العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الطلاق المعلق وعدم صحة الإجماع

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه

قال الشيخ ابن تيميم الظاهري:

بسم الله الرحمن الرحيم ..

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فقد ذكرت مرة مسألة تعليق الطلاق ورأي الإمام ابن حزم الظاهري، وذلك حين سأل الأخ الفاضل ( أبو محمد الحربي ) العضو معنا في الدارة ضمن موضوع ( هل خرق الإمام ابن حزم الإجماع في هاتين المسألتين ) وكان هذا منذ مدة طويلة.

ثم رأيت في موقع من المواقع ذكر المسألة ذاتها، وسؤال الكاتب عن جواز اتباع رأيه، وذكروا خلال ذلك مخالفة الإمام ابن حزم للإجماع، فأحببت التنبيه على مسائل مذكورة في هذه المسألة، فسأعيد ما ذكرته في الموضوع القديم، ثم أزيد بعض ما ليس فيه لغموضه بالنسبة لمن كتب في ذلك الموقع، والله المستعان.

قلت قبل مدة: الطلاق المعلق بوقت أو مؤجل ..

قيل أنه فيه إجماع على جوازه، ولا يصح فيه إجماع أصلاً، وإنما هو إجماع تأليفي وهذا لا يصح الاحتجاج به على أنه إجماع صحيح يقيني يحتج به، فالمسألة فيها أقوال:

القول الأول : لا يقع الطلاق المؤجل، وهو قول الإمام ابن حزم، وقول لداود في رواية ثانية، وأبي عبد الرحمن الشافعي من أصحاب الشافعي.

القول الثاني : يقع الطلاق المؤجل إذا جاء وقته، وهو قول أبو عبيد وإسحاق بن راهويه والشافعي وأحمد، وقول لداود الظاهري وأصحابهم، وروي بسند ضعيف عن ابن عباس ، وعطاء ، وجابر بن زيد ، والنخعي ، والشعبي ، وعبد الله بن محمد بن الحنفية ، والثوري .

القول الثالث : يقع الطلاق المؤجل من ساعة النطق به وإن لم يأت أجله، وهو قول ابن المسيب ، والزهري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وربيعة ، والليث ، وقول لأبي حنيفة ، وزفر.

القول الرابع : يحتمل أن يكون طلاقاً في ساعة النطق به ، وهو ما نقله الإمام عن ابن أبي ليلى.

القول الخامس : إن علق الأجل على أمر لا يدري أيحصل أو لا فلا يقع حتى يحصل هذا الأمر ، وإن كان التعليق على سنة أو شيء محدود معين فيقع ساعة النطق به، وهو قول الحسن على اختلاف عنه.

وقولي أن الإمام داود الظاهري نقل عنه قول كقول الإمام ابن حزم، هو ما ذكره الشاشي في كتابه ( حلية العلماء ) وأنه حكي عن داود عدم تصحيح الطلاق المعلق بشرط، وهي رواية بخلاف ما رواه ابن حزم عنه، ويبدو أن ابن حزم إما أنه لم يعلم هذا القول لذلك لم يتعرض للرواية الثانية، وإما أنه وقف عليها ولم يصححها، فالله أعلم بذلك.

فإن صح النقل عن داود: فيضاف إلى قول من قال بعدم وقوع الطلاق المعلق بشرط.

أما قولي إن هذا الإجماع تأليفي، وعليه فلا يصح كذلك: فالذين قالوا هو إجماع هم من قال بوقوع الطلاق المؤجل بوقت أو زمان إذا جاء زمنه، فكل هذه الأقوال تنفي حصول هذا الإجماع.

بل قال من يدعي الإجماع ما يلي: قد حصل الإجماع على وقوع الطلاق عند الأجل ، لأن من يوقعه حين نطق به فقد أجازه ، فالواجب المصير إلى ما اتفقوا عليه، أي أنهم اتفقوا على جواز التعليق هذا فكان إجماعاً، وهذا تأليف إجماع لا يصح الاستدلال به.

فقد رد الإمام هذا الإجماع المزعوم فقال: هذا الإجماع باطل ، وما أجمعوا قط على ذلك ، لأن من أوقع الطلاق حين لفظ به المطلق لم يجز قط أن يؤخر إيقاعه إلى أجل ، والذين أوقعوه عند الأجل لم يجيزوا إيقاعه حين نطق به.

أي كلام كل فريق بضد الآخر فكيف يكون إجماعاً .. !

وقد نقل الإمام ابن حزم الاتفاق في كتابه مراتب الإجماع على أن الطلاق المعلق بشرط أو بصفة بأنه واقع، ولكنهم اختلفوا في وقت وقوعه، أيقع الآن، أم إذا جاء وقته.

وإذا وقفت على هذا النقل تجده لم يذكر قوله في هذا الاتفاق، ولم يذكر ( الإجماع ) أو لفظ ( أجمعوا ) لأنه يعلم أنه ليس بإجماع، وهذا كما تقرر من خلال مقدمة كتاب مراتب الإجماع حين قال ابن حزم ما معناه: أنه سيدخل في كتابه مراتب الإجماع من حفظ قوله من أهل العلم، أي سيدخل ما وقف عليه من أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين وبعدهم، ولم يلتزم أن يذكر الإجماع المتيقن الصحيح عنده، وهذا ذكره في مقدمة كتابه وليس من استنباطي كما يدعي بعضهم حين نصحح لهم ما ينسبونه إلى ابن حزم ونذكر لهم خلاف قولهم عن ابن حزم من كتبه.

فالذين قالوا في المحلى ( أجمعوا ) إلى آخر العبارة إنما أرادوا التمويه بذكر لفظ الإجماع، وهو ليس بإجماع أصلاً، وإنما هو مما لا يعلم فيه خلاف، بمعنى أنه لم يصلنا قول السلف من الصحابة والتابعين غير هؤلاء، ولا يعني ذلك الذي لم يصلنا موافق أو مخالف للذي وصلنا قوله، وهذا ما قال عنه الإمام أحمد بن حنبل من ادعى فيه الإجماع فقد كذب.

وقد زعم ابن تيمية أن الإمام ابن حزم نقل الإجماع على وقوع الطلاق المعلق في كتابه مراتب الإجماع، ورغم ذلك خالفه في المحلى، وهذا وهم من ابن تيمية ؛ لأن الإمام ابن حزم لم يذكر الإجماع في مراتب الإجماع، وإنما الاتفاق فقط، وبينهما فرق عنده كما في مقدمته، وكما في خاتمة كتابه حين نبه على الفرق بينهما في كتابه.

واستدل الإمام لقوله أن التعليق للطلاق لم يأت به شرع ، فإن لم نوقعه حين التلفظ بالطلاق فمن المحال أن نوقعه في حين لم يوقعه فيه، وطلاقه ههنا معلق بشرط ولا يجوز اشتراط هذا الشرط لعدم ورود الشرع به، ولا يحل تحريم فرج بالظن أباحه الله تعالى لنا، والطلاق على هذه الصورة من المعاصي ، فلا يحل لنا الوفاء بهذا الشرط وبهذه الصورة، وهذا كلامه في نفس المسألة.

ولو ادعى الإجماع ههنا وقال: أن العلماء أجمعوا على جوازه لأنهم إذا أوقعوه مباشرة دون انتظار حلول أجله فهذا اعتبار في إيقاع الطلاق المؤجل، لكن على هذا أيضاً لا يصح، فالخلاف بينهم محله هل يصح التعليق بوقت أو لا، وليس في وقوعه بعد أن يتلفظ به.

أما خلافهم مع الإمام فهو في وقوعه وصحة التعليق، فهو يقول أن الطلاق يقع بمجرد القصد وهو النية مع التلفظ بألفاظ الطلاق، وعلى كل حال فقد رأيت الخلاف في المسألة، فلا يصح فيها إجماع متيقن يحرم خلافه أصلاً، وإنما هو اتفاق بين من وصلنا فقههم وقولهم في هذه المسألة، ولعل للصحابة والتابعين الذين لم يصلنا قولهم ما يخالفون به هؤلاء جميعاً، فلا يجوز التمويه بذكر الإجماع للإلزام به، وهو ليس بإجماع.

وأحب التنبيه على مسألة ذكرها العضو ( أبو مالك العوضي ) الذي يصرح كثيراً بأنه لا يعرف منهج أهل الظاهر من خلال ما يكتبه، لكني أجده يعلق على منهج أهل الظاهر بما يفهم هو !

فرأيت التعليق على ما ذكره لتكتمل الفائدة، وهو عضو معنا، إن شاء التعليق فحياه الله، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
قال العضو ( أبو مالك العوضي ) : ( مقصود من حكى الإجماع أن أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق في الجملة، سواء كان ذلك حالا أو حين الأجل، وليس كما فهم ابن حزم أن من أوقعه في الحال يخالف من أوقعه في الأجل، فهذه هي نكتة الإجماع في المسألة؛ لأن أهل الإجماع قد يختلفون في الحكم ويتفقون على جزئية معينة فيه، فإن جاز مخالفتهم فيما اختلفوا فيه لم يجز ذلك فيما اتفقوا عليه، وقد اتفقوا على أن الطلاق واقع، ولا يضر هنا خلافهم في زمن وقوعه، فالإجماع ثابت في هذه المسألة، وبالله التوفيق ).

قال ابن تميم الظاهري: فهذا تمام قوله في جزئية الإجماع، ويأتي إتمام بقيته بعد تعليقي على ما ذكره.

قد ذكرنا أن الإمام ابن حزم لم يغب عنه اتفاق من اتفق على وقوعه، سواء إلى أجل، أو الآن، لكن من تأمل عبارته التي نقلها عن قول خصمه ففيها إزالة للإشكال الذي توهمه الأخ المذكور، فقد قال ابن حزم: ( وأجمعوا على وقوع الطلاق عند الأجل ) والأخ المذكور عربي ويعرف معنى هذا اللفظ وماذا يقتضي.

فالذي ادعوه ليس ما نقله ابن حزم من اتفاقهم كما في مراتب الإجماع، ففي هذا القول من الخصم زيادة أفسدت له احتجاجه، فهم لم يجمعوا على وقوع الطلاق عند الأجل أصلاً، لذلك أنكر ابن حزم ذلك وقال لم يجمعوا بل هما قولان متضادان، فأحدهما يوقعه الآن، ولا يجيزه بعد حين ولو قصر، والثاني يوقعه عند أجله ولا يوقعه الآن، فإذا علمت ذلك: علمت أن المستدل بحكاية الإجماع لا يعرف كيف يستدل به، لذلك أفسدته حين ذكر ( عند الأجل ).

أما زعم الأخ المذكور أن الإجماع ثابت في المسألة، فهذا زعم أهل المذاهب عامة في كل مسألة وجدوا فيها ما لا يعلم فيه اختلاف، وزعموا أنه إجماع وهو ليس كذلك، فأقصى ما يكون هذا التأليف مما لا يعلم فيه اختلاف، وهذا النوع ليس بلازم، ويجوز إبطاله، والأخذ بخلافه كله، إذ ليس هو اللازم للأمة الذي لا يجوز تركه من الإجماع.

وقال الأخ المذكور معلقاً على أصول الظاهرية التي يعترف أنه لا يعرفها: ( ومن أصول الظاهرية أن الشروط التي لم يرد فيها نص باطلة، وهذا أيضا مخالف لما عليه جماهير أهل العلم قديما وحديثا، إذ بينوا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله) أي كل شرط مخالف لكتاب الله، وليس المقصود ورود الشرط بنصه في القرآن والسنة؛ لأنه لا يعقل أصلا أن يرد في كتاب الله كل شرط يشترطه الناس في بياعاتهم وإجاراتهم وتجاراتهم، هذا مما لا يخالف فيه أحد يعقل ما يقول، وما زال الناس يتبايعون ويشترون في الجاهلية والإسلام ولا يلتزم أحد منهم أن يكون كل شرط اشترط في البيع مذكورا بنصه في القرآن أو السنة، ولا أدري كيف خفي هذا على أبي محمد رحمه الله ).

قال ابن تميم الظاهري: فهو كما اعترف وقال أنه لا يعرف أصول أهل الظاهر، وكلامه هنا دليل على عدم ضبطه لهذه الأصول التي يتجرأ في الحديث عنها، في حين لو تحدث غيره عن أصول مذهب ما لما رضي بذلك.

فمعنى قول ابن حزم وغيره من أهل الظاهر: أن كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل لا يريد منه النص على الشرط باسمه، فقد ينص الشرع على اسم الشرط، وقد ينص على معناه، فكل معنى ممنوع بالنص، فلا يجوز اشتراطه، فالشروط الممنوعة معدودة لا تزيد ولا تنقص، وهي التي أمر الله تعالى بالتزامها أو تركها أثناء العقود، فالغرر ممنوع في الشرط، وكل عقد ورد فيه غرر بأي نوع كان فهو شرط باطل، وكذا بيع المجهول الذي لا يتحقق منه المشتري فهو ممنوع وغير ذلك.

وعلى سبيل التمثيل نقول: كل ما يقيد أو يمنع من أثر العقد فهو باطل، فالبيع أثره نقل الملك، فمن قيده بشرط، أو منع من بعضه فهو شرط باطل إذا لم يرد بإجازته نص.

لذلك يبطل الإمام ابن حزم أي اشتراط فيه تغيير لأثر العقد، أو تقييده، فقاعدته التي وضعها في بداية كتابه الإحكام في العقود والشروط والعهود فإنه يريد منها ما ذكرته، وتطبيقاته أوضح مثال على ما ذكرت، فالشرط والعقد والعهد كلها ألفاظ بمعنى واحد عند ابن حزم، فيقول عن عقد البيع: شرط، وعهد.

فهذا مراد أهل الظاهر من المنع من العقود والشروط والعهود، وهو تغيير مقتضاها وآثارها، ولا يتكلمون عن العقود بمسمياتها الفقهية، فلذلك يجد عند ابن حزم تخريج عقود كثيرة ليست منصوصة، يذكرها ابن حزم عرضاً إذا أراد رفع الشروط الممنوعة من عقد ما، فتجده يقول: لو أردت تجويز هذا العقد فافعلوا كذا وكذا، أي ارفعوا الشرط الباطل، واستبدلوه بكذا، أو بكذا.

ومن روائعه تخريج ينطبق على البطاقة الائتمانية التي بين أيدينا اليوم، وكلها يرجع إلى أصول العقود من تمليك، أو انتفاع، أو إسقاطات، أو إبراء، وغير ذلك، فلا عبرة عنده باسم العقد أصلاً.

فلا أدري كيف يخفى على الأخ المذكور منهج ابن حزم، وتطبيقاته، وهو يتحدث عن أصول الظاهرية بلسان العالم بها، فنصيحتي له أن يقرأ قبل أن يكتب حتى يأمن من المجازفة فيما ينسبه للغير، وبالله تعالى التوفيق.
 
إنضم
14 يناير 2017
المشاركات
71
الكنية
أبو أسماء
التخصص
الحديث
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الطلاق المعلق وعدم صحة الإجماع

بارك الله فيك و جزاك الله خيرا ولكن هناك شاغل يشغلنى من اول من تكلم فى الطلاق المعلق فى انتظار ردك
 
أعلى