العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

اللؤلؤ و المرجان فيما يتأدب به المتناظران

إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
365
التخصص
أصول الفقه
المدينة
قسنطينة
المذهب الفقهي
حنبلي
اللؤلؤ و المرجان فيما يتأدب به المتناظران

قبس من كتاب

أصول الجدل و المناظرة في الكتاب و السنة

للشيخ الدكتور

حمد بن ابراهيم العثمان

حفظه الله تعالى



بسم الله الرحمن الرحيم

حري بمن قصد المناظرة أن يتأدب بأداب أهل العلم عموما ، و أداب المختلفين و المتناظرين خصوصا ، يلزم أمر الله في محاجة غيره ومعاملة مخالفه بما يقتضيه الشرع طاعة لله ، وحتى يحصل مقصوده من معرفة الحق و إظهاره ولزومه ، وتحقيق المجادلة بالتي هي أحسن .

و إليك بيان بعض ماينبغي أن يتأدب به المتناظرون .



1

حسن القصد



الإخلاص شرط في جميع الأعمال ، فلابد أن يقصد من المناظرة وجه الله ، وطلب الحق ، و النصيحة للمسلمين .

قال الإمام الشافعي ( ماناظرت أحدا إلا على النصيحة )

قال الحافظ بن رجب معلقا على قول الشافعي ( لأن تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله ، لا لظهور أنفسهم و الإنتصار لها )



2

استظهار مذهب المخالف قبل المناظرة



قال الشيخ يحي العمراني ( وكما قيل من لم يطلع على دلائل خصمه لم يقدر على قطعه و قصمه )



3

مراعاة قدر المناظرة



الناس طبقات في العلم ،فينبغي على المناظر أن لا يلتزم حالة واحدة مع كل من يناظره ، فيميز بين العالم ومن دونه ، وبين المتحري للحق و المتعنت ، وبين السني و البدعي ، وبين المناظر و المتطفل .

قال إمام الحرمين الجويني ( وعليك بالمحافظة على قدرك وقدر خصمك و إنزال كل أحد في وجه كلامك درجته ومنزلته ، فتميز بين النظير ة المسترشد ، وبين الإستاذ ، ومن يصلح لك .

ولا تناظر النظير مناظرة المبتدىء و المسترشد ، ولا تناظر أستاذينك مناظرة الأكفاء و النظراء ، بل تناظر كلا على حقه ، وتحفظ كلا على رتبته )



4

المجادلة بالحسنى



أمرنا الله عز وجل بالمجادلة بالحسنى ، قال تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنى و جادلهم بالتي هي أحسن ) .



5

استعمال السمت الحسن



السمت الحسن و الوقار محمود استعماله شرعا بكل حال ، وهو حيلة المؤمن وزينته ، وهو سبب لتأييد الله ، وميل الناس إلى جهته .



6

الإعراض عن مجالس الهيبة



هيبة العالم أو السلطان تحمل البعض على ترك الإعتراض أو إيراد السؤال أو حتى التجرؤ على التخطئة .

قال إمام الحرمين الجويني ( و إياك و الكلام في مجالس الخوف و الهيبة فإنك عند ذلك في حراسة الروح على شغل من حراسة المذهب و نصرة الدين )



7

عدم التهاون مع المخالف



التهاون مع المخالف قد يؤدي إلى عدم الجحد في القيام بالحجة ، وهذا يفعله البعض إذا ناظره صغير أو غير نحرير ، فيقطعه من حيث اعتقد ضمان ظهوره عليه .

قال إمام الحرمين الجويني ( و إياك واستسغار من تناظره و الإستهزاء به كائنا من كان ، لأن خصمك كان من المفترض عليك في الدين مناظرته فهو نظيرك ، لا يجمل بك إلا مناظرة النظير للنظير . )



8

عدم الإفراط في التوقي من الخصم



كما لا ينبغي للمناظر التهاون مع خصمه ، كذلك لاينبغي له الإفراط في الإحتياط حتى لا يستولي عليه الخذلان فينقطع .

قال الإمام الشافعي ( رأس التوقي ترك الإفراط في التوقي )



9

الإتفاق على الأسس



المتناظران لابد أن يرجعا في المسألة التي اختلفا فيها إلى كليات ليتم تحرير المسألة المختلف فيها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( فإن الجدل إنما يشترط فيه أن يسلم الخصم للمقدمات )



10

ترك الإلتفات إلى الحاضرين



الإلتفات إلى الحاضرين يشوش الذهن ، فينقطع استجماع الذهن ، وربما يكون ذلك سببا في ذعف القيام بالحجة .

قال إمام الحرمين الجويني ( التقرب إلى الله سبحانه يجب أن يكون بحيث يمنعك عن الإلتفات إلى الحاضرين خالفوك أم وافقوك فإنه سبحانه عند ذلك يكفيك المهم ، ويعينك في تقوية ذهنك وتصفية فهمك و إمداد خواطرك ة الكشف عن الحق على لسانك )



11

اعتدال المزاج



ينبغي للمناظر أن لايناظر غيره مع عدم اعتدال طبعه و مزجه ، كأن يكون في حالة جوع أو عطش ، لئلا يتصور خلاف الحق مع تشويش الذهن .

قال العلامة ابن القيم ( ومعلوم ان الرأي لا يتحقق إلا مع اعتدال المزاج )



12

تجنب الغضب و الضجر



الغضب يذهب بلب المناظر ، بل من الناس من يشتد غضبه حتى يغلق عليه فلا يدري ماذا يخرج من رأسه .

قال أبو بكر الطرطوشي ( الغضب عند المناظرة منساة للحجة )



13

تفحص الكلام قبل إرساله



ينبغي على المناظر أن يدقق في الكلام الذي يريد أن يلقيه على مناظره ، فيتفهم معانيه ويثبت في ذلك غاية التثبت من غير استعجال قبل إرساله ، ويتفحص الكلام ومدى مطابقته للمسألة المتناظر فيها ، ومايرد عليه من اللوازم ، وما قد تلزمه به الحجة أو يثبت به تناقضه .



14

إنصاف مناظرك



المناظرة لا تنفع إلا مع الإنصاف ، فالظلم يمنع من الاستماع و النظر و التفحص لكلام المناظر ، ولاينصر الحق بمثل هذه الطريقة .

و الإنصاف دليل على حسن القصد وتلمس القصد وطلبه ولو على لسان مخالفك .

قال البقاعي ( من العادة الجارية السكون إلى الإنصاف ، و الرجوع إلى الحق و الإعتراف )



15

مراعاة كلام المناظر



ينبغي على المناظر أن يتأمل كلام مناظره ويحسن الإنصات إليه ، ويتدبر غاية التدبر ، حتى يدرك أدلة مخالفه وحججه ومدارك قوله ، ويبين له بذلك فساد كلامه إن كانت مقولته خاطئة ، أو صواب كلامه إن كانت مقولته حقا .

قال أبو الوليد الباجي ( ويحسن الاستماع إلى كلامه ، فأنه ربما بان له في كلامه مارآه له على فساده ؛ فيكون له عونا على نظره )



16

ترك المداخلة و المصادرة



إذا شرع الطرفان في المنتاظرة ، وبدأ أحد الطرفين بذكر حججه ، فالواجب على الآخر الإنصات وعدم المداخلة على المتكلم حتى يأتي على آخر كلامه .

قال أبو الوليد الباجي ( لايداخله في نوبته ويصبر له حتى يفرغ من كلامه ، فإن المداخلة تذهب بالفائدة وتدعو إلى الوحشة )



17

الحرص على ود الصاحب



المناظرة تهيج دواعي الغضب ، وقد تفسد ذات البين لأن في العبد طغيان للعلو ، ولذلك ترى العقلاء يتدفعونها مع أصحابهم و أصدقائهم .

قال يونس الصدفي ( ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته في يوما في مسألة ثم افترقنا ، فإخذ بيدي ثم قال : باأبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا و إن لم نتفق في المسألة )



18

الحذر من الشناعة على المخالف



البعض يسلم هذه الطريقة المذمومة حيلة إة إيهاما للحضور ببطلان حجج مناظره ، فتراه لايذكر بطلان حججه بالإدلة و البيان ، و إنما يعول على التهويل و السجع ، و اللغط و الخصام .

قال الباجي ( التشنيع عليه في جداله ، فإن ذلك يفعله الضعفاء ومن لا إنصاف عنده )



19

بين المؤاخذة المسامحة



قال إمام الحرمين الجويني ( ولا تسامح الخصم إلا في موضع يعلم يقينا ان المسامحة فيه لا تضرك ، لانه طالما قيل : المسامحة في المتاظرة شؤم )



20

الإعراض عن العجب



مقصود المناظرة طلب الحق ، وهداية الخلق إليه ، ومن فسد قصده يطلبها للمفاخرة و المباهاة ، وفي العبد طغيان العلو ، و المناظرة تحرك دواعي المخيلة و العجب .



21

الاحتراز في السؤال



سؤال المخالف لايخلو إما أن يكون استرشادا ، و إما أن يكون استدراجا للخصم .

قال الباجي ( وينبغي للسائل ان يحترز في سؤاله عن كلام تلزمه به الحجة في أثناء المناظرة ، فكثيرا مايطلق السائل سؤاله ثم يرجع عما أطلق قيقبح به )



هذا ونسأل الواحد الأحد أن يوفقنا لكثير مما ذكرنا ، و أن نلتزم بصفة العلماء في الجدل و المناظرة .

و الله المستعان

أخوكم

فيصل بن المبارك أبو حزم
 
أعلى