العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هام الطلاق وأحكامه في الفقه

محمد متولي داود

:: متابع ::
إنضم
1 أغسطس 2018
المشاركات
23
الكنية
د/محمدداود
التخصص
القانون العام
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
الطلاق وأحكامه في الفقه
تعريف الطلاق
معناه في اللغة حل القيد، سواء كان حسياً، كقيد الفرس، وقيد الأسير. أو معنوياً، كقيد النكاح، وهو الارتباط الحاصل بين الزوجين، فيقال لغة: طلق الناقة، بتخفيف اللام، طلاقاً إذا حل قيدها وسرحها مثل أطلقها طلاقاً، وكذا يقال: طلقت المرأة بتخفيف اللام، مضمومة ومفتوحة، إذا بانت، فالطلاق مصدر طلق - بفتح اللام. وضمها مخففة - كالفساد، أما التطليق فهو مصدر طلق المشدد، كسلم تسليماً، وكلم تكليماً، وهو يستعمل كالطلاق في حل القيد، سواء كان حسياً، أو معنوياً، ثم إن الطلاق مع كونه مصدر طلق بالتخفيف، فإنه يستعمل اسم مصدر لطلق بالتشديد، فيقال: طلق الرجل امرأته، بالتشديد، طلاقاً فالطلاق اسم المصدر، وهو التطليق.
وإذا علمت ذلك فإنه يتضح لك أن اللغة تستعمل لفظ الطلاق أو التطليق في حل عقدة النكاح كما تستعمله في حل القيد الحسي. فالطلاق كانوا يستعملونه في الجاهلية في الفرقة بين الزوجين. فلما جاء الشرع أقر استعماله في هذا المعنى بخصوصه. مع تفاوت يسير في بعض عبارات الفقهاء. لما يترتب على ذلك من تفاوت في بعض الأحكام.
ولهذا عرف في الاصطلاح بأنه إزالة النكاح. أو نقصان حله بلفظ مخصوص. ومعنى إزالة النكاح رفع العقد بحيث لا تحل له الزوجة بعد ذلك. وهذا فيما لو طلقها ثلاثاً. وقوله: أو نقصان حله معناه نقص عن الطلاق الذي يترتب عليه نقص حل الزوجة. وهذا كما إذا طلقها طلقة رجعية فإنها تنقص حلها. فبعد أن كانت تحل له مطلقاً. ويملك ثلاث طلقات. أصبحت لا تحل له بعد طلقتين، ولا يملك إلا طلقتين، وهو معنى قول بعضهم في تعريف الطلاق: إنه رفع قيد النكاح أو بعضه، لأن غرضه رفع بعض القيد بطلقة رجعية، فإن القيد يرتفع كله بثلاث طلقات، فيرتفع بعضه بواحدة.
والحاصل أن الطلاق الرجعي لا يرفع عقدة النكاح (1) .
وإنما ينقص عدت الطلقات الذي يترتب عليه نقصان الحل على الوجه الذي عرفته، فلذا يحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته المطلقة ما دامت في العدة، ويعتبر وطؤه رجعة، فلا يشترط أن يراجعها بلفظ خاص قبل أن يطأها، كما سيأتي في مباحث الرجعة، كما لا يشترط أن ينوي (2) رجعتها بالوطء، فكان من الضروري زيارة قيد في تعريف الطلاق يدخل به الطلاق الرجعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشافعية قالوا: الطلقة الرجعية ترفع قيد النكاح. كالطلاق البائن. فلا يحل للمطلق أن يطأها أو يتمتع بها قبل أن يراجعها بلفظ يشعر بالرجعة صريحاً كان، أو كناية.
فالصريح كقوله: رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، ونحو ذلك، والكناية كقوله: تزوجك وأنكحتك، ونحو ذلك، لأن ذلك صريح في العقد، فيكون كناية في الرجعة، ويسن أن تكون الرجعة أمام الشهود، فإذا تمتع بها قبل الرجعة وهو عالم بأن هذا حرام استحق التعزير، إلا إذا كان كتابياً وكان في دينه أن الرجعة تجوز بالوطء والاستمتاع فإنه يقر على ذلك.
ولهذا عرف الشافعية الطلاق بأن حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، ثم إن كان المراد بالنكاح العقد كانت الإضافة بيانية، والمعنى حل عقد هو النكاح، أو بعبارة أخرى رفع النكاح، وإن كان المراد بالنكاح الوطء كانت الإضافة حقيقية، ومعناه رفع العقد المبيح للوطء .
(2) المالكية قالوا: إذا وطئها من غير أن ينوي الرجعة فإنه لا يكون رجعة، فالوطء لا يكون رجعة إلا إذا كان بنية، أما الوطء بنية الرجعة فإنه يكون رجعة، وعلى هذا لا يكون الطلاق الرجعي رافعاً للعقد، لأنه لو كان رفعاً للعقد لما حل للزوج وطؤها.
ولهذا عرف المالكية الطلاق بأنه صفة حكمية ترفع حلية تمتع الزوج بزوجته بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه قبل التزوج بغيره، وهذا التعريف لا يتنافى مع تعريف الحنفية والحنابلة المذكور في أعلى الصحيفة، فلا خلاف بين المالكية وبينهم إلا في أن الرجعة بالوطء لا تتحقق إلا بالنية عند المالكية دون الحنفية والحنابلة. أما الطلاق الرجعي فلا يرفع عقد النكاح بلا خلاف، والمراد بالصفة في قول المالكية صفة حكمية الخ الحدث القائم بالشخص، وهو مدلول التطليق، لأنه قائم بالفاعل ووصف له ومعنى حكمية غير وجودية. بل صفة اعتبارية. لأن الحدث أمر اعتباري والتطليق هو حل قيد النكاح وهو أمر معنوي محتاج إلى لفظ يدل عليه. فلهذا زاد الحنفية والحنابلة بلفظ مخصوص. ولا ريب أن هذا لا يخالف فيه المالكية. أما قول المالكية. بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه الخ. فمعناه أن حلها له لا يرتفع إلا بتطليقها ثلاثاً. وذلك لأن التكرار يستلزم سبق واحدة، وقد صرح بمرتين، وهذا القيد هو كقيد الحنفية والحنابلة - أو نقصان حله - لأن الغرض من القيدين إدخال الطلاق الرجعي فإنه لا يرفع حل النكاح.
أركان الطلاق
للطلاق أركان أربعة
اولاً: الزوج – فلا يقع الطلاق من أجنبي لا يملك عقدة النكاح لأنك عرفت أن رفع عقدة النكاح ، فلا يتحقق ماهية الطلاق الا بعد تحق العقد فلو علق الطلاق علي زواج الأجنبية كما لو قال زينب طالق إن تزوجتها ثم تزوجها فإنه لا طلاق يقع (1).
لقوله صلي الله عليه وسلم "لا نذر لأبن آدم فيما لا يملك ،ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق فيما لا يملك "رواه احمد وأبو داوود والترمذي وحسنه "[SUP] (2)[/SUP]
ثانياً: الزوجة ـــ فلا يقع الطلاق علي الأجنبية ومثلها الموطوءة بملك يمين فلو طلق جاريته لا يقع طلاقها لأنها ليست زوجته ولو قال هند بنت فلان طالقة قبل أن يتزوجها ثم تزوجها فإن طلاقه الأول يكون ملغي
ويكون الزوج مالكا للطلقات الثلاثة ويلحق بالأجنبية أمرأته التي طلقها طلاقاً بائناً ولم يجدد عليها عقداً فأنه إذا طلقها ثانياً فإن طلاقه لا يعتبر لأنها ليست زوجة له، أما أمرأته التي طلقها رجعياً فإن طقها ثانياً فإن طلاقه لا يعتبر لأنها ليست زوجة له ، أما أمرأته التي طلقها رجعياً فإن طلقها وهي في العدة طلاقاً ثانياً فإنه يلحق بالأول لأن الطلاق الرجعي لم يخرجها عن كونها زوجة له.
ثالثاً: صيغة الطلاق ـــ وهي اللفظ الدال علي حل عقدة النكاح صريحا كان أو كناية.
رابعاً: القصد ـــ بأن يقصد النطق بلفظ الطلاق ، فإن أراد ان ينادي أمرأته باسمها طاهرة ، فقال لها يا طالقة خطأ لم يعتبر طلاقه ديانة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[SUP](1)رأي المالكية والحنفية:[/SUP][SUP] قالوا ــ إذا علق طلاق المرأة علي زواجها فإن طلاقة يعتبر ، ويقع عليه إذا تزوجها فلو قال إن تزوجت فاطمة بنت محمد تكون طالقة يقع عليه الطلاق بمجرد العقد ، ومثل ذلك ما إذا قال كلما تزوجت أمرأه فهي طالق ، وقالوا : إنه لا حجة في الحدث المذكور علي نفي هذا أن لأن الطلاق معلق علي ملك بضع المرأة فإذا وجد الملك وقع الطلاق فلم يقع الطلاق في صورة التعليق قبل الملك ومثل ذلك حديث" لا طلاق الا بعد النكاح" رواه الترمذي وصححه(3) .[/SUP]
[SUP]فإن معناه ان الطلاق لا قع الا بعد وجود العقد وهم يقولون ذلك لأن الطلاق المعلق عندهم لا يقع الا بعد العقد وقد يقال ان المالكية والحنفية قرروا ان طلاق الأجنبية في غير صورة التعليق ملغي لا قيمة له ، اذ لا ولاية للزوج عليه وهذا يقتضي عبارة الزوج قبل العقد ملغاة لا معني لها بدون فرق بين التعليق وغير فقوله إن تزوجتك فأنت طالقة عبارة فاسدة لا قيمة لها كقوله انت طالق.[/SUP]
[SUP](2)[/SUP][SUP]رواه أبو داوود (2190) والترمذي (1217) وابن ماجه(2048)والدارقطني(3976).ومعناه في صحيح مسلم (8/ 1641) [/SUP]
[SUP](3)[/SUP][SUP] ورد هذا اللفظ ومعناه في عدة احاديث ، انظر : سنن ابي داوود(2190،2193)،وابن ماجه(2046-2049)وسنن الدار قطني (3974،3983،4032،4034)[/SUP]
شروط الطلاق
طلاق المكره – طلاق السكران- الطلاق بالإشارة والكتابة – طلاق الهازل والمخطئ – طلاق الغضبان.
يشترط للطلاق شروط: بعضها يتعلق بالزوج المطلق وبعضها يتعلق بالزوجة وبعضها يتعلق بالصيغة فيشترط في المطلق أمور :
اولاً: العقل ـــ فلا يصح طلاق المجنون ولو كان جنونه متقطعاً يأتي مرة ويزول عنه أخري فإذا طلق حال جنونه ليعتبر ولا يحسب عليه بعد الإفاقة .
والمراد بالمجنون ــ من زال عقله بمرض فيدخل المغمي عليه والمحموم الذي غيبت عقله الحمي فصار يهذي ومن زال عقله فيدخل المغمي عليه والمحموم الذي غيبت عقله الحمي فصار يهذي ، ومن زال عقله بسبب مسكر من خمر ، وحشيش ، وأفيون، وكوكايين ، وبانجو، ....الخ ونحو ذلك من المخدرات التي تغطي العقل فإن تناولها الشخص وهو عالم بأنها تزيل العقل ليسكر ويطرب فذهب عقله وطلق أمرأته فإن طلاقه يقع عليه ، وإن تناولها وهو يعتقد إنها لا تسكر أو تناولها لتوقف إزالة مرضه عليها فغاب عقله وطلق فإن طلاقه لا يقع.
وحاصل ذلك أن كل ما يأثم الإنسان بتناوله من المسكرات فإنه إذا غاب به وطلق زوجته وهو لا يدري فإن طلاقه يقع عليه زجراً ولأمثاله الذين ينتهكون حرمات الدين ، أما الذي لا يأثم بتناوله فأنه لا يحسب عليه لأنه معذور .
ولا فرق في وقوع طلاق السكران المعتدي بسكره بين أن يصل الي حد يشبه فيه المجنون. (1) فلا يفرق بين السماء والأرض ولا بين الرجل والمرأة فطلاقة يقع سواء كان في أول سكره أو في نهايته القصوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحنفية قالوا: حد السكران عند الإمام هو سرور يزيل العقل ، فلاي فرق صاحبه بين السماء والأرض ومعني هذا أن السكر الذي يصل الي حد يشبه المجنون يقع طلاقه، ومن باب اولي ما إذا لم يصل الي هذا الحد ، أما الصاحبان فإنهما يقولان : أن حد السكر سرور يغلب علي العقل فيجعل صاحبه يهذي في كلامه بحيث يكون غالب كلامه هذياناً، فلو كان نصف كلامه هذياناً ونصفه مستقيما فأنه لا يكون سكران بل يعامل معاملة الصاحي في كل أحواله ، علي أن من زاد علي هذا الحد بأن اختلط عقله فأصبح لا يفرق بين السماء والأرض ولا بين الرجل والمرأة فإن طلاقه يقع ايضاً.
وعلي هذا: لا يكون للخلاف في حد السكران فائدة بالنسبة لوقوع الطلاق لأنه واقع في الحالتين علي رأي ابي حنيفة ورأي صاحبيه
أما الأول: فلأنه يعتبر الهاذي في كلامه فقط كالصاحي الذي يقع طلاقه بلا نزاع.
اما الثاني : فلأن الصاحبين يقولان بوقوع طلاقه اذا وصل الي للحد الأعلى زجراً له ،نعم تظهر فائدته بالنسبة لإقامة الحد علي السكران ، فأبو حنيفة يقول : إن السكران لا يحد الا اذا وصل حاله لا يفرق معها بين السماء والأرض وبين الرجل والمرأة وهو الحد الأعلى للسكران فإذا نقص عنه كان النقص شبهه تدرأ عنه الحد ...والصاحبان يقولان ـــ متي هذي في كلامه استحق الحد علي أن بعض المحققين من الحنفية قال إن الأمام متفق معهما علي أن حد السكر الموجب إيقاع الطلاق هو الهذيان فلا خلاف بينهما في ذلك بل الخلاف مقصور علي حد الشرب ، فلا يحد الا إذا وصل الي هذه الحالة عنده دونهما ولكن التحقيق أن السكر بالمعني الثاني هو المعتبر في كل الأبواب سواء كان بابا الإيمان أو الطهارة أو الحد وهو المفتي به.
الدليل علي ذلك: قول الأمام علي كرم الله وجهه "من سكر هذي ومن هذي فقد افتري ومن افتري استحق جلد ثمانين " فأعتبر الأمام علي الهذيان سكراً يوجب الحد ، ويعتبر الهذيان كالافتراء ، أو القذف الذي يوجب الحد بالجلد ثمانين ثم السكر ينقسم الي ثلاثة اقسام :
القسم الأول: أن يكون ناشئاً من تناول شيء مباح ليس فيه ما يسكر عادة كاللبن الرائب ،وعصير القصب، والفواكه قبل تخمرها فإن تناول من ذلك شيئاً كثيراً ، أثر علي مزاجه فأسكره أو تناوله بعد أن تخمر وهو لا يدري فسكر وطلق فإن طلاقه لا يقع اتفاقاً .
القسم الثاني: أن يكون السكر ناشئاً من تناول شيء يسكر كثيره لا قليله وهي الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل والفواكه وهذه فيها خلاف فالإمام وأبو يوسف يقولان أن من تناول منها وسكر وطلق لا يقع طلاقه ومحمد يقول أنه يقع ــ وقول محمد هو الصحيح والمفتي به فكما أن شربها لا يحل وكذلك اذا شربها وسكر وطلق وقع عليه طلاقه.
القسم الثالث: أن يسكر من الخمر المتفق علي تحريم تناوله وهو المتخذ من العنب والذبيب والتمر ...الخ فمن شرب من ذلك وطلق فإن طلاقه يقع باتفاق.
وإذا شرب خمراً أو حشيشاً أو نبيذاً فأصابه صداع فإنه ينظر إن كان الخمر الذي تناوله شديدا يسكر ويستر العقل ويجعل صاحبه يهذي فإن طلاقه يقع لأن القدر الذي أخذه كاف وحده في ذهاب العقل أما إذا كان يسيراً لا يغيب العقل به فأنه لا يقع الطلاق لأن الطلاق لم يستند الي ذهاب العقل بالخمر بل الي ذهابه بالصداع ، والصداع مرض طبيعي لا يترتب علي غياب العقل به وقوع الطلاق وإن كان سببه محرماً الا تري أنه اذا شرب حشيشاً وجن جنوناً تاما فإن طلاقه لا يقع .
المالكية قالوا: السكر الذي يترتب عليه وقوع الطلاق هو أن يختلط الرجل فيهذي في قوله كما هو في الصحيح عند الحنفية فمن سكر ووصل الي هذا الحد وقع طلاقه ، أما السكر الذي لا يفرق به صاحبه بين السماء والأرض ولا يعرف الرجل من المرأة بحيث يكون كالمجنون ، فإنه لا يترتب عليه وقوع الطلاق اتفاقاً .
ويشترط في وقوع طلاق السكران أن يتناول شيئا عالماً به بأنه يغيب العقل أو شاكاً فيه، وفي هذه الحالة يكون تناوله حراماً بلا فرق بين أن يكون خمراً أو لبناً رائباً أو غير ذلك أما اذا تحقق أنه غير مسكر أو غلب علي ظنه أنه كذلك وشربه فسكر وطلق فإن طلاقه لا يقع.
ثانياً: أن يكون بالغاً ، فلا يقع طلاق الصغير الذي لا يبلغ ولو مراهقاً مميزاً(1) ولا يحسب عليه طلاقه حال الصغر مطلقا ولو كبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المالكية قالوا:
السكر الذي يترتب عليه وقوع الطلاق هو أن يختلط الرجل فيهذي في قوله كما هو في الصحيح عند الحنفية فمن سكر ووصل الي هذا الحد وقع طلاقه ، أما السكر الذي لا يفرق به صاحبه بين السماء والأرض ولا يعرف الرجل من المرأة بحيث يكون كالمجنون ، فإنه لا يترتب عليه وقوع الطلاق اتفاقاً .
ويشترط في وقوع طلاق السكران أن يتناول شيئا عالماً به بأنه يغيب العقل أو شاكاً فيه، وفي هذه الحالة يكون تناوله حراماً بلا فرق بين أن يكون خمراً أو لبناً رائباً أو غير ذلك أما اذا تحقق أنه غير مسكر أو غلب علي ظنه أنه كذلك وشربه فسكر وطلق فإن طلاقه لا يقع.
ثالثا: أن يكون مختاراً فلا يصح طلاق المكره علي تفصيل المذاهب (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحنفية قالوا: طلاق المكره يقع خلافا للأئمة الثلاثة فلو أكره شخص آخر علي تطليق زوجته بالضرب أو السجن أو أخذ المال وقع طلاقه ، ثم ان كانت الزوجة مدخولاً بها فلا شيء للزوج والا فأنه يرجع علي من اكره بنصف المهر ويشترط ان يكون الإكراه علي التلفظ بالطلاق فإذا اكره علي كتابة الطلاق فكتبه فأنه لا يقع الطلاق وكذلك إذا اكره علي الإقرار بالطلاق فأقر فإنه لا يقع فلو أقر بدون أكراه كاذبا أو هازلاً فأنه لا يقع ديانة بينه وبين ربه ، ولكنه يقع قضاء لأن القاضي له الظاهر ولا اطلاع له علي ما في قلبه ، وهذا بخلاف ما إذا طلقها هازلاً فإذا كان يمزح مع شخص بطلاق زوجته فإنه يقع قضاء وديانة.
الفرق بين الأمرين: أنه في الأول أقر الطلاق كاذباً أو هازلاً وفي الثاني أنشأ الطلاق هازلاً وفي الثاني أنشأ الطلاق هازلاً نعم هو لا يقصد بإنشاء الطلاق من حل عقدة النكاح لا حقيقة ولا مجازاً ولكنه قصد لإنشاء الطلاق ليمزح به فعومل به.
هذا : والحنفية يقولون أن هناك أشياء أخري تصح مع الإكراه.
منها الإيلاء: فإذا اكره شخص آخر علي أن يحلف لا يطأ زوجته أربعة اشهر ففعل فإنه يصح فإذا مضت أربعة اشهر ولم يقربها بانت منه وإن لم يكن قد دخل بها رجع بنصف المهر علي من أكره.
ومنها الظهار: فإذا اكره علي أن يظاهر من زوجته فغن يقع وعليه الكفارة ، وكفارة الظهار } عتق رقبة مؤمنة ولابد منها للقادر عليها فمن لم يجد فصيام شهريين متتابعين بحيث يصوم ستين يوماً أو يصوم شهرين بالهلال بدون أن يفطر يوما واحداً فمن عجز عن صيام شهرين متتابعين فكفارته اطعام ستين مسكيناً {.
ومنها الرجعة: فإذا اكره الأب ابنه علي رجعة زوجته المطلقة فإنه يصح.
ومنها العفو عن القصاص: فلو وجب علي لشخص علي آخر القصاص في نفس أو عضو دونها فأكره علي العفو بالتهديد بالضرب أو بالحبس فعفا فإن عفوه يصح ولا ضمان علي الجاني ولا علي من اكره وهذا بخلاف ما إذا أكره علي أن يبرئه من مال له عليه فأبرأه فإن البراءة تكون باطله ويبقي له حقه ومنها أن يكره علي نذر أو يمين فأنه يجب عليه أن يبر بها وإن لم يفعل أثم ، سواء كان المحلوف عليه طاعة أو معصية ومنها أن يكره علي الرجوع الي زوجته في الإيلاء فلو رجع اليها مكرها قبل أربعة اشهر صح رجوعه ولم تبن منه عند انقضاء أربعة اشهر ومنها الإكراه علي الصلح عن دم القتل عمداً فلو كان لشخص دم عند آخر وهدده بالقتل أو الإيذاء إن لم يصطلح معه علي حال كذا ففعل فإنه يصح ولا يبقي له حق قبل الجاني ومنها إكراه المرأة علي أن تدفع مالاً في نظير أن يطلقها زوجها فإذا قبلت أن تدفع مالاً مكرهة وطلقها وقع طلاقه ولا شيء له عليها من المال فالذي يصح في هذه الحالة هو الطلاق أما إذا اكره الرجل علي أن طلق أمرأته في نظير مال يأخذه منها فطلقها فإن طلاقها يصح ويجب عليها أن تدفع المال الذي حددته له ومنها الإكراه علي الإسلام فأنه يصح ويعتبر المكره مسلما تجري عليه أحكام الإسلام ومنها الإكراه علي الصدقة فإنها تجب عليه كما يجب عليه النذر.
فهذه الأمور تصح مع الإكراه: وقد عدوا أمور أخري يترتب عليها أحكام مع الإكراه عليها منها ما إذا أكره أمرأه علي ان ترضع طفلاً فإنه يترتب علي هذا الرضاع حرمة المصاهرة كما لو ارضعته مختارة ومنها ان يكره علي الخلوة بامرأة أو اتيانها فإنه يترتب علي ذلك تقرير الصداق لها جميعه ومنها أن يكره شخص علي إتيان جارية فتحمل منه فإن الولد يلحق به وإن كان مكرها علي وطئها.
المالكية قالوا: لا يقع الطلاق علي المكره ، ثم إن الإكراه ينقسم الي قسمين ـــ إكراه علي إيقاع الطلاق بالقول ، إكراه علي ما يلزمه الطلاق ،ثم الفعل إما ان يكون متعلقاً بحق الغير ، أو لا يكون فأما علي إيقاع الطلاق فلا يلزمه به شيء لا قضاء ولا ديانة باتفاق، حتي ولو أكره أن يطلق طلقة واحدة فأوقع أكثر ، فإنه لا يلزمه شيء لأن المكره لا يملك نفسه كالمجنون ، بشرط ان لا ينوي حل عقدة الزواج باطناً ، فإن نوي وقع عليه الطلاق لأن النية لا يمكن الإكراه عليها بل بعضهم يري أنه يشترط ان يوري إن كان يعرف التورية كأن يقصد بالطلاق حل امرأته من القيد بالحبل ، أو قيد حديد أو ينوي بطالق أنها تألمت بالطلق عند ولادتها ، فإن ترك التورية وهو يعلمها فإنه يقع عليه الطلاق ولكن الصحيح أن التورية لا تشرط ولو كان عالما بها لأن المكره لا يلزم بمثل هذه القيود وأما ان اكره علي فعل يترتب عليه الطلاق ولكن لا يتعلق به حق الغير كما اذا حلف بالطلاق ألا يدخل داراً فحمله شخص رغما عنه وأدخله الدار فإنه لا يلزمه الطلاق علي المعتمد ولكن بشروط خمسة .
الشرط الأول: أن يكون صيغة بر لا صيغة حنث ، وصيغة البر هي أن يحلف علي أن لا يفعل وصيغة الحنث هي يحلف علي أن يفعل ، والأول كما مثلنا والثاني قوله : إن لم ادخل الدار فهي طالق فإذا منعه أحد من دخول الدار رغم أنفه فإن يمينه يلزمه .
الشرط الثاني: أن لا يأمر الحالف غيره أن بأن يكره ، فإذا امر غيره أن يحمله ويدخله الدار لزمه لزمت اليمين .
الشرط الثالث: أن يكون عند الحاف غير عالم أن سيكره علي فعل المحلوف عليه ، فإن كان عالما فإنه يلزمه اليمين لأن علمه بالإكراه يجعله علي بصيرة في أمر اليمين .
الشرط الرابع : أن لا يقول في يمينه لا ادخل الدار طوعاً ولا كرهاً ، فإن قال ذلك لزمه اليمين.
الشرط الخامس: أن لا يفعل بعد زوال الإكراه ، فإذا حلف أن لا يدخل الدار وحمله شخص وأدخله رغم إرادته ثم خرج ودخل بعد ذلك باختياره لزمه اليمين.
هذا إذا لم تكن يمينه مقيدة وقت فلو حلف لا يدخل الدار في شهر كذا ، فأكره علي دخولها ثم انقضي الشهر ودخلها مختاراً فإنه لا يقع ــ وأما ان أكره علي فعل علي فعل يتعلق به حق الغير ، كما إذا حلف علي زوجته بأن لا تخرج فألزمها القاضي بالخروج لتحلف يميناً لزمتها لحق الغير فإن يمينه يلزمه ويقع عليه علي المعتمد ، مثل ذلك ما إذا كان يملك نصف عبد ، فحلف أن لا يبيعه ثم أعتق شريكه نصفه ، فإن نصفه الثاني يجب أن يقوم ليكمل به عتق العبد ، ويعطي الحالف قيمة نصفه فإنه بالرغم علي بيعه في هذه الحالة وأخذ قيمة النصف ويلزمه الطلاق علي المعتمد . ثم الإكراه الذي لا يقع به الطلاق هو أن يغب علي ظنه إن لم يفعل الطلاق يتبعه أذي مؤلم من قتل ، أو ضرب كثير أو قليل ، أو سجن وإن لم يكن طويلاً ، أو صفع علي قفاه اما ملأ من الناس وهو رجل وجيه ذو مروءة يؤذيه هذا، أو يغلب علي ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه اذي ، ومثل الولد الأب علي الظاهر بخلاف الأخ أو العم ،أو نحوهم ففي هذه الأحوال إذا طلق لا يقع عليه الطلاق ومثل التهديد بالضر والقتل والتهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو يسيراً علي المعتمد .
الشافعية قالوا: طلاق المكره لا يقع بشروط :
أولاً: أن يهدده بالإيذاء شخص قادر علي تنفيذ ما هدده به عاجلاً كأن كانت عليه ولاية أو سلطة فإذا لم كذلك وطلق علي تهديده لزمه الطلاق فلو قال له إن لم تطلق اضربك غداً فطلق لزمه اليمين لأن الإيذاء لم يكن عاجلاً
ثانيا: أن يعجز المكره عن دفعه بهرب أو استغاثة بمن يقدر علي دفع الإيذاء عنه .
ثالثاً: أن يظن المكره أنه إن أمتنع عن طلاق يلحقه الإيذاء الذي هدد به.
رابعاً : أن يكون الإكراه بحق فإذا أكره علي الطلاق بحق فإنه وقع وذلك إذا كان متزوجاً باثنين ولواحدة منهما حق قسم عنده وطلقها قبل أن تأخذ حقها ثم تزوج اختها وخاصمته في حقها فأكرهه الحاكم علي تطليق أختها حتي يوفيها حقها فإن الطلاق يصح لأنه بحق ومثل ذلك ما إذا حلف لا يقرب زوجته أربعة أشهر وانقضت من غير أن يعود اليها وامتنع عن الوعد بالعودة فإنه يجبر علي الطلاق وهو أكراه بحق .
خامساً: أن لا يظهر من المكره نوع الاختيار وذلك كما إذا أكره علي أن يطلقها ثلاثاً أو طلاقاً بائناً فطلقها واحدة ، او اثنتين، أو رجعيه، فإن الطلاق يقع لأن القرينة دلت علي أنه مختار في الجملة فالشرط أن يفعل ما أكره عليه فقط ، خلافاً للمالكية.
سادساً: أن لا ينوي الطلاق ، إن نواه في قلبه وقع ، أما التورية فإنها غير لازمة ولو كان يعرف التورية .
هذا ــ ويحصل الإكراه بالتخويف بالمحذور في نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو بالحبس أو إتلاف المال وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم ، فالوجيه الذي يهدد بالتشهير به والاستهزاء به امام الملأ يعتبر ذلك في حقه أكراها ، والشتم في حق رجل ذي مرؤة إكراه ومثل ذلك بقتل الولد ، أو الفجور به ، أو الزنا بامرأته ، إذ لا شك في أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه ،أو أحد عصبته ، وإن علا أو سفل ، أو إيذاء بجرح وكذلك التهديد بقتل قريب من ذوي أرحامه أو جرحه أو فجور به فأنه يعتبر إكراهاً .
هذا ــ والإكراه الشرعي كغيره لا يلزم به الطلاق ، فلو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضاً فأنه لا يحنث ، وكذا لو حلف ليقضين زيداً حقه في هذا الشهر فعجز فإنه لا يحنث .
الحنابلة قالوا: طلاق المكره لا يقع بشروط :
أولاً: أن يكون بغير حق ، فإذا اكرهه الحاكم علي الطلاق بحق فأنه يقع ، كما إذا طلق علي من آلي من زوجته ولم يرجع اليها بعد أربعة اشهر ،ونحو ذلك.
ثانيا: أن يكون الإكراه بما يؤلم ، كأن يهدده بما يضره ضرراً كثيراً من قتل ،وقطع يد أو رجل ، أو ضرب شديد ، أو ضرب يسير لذي مرؤة ، أو حبس طويل ، خلافا للمالكية ، أو أخذ مال كثير ، أو إخراج من ديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقي اقاربه فأن التهديد بإيذائهم ليس أكراهاً .
ثالثا: أن يكون المهدد قادراً علي فعل ما هدد به .
رابعاً: أن يغلب علي ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع الإيذاء الذي هدد به ، وإلا فيكون مكرها .
خامساً: أن يكون عاجزاً عن دفعه وعن الهرب منه ، ومثل ذلك ما إذا اكرهه بالضرب فعلاً ، أو الخنق، أو عصر الساق ، أو غط في الماء ولو بدون تهديد ووعيد ، فالطلاق لا يلزم في هذه الأحوال.
ويشترط في الزوجة أمور:
الأول: أن تكون باقية في عصمته، فإذا بانت منه وطلقها وهي في العدة لا يقع طلاقه لأنها وإن كانت زوجته باعتبار كونها في العدة ، ولكن لما طلقها طلاقاً بائناً لم يكن له عليها ولاية.
الثاني: أن لا تكون موطوءة بملك يمين ، فإذا طلق أمته فلا يقع عليه.
الثالث: أن تكون زوجته بالعقد الصحيح ، فإذا عقد علي معتدة أو عقد علي أخت أمرأته أو نحو ذلك من العقود الباطلة التي تقدمت فإنه لا يقع عليه طلاقها لأنها ليست زوجة له.
ويشترط في الصيغة أمران:
أولاً: أن تكون لفظاً يدل علي الطلاق صريحاً ، أو كناية ، فلا يقع الطلاق بالأفعال ، كما إذا غضب علي زوجته فأرسلها الي دار ابيها ، وأرسل لها متاعها ومؤخر صداقها بدون أن يتلفظ بالطلاق فإن ذلك لا يعتبر طلاقاً ،وكذلك لا يقع بالنية بدون اللفظ فلو نوي الطلاق أو حدث به نفسه (1) {فأنه لا يقع}
وهل الإشارة والكناية من الأخرس أو من غيره يقومان مقام اللفظ ، أولا؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المالكية قالوا: في وقوع الطلاق بالكلام النفسي خلاف فبعضهم قال إنه يقع به الطلاق ، وبعضهم قال لا يقع، وهو المعتمد .
وأعلم أن هذا الخلاف في إنشاء العبارة في نفسه ، بأن يقول في نفسه : امرأتي طالق ، أما مجرد النية فأنه لا يقع بها طلاقاً اتفاقاً ، وكذلك الوسوسة بالطلاق ، أو ان يقول في نفسه ، أطلق فلانه لسوء أدبها وعشرتها، فإن كل ذلك لا خلاف فيه وإنما الخلاف في أن ينشأ صيغة في نفسه لم ينطق بها لسانه والقولان مشهوران والأظهر عدم الوقوع بها.
(2) الحنفية قالوا: الإشارة لا تقوم مقام اللفظ من السليم الذي يمكنه أن ينطق، فلا يقع الطلاق الا باللفظ المسموع ، بخلاف حديث النفس أو الهمس فأنه لا يعتبر أما الأخرس فلا يخلو إما أن يكون ولد وهو أخرس ، أو يكون الخرس قد عرض له ، فإن كان الأول وكانت له إشارة مفهومة يعرف بها طلاقه ، ونكاحه، وبيعه وشراؤه فإنها تعتبر، وإن لم تكن له إشارة مفهومة فلا يعتبر له طلاق ، وإذا كان يعرف الكتابة فإن طلاقه بالإشارة لا يصح إذ في إمكانه أن يكتب ما يريده ، فكتابة الأخرس كاللفظ من السليم علي المعتمد، أما إن كان الخرس طارئاً عليه ، فإن كان لا يرجي برؤه ومضي عليه زمن حتي صارت له إشارة مفهومة فغنه يعمل بإشارته ، والا فتقف تصرفاته حتي يبرأ ، هذا إذا لم يعرف الكتابة وإلا فيعمل بها بلا نزاع.
أما الكتابة فإنها تقوم مقام اللفظ بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون ثابتة بأن يكتب علي ورقة، أو لوح، أو حائط بقلم ومداد كتابة يمكن قراءتها وفهمها ، فإذا كتب انت طالق بأصبعه علي الماء، أو في الهواء، أو علي فراش، أو علي لوح بدون مداد فإنها لا تعتبر طلاقاً وكذا إذا كتب كتابة ثابتة بمداد علي ورق ونحوه ولكنها لا تفهم ولا تقرأ ، فإنها لا تعتبر طلاقاً حتي ولو نوي بها الطلاق.
الشرط الثاني: أن يكتب صيغة الطلاق في كتاب له عنوان كالمعتاد ، كأن يقول : الي فلانة ، أما بعد فأنت طالق .فإذا كتب علي هذا الوجه فإن طلاقه يقع بمجرد كتابته ، سواء نوي الطلاق أو لم ينو، لأنه قام مقام اللفظ الصريح ، فلا يحتاج الي نية وإذا كتب لها يقول الي فلانة ، أما بعد فإذا جاء كتابي هذا فأنت طالق ،فأنه تطلق بمجرد أن يصل اليها الكتاب ، سواء قرأته ، أو لم تقرأه ويقال للكتاب المعنون الذي صدر علي الوجه الذي بيناه مرسوم ، فإذا لم يكن الكتاب مرسوماً بل كتب في ورقة انت طالق فأنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوي به الطلاق ، لأنه وإن كان كتب طلاقاً صريحاً ، ولكن يحتمل أن يكون قد كتب ليتسلى بكتابه أو ليجود خطه أو نحو ذلك فلا بد فيه من نية.
والحاصل أن الكتابة تقوم مقام اللفظ بدون نية إذا كانت ثابتة تقرأ وتفهم من كتاب له عنوان كالمعتاد ، فإن لم تكن ثابتة او كانت لا تقرأ ولا تفهم ، فلا يقع بها شيء ثم إن كانت ثابتة تقرأ وتفهم لا يقع بها الطلاق الا بالنية ، ومن هذا يتبين أن ما كتبه بعض الموثقين في وثائق الطلاق من قولهم ، حضر فلان وطلق زوجته فلانة كذا ثم يوقع عليه الزوج قبل أن ينطق بصيغة الطلاق فإنه لا يقع عليه به طلاق إلا إذا نوي به الطلاق ، لأنه ليس في كتاب معنون ، وإذا كتب كتاباً معنوناً وقال لها فيه انت طالق وأدعي أنه يقصد بالكتابة تجويد الخط ولا ينوي الطلاق فإنه لا يصدق قضاء ، ولكن يصدق ديانة ، وإذا ارسل لها الكتاب ووقع في يد ابيها ولم يعطه لها فإن كان أبوها متصرفاً في جميع أمورها فإنه يقع والا فلا ، وإذا مزقه ودفعه اليها ممزقاً فإن كان يمكن قراءته وفهمه فإنه يقع والا فلا.
وكل كتاب لم يكتبه بخطه أو يمله علي الغير فإنه لا يقع به الطلاق مالم يقر بأنه كتابه ، فإذا قال لشخص "اكتب طلاق امرأتي وابعث بها اليها" فإنه يكون إقراراً بالطلاق وسواء كتب أو لم يكتب كان طلاق امرأته واقعاً ، وإذا كتب شخص وقرأ عليه الكتاب فأخذه ووقع عليه وأرسله اليها فإنها تطلق إذا كان معنوناً ولم ينكر أنه كتابه فإذا أنكلا ولم تقم ببينة علي أنه كتابه فلا تطلق لا قضاء ولا ديانة ، وإذا كتب امرأتي فلانه طالق وقال إن شاء الله بدون أن يكتبها فإنها لا تطلق وبالعكس فإذا قال "امرأتي طالق وكتب إن شاء الله فإنها لا تطلق ايضاً.
المالكية قالوا: الإشارة المفهومة الدالة علي الطلاق تقوم مقام اللفظ من الأخرس ومن السليم القادر علي النطق علي المعتمد ثم إن حصلت الإشارة من الأخرس تكون كالطلاق الصريح ، وإن حصلت من القادر علي النطق تكون كالكتابة ، وذلك لأن إشارة الخرس لا يستطيع أن يعبر بما هو أدل منها علي مراده فهي نهاية ما يفصح بها عن رأيه ، أما القادر علي الكلام فإنه يمكنه أن بالعبارة التي هي أصرح من الإشارة فتكون الإشارة كالكتابة بالنسبة للصريح فإن لم تقترن بها قرينة يقطع من عاينها انها دالة علي الطلاق وإن لم تفهمها الزوجة لبلادتها فإنها لا تعتبر طلاقا ولو قصد بها الطلاق لأنها تكون في حكم الفعل لا يقع به الطلاق نعم إذا جري العرف بأن هذه الإشارة طلاق فإنها تعتبر طلاقاً.
أما كتابة الطلاق فهي علي ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكتب الطلاق وهو ينويه.
الحالة الثانية: أن يكتبه بدون أن تكون له نية، وفي هاتين الحالتين يلزم الطلاق الذي كتبه بمجرد كتابته.
الحالة الثالثة: أن يكتبه على أنه بالخيار بين أن ينفذه. أو لا ينفذه ، وفي هذه الحالة يكون الخيار له ما دام في يده، فإن خرج من يده بأن بعثه إليها فإن نوى وقت إخراجه طلاقها أو لم ينو شيئا فإنه يقع طلاقه، سواء أو صلها أم لم يصلها. لأنه وإن كان وقت كتابته مترددا بين الطلاق وعدمه لكنه وقت خروجه من يده نوى الطلاق أو لم ينو شيئا فكان في حكم الذي نوى وقت الكتابة، أو لم ينو. أما إذا كان مترددا وقت خروجه أيضا فإن طلاقه لا يقع إلا إذا وصل إليها وهل له أن يرد الكتاب بعد خروجه من يده، أو لا؟ خلاف، والتحقيق أن له أن يرده.
والحاصل أن الطلاق يقع بمجرد كتابته إذا نوى الطلاق، أو لم ينو شيئا. سواء خرج الكتاب من تحت يده، أو لم يخرج. وسواء وصل إلى الزوجة أو وليها أو لم يصل، أما إذا كتبه وهو متردد في أمره، بمعنى أنه ينوي أن يكون له الخيار في إنفاذه أو لا، أو يستشير أباه أو غيره فإنه لا يقع عليه الطلاق ما دام الكتاب في يده، فإذا خرج من يده فلا يخلو إما أن ينوي عند خروجه طلاقها، أو لم ينو شيئا. وفي هاتين الصورتين تطلق وإن لم يصلها الكتاب، أما إذا خرج من تحت يده وهو متردد في الأمر فإنها لا تطلق إذا وصل إليها الكتاب.
هذا، وإذا كتب إليها: إن وصلك كتابي فأنت طالق، فإنها تطلق عند وصول الكتاب إليها باتفاق، فإن وصل إليها وهي حائض طلقت، ويجبر على رجعتها على الوجه المتقدم في الطلاق البدعي، وهذا بخلاف ما إذا كتب إليها إذا وصلك كتابي فأنت طالق، بإبدال لفظ "إن" بلفظ "إذا" فإن في ذلك خلافاً، فبعضهم يقول: إن تحتمل الشرط وتحتمل الظرفية، فتطلق بمجرد كتابته بخلاف إذا، فإنها لمجرد الشرط فلا تطلق إلا إذا وصل إليها، وبعضهم يقول لا فرق بين "إذا" و "إن" فلا تطلق إلا إذا وصل إليها الكتاب في الحالتين.
الشافعية قالوا: الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على الكلام بأي وجه وعلى أي حال، كما لا يقع بالنية ولا بالكلام النفسي، بل لا بد من التلفظ به ولا بد من أن يسمع به نفسه في حالة الاعتدال، فلو فرض وتكلم به وكان سمعه ثقيلاً، أو كان بحضرته لغط كثير، فلا بد من أن يرفع به صوته بحيث لو كان معتدل السمع لسمع بهذا الصوت، فلا يقع بتحريك اللسان من غير أن يسمع نفسه، فإذا قالت له المرأة: طلقني، فأشار إليها بأصابعه الثلاثة أو أشار إليها بيده أن اذهبي، أو قطع خيطاً بيده، أو نحو ذلك فإنه لا يعتبر وذلك لأن عدوله عن اللفظ إلى الإشارة يفهم منه أنه غير قاصد الطلاق، فلا يعتبر حتى ولو قصد بها الطلاق، وذلك لأنها لا تقصد للإبهام إلا نادراً، فلا تعتبر إلا في ثلاثة أمور:
أولها: الإفتاء، فإذا قيل للعالم: أيحل أكل الأرنب؟ فأشار برأسه نعم، فإنها تكون فتوى يصح نقلها عنه، وهكذا.
ثانيها: الإذن بالدخول، فلو استأذنت أن تدخل داراً فأذنك سيدها بإشارته فإنها تصح.
ثالثها: أمان الحربي، فإذا أمنه بإشارته لزم الأمان.
أما إشارة الأخرس فإنها تعتبر في الطلاق وغيره من العقود، سواء كان خرسه عارضاً أو ولد وهو أخرس، إلا إذا اعتقل لسانه وكان يرجى برؤه بعد ثلاثة أيام، فإنه يجب أن ينتظر حتى يبرأ ولا يعمل بإشارته إلا للضرورة، كما إذا كان الحاكم قضى باللعان بينه وبين امرأته وقت خرسه، فإن اللعان يصح بإشارته، بشرط أن تكون مفهومة، ثم إن كانت واضحة بحيث يفهمها كل أحد كانت بمنزلة اللفظ الصريح، وإن كانت دقيقة لا يفهمها إلا النبهاء كانت بمنزلة الكتابة، أما إذا لم يفهمها أحد فإنها لا يعتد بها أصلاً.
هذا، ويعمل بإشارة الأخرس المفهومة ولو كان يعرف الكتابة، وبعضهم يقول: إذا كان يعرف الكتابة فإنه يمكنه أن يدل على غرضه بالكتابة من غير ضرورة للإشارة، ولكن هذا وإن كان حسناً، لكنه يدل على أن إشارته تلغى إذا كان يعرف الكتابة، فلو تعاقد على بيع، أو طلق بالإشارة فإنها تعتبر حتماً، ولكن الأولى أن يعزز غرضه بالكتابة، فمثل الإشارة من الأخرس الذي يعرف الكتابة كالعبارة من القادر الذي يعرفها إذ المفروض في الإشارة أنها مفهومة كاللفظ، وبذلك تعلم أن ما نقله الحنفية عن بعض الشافعية بأن إشارة الأخرس الذي يعرف الكتابة لا تعتبر، غير ظاهر.
هذا، وتهمل إشارة الأخرس المفهومة في ثلاثة مواضع: الأول الصلاة، فإذا كان يصلي وأشار إشارة مفهومة فإن صلاته لا تبطل بها. الثاني: الشهادة، فإذا شهد على شخص بإشارة مفهومة فإنهالا تقبل. الثالث: الحنث، فإذا أشار بأنه حلف أن لا يتكلم، ثم تكلم بالإشارة فإنه لا يحنث، وبعضهم يقول: إنه يحنث بذلك.
أما كتابة الطلاق، فإنها تقوم مقام اللفظ ويقع بها الطلاق بشروط:
الشرط الأول: أن تقترن بالنية، فإن كتب لزوجته أنت طالق ولم ينو به الطلاق فلا يقع، وذلك لأن الكتابة تعتبر طلاقاً بالكناية، سواء كانت صادرة من قادر على النطق، أو صادرة من أخرس، على أنها إن كانت
صادرة من أخرس فإنه يلزمه أن يكتب مع لفظ الطلاق قوله: إني قصدت الطلاق ليتبين أنه نوى الطلاق بكتابته.
الشرط الثاني: أن يكون المكتوب عليه مما تثبت عليه الكتابة، كالورق، واللوح، والرق، والقماش، والحائط، ونحو ذلك، سواء كتب بحبر أو بغيره أو نقش عبارة طلاق زوجته على حجر، أو خشب، أو خطها على أرض، فإذا رسمها في الهواء، أو رقمها على الماء فلا تعتبر ولا يقع بها طلاق ولو نواه.
الشرط الثالث: أن يكتب الزوج الطلاق بنفسه، فلو أمر غيره بكتابته ونوى هو الطلاق بكتابة الغير فإنه لا يعتد به ولا يقع به طلاق لأنه يشترط أن تكون الكتابة والنية من شخص واحد.
هذا، وإذا كتب لزوجته يقول: إذا بلغك كتابي هذا فأنت طالق، فإنها تطلق إذا بلغها الكتاب غير ممحو، فلو كان بحبر يطير بعد كتابته أو بقلم رصاص ضعيف فانمحى ولم يبق له أثر يقرأ وبلغها فإنها لا تطلق، نعم إذا بقي أثره وأمكن قراءته فإنه يعتبر، فإذا انمحى بعضه فإن كان الباقي منه عبارة الطلاق تطلق في الأصح، أما إذا كان الباقي منه البسملة والحمدلة والتحية ونحوها فإنها لا تطلق أما إذا كتب لها: أما بعد، فأنت طالق، ولم يقل، إذا بلغك كتابي فإنها تطلق بالحال، كما يقول الحنفية، وإذا ادعت وصول كتابه إليها بالطلاق وأنكر صدق بيمينه، وإن قامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا في حالتين:
إحداهما: أن يراه الشاهد وهو يكتب لفظ الطلاق.
ثانيتهما: أن يحفظ الشاهد الكتاب عنده لوقت الشهادة.
وإذا كتب لها: إذا قرأت كتابي فأنت طالق وكانت تعرف القراءة والكتابة، فإنه لا يقع طلاقها إلا إذا قرأت صيغة الطلاق، أو طالعتها وفهمتها وإن لم تتلفظ بها، ولا يكفي في هذه الحالة أن يقرأه عليها غيرها، فلو عميت قبل أن يأتيها الكتاب وقرأه عليها غيرها لا يكفي، أما إذا كانت أمية لا تعرف القراءة والكتابة وكان الزوج يعلم حالها، فإنها تطلق إذا قرأه عليها غيرها، بخلاف ما إذا لم يعلم الزوج حالها، فإنها لا تطلق إذا قرأه الغير عليها لاحتمال أنه يقصد تعليق طلاقها على قراءتها بنفسها، فإذا كان يعلم أنها أمية وكتب لها ذلك ثم قبل أن يصلها الكتاب تعلمت القراءة والكتابة، فالمعتمد أنه يقع الطلاق عليها بقراءتها وبقراءة غيرها عليها.
الحنابلة قالوا: الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على النطق، وفاقاً للحنفية، والشافعية أما طلاق الغضبان فاعلم أن بعض العلماء قد قسم الغضب إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون الغضب في أول أمره، فلا يغير عقل الغضبان بحيث يقصد ما يقوله ويعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى يقع طلاقه وتنفذ عباراته باتفاق.
الثاني: أن يكون الغضب في نهايته بحيث يغير عقل صاحبه ويجعله كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى لا يقع طلاقه، لأنه هو والمجنون سواء.
الثالث: أن يكون الغضب وسطاً بين الحالتين، بأن يشتد ويخرج عن عادته ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، والجمهور على أن القسم الثالث يقع به الطلاق (1) .وخلافاً للمالكية، أما من الأخرس، فإنه يقع بها الطلاق فإن كانت واضحة يفهمها كل أحد كانت كاللفظ الصريح، وإن كان يفهمها البعض دون البعض كانت كالكناية بالنسبة إليه بحيث يبين أنه نوى الطلاق.
أما الكتابة فإن الطلاق يقع بها، سواء صدرت من قادر على النطق، أو أخرس. فإذا كتب زوجتي فلانة طالق فإنها تطلق منه بدون نية، لأنه صريح لا يحتاج إلى نية، فهو كاللفظ سواء بسواء، نعم إذا نوى به غير الطلاق، كما إذا نوى تجويد خطه، أو إغاظة زوجته، أو تجربة قلمه فإنه يكون على ما نوى به غير طلاق، لأن له ذلك في اللفظ الصريح، فلو قال لامرأته: أنت طالق ونوى أنها طالق من وثاق، فإنه لا يقع عليه الطلاق، وهل يقبل منه ذلك قضاء. أو لا؟ أما في اللفظ الصريح فإنه يقبل منه على قول، أما في الكناية فإنه يقبل منه بلا خلاف، فإذا كتب الطلاق بلفظ الكناية كأن قال: امرأتي فلانة خلية، فإنه يكون طلاقاً إذا نوى الطلاق. ويشترط أن يكتبه على شيء تثبت فيه الكتابة، أما إذا كتب بأصبعه على وسادة، أو على الماء أو في الهواء فإنه لا يقع به عليها طلاق، لأنها بمنزلة الهمس الذي لا يسمع.
والحنابلة كالشافعية والحنفية، يشترطون لإيقاع الطلاق أن يكون باللفظ المسموع، وخالف المالكية في ذلك كما ذكرناه في مذهبهم) .
أما طلاق الغضبان فاعلم أن بعض العلماء قد قسم الغضب إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون الغضب في أول أمره، فلا يغير عقل الغضبان بحيث يقصد ما يقوله ويعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى يقع طلاقه وتنفذ عباراته باتفاق.
الثاني: أن يكون الغضب في نهايته بحيث يغير عقل صاحبه ويجعله كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى لا يقع طلاقه، لأنه هو والمجنون سواء.
الثالث: أن يكون الغضب وسطاً بين الحالتين، بأن يشتد ويخرج عن عادته ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، والجمهور على أن القسم الثالث يقع به الطلاق (1) .
هذا ولا يشترط لصحة الطلاق في الإسلام ، فإذا طلق الذمي يعتبر كما هو ثابت بأنكحة غير المسلمين )2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحنفية قالوا: الذي قسم هذا التقسيم هو ابن القيم الحنبلي، وقد اختار أن طلاق الغضبان بالمعنى الثالث لا يقع، والتحقيق عند الحنفية أن الغضبان الذي يخرجه غضبه عن طبيعته وعادته بحيث يغلب الهذيان على أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع، وإن كان يعلم ما يقول ويقصده لأنه يكون في حالة يتغير فيها إدراكه، فلا يكون قصده مبنياً على إدراك صحيح، فيكون كالمجنون، لأن المجنون لا يلزم أن يكون دائماً في حالة لا يعلم معها ما يقول: فقد يتكلم في كثير من الأحيان بكلام معقول، ثم لا يلبث أن يهذي .
ولا يخفى أن هذا تأييد لقول ابن القيم، غاية ما هناك أن ابن القيم صرح بأنه لا يكون كالمجنون، وهذا يقول: إنه كالمجنون، وبالرغم من كون ابن القيم حنبلي المذهب فإن الحنابلة لم يقروه على هذا الرأي.
والذي تقتضيه قواعد المذاهب أن الغضب الذي لا يغير عقل الإنسان ولا يجعله كالمجنون فإن الطلاق فيه يقع بلا شبهة، ومثله الغضب بالمعنى المذكور في القسم الثالث، وهو أن يشتد الغضب بحيث يخرج صاحبه عن طوره ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يعلم ما يقول فإن طلاقه يقع، أما الغضب الذي يغير العقل ويجعل صاحبه كالمجنون فإن الطلاق فيه لا يعتبر ولا يلزم بلا شبهة.
وهذا ظاهر كلام الحنفية أيضاً، ولكن التحقيق الذي ذكرناه عن بعض الحنفية من أن الغضبان إذا خرج عن طوره وأصبح يهذي في أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع، هو رأي حسن لأنه يكون في هذه الحالة كالسكران الذي ذهب عقله بشراب غير محرم، فإنهم حكموا بأن طلاقه لا يقع، فينبغي أن يكون الغضبان مثله.
وقد يقال: أن قياس الغضبان على السكران بشراب غير محرم يجعل الحكم مقصوراً على من كان غضبه لله، بأن غضب دفاعاً عن عرضه، أو ماله، أو نفسه، أو دينه أما من كان غضبه لسبب محرم، كأن غضب حقداً على من لم يوافقه على باطل، أو غضب على زوجته ظلماً وعدواناً، ووصل إلى هذا الحد، فإن طلاقه يقع، لأنه قد تعدى بغضبه، والجواب: أن الغضب صفة نفسيه قائمة بنفس الإنسان تترتب عليها آثارها الخارجية، وهي في ذاتها ليست محرمة، بل هي لازمة في الإنسان لتبعثه إلى الدفاع عن دينه، وعرضه، وماله ونفسه، وإنما المحرم استعمالها في غير ما خلقت له، بخلاف الخمر فإنه لا يصح للإنسان أن يتعاطاها على أي حال، فإيقاع الطلاق على السكران المتعدي إنما هو للزجر عن قربانها بالمرة، أما الغضب فلا يمكن النهي عنه في ذاته لأنه لا بد منه للإنسان، فلا يصح قياس الغضب على الخمر ونحوه من الأشياء التي يجب على الإنسان أن لا يقر بها بالمرة
(2) المالكية قالوا: إن طلاق الكافر لا يعتبر، كما تقدم .
 
أعلى