار ابن الهيثم – القاهرة – ج 3 ؛ ص 8 .
3 – سنن الترمذي ؛ ج 2 ؛ ص 285 ؛ رقم الحديث : 960 .
4 – الموسوعة الكويتية ؛ ج 17 ؛ ص 126 ؛ والفقه الإسلامي وأدلته ؛ ج 1 ؛ 449 ؛ والهداية مع العناية ؛ ج 3 ؛ ص 50 .
5 – الواقعة / 79 .
6 - المعجم الكبير ؛ المؤلف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360هـ) المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي ؛ دار النشر: مكتبة ابن تيمية – القاهرة ؛ الطبعة : الثانية ؛ ج 12 ؛ ص 313 .
7 – موسوعة الفقه الإسلامي والقضايا المعاصرة ؛ للدكتور : وهبة الزحيلي ؛ الناشر : دار الفكر ؛ الطبعة الثالثة ؛ 1433 ه ؛ 2012 م ؛ ج 1 ؛ 386 .
8 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 126 ؛ والهداية مع العناية ؛ ج 1 ؛ ص 169 ؛ وفتح القدير ؛ ج 1 ؛ ص 168 ؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 125 ؛ وكشاف القناع ؛ ج 1 ؛ ص 134 .
9 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 126 ؛ والدر المختار ؛ ج 1 ؛ ص 315 ؛ والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ؛ ج 1 ؛ ص 125 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 225 .
10 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 124 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 127 ؛ والدر المختار ؛ ج 1 ؛ ص 315 ؛ والشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 126 ؛ وكشاف القناع ؛ ج 1 ؛ ص 135 .
11 - نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 125 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 127 و 128 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 319 ؛ وشرح الخرشي على مختصر خليل مع حاشية العدوي ؛ ج 1 ؛ ص 316 ؛ وكشاف القناع ؛ ج 1 ؛ ص 135 .
12 - الدر المختار ؛ ج 1 ؛ ص 315 ؛ والشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 125 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 225 .
13 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 128 ؛ والدر المختار ؛ ج 1 ؛ ص 316 ؛ ومختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 315 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 225 .
14 – تنوير الأبصار ؛ ج 1 ؛ ص 316 ؛ والشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 126 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 225 .
15 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 276 ؛ رقم الحديث : 362 .
16 – النجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ ص 283 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 130 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 283 ؛ و الفقه المالكي وأدلته ؛ ج 1 ؛ ص 97 ؛ وشرح الخرشي ؛ ج 1 ؛ ص 310 ؛ وشرح منتهى الإرادات ؛ ج 1 ؛ 75 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]
فصل
مسألة رقم ( 42 )

  • يقدم داخل الخلاء يساره والخارج يمينه .

  • ولا يحمل ذكر الله تعالى .

  • ويعتمد جالسا يساره .

  • ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ؛ ويحرمان بالصحراء .

  • ويبعد ويستتر .

  • ولا يبول في ماء راكد ؛ وجحر ؛ ومهب ريح ؛ ومتحدث ؛ وطريق ؛ وتحت مثمرة .

  • ولا يتكلم .

  • ولا يستنجي بماء في مجلسه .

  • ويستبرىء من البول .

  • ويقول عند دخوله : بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .

  • وعند خروجه : غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
فصل

الاستنجاء وآداب قاضي الحاجة
مسألة رقم ( 68 )
الِاسْتِطَابَةُ ؛ وَالِاسْتِنْجَاءُ ؛ وَالِاسْتِجْمَارُ ؛ عِبَارَاتٌ عَنْ إزَالَةِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ .
فَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَكُونَانِ تَارَةً بِالْمَاءِ وَتَارَةً بِالْأَحْجَارِ .
وَالِاسْتِجْمَارُ يَخْتَصُّ بِالْأَحْجَارِ مَأْخُوذًا مِنْ الْجِمَارِ وَهِيَ : الْحَصَى الصِّغَارُ .
وَأَمَّا الِاسْتِطَابَةُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُطَيِّبُ نَفْسَهُ بِإِزَالَةِ الْخَبَثِ .

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : يُقَالُ اسْتَطَابَ يَسْتَطِيبُ فَهُوَ مُسْتَطِيبٌ وَأَطَابَ يُطِيبُ فَهُوَ مُطَيِّبٌ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ ؛ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : قَالَ شِمْرٌ : هو مأخوذ من نجوت الشجرة وَأَنْجَيْتُهَا إذَا قَطَعْتُهَا كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْهُ ؛ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوَةِ وَهِيَ مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَسَتَّرَ بِنَجْوَةٍ قَالَ الازهرى قول شمر أصح .
والله أعلم "1" .

مسألة رقم ( 69 )
من آداب قاضي الحاجة :
1 – يقدم داخل الخلاء يساره والخارج يمينه :
هَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ : أَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّكْرِيمِ بُدِئَ فِيهِ بِالْيُمْنَى وَخِلَافُهُ بِالْيَسَارِ .
وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ : يَخْتَصُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ .
وَأَصَحُّهُمَا : لَا يَخْتَصُّ ؛ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ . قَالَ : فَيُقَدِّمُ فِي الصَّحْرَاءِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ وَإِذَا فرغ قدم اليمنى في انصرافه .
2 – لا يحمل ذكر الله تعالى :
يكرهُ أَن يكون مَعَه شَيْء فِيهِ اسْم الله تَعَالَى كالخاتم وَالدَّرَاهِم وَكَذَا مَا كَانَ فِيهِ قُرْآن وَألْحق باسم الله تَعَالَى اسْم رَسُوله تَعْظِيمًا لَهُ ( كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه ) "2" لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم .
وَاعْلَم أَن كل اسْم مُعظم مُلْحق بِمَا ذكرنَا فِي النزع صرح بِهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فَيدْخل فِيهِ أَسمَاء جَمِيع الرُّسُل والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام .
وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْأَدَبُ بِالْبُنْيَانِ ، بَلْ يَعُمُّ الصَّحْرَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ . فَلَوْ غَفَلَ عَنْ نَزْعِ الْخَاتَمِ حَتَّى اشْتَغَلَ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ، ضَمَّ كَفَّهُ عَلَيْهِ .
3 – يعتمد جالسا يساره :
يستحب أن يعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى ، لأنه أسهل لخروج الخارج، ولما رواه الطبراني عن سراقة بن مالك قال : « أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نتوكأ علىاليسرى ، وأن ننصب اليمنى »"3"
ويكره البول قائماً إلا لعذر قال ابن مسعود : « من الجفاء أن تبول وأنت قائم »
قالت عائشة : « من حدثكم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يبول قائماً ، فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعداً »
أخرجه الترمذي ؛ وقال : حَدِيثُ عَائِشَةَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ وَأَصَحُّ "4" .
وَقَدْ فَعَل ذَلِكَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَال قَائِمًا فِيمَا رَوَاهُ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَال قَائِمًا . أخرجه البخاري ومسلم "5" .
وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَدِّثُونَ وَالْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ
مِنْهَا :
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَل ذَلِكَ لِجُرْحٍ كَانَ فِي مَأْبِضِهِ ، فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَال قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ
وَالْمَأْبِضُ : مَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ .
وَقِيل : إِنَّمَا بَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا لِوَجَعٍ فِي صُلْبِهِ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ "6" .
4 – استقبال القبلة واستدبارها :
يحرم في الصحراء أو الفضاء استقبال القبلة واستدبارها ؛ وهو مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة .
وعند الحنفية : يكره كراهة تحريمية .
الأدلة :
أ - مَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا . قَالَ أَبُو أَيُّوبَ : فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ "7" .
ب - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا » رواه مسلم "8" .
أَمَّا فِي الْبُنْيَانِ ، أَوْ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ فَفِيهِ خلاف :
1 – قال الشافعية والمالكية : يجوز استقبال القبلة واستدبارها فِي الْبُنْيَانِ ، أَوْ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ ؛ وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليهم جميعا .
واستدلوا بمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : « أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ » "9"
وَقَالَ جَابِرٌ: « نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا »
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ "10" .
فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْفَضَاءِ والصحراء ؛ وحملوا الخبر الثاني على البنيان أو إذا وجد ساتر .
2 – وعند الحنفية : يحرم ؛ وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليهم جميعا ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يُفَرِّقْ .
ولأنه قَوْلٌ وَهَذَا فِعْلٌ ، وَالْقَوْلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ وَالْعُذْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ .
وَبِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَهَذَا مُبِيحٌ ، وَالْمُحَرِّمُ مُقَدَّمٌ "11" .
قال المصنف رحمه الله تعالى في المجموع :
* ( فَرْعٌ )
قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَا اسْتِدْبَارُهُ لَا فِي الْبِنَاءِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ : وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ؛ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ كَانَ قِبْلَةً : وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي عليه وسلم أن يستقبل الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد ؛ فَأَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِجَوَابَيْنِ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةً ثُمَّ نَهَى عَنْ الْكَعْبَةِ حِينَ صَارَتْ قِبْلَةً فَجَمَعَهُمَا الرَّاوِي .
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي : هَذَا تَأْوِيلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَالثَّانِي : الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُ اسْتَقْبَلَهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِهِمَا النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا .

قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي : هَذَا تَأْوِيلٌ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ .
فَهَذَانِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْأَصْحَابِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَعْفٌ .
وَالظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ : أَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ عَامٌّ لِكِلْتَيْهِمَا فِي كُلِّ مَكَان وَلَكِنَّهُ فِي الْكَعْبَةِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى مَا سَبَقَ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَلَا يَمْتَنِعُ جَمْعُهُمَا فِي النَّهْيِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ .
وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَوْنُهُ كَانَ قِبْلَةً فَبَقِيَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ .
وَقَدْ اخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا التَّأْوِيلَ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ حَمَلْتُمُوهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى التَّنْزِيهِ قُلْنَا لِلْإِجْمَاعِ فَلَا نَعْلَمُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ حرمه . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وقال : قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ "12" وَكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا : يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ ؛ وَاسْتَأْنَسُوا فِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ :
أَحَدُهَا : أَنَّ دَلِيلَ الْقِبْلَةِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلَ هَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا كَثِيرُونَ وَلَا الشَّافِعِيُّ ؛ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِحْبَابِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ .
الثَّانِي : يُفَرَّقُ فِي الْقِبْلَةِ بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ كَمَا سَبَقَ وَلَا فَرْقَ هُنَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ .
الثَّالِثُ : النَّهْيُ فِي الْقِبْلَةِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُنَا لِلتَّنْزِيهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ فِي الْقِبْلَةِ يَسْتَوِي الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَهُنَا لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدْبَارِ وَإِنَّمَا كَرِهُوا الِاسْتِقْبَالَ . هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الشافي : يكره الاستدبار أيضا .
والله أعلم "13" .

___________________________________
1 – المجموع ؛ ج 2 ؛ ص 73 .
2 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 5 ؛ رقم الحديث : 19 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 110 ؛ رقم الحديث : 303 .
3 – المعجم الكبير للطبراني ؛ ج 7 ؛ ص 136 ؛ رقم الحديث : 6605 .
4 – سنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 62 ؛ رقم الحديث : 12 .
5 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 54 ؛ رقم الحديث : 224 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 228 ؛ رقم الحديث : 73 .
6 - المجموع ؛ ج 2 ؛ ص 77 ؛ وروضة الطالبين وعمدة المفتين ؛ للإمام النووي رحمه الله تعالى ؛ تحقيق : زهير الشاويش ؛ الناشر: المكتب الإسلامي ، بيروت- دمشق- عمان ؛ ج 1 ؛ ص 66 ؛ وكفاية الأخيار ؛ ج 1 ؛ ص 49 ؛ والفقه الإسلامي وأدلته ؛ ج 1 ؛ ص 355 و 356 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ ج 29 ؛ ص 243 .
7 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 88 ؛ رقم الحديث : 394 ؛ و صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 224 ؛ رقم الحديث : 264 .
8 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 224 ؛ رقم الحديث : 265 .
9 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 148 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 225 ؛ رقم الحديث : 266 .
10 – سنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 60 ؛ رقم الحديث : 9 .
11 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 134 ؛ و مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ؛ المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده , يعرف بداماد أفندي (المتوفى: 1078هـ) الناشر: دار إحياء التراث العربي ؛ الطبعة : بدون طبعة وبدون تاريخ ؛ ج 1 ؛ ص 67 ؛ وحاشية ابن عابدين 554 ؛ والشرح الكبير على مختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 108 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 238 و 239 .
12 – يقصد الإمام الشيرازي رحمه الله تعالى صاحب ( التنبيه والمهذب ) وغيرهما .
13 – المجموع ؛ ج 2 ؛ ص 80 و 81 و 94 .
[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000] – ويبعد ويستتر
يستحب أن يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ ، حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ . رواه أبو داود "1"
ويستحب أن يستتر عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفَعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ » . رواه أبو داود "2" .
6 – لا يبول في ماء راكد
« لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ » رواه البخاري ومسلم "3" .
وهذا النهي للكراهة عند الشافعية والحنابلة وإن كان قليلا ؛ وذلك لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ .
وعند الحنفية والمالكية : يَحْرُمُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَاءِ إذَا كَانَ رَاكِدًا قَلِيلًا ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ .
أما الجاري ؛ فيكره عند الشافعية والحنابلة في القليل دون الكثير ؛ وذلك لما تقدم من التعليل .
وعند الحنفية : يكره تنزيها من دون فرق بين القليل والكثير .
وعند المالكية : لا يحرم ؛ بخلاف الراكد القليل كما عرفت .
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ : وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ وَأَقْبَحُ ؛ وَكَذَلِكَ إِذَا بَالَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ ؛ وَكَذَا إِذَا بَالَ بِقُرْبِ النَّهَرِ بِحَيْثُ يَجْرِي إِلَيْهِ الْبَوْلُ فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ قبيح مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ ؛ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ : أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِبَوْلِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ الْغَائِطَ لَيْسَ كَالْبَوْلِ وَكَذَا إِذَا بَالَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ خِلَافَ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَقْبَحُ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ) "4"
7 – لا يقضي حاجته في جحر
يكره أن يقضي حاجته في جحر ؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ » ، قَالُوا لِقَتَادَةَ : مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ : كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ . رواه أبو داود . "5"
8 – لا يبول في مهب الريح
يكره البول في مهب الريح وذلك لئلا تعود النجاسة إليه .
9 – لا يقضي حاجته في متحدث ؛ وطريق ؛ وتحت مثمرة
المتحدث : هو مَكَانُ الِاجْتِمَاعِ .
ويكره عند الشافعية والحنفية قضاء الحاجة في متحدث للناس ؛ وطريق ؛ وتحت مثمرة .
وإنما كره في متحدث للناس ؛ وطريق ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ . قَالُوا : وَمَا اللَّعَّانَانِ ؟ قَالَ : الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ » أخرجه مسلم "6"
تَسَبَّبَا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ ؛ إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ فَحُوِّلَ لِلْمُبَالَغَةِ .
وَالْمَعْنَى: احْذَرُوا سَبَبَ اللَّعْنِ الْمَذْكُورِ .
وَلِخَبَرِ ابِن ماجة « اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ : الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ ، وَالظِّلِّ » "7"
وَالْمَلَاعِنُ : مَوَاضِعُ اللَّعْنِ .
وَالْمَوَارِدُ : طُرُقُ الْمَاءِ .
وَالتَّخَلِّي : التَّغَوُّطُ ، وَكَذَا الْبِرَازُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيسَ بِالْغَائِطِ الْبَوْلُ.
قال المصنف رحمه الله تعالى : وَهَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ اتِّقَاءُ الْمَلَاعِنِ الثَّلَاثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْمَلَاعِنِ أَوْ بَعْضِهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
قلت : والقول بالتحريم هو مذهب المالكية والحنابلة ؛ لما تقدم عن المصنف ؛ ولأن فَاعِلَ الْمَكْرُوهِ لَا يُلْعَنُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ : الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ ؛ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ ؛ وَالظِّلِّ »
وأما قضاء الحاجة تحت الشجرة المثمرة ؛ فمكروه عند الشافعية وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مُبَاحًا ، وَفِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُّهَا النَّفْسُ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ ؛ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ .
نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَكَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُثْمِرَ لَمْ يُكْرَهُ كَمَا لَوْ بَالَ تَحْتَهَا ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً طَهُورًا .
وقال الحنفية : يكره قضاء الحاجة تحت مثمرة لِإِتْلَافِ الثَّمَرِ وَتَنْجِيسِهِ وَالْمُرَاد : وَقْتُ الثَّمَرَةِ ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِمَطَرٍ أَوْ نَحْوِهِ ، كَجَفَافِ أَرْضٍ مِنْ بَوْلٍ .
وَيَدْخُلُ فِيهِ الثَّمَرُ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ مَشْمُومًا لِاحْتِرَامِ الْكُلِّ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ .
وعند الحنابلة : يحرم ؛ فِي حَالِ كَوْنِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهَا لِئَلَّا تَسْقُطَ عَلَيْهِ الثَّمَرَةُ فَتَتَنَجَّسَ بِهِ .
فَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الثَّمَرَةِ فَلَا بَأْسَ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ . أخرجه أبو داود وابن ماجة "8" "9" .
10 – لا يتكلم
يكره له الكلام حال قضاء الحاجة سواء تكلم بذكر أو غيره ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم « لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ » أخرجه أبو داود "10" .
وَمَعْنَى يَضْرِبَانِ : يَأْتِيَانِ .
وَالْمَقْتُ : الْبُغْضُ .
إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِنْذَارِ أَعْمَى فَلَا يُكْرَهُ ، بَلْ قَدْ يَجِب .
11 – لا يستنجي بماء في مجلسه
بَلْ يَنْتَقِلُ عَنْهُ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ رَشَّاشٌ يُنَجِّسُهُ ؛ إلَّا فِي الْأَخْلِيَةِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ فَلَا يَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَا يَنَالُهُ فِيهَا رَشَّاشٌ ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى المذكور .
12 – يستبريء من البول
يستبريء من البول بنحو تنحنح ؛ ومشي ؛ ونتر ذكر .
والنتر : الجذب .
وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ : أَنْ يَمْسَحَ بِيُسْرَاهُ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ ، وَيَنْتُرَهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ .
وقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الاستبراء سنة ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ شئ آخَرَ .
وذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب الاستبراء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْل فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ " أخرجه الدار قطني . "11"
وبقوله عليه الصلاة والسلام : " إِذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلاَثًا " أخرجه ابن ماجة . "12"
وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الأْمْرِ بِنَتْرِ الذَّكَرِ "13" .
13 – يستحب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول : ( بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )
لقول أنس : ( إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ ) متفق عليه "14"
وعند خروجه : ( غفرانك ؛ الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) أخرجه ابن ماجة ؛ إلا لفظ ( غفرانك ) فالترمذي "15" .
14 – لا يبول في مستحمه
يكره البول في المستحم : وهو الموضع الذي يتوضأ فيه "16" ؛ أو يغتسل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ ) أخرجه أبو داود وابن ماجة واللفظ له .
قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَةَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّمَا هَذَا فِي الْحَفِيرَةِ ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا ، فَمُغْتَسَلَاتُهُمُ الْجِصُّ ، وَالصَّارُوجُ، وَالْقِيرُ، فَإِذَا بَالَ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ، لَا بَأْسَ بِهِ " "17"

والله تعالى أعلم .
___________________________________
1 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 1 ؛ رقم الحديث : 2 .
2 - سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 9 ؛ رقم الحديث : 35 .
3 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 57 ؛ رقم الحديث : 239 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 235 ؛ رقم الحديث : 282 .
4 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 136 ؛ والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ؛ ج 1 ؛ ص 81 ؛ والدر المختار ؛ ج 1 ؛ ص 555 ؛ وحاشية الطحطاوي ؛ ج 1 ؛ ص 87 ؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ؛ ج 1 ؛ ص 107 ؛ وشرح منتهى الإرادات ؛ ج 1 ؛ 35 .
5 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 8 ؛ رقم الحديث : 29 .
6 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 226 ؛ رقم الحديث : 269 .
7 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 119 ؛ رقم الحديث : 328 .
8 – سنن أبي داود ؛ ج 3 ؛ ص 23 ؛ رقم الحديث : 2549 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ 122 ؛ رقم الحديث : 340 .
9 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 137 و 138 ؛ والمجموع ؛ ج 2 ؛ ص 87 ؛ وحاشية العدوي على شرح الخرشي ؛ ج 1 ؛ ص 284 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 241 ؛ وزاد المستقنع ؛ ص 11 .
10 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 4 ؛ رقم الحديث : 15 .
11 – سنن الدار قطني ؛ ج 1 ؛ ص 232 ؛ رقم الحديث : 464 .
12 – سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 118 ؛ رقم الحديث : 326 .
13 – المجموع ؛ ج 2 ؛ ص 91 ؛ وحاشية الطحطاوي ؛ ج 1 ؛ ص 74 ؛ وشرح الخرشي ؛ ج 1 ؛ ص 289 ؛ وكشاف القناع ؛ ج 1 ؛ ص 65 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ ج 40 ؛ ص 64
14 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 40 ؛ رقم الحديث : 142 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 283 ؛ رقم الحديث : 122 .
15 – سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 110 ؛ رقم الحديث : 301 ؛ وسنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 57 ؛ رقم الحديث : 7 .
16 – كما يسمى في عصرنا اليوم ب ( المغسلة )
17 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 7 ؛ رقم الحديث : 27 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 111 ؛ رقم الحديث : 304 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 43 )
ويجب الاستنجاء بماء أو حجر
- وجمعهما أفضل
- وفي معنى الحجر كل جامد طاهر قالع غير محترم ؛ وجلد دبغ دون غيره في الأظهر .
وشرط الحجر :
- أن لا يجف النجس .
- ولا ينتقل .
- ولا يطرأ أجنبي .
مسألة رقم ( 44 )
ولو ندر أو انتشر فوق العادة ولم يجاوز صفحته وحشفته جاز الحجر في الأظهر .
مسألة رقم ( 45 )
ويجب ثلاث مسحات ولو بأطراف حجر فإن لم ينق وجب الإنقاء
- وسن الإيثار
مسألة رقم ( 46 )
وكل حجر لكل محله
- وقيل : يوزعن لجانبيه والوسط
مسألة رقم ( 47 )
ويسن الاستنجاء بيساره
مسألة رقم ( 48 )
ولا استنجاء لدود وبعر بلا لوث في الأظهر .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة رقم ( 70 )
حكم الاستنجاء :
قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم الاستنجاء على قولين :
1 – القول الأول : إن الاستنجاء واجب ؛ وهذا مذهب الشافعية ؛ والمالكية والحنابلة .
الأدلة :
أ - قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ، يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ ، فَإِنَّهَا تُجْزِي عَنْهُ ) رواه أبو داود والنسائي "1"
ب - قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لايستنجي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ) رواه مسلم "2"
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ "3"
فَأَمَرَ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
وَقَالَ : فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ . وَالْإِجْزَاءُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ .
وَنَهَى عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ .
وَإِذَا حَرُمَ تَرْكُ بَعْضِ النَّجَاسَةِ فَتَرْكُ جَمِيعِهَا أَوْلَى .
2 – القول الثاني : إن الاستنجاء سنة ؛ وهو مذهب الحنفية .
لما فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَل فَقَدْ أَحْسَنَ ، وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ ) "4"
لأِنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا انْتَفَى الْحَرَجُ عَنْ تَارِكِهِ "5" .
مسألة رقم ( 71 )
ما يستنجى منه :
يستنجى مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ؛ وَكُلٍّ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٍ مُلَوٍّثٍ ولو كان الخارج نادرا كالدم .
فقولنا : ( من أحد السبيلين ) خرج به الخارج من غير السبيلين ؛ فيجب غسله بالماء .
وقولنا : ( نجس ) خرج به الخارج الطاهر كالمني ، والولد العاري عن الدم؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ، ولا نجاسة هنا .
وقولنا : ( ملوث ) خرج غَيْرُ الملوث - كَدُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ - فَلَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا "6" .

مسألة رقم ( 72 )
وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَوْ الْأَحْجَارِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَحُكِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا أَنْكَرَا الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا النِّسَاءُ ؟ !
وَقَالَ عَطَاءٌ : غَسْلُ الدُّبُرُ مُحْدَثٌ .
وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ .
وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا .
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ ثُمَّ فَعَلَهُ ، وَقَالَ لِنَافِعٍ : جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ صَالِحًا. وَهُوَ مَذْهَبُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: « كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً ، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ "7" .
وَعَنْ عَائِشَةَ ، « أَنَّهَا قَالَتْ : مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ؛ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ »
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ "8" .
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } "9" قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ "10"
وَلِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ ، وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى مَحَلٍّ آخَرَ.
وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ ؛ لِمَا تقدم ؛ وَلِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ، وَيُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ، وَهُوَ أَبْلُغُ فِي التَّنْظِيفِ .
وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ أَجْزَأَهُ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَجْمِرَ بِالْحَجَرِ، ثُمَّ يُتْبِعَهُ الْمَاءَ "11" .

مسألة رقم ( 73 )
( في معنى الحجر كل جامد طاهر قالع غير محترم ) وهذا مذهب أكثر أهل العلم .
الأدلة :
1 - مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ خُزَيْمَةَ، قَالَ: « سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِطَابَةِ ، فَقَالَ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ » "12"
فَلَوْلَا أَنَّهُ أَرَادَ الْحَجَرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا الرَّجِيعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الرَّجِيعِ بِالذِّكْرِ مَعْنًى .
2 - فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « إنَّهُ لَيَنْهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَأَنْ نَسْتَجْمِرَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ "13"
وَتَخْصِيصُ هَذَيْنِ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْحِجَارَةَ ، وَمَا قَامَ مَقَامَهَا.
3 - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: « إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ فَلْيُنَزِّهْ قِبْلَةَ اللَّهِ، وَلَا يَسْتَقْبِلْهَا وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا، وَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ، أَوْ ثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ » . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ "14"
4 - مَتَى وَرَدَ النَّصُّ بِشَيْءٍ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ ، وَجَبَ تَعْدِيَتُهُ إلَى مَا وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى هَاهُنَا إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْأَحْجَارِ، كَحُصُولِهِ بِهَا .
وفي رواية في مذهب الحنابلة اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد : لَا يُجْزِئُ إلَّا الْأَحْجَارُ .
الأدلة :
1 – إن النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْأَحْجَارِ، وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
2 – إنه مَوْضِعُ رُخْصَةٍ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهَا بِآلَةٍ مَخْصُوصَةٍ ، فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا ، كَالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ .
قول المصنف رحمه الله تعالى : ( جامد ) خرج بهذا القيد الْمَائِعُ غَيْرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ .
وقوله : ( طاهر ) خرج به :
أ – النجس ؛ كالبعر .
ب – المتنجس ؛ كالماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة .
وقوله : ( قالع ) خرج به نَحْوُ الزُّجَاجِ وَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ .
وقوله : ( غير محترم ) خرج بهذا القيد ما هو محترم ؛ كَجُزْءِ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ بِهِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ ، وَكَمَطْعُومِ آدَمِيٍّ كَالْخُبْزِ أَوْ جِنِّيٍّ كَالْعَظْمِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ « أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ: إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ » "15"
يَعْنِي مِنْ الْجِنِّ ، فَمَطْعُومُ الْآدَمِيِّ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي .
وَأَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ فَيَجُوزُ بِهِ ، وَالْمَطْعُومُ لَهَا وَلِلْآدَمِيِّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَغْلَبُ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ الثُّبُوتُ: قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
وَإِنَّمَا جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ ! لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، أَمَّا جُزْءُ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ كَشَعْرِهِ فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ فِي جُزْءِ الْآدَمِيِّ .
والمعتمد عند الشافعية جواز الاستنجاء بالجلد المدبوغ ؛ وعدم الجواز في غير المدبوغ ؛ لِأَنَّ الْمَدْبُوغَ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ جِلْدٍ بِجِلْدَيْنِ .
وَغَيْرُ الْمَدْبُوغِ مُحْتَرَمٌ ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُوم ، وَلِهَذَا يُؤْكَلُ مَعَ الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَغَيْرِهِمَا ، وَفِيهِ دُسُومَةٌ تَمْنَعُ التَّنْشِيفَ أَوْ نَجَسٌ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ
وَالقول الثَّانِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ : يَجُوزُ بِهِمَا .
وَالثَّالِث وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ : لَا يَجُوزُ بِهِمَا .
وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ إذَا اسْتَنْجَى بِهِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا جَازَ إذْ لَا دُسُومَةَ فِيهِ وَلَيْسَ بِطَعَامٍ "16"

مسألة رقم ( 74 )
للاكتفاء بالحجر شروط :
1 – الشرط الأول : أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجَسُ الْخَارِجُ ، فَإِنْ جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ نَعَمْ لَوْ بَالَ ثَانِيًا بَعْدَ جَفَافِ بَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَوَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ .
والْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الثَّانِي مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ ، فَلَوْ بَالَ وَجَفَّ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ أَوْ قَيْحٌ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ ؛ وَحُكْمُ الْغَائِطِ الْمَائِعِ كَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ
2 – الشرط الثاني : أَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ؛ وَأَمَّا قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ فَلَا يَضُرُّ الِانْتِقَالُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الصَّفْحَةَ وَالْحَشَفَةَ .
3 – الشرط الثالث : أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ نَجِسًا كَانَ ؛ أَوْ طَاهِرًا رَطْبًا وَلَوْ بِبَلَلِ الْحَجَرِ، أَمَّا الْجَافُّ الطَّاهِرُ فَلَا يُؤَثِّرُ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ ، نَعَمْ الْبَلَلُ بِعَرَقِ الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ "17" .

مسألة رقم ( 75 )
( وَلَوْ نَدَرَ ) الْخَارِجُ كَالدَّمِ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ ( أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ ) أَيْ عَادَةِ النَّاسِ، وَقِيلَ : عَادَةِ نَفْسِهِ ( وَلَمْ يُجَاوِزْ ) فِي الْغَائِطِ ( صَفْحَتَهُ ) وَهُوَ : مَا انْضَمَّ مِنْ الْأَلْيَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ ( وَحَشَفَتَهُ ) وَهِيَ : مَا فَوْقَ الْخِتَانِ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْبَوْلِ ( جَازَ الْحَجَرُ ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) فِي ذَلِكَ .
أَمَّا النَّادِرُ ؛ فَلِأَنَّ انْقِسَامَ الْخَارِجِ إلَى مُعْتَادٍ وَنَادِرٍ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْمَخْرَجِ .
وَالقول الثَّانِي : لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَجَرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ غَيْرُهُ .
وَأَمَّا الْمُنْتَشِرُ فَوْقَ الْعَادَةِ فَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ .
وَلِمَا صَحَّ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلُوا التَّمْرَ لَمَّا هَاجَرُوا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَتَهُمْ وَهُوَ مِمَّا يُرِقُّ الْبُطُونَ ، وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ انْتَشَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ . وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا .
فَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ مَا ذُكِرَ – الصفحة والحشفة - مَعَ الِاتِّصَالِ لَمْ يَجُزْ الْحَجَرُ لَا فِي الْمُجَاوِزِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى "18" .
_________________________________
1 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 10 ؛ رقم الحديث : 40 ؛ وسنن النسائي ؛ ج 1 ؛ ص 41 ؛ رقم الحديث : 44 .
2 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 224 ؛ رقم الحديث : 262 .
3 - صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 223 ؛ رقم الحديث : 262 .
4 - سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 9 ؛ رقم الحديث : 35 .
5 – تنوير الأبصار بهامش الدر المختار وحاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 545 ؛ وسراج السالك ؛ ج 1 ؛ ص 84 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 227 و 228 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ ج 4 ؛ ص 114 ؛ ومجمع الأنهر ؛ ج 1 ؛ ص 65 .
6 – المجموع ؛ ج 2 ؛ 95 ؛ و حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي
(المتوفى: 1392هـ) ؛ الناشر: (بدون ناشر) ؛الطبعة: الأولى - 1397 هـ ؛ ج 1 ؛ ص 145
7 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 42 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 227 .
8 – سنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 73 .
9 - [ التوبة : 108 ]
10 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 11 ؛ وسنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 128 .
11 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 228 و 229 .
12 – سنن أبي داود ؛ ج 1 ؛ ص 11 .
13 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 223 .
14 – سنن الدار قطني ؛ ج 1 ؛ ص 89 .
15 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 224 ؛ ولم اجد فيه لفظ ( فإنه زاد إخوانكم ) ووجدته في سنن الترمذي ؛ ج 1 ؛ ص 72 .
16 – المغني ؛ ج 1 ؛ ص 233 و 234 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 143 .
17 – الإقناع وحاشية البجيرمي عليه ؛ ج 1 ؛ ص 186 .
18 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 145 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 76 )
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الواجب في الاستنجاء شيئان :
1 – الشيء الأول : العدد ؛ وهو ثلاث مسحات ولو بأطراف حجر .
2 – الشيء الثاني : الإنقاء ؛ فإن لم تنق الثلاثة وجبت الزيادة عليها حتى يحصل الإنقاء ؛ ويستحب بعد ذلك الإيتار إن لم يحصل بوتر ؛ كأن حصل الإنقاء برابعة فيأتي بخامسة .
والدليل على وجوب العدد خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ « نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ »
وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ ؛ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يَكْفِي حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ عَنْ ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هناك عَدَدُ الرَّمْيِ وَهُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ .
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن الواجب هو الإنقاء فقط وإن حصل بحجر واحد بمسحة واحدة .
واستدلوا بقَوْلِهِ – عَلَيْهِ الصلاة و السَّلَامُ - « مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ »
والدليل على سنية الإيتار قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ » "1"

مسألة رقم ( 77 )
قال : ( وكل حجر لكل محله ) فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَيُدِيرُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ .
وَفِي الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَيُدِيرُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ .
وَيُمِرُّ الثَّالِثُ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ وَالْمَسْرَبَةِ جَمِيعًا.
( وَقِيلَ : يُوَزِّعُهُنَّ لِجَانِبَيْهِ وَالْوَسْطِ ) فَيَمْسَحُ بِوَاحِدٍ الصَّفْحَةَ الْيُمْنَى مِنْ مُقَدَّمِهَا، وَبِآخَرَ الْيُسْرَى مِنْ مُؤَخَّرِهَا ، وَقِيلَ: مِنْ مُقَدَّمِهَا ، وَبِالثَّالِثِ الْوَسْطَ "2" .

مسألة رقم ( 78 )
( ويسن الاستنجاء بيساره )
يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يَحْرُمُ .
هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ ؛ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَمِينِهِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ .
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ . قَالَ : وَحَرَّمَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ : الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ أَدَبٌ وَلَيْسَ الْيَمِينُ مَعْصِيَةً
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ .
وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ : يُكْرَهُ بِالْيَمِينِ .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ ؛ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ : النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ .
وَعِبَارَاتُ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ أَذْكُرْهُمْ نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَتَنْزِيهٍ .
والدليل على كراهة الاستنجاء باليمين ؛ قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ ) رواه البخاري ومسلم "3" "4"

مسألة رقم ( 79 )
الاستنجاء ليس واجبا من خروج دود وبعر بلا لوث في المعتمد عند الشافعية ؛ لأن الاستنجاء شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة في هذه الحالة ؛ لكنه يستحب خروجا من الخلاف .
والقول الثاني : يجب ؛ لأنه لا يخلو عن الرطوبة .
واعلم أنه لا يجب الاستنجاء من الريح ؛ بل قال الجرجاني : يكره ؛ وهو المعتمد عند الشافعية .
وَقَدْ نَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ النَّوْمِ وَالرِّيحِ .
وحُكي خلاف شاذٌ : أنه يستنجي منها .
ومن أهل العلم رحمهم الله من نبّه على مسألة مهمة ، وهي خروج الريح برذاذ الغائط كما يقع ذلك في أحوال خاصة كما في حال الإسهال الشديد ، ويشترط للزومه وجود دلالة على رذاذ الغائط ، وإلا لزم البقاء على الأصل .
وعلى هذا القول فإن الإستنجاء لم يكن للريح وإنما هو من أجل خروج شيء من الغائط معه كما لا يخفى "5" .

والله تعالى أعلم .
__________________________________
1 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 146 ؛ وكنز الراغبين ؛ ج 1 ؛ ص 65 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 549 ؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ؛ ج 1 ؛ ص 114 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 229 .
2 – كنز الراغبين ؛ ج 1 ؛ ص 65 .
3 – صحيح البخاري ؛ ج 1 ؛ ص 42 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 225 .
4 – المجموع ؛ ج 1 ؛ ص 108 و 109 .
5 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 152 و 153 ؛ وشرح زاد المستقنع ؛ ج 1 ؛ ص 119 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]
باب الوضوء​

مسألة رقم ( 49 )
فروضه ستة :
أحدها : نية رفع حدث .
- أو استباحة مفتقر إلى طهر .
- أو أداء فرض الوضوء .
o ومن دام حدثه كمستحاضة كفاه نية الاستباحة ؛ دون الرفع على الصحيح فيهما .
o ومن نوى تبردا مع نية معتبرة جاز على الصحيح .
- أو ما يندب له وضوء كقراءة فلا في الأصح .
o ويجب قرنها بأول الوجه ؛ وقيل : يكفي بسنة قبله .
o وله تفريقها على أعضائه في الأصح .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
باب الوضوء​

مسألة رقم ( 80 )
معنى الوضوء لغة واصطلاحا :
الوضوء لغة :
الوَضُوءُ، بِالْفَتْحِ : الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ ، كالفَطُور والسَّحُور لِمَا يُفْطَرُ عَلَيْهِ ويُتَسَحَّرُ بِهِ .
والوَضُوءُ أَيضاً : الْمَصْدَرُ "1" مِنْ تَوَضَّأْتُ للصلاةِ ، مِثْلُ الوَلُوعِ والقَبُولِ .
وَقِيلَ: الوُضُوءُ - بِالضَّمِّ – الْمَصْدَرُ .
ذَكَرَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) "2" فَقَالَ : الوَقُودُ – بِالْفَتْحِ - : الحَطَبُ ، والوُقُود – بِالضَّمِّ - : الاتّقادُ ، وَهُوَ الفعلُ .
قَالَ : وَمِثْلُ ذَلِكَ الوَضُوءُ ، وَهُوَ الْمَاءُ ، والوُضُوءُ ، وَهُوَ الفعلُ .
ثُمَّ قَالَ : وَزَعَمُوا أَنهما لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . يُقَالُ : الوَقُودُ والوُقُودُ، يَجُوزُ أَن يُعْنَى بِهِمَا الحَطَبُ ، وَيَجُوزُ أَن يُعنى بِهِمَا الفعلُ .
وَيُقَالُ : تَوَضَّأْتُ أَتَوَضَّأُ تَوَضُّؤاً ووُضُوءاً ، وأَصل الْكَلِمَةِ مِنَ الوضاءَة ، وَهِيَ : الحُسْنُ والنظافة .
وَالْجَمْعُ : وُضَّاؤُون . "3" .
والوضوء في اصطلاح الفقهاء : هُوَ اسْتِعْمَال الْمَاءِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحًا بِالنِّيَّةِ . "4" .

مسألة رقم ( 81 )
بعض ما جاء في فضل الوضوء :
1 - قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } "5"
2 - قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا » رواه مسلم "6" .
3 – قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ فَيُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا » رواه مسلم "7"
4 – قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ » رواه مسلم "8" .
5 - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ ، لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً ، إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ » رواه ابن ماجة "9" .
6 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : « تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوَضُوءُ » . أخرجه مسلم "10"

مسألة رقم ( 82 )
موجب الوضوء :
اعلم أن الموجب : هو ما يترتب عليه وجوب الشيء .
فموجب الغسل – مثلا - : هو ما يترتب عليه وجوب الغسل ؛ وهو خروج المني ؛ والموت . . . إلخ ؛ كما ستعرف إن شاء الله تعالى .
وموجب الوضوء : هو ما يترتب عليه وجوب الوضوء .
وقد اختلف العلماء في موجب الوضوء على أقوال :
1 – القول الأول : إن موجب الوضوء هو الحدث وجوبا موسعا .
2 – القول الثاني : إن موجب الوضوء هو القيام إلى الصلاة .
3 – القول الثالث : إن موجب الوضوء هو الحدث والقيام إلى الصلاة .
قال البجيرمي رحمه الله تعالى : ( وَالْمُعْتَمَدُ : أَنَّ مُوجِبَهُ الْحَدَثُ ؛ وَالِانْقِطَاعُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ ؛ وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ شرط لِفَوْرِيَّتِهِ ) "11"

مسألة رقم ( 83 )
اعلم إن للوضوء شروطا وفرائض وسننا ومكروهات ؛ أما الشروط فهي ما يلي :
1 - مَاءٌ مُطْلَقٌ .
2 - وَمَعْرِفَةٌ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَلَوْ ظَنًّا .
3 - وَعَدَمُ الْحَائِلِ .
4 - وَجَرْيُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ .
5 - وَعَدَمُ الْمُنَافِي مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ .
6 - وَعَدَمُ الصَّارِفِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِدَوَامِ النِّيَّةِ .
7 - وَإِسْلَامٌ .
8 – وَتَمْيِيزٌ .
9 - وَمَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ .
10 - وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ جُزْءًا يَتَّصِلُ بِالْمَغْسُولِ وَيُحِيطُ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ اسْتِيعَابُ الْمَغْسُولِ .
11 - وَتَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي لِلْوُضُوءِ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ .
12 - وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ مَا هُوَ مُشْتَبَهٌ بِهِ، فَلَوْ خُلِقَ لَهُ وَجْهَانِ أَوْ يَدَانِ أَوْ رِجْلَانِ وَاشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ .
وَيَزِيدُ وُضُوءُ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ بِاشْتِرَاطِ :
1 - دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَوْ ظَنًّا .
2 - وَتَقَدَّمِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالتَّحَفُّظِ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ .
3 - وَالْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوُضُوءِ "12" .
والله تعالى أعلم .

_______________________________________
1 – أي : الحدث ؛ وهو الفعل المعروف .
2 – البقرة / 24 .
3 - لسان العرب ؛ المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ) ؛ الناشر: دار صادر – بيروت ؛ الطبعة : الثالثة - 1414 هـ ؛ ج 1 ؛ 194 و 195 .
4 – الموسوعة الكويتية ؛ ج 43 ؛ ص 315 .
5 – البقرة / 222 .
6 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 203 .
7 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 205 .
8 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 215 .
9 – سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ؛ ص 103 .
10 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 219 .
11 – حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم ؛ ج 1 ؛ ص 137 ؛ و الإقناع مع حاشية البجيرمي عليه ؛ ج 1 ؛ ص 128 .
12 – الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ؛ ج 1 ؛ ص 167 و 168 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 84 )
فرائض الوضوء :
قبل الخوض في تفاصيل فرائض الوضوء ينبغي أن تفهم أمرا في غاية الأهمية ؛ وهو أن المراد بالفرض – هنا - : هو ما كان لا زما لصحة الوضوء ؛ سواء كان شرطا أو ركنا ؛ وذلك لأن بعض ما سنذكره موضع خلاف بين الفقهاء : يعتبره بعضهم ركنا ؛ بينما يعتبره آخرون شرطا .
إذا علمت هذا نأتي على فرائض الوضوء فرضا فرضا بحسب بيان المصنف رحمه الله تعالى :
1 – الفرض الأول : النية
وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ :
حَقِيقَةُ حُكْمٌ مَحَلٌّ وَزَمَنْ ... كَيْفِيَّةٌ شَرْطٌ وَمَقْصُودٌ حَسَنْ
أ - فَحَقِيقَتُهَا - لُغَةً – : الْقَصْدُ .
وَشَرْعًا : قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ .
ب – حكمها :
قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم النية في الوضوء على قولين :
القول الأول : إن النية في الوضوء فرض ؛ وهو مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة "1"
القول الثاني : إن النية في الوضوء سنة ؛ وهو مذهب الحنفية .
وعلى ذلك : فمن أصابه الماء من غير قصد منه فعم أعضاء الوضوء ؛ أو غسل الأعضاء بقصد التبرد أو التنظيف لا بقصد الطهارة ؛ فهذا يعتبر متوضئا عند الحنفية ؛ غير متوضيء عند الجمهور .
وهنا أمر مهم جدا ينبغي أن تكون على علم به قبل استعراض أدلة الفريقين ؛ وهو أن الحنفية رحمهم الله تعالى صرحوا بأمرين اثنين :
الأول : قالوا : إنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ ، لَكِنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الطَّهَارَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِالطَّبْعِ .
قالوا : وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ يَتَأَدَّى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ، وَهَذَا غَلَطٌ ؛ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِبَادَةٌ ، وَالْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ .
الثاني : إنهم صرحوا بأن تارك النية بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ آثم إثما يسيرا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَيْهَا .
إذا علمت هذا أبين لك أدلة الفريقين :
أولا : أدلة الجمهور :
1 - مَا رَوَى عُمَرُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ « إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ "2" .
فَنَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَمَلٌ شَرْعِيٌّ بِدُونِ النِّيَّةِ ؛ وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) يدل على أن فعل المرء إنما يترتب على نيته ؛ فمن نوى شيئا حصل له ؛ ومن لم ينوه لم يحصل له ؛ وعليه فمن استعمل الماء في أعضاء الوضوء بدون نية فإنه لا يحصل له وضوء بذلك
2 – إنها طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ ، فَلَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ .
3 – القياس على التيمم ؛ فإن التيمم تجب فيه النية بالاتفاق وهو طهارة تستباح بها الصلاة ؛ والوضوء أيضا طهارة تستباح بها الصلاة ؛ فوجب القول بوجوب النية فيه .
ثانيا : أدلة الحنفية :
1 – قوله تعالى : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } "3" الْآيَةَ .
ذَكَرَ الشَّرَائِطَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَذَكَرَهَا .
2 – قياس الوضوء على التطهر من النجاسة بجامع أن كلا منهما تطهر بالماء ؛ وأن كلا منهما شرط لصحة الصلاة ؛ فكما لا تجب النية للتطهر من النجاسة فكذلك لا تجب للوضوء .
3 - قياس الوضوء على ستر العورة ؛ بجامع أن كلا منهما شرط لصحة الصلاة ؛ فكما لا تجب النية لستر العورة ؛ فكذلك لا تجب للوضوء "4" .
ج – محل النية
محل النية القلب ؛ ويسن التلفظ بها عند الشافعية ليساعد اللسان القلب .
وفي حاشية ابن عابدين مبينا مذهب الحنفية :
وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا أَوْ يُسَنُّ أَوْ يُكْرَهُ ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ :
اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوَّلَ لِمَنْ لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَتُهُ .
وَفِي الْفَتْحِ : لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ التَّلَفُّظُ بِهَا لَا فِي حَدِيثِ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ ، وَزَادَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ : وَلَا عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ .
وقال المالكية : الْأَوْلَى تَرْكُ التَّلَفُّظِ بِالنية ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّيَّةِ الْقَصْدُ بِالْقَلْبِ لَا عَلَاقَةَ لِلِّسَانِ بِهَا.
وعند الحنابلة : يُسَنُّ النُطْقٌ بِالنية سِرًّا لِيُوَافِقَ لِسَانُهُ قَلْبَهُ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِهَا، وَتَكْرِيرُهَا، بَلْ مَنْ اعْتَادَهُ يَنْبَغِي تَأْدِيبُهُ ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ ، قَالَ: وَيُعْزَلُ عَنْ الْإِمَامَةِ إنْ لَمْ يَنْتَهِ "5" .
ح – زمن النية :
ذهب الشافعية على المعتمد عندهم ؛ والحنفية ؛ والمالكية إلى أن النية يجب أن تكون عند غسل الوجه لِتَقْتَرِنَ بِأَوَّلِ الْفَرْضِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا عَدَا الصَّوْمَ كما ستعرف إن شاء الله تعالى .
والأفضل أن ينوي سنن الوضوء عند غسل الكفين ؛ وينوي فرض الوضوء عند غسل وجهه .
ومقابل المعتمد عند الشافعية : يَكْفِي قَرْنُهَا بِسُنَّةٍ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ ؛ وَالْأَصَحُّ : الْمَنْعُ ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِبَادَةِ أَرْكَانُهَا ، وَالسُّنَنُ تَوَابِعُ
وقال الحنابلة : يَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لَهَا ، فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فِي جَمِيعِهَا ، فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يُعْتَدُّ بِهِ . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ غَسْلِ كَفَّيْهِ ، لِتَشْمَلَ النِّيَّةُ مَسْنُونَ الطَّهَارَةِ وَمَفْرُوضَهَا . فَإِنْ غَسَلَ كَفَّيْهِ قَبْلَ النِّيَّةِ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا .
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، كَقَوْلِنَا فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ "6" .
____________________________
1 – الشافعية والمالكية قالوا : النية في الوضوء فرض ؛ والحنابلة قالوا : النية في الوضوء شرط.
2 – صحيح البخري ؛ ج 1 ؛ ص 6 ؛ وصحيح مسلم ؛ ج 3 ؛ ص 1515 .
3 - [ المائدة : 6 ]
4 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 158 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 222 و 224 ؛ وشرح الخرشي على مختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 253 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 180 و 181 ؛ ومسائل من الفقه المقارن ؛ الدكتور : هاشم جميل ؛ دار الزيبق – دمشق - ؛ دار المناهج – بغداد – الطبعة الأولى ؛ 1428 ه ؛ 2007 م ؛ ج 1 ؛ ص 87 و 88 و 89 و 92 .
5 – حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم الغزي ؛ ج 1 ؛ ص 88 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ ج 1 ؛ ص 226 ؛ والشرح الصغير للدردير على أقرب المسالك ؛ ج 1 ؛ ص 115 ؛ وشرح منتهى الإرادات ؛ ج 1 ؛ ص 53 .
6 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 156 ؛ والدر المختار ؛ ج 1 ؛ ص 225 ؛ وشرحي الخرشي مع حاشية العدوي ؛ ج 1 ؛ ص 254 ؛ والمغني ؛ ج 1 ؛ ص 183 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

كيفية النية :
اعلم أن كيفية النية تختلف باختلاف الأبواب ؛ يهمنا الآن كيفية نية الوضوء ؛ وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن المتوضيء ينوي أحد النيات التالية :
1 –نية رفع الحدث ؛ أَيْ : رَفْعِ حُكْمِ الحدث ؛ كَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوُضُوءِ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْقَصْدِ .
وإنما قلنا : ( رَفْعِ حُكْمِ الحدث ) لأن الحدث لا يرتفع وإنما يرتفع حكمه .
( فرع ) :
بَالَ وَلَمْ يَنَمْ فَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ النَّوْمِ ، فهل تصح هذه النية ؟
إِنْ كَانَ عَامِدًا لَمْ يَصِحَّ أَوْ غَالِطًا صَحَّ .
وَضَابِطُ مَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ وَمَا لَا يَضُرُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : أَنَّ مَا يُعْتَبَرُ التَّعَرُّض لَهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا أَوْ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ، فَالْأَوَّلُ – وهو مَا يُعْتَبَرُ التَّعَرُّض لَهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا - كَالْغَلَطِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسِهِ ؛ فَإِنَّ الصَّوْمَ يُشْتَرَطُ قَصْدُهُ فَفِيهِ التَّعَرُّضُ جُمْلَةً بِكَوْنِهِ صَوْمًا ؛ وَتَفْصِيلًا بِكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً . فَإِذَا أَخْطَأَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ضَرَّ وَمِثْلُهُ الصَّلَاةُ ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهَا جُمْلَةً مِنْ حَيْثُ قصد فعل الصلاة وتفصيلا من حيث كَوْنُهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَالثَّانِي – وهو ما يعتبر التعرض له جملة لا تفصيلا - : كَالْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ ، فَإِنَّ الْقُدْوَةَ يُعْتَبَرُ التَّعَرُّضُ لَهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْمُقْتَدَى بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ ، لَكِنْ لَوْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ أَضَرَّ - حَيْثُ لَا إشَارَةَ - وذلك لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ بِغَيْرِ الْإِمَامِ .
وَمَا لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا لَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ كَالْخَطَأِ هُنَا، وَفِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ التَّعَرُّض لِلْإِمَامَةِ .
أَمَّا إذَا وَجَبَ التَّعَرُّض لَهَا كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ .
2 – أن ينوي استباحة شيء مفتقر إلى وضوء ؛ كأن يقول : نويت استباحة الصلاة ؛ أو يقول : نويت استباحة مس المصحف ؛ أو يقول : نويت استباحة الطواف ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ إنَّمَا يُطْلَبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، فَإِذَا نَوَاهَا فَقَدْ نَوَى غَايَةَ الْقَصْدِ .
فإن نوى استباحة ما هو مباح مع الحدث ؛ كأن يقول : نويت استباحة قراءة القرآن ؛ أو يقول : نويت استباحة دخول المسجد ؛ فليست معتبرة على المعتمد عند الشافعية والمالكية ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَتَضَمَّنُ قَصْدُهُ رَفْعَ الْحَدَثِ ، فَكَانَ كَزِيَارَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالصَّدِيقِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِنِيَّتِهِ .
ومقابل المعتمد عند الشافعية والأولى عند الحنابلة : صِحَّةُ طَهَارَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ ، وَهُوَ الْفَضِيلَةُ الْحَاصِلَةُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ ، فَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ ، كَمَا لَوْ نَوَى بِهَا مَا لَا يُبَاحُ إلَّا بِهَا .
3 – أن ينوي أداء فرض الوضوء ؛ أَوْ فَرْضِ الْوُضُوءِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ صَبِيًّا، أَوْ أَدَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الْوُضُوءِ فَقَطْ لِتَعَرُّضِهِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ .
( فرع )
من أراد تجديد الوضوء يقتصر عَلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ فَرْضِ الْوُضُوءِ و يُرِيدُ بِهِ الْفَرْضَ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ نفسه ؛ أَوْ الْفَرْضِ الصُّورِيِّ ، وَلَا تَصِحُّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَصَدَ بِنِيَّتِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةَ مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ الرَّافِعِ أَوْ الْمُبِيحِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ .
( فرع )
( وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ ) وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ رِيحٌ ( كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ ) الْمُتَقَدِّمَةِ ( دُونَ ) نِيَّةِ ( الرَّفْعِ ) الْمَارِّ لِبَقَاءِ حَدَثِهِ ( عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا ) أي : في نية الاستباحة دون نية الرفع .
وَجْهُ الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ : الْقِيَاسُ عَلَى التَّيَمُّمِ بِجَامِعِ بَقَاءِ الْحَدَثِ .
وَأَمَّا عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الرَّفْعِ فَلِبَقَاءِ حَدَثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَالثَّانِي : يَصِحُّ فِيهِمَا .
وَالثَّالِثُ : لَا يَصِحُّ فِيهِمَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا .
وَعَلَى الْأَوَّلِ : يُنْدَبُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ لِتَكُونَ نِيَّةُ الرَّفْعِ لِلْحَدَثِ السَّابِقِ ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ أَوْ نَحْوِهَا لِلَّاحِقِ .
( فرع )
( وَمَنْ نَوَى ) بِوُضُوئِهِ ( تَبَرُّدًا ) أَوْ شَيْئًا يَحْصُلُ بِدُونِ قَصْدٍ كَتَنْظِيفٍ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ ( مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ ) أَيْ : مُسْتَحْضِرًا عِنْدَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ نَحْوِهِ نِيَّةَ الْوُضُوءِ ( جَازَ ) أَيْ : أَجْزَأَهُ ذَلِكَ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) وهو مذهب المالكية والحنابلة ؛ وذلك لِحُصُولِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
وَالقول الثَّانِي عند الشافعية : يَضُرُّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْرِيكِ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَغَيْرِهَا .
( فرع )
( وَلَهُ تَفْرِيقُهَا ) أَيْ : النِّيَّةِ ( عَلَى أَعْضَائِهِ ) أَيْ : الْوُضُوءِ بِأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ ؛ سواء نفاه عن غيره أم لا . هذا هو المعتمد لدى الشافعية .
والقول الثاني : ليس له تفريقها على أعضائه ؛ قياسا على الصوم والصلاة.
والثالث : إن لم ينفه عن غيره صح جزما "1" .

والله تعالى أعلم .
د - شروط النية :
1 - إسْلَامُ النَّاوِي .
2 - تَمْيِيزُهُ .
3 - عِلْمُهُ بِالْمَنْوِيِّ .
4 - عَدَمُ إتْيَانِهِ بِمُنَافِيهَا بِأَنْ يَسْتَصْحِبَهَا حُكْمًا .
ذ - المقصود بالنية :
وَالْمَقْصُودُ بِهَا :
أ - تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ كَالْجُلُوسِ لِلِاعْتِكَافِ تَارَةً وَلِلِاسْتِرَاحَةِ أُخْرَى .
ب - أَوْ تَمْيِيزُ رُتَبِهَا كَالصَّلَاةِ تَكُونُ تَارَةً فَرْضًا وَأُخْرَى نَفْلًا "2" .

والله تعالى أعلم .
___________________________
1 – مغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 151 و 152 و 153 و 154 و 155 و 157 ؛ والنجم الوهاج ؛ ج 1 ؛ ص 320 ؛ وتحفة المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 69 ؛ وحاشية البجيرمي على الخطيب ؛ ج 1 ؛ ص 131 و 133 و 134 ؛ و كشاف القناع ؛ ج 1 ؛ ص 88 ؛ ومختصر خليل ؛ ج 1 ؛ ص 253 .
2 – نهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 158 و 159 .
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 50 )
الثاني : غسل وجهه .
- وهو ما بين منابت رأسه غالبا ومنتهى لحييه وما بين أذنيه .
- فمنه : موضع الغمم .
- وكذا التحذيف في الأصح .
- لا النزعتان وهما بياضان يكتنفان الناصية .
- قلت : صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس . والله أعلم .
o ويجب غسل كل هدب وحاجب وعذار وشارب وخد وعنفقة شعرا وبشرا .
- وقيل : لا يجب باطن عنفقة كثيفة .
واللحية إن خفت كهدب وإلا فليغسل ظاهرها .
- وفي قول : لا يجب غسل خارج عن الوجه .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة رقم ( 85 )
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ غَسْل ظَاهِرِ الْوَجْهِ بِكَامِلِهِ مَرَّةً فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ .
الأدلة :
1 - قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ( { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } . . .) "1" .
2 - مَا رَوَى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَل كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَل وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَل يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَل يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْل ذَلِكَ ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ غَسَل رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَل الْيُسْرَى مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ قَال : رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا .
رواه مسلم "2" .
3 - الإجماع عَلَى وُجُوبِ غَسْل الْوَجْهِ بِكَامِلِهِ فِي الْوُضُوءِ "3"

( فرع )
الْوَجْهُ وَحَدُّهُ :
قَال الْفُقَهَاءُ : الْوَجْهُ هُوَ مَا تَحْصُل بِهِ الْمُوَاجَهَةُ ، فَيُغْسَل ظَاهِرُهُ كُلُّهُ .
وَقَال الْفُقَهَاءُ : حَدُّ الْوَجْهِ عَرْضًا : مَا بَيْنَ الأْذُنَيْنِ .
وَحَدُّهُ طُولاً : مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعَرِ رَأْسِهِ غالبا – أَيْ : أَنَّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْبُتَ عَلَيْهِ الشَّعْرُ الْمَذْكُورُ - وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بَعْضُهُمْ : مِنْ مَبْدَأِ أَعْلَى جَبْهَتِهِ. . إِلَى أَسْفَل الذَّقَنِ
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : ذَلِكَ فِيمَنْ لاَ لِحْيَةَ لَهُ ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ. . فَمُنْتَهَى لِحْيَتُهُ .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ : الْمُسْتَرْسِل ؛ أَيِ : الْخَارِجُ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ مِنَ الشَّعْرِ لاَ يَجِبُ غَسْلُهُ ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا يُوَاجِهُ إِلَى الْمُتَّصِل عَادَةً لاَ إِلَى الْمُسْتَرْسِل فَلَمْ يَكُنْ وَجْهًا، فَلاَ يَجِبُ غَسْلُهُ ، وَلاَ يَجِبُ مَسْحُهُ كَذَلِكَ ، بَل يُسَنُّ ، وَالسِّلْعَةُ إِذَا تَدَلَّتْ عَنِ الْوَجْهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : الشُّعُورُ الْخَارِجَةُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْل ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا مُطْلَقًا إِنْ خَفَّتْ ، وَظَاهِرِهَا مُطْلَقًا إِنْ كَثُفَتْ.
وَفِي قَوْلٍ : لاَ يَجِبُ غَسْل خَارِجٍ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ مِنْ لِحْيَةٍ وَغَيْرِهَا خَفِيفًا كَانَ أَوْ كَثِيفًا، لاَ ظَاهِرًا وَلاَ بَاطِنًا ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَل الْفرَضِ.
وَقَالُوا: يَجِبُ غَسْل سِلْعَةٍ "4" نَبَتَتْ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّهِ ؛ لِحُصُول الْمُوَاجَهَةِ بِهَا "5" .

غَسْل مَوْضِعِ الْغَمَمِ :
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَدْخُل فِي غَسْل الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ مَوْضِعُ الْغَمَمِ مِنَ الْوَجْهِ ؛ لِحُصُول الْمُوَاجَهَةِ بِهِ .
وَمَوْضِعُ الْغَمَمِ : هُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ مِنَ الْجَبْهَةِ .
وَالْغَمَمُ : أَنْ يَسِيل الشَّعْرُ حَتَّى يَضِيقَ الْجَبْهَةُ وَالْقَفَا فَيَغْسِل الْمُتَوَضِّئُ مَا نَزَل مِنَ الشَّعْرِ عَنِ الْمُعْتَادِ مِنْ حَدِّ مَنْبَتِهِ فِي الرَّأْسِ ، وَيَنْتَهِي إِلَى الْمُعْتَادِ وَقَدْرِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْوَاجِبُ ، وَمَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ .

غَسْل مَوْضِعِ التَّحْذِيفِ فِي الْوُضُوءِ :
مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ : هُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِذَارِ وَالنَّزْعَةِ "6" .
وَضَابِطُهُ : أَنْ تَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى طَرَفِ الأْذُنِ، وَالطَّرَفَ الثَّانِيَ عَلَى أَعْلَى الْجَبْهَةِ، وَتَفْرِضَ هَذَا الْخَيْطَ مُسْتَقِيمًا، فَمَا نَزَل عَنْهُ إِلَى جَانِبِ الْوَجْهِ فَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُول مَوْضِعِ التَّحْذِيفِ فِي غَسْل الْوَجْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ :
1 - فَذَهَبَ الجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةُ ؛ والحنفيةُ وَالْمَالِكِيَّةُ- فِي الصحيح عندهم - وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ - : إِلَى أَنَّ مَوْضِعَ التَّحْذِيفِ مِنَ الرَّأْسِ لاِتِّصَال شَعْرِهِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ ، فَلاَ يُغْسَل مَعَ الْوَجْهِ .
2 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي رَأْيٍ آخَرَ ؛ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ ؛ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ - قَال الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا : هُوَ الأْصَحُّ - إِلَى أَنَّ التَّحْذِيفَ مِنَ الْوَجْهِ لِمُحَاذَاتِهِ بَيَاضَ الْوَجْهِ فَيُغْسَل مَعَهُ "7" .

غَسْل الصُّدْغِ وَمَوْضِعِ الصَّلَعِ وَالنَّزْعَتَيْنِ :
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصُّدْغَ وَمَوْضِعَ الصَّلَعِ وَالنَّزْعَتَانِ لَيْسَتْ مِنَ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الرَّأْسِ .
وَالصُّدْغُ : هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ يُحَاذِي رَأْسَ الأْذُنِ وَيَنْزِل عَنْهُ قَلِيلاً .
وَمَوْضِعُ الصَّلَعِ : هُوَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ إِذَا خَلاَ مِنَ الشَّعْرِ .
وَالنَّزْعَتَانِ : هُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ جَانِبَيْ مُقَدِّمَةِ الرَّأْسِ .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : الصُّدْغُ مِنَ الْوَجْهِ فَيُغْسَل .
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ : يُسَنُّ غَسْل مَوْضِعِ الصَّلَعِ وَالتَّحْذِيفِ وَالنَّزَغَيْنِ وَالصُّدْغَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ ؛ لِلْخِلاَفِ فِي وُجُوبِهَا فِي غَسْلِهِ "8" .

غَسْل الْبَيَاضِ بَيْنَ الْعِذَارِ وَالأْذُنِ :
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَبِهِ يُفْتَى - إِلَى أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالأْذُنِ مِنَ الْوَجْهِ ؛ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّهِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : أَنَّهُ لاَ يَدْخُل فِي الْوَجْهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - كَمَا قَرَّرَ الدُّسُوقِيُّ - أَنَّ الْبَيَاضَ الْمُحَاذِيَ لِوَتَدِ الأْذُنِ مِنَ الْوَجْهِ بِاتِّفَاقٍ ، وَكَذَا مَا كَانَ تَحْتَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلاَفًا لِمَنْ قَال : إِنَّهُ لاَ يُغْسَل وَلاَ يُمْسَحُ مَعَ الرَّأْسِ ، وَأَمَّا الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَهُ فَهُوَ مِنَ الرَّأْسِ "9" .

غَسْل الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى الْوَجْهِ :
إِنْ كَانَ مَا فِي الْوَجْهِ مِنْ شَعَرٍ هُدْبًا، أَوْ حَاجِبًا، أَوْ شَارِبًا، أَوْ عَنْفَقَةً - وَهِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى - أَوْ لِحْيَةَ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى. . فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ غَسْل هَذَا الشَّعْرِ - خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا - عَلَى النَّحْوِ التَّالِي :
قَال الشَّافِعِيَّةُ: شُعُورُ الْهُدْبِ وَالْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ وَالْعِذَارِ وَالْعَنْفَقَةِ والخد تُغْسَل شَعْرًا وَبَشَرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَتْ ؛ لأِنَّ كَثَافَتَهَا نَادِرَةٌ .
وَقِيل : لاَ يَجِبُ غَسْل بَاطِنِ عَنْفَقَةٍ كَثِيفَةٍ وَلاَ بَشَرَتِهَا كَاللِّحْيَةِ .
وَفِي ثَالِثٍ : يَجِبُ إِنْ لَمْ تَتَّصِل بِاللِّحْيَةِ .
وقَال الْحَنَفِيَّةُ : لاَ يَجِبُ غَسْل أُصُول شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ وَالْعَنْفَقَةِ إِذَا كَانَ هَذَا الشَّعْرُ كَثِيفًا ؛ لِلْحَرَجِ فِي إِيصَال الْمَاءِ إِلَى أُصُول الشَّعْرِ وَيُسَنُّ تَخْلِيل لِحْيَةِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ، أما المحرم فمكروه ؛ أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّعْرُ خَفِيفًا تَبْدُو الْبَشَرَةُ مِنْ خِلاَلِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي نَبَتَ عَلَيْهَا .
وَلاَ يَجِبُ غَسْل الْمُسْتَرْسِل مِنَ الشَّعْرِ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ كَمَا لاَ يَجِبُ مَسْحُهُ .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : يَجِبُ غَسْل الْوَجْهِ مَعَ تَخْلِيل شَعْرٍ مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ حَاجِبٍ أَوْ شَارِبٍ أَوْ عَنْفَقَةٍ أَوْ هُدْبٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ ، وَالتَّخْلِيل: إِيصَال الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ أَيِ الْجِلْدَةِ النَّابِتِ فِيهَا الشَّعْرُ.
وَهَذَا فِي الشَّعْرِ الْخَفِيفِ ، أَمَّا الْكَثِيفُ فَلاَ يُخَلِّلُهُ ، بَل يُكْرَهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَمُّقِ ، وَيَكْفِي إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ دُونَ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ .
قَال الدَّرْدِيرُ: وَلاَ يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ تَحْرِيكُهُ لِيَدْخُل الْمَاءُ بَيْنَ ظَاهِرِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِل إِلَى الْبَشَرَةِ. قَال الدُّسُوقِيُّ: وَهُوَ الرَّاجِحُ، خِلاَفًا لِمَنْ قَال بِنَدْبِهِ، وَلِمَنْ قَال بِوُجُوبِ تَخْلِيلِهِ ، وَقَال: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُل فِي وُجُوبِ تَخْلِيل الْخَفِيفِ، وَفِي الأْقْوَال الثَّلاَثَةِ فِي الْكَثِيفِ.
وقال الحنابلة : هَذِهِ الشُّعُورُ كُلُّهَا إنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَا تَصِفُ الْبَشَرَةَ ، أَجْزَأَهُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كَثِيفًا وَبَعْضُهَا خَفِيفًا، وَجَبَ غَسْلُ بَشَرَةِ الْخَفِيفِ مَعَهُ وَظَاهِرِ الْكَثِيفِ. أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَمِنْهم مَنْ ذَكَرَ فِي الشَّارِبِ، وَالْعَنْفَقَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ، وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ، وَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ، وَجْهًا آخَرَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ بَاطِنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتُرُ مَا تَحْتَهَا عَادَةً، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ .
أجاب أصحاب الرأي الأول : أَنَّهُ شَعْرٌ سَاتِرٌ لِمَا تَحْتَهُ، أَشْبَهَ لِحْيَةَ الرَّجُلِ، وَدَعْوَى النُّدْرَةِ فِي الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ، غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ الْعَادَةُ ذَلِكَ "10" .

غَسْل اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ :
تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ الأْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْل بَشَرَةِ الْوَجْهِ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ إِنْ كَانَ خَفِيفًا تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ مِنْ تَحْتِهِ، فَيَغْسِل الْبَشَرَةَ وَيَغْسِل اللِّحْيَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالْمُرَادُ بِظُهُورِ الْبَشَرَةِ ظُهُورُهَا فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، وَوَجْهُ الْوُجُوبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فِي الْوُضُوءِ غَسْل الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ، وَالْمُوَاجَهَةُ تَحْصُل فِي اللِّحْيَةِ ذَاتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ بِبَشَرَةِ الْوَجْهِ وَبِالشَّعْرِ الَّذِي عَلَيْهَا.
وَهَذَا الاِتِّفَاقُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنَ الشَّعْرِ فِي حَيِّزِ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، دُونَ الْمُسْتَرْسِل مِنَ اللِّحْيَةِ تَحْتَ الذَّقْنِ طُولاً، وَدُونَ الْخَارِجِ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا، فَإِنَّ فِي هَذَا خِلاَفًا يَأْتِي بَيَانُهُ إن شاء الله تعالى .
أَمَّا اللِّحْيَةُ الْكَثِيفَةُ فَتَتَّفِقُ الأْقْوَال الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْل بَاطِنِهَا وَلاَ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَمَنَابِتِ الشَّعْرِ، لِعَدَمِ حُصُول الْمُوَاجَهَةِ بِهِ لأِنَّهُ لاَ يُرَى فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، فَلاَ يَكُونُ مِنَ الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِغَسْلِهِ ؛ وَلأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَل بِهَا وَجْهَهُ "11" . رواه البخاري .
قَالُوا: وَالْغُرْفَةُ لاَ تَكْفِي لِغَسْل الْوَجْهِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَبَاطِنِهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَال يَنْتَقِل حُكْمُ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ إِلَيْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَيَجِبُ غَسْل ظَاهِرِ مَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ مِنْهَا.
وَلاَ يُسَنُّ غَسْل بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُسْر ؛ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الإْقناع مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ غَسْل بَاطِنِهَا مَكْرُوهٌ
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ يَغْسِل اللِّحْيَةَ الْكَثِيفَةَ فِي الْوُضُوءِ وَلاَ يَغْسِل مَا تَحْتَهَا أَيْضًا، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَ بِغَسْل الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ اسْمٌ لِلْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْصُل بِهَا الْمُوَاجَهَةُ، وَالشَّعْرُ لَيْسَ بِبَشَرَةٍ، وَمَا تَحْتَهُ مِنَ الْبَشَرَةِ لاَ تَحْصُل بِهِ الْمُوَاجَهَةُ.
وَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ : أَنَّ الرِّوَايَةَ الأْولَى هِيَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَمَا عَدَاهَا مَرْجُوعٌ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ ابْنَ قُدَامَةَ ضَعَّفَ رِوَايَةَ عَدَمِ الْغَسْل عَنْ أَحْمَدَ وَأَوَّلَهَا.
وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْل الْبَشَرَةِ وَبَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ - كَغَيْرِ الْكَثِيفَةِ - فِي الْوُضُوءِ كَمَا فِي الْغَسْل، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْل الْوَجْهِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَشَرَةِ، وَتَدْخُل اللِّحْيَةُ تَبَعًا، وَنَقَل الْقَرَافِيُّ قَوْلاً مِثْل هَذَا لِلْمَالِكِيَّةِ. قَال: لأِنَّ الْخِطَابَ مُتَنَاوِلٌ لَهُ بِالأْصَالَةِ، وَلِغَيْرِهِ بِالرُّخْصَةِ، وَالأْصْل عَدَمُهَا.
وَعَلَى الْقَوْل الأْوَّل، وَهُوَ قَوْل الأْكْثَرِينَ، يَكُونُ غَسْل ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ - عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ - بِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : الْمُرَادُ بِغَسْل ظَاهِرِهَا إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَيْهَا بِالْمَاءِ وَتَحْرِيكُهَا بِهِ لأِنَّ الشَّعْرَ يَدْفَعُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، فَإِذَا حَرَّكَهُ حَصَل الاِسْتِيعَابُ .
قَالُوا : وَهَذَا التَّحْرِيكُ خِلاَفُ التَّخْلِيل "12" .

مَا اسْتَرْسَل مِنَ اللِّحْيَةِ أَوْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي غَسْل مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفَرْضِ مِنَ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ :
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ غَسْلُهُ وَلاَ مَسْحُهُ وَلاَ تَخْلِيلُهُ، لأِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ، لأِنَّهُ شَعْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَحِل الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ مَا نَزَل مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنِ الرَّأْسِ، لاَ يَجِبُ مَسْحُهُ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ.
ثُمَّ قَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ : إِنَّ غَسْل هَذَا الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسِل مِنَ اللِّحْيَةِ مَسْنُونٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، إِلَى وُجُوبِ غَسْل ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ كُلِّهَا مِمَّا هُوَ نَابِتٌ فِي مَحَل الْفَرْضِ سَوَاءٌ حَاذَى مَحَل الْفَرْضِ أَوْ جَاوَزَهُ، قَال الشَّافِعِيَّةُ : وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْل مَا جَاوَزَ مَحَل الْفَرْضِ بِالتَّبَعِ .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ : لأِنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجَهَةِ ، بِخِلاَفِ مَا نَزَل مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُشَارِكُ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّسِ "13"

والله تعالى أعلم .

________________________________
1 – سورة المائدة / 6 .
2 – صحيح مسلم ؛ ج 1 ؛ ص 204 .
3 – الموسوعة الفقهية الكويتية ؛ ج 43 ؛ ص 332 و 333 .
4 - وَالسِّلْعَة بِالْكَسْرِ زِيَادَة تَحَدُّثٍ فِي الْجَسَدِ كَالْغُدَّةِ تَتَحَرَّكُ إِذَا حَرَّكَتْ .
5 – الموسوعة الكويتية ؛ ج 43 ؛ ص 333 و 334 و الشرح الصغير مع حاشية الصاوي ؛ ج 1 ؛ ص 105 ؛ ومغني المحتاج ؛ ج 1 ؛ ص 160 و 161 ؛ ونهاية المحتاج ؛ ج 1 ؛ 171 ؛ والدر المختار ورد المحتار ؛ ج 1 ؛ ص 215 و 216 .
6 – الْعِذَار : هُوَ شِعْرٌ نَابَتْ عَلَى عَظْم نَاتِئ يُحَاذِي صِمَاخ الأْذُن بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْعَارِض. وَالْعَارِضُ : هُوَ الشَّعْر النَّابِتُ عَلَى الْخَدِّ وَاللَّحْيَيْنِ .
وَالصُّدْغُ : هُوَ مَا فَوْقَ الْعِذَارِ يُحَاذِي رَأْس الأْذُن وَيَنْزِل .
7 – الموسوعة الكويتية ؛ 43 / 337 و 338 ؛ و مواهب الجليل ؛ 185 و 186 ؛ وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ؛ 1 / 94 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 159 ؛ والمغني ؛ 1 / 188.
8 – الشرح الكبير للدردير ؛ 1 / 85 و 86 ؛ وكشاف القناع ؛ 1 / 95 ؛ والموسوعة الكويتية ؛ 43 / 339 و 340 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 210 ؛ والمغني ؛ 1 / 187 .
9 – مغني المحتاج ؛ 1 / 159 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 211 ؛ والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ؛ 1 / 85 ؛ والمغني ؛ 1 / 186 .
10 – الموسوعة الكويتية ؛ 43 / 334 و 335 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 211 و 215 و 238 ؛ والشرح الكبير وحاشية السوقي ؛ 1 / 86 ؛ والشرح الصغير بهامش حاشية الصاوي ؛ 1 / 107 ؛ والمغني ؛ 1 / 188 .
11 – صحيح البخاري ؛ 1 / 40 .
12 - الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ؛ 1 / 86 ؛ والمغني ؛ 1 / 166 و 167 و 189 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 211 و 215 ؛ وكنز الراغبين ؛ 1 / 71 .
13 – الذخيرة ؛ المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي ( المتوفى: 684هـ ) ؛ المحقق : جزء 1، 8، 13: محمد حجي ؛ جزء 2، 6: سعيد أعراب ؛ جزء 3 - 5، 7، 9 - 12: محمد بو خبزة ؛ الناشر: دار الغرب الإسلامي- بيروت ؛ الطبعة : الأولى، 1994 م ؛ 1 / 254 ؛ والمغني ؛ 1 / 189 ؛ والدر المختار و رد المحتار ؛ 1 / 215 و 216 ؛ وكنز الراغبين ؛ 1 / 71 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 51 )
الثالث : غسل يديه مع مرفقيه .
- فإن قطع بعضه وجب غسل ما بقي .
- أو من مرفقيه فرأس عظم العضد على المشهور .
- أو فوقه ندب باقي عضد .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة رقم ( 86 )
الفرض الثاني ( غسل اليدين إلى المرفقين )
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ غَسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ وَفَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهِ ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ .
أَمَّا الْكِتَابُ ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } "1"
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَبِمَا رُوِيَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، فَغَسَل وَجْهَهُ ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ غَسَل يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ، ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ " رواه مسلم "2" .
وَأَمَّا الإْجْمَاعُ ؛ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الأّْمةِ فِي وُجُوبِ غَسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ "3" .

دخول المرفقين في غسل اليدين :
ذهب الجمهور من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة إلى دخول المرفقين في غسل اليدين ؛ فيجب غسلهما مع غسل اليدين .

الأدلة :
1 - قَوْلُهُ تَعَالَى : ( { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } ) ، سَوَاءٌ كَانَ مَعْنَى " إِلَى " الْوَارِدِ فِي الآْيَةِ بِمَعْنَى " مَعَ " فَدُخُول الْمِرْفَقِ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْغَايَةِ فَالْحَدُّ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ دَخَل فِيهِ وَأَصْبَحَ شَامِلاً لِلْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ .
2 - حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ إِلَى مِرْفَقَيْهِ " رواه الدار قطني "4" .
3 – ما روي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَل يَدَيْهِ حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدَيْنِ وَغَسَل رِجْلَيْهِ حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَال : " هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ "
فَثَبَتَ غَسْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِعْلُهُ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الآْيَةِ وَلَمْ يُنْقَل تَرْكُهُ ذَلِكَ "5" .
وذهب بعض المالكية إلى عدم دخول المرفقين وهو قول زفر من الحنفية لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْلِ إلَيْهِمَا، وَجَعَلَهُمَا غَايَتَهُ بِحَرْفِ إلَى، وَهُوَ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَلَا يَدْخُلُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } "6" "7"

قَطْعُ بَعْضِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الْيَدِ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قُطِعَ بَعْضُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الْيَدِ وَجَبَ غَسْل مَا بَقَى مِنْهُ؛ لِحَدِيثِ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأَتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " أخرجه البخاري ومسلم "8" ، وَلأِنَّ الْمَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ "9" .

قَطْعُ الْيَدِ مِنَ الْمِرْفَقِ:
إِذَا قُطِعَتِ الْيَدُ مِنَ الْمِرْفَقِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ غَسْل الْمِرْفَقِ فِي حُكْمِ غَسْل مَوْضِعِ الْقَطْعِ :
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى وُجُوبِ غَسْل الْعَظْمِ الَّذِي هُوَ طَرَفُ الْعَضُدِ؛ لأِنَّ غَسْل الْعَظْمَيْنِ الْمُتَلاَقِيَيْنِ مِنَ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ وَاجِبٌ، فَإِذَا زَال أَحَدُهُمَا غُسِل الآْخَرُ؛ وَلأِنَّهُ مِنَ الْمِرْفَقِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلٍ لِلْمَشْهُورِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ غَسْل مَوْضِعِ الْقَطْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ طَرَفُ عَظْمِ السَّاعِدِ فَقَطْ، وَوُجُوبُ غَسْل رَأْسِ الْعَضُدِ كَانَ بِالتَّبَعِيَّةِ؛ وَلأِنَّ الْمِرْفَقَ فِي الذِّرَاعِ، وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ الْقَطْعُ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ : إِلاَّ إِنْ عَرَفَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنَ الْمِرْفَقِ شَيْءٌ فِي الْعَضُدِ، فَيُغْسَل مَوْضِعُ الْقَطْعِ "10" .

قَطْعُ الْيَدِ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ:
إِذَا قُطِعَتِ الْيَدُ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الْغَسْل؛ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ غَسْل بَاقِي عَضُدِهِ؛ لِئَلاَّ يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ، وَلِتَطْوِيل التَّحْجِيل كَمَا لَوْ كَانَ سَلِيمَ الْيَدِ، وَلأِنَّ فِي هَذَا الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ، كَإِمْرَارِ الْمُحْرِمِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ شَعْرِهِ .
وَقَالُوا: وَإِنْ قُطِعَ مِنْ مَنْكِبِهِ نُدِبَ غَسْل مَحَل الْقَطْعِ بِالْمَاءِ . نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ "11" .

والله تعالى أعلم .

__________________________________
1 – المائدة / 6 .
2 – صحيح مسلم ؛ 1 / 216 .
3 – الموسوعة الكويتية ؛ 43 / 341 .
4 – سنن الدار قطني ؛ 1 / 142 .
5 – الموسوعة الكويتية ؛ 43 / 341 و 342 ؛ والهداية بهامش فتح القدير ؛ 1 / 15 ؛ ومواهب الجليل ؛ 1 / 191 ؛ والمغني ؛ 1 /
6 – البقرة / 187 .
7 – الهداية بهامش فتح القدير ؛ 1 / 15 ؛ ومواهب الجليل ؛ 1 / 191 ؛ والمغني ؛ 1 /
8 – البخاري ؛ 9 / 94 ؛ ومسلم ؛ 2 / 975 .
9 – الموسوعة الكويتية ؛ 43 / 342 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 217 و 218 ؛ ومواهب الجليل ؛ 1 / 191 ؛ والمغني ؛ 1 / 196 .
10 – الموسوعة الكويتية ؛ 43 / 342 و 343 ؛ والدر المختار ؛ 1 / 217 ؛ ومواهب الجليل ؛ 1 / 292 ؛ والمغني ؛ 196 ؛
11 – الموسوعة الكويتية ؛ 43 / 343 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 162 ؛ وحاشية ابن عابدين ؛ 1 / 217 ؛ وشرح الخرشي على مختصر خليل ؛ 1 / 244 ؛ والمغني ؛ 196 .[/COLOR]
 
إنضم
13 فبراير 2013
المشاركات
94
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الشرح المقارن على منهاج الطالبين / كتاب الطهارة

[COLOR=#00000]مسألة رقم ( 52 )
الرابع : مسمى مسح لبشرة رأسه أو شعر في حده .
- والأصح : جواز غسله ووضع اليد بلا مد .
مسألة رقم ( 53 )
الخامس : غسل رجليه مع كعبيه .
مسألة رقم ( 54 )
السادس : ترتيبه هكذا .
- فلو اغتسل محدث ؛ فالأصح أنه إن أمكن تقدير ترتيب بأن غطس ومكث صح وإلا فلا .
قلت : الأصح الصحة بلا مكث . والله أعلم .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
مسألة رقم ( 87 )
الفرض الرابع ( مسح الرأس )
لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ مَسْحِ الرَّأْسِ ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } ؛ إنما الخلاف في المقدار الواجب :
1 – ذهب الشافعية إلى أن الواجب هو ما يسمى مسحا ولو لبعض شعرة واحدة .
واستدلوا بحديث مُسْلِمٍ : « أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ » "1" قالوا : وَالِاكْتِفَاءُ بِالناصية يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ التَّقْدِيرِ بِالرُّبْعِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا دُونَهُ .
2 – ذهب الحنفية إلى أن الْمَفْرُوضَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ رُبْعُ الرَّأْسِ .
واستدلوا بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - « رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ » "2" وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حُجَّةٌ ، وَظَاهِرُهُ : اسْتِيعَابُ تَمَامِ الْمُقَدَّمِ ، وَتَمَامُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ هُوَ الرُّبْعُ الْمُسَمَّى بِالنَّاصِيَةِ .
وَقِطْرِيَّةٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ : ثِيَابٌ حُمْرٌ لَهَا أَعْلَامٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى قَطَرَ .
3 – ذهب المالكية والحنابلة إلى أن الواجب هو مسح جميع الرأس .
لأن لفظ ( الرأس ) يقع حقيقة إلى جميعه وقد أمر الله تعالى بمسح ما يتناوله الاسم فيجب مسح جميع الرأس .
وروى مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ ؟
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ: نَعَمْ . فَدَعَا بِوَضُوءٍ. فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثاً. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثاً. ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا، حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ "3" .
وكل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه ذكر أنه مسح رأسه كله وفعل النبي صلى الله عليه وسلم رافع لكل خلاف "4"
فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ فَمَسَحَ الشَّعْرَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى رأسا ؛ وهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا "5"
قول المصنف : ( أو شعر في حده ) أَيْ : الرَّأْسِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ بِالْمَدِّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ نُزُولِهِ ، فَلَوْ خَرَجَ بِهِ عَنْهُ مِنْهَا لَمْ يَكْفِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَجَعِّدًا بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ لَخَرَجَ عَنْ الرَّأْسِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ "6" .

غسل الرأس بدل مسحه :
ذهب الشافعية – على المعتمد عندهم – إلى جواز غسل الرأس بدل مسحه ؛ وذلك لأن الغسل مسح وزيادة ؛ وهو قول للحنابلة .
ومقابل المعتمد لدى الشافعية وقول للحنابلة : لا يجزيء ؛لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْمَسْحِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ وَأَمَرَ بِالْمَسْحِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْ عَنْ النَّوْعِ الْآخَرِ، كَالْمَسْحِ عَنْ الْغَسْلِ .
وقال المالكية بالجواز لكن مع الكراهة "7" .

وضع اليد على الرأس بلا مد :
لو وَضَعَ عَلَى رأسه يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ "8" .

مسألة رقم ( 88 )
الفرض الخامس ( غسل الرجلين إلى الكعبين )
اتفق الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة إلى وجوب غسل الرجلين وأن مسحهما غير مجزيء .
وفي المغني لابن قدامة رحمه الله تعالى : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ.
الأدلة :
1 - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، وَعُثْمَانَ، حَكَيَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَا : فَغَسَلَ رجليه "9" .
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: « ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ "10" .
وَفِي لَفْظٍ : « ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا مرات ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ » "11"
2 - عَنْ أَبِي حَيَّةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلاَثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلاَثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ فَضْلَ طَهُورِهِ فَشَرِبَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه الترمذي وقال : وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَالرُّبَيِّعِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَعَائِشَةَ "12"
3 - عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - « أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ، فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ مِنْ قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ. فَرَجَعَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى » رَوَاهُ مُسْلِمٌ "13" .
4 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، « أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ، فَقَالَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ » رواه مسلم "14"
5 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ فَقَالَ: « وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ » رواه مسلم "15"
6 – روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى : ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ "16"
وكل هذه الأدلة تدل على وجوب الغسل .
وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا غَسْلَتَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ الْحَجَّاجِ: اغْسِلُوا الْقَدَمَيْنِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَخَلِّلُوا مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَقْرَبَ إلَى الْخُبْثِ مِنْ قَدَمَيْهِ. فَقَالَ أَنَسٌ: صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ الْحَجَّاجُ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ }
وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ مَغْسُولَانِ وَمَمْسُوحَانِ، فَالْمَمْسُوحَانِ يَسْقُطَانِ فِي التَّيَمُّمِ.
قال ابن قدامة : وَلَمْ نَعْلَمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَبِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: « تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَخَذَ مِلْءَ كَفٍّ مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ » رَوَاهُ سَعِيدٌ . وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ، أَنَّهُ رَأَى «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ بِالطَّائِفِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ. قَالَ هُشَيْمٌ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ »
وقد رد الجماهير بما تقدم من الأدلة .
وَأَمَّا الْآيَةُ، فَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ { وَأَرْجُلَكُمْ } . قَالَ : عَادَ إلَى الْغَسْلِ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا كَذَلِكَ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْقُرَّاءِ ، مِنْهُمْ : ابْنُ عَامِرٍ، فَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْيَدَيْنِ فِي الْغَسْلِ .
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ فَلِلْمُجَاوَرَةِ ؛ قالت العرب : هذا جحرُ ضبٍ خربٍ ؛ فوصفوا المرفوع وهو ( جحر ) بالمجرور وهو ( خرب )
وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} "17" . جَرَّ أَلِيمًا، وَهُوَ صِفَةُ الْعَذَابِ الْمَنْصُوبِ، لِمُجَاوَرَتِهِ الْمَجْرُورَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْحِ الْغَسْلَ الْخَفِيفَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْعَرَبُ تُسَمِّي خَفِيفَ الْغَسْلِ مَسْحًا، فَيَقُولُونَ: تَمَسَّحْت لِلصَّلَاةِ. أَيْ : تَوَضَّأْت .
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِيهَا مُحْتَمَلًا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

المراد بالكعبين :
الكعبان : هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ ؛ وهُمَا اللَّذَانِ فِي أَسْفَلِ السَّاقِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ.
وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: هُمَا فِي مُشْطِ الْقَدَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الرِّجْلَيْنِ كَعْبَيْنِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ أَرَادَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ كَانَتْ كِعَابُ الرِّجْلَيْنِ أَرْبَعَةً، فَإِنَّ لِكُلِّ قَدَمٍ كَعْبَيْنِ.
وَلَنَا: أَنَّ الْكِعَابَ الْمَشْهُورَةَ فِي الْعُرْفِ هِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَعْبُ الَّذِي فِي أَصْلِ الْقَدَمِ مُنْتَهَى السَّاقِ إلَيْهِ، بِمَنْزِلَةِ كِعَابِ الْقَنَا، كُلُّ عَقْدٍ مِنْهَا يُسَمَّى كَعْبًا .
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ أَحَدُنَا يَلْزَقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ فِي الصَّلَاةِ "18" .
وقَوْله تَعَالَى: ( إلَى الْكَعْبَيْنِ ) حُجَّةٌ لَنَا؛ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ رِجْلٍ تُغْسَلُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، إذْ لَوْ أَرَادَ كِعَابَ جَمِيعِ الْأَرْجُلِ لَقَالَ: الْكِعَابَ، كَمَا قَالَ: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } "19"

دخول الكعبين في الغسل :
ذهب الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة إلى دخول الكعبين في الغسل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل رجليه إلى الكعبين . رواه البخاري ومسلم "20" .

مسألة رقم ( 89 )
الفرض السادس ( الترتيب )
قد اختلف العلماء في حكم الترتيب في الوضوء على قولين :
1 – القول الأول : إن الترتيب فرض ؛ وهو قول الشافعية والحنابلة .
الأدلة :
أ – إن فِي الْآيَةِ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا التَّرْتِيبُ؛ فَإِنَّهُ أَدْخَلَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَيْنِ، وَالْعَرَبُ لَا تَقْطَعُ النَّظِيرَ عَنْ نَظِيرِهِ إلَّا لِفَائِدَةٍ، وَالْفَائِدَةُ هَاهُنَا التَّرْتِيبُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَائِدَتُهُ اسْتِحْبَابُ التَّرْتِيبِ .
قُلْنَا: الْآيَةُ مَا سِيقَتْ إلَّا لِبَيَانِ الْوَاجِبِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى اقْتَضَى اللَّفْظُ التَّرْتِيبَ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
ب - إن كُلَّ مَنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَاهُ مُرَتَّبًا، وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
ج – تَوَضَّأَ صلى الله عليه وسلم مُرَتِّبًا، وَقَالَ : « هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ » أَيْ : بِمِثْلِهِ .
2 – القول الثاني : إن الترتيب ستة ؛ وهو مذهب الحنفية والمالكية .
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ ، وَعَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِوَاوِ الْجَمْعِ ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فَكَيْفَمَا غَسَلَ كَانَ مُمْتَثِلًا .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ : مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْت .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا بَأْسَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْك قَبْلَ يَدَيْك فِي الْوُضُوءِ "21" .

( وَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ ) حَدَثًا أَصْغَرَ فَقَطْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا، أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ أَوْ نَحْوِهَا غَالِطًا وَرَتَّبَ فِيهِمَا ؛ أي : بدأ بالوجه فاليدين فالرأس فالرجلين أَجْزَأَهُ .
أَوْ انْغَمَسَ بِنِيَّةِ مَا ذُكِرَ ( فَالْأَصَحُّ : أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ تَرْتِيبٍ بِأَنْ غَطَسَ وَمَكَثَ ) قَدْرَ التَّرْتِيبِ ( صَحَّ ) لَهُ الْوُضُوءُ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَاقَى الْمَاءُ وَجْهَهُ ، وَقَدْ نَوَى يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْهُ وَبَعْدَهُ عَنْ الْيَدَيْنِ لِدُخُولِ وَقْتِ غَسْلِهِمَا وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْأَعْضَاءِ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ، وَلِهَذَا لَا يَقُومُ الْغَمْسُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ مَقَامَ الْعَدَدِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ .
( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ قَدْرَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ غَطَسَ وَخَرَجَ فِي الْحَالِ أَوْ غَسَلَ الْأَسَافِلَ قَبْلَ الْأَعَالِي كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( فَلَا ) يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ .
وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ : أَنَّ الْغَسْلَ أَكْمَلُ مِنْ الْوُضُوءِ فَلِذَلِكَ قَالَ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ بِلَا مُكْثٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِرَفْعِ أَعْلَى الْحَدَثَيْنِ فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى، وَلِتَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ. هَذَا إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ مُنَكِّسًا بِالصَّبِّ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ سِوَى الْوَجْهِ ، وَأَمَّا انْغِمَاسُهُ فَيَكْفِي مُطْلَقًا "22" .

والله تعالى أعلم .

__________________________________
1 – صحيح مسلم ؛ 1 / 230 .
2 – سنن أبي داود ؛ 1 / 36 .
3 – الموطأ ؛ 2 / 23 .
4 – مغني المحتاج ؛ 1 / 163 و 164 ؛ والهداية مع فتح القدير ؛ 1 / 17 و 18 ؛ والفقه المالكي وأدلته ؛ 1 / 72 ؛ وكشاف القناع ؛ 1 / 98 .
5 – المجموع ؛ 1 / 404 .
6 – مغني النمحتاج ؛ 1 / 163 و 164 .
7 – مغني المحتاج ؛ 1 / 165 ؛ والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ؛ 1 / 89 ؛ والمغني ؛ 1 / 205 .
8 – المجموع ؛ 1 / 410 ؛ ومغني المحتاج ؛ 1 / 165 .
9 – صحيح البخاري ؛ 1 / 48 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 210 .
10 – صحيح البخاري ؛ 1 / 44 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 205 .
11 – صحيح مسلم ؛ 1 / 204 .
12 – سنن الترمذي ؛ 1 / 102 .
13 – صحيح مسلم ؛ 1 / 215 .
14 – صحيح مسلم ؛ 1 / 214 .
15 – صحيح مسلم ؛ 1 / 214 .
16 – مسند الإمام أحمد ؛ 28 / 239 .
17 – هود / 26 .
18 – صحيح البخاري ؛ 1 / 146 .
19 – المغني ؛ 1 / 208 و 209 و 210 و 211 و 212 .
20 - صحيح البخاري ؛ 1 / 48 ؛ وصحيح مسلم ؛ 1 / 210 ؛ وانظر : مختصر خليل ؛ 1 / 246 ؛ والمختار للفتوى ؛ 1 / 13 ؛ وزاد المستقنع ؛ 1 / 208 .
21 – حاشية ابن عابدين ؛ 1 / 244 ؛ و شرح الخرشي على مختصر خليل ؛ 1 / 266 ؛ وزاد المستقنع ؛ ص ؛ 13والمغني ؛ 1 / 213 .
22 – مغني المحتاج ؛ 1 / 166 و 167 .[/COLOR]
 
أعلى