العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج
قال الله تعالى في آية الحج: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].
وقال تعالى في آية الصيام: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187].
ولأهل العلم طريقتان في تفسير الرفث في الآيتين:
الطريقة الأولى
: أنه الجماع.
الطريقة الثانية: أنه الجماع ودواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك.
إلا أن ثمة فرقا كبيرا في الحكم بين الحج والصيام:
فإنهم في الحج: قد اتفقوا على أن المُحرِم محظور من كل ذلك: الجماع ومقدماته، بل وأكثر من ذلك من التكلم به بحضرة النساء.
أما في الصوم: فقد اتفقوا على أن الصائم محظور من الجماع، ثم اختلفوا في حل مقدماته على أقوال مشهورة من إبطال الصوم به، إلى التحريم، إلى الكراهة، إلى الإباحة، إلى التفريق بين يملك نفسه ومن لا يملك أو بين الشيخ والشاب.
والعلاقة التي تهمنا بين الرفث في آية الصوم، والرفث في آية الحج: أن من فسر الرفث بالجماع ومقدماته في آية الصوم فإنه اعتمد على دلالة الرفث في آية الحج، وأن المُحرِم بالاتفاق ممنوع من الجماع ومقدماته، فهو استدلال بالنظير على النظير، والمادة اللفظية واحدة.
وعضد هذا الاستدلال بما يلي:
1- سعة معنى الرفث اللغوي.
2- ما جاء في آية الصيام نفسها من النهي عن مباشرة النساء.
4- أنَّ المباشرة فيها تعريض الصوم للإفساد، وعادة الشرع إذا حرَّم شيئا حرَّم مقدماته، وإذا منع الجماع منع مقدماته كما في الحج والاعتكاف.
5- جملة مِنَ الآثار عن الصحابة والتابعين في النهي عن قبلة الصائم.
أما من اقتصر على تفسير الرفث في آية الصيام بالجماع، فإنه ذكر وجوها من الأجوبة على اشتمال الرفث في آية الحج: على الجماع ومقدماته:
منها:
أنه قد جاء في سبب نزول آية الحج ما يقتضي توسيع دلالة الرفث فيه.
ومنها: أن تفسير الرفث بالجماع هو قول أحد فقهاء الصحابة وعلمائهم في التفسير، وهو ابن عباس رضي الله عنهما، ولا مخالف له منهم، «الرفث، الجماعُ، ولكن الله كريم يَكني» أخرجه الطبري في تفسيره (3/487).
ومنها: أن الرفث في نفسه لا يدل إلا على الجماع وغشيان النساء، وما سوى ذلك فبأدلة أخرى، وقد جاءت بمنعها من المحرم وجوازها للصائم.
ومنها: أن أكثر المفسرين تواردوا على تفسير الرفث بالجماع، واقتصروا عليه (كالطبري، والبغوي، وابن العربي، وابن الجوزي، والرازي، وابن حيان، وابن كثير، والألوسي، والشوكاني، وابن عاشور، يراجع تفاسيرهم في تفسير آية الرفث في سورة البقرة)، وروي عن جماعة كبيرة من السلف (مثل ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وإبراهيم، وأبي العالية، وعطاء، ومكحول، وعطاء بن يسار، وعطية، وإبراهيم النخعي، والربيع، والزهري، والسدي، ومالك بن أنس، ومقاتل بن حيان، وعبد الكريم بن مالك، والحسن، وقتادة والضحاك، وغيرهم).
ومنها: أنه على التسليم بأن الرفث في آية الصيام يدل على الجماع ومقدماته فإنه حينئذ قد ثبت استثناء المقدمات بدلالة السنة.
ومنها: الفرق في الدلالة اللفظية، فالرفث في آية الحج جاء نكرة في سياق النهي : ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ﴾ [البقرة: 197]، فيدل على عموم ما تدل عليه مادة "الرفث" من الجماع ومقدماته، أما الرفث في آية الصيام فجاء معرفا بأل الذهنية، أو التعريفية: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، فيكون الرفث بهذا التقرير أمرًا مقررًا معروفًا وهو الجماع.
ومنها: تعديتها بـإلى، والعادة تعديتها بحرف الباء، بما يدل على أنَّ المقصود بالرفث هنا هو الإفضاء، كقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾، نبّه على هذا الزمخشري، وتوارد المفسرون على نقله عنه، وبيان النكتة في هذه التعدية.
وأجاب هؤلاء: عن القول بأن عادة الشرع إذا حرَّم شيئا حرم مقدماته، وإذا حرم الوطء حرم مقدماته: بأنها ليست مطردة، فإننا وإنْ اتفقنا على ذلك في الإحرام والاعتكاف، فقد اتفقنا كذلك على عدم اعتبارها في الحيض، ثم اختلفنا هَهُنا في الصيام، والإلحاق المجرد لأحدهما دون الآخر تحكم.
§ خلاصة:
- في تفسير الرفث مسلكان لأهل العلم :
المسلك الأول: تحديد معناه بالجماع: وهي طريقة الأكثر من المفسرين، وأغلب المروي عن السلف.
المسلك الثاني: توسيع معناه: ليكون جامعًا لكل ما يريده الرجال مِنَ النساء، قال بذلك أبو إسحاق والأزهري، والزجاج، واستدل له ابن تيمية، وأخذ به مِنَ المعاصرين الصديق الضرير، ويستثنى منه: ما دلّ النص على استثنائه، كالقبلة والمباشرة في الصيام.
- مادة اللفظ اللغوية: {الرفث}: تنطبق على الجماع، وهو غشيان النساء، وهذا بالإجماع، سواء كان في الحج أو في الصوم، ويلحق به تعمد إنزال المني إمَّا منَ الجهة اللفظية، وإمَّا مِنَ الجهة المعنوية خلافا لأهل الظاهر.
- يتناول هذا اللفظ: مقدمات الجماع في الحج، وقد أجمعوا على حظر ذلك على المحرم.
- اختلف الفقهاء: في تناول اللفظ لمقدمات الصيام، فمنهم من ذهب إلى عدم تناوله للمقدمات بسبب عدم اشتماله مِنْ جهة مادة اللفظ اللغوية، ومنهم من ذهب إلى تناوله للمقدمات، ثم يستثني ذلك بدلالة السُّنَّة وآثار الصحابة، أو يصرف دلالة السنة إلى الخصوصية ونحو ذلك، والله أعلم.

الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/t17379#ixzz3f5G8ebJx
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

جمع بديع يا أبا ليلى؛ زادك الله من فضله …
وأيضاً الضرر اللاحق على المتعبد في بطلان الحج أشد وطئاً على المكلف؛ لتعلقه بالمكان؛ خلافاً للضرر الناشئ عن بطلام الصوم فمتعلقه الزمان؛ وظرف الزمان أوسع على المكلف من ظرف المكان!
وهل يصلح ما أوردته أن يكون قاعدة؟ يُنظر!
 
التعديل الأخير:
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

بارك الله فيكم فضيلة الدكتور أبا فراس
بارك الله فيكم فضيلة الدكتور أبا أسامة

عندي إشكالان فضيلة الدكتور أبا فراس ما رأيكم فيهما ؟ :
الأول :
آية الحج تتحدث عن الرفث الممنوع حال الإحرام وآية الصوم تتكلم عن الرفث المباح ليلة الصيام قال الله تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )
وفرق بين المباح ليلاً والممنوع نهاراً فمن أين لنا أن الصائم ممنوع من الرفث بجميع معانيه نهاراً كما هو الحج ؟
الكلام سيكون دقيقاً وأقرب إذا ربط بالمباشرة ؛ لأنها الوصف المغيا حال الفطر والصوم معاً .

الأمر الثاني :
الإنزال عن طريق ( الاستمناء باليد ) من قال بأنه يدخل في اللفظ ( الرفث ) من أهل اللغة أو المفسرين ؟
حسب ما اطلعت عليه هو مربوط بالنساء وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وأما القياس فقد بين ابن حزم - رحمه الله - أنه قياس مع الفارق ولم يعطه الفقهاء حكم الجماع والوطء في الكفارة بل ولا غير ذلك من مسائل الشريعة .
وكذلك كثير ممن يعدونه مفطراً عن طريق الاستمناء لا يوجبون الفطر بالإنزال عن طريق التفكير أو من تكرار النظر فما الفرق بين من فكر أو نظر حتى أنزل وبين من استمنى بيده فأنزل ؟
يقوي ذلك أثران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحدهما : عن عائشة رضي الله عنها وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم الناس بهذا الباب بحكم كونها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم سألها حكيم بن عقال ما يحرم عليَّ من امرأتي وأنا صائم ؟ قالت : ( فرجها ) أخرجه البخاري معلقاً ووصله الطحاوي وصححه ابن حجر .
وسئلت أيضاً ما يحل للرجل من امرأته صائماً فقالت : ( كل شيء إلا الجماع ) أخرجه عبد الرزاق في المصنف وابن حزم وصححه ابن حجر .
الأثر الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( الفطر مما دخل وليس مما خرج والوضوء مما خرج وليس مما دخل ) أخرجه عبد الرزاق وغيره .

 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

بخصوص الأمر الأول الذي ذكرتم: فالإشكال فيه وجيه جدا، ويمكن الجواب عنه بأن المقصود من الآية ليس مجرد حل الرفث في ليلة الصيام فقط، فإن هذا حلال أيضا في غير ليالي رمضان، فيمكن بهذه القرينة إدراك أن المراد ما يحل لكم ليلة الصيام مما يحرم عليكم في نهاره، والله أعلم.
أما الأمر الثاني: فهذه المسألة وأنتم أعلم بإشكالاتها، وقد توسعت في محاولة حل عقدها في كتاب "مشكلات المفطرات"، وأنه مفسد للصوم لأنه يدخل في دلالة "الرفث"، وإنما استثنى القبلة ونحوها بدلالة النص، ولولا النص لما استثنيت كما يقول الصديق الضرير رحمه الله.
ولا نزال نتعلم منكم يا شيخ بدر، من أسئلتكم تارة ومن أجوبتكم تارة.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

بخصوص الأمر الأول الذي ذكرتم: فالإشكال فيه وجيه جدا، ويمكن الجواب عنه بأن المقصود من الآية ليس مجرد حل الرفث في ليلة الصيام فقط، فإن هذا حلال أيضا في غير ليالي رمضان، فيمكن بهذه القرينة إدراك أن المراد ما يحل لكم ليلة الصيام مما يحرم عليكم في نهاره، والله أعلم.
بورك فيكم حبيبنا أبا فراس
من أين لنا أن المباح ليلاً هو المحرم نهاراً بكل صوره ؟
القرينة المذكورة في نظري لا يلزم منها التطابق فالمباح عام وهو الرفث ويدخل فيه :
ما يدل عليه اللفظ .
وما تدل عليه الأدلة الأخرى .
والأصل المستصحب في الإباحة .
بعد أن قرر الإباحة ليلاً بين أن المباشرة جائزة إلى طلوع الفجر ثم يبدأ المنع من المباشرة لا الرفث هذا حسب اللفظ .
نحتاج لإثبات أحد أمرين حتى يتم لكم الاستدلال المذكور والمقارنة بين الحج والصوم :
1 - دلالة المفهوم من الآية عند إباحة الرفث ليلاً والذي تشيرون أنه القرينة .
2 - تطابق لفظ الرفث مع المباشرة من جهة المعنى .

وأما ما يتعلق بالإنزال فالأمر كما ذكرتم وقد اطلعت على كتابكم الرائع مشكلات المفطرات وهو أنيسي فقهياً في رمضان ورأيت ما يتعلق بهذه المسألة لكن عليها إشكالات قوية ترد على الجمهور .
وأقوى أدلة الجمهور :
- إجماع يحتاج لإثبات والمخالفون يشككون في صحته على أن من نقل الإجماع ربطه بالقبلة والمباشرة أي أنه مع المرأة لا من ينزل لوحده وهذا هو لفظ البغوي وابن قدامة والماوردي وابن رشد الذين نقلوا الإجماع .
- ومنها أنه داخل تحت (
الرفث ) وهذا ما أردت من فضيلتكم إفادتي به من كلام أهل اللغة أو الصحابة هل الاستمناء من أفراد الرفث لغة أو شرعاً ؟ ؛ لأنه إن ثبت ذلك فهو قوي في إثبات هذا القول لكني لم أجد ما يدل عليه لغة أو شرعاً حسب علمي القاصر وبحثي المتواضع في معاني اللفظ .
وأعجب من هذا من يدخله تحت (
المباشرة ) علماً أن النص قال ( ولا تباشروهن ) أي النساء فكيف يجعلون الاستمناء مباشرة ؟!! فلا اللفظ شرعاً يدل عليه ولا سياق الآية كذلك .
هذه التعليقات لا يقصد بها مناقشتكم في المسألة وإنما جاءت عرضاً شيخنا الكريم
 
التعديل الأخير:

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

قرأت مؤخراً على أحد المواقع هذه المشاركة


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:

فمن باب المذاكرة العلمية، والإدلاء بالدلو في رحاب طلبة العلم، أحببت أن أشارك إخواني بهذه المشاركة، غفر الله لصحبها، فأقول:

الذي أميل إليه أن ما اختاره الإمام الألباني-رحمه الله-والشيخ العلامة مشهور حسن آل سلمان- حفظه الله- وشيخنا العلامة محمد علي فركوس-حفظه الله-أقوم دليلا، وبيان ذلك:

أوّلا:

أن الأصل في العبادات الصحة، والمثبت للناقض يطالب بالدّليل؛ وبناء على هذا يطالب مدّعي الناقض بالدليل، أمّا النافي له فيكفيه نقض دليل القول المخالف، ليكون مذهبه راجحا.

ثانيا:

إلحاق الاستمناء بالجماع إلحاق قياسي، وهو قياس فاسد من وجهين:

الوجه الأول: فساد علّته؛ وتوضيح ذلك: أنّ الجامع بينهما عند القائيلين به، هو أحد شيئين:

أ- "اللذّة" أو"الشهوة": وهذا يمتنع الإلحاق به، لكون اللذة في الجماع أقوى واظهر منها في الاستمناء، وشرط الإلحاق أن يكون وجود الوصف في الفرع مساويا للأصل أو أقوى، فإن كان أضعف امتنع الإلحاق، كما هو مقرر في شروط القياس.

ب- "الإنزال" أو "خروج المني": وهذه لا يصح التعليل بها لانتقاضها، وشرط العلة أن تطرد فلا تنتقض، وبيان ذلك:
أن الجماع دون إنزال مفطّر بالإجماع، فلو كانت العلة هي الإنزال للزم أن لا يُفطّر الجماع إلا بشرط الإنزال، فلمّا لم يعتبر الإنزال في الجماع، انتقضت هذه العلّة.

الوجه الثاني: امتناع الإلحاق للفارق المؤثّر؛ وبيان ذلك: أنّ إلحاق الاستمناء بالجماع، يلزم منه إثبات أحكام الجماع للاستمناء، فيقال: الاستمناء كالجماع يبطل الصيام ويثبت الكفارة.
ولكن كما ذكر شيخنا فركوس-متّع الله به- أنّه لا قائل بأنّ الاستمناء يثبت كفارة؟
والكفارة إن قلنا أنها من باب الزجر فقط، فالاستمناء المحرّم أصالة أولى بها من الجماع الممنوع حال الصيام فقط.
وإن قلنا أنّها زاجر وجابر، فالحكم في الجماع والاستمناء واحد لأجل أنّ فيهما انتهاكا لحرمة اليوم بشهوة.

ثالثا:

أمّا حديث أبي هريرة: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"؛ فالمستدلون به يقولون، هو عام، فيستغرق جميع الشهوات، ومنها شهوة الاستمناء.

وهذا الاستدلال في أصله لا يقوم، ووجه ذلك أن يقال:

بحث العموم بحث ثانٍ يسبقه بحث أوّل، وهو تحرير الحقيقة، فالعموم هو استغراق اللفظ لجميع ما يصلح له، فأوّل البحث تحديد "ما يصلح له" وهو بحث في الحقيقة والماهية، ثمّ إذا تبيّنت الحقيقة نُظر في العموم أثابت هو أم لا؟

في الحديث " شهوته" فما حقيقة الشهوة؟
الشهوة هي اللذة التي يجدها الإنسان إذا حصل سبب من أسبابها.
إذا الشهوة إحساس يجده المرء من نفسه، فهل هذا الإحساس يتعدّد؟ أي هل له أفراد؟
الجواب: أن الشهوة إحساس تزيد وتنقص، لا يتعدّد وإنمّا تتعدد أسبابها، فالجماع سبب والاستمناء سبب والنظر سبب واللمس سبب وهكذا...

إذا تقرّر عندك هذا، فالشهوة حقيقة واحدة ليس لها أفراد، وما كان هكذا فهو من قبيل اللفظ الخاص الذي يبحث فيه عن عموم، فتأمّل.

لكن الشهوة إحساس يزيد وينقص مقداره بحسب سببه، إذا صار البحث في مقدار الشهوة المقصودة في الحديث؟

الأصل في الحقائق المطلق غير المقيدة بمقدار، أن تحمل على أدنى مسمّاها، وهذا بيان إجمال مقدارها، فإن نفى الشارع الحكم عن بعض مقدارها رجع إليها الإجمال. وتطبيق ذلك على ما مسألتنا، أن قوله عليه الصلاة والسلام:"يدع شهوته" الأصل أن يحمل على كلّ شهوة يجدها الإنسان من نفسه، أيًا كان سببها.
لكنّنا وجدنا الشارع لا يفسد صوم الصائم بالقبلة والمباشرة والنظر وكلّها تحدث شهوة في النفس، إذا مقدار الشهوة المقصود في النص صار مجملا.

رجع الحديث الحديث إذا في قوله :"يدع شهوته" إلى أنّه مجمل، ومورد الإجمال هو المقدار.
كيف نزيل هذا المقدار؟
من طرق إزالة الإجمال، الأخذ بالمجمع عليه، والمجمع عليه في مسألتنا هذه هو الجماع فقط.

وهل يدخل غيره؟ حيث لا يوجد نص، لم يبق أمامنا إلا الإلحاق بالقياس...وهذا سبق تفنيده في أوّل البحث.


خلاصة البحث:

أن الاستمناء ليس من مفسدات الصوم سواء كان بسبب مباح أو محرّم، لأن مفسدات العبادات تصنّف أصوليا على أنّها موانع، والموانع من احكام الوضع لا التكليف، والأحكام الوضعية لا يعتبر فيها قصد المكلّف.

والدليل على ما أخذت به تبعا لجماعة من العلماء هو أن:

الأصل في النواقض المنع حتى يثبتها الدليل، ولم يقم للمخالفين دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس.

وأظهر أدلته حديث:"يدع شهوته" والصحيح أنّه لفظ مجمل، تبيّن حقيقته بالإجماع على الجماع دون غيره.


والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك


======================================

هذا ما فتح الله به على عبده
أبي المنذر وسام بن محمد آل ميهوبي
-غفر الله له ولوالديه ومشايخه-
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)) متفق عليه.
وفي الحديث فائدة أخرى، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض، فهو راعى اللفظ القرآني، وأضاف إليه حكما.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)) متفق عليه.
وفي الحديث فائدة أخرى، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض، فهو راعى اللفظ القرآني، وأضاف إليه حكما.
بورك فيكم يا دكتور
إن سلكنا هذا المسلك سنصل إلى ما وصل إليه ابن حزم في التفطير بالمعصية ولقلنا إن من رفث بمعنى تكلم بالكلام الفاحش فقد أفطر وهو خلاف مذهب الجمهور وهم لا يقولون بتفطير من سب أو شتم أو اغتاب ونحو ذلك .
وسياق الحديث يدل على أن الرفث هنا الكلام الفاحش وسياق الآية يدل على أن الرفث الجماع وعليه كلام المفسرين وقد أشرتم - شيخنا الكريم - إلى أنه المروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ولا مخالف له ، وهو ما اقتصر عليه جل المفسرين ممن ذكرتم بل نقل ابن عبد البر في التمهيد الإجماع على هذا في آية الصوم بخلاف آية الحج .
وعليه فالرفث إما أنه مشترك لفظي أو معنوي بين الجماع وبين الكلام الفاحش والقرينة تحدد المراد .
والحديث هنا لا علاقة له بالرفث المذكور في الآية فهما مختلفان في المعنى مختلفان في الحكم ، وما رأيت من شراح الحديث كالنووي والحافظ ابن حجر والعيني وغيرهم من ربط الآية بالحديث .
 
التعديل الأخير:
أعلى