العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الفرق بين البدع والمصالح المرسلة

شهاب الدين الإدريسي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
20 سبتمبر 2008
المشاركات
376
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
قال الإمام الشاطبي ما مختصره:
هذا الباب يُضْطَرُّ إلى الكلام فيه عند النظر فيما هو بدعة وما ليس ببدعة فإن كثيراً من الناس عدوا أكثر المصالح المرسلة بدعاً، ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وجعلوها حجة فيما ذهبوا إليه من اختراع العبادات، وقوم جعلوا البدع تنقسم بأقسام أحكام الشريعة، فقالوا: إن منها ما هو واجب ومندوب، وعدوا من الواجب كَتْب المصحف وغيره، ومن المندوب الاجتماع في قيام رمضان على قارىء واحد.
وأيضاً فإن المصالح المرسلة يرجع معناها إلى اعتبار المناسب الذي لا يشهد له أصل معين، فليس له على هذا شاهد شرعي على الخصوص، ولا كونه قياساً بحيث إذا عرض على العقول تلقيه بالقبول، وهذا بعينه موجود في البدع المستحسنة، فإنها راجعة إلى أُمور في الدين مصلحية ـ في زعم واضعيها ـ في الشرع على الخصوص.
وإذا ثبت هذا، فإن كان اعتبار المصالح المرسلة حقاً، فاعتبار البدع المستحسنة حق، لأنهما يجريان من واد واحد، وإن لم يكن اعتبار البدع حقاً، لم يصح اعتبار المصالح المرسلة.
وأيضاً فإن القول بالمصالح المرسلة ليس متفقاً عليه، بل قد اختلف فيه أهل الأُصول.
وكذلك القول في الاستحسان فإنه راجع إلى الحكم بغير دليل، والنافي له لا يعد الاستحسان سبباً فلا يعتبر في الأحكام البتة، فصار كالمصالح المرسلة إذا قيل بردها.
فلما كان هذا الموضع مزلة قدم، لأهل البدع أن يستدلوا على بدعتهم من جهته ـ كان الحق المتعين النظر في مناط الغلط الواقع لهؤلاء، حتى يتبين أن المصالح المرسلة ليست من البدع في وِرْد ولا صَدَر، بحول اللّه، واللّه الموفق، فنقول:
المعني المناسب: الذي يربط به الحكم لا يخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يشهد الشرع بقبوله، فلا إشكال في صحته، ولا خلاف في إعماله، وإلا كان مناقضة للشريعة، كشريعة القصاص حفظاً للنفوس والأطراف وغيرها.
والثاني: ما شهد الشرع برده فلا سبيل إلى قبوله باتفاق المسلمين.
الثالث: ما سكتت عنه الشواهد الخاصة، فلم تشهد باعتباره ولا بإلغائه، فهذا على وجهين:
أحدهما: أن يرد نص على وفق ذلك المعنى، كتعليل منع القتل للميراث، فالمعاملة بنقيض المقصود تقدير إن لم يرد نص على وفقه، فإن هذه العلة لا عهد بها في تصرفات الشرع بالفرض ولا بملائمها بحيث يوجد لها جنس معتبر، فلا يصح التعليل بها، ولا بناء الحكم عليها باتفاق، ومثل هذا تشريع من القائل به فلا يمكن قبوله.
والثاني: أن يلائم تصرفات الشرع، وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة بغير دليل معين، وهو الاستدلال المرسل، المسمى بالمصالح المرسلة ولا بد من بسطه بالأمثلة حتى يتبين وجهه بحول اللّه.

المثال الأول

أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – اتفقوا على جمع المصحف، وليس لم نص على جمعه وكتبه أيضاً، بل قد قال بعضهم: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم –؟ فروى عن زيد بن ثابت رضي اللّه عنه قال: أرسل إليَّ أبو بكر رضي الله عنه مقتلَ (أهل) اليمامة، وإذا عنده عمر رضي الله عنه، قال أبو بكر: (إن عمر أتاني فقال): إن القتل قد استحرّ بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب فرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قال: فقلت له: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم –؟ فقال لي: هذا ـ واللّه ـ خير.
فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرع اللّه صدري له، ورأيت فيه الذي رأى عمر.
قال زيد: فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه - صلى الله عليه وسلم –، فتتبع القرآن فاجمعه، قال (زيد): فواللّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ من ذلك. فقلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم –؟ فقال أبو بكر: هو واللّه خير، فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكرحتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدورهما فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف، ومن صدور الرجال، فهذا عمل لم ينقل فيه خلاف عن أحد من الصحابة.
ولم يرد نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم – بما صنعوا من ذلك، ولكنهم رأوه مصلحة تناسب تصرفات الشرع قطعاً، فإن ذلك راجع إلى حفظ الشريعة، والأمر بحفظها معلوم، وإلى منع الذريعة للاختلاف في أصلها الذي هو القرآن.
وإذا استقام هذا الأصل فاحمل عليه كتب العلم من السنن وغيرها، إذا خيف عليها الاندراس، زيادة على ما جاء في الأحاديث من الأمر يكب العلم.

المثال الثاني

إن الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع، ووجه المصلحة فيه أن الناس لهم حاجة إلى الصناع، وهم يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال، والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ، فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين: إما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق، وإما أن يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع، فتضيع الأموال، ويقل الاحتراز، وتتطرق الخيانة؛ فكانت المصلحة التضمين.
ولا يقال: إن هذا نوع من الفساد وهو تضمين البريء، إذ لعله ما أفسد، ولا فرط؛ فالتضمين مع ذلك كان نوعاً من الفساد، لأنا نقول: إذا تقابلت المصلحة والمضرة فشأن العقلاء النظر إلى التفاوت ووقوع التلف من الصناع من غير تسبب ولا تفريط بعيد، والغالب الفوت فوت الأموال، وأنها لا تستند إلى التلف السماوي، بل ترجع إلى صنع العباد على المباشرة أو التفريط.

المثال الثالث

إنا إذا قررنا إماماً مطاعاً مفتقراً إلى تكثير الجنود لسد الثغور وحماية الملك، المتسع الأقطار، وخلا بيت المال، وارتفعت حاجات الجند إلى مالا يكفيهم، فللإمام إذا كان عدلاً أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في الحال، إلى أن يظهر مال بيت المال.
وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين لاتساع مال بيت المال في زمانهم بخلاف زماننا، فإن القضية فيه أحرى، ووجه المصلحة هنا ظاهر؛ فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك النظام صارت ديارنا عرضة لاستيلاء الكفار، وشرط جواز ذلك كله عندهم عدالة الإمام، وإيقاع التصرف في أخذ المال وإعطائه على الوجه المشروع.

المثال الرابع

انه يجوز قتل الجماعة بالواحد، والمستند فيه المصلحة المرسلة؛ إذ لا نص على عين المسألة ولكنه منقول عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.
ووجه المصلحة أن القتيل معصوم، وقد قتل عمداً، فإهداره داع إلى خرم أصل القصاص، واتخاذ الاستعانة والاشتراك ذريعة إلى السعي بالقتل إذا علم أنه لا قصاص فيه، وليس أصله قتل المنفرد فإنه قاتل تحقيقاً، والمشترك ليس بقاتل تحقيقاً.
فإن قيل: هذا أمر بديع في الشرع وهو قتل غير القاتل، قلنا: ليس كذلك، بل لم يقتل إلا القاتل، وهم الجماعة من حيث الاجتماع، وقد دعت إليه المصلحة فلم يكن مبتدعاً مع ما فيه من حفظ مقاصد الشرع في حقن الدماء، فهذه أمثلة توضح لك الوجه العملي في المصالح المرسلة، وتبين لك اعتبار أُمور:
أحدها: الملاءَمة لمقاصد الشرع بحيث لا تنافي أصلاً من أُصوله ولا دليلاًمن دلائله.
والثاني: أن عامة النظر فيها إنما هو فيما عقل منها وجرى على دون المناسبات المعقولة التي إذا عرضت على المعقول تلقتها بالقبول، فلا مدخل لها في التعبدات، ولا ما جرى مجراها من الأُمور الشرعية، لأن عامة التعبدات لا يعقل لها معنى على التفصيل، كالوضوء والصلاة والصيام في زمان مخصوص دون غيره، والحج، ونحو ذلك.
الثالث: أن حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري، ورفع حرج لازم في الدين، وأيضاً مرجعها إلى حفظ الضروري من باب (ما لم يتم الواجب إلا به...) فهي إذاً من الوسائل لا من المقاصد، ورجوعها إلى رفع الحرج راجع إلى باب التخفيف لا إلى التشديد.
إذا تقررت هذه الشروط علم أن البدع كالمضادة للمصالح المرسلة لأن موضع المصالح المرسلة ما عقل معناه على التفصيل، والتعبدات من حقيقتها أن لا يعقل معناها على التفصيل، وقد مر أن العادات إذا دخل فيها الابتداع فإنما يدخلها من جهة ما فيها من التعبد لا بإطلاق.
وأيضاً فإن البدع في عامة أمرها لا تلائم مقاصد الشرع، بل إنما تتصور على أحد وجهين: إما مناقضة لمقصوده، وإما مسكوتاً عنه فيه.
وقد تقدم نقل الإجماع على اطِّراح القسمين وعدم اعتبارهما، ولا يقال: إن المسكوت عنه يلحق بالمأذون فيه، إذ يلزم من ذلك خرق الإجماع لعدم الملاءمة، ولأن العبادات ليس حكمها حكم العادات في أن المسكوت عنه كالمأذون فيه ـ إن قيل بذلك ـ فهي تفارقها، إذ لا يقدم على استنباط عبادة لا أصل لها؛ لأنها مخصوصة بحكم الإذن المصرح به، بخلاف العادات، والفرق بينهما ما تقدم من اهتداء العقول للعاديات في الجملة، وعدم اهتدائها لوجوه التقربات إلى اللّه تعالى.
فإذا ثبت أن المصالح المرسلة ترجع إما إلى حفظ ضروري من باب الوسائل أو إلى التخفيف؛ فلا يمكن إحداث البدع من جهتها ولا الزيادة في المندوبات؛ لأن البدع من باب الوسائل، لأنها متعبد بها بالفرض، ولأنها زيادة في التكليف وهو مضاد للتخفيف.
فحصل من هذا كله أن لا تعلق للمبتدع بباب المصالح المرسلة إلا القسم الملغى باتفاق العلماء، وحسبك به متعلقاً، واللّه الموفق.
وبذلك كله يعلم من قصد الشارع أنه لم يَكِلْ شيئاً من التعبدات إلى آراء العباد فلم يبق إلا الوقوف عند ما حده، والزيادة عليه بدعة؛ كما أن النقصان منه بدعة.
 
إنضم
17 سبتمبر 2008
المشاركات
41
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
فاس
المذهب الفقهي
مالكي.بسبب وجودي في بلد مالكي وإلا فمذهبي مذهب أهل الحديث
يمكن تلخيص الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة بأن نقول:
البدعة:ما ألصق بالدين،ولم يكن من هدي النبي صلى اله عليه وسلم لا بالفعل ولا بالقوة.
والمصلحة المرسلة:ما كان من هدي النبي بالقوة لا بالفعل.
 

أبو يحي الطيبي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
26 يناير 2008
المشاركات
9
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
الطيبة
المذهب الفقهي
حنفي
نريد قواعد وضوابط في معرفة البدعة وحدودها ومجالها .
 
أعلى