العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

العلمانية الجزئية والعلماينة الشاملة

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
للدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله مؤلَّف من جزأين اثنين عنوانه "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة"

ويبدو أن هذا الكتاب مستل من موسوعته في اليهود واليهودية والصهيونية
وسأورد هنا بمشيئة الله ملخص فكرته في هذا الكتاب من خلال ما عرضه من مصطلحات الموسوعة اليهودية.
وقيمة هذا الكتاب تكمن في الركيزة الأساسية التي أقام عليها هذا الكتاب وهو الفرق بين الوجه الحسن للعلمانية كما يبدو للغرب ويدعون إليه نظريا، وبين الواقع السيء البالغ في القبح والجشع الذي انتهى إليه واقع العلمانية الفعلية على أرض الواقع.
العلمانية الجزئية

«العلمانية الجزئية» هي رؤية جزئية للواقع تنطبق على عالم السياسة وربما على عالم الاقتصاد، وهو ما يُعبَّر عنه بفصل الكنيسة عن الدولة. والكنيسة هنا تعني «المؤسسات الكهنوتية»، أما الدولة فهي تعني «مؤسسات الدولة المختلفة». ويُوسِّع البعض هذا التعريف ليعني فصل الدين (والدين وحده) عن الدولة بمعنى الحياة العامة في بعض نواحيها. ونحن نُسمِّي هذه الصيغة «علمانية جزئية» لسببين:
1 ـ الدولة التي يشير لها التعريف هي دولة القرن التاسع عشر التي لم تكن قد تغوَّلت بعد ولم تكن قد طوَّرت مؤسساتها التربوية والأمنية المختلفة التي تُمكِّنها من محاصرة المواطن أينما كان، ولذا تركت له رقعة واسعة يتحرك فيها ويديرها حسب منظومته القيمية.
2 ـ تلزم العلمانية الجزئية الصمت تماماً بشأن المرجعية الأخلاقية والأبعاد الكلية والنهائية للمجتمع ولسلوك الفرد في حياته الخاصة وفي كثير من جوانب حياته العامة.

كل هذا يعني أن العلمانية الجزئية تترك حيزاً واسعاً للقيم الإنسانية والأخلاقية المطلقة، بل للقيم الدينية مادامت لا تتدخل في عالم السياسة (بالمعنى المحدد)، أي أنها صيغة لا تسقط في النسبية أو العدمية. وهذه الصيغة هي الشائعة بين عامة الناس في الشرق والغرب، بل بين الكثير من المفكرين العلمانيين. ويمكن تسميتها «العلمانية الأخلاقية أو الإنسانية» (وهناك بعض المفكرين الإسلاميين يرون أن هذه العلمانية الجزئية الأخلاقية لا تتناقض بأية حال مع المنظومة الدينية الإسلامية وأنهما يمكنهما التجاور والتعايش بل التكامل).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
العلمانية الشاملة

«العلمانية الشاملة» التي يمكن أن نسميها أيضاً «العلمانية الطبيعية/المادية» أو «العلمانية العدمية» هي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتـم نزع القداسـة تماماً عن العالم (الإنسان والطبيعة). وهي شاملة، فهي تشمل كلاً من الحياة العامة والخاصة، والإجراءات والمرجعية. والعالم، من منظور العلمانية الشاملة (شأنها في هذا شأن الحلولية الكمونية المادية)، مكتف بذاته وهو مرجعية ذاته، عالم متماسك بشكل عضوي لا تتخلله أية ثغرات ولا يعرف الانقطاع أو الثنائيات، خاضع لقوانين واحدة كامنة فيه، لا تُفرِّق بين الإنسان وغيره من الكائنات، فهو عالم يتسم بالواحدية المادية الصارمة (وهذه هي كلها صفات الطبيعة/المادة). والمبدأ الواحد كامن (حال) في العالم لا يتجاوزه ويُسمَّى «قانون الحركة» أو «القانون الطبيعي/المادي»، الأمر الذي يعني سيادة الواحدية المادية وأن كل الأمور، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، مادية نسبية متساوية لا قداسة لها، وأنه يمكن معرفة العالم بأسره (الإنسان والطبيعة) من خلال الحواس الخمس. والعلمانية الشاملة بطبيعة الحال لا تؤمن بأية مطلقات أو كليات، ولعل المنظومة الداروينية الصراعية هي أكثر المنظومات اقتراباً من نموذج العلمانية الشاملة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المطلق العلماني

«المطلق» هو المركز الذي يتجاوز كل الأجزاء ولا يتجاوزه شيء وهو المبدأ الواحد والركيزة أو المرجعية النهائية. والأنساق الفكرية العلمانية الشاملة قد تنكر أية نقطة مرجعية متجاوزة لهذه الدنيا، إلا أنها تستند إلى ركيزة أساسية ومرجعية نهائية كامنة في المادة (الطبيعة أو الإنسان أو التاريخ)، ولذا فهي مرجعية نهائية مادية تشكل مطلق هذا النموذج، فهي من ثم «مطلق علماني». وهذا المطلق يمكن أن يتخذ عدة أسماء ويتبدَّى من خلال عدة أشكال (اليد الخفية وآليات السوق عند آدم سميث ـ وسائل الإنتاج عند ماركس ـ الجنس عند فرويد ـ الروح المطلقة عند هيجل ـ قانون البقاء عند داروين ـ إرادة القوة عند نيتشه ـ التقدم اللانهائي في الحضارة العلمانية ـ عبء الرجل الأبيض في التشكيل الاستعماري الغربي ـ روح التاريخ عند الهيجليين). وكل هذه المفاهيم إن هي إلا تنويع سطحي على مفهوم الطبيعة/المادة.
وقد بدأت المنظومة العلمانية بأن جعلت الإنسان المطلق العلماني. ولكن مركز المطلقية انتقل، وبالتدريج، إلى عالم الأشـياء (الطبيعة/المادة ـ الدولة ـ السـلعة ـ وسـائل الإنتاج... إلـخ). ومن ثم أصبحت كل الأمور، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، طبيعية/مادية لا قداسة لها، وابتلعت الواحدية المادية الإنسان تماماً.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الإمبريالية (الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية)

«الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية» هي النتيجة الحتمية للعلمانية الشاملة التي تنزع القداسة عن العالم وتفصله عن كل القيم الأخلاقية والإنسانية، وتُحوسل الطبيعة والإنسان وتحاول التحكم فيهما والهيمنة عليهما لصالح الأقوى (السوبرمان) أو لصالح أي مطلق علماني (الدولة ـ العرْق الأرقى... إلخ). وقد قامت المنظومة العلمانية الشاملة (في الغرب) بترشيد الداخل الغربي في الإطار المادي ودجَّنته وحوَّلته إلى مادة استعمالية، ثم جيَّشت الجيوش وهيمنت على العالم بأسره (الطبيعة والإنسان ـ المصادر الطبيعية والبشرية) وحوَّلته هو الآخر إلى مادة استعمالية لصالح الإنسان الغربي وحده (باعتباره العنصر الأرقى والأقوى). فالعلمانية الشاملة والإمبريالية وجهان لعملة واحدة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الانتقال من العلمانية الجزئية إلى العلمانية الشاملة

يتم الانتقال من العلمانية الجزئية إلى العلمانية الشاملة من خلال عمليات تاريخية طويلة مركَّبة، تأخذ شكل متتالية تاريخية متعددة الحلقات، بعضها واضح ومُحدَّد والبعض الآخر يَصعُب إدراكه وتحديده. ولكن جوهر هذه العملية هو تصاعُد الترشيد المادي بحيث يصبح كل مجال من مجالات الحياة خاضعاً للقوانين الكامنة فيه يستمد معياريته من ذاته (أي أن تصاعُد الترشيد هو أيضاً تصاعُد معدلات الحلول) فيحكم على المجال الاقتصادي بمعايير اقتصادية، وعلى المجال السياسي بمعايير سياسية، وعلى المجال الديني بمعايير دينية وهكذا، ويصبح كل مجال مكتفياً بذاته، ومرجعية ذاته، فهو متماسك بشكل عضوي لا يعرف الثنائيات ولا الثغرات والانقطاع (أي أنه يكتسب سمات الطبيـعة/المادة)، منعزل عما سواه من المجالات، لا يربطه رابط بها. وينتـج عن هذه العملية الانفصال التدريجي لمختلف مجالات الحيـاة عن المنظومات الدينيـة والأخـلاقية وعن الغائيات الإنسانية. وهكذا تتفتَّت مجالات الحياة الإنسـانية وتتحـوَّل إلى مجالات غير متجانسة غير مترابطة، وحينما تواجه الذات الإنسانية العالم تجده منفصلاً عنها، غريباً عليها، مفتتاً، مجرد مادة نسبية محايدة خاضعة لحركة المادة وحسب
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
العلمنة البنيوية الكامنة

يُلاحَظ أن معظم الناس لا ينادون، في أغلب الأحيان، إلا بالعلمانية الجزئية وحسب، إذ لا يجرؤ أحد، إلا قلة نادرة، على المناداة بالعلمانية الشاملة (الطبيعية ـ العدمية ـ المتجاوزة للأخلاق)، بماديتها الصارمة وعدائها الشرس للإنسان. ولكن، على مستوى الواقع الفعلي في المجتمع الحديث، يخضع السواد الأعظم من الناس لعمليات علمنة كامنة (نسميها «علمنة بنيوية كامنة») هي في الواقع تعبير عن نموذج العلمانية الشاملة وليس العلمانية الجزئية. وهذه العلمنة تقوم بها مؤسسات عديدة من بينها الدولة المركزية (بمؤسساتها الأمنية والتربوية التي تزداد مركزية وقوة على مر الأيام) وقطاع اللذة (الذي تصل أذرعته الأخطبوطية إلى كل مكان وإلى مجـالات الحـياة الإنسـانية الخاصة والعامة كافة) والمؤسسات الإعلامية. ويمكن أن نضرب مثلاً بالإعلانات التليفزيونية، فهي تنزع القداسة عن الإنسان وتحوِّله إلى إنسان اقتصادي وجسماني ذي بُعد واحد، ربما دون إدراك من جانب أصحاب هذه الإعلانات لحقيقة ما يمارسونه من علمنة شاملة، ودون إدراك من جانب من يشاهدون هذه الإعلانات لطبيعة ما يتعرضون له هم وأولادهم من آراء ونماذج معرفية تُعيد صياغة رؤيتهم لأنفسهم وللعالم بطريقة قد لا يوافقون هم أنفسهم عليها إن أدركوا تضميناتها الفلسفية والمعرفية والأخلاقية.
ولعل أهم آليات هذه العلمنة البنيوية الكامنة الشاملة الكاسحة هو قطاع اللذة ككل، وخصوصاً الأفلام الأمريكية والبرامج التليفزيونية التي تصل إلى السواد الأعظم من البشر، وتقوم بإعادة صياغة رؤيتهم لأنفسهم (عادةً في إطار دارويني أو فرويدي أو برجماتي) بشكل بنيوي كامن غير واع، ولكنه شـامل. ونحن نرى أن عمليات الأمركة والعولمة هي في جوهرها عمليات علمنة شاملة كامنة تؤدي إلى إلغاء كل الثنائيات والخصوصيات الدينية والقومية، وهذا هو جوهر النظام العالمي الجديد.
وفي هذه الموسوعة، نتحدث عن «العلمانية» وعن «العلمنة» دون أن نُميِّز، في بعض الأحيان، بين الجزئية والشاملة (أو الواعية الظاهرة وغير الواعية البنيوية الكامنة) إلا في القليل النادر. ولكن ما نعنيه عادةً، حينما تَرد كلمتا «علمانية» أو «علمنة»، هو «العلمانية الشاملة» واعية كانت أو غير واعية، حيث إننا ندرس ظواهر في المجتمع الغربي حيث تسود العلمانية الشاملة على مستوى الواقع، وحيث تمت بلورة رؤية علمانية شاملة على مستوى النظرية.
الواحدية الذاتية والتمركز حول الذات والواحدية الموضوعية والتمركز حول الموضوع
تُعيِّن النماذج الحلولية الكمونية عنصرين أو ركيزتين أساسيتين تجعلهما موضع الحلول والكمون والإطلاق، أحدهما هو الإنسان الذي يمكن أن يكون مرجعية ذاته، والذي يمكنه أن يولِّد معياريته من داخل ذاته، والركيزة الأخرى هي الطبيعة/المادة التي يمكن أن تكون مرجعية ذاتها والمصدر الوحيد للمعيارية.
وقد منح هذا النموذج الإنسان مركزية في الكون وأسبقية على الطبيعة/المادة، وقدراً من المطلقية باعتباره كائناً عاقلاً، قادراً على استخدام عقله في دراسة الطبيعة/المادة وفهمها وتجاوزها وتسخيرها لصالحه، وعلى توليد معيارية إنسانية مستقلة عن قوانين الطبيعة، ومن ثم ظهرت الفلسفة الإنسانية (الهيومانية) وأصبحت رؤية الإنسـان الغربي الأسـاسية في بداية مشروعه التحديثي، وهي رؤية يتمركز فيها الإنسان حول ذاته الإنسانية.
ورغم أن الفلسفة الهيومانية تدور في إطار مادي (واحدي بسبب ماديته)، فإنها بإعلانها انفصال الإنسان عن الطبيعة/المادة واستقلاليته عنها ومقدرته على تجاوزها، استعادت مفهوم قداسة الإنسان وقدراً من الميتافيزيقا الإنسانية، ومن ثم أصبح من الممكن تأسيس منظومات أخلاقية. وقد تدهورت الواحدية الإنسانية وتحولت إلى واحدية إمبريالية حين أعلن الإنسان الغربي أنه مركز الكون وموضع الحلول.
ولكن النموذج الواحدي المادي قد جعل الطبيعة/المادة هي أيضاً مركز الكون، وهو ما يعني أسبقيتها على الإنسان وأن الإنسان ليس مقولة مستقلة عن عالم الطبيعة/المادة (الواحدية الموضوعية المادية). وقد نشأ عن هذا الثنائية الصلبة، التي صُفيت لصالح الطبيعة/المادة فهيمنت الواحدية المادية تماماً. وقد واكب هذا تغيرات عميقة دعمت هذا الوضع الجديد. فبعد تأكيد مركزية الإنسان في الكون وأسبقيته على الطبيعة يكتشف الإنسان أن قوانين العقل الإنساني هي نفسها قوانين الطبيعة/المادة (فعقله جزء لا يتجزأ من الطبيعة/المادة)، والذات الإنسانية هي موضوع طبيعي/مادي، وأن الإنسان الطبيعي/المادي عقله طبيعي/مادي، لا يمكنه تجاوز الطبيعة/المادة، والحيز الوحيد الذي يتحرك فيه هو الحيز الطبيعي/المادي، وآفاقه المعرفية والأخلاقية تحدها حدود الطبيعة/المادة، ومهمته من ثم هي معرفة الطبيعة/المادة وقوانين حركتها المنفصلة عن العقل الإنساني وعن الغائيات الإنسانية وعن القيم الإنسانية، التي تحوَّلت إلى مجرد أوهام ولَّدها الإنسان في اللحظات الهيومانية التي توهَّم فيها استقلاله عن الطبيعة/المادة. فالعقل الإنساني المادي لا يُولِّد معياريته وقيمه وغائيته من داخل ذاته وإنما يستمدها من الطبيعة/المادة. وهي معيارية وقيم وغائيات متحررة تماماً من أوهام الإنسان عن نفسه وعن مركزيته. وهكذا يؤدي التمركز حول الذات الإنسانية إلى التمركز حول الموضوع الطبيعي/المادي واختفاء الحيز الإنساني تماماً وهيمنة الواحدية المادية. وبيَّن التطور التاريخي في المجتمع الغربي أن تصاعد معدلات العلمنة تؤدي إلى انتقال المجتمع من العلمانية الجزئية إلى العلمانية الشاملة ويعني هيمنة النماذج الواحدية المادية الصارمة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
السوبرمان والسبمان


يأخذ الإنسان الطبيعي/المادي شكلين:
أ) السوبرمان superman (الإنسان الأعلى) الإمبريالي الذي يُجسِّد الطبيعة/المادة ويولِّد معياريته من ذاته، ولا يؤمن بأية قيم خارجة عنها، ولا يؤمن إلا بفلسفة القوة كقيمة وحيدة مطلقة، وهو إنسان إمبريالي يرى أن من حقه أن يُوظِّف الآخرين لحسابه ولتحقيق مصالحه باعتباره الأقوى المنتصر (الداروينية الاجتماعية).

ب) السبمان subman (دون الإنسان) الذي يذعن للطبيعة/ المادة ويتكيف مع المعيارية التي تُولَد من داخلها (البرجماتية). وقد عبَّر هذا الإنسان المُتكيِّف عن نفسه في عدة أشكال: الإنسان البرجماتي ـ الإنسان المدجَّن ـ الإنسان المرشَّد ـ الإنسان المتشيئ ـ الإنسان ذو البُعد الواحد الذي يمكن توظيفه وحوسلته بسهولة ويُسر. ولكن سمة السبمان الأساسية أنه إنسان وظيفي يُعرَّف في ضوء وظائفه الاقتصادية والبيولوجية، فهو إما إنسان اقتصادي أو إنسان جسماني أو جنسي أو خليط منهما.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
التحديث والحداثة وما بعد الحداثة

«التحديث والحداثة وما بعد الحداثة» هي مراحل ثلاثة في متتالية العلمانية. فالعلمانية ليست جوهراً ثابتاً يتبدَّى كله في عالم التاريخ دفعة واحدة وإنما هي متتالية تتحقق حلقاتها تدريجياً عَبْر الزمان، فمن عالم الاقتصاد إلى عالم السياسة إلى عالم الوجدان والأحلام ثم أخيراً عالم السلوك في الحياة العامة والخاصة. وحينما تسري قوانين العلمانية الشاملة على مجال من مجالات النشاط الإنساني، فإن هذا المجال ينفصل عن المعيارية والغائية الدينية والأخلاقية والإنسـانية فتختفي منه المرجعية الإنسانية ويصبـح مرجعية ذاته ويسـتمد معياريته من شيئيته. فتصبح المعايير في المجال الاقتصادي اقتصادية، وفي المجال السياسي سياسية، وفي المجال الجمالي جمالية، وهذا ما يُسمَّى «التحييد» الذي يتصاعد إلى أن يصبح العالم بأسره مجالات محايدة لا يربطها رابط وتختفي أية معيارية إنسانية عامة، وتتآكل كل القيم والمفاهيم الكلية وتسود النسبية التي تنكر على الإنسان المقدرة على تجاوز صيرورة عالم المادة والحركة فيسقط في قبضتها تماماً وتسقط فكرة الحقيقة والحق والخير والجمال والكل، بل فكرة الطبيعة (البشرية ثم المادية) (أي تسقط كل المنظومات المعرفية والأخلاقية والجمالية) فهي عملية تفكيك كاملة.
وهـذا الانتقـال من عالم متماسـك فيـه معيارية (حتى لو كانت مادية)، إلى عالم مفكَّك بلا معيارية، هو الانتقال من عصر التحديث (والحداثة) إلى عصر ما بعد الحداثة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلولية الصلبة والحلولية السائلة

«الحلولية الصلبة والحلولية السائلة» مرحلتان أساسيتان في متتالية الحلولية: تبدأ متتالية الحلولية بأن يحل المبدأ الواحد في عنصر مادي إنساني واحد (مسار التاريخ ـ روح الشعب ـ الرجل الأبيض) فيصبح هو المركز ويتم التجاوز باسمه (الواحدية الذاتية). والإنسان في هذه المرحلة يتمتع بقدر كبير من التماسُـك رغـم أن عملية تفكيكه تكون قد بدأت، إذ بدأ يتحوَّل من كونه إنساناً إنساناً إلى إنسان طبيعي، الأمر الذي يعني بداية ضمورالحيِّز الإنساني وتهميشه.
ولكن المـبدأ الواحد يحل في الوقت نفسه في الطبيعة/المادة، ويتم التجاوز باسمها (الواحدية الطبيعية المادية الصلبة) حيث يتم الإذعان الكامل لقوانين الطبيعة، ومن هنا تنشأ الثنائية الصلبة. ولكن يتم تفكيك الإنسان إلى عناصره الأولية فيصبح إنساناً اقتصادياً أو جسمانياً، ويتلاشى الحيز الإنساني تماماً، إذ يبتلع الحيز الطبيعي كل الكائنات بما في ذلك الإنسان وتسود الواحدية الطبيعية.
ولكن درجات الحلول تزداد تدريجياً ويتوزع الكمون في أكثر من عنصر واحد حتى تصبح كل عناصر الواقع موضع كمون فتصبح كل الأشياء مقدَّسة ويتساوى المقدَّس والمدنَّس والمطلق والنسبي، ويختفي المركز أو تتعدَّد المراكز ومن ثم تصبح كل الأمور نسبية وتسقط في قبضة الصيرورة، ويختفي الحيز الطبيعي ذاته. وهذه هي مرحلة ما بعد الحداثة والحلولية الواحدية السائلة.
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
162
الإقامة
المغرب
الجنس
ذكر
الكنية
أبو ياسر
التخصص
العلوم الإسلامية و الحديث (علم الرجال خاصة)
الدولة
المغرب
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
بارك الله فيكم أخي الأستاذ فؤاد على هذا التلخيص المركز لمفهومي :"العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة " عند الدكتور عبد الوهاب المستيري رحمه الله ونحن في انتظار تحديد الموقف الصائب من كل ذلك في إطار رؤية إسلامية واقعية نأمل أن يسهم في إثرائها كل الإخوة الكرام بسديد آرائهم ...
 

علاء ممدوح على

:: متابع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
64
التخصص
الفقه العام
المدينة
جيزة
المذهب الفقهي
حنبلي
بارك الله فيكم أخي الأستاذ فؤاد على هذا التلخيص المركز لمفهومي :"العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة " عند الدكتور عبد الوهاب المستيري رحمه الله ونحن في انتظار تحديد الموقف الصائب من كل ذلك في إطار رؤية إسلامية واقعية نأمل أن يسهم في إثرائها كل الإخوة الكرام بسديد آرائهم ...

نعم ننتظر
 
أعلى