العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المثقف..... (( جوجل )) بقلم د. محمد الفقيه

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المثقف (( جوجل ))
17-12-2008
بقلم د. محمد الفقيه

"...أما العقل المبدع المنتج الذي لا يقف عند المعلومة بحد ذاتها ، بل يبحث عن ما وراء المعلومة ، فيبحث عن أسبابها ومقدماتها التي أوصلت إلى هذه المعلومة ثم ما النتائج المترتبة عليها بعد ذلك..."


أين تكمن الأهمية في امتلاك المعلومة ؟ هل تكمن في مجرد حفظها ثم أدائها كما هي ، أم في معرفة المراد منها وما جعلت له ؟

لا شك ولا خلاف أيضاً أن نصوص الوحيين ( الكتاب والسنة ) تتطلب الأمرين فإذا أتينا إلى القرآن الكريم نجد أن حفظ القرآن شرف وكرامة وزينة لأولي العلم ((بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت: من الآية49) .

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا بالنُضرة لمن حفظ حديثه وأداه كما هو من غير زيادة أو نقصان ، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( نضر الله امرءا سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه )) متفق عليه .

فمعاني الكتاب والسنة أوسع من أن تحد بفهم أحد ، وكم استخرج علماء الشريعة وفقهاءها – الذين هم أهل للاستنباط – من ألفاظ الكتاب والسنة معاني عجيبة ودقائق غريبة ونكتاً لطيفة ، فالكتاب الذي هو كلام الله تعالى والسنة التي هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته لا يقتصر منهما على مجرد الفهم والقرآن تكفل الله بحفظه فلا يستطيع أحد إدخال زيادة أو نقصان فيه إلا أتضح ذلك حتى صغار طلاب الكتاتيب ، أما السنة فقد توفر لها رجال وهبوا خلاصة أعمارهم وقرة عقولهم في حفظها وخدمتها ، ولذلك يكون المحدث قد أدى ما عليه إذا نقل الحديث بلفظه كما هو فيلقيه في أذن الفقيه الذي يستطيع بعد ذلك أن يستنبط منه من الأحكام ما يتوافق مع مقاصد الشريعة ، عكس الإخلال الذي ربما يربك الفقيه ويفسد عليه قياسه ويغير قاعدته .

وسيكون الكلام منصباً على الثقافة والفكر على وجه العموم ، فالعقول قد نستطيع تقسيمها إلى قسمين : عقل معلوماتي ، وعقل مبدع ، العقل المعلوماتي مجرد وعاء للمعلومة فقط، فاهتمامه مركز على التقاط المعلومة المطروحة أمامه ومحاولة الاحتفاظ بها كما هي ثم أدائها أيضاً كما هي وهذا غاية جهده دون أن تثير لديه أداة التفكير فيحاول أن يربط هذه المعلومة مع ما عداه فتكون مقدمةً أو نتيجةً أو شرحاً، أو يتساءل حول: لماذا وجدت؟ وكيف وجدت؟ ومدى مصداقيتها؟ واستمرارها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي ينبغي أن يطرحها العقل المبدع المفكر حول القضايا والمعلومات حتى يحقق الفائدة المرجوة من هذه المعلومة .

فهو قد ركز جهده واهتمامه على تلك المعلومة بحد ذاتها وبكل ما يتعلق بها حتى لو كان قليل الأهمية فينصب اهتمامه بما تتضمنه المعلومة من ألفاظ وأسماء وأعداد، لأن الإخلال بأي جزئية من المعلومة يعتبر إخلالاً بالمعلومة كلياً، فيحاول عند استعراض المعلومة أن لا يسقط شيئاً منها ، فيتحول كآلة التسجيل تحفظ الشيء كما هو، فيكفيه أن يعرف طرفاً من المعلومة حتى يقوم بتشغيل آلته العقلية لتعطي المستمع المعلومة بأطرافها وما تتضمنه من جزئيات عديدة أكثرها قد لا يهتم بها ، وقد يكون قصد المستمع جزئية بعينها أو إشكالاً بحد ذاته حول المعلومة ، وقد يطول النقاش بين عقلية من العقول المعلوماتية حول الجزئيات مع نسيانهم لأصل القضية التي يتناقشان حولها ، لذلك يجد صاحب العقل المبدع أن من المستحيل ومن ضياع العمر أنه يجادل صاحب عقل معلوماتي ولكنه يرى في مثل هذا العقل فائدة له أنه ينقل المعلومة كما هي ليستفيد منها صاحب العقل المبدع ، فهو يرغب إليه أن يؤدي المعلومة كما هي دون أن يضيف عليها رؤية أو تحليل .

ونظراً لكثرة المعلومات المذهلة في زماننا وتنوع مصادرها أصبح العقل المعلوماتي في حرج وحيرة من أمره، فبينما يجهد نفسه في تتبع جزئيات معلومة بعينها إذ بعشرات المعلومات تخرج تباعاً، وتتفجر عليه المعلومات من كل مكان فلا يجد أمامه إلا الشحن والتفريغ المستمر ، فلا يكاد يحفظ معلومة حتى يأتي غيرها فيترك الأولى ليذهب للأخرى ، وهكذا من غير أن يستفيد من هذه المعلومات شيئاً يذكر .

وأما إذا كتب فهو حريص غاية الحرص على لملمة جزئيات تلك المعلومة من بحثه بحيث لا يغادر منها شيئاً ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ويظهر هذا جلياً في كثير من الرسائل الجامعية حيث أصبحت الرسالة عبارة عن أرشيف معلومات ، ولا تُقتنى إلا لهذا الغرض غالباً حيث أنها تجمع بين ظهرانيها كماً هائلاً من المعلومات ، فيرتاح مقتنيها من تعب البحث لجمعها ، أما تقديم الرؤية الناضجة والفكرة الرابطة بين تلك المعلومات فيكاد يكون مُنعدماً إلا فيما ندر ، ولذلك كان قرار كثير من الجامعات - أن لا يبحث الطالب في بحث قد بحث فيه – قراراً له ما يبرره إذا كانت الدراسات من هذا النوع ، فإذا كانت الرسالة مجرد أرشيف للمعلومات ، فعندنا أرشيف سابق فاصنع أرشيفاً في معلومات أخرى !!

فمثل هذا العقل تقف الاستفادة منه عند حدود أداء المعلومة سريعاً كما يستفاد من محركات البحث في الإنترنت، حيث تعطيه لفظه أو طرفاً لمعلومة فيسرد جميع المعلومات المتعلقة بهذه اللفظة أو بتلك المعلومة دون أن يكون له تداخل بنظر أو تحليل أو فهم .

أما العقل المبدع المنتج الذي لا يقف عند المعلومة بحد ذاتها ، بل يبحث عن ما وراء المعلومة ، فيبحث عن أسبابها ومقدماتها التي أوصلت إلى هذه المعلومة ثم ما النتائج المترتبة عليها بعد ذلك ، فهدفه واضح عند قراءتها دون أن يهدف إلى تتبع الجزئيات التي لا تنتهي فيضيع عمره ويطيش عقله بلا فائدة ، ولذلك قد ينقطع أمثال هؤلاء الذين يتتبعون الجزئيات عن مشروعات كثيرة يبدءون فيها ثم ينقطعون بسبب تراكم المعلومات لديهم وعجزهم عن الفصل بينها وتركيبها محل معلومة في مكانها المناسب ولا يستطيع هذا إلا صاحب العقل المبدع الذي بنية عقله وتفكيره مؤهلة لهذا
وقسم منها خلقي وهبةٌ من الله تعالى لا نتكلم في هذا ، وقسم منها مكتسب حيث يسعى صاحبه لتكوين بنية عقلية تفكيرية قادرة على التعامل مع المعارف وانتظامها برابط محدد وتسييرها في نسق معين ، فالمعلومة تعطيه إشارة أو لمحة وقد تتحول إلى قاعدة عقلية لديه أو نسق فكري ، ويتعامل مع المعلومات بطريقة مرتبة لا مبعثرة فيضع كل فكرة في موضعها ويرجعها إلى مرجعها ، لذلك حين يكتب تكون الفكرة المراد الكتابة عنها واضحة لديه ، والمعلومات تأتي تبعاً للاستشهاد أو لتوضيح الفكرة غالباً .
المصدر
 
أعلى