العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الفائض بأسماء ألبسة الحائض

إنضم
4 يوليو 2008
المشاركات
46
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
الفلسفة والفكر والحضارة
المدينة
تطوان
المذهب الفقهي
الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
طارق بن عبد الرحمن الحمودي

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد فإن من أعظم الظلم الذي نال اللغة العربية في أزماننا عزوف أهلها عن الأخذ من خزائنها.والإعراض عنها إلى تكلف استيلاد كلمات غريبة عنا وعنها. والسبب في ذلك جهلهم بها وبما فيها.ومن ذلك أن غالب النساء المتعلمات اليوم يجهلن اسم الخرقة التي تضعها الحائض على فرجها لرد أذى الدم. فشاعت في أوساطهن أسماء كـ(الفوطة) وألقاب أخرى وضعها أصحاب الشركات على خرق عصرية مصنعة.وفي لغتنا أسماء لهذه الخرقة تجدها مبثوثة في كتب اللغة, فحبذا استعمالها وإشاعتها في الوسط النسائي. خصوصا بين طالبات العلم الشرعي. والمتسننات فإنهن أولى بهذه المسؤولية. فللغة العربية عليهن منة وحق في وجوب الذب عنها, وإحياء ما أماته المستغربون وأعداء العربية منها.
فمن أسماء هذه الخرقة :
*(المِئْلاة) كما في غريب الحديث لأبي عبيد وغيره, وفي حديث عمرو بن العاص - حين قدم على عمر رضي الله عنه من مصر وكان واليه عليها فقال كم سرت فقال عشرين فقال عمر لقد سرت سير عاشق فقال عمرو إني والله ما تأبطني الإماء ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي فقال عمر والله ما هذا بجواب الكلام الذي سألتك عنه وإن الدجاجة لتفحص في الرماد فتضع لغير الفحل والبيضة منسوبة إلى طرقها فقام عمرو متربد الوجه) قال الإمام أبو عبيد في غريب الحديث (4/161): ( المآلي في الأصل خرق تمسكهن النوائح إذا نحن يشرن بها بأيديهن, واحدتها مئلاة وإنما أراد عمرو خرق المحيض فشبهها بتلك المآلي) ويقال : آلت المرأة إيلاء إذا اتخذت مئلاة.
*ومنها (اللِّجَام) كما في تاج العروس.و في حديث حمنة بن جحش في بعض الروايات (تلجمي وتحيضي في علم الله ستا أو سبعا) أي شدي على فرجك لجاما. رواه الإمام أحمد (6/381) وابن ماجه (627) وغيرهما وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن أبي داود.
وهو مجاز كما في أساس البلاغة. قال الإمام أبو عبيد في الغريب : (قوله (تلجمي) يقول شدي لجاما وهو شبيه بقوله (استثفري), شبه هذا اللجام بالثفر لأنه يكون تحت ذنب الدابة). وزاد في المعجم الوسيط أنه يشد في حزامها.
قال النووي في شرح صحيح مسلم (8/172): (الاستثفار هو أن تشد في وسطها شيئا, وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها, وهو شبيه بثَفَر الدابة بفتح الفاء)
*ومنها(الوَفِيعَةُ) كما في لسان العرب والمعجم الوسيط والمحكم والتاج.
*ومنها(الرِّبْذَة) كما في المحكم لابن سيده وتاج العروس وغيرها.قال صاحب العين : (الربذة صوفة يأخذ بها القطران فيهنأ بها البعير, وشبهت الخرقة التي تلقيها الحائض بها فسميت الربذة).
وقيل – كما في المستقصى لأمثال العرب للزمخشري -:
يا عقيد اللؤم لولا نعمتي كنت كالربذة ملقى بالفناء
ولم أعرف صاحبه!
وقال ابن قتيبة في غريب الحديث (2/585) : (في حديث عمر بن عبد العزيز أن عدي بن أرطأة كتب إليه، أن عندنا قوما أكلوا من مال الله، وإنا لا نقدر أن نستخرج ما عندهم حتى يمسهم شيء من العذاب.فكتب إليه عمر: انما أنت ربذة من الربذ، فوالله لأن يلقوا الله بخيانتهم أحب الي من أن ألقى الله بدمائهم، فافعل بهم ما يفعل بغريم السوء).
حدثنيه القومسي، عن أبي سلمة المقري عن أبي هلال الراسبي عن قتادة.
وأخبرني القومسي أنه سأل ابن الأعرابي عن الربذة فقال: هي خرقة أو صوفة يهنأ بها البعير.وذكر الزيادي عن الأصمعي أنه قال: الربذة أيضا صوفة تعلق على الهودج.وقال: وهي أيضا خرقة الحيض.) والقومسي هو أحمد بن الخليل النوفلي القومسي. كذبه أبو حاتم وضعفه أبو زرعة وقال الذهبي في السير: (واه), واستنكر في الإرشاد (2/655) رواية ابن قتيبة عنه فقال: (كتب عنه أبو محمد القتبي مع جلالته)
قلت: في لسان العرب : (هنأ البعيرَ, تقول: هنأت البعير بالفتح, أهنؤه إذا طليته بالهَناء وهو القطران) ويكون ذلك لأجل الجرب يصيبها.
*ومنها(المِعْبَأَةُ) كما في اللسان والقاموس والمحيط عن ثعلب عن ابن الأعرابي. يقال :اعتبأت المرأة إذا اتخذت المعبأة

فإذا تنجست الخرقة بدم الحيض ورمتها صارت :
*(حِيضَة) .روى الإمام أحمد(3/31) وأبو داود(66) والترمذي(66) وغيرهم عن أبي سعيد الخدري قال: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء)
قال العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي (1/169): ((الحِيَض)بكسر الحاء المهملة وفتح التحتية جمع (حِيضَة) بكسر الحاء وسكون التحتية, وهي الخرقة التي تستعمل في دم الحيض)
قلت: والحيض أيضا جمع حيضة بفتح الحاء وسكون التحتية .ومنه قول البخاري (باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض)
وذكر الطبري في تفسيره (17/59) أن أيوب عليه السلام قال : (رب لأي شيء خلقتني لو كنت إذ كرهتني في الخير تركتني فلم تخلقني يا ليتني كنت حيضة ألقتني أمي ويا ليتني مت في بطنها فلم أعرف شيئا)
وروى الطبراني في المعجم الكبير (23/66/138): حدثنا علي بن المبارك الصنعاني ثنا زيد بن المبارك ثنا محمد بن ثور عن بن جريج قال وقال بن شهاب عن عروة وعبيد الله بن عدي وعلقمة بن وقاص يزيد بعضهم على بعض عن عائشة قالت في حديث الإفك الطويل : (..فوالله لوددت أني كنت حيضة..) ورواه في أخبار المدينة (1/191) عن سويد بن سعيد قال حدثنا الوليد بن محمد الموقري عن الزهري من كلام أبي بكر رضي الله عنه ولفظه عنده: (فقال لها أبو بكر رضي الله عنه والله لوددت أني لم أرك قط وددت أن لو كنت حيضة والله ما قيل ذلك في الجاهلية فكيف في الإسلام)
*ومثله :(النِّسْيُ).كما في العين والقاموس .قال في العين: (والنسي الشيء المنسي الذي لا يذكر ,يقال منه قوله تعالى (وكنت نسيا منسيا ) ويقال: هو خرقة الحائض إذا رمت به ) وقال الزبيدي في التاج: (قال الفراء: النِّسْي بالكسر والفتح, ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها,ولو أردت بالنسي مصدر النسيان لجاز, أي في الآية,وقال ثعلب: : قرئ بالوجهين,فمن قرأ بالكسر فعنى خرق الحيض التي يرمى بها) وإنما سميت كذلك كما قال العلامة الشنقيطي في الأضواء لحقارتها.
وقد روى سفيان الثوري – كما في تفسيره المجموع - عن جابر عن مجاهد في قوله ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) قال: ( يا ليتني كنت حِيضة ملقاة على عقبَيْ أمي). و قال أبو العباس ثعلب في مجالسه (النسي خرق الحيض)
*ومثله (الطَّلْياء) كما في المستقصى في أمثال العرب للزمخشري ومجمع الأمثال للميداني وتاج العروس.

*وليس هذا منتهى قصدنا في هذه الكلمات , بل إنني أنبه أيضا إلى أن من سيطالع كتب اللغة والأدب سيجد ذكرا لألبسة خاصة بالحيض كانت النساء يلبسنها.وأدوات كن يستعملنها في الحيض والاستحاضة غاب ذكرها في أوساط النساء اليوم.فمما كانت تلبسه الحائض في حيضها:
*(الزُّنْجُبُ) كما في لسان العرب في والمحكم لابن سيده وتاج العروس. قالوا: ( الزنجب ثوب تلبسه المرأة تحت ثيابها إذا حاضت).
*و(الحوف) كما في لسان العرب (تلبسه الحائض وجمعه أحواف ,قال ابن الأعرابي هو جلد يقد سيورا عرض السير أربع أصابع أو شبر تلبسه الجارية صغيرة قبل أن تدرك وتلبسه أيضا وهي حائض)
*و(الرَّهْطُ) كما في اللسان وتهذيب اللغة والتاج جلد جلد يشقق كهيئة الإزار قدر ما بين الركبة والسرة تلبسه الحائض إلاَّ مَوضع الفَلْهَمِ.وفي المفردات في غريب القرآن (الرهط تحشو بها الحائض متاعها عند الحيض ,قال أبو المثلم الهذلي
متى ما أشأ غير زهو الملوك أجعلك رهطا على حيض
قلت: و(الفلهم )كجعفر فرج المرأة. كما في اللسان و القاموس والمحيط وغيرها.
فوائد وطرائف متفرقة:
*في خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب (7/213) لعبد القادر البغدادي أن الحُيَّض من النساء القرشيات وغيرهن كن لا يقربن الأصنام ولا يمسسنها إنما يقفن في ناحية منها.
قلت: وكان اليهود لا يقربن الحيض ولا يؤاكلنهن , وكانت النصارى يجامعنهن ! وشرع الإسلام وسط, فمنع من وطئهن فقط. قال القرطبي في تفسيره (3/81): (قال علماؤنا: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض وكانت النصارى يجامعون الحيض فأمر الله بالقصد بين هذين) ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قالت له إني حائض : (إن حيضتك ليست في يدك). وكان يباشر نساءه دون الفرج. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : (إني لأدني الحائض مني وما بي إليها صَورة )أي ميل وشهوة.ذكره الزبيدي في تاج العروس.
*والدرس الحيض, ولذلك كنى العرب الفرج أبا أدراس كما في جمهرة الأمثال للعسكري وأساس البلاغة للزمخشري ومقاييس اللغة لابن فارس وتاج العروس للزبيدي وقال أيضا : أبا دراس.!
*وكانت العرب تعلق خرق الحيض وغيرها على من يخاف عليه أذية الجن كالصبيان وغيرهم, ويسمونه (التنجيس).
قال الزبيدي في تاج العروس (16/536): (التنجيس : اسم شيء كانت العرب تفعله : وهو تعليق شيء من القذر أو عظام الموتى أو خرقة الحائض, كان يعلق على من يخاف عليه من ولوع الجن به كالصبيان وغيرهم. ويقولون : الجن لا تقربها. وعبارة الصحاح : والننجيس : شيء كانت العرب تفعله كالعوذة تدفع بها العين)
ويشبه هذا تعليق كعب الأرنب,قال الجاحظ في الحيوان: (كانت العرب في الجاهلية تقول: من عُلّق عليه كعب أرنب لم تصبه عين ولا نفس ولا سِحر، وكانت عليه واقية؛ لأن الجن تهرب منها، وليست من مطاياها لمكان الحيض).
وذكره أيضا ابن قتيبة في (المعاني الكبير في أبيات المعاني) والزمخشري في (ربيع الأبرار ونصوص الأخبار)
*وذكر أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة أن في بعض البلاد نهرا يجري في كل سبع سنين نهر كبريت، ولا يكون فيه سمك، لأن ماءه يتغير في كل يوم ثلاث مرات، وينبعث منه شبه ثور ليس له رأس. وأهل الشام إذا أرادوا أخذه ألقوه في سفينة، ولا يستطيعون قطعه بفأس ولا كسره بحجر، إنما يؤتى بالماء المنتن ودم الحيض فيخلطان جميعاً ثم ينضحان عليه، فإذا وقعا عليه تحلل وتكتل كتلا صغارا، وتستعمل في أشياء ينتفع بها)!.
*وذكر الجاحظ في الحيوان أنه لا تنبت اللحى للنساء، إلا عند ارتفاع الحيض ولذا يرى ذلك على وجوه العجائز.
*وذكروا أنه لما تزوج المهلب بن أبي صفرة بديعة المطربة، أراد الدخول بها، فجاءها الحيض، فقرأت: (وفار التنور) فقرأ و: (سآوي إلى الجبل يعصمني من الماء ) فقرأت (لا عاصم اليوم من أمرالله إلا من رحم ).
وذكر الصفدي في الوافي بالوفيات وابن خلكان في وفيات الأعيان – ونسبها اليافعي في مرآن الجنان وعبرة اليقظان لأبي العباس الجرجاني في كتاب الكنايات- أن المأمون أراد أن يدخل على جارية له دافعوه لعذر بها، فلم يقبل، فلما دخل بها وجدها حائضاً، فقالت: أتى أمر الله، فلا تستعجلوه، فتركها، فلما قعد للناس دخل أحمد بن يوسف الكاتب عليه وقال: يا أمير المؤمنين، هنأك الله بما أخذت من اليمن والبركة وشدة الظفر بالمعركة فأنشد المأمون:
فارس ماض بحربته عارف بالطعن في الظلم
رام أن يدمي فريسته فاتقته من دم بدم
*وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار: (يقول بعضهم: إن الجنين يغتذي دم الحيض يسيل إليه من السرة بغذائه؛ وقالوا. لذلك لا تحيض الحوامل. وقد رأينا من الحوامل من تحيض. والعرب تقول. حملت فلانة سهواً، إذا حاضت على الحمل.)
*وفي نهاية الأرب للنويري: (قال كعب: ما حملت حواء حتى رأت الحيض ففزعت وأخبرت آدم بذلك فمنعها من
الصلاة أيام حيضها حتى ينقطع الدم, ثم جاءها ملك فوقفها على زمزم وقال لآدم: اركض برجلك في هذا الموضع. فركضها، فانفجرت الأرض بإذن الله عين ماء معين؛ فكبر آدم وحواء، وهمت أن تشرب فمنعها وقال: (حتى يأذن لي ربي). فاغتسلت حواء, وكان في ذوائبها بقية من مسك الجنة، ففاحت الدنيا)!
*وذكر الأبشيهي في المستظرف أن من كرم الأسد أنه لا يقرب المرأة خصوصا الحائض!.
*فائدة فقهية: الحائض المرأة البالغ, وأيضا من جاءها الحيض.وفي الحديث: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) أي صلاة امرأة بالغ إلا بخمار, لأن المتلبسة بالحيض لا تصلي. وفي الحديث (يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة الحائض) واختلف العلماء في معنى الحائض هنا, فقال بعضهم: (المرأة البالغ) وهو مشكل , فإن العرب وخصوصا أفصح من نطق بالضاد لا يكرر الكلام لغير فائدة. فعلى اختيارهم يكون معنى الحديث (يقطع الصلاة ...والمرأة البالغ البالغ), ولا فائدة من التأكيد هنا ولا داعي له. والظاهر أن معناها (المتلبسة بالحيض) لأن التأسيس أولى من التأكيد. وهو مذهب الجمهور والله أعلم.
 
أعلى