العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المدلول الشرعي للزواج

محمد متولي داود

:: متابع ::
إنضم
1 أغسطس 2018
المشاركات
23
الكنية
د/محمدداود
التخصص
القانون العام
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
المدلول الشرعي للزواج
اولاً: الخطبة وآثارها
الحقيقة الشرعية للزواج
التعريف اللغوي
التعريف الاصطلاحي
ضوابط تعريف الزواج
حقيقة النكاح
مشروعية الزواج
نوع الملكية في الزواج
من القرآن الكريم
القدرة مع الحاجة إلى الزواج
الحاجة إلى الزواج مع القطع بظلم الزوجة
الحاجة إلى الزواج مع عدم القدرة على الإنفاق
المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة

اولاً: حقيقة الخطبة وما يترتب عليها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيَعتقد بعض الناس خطأ أن قراءة الفاتحة للخطبة بين الجنسين دون اكتمال أركان الزواج وشروطه عقْدٌ، ويترتب على ذلك تصرُّفات لا تَسمح بها الشريعة ولا تُقِرّها لأن الخطبة مجرد وعد بالزواج ، ولا زالت المرأة أجنبية عن الرجل ، وهذه الخطبة لا تحل حراما ولا تحرم حلالا إلا إباحة النظر للتعرف، وحرمة التقدم بالخطبة إلى امرأة مخطوبة .
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
كلنا يعلم أن الخطبة هي أن يطلب الرجل التزوج بالمرأة، وأن هذا الطلب قد يُوجَّه إليها مباشرة، وقد يوجه إلى أحد من أسرتها، كأبيها، أو أمها، أو أخيها، على حسب المُتعارف بين الناس في ذلك، وقد جاءت الخِطبة في القرآن الكريم بعد بيان عدَّة المتوفَّى عنها زوجُها .
(ولا جُنَاحَ عليكمْ فيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِن خِطْبَةِ النِّسَاءِ أو أَكْنَنْتُمْ في أَنْفُسِكُمْ).
(الآية: 235 من سورة البقرة).
ومِن هنا كانت الخِطبة مجرد اتفاق مبدئي على الرضا بالتزويج، وكثيرًا ما يقصد الطرفان بعد تحقُّق الرضا إعلانه بإقامة حفل صغير أو كبير، ويحضره الأهل والأقارب والأصدقاء، وتُقدم فيه للمَخطوبة الهدية المعروفة باسم: “الشبكة” ويقتصر الأمر في الحفل على ذلك، وقد تقرأ فيه الفاتحة تأكيدًا لهذا الاتفاق، وينتهي الحفل وينصرف الناس دون أن يدور في نفس أحدٍ أن العقد قد حصل، أو أن فلانًا تزوَّج بفلانة. وقد أخذ هذا الحفل في ألْسنة الناس اسم: “حفلة الخُطوبة”.
وقد ذكر الله العقْد في آية تالية للآية التي ذُكرت فيها الخطبة، فقال: (ولا تَعْزِمُوا عُقدةَ النِّكَاحِ حتَّى يَبْلُغَ الكتابُ أجَلَهُ). (الآية: 235 من سورة البقرة) والمعنى إرجاء العقد حتى تخلُص المَخطوبة من تَبِعَاتِ الزواج السابق إذا كانت قد سبق لها زواج.
العقد غير الخطبة وُجودًا وشرْعًا وعُرْفًا:
وبهذا كان الوضع الوُجودي والشرعي والعرفي للخِطبة غير الوضع الوجودي الشرعي والعرفي للعقْد، فهي إذا كانت طلبَ الزواج والاتفاق عليه، فإن عقدة الزواج هي الحالة الشرعية التي تنشأ بين الزوجينِ بالإيجاب والقَبول عن طريق تبادُل الكلمتينِ المعروفتين وما ماثلهما، وهي: زَوَّجْتُكَ، وقَبِلْتُ. وبالإيجاب والقبول هكذا، وأمام الشهود يتمُّ العقد، ويحصل الارتباط الشرعي بين الزوجين، وتقوم بينهما الحياة الزوجية بجميع آثارها وأحكامها.
ومن هنا لم تكن الخطبة، ولا الفاتحة المُقترنة بها، عقدًا يُبيح للخاطبينَ ما يُبيحه العقد الشرعي بين الزوجين. وقد ذكرنا من قبلُ أن كثيرًا من الناس أساءوا فهم الخطبة ووضعها الشرعي، فجعلوها عقدًا أو كالعقد، واستباح بها الطرفان، وأُبيح لهما أن يختلط اختلاطًا ترفع فيه الحُجب، وتحل القيود، وكثيرًا ما جرَّ هذا التصرُّف الويْلات على الفتيات وأُسرهِنَّ، وكثيرًا ما أعقبه إعراض الخاطبين عن المخطوبات، وعُنِّسَتْ به الفتياتُ.
التعرُّف المَشروع:
إن الإسلام دين الخُلق والكرامة، ودين الأُلْفة والمحبة، وقد أباح للخاطبين أن يتعرف كل منهما على صاحبه بما لا يجرُّ هذه الويْلات، ويُحقق في الوقت نفسه لكل منهما ما يُحب في صاحبه، أباح ذلك بالرؤية الكريمة، والمُحادثة المُؤدبة، والاجتماعات المُهذبة في ظلٍّ من الأهل والأرحام. وقد جاء ذلك في أحاديثَ كثيرةٍ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يَرَ الإسلام أن تظلَّ المخطوبة في خِدْرِها وألَّا يراها خاطبها إلا ليلةَ الزفاف، ولم يَرَ أن ترفع بالخطبة حواجز الحُرمات، وكان بهذا وذاك حَدًّا وسطًا لا إفراط فيه ولا تفريط، وهكذا يجب أن يفهم الناس الخِطبة، فيسلم الزوجانِ من نَكْسَةِ المُفاجأة ليلة الزفاف، وتسلم المخطوبة من شَرِّ الإسراف في المُخالطة.
العُدول عن الخِطْبَة:
أما العدول عن الخطبة وفسْخها بعد تمامها، فإنْ كان كما يقول السائل لتبيُّن سوء السلوك، وشراسة الطِّباع، فإنه يكون أمرًا مطلوبا شرعًا، حرصًا على سلامة الحياة الزوجية من عبث الأخلاق الفاسدة، وإنَّ مراعاة الأخلاق، وبناء الزواج عليها لمِن أهم ما يُعنَى به الشارع في تكوين الأسرة، وكثيرًا ما حثَّتْ الشريعة على تخيُّر أرباب الخُلق والدين.
وإنْ فسْخ الخِطبة في هذه الحالة، اتقاءً لضررٍ، قد يَعْسُرُ العمل على زواله، وتنشأ به الأسرة وفي جسمها عناصر الزَّعْزَعة والاضطراب، والكيْد والانتقام، وبذلك يكون الزواج جحيمًا لا سكنًا، وبُغضًا لا مودةً، ونِقْمَةً لا رحمة. وقد أباح الشارع، بل طلب أن يحنِث الإنسان في يَمينه إذا تبيَّن له أن المصلحة والخير في نقْضه، وفي ذلك يقول الرسول: “مَن حَلَفَ على يَمينٍ فرأى غيرها خَيْرًا منها، فلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِه، ولْيَفعلْ الذي هو خَيْرٌ”.
وإذا جاء ذلك في اليمين فإنه ـ من بابٍ أولى ـ يجوز في الاتفاق المجرد عن اليمين متى تبيَّن أن الخير في نقْضه.
الفَسْخُ المُحرَّم:
أما فسْخ الخطبة لمُجرد ظهور خاطب ماليٍّ، أو صاحب مركز عظيم، فهو حرام عند الله، وهو في الوقت نفسه مُخِلٌّ بالشرف والكرامة، ويَنزل بالفتاة إلى مستوى السِّلَع، تُعرض في الأسواق لتُباع بأغلى الأثمان، وهو بعد هذا وذاك نقْضٌ للعهد الذي حرَّمه الله والذي يقول فيه: (وأَوْفُوا بالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولًا). (الآية: 34 من سورة الإسراء).
والقول لهؤلاء الذين يعتبرون الخِطبة عقدًا يُبيح لهم ما يبيحه عقد الزواج. ولهؤلاء الذين لا يَعنيهم في زواج فتياتهِنَّ سوى المال الزائل، والجاه الزائف، نصيحتي لهؤلاء وهؤلاء أن يقفوا في تزويج أبنائهم وبناتهم عند حُكم الله وإرشاده، وأنْ يتخيَّروا لهم رضَى الدِّين والخُلُق.

ثانيا:حقيقة الزواج وحكمه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك بعض الأساسيات التي توجب علي من يرغب في الزواج التعرف عليها وهي:
*الحقيقة الشرعية للزواج :وذلك لأن الحقيقة الشرعية للأشياء هى أول ما ينطق منه المسلم في أي سلوك أو عمل يقوم به فالمصطلح الواحد قد يشترك في استعماله المحق والباطل ،والشرع والهوي.
*مشروعية الزواج،فلا يحل القدوم على أمر قبل معرفة حكم الله فيه ،وقال تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
الحجرات(1)
*أحكام الزواج المرتبطة بالحالات المختلفة لينزلها كل شخص على حالته الخاصة.
الحقيقة الشرعية للزواج
التعريف اللغوي :
* لفظ النكاح :يطلق لفظ النكاح في اللغة على أمور منها:
الــــــــــــــــــــــــزواج
يقال امرأة ينكحها نكاحا إذا تزوجها ،تقول نكحتها ونكحت هي أي تزوجت وهى ناكح في بني فلان اي ذات زوج منهم :قال الأعشى في نكح بمعنى تزوج:
ولا تقربن جارة إن سرها عليك حرام فانكحن أو تأبدا
الـــــــــــــــــــــــوطء
يقال نكحتها إذا باضعها ، قال الأزهري أصل النكاح في كلام العرب الوطء , للتزوج نكاح لأنه سبب الوطء المباح ،وقال ابن سيدة : النكاحٌ البضعُ وذلك من نوع الأنسان خاصة، واستعمله ثعلب في الذباب ، نكحها ينكها نكحاً ونكاحاً ورجل نكحتةُ ونكحٌ : كثير النكاح
لفظ لزواج : الزوج خلاف الفرد .يقال :زوج أو فرد،كما يقال شفع أو وتر ويقال هما زوجان للاثنين وهما زوج كما يقال هما سيان وهما سواء ، قال ابن سيدة الزوج الفرد الذى له قرين الزوج الاثنان وعنده زوجا نعال زدزوجا حمام يعني ذكرين أو انثيين وقيل يعني ذكرا وأنثي ولا يقال زوج حمام لأن الزوج هنا الفرد.
قال أبوبكر : العامة تخطئ فتظن أن الزوج اثنان وليس ذلك من مذاهب العرب إذ كانوا لا يتكلمون بالزَّوج موحَّداً في مثل قولهم زوجُ حمامٍ ولكنهم يثنونه فيقولون عندى زوجان من الحمام يعنون ذكراًوانثي وعندى زوجان من الخفاف يعنون اليمين والشمال ويوقعون الزوجين علي الجنسين المختلفين نحو الأسود والأبيض والحلو الحامض قال ابن سيدة : ويدل علي أن الزوجين في كلام العرب اثنان قوله وتعالي (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي) النجم 45.
فكل واحد منهما كما تري زوج ذكرا كان أو أنثى ومثله قوله تعالى :
(فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) القيامة 39.
وقال تعالى (فاسلك فيها من كل زوجين اثنين) المؤمنون 27.
ويجمع الزوج ازواجا وازاويج وقد ازدوجت الطير افتعال منه قوله:
( ثمانية أزواج) الأنعام 143.
أراد ثمانية أفراد دل على ذلك قال ولا تقول للواحد من الطير زوج كما تقول للاثنين زوجان بل يقول للذكر فرد وللانثى فردة.
ويقال للرجل والمرأة الزوجان قال الله تعالى( ثمانية أزواج )الأنعام 143،يريد ثمانية أفراد والأصل فى الزوج الصنف والنوع من كل شيء وكل شيئين مقترنين شكلين كانا او نقيضين فهما زوجان.
التعريف الاصطلاحي
اختلفت تعاريف الفقهاء للزواج بحسب آرائهم فيه وتصوراتهم له وإليك بعض النماذج لهذه التعاريف .
* عقد يتضمن اباحة الوطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو بترجمته
اختلف الفقهاء في حقيقة النكاح إلى ثلاثة آراء
الرأي الأول :
أن النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، وهو ما ذهب إليه الحنفية في الصحيح ، والشافعية في وجه ، وبعض الحنابلة ، وهو ما اختاره القاضي منهم في بعض كتبه .
واستدلوا بأن ما جاء في الكتاب أو السنة مجردا عن القرائن- أي محتملا للمعنى الحقيقي والمجازي بلا مرجح خارج- يراد به الوطء ، لأن المجاز خلف عن الحقيقة ، فتترجح عليه في نفسها ، كما في قول الله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } بخلاف قول الله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } لإسناده إليها ، والمقصود منها العقد لا الوطء إلا مجازا .
الرأي الثاني:
أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء ، وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية في الأصح ، والحنابلة على الصحيح ، واستدلوا بأن لفظ النكاح عند الإطلاق ينصرف إلى العقد ما لم يصرفه دليل لأنه المشهور في القرآن والأخبار ، ولأن النكاح أحد اللفظين اللذين ينعقد بهما عقد النكاح ، فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر ، وقد قيل ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء إلا قوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } لخبر ( "حتى تذوقي عسيلته " ) ولصحة نفيه عن الوطء ، ولأنه ينصرف إليه عند الإطلاق ولا يتبادر الذهن إلا إليه فهو ما نقله العرف .
الرأي الثالث :
أنه حقيقة في كل من العقد والوطء ، وهو رأي عند الحنفية على أنه مشترك لفظي فيهما أو مشترك معنوي فيهما .
وقال بهرام من المالكية ويستعمل لفظ النكاح- في الشرع- في الوجهين ، لكن على سبيل الحقيقة فيهما جميعا .
وقال الشافعية في وجه إنه حقيقة فيهما بالاشتراك كالعين .
وقال الحنابلة في قول هو مشترك ، بمعنى أنه حقيقة في كل منهما بانفراده ، قال المرداوي وعليه الأكثر .
وفي قول عندهم هو حقيقة فيهما معا ، فلا يقال هو حقيقة على أحدهما بانفراده بل على مجموعهما فهو من الألفاظ المتواطئة ، قال ابن رزين هو الأشبه ، قال المرداوي والفرق بين الاشتراك والتواطؤ أن الاشتراك يقال على كل منهما بانفراده حقيقة ، بخلاف المتواطئ ، فإنه لا يقال حقيقة إلا عليهما مجتمعين .
*ما يترتب على الاختلاف في حقيقة النكاح
*يترتب على اختلاف الفقهاء في حقيقة النكاح اختلاف الحكم في بعض المسائل الفقهية .
فمن زنى بامرأة حرمت على أصوله وفروعه عند الحنفية ، وهو الأشهر عند الحنابلة .
وقال الشافعية ، وهو المعتمد عند المالكية إن الزنا لا يثبت المصاهرة ، فلمن زنى بامرأة أن يتزوج بفروعها وأصولها ، لأبيه وابنه أن يتزوجها ، قال الشبراملسي بناء على أن الوطء لا يسمى نكاحا ولا يترتب عليه التحريم بالمصاهرة ، لأن النكاح حيث أطلق حمل على العقد إلا بقرينة ، نحو قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم }
معناه لا تنكحوا من عقد عليها آباؤكم ، وهو يفيد أن من زنى بها أبوه لا تحرم عليه .
وقالت القرطبي إن الزنا لا حكم له ، لأن الله سبحانه وتعالى قال { وأمهات نسائكم } وليست التي زنى بها من أمهات نسائه ولا ابنتها من ربائبه ، لأنه لما ارتفع الصداق في الزنا ووجوب العدة الميراث ولحوق الولد ووجب الحد ارتفع أن يحكم له بحكم النكاح الجائز .
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت ( " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة ، فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال لا يحرم الحرام الحلال ، إنما يحرم ما كان بنكاح " )
ومما يترتب على اختلاف الفقهاء في حقيقة النكاح أن من حلف لا ينكح ، ومن علق الطلاق على النكاح فإن الحنث ووقوع الطلاق بالوطء عند من يقول إن النكاح حقيقة فيه ، وبالعقد عند من يرى أن النكاح حقيقة فيه .
وفصل الحنفية فقالوا لو قال لزوجته إن نكحتك فأنت طالق تعلق بالوطء ، وكذا لو أبانها قبل الوطء ثم تزوجها تطلق به لا بالعقد ، بخلاف الأجنبية فيتعلق بالعقد ، لأن وطأها لما حرم عليه شرعا كانت الحقيقة مهجورة فتعين المجاز .
*حصول السكن والازدواج بين الزوجين لمنفعة المتعة وتوابعها.
أنه قصد بالعقد غير ما شرع له ،فيجب أن لا يصح ،وذلك لأن الله سبحانه وتعالى شرع العقود اسباباً إلى حصول أحكام مقصودة ،فشرع البيع سببا لملك الأموال بطريق المعاوضة ،والهبة سبباً لملك المال تبرعا ، والنكاح سببا لملك البُضع والخلع سببا لحصول البينونة ، فحقيقة البيع والهبة ومقصودهما المقوَّم لهما الذي لا قوام لهما بدونه انتقال الملك من مالك إلى مالك علي وجه مخصوص وملك المالك هو القدرة على التصرف فيه بجميع الطرق المشروعة وحقيقة النكاح ومقصودة حصول السكن والازدواج بين الزوجين لمنفعة المتعة وتوابعها ونحو ذلك، وحقيقة الخلع ومقصودة حصول البينونة بين الزوجين وأن تملك المرأة نفسها فإذا تكلم بالكلمات التي هى صورة هذه العقود غير معتقد مقاصدها وحقائقها بحث يعلم من نفسه أنه إذا ثبت حقيقة العقد لم يرضي بذلك لم يصح العقد لوجهين:
أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى اعتبر الرضا فى البيع ، فهو في النكاح أعظم اعتباراً ،والرضا في الشيء إرادة ورغبة فيه فمن لم يكن مريداً ولا راغبا في مقصود العقد لم يكن راضيا به فلا عقد له .
الثاني: أن عقد المكره لا يصح مع أنه قد تكلم بالعقد وما ذاك إلا أنه قصد بلفظ العقد دفع الضرر عن نفسه لا موجب ذلك اللفظ كما قصد الناطق بكلمة الكفر مكرها لدفع العذاب عن نفسه لا حقيقة الكفر وكذلك المخادع مثل المحلل ونحوه ،قصد بلفظ العقد رفع التحريم بأن يطلقها ،لا موجب ذلك اللفظ فهو كنطق المنافق بكلمة الإيمان كما أن الأول المكره بها ، فكلاهما لم يثبت في حقه حكم هذا القول لأنه قصد به غير موجبة بل أن بعض توابع موجبة أو غير ذلك ، لكن المكره معذور لأنه محمول عليه بسبب من خارج ، والمخادع غير معذور إذ هو محمول عليه بسبب من نفس
*عقد علي مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقدها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع علي الآخر
الحنفية: عرف بعضهم النكاح بأنه عقد يفيد ملك المنفعة اختصاص الرجل ببضّع المرأة وسائر بدنها من حيث التلذذ ، فليس المراد بالملك الملك الحقيقي وبعضهم يقول أنه يفيد ملك الذات في حق الاستمتاع ومعناه أنه يفيد الاختصاص بالبضّع يستمتع به وبعضهم يقول أنه يفيد ملك الانتفاع بالضَّع وبسائر البدن بمعني أن الزوج يختص بالاستمتاع بذلك دون سواه وكل هذه العبارات معناها واحد ، فالذي يقول لأنه يملك الذات لا يريد الملك الحقيقي طبعا لأن الحرة لا تملَّك وانما يريد أنه يريد أنه يملك الانتفاع وقولهم قصداً خرج به ما يفيد تلك المنفعة ضمناً كما اذا اشترى جارية فإن عقد شرائها يفيد حل وطئها وهو ليس عقد نكاح كما لا يخفى
الشافعية: عرف بعضهم النكاح بأنه عقد يتضمن ملك وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو معناهما والمراد انه يترتب عليه ملك الانتفاع باللذة المعروفة وعلى هذا يكون عقد تمليك وبعضهم يقول انه يتضمن إباحة الوطء الخ . فهو عقد أباحه لا عقد تمليك وثمرة هذا الخلاف أنه لو حلف انه لا يملك شيئاً ولا نية له فأنه لا يحنث إذا كان يملك الزوجة فقط على القول بأن العقد لا يفيد الملك أما القول الاخر فانه يحنث والراجح عندهم هو عقد اباحة .
المالكية : عرفوا النكاح بأنه عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها بينه قبله غير عالم عاقدة حرمتها أن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع علي غير المشهور رواه ابن عرفة , ومعنى هذا أن النكاح عبارة عن عقد عن متعة التلذذ المجردة , نقول عقد شمل سائر العقود وقوله علي متعة التلذذ خرج به كل عقد على غير متعة التلذذ كالبيع والشراء وخرج بكلمه التلذذ العقد علي متعه معنوية كالعقد على منصب أو جاه وخرج بقوله المجردة عقد شراء أمة للتلذذ بها فإن العقد في هذه الحالة لم يكون لمجرد التلذذ بوطئها وانما هو لملكها قصداً والتلذذ بها ضمنا فهو عقد شراء لا عقد نكاح , وقوله بأدميه خرج به عقد المتعة بالطعام والشراب وقوله غير موجب قيمتها خرج به عقد تحليل الامة ان واقع ببينة , وذلك كأن يملك شخص منفعة الاستمتاع بأمته فإن هذا لا يقال له عقد نكاح كما لا يقال له إيجاره وهو يوجب قيمة الأمة إن وقع ، أما عقد النكاح فإنه لا يوجب قيمة المعقود عليها وقوله غير عالم عاقده حرمتها أي حرمة المعقود عليها بالكتاب أو الإجماع فإن كانت محرمة عليه بالكتاب وقع العقد باطلاً فلا يسمى نكاحاً من أصله ، وإن كانت محرمة بالإجماع سمي نكاحا فاسداً هذا هو المشهور ، وغير المشهور أنه لا يسمى نكاحاً اصلاً سواء كان التحريم بالكتاب أو بالإجماع ، وقوله غير عالم عاقده حرمتها أن حمها الكتاب معناه أن هذا قيد يخرج به عقد العالم بالتحريم بالإجماع فلا يسمي نكاحاً ولكن على خلاف المشهور لأنك قد عرفت أن المشهور يسمي نكاحاً فاسداً وقوله ببينة قيل أى قبل التلذذ وأخرج به ما إذا دخل بها قبل أن يشهد.
تعريف الزواج
التزاوج والمُزاوجة والازدواج في اللغة لا يدل على الزواج، إنما يدل على الاقتران والالتصاق الذي لا يوجد فيه انفصال، يقال ( زوّج ) الأشياء تزويجا وزواجا قرن بعضها ببعض .
وكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان، وهو يكون بين الإنسان والحيوان والجماد والنبات.. فالتزاوج والمزواجة ليس بالضرورة أن يكون فيهما نكاح، فعلى سبيل المثال نجد أن القرآن يعبر عن إنجاب الرجل للبنين والبنات بلفظ التزويج: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:50). كما أنه يعبر بلفظ الزوج عن خروج أصناف النباتات: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى) (طه53). كما أنه يعبر عن الاقتران بين الشيئين بلفظ التزوج، يقال: زوجت إبلي: إذا قرنت بعضها إلى بعض، ومنه قوله عز وجل: ( وإذا النفوس زوجت) (التكوير) وقوله: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي قرناءهم.
فلو استخدم القرآن لفظ الزواج بدلا من النكاح لكان هذا معناه أن كل من يتزوج لا يمكن أن ينفصل عن زوجته بطلاق أو بغيره، وأن الالتصاق والاقتران الذي حدث بينهما شيء كوني لا يمكن فصله..
ومعناه أيضا أن كل زواج يتم هو زواج مثالي يحوي كل معنى الزوجية التي أرادها الله.. وهذا كلام مخالف لسنن الكون، حيث نجد أن كثيرا من الأزواج لا يربط بينهما إلا غرفة النوم، ولا يربط بينهما إلا سقف البيت فقط..
ولهذا استخدم القرآن لفظ النكاح الذي يدل على الزواج، لأن كل زواج بين رجل وامرأة لابد أن يقوم على النكاح، لكن ليس كل نكاح فيه معنى الزواج، ويشير القرآن إلى الزواج بلفظ النكاح في جميع آياته فيقول مثلا:
(ولاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة235)
ويقول أيضا: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)النور33 ويقول أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) (الأحزاب:49)
ولم يستخدم القرآن لفظ الزواج للدلالة على الزواج المعروف بين الناس إلا في موضعين فقط؛ الأول: في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش؛ حيث قال:
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب37).
لأن ما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين زينب بنت جحش ليس نكاحا، كالمعروف بين الناس إنما هو زواج في أرفع معانيه؛ لأن زينب رضي الله عنها أعطت زوجها كل ما تستطيع إعطاؤه دون إمساك أو تحفظات أو مساومات، ودون حساب لما أعطت وما أخذت ولا يصح أن نطلق على ما حدث بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السيدة زينب، كلمة زواج بمعناها الشرعي أو الديني فحسب، ولكن يجب أن نستخدم كلمة زواج بأوسع معانيها الروحية، وهو الاتحاد الدائم السعيد بين روحين وجسدين متآلفين.
والموضع الثاني الذي استخدم القرآن فيه لفظ الزواج ولم يستخدم لفظ النكاح عند الحديث عن زواج المؤمن من الحور العين في الجنة فقال: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (الطور20)، وقوله: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (الدخان54).
أما كلمة النكاح في اللغة: فهي مجاز وهي ليس بمعنى الوطء، ولم يستخدم القرآن كلمة الوطء للدلالة على الزواج، إنما استخدم معنى مجازيا غير موضوع للوطء أصلا، وهو النكاح، فالنكاح في اللغة معناه المخالطة بين شيئين قد يحدث بينهما انفصال، وهو مأخوذة من قولهم: (نَكَحَهُ الدَّوَاءُ إذَا خَامَرَهُ وَغَلَبَهُ، أَوْ مِنْ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ، إذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، أَوْ مِنْ نَكَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ إذَا اخْتَلَطَ بِثَرَاهَا.. وَعَلَى هَذَا َيَكُونُ النِّكَاحُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غَيْرِهِ) ويكون بمعنى عقد التزويج و يكون بمعنى وطء الزوجة قال أبو علي القالي: (فرقت العرب فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا عقد التزويج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الجماع و الوطء)).
ومعنى النكاح في الشرع: (( تعاقد بين رجل و امرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر و تكوين أسرة صالحة و مجتمع سليم)).
ومن هنا نأخذ انه لا يقصد بعقد النكاح مجرد الاستمتاع بل يقصد به مع ذلك معنى آخر هو ( تكوين الأسرة الصالحة و المجتمعات السليمة لكن قد يغلب احد القصدين على الآخر لاعتبارات معينة بحسب أحوال الشخص.
مشروعية الزواج بالكتاب والسنة والإجماع
مشروعية الزواج بالكتاب
ورد في مشروعيّة الزّواج قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)،[SUP][[/SUP][SUP]١٠][/SUP] وقوله: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ).[SUP][١١][/SUP]

مشروعيّة الزّواج في السُّنة النبويّة
تعدّدت الأحاديث التي تدلّ على مشروعيّة الزّواج، ومنها حديث عبد الله بن مسعود، حيث قَال: قَال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يا معشرَ الشّباب، مَن استطاعَ مِنكُم الباءَةَ فليتزوّجْ؛ فإنّه أغضُّ للبَصَر، وأحفَظُ للفَرْج، فمَن لمْ يستطِع فعليه بالصّوم فإنّه له وِجاء).

الإجماع
أجمَعَ عُلماء المُسلمين وفقهاؤُهم على مشروعيّة الزّواج، وبهذا تكون الأنواع الثلّاثة السّابقة من الأدِلّة الشرعيّة على مشروعيّة الزّواج، والحاثّة عليه.[SUP][١٣][/SUP]
وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج، وحثَّ عليه، وأمر به عند القدرة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة (أي: القدرة على تحمل واجبات الزواج) فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء (أي: وقاية وحماية) [متفق عليه]. كما أن الزواج سنة من سنن الأنبياء والصالحين، فقد كان لمعظم الأنبياء والصالحين زوجات.
وقد عنَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ترك الزواج وهو قادر عليه، ونبه إلى أن هذا مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم، عن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخْبِرُوا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبدًا وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوَّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)
[متفق عليه].
حكم الزواج:
المسلمون والمسلمات أمام النكاح ثلاثة أصناف:
*صنف توافرت له أسباب النكاح، وعنده الرغبة المعتدلة في الزواج، بحيث يأمن على نفسه -إن لم يتزوج- من أن يقع في محظور شرعي؛ لأن غريزته لا تلح عليه بصورة تدفعه إلى الحرام. وفي نفس الوقت يعتقد هذا الصنف -أو يغلب على ظنه- أنه إن تزوج فسوف يقوم بحقوق الزوجية قيامًا مناسبًا، دون أن يظلم الطرف الآخر، ودون أن ينقصه حقًّا من حقوقه. والزواج في حق هذا الصنف سنَّة مؤكدة، مندوب إليه شرعًا، ومثاب عليه عند الله -تعالى- وإلى هذا الصنف تشير النصوص السابقة.
*والصنف الثاني أولئك الذين توافرت لهم أسباب الزواج، مع رغبة شديدة فيه، وتيقنه -غلبة الظن- أنه يقع في محظور شرعي إن لم يتزوج، فهذا الصنف يجب عليه الزواج لتحصيل العفاف والبعد عن أسباب الحرام، وذلك مع اشتراط أن يكون قادرًا على القيام بحقوق الزوجية، دون ظلم للطرف الآخر. فإن تيقن من أنه سيظلم الطرف الآخر بسوء خلق أو غير ذلك، وجب عليه أن يجتهد في تحسين خلقه وتدريب نفسه على حسن معاشرة شريك حياته.
*والصنف الثالث من لا شهوة له، سواء كان ذلك من أصل خلقته، أو كان بسبب كبر أو مرض أو حادثة. فإنه يتحدد حكم نكاحه بناء على ما يمكن أن يتحقق من مقاصد النكاح الأخرى، التي لا تقتصر على إشباع الغريزة الجنسية، كأن يتحقق الأنس النفسي والإلف الروحي به، مع مراعاة ما قد يحدث من ضرر للطرف الآخر، ولذا يجب المصارحة بين الطرفين منذ البداية في مثل هذا الأمر؛ ليختار كل من الطرفين شريكه على بينة.
وقد تبدو المصلحة الاجتماعية ظاهرة من زواج الصنف الثالث في بعض الحالات المتكافئة، كأن يتزوج رجل وامرأة كلاهما قد تقدم به السن، ولا حاجة لهما في إشباع رغبات جنسية بقدر حاجتهما إلى من يؤنس وحشتهما ويشبع عاطفة الأنس والسكن. أو نحو ذلك من الحالات المتكافئة، فهؤلاء يستحب لهم الزواج لما فيه من مقاصد شرعية طيبة، ولا ضرر حادث على الطرفين.
فوائد الزواج وثمراته:
والزواج باب للخيرات، ومدخل للمكاسب العديدة للفرد والمجتمع، ولذلك فإن من يشرع في الزواج طاعة لله واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجد العون من الله، قال صلى الله عليه وسلم:
(ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف) [الترمذي، وأحمد، والحاكم].
وبذلك يصبح الزواج عبادة خالصة لله يثاب المقبل عليها .
أما عن ثمراته فهي كثيرة، فالزواج طريق شرعي لاستمتاع كل من الزوجين بالآخر، وإشباع الغريزة الجنسية، بصورة يرضاها الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: (حُبِّب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وجُعلتْ قرَّة عيني في الصلاة) .
[أحمد، والنسائى، والحاكم].
والزواج منهل عذب لكسب الحسنات. قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بُضْع (كناية عن الجماع) أحدكم صدقة). قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم، لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْر؟). قالوا: بلى. قال:
(فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم -أيضًا-:
(وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في (فم) امرأتك) [متفق عليه].
والزواج يوفر للمسلم أسباب العفاف، ويعينه على البعد عن الفاحشة، ويصونه من وساوس الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان (أي أن الشيطان يزينها لمن يراها ويغريه بها) فإذا رأى أحدكم من امرأة (يعني: أجنبية) ما يعجبه، فلْيَأتِ أهله، فإن ذلك يردُّ ما في نفسه) [مسلم].
وهو وسيلة لحفظ النسل، وبقاء الجنس البشرى، واستمرار الوجود الإنساني، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء} [النساء: 1]. فهو وسيلة -أيضًا- لاستمرار الحياة، وطريق لتعمير الأرض، وتحقيق التكافل بين الآباء والأبناء، حيث يقوم الآباء بالإنفاق على الأبناء وتربيتهم، ثم يقوم الأبناء برعاية الآباء، والإحسان إليهم عند عجزهم، وكبر سِنِّهم.
والولد الصالح امتداد لعمل الزوجين بعد وفاتهما، قال صلى الله عليه وسلم:
(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنْتفَع به، أو ولد صالح يدعو له) . [مسلم].
والزواج سبيل للتعاون، فالمرأة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل، وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب، وتدبير شئون الحياة، قال تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم: 21].
والزواج علاقة شرعية، تحفظ الحقوق والأنساب لأصحابها، وتصون الأعراض والحرمات، وتطهر النفس من الفساد، وتنشر الفضيلة والأخلاق، قال تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المعارج: 29-31].
وقال صلى الله عليه وسلم:
(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم راع ومسئول عن رعيته) [متفق عليه].
كما يساهم الزواج في تقوية أواصر المحبة والتعاون من خلال المصاهرة، واتساع دائرة الأقارب، فهو لبنة قوية في تماسك المجتمع وقوته، قال تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا} [الفرقان: 54].
ولما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في غزوة المريسيع، وأسر منهم خلقًا كثيرًا، تزوج السيدة جويرية بنت الحارث - وكانت من بين الأسرى- فأطلق الصحابة ما كان بأيديهم من الأسرى؛ إكرامًا للرسول صلى الله عليه وسلم وأصهاره، فكان زواجها أعظم بركة على قومها.
كان هذا بعضًا من فوائد الزواج الكثيرة، وقد حرص الإسلام أن ينال كل رجل وامرأة نصيبًا من تلك الفوائد، فرغب في الزواج وحث عليه، وأمر ولى المرأة أن يزوجها، قال تعالى:
{وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} [النور: 32].
واعتبر الإسلام من يرفض تزويج ابنته أو موكلته - إذا وجد الزوج المناسب لها - مفسدًا في الأرض. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد) [الترمذي].
النية في النكاح:
عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) [متفق عليه].
وبالنية الصالحة التي يبتغى بها وجه اللَّه، تتحول العادة إلى عبادة. فالناس عندما يتزوجون منهم من يسعى للغنى والثراء، ومنهم من يسعى لتحصين نفسه، فالنية أمر مهم في كل ذلك.
فإذا أقبل المسلم على الزواج، فعليه أن يضع في اعتباره أنه مقدم على تكوين بيت مسلم جديد، وإنشاء أسرة؛ ليخرج للعالم الإسلامي رجالا ونساءً أكفاءً، وليعلم أن في الزواج صلاحًا لدينه ودنياه، كما أن فيه إحصانًا له وإعفافًا.
الزواج نصف الدين:
الزواج يحصن الرجل والمرأة، فيوجهان طاقاتهما إلى الميدان الصحيح؛ لخدمة الدين؛ وتعمير الأرض، وعلى كل منهما أن يدرك دوره الخطير والكبير في إصلاح شريك حياته وتمسكه بدينه، وأن يكون له دور إيجابي في دعوته إلى الخير، ودفعه إلى الطاعات، ومساعدته عليها، وأن يهيِّئ له الجو المناسب للتقرب إلى اللَّه، ولا يكون فتنة له في دينه، ولا يلهيه عن مسارعته في عمل الخيرات، فالزوجة الصالحة نصف دين زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: (من رزقه اللَّه امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتَّق اللَّه في الشطر الباقي) [الحاكم].
الحُبُّ والزواج:
تنمو عاطفة الحب الحقيقي بين الزوجين حينما تحسن العشرة بينهما، وقد نبتت بذوره قبل ذلك أثناء مرحلة الخطبة، وقد نمت المودة والرحمة بينهما وهما ينميان هذا الحب، ويزكيان مشاعر الألفة، وليس صحيحًا قول من قال: إن الزواج يقتل الحب ويميت العواطف. بل إن الزواج المتكافئ الصحيح الذي بني على التفاهم والتعاون والمودة، هو الوسيلة الحيوية والطريق الطيب الطاهر للحفاظ على المشاعر النبيلة بين الرجل والمرأة، حتى قيل فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح) [ابن ماجه، والحاكم].
والزواج ليس وسيلة إلى الامتزاج البدني الحسي بين الرجل والمرأة فحسب، بل هو الطريق الطبيعي لأصحاب الفطر السليمة إلى الامتزاج العاطفي والإشباع النفسي والتكامل الشعوري، حتى لكأن كل من الزوجين لباسًا للآخر، يستره ويحميه ويدفئه، قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187].
وتبادل مشاعر الحب بين الزوجين يقوِّي رابطتهما، فالحب أمر فطر الله الناس عليه، وهو رباط قوي بين الرجل وزوجته، فهو السلاح الذي يشقان به طريقهما في الحياة، وهو الذي يساعدهما على تحمُّل مشاقَّ الحياة ومتاعبها.
ولقد اهتمَّ الإسلام بعلاقة الرجل والمرأة قبل الزواج وبعده وكان حريصًا على أن يجعل بينهما حدًّا معقولاً من التعارف، يهيئ الفرصة المناسبة لإيجاد نوع من المودة، تنمو مع الأيام بعد الزواج، فأباح للخاطب أن يرى مخطوبته ليكون ذلك سببًا في إدامة المودة بينهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يخطب امرأة: (انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) [الترمذي والنسائي وابن ماجه].
ومع ذلك كان حريصًا على وضع الضوابط الشرعية الواضحة الصريحة؛ لتظل علاقة خير وبركة.. وشدَّد في النهي عن كل ما يهوى بهذه العلاقة إلى الحضيض، ونهي عن كل ما يقرب من الفاحشة والفجور؛ فمنع الاختلاط الفاسد والخلوة، وغير ذلك.
ونتيجة للغزو الفكري للمجتمعات الإسلامية؛ بدأت تنتشر العلاقات غير الشرعية بين الشباب والفتيات قبل الزواج، تحت شعارات كاذبة مضللة، وبدعوى الحب والتعارف، وأن هذا هو الطريق الصحيح للزواج الناجح، وهذا الأمر باطل. ومن دقق النَّظر فيما يحدث حولنا يجد أن خسائر هذه العلاقات فادحة، وعواقبها وخيمة، وكم من الزيجات فشلت؛ لأنها بدأتْ بمثل هذه العلاقات، وكم من الأسر تحطمت؛ لأنها نشأت في ظلال الغواية واتباع الهوى.
تأخُّر سِنِّ الزواج:
بدأتْ ظاهرة تأخُّر سن الزواج تنتشر في بعض البلاد الإسلامية، فارتفع متوسط سن الزواج لدى الشباب، وارتفع متوسط سنِّ زواج الفتيات بشكل غير طبيعي.
ومن المعروف أن الوصول إلى السن الذي يكتمل فيه بلوغ الشباب والفتيات نفسيًّا وعقليًّا وبدنيًّا، يجعلهم أكثر قدرة على تحمل واجبات الزواج، ولكنَّ تأخر الزواج إلى مثل هذه السن يعطِّل الطاقات، وينجرف بها إلى طريق غير صحيح، وربما ساعد على انتشار الفاحشة، كما أن التأخر في الزواج يرهق الشباب والفتيات من أجل حفظ أعراضهم، وردع النفس عن اتباع الهوى.
ويرجع تأخُّر سن الزواج إلى أسباب عديدة، منها ما هو مادي، ومنها ما هو اجتماعي، ومن هذه الأسباب:
* رغبة الفتاة في الزواج من رجل غني، فترفض هي أو وليها كل خاطب فقير أو متوسط الحال، لأنها تحلم بأن تمتلك بيتًا، أو تركب سيارة فارهة، أو تلبس الأزياء الراقية.
* المغالاة في المهر المعجل منه والمؤجل.
*إرهاق الزوج باشتراط فخامة الأثاث وغيره.
* تنازل الزوج عن كل ما جمعه في بيت الزوجية، فالوليُّ يكتبُ قائمة بمحتويات المنزل الذي أعده الزوج؛ ليوقع بالتنازل عنه، فإذا ترك زوجته، ترك المنزل بما فيه، وخرج بمفرده. مع ملاحظة أنه يتنازل عن أثاث البيت بموجب توقيعه على القائمة في مقابل المهر الذي لم يدفعه لها قبل الزواج.
*فقر الشباب، فهناك الكثير من الشباب الذي لا يمتلك مالا، ولا وظيفة، ولا ميراثًا، ولا غير ذلك من مصادر الدخل، فينتظر حتى تتهيأ له سُبُل الزواج.
*انتشار الاعتقاد بضرورة إتمام الفتاة أو الفتى مراحل التعليم؛ فلا يتزوج أحدهما حتى يتم المرحلة الجامعية، وقد يؤخر البعض التفكير في الزواج حتى يحصل على درجة الماجستير أو الدكتوراه.
*ظروف الدولة الاقتصادية، ومدى توفيرها لفرص العمل، فإذا انتشرتْ البطالة في الدولة أحجم الشباب عن الزواج؛ لعجزهم عن الوفاء بتكاليفه.
*انتشار الرذيلة والفساد، حيث يلجأ بعض الشباب في المجتمعات الفاسدة إلى تصريف شهواتهم بطريق غير مشروع، ويترتب على هذا زهدهم في الزواج؛ نتيجة لفهمهم الخاطئ لأهداف الزواج السامية.
نوع الملكية في الزواج
اتفق الفقهاء على أن النكاح من باب تمليك الانتفاع لا من باب تمليك المنفعة لأنه يجوز للزوج أن يباشر بنفسه المنفعة وليس له أن يمكن غيره من تلك المنفعة ، فهو ليس مالكا للمنفعة ، بل مقتضى عقد النكاح أنه ينتفع هو خاصة لا مالك المنفعة.
والفرق بين النوعين هو تمليك الانتفاع يجيز له أن يباشر هو بنفسه فقط الانتفاع الذى يملكه مثال ذلك سكنى المدارس والمجالس فى الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسك كالمطاف والمسعى ونحو ذلك فله أن ينتفع بنفسه فقط ولو حاول أن يؤاجر بيت المدرسة أو يسكن غيره أو يعاوض عليه بطريق من طرق المعاوضات امتنع ذلك.
وأما تمليك المنفعة فهو أعم وأشمل فيباشر بنفسه ويمكن غيره من الانتفاع ومثاله من استأجر دارا أو استعارها فله أن يؤجرها من غيره أو يسكنه بغير عوض ويتصرف في هذه تصرف المالك في أملاكهم على جري العادة وعلى الوجه الذي ملكه فهو تمليك مطلق في زمن خاص حسبما تناوله عقد الإجارة أو شهدت به العادة فى العارية.
مقاصد النكاح في الشريعة الإسلامية
لقد شرع الله النكاح وأحله لبنى البشر وذلك لأجل أمر مهم وهو البعد كل البعد عن طريق الزنا الذي هو شر طريق يؤدي إلى الهلاك لا محالة .
وقال تعالى:
"نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"
(سورة البقرة الآية 223)
قال أبو داود "2164" حدثنا عبد العزيز يحيى أبو الأصبغ قال حدثني محمد يعني أبو سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال إن ابن عمر قال والله يغفر له أوهم إنما كان أهل هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع أهل هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتادون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج منهم رجلا إمرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبتني فسرى أمرها فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"
وقال تعالى" ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله واعلموا ان الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا ان الله غفور رحيم" (سورة البقرة 235)
وقوله تعالى "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " ودلنا الله تعالى على أن هذا الطريق هو أسوأ طريق يسلكه الإنسان فى حياته الدنيوية وقد جعل الله العقوبات اللازمة الواضحة كوضوح الشمس فى كبد السماء وذلك للردع والزجر فقد جعل الجلد والتغريب لغير المحصن وجعل الرجم للمحصن والإنسان الذي يتبع هواه وينزلق في هذا الطريق فهو هالك لا محالة غاضبا لربه سبحانه وتعالى .
مقصد النكاح في الشريعة الإسلامية
فى الكتاب
إن الإعراض عن الأهل والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو دين الأنبياء قال الله تعالى:
( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاَ وذرية ) (سورة الرعد) الآية (38)
والنكاح في الآيات حقيقة فى العقد والوطء والنهى لكل منهما وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد فلا يكون عاقا كأكل ما لا يريد ويحرم النظر بشهوة إلى النساء والمراد أن من استحله كفر إجماعاً ويحرم النظر مع وجود ثوران الشهوة وهو منصوص الإمام احمد الشافعي.
ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه وقال لا أنظر بشهوة كذب في دعواه وقال ابن عقيل ومن نظر الى الخيل والبهائم والأشجار على وجه استحسان الدنيا والرئاسة والمال فهو مذموم لقوله تعالى "ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه" سورة الحجر الآية (88) وسورة طه الآية (131).
وأما إن كان على وجه لا ينقص الدين وإنما فيه راحة للنفس فقط كالنظر الى الأزهار فهذا من الباطل الذي يستعان به على حق وكل قسم كان معه شهوة كان حراماً بلا ريب سواء كانت شهوة تمتع بالنظر أو كانت شهوة الوطء واللمس كالنظر .
وأولى وتحرم الخلوة بغير محرم ولو بحيوان يشتهى المرأة أو تشتهيه كالقرد،وذكره ابن عقيل وتحرم الخلوة بأمرد غير حسن ومضاجعته كالمرأة الأجنبية ولو لمصلحة التعليم والتأديب والمقر مولية عند من يعاشره لذلك ملعون ديوس .
ومن عرف بمحبتهم أو معاشرة بينهم منع من تعليمهم وإن احتاج الإنسان الى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه على الحج الواجب، وإن لم يخف قدم الحج ونص الإمام احمد عليه في رواية صالح وغيره واختاره ابو بكر وإن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد قدمت على النكاح إن لم يخش العنت.
فى السنة
1- حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير بن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال:
( إنى لأمشى مع عبد الله بن مسعود بمني إذ لقيه عثمان فاستخلاه فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة قال لى تعال يا علقمة فجئت فقال له عثمان ألا نزوجك يا ابا عبدالرحمن بجارية بكر لعله يرجع اليك فى نفسك ما كنت تعهد فقال عبد الله لئن قلت ذاك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
2- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البنانى عن أنس بن مالك.
(أن اليهود إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها فى البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله سبحانه وتعالى "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن خضير وعباد بن بشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث فى آثارهما فظننا أنه لم يجد عليهما)
ومن محاسن الشريعة الإسلامية ومقاصدها في النكاح هي:-
أولا: الاستمتاع بالزوجة
ثانيا: تحصيل الولد
اولا: الاستمتاع بالزوجة
للزوج أن يستمتع بزوجته بما يشاء، ولم يحرم عليه الا الإيلاج فى الدبر والجماع في الحيض والنفاس ، وما عدا ذلك فله أن يستمتع بزوجته بما يشاء من كالتقبيل والمس والنظر وغير ذلك ، وحتى لو رضع من ثديها فهو داخل الاستمتاع المباح ، ولا يقال بتأثير اللبن عليه لأن رضاع الكبير غير مؤثم فى التحريم ، وإنما الرضاع المؤثم هو ما كان في الحولين.
كما يجوز للزوج أن يستمتع من زوجته بجميع جسدها ، ماعدا الدبر والجماع في الحيض والنفاس والإحرام للحج والعمرة حتى يتحلل التحلل الكامل ويجوز للزوج أن يمص ثدي زوجته ولا يقع التحريم بوصول اللبن إلى المعدة
وقال الشيخ محمد بن صالح العثميين:
"رضاع الكبير لا يؤثر، لن الرضاع المؤثر ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام وأما رضاع الكبير فلا يؤثر، وعلى هذا فلو قدر أن أحداً رضع من زوجته أو شرب من لبنها فأنه لا يكون ابناً لها "فتاوى إسلامية (3/338)
ويقول ابن قدامة:
لابأس بالتلذذ بها بين الآليتين من غير إيلاج لأن السنة الشريفة إنما وردت بتحريم الدبر فهو مخصوص بذلك ولأنه حرَم لأجل الأذى وذلك مخصوص بالدبر فأختص التحريم به "المغني " ( 7/226 )
وقال الكسانى:
من أحكام النكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها الى قدميها حالة الحياة لأن الوطء فوق النظر والمس فكان لإحلاله أحلالا للمس والنظر من طريق الأولى
"بدائع الصنائع" (2/231)
وقال ابن عابدين :
سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن الرجل الذي يمس فرج امرأته وهى تمس فرجه ليتحرك عليها هل ترى بذلك بأساً؟
قال لا وأرجو أن يعظم الأجر "رد المحتار" (6/367)
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المباح بمنع الجماع للحائض في الفرج وإباحة ماعدا من جسدها وهو في غير الحائض أوضح في الإباحة.
وقوله صلى الله عليه وسلم "ويستمتع منها بما دونه" أى يستمتع الرجل من الحائض بما دون الفرج"
فيجوز أن يستمتع بما فوق الإزار وبما دون الإزار ، إلا أنه ينبغي أن تكون متّزرة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر عائشة رضي الله عنها أن تتّزر فيباشرها وهي حائض ،وأمْروُه صلى الله عليه وسلم لها بأن تتّزر لئلاَّ يُرى منها ما يكره من أثر الدَم وإذا شاء أن يستمتع بها بين الفخذين مثلا فلا بأس.
فإن قيل :كيف تجيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سُئِلَ ماذا يحل للرجل من امرأته وهى حائض قال"لك ما فوق الإزار " وهذا يدل على أن الأستمتاع يكون بما فوق الإزار.
والجواب على هذا بما يلى :
1- أنه على سبيل التنزه والبعد عن المحذور
2- أنه يحمل على اختلاف الحال ، فقوله صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح " هذا فيمن يملك نفسه ، وقوله صلى الله عليه وسلم " لك ما فوق الإزار " فهذا فيمن لا يملك نفسه إما لقلة دينه أو لقلة شهوته .
والإستمتاع بالزوجة ليس قاصرا على الجماع فقط بل يجوز أن يستمتع كل واحد بصاحبه بالطريقة التى تحلو له ، المهم أن الزوج لا يجامع زوجته ـ يدخل ذكره فى فرجها ـ وقت الحيض وأن لايدخل ذكره فى دبرها ـ فتحة الشرج ـ وله أن ينال منها مايشاء وقت الحيض فيما دون الجماع ومن ذلك يقوم كل منهما تقبيل فرج الآخر الا اذا ثبت أن فى ذلك ضررا فلا يجوز . فالمقصود حصول الإعفاف وهذا يختلف بإختلاف الناس والمهم كذلك أن لا يأتيها من دبرها.
وأما ارغام الزوجة على ما تستقبحه فلا يجوز لأن في ذلك ضررا نفسيا عليها وأما إرغامها على ابتلاع منيه ومذيه فلا يجوز لأن الذى متفق على نجاسته بين الفقهاء والمني مختلف فيه بين الطهارة والقذارة .
هذا وثمة أبحاث تنذر بأمراض خبيثة تنتج عن مثل هذه الممارسات الشاذة وإن كانت لا تزال طور البحث وإذا وصلت الى درجة اليقين أو قرابته فلا يسع الفقيه ساعتها الا القول بالتحريم، وعلى أية حال فالحرام هو ما بيناه وما عداه حلال جائز أى أنه يجوز التعري أثناء الجماع ويجوز الرضاعة من ثدي الزوجة أثناء الجماع ولكن لا يجامع من الدبر ، وليحذر الجماع من الفرج وقت الحيض.
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أستاذ الشريعة الإسلامية بسوريا:
إن الحقّ المتبادل بين الزوجين ليس خصوص (الجماع) بل عموم ما سماه القرآن (الاستمتاع) وهذا يعنى أن لكل من الزوجين أن يذهب في الاستمتاع بزوجه المذهب الذي يريد من جماع وغيره ولا يستثنى من ذلك إلا ثلاثة أمور :
1- الجماع أيام الطمث
2- الجماع فى الدبر أي الإيلاج في الشرج
3- المداعبات التي ثبت أنها تضرّ أحد الزوجين أو كليهما بشهادة أصحاب الاختصاص أي الأطباء .
أما ما وراء هذه الأمور الثلاث المحرمة، فباق على أصل الإباحة الشرعية .. ثم لأن الاستمتاعات الفطرية التي تهفو إليها الغريزة الإنسانية بالطبع كالجماع ومقدماته لكل من الزوجين على الآخر ولا يجوز الامتناع أو التأّبّى إلا عند وجود عذر مانع.
وأما الاستمتاعات الأخرى التي يتفاوت الناس - ذكورا وإناثا- في تقبّلها ما بين مشمئز منها وراغب فيها فلا سبيل إليها إلا عن طريق التراضي أي فليس لأحد الزوجين أن يكره الآخر على ما قد تعافه نفسه منها.
ويقول الدكتور على جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر.
قال الله تعالى "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم"
(سورة البقرة)
وفي التفسير أن التقدمة هي القبلة وفي الحديث اجعل بينك امرأتك رسول ولرسول القبلة ويجوز للرجل والمرأة الاستمتاع بكل أنواع التلذذ فيما عدا الإيلاج في الدبر فإنه محرم.
أما المص واللعق والتقبيل وما يسمى بالجنس الشفوي بالكلام وغير ذلك فكله مباح فعله اغلب السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، وعلى المسلم أن يكتفى بزوجته وحلاله وأن يجعل هذا مانعا له من الوقوع فى الحرام ومن النظر فى الحرام وعليه أن يعلم أن الجنس هو غريزة تشبع بوسائلها الشرعية وليس الجنس ضرورة كالأكل والشرب كما يراه الفكر الغربي المنحل.
إذن ما هى حدود الاستمتاعات الجنسية المسموح بها بين الزوجين ؟
حماية الزوجين من الانحراف هدف أساسي ولقد حرص الإسلام على أن يكون البيت الإسلامي الذي رغب فى تأسيسه حصنا منيعا يحمى الزوجين من الانحرافات الخلقية والمفاسد الأخلاقية وأن يكون بيتا تتوفر فيه كل ما تطلبه الحياة الهادئة والآمنة والسعيدة من الأجواء التي تمكن الرجل والمرأة من القيام بدورهما وأداء مسئوليتاهما .لهذا نجد أن الله عز وجل قد وضع القوانين الحكيمة وسن السنن القويمة الكفيلة بإسعاد الزوجين وتسهيل بلوغهما إلى الأهداف المبتغاة من تأسيس الأسرة .
ونلخص هذه الأهداف فى:-
*حماية الزوجين من الانحراف هدف أساسي
1- حدود الاستمتاعات الجنسية المسموح بها بين الزوجين
2- مالا يجوز من الاستمتاعات للزوجين
3- حكم الجماع فى الدبر
4- الفرق بين جماع الزوجة فى الدبر واللواط
5- حكم الجنس الفموي
حدود الاستمتاعات الجنسية المسموح بها بين الزوجين
لكى تتحقق أهداف الزواج والأسرة فإن الاستمتاعات الزوجية لابد وان تكون محدودة بحدود تتماشى مع أهداف الزواج فى الإسلام وتكون بحيث تضمن سلامة الزوجين والأسرة من جميع الجهات .
ولقد سمح الدين الإسلامي للزوجين بالاستلذاذ والاستمتاع المتقابل جنسيا بينهما ضمن حدود الشريعة الإسلامية أي ما لم تتجاوز الاستمتاعات حدود المعاشرة بالمعروف ، ومالم تتضمن محرما من المحرمات أو تتسبب فى ترك واجب من الواجبات فللزوجين أن يتلذذا من بعضهما متى شاءا أو كيفما شاءا ، فهي جائزة بكل أشكالها نظرا ولمسا وتقبيلا ومصا وما إليها من أنواع الاستمتاعات المتصورة .
مالا يجوز من الاستمتاعات للزوجين
مستثنيات الاستمتاعات الجنسية بين الزوجين هي ما يلى:
*لا يجوز الجماع خلال فترة الحيض والنفاس
*لا يجوز للزوجين - وكذا غيرهما- حال الإحرام ممارسة الأمور الجنسية ،وطءً أو إستنماءً أو تقبيلا أو لمسا أو النظر بشهوة وتلذذ .
*يشترط أن تكون الاستمتاعات بين الزوجين غير ضارة وغير مؤذية لأى منهما ،كما إذا تلذذ أحد الزوجين من قرص أو عض أو ضرب الطرف الآخر ويجوز لكل ذلك برضائهما .
*يجوز الاستعانة بأعضاء البدن فى اثارة الطرف الآخر جنسيا و إفراغ شهوته ،ولكن لا تجوز الاستعانة بأجسام خارجية بإدخالها فى الفرج أو الدبر (الشرج)
*لا يجوز للزوج إكراه زوجته على مجامعتها فى الدبر ولها أن لا تستجيب له .
*لا يجوز للزوج إكراه زوجته على الجماع حال كونها مريضة بحيث لاتطيق ممارسة الجنس ،أو تكون العملية الجنسية مضرة بالنسبة لها ، ولها أن تمتنع مما يضر بها حكم الجماع فى الدبر.
خصص الله عز وجل مسلكا خاصا للعملية الجنسية تتوفر فيه كل المواصفات الكفيلة بإيصال الزوجين الى ذروة المتعة الجنسية وهو الفرج(المهبل) وجعل الله جل جلاله أحكاما للاتصال الجنسي كما سن آداباً للاستمتاعات الزوجية ،ونحن نؤمن بأن الأزواج الملتزمين بهذه القوانين والسنن يضمنون لأنفسهم سلامة معاشرتهم الجنسية إلى جانب حصولهم على أعلى درجات المتعة الجنسية السليمة ،و يجنبون أنفسهم سلبيات وأضرار السلوك الجنسي الخاطئ الذي يتمخض عنه أمراض لا حصر لها.
وأما من حيث الحكم الشرعي فإن آراء الفقهاء تختلف في حكم إتيان الزوجة من الدبر من حيث الحرمة والكراهة ، والكراهة الشديدة ، ولكن المشهور بين فقهاء الشيعة الأمامية جواز ذلك بشرط رضاء الزوجة، ولكن على كراهة بل على كراهة شديدة كل ذلك اعتمادا على الأحاديث الشريفة التي يستنبطون الأحكام الفقهية منها حسب القواعد الفقهية والأصولية
الفرق بين جماع الزوجة فى الدبر واللواط
ينبغي التنبيه هنا على أنه من الخطأ الفاحش عدَ هذا النوع من الممارسات لواطا ومن أعمال قوم لوط وهو نوع من المغالطة ،وذلك لأن اللواط هو الإتصال الجنسي بين ذكرين لا بين ذكر وأنثى كما هو واضح كما لا تسمى ممارسة الجنس بين أنثيين زنا ولا لواطا وإنما تسمى سحاقا .
ثم إن قوم لوط كانوا يأتون الرجال فى أدبارهم وليس النساء ويدل على ذلك قوله عز وجل في القرآن الكريم.
حكاية عن النبي لوط عليه السلام "ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين*إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون".
1- ومن الخطأ ايضا أن يتصور بأن المقصود من قول الله تعالى ".... فأتوهن من حيث أمركم الله...."
2- حرمة إتيان النساء من الدبر بل المقصود منه من حيث أمركم الله تجنبه فى حال الحيض وهو الفرج ويظهر هذا المعنى بملاحظة الآية بكاملها التي تتحدث عن اعتزال النساء حال الحيض .
قال الله عز وجل :-
"ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"
أى لا تقربوهن حال الحيض وهو الفرج .
حكم الجنس الفموي
معاشرة الزوجة من طريق الفم انزال المنى فى فمها ممارسة خاطئة و مستقبحة ينبغي اجتنابها والترفع عنها ، وهذه الممارسة إن لم تكن برضاء الزوجة فهي محرمة ، كما يحرم ابتلاع شيء من المنى لنجاسته ، وأما إذا كانت هذه الممارسة برضاء منهما ولم تتسبب فى ابتلاع المني فهو عمل مستقبح رغم جوازه وينبغي للمؤمنين اجتناب مثل هذه الأمور ، حيث أنها من الممارسات الخاطئة التي تصنف ضمن الشذوذ الجنسي.
هذا وللاستمتاعات الزوجية آداب ومستحبات ومكروهات ينبغي للإنسان المؤمن معرفتها والالتزام بها لما فيه من آثار مهمة صحية واجتماعية ومعنوية.
ثانيا : تحصيل الولد
من المقاصد الأصلية للنكاح ابتغاء الولد وتكثير نسل الأمة المحمدية
ل اخلاف بين الفقهاء فى أن المقصد الأصلي للنكاح هو ابتغاء الولد وتكثير النسل، بل جماع مقاصده كثرة النسل كي يتحقق عمارة الكون وبقاء النوع البشرى وحفظه من الانقراض وأن كان هناك مقاصد أخرى لكن أهم مقاصد الزواج : التناسل والإنجاب وكثرة الذرية وعمارة الكون وكلها عبارات تؤدي إلى معنى واحد فالإنجاب أو كثرة الإنجاب كى يتحقق التناسل المطلوب فيعمر الكون وهذا لا يتحقق إلا عن طريق الزواج في الحفاظ على النسل وبقائه هو المقصد الشرعي للزواج ، يعنى مقصود الله من تشريع الزواج ،وسواء قلنا عمارة لكون أو الحفاظ على النسل أو تكثير النسل بصفة عامة أو تكثير نسل أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهذه كلها معان متقاربة لأن المراد النكاح بين المسلمين وعمارة الكون بالمسلمين تكثير نسل أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ففى حاشية الجمل: أنّ المقصود من النكاح هو التناسل المتوقف على الوطء
ونص الفقهاء على أن ذلك هو أهم مقاصد النكاح .
ففي الهداية: المقصود الأصلي من النكاح الولد وفى شرح المسند: إن المقصود الشرعي من النكاح بقاء النسل ،وكثرة المؤمنين
فالمقصد الأصلي لمشروعية النكاح هو التناسل ، وكثرة الذرية، فهذا هو المقصد الأصلي الضروري بحكم الشرع رضي المكلف، أو لم يرضى ، وقد دل على ذلك فى القرآن الكريم والسنة النبوية ، ومن أهم الأدلة ما يلي:
1- قوله تعالى:{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}
وجه الدلالة : دلت الآية على مشروعية الزواج ،لتحقيق النسل والذرية ، فقد روى عن مجاهد ، والحسن البصري في معنى الآية أنهما قالا : المودة الجماع والرحمة الولد0
2- قوله تعالى:{ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}
وجه الدلالة: دلت الآية على : أن طلب الولد وابتغاء النسل مطلب فطرى للإنسان ولهذا يلجأ العباد دائما الى الله يسألونه أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له.
قال ابن عباس: يعنون من يعمل بطاعة الله فتقر بهم أعينهم فى الدنيا والآخرة0
وسئل الحسن البصري عن هذه الآية فقال: أن يرى العبد المسلم من زوجته ومن أخيه طاعة الله ، والله لا شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولداٌ ،أو ولد ولد ،أو مطيعا لله عز وجل.
قال القرطبي: فإذا ثبت هذا، فالواجب على الإنسان أن يتضرع الى خالقه فى هداية ولده وزوجه بالتوفيق لهما والهداية والصلاح والعفاف والرعاية وأن يكونا معنين له على دينه ودنياه، حتى تعظم منفعته بهما في اولاه وأخراه ألا ترى قول زكريا عليه السلام { واجعله رب رضيا}
وقال أيضا { رب هب لى من لدنك ذرية طيبة}
وقال تعالى{ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}.
ومن السنة النبوية أحاديث كثيرة منها ما يلى:
*روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال :
" جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروّا ـ كأنهم تقالوّها فقالوا:
وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال أحدهم :أما أنا فإني أصلى الليل أبداَ؛
وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر؛
وقال آخر :أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداَ؛
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟.....
أما والله إني أخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منى.
والزوجة الصالحة فيض من السعادة يغمر البيت ويملؤه سروراَ وبهجة وإشراقا.
*فعن أبى أمامه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل ـ خيرا من زوجة صالحة :
إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها أسرتّه ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله "
رواه ابن ماجه
*وعن سعد بن ابى وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سعادة ابن آدم ثلاثة ، ومن شقاوة آدم ثلاثة:
من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح .
ومن شقاوة ابن آدم : المرأة السوء، المسكن السوء ،والمركب السوء .
رواه احمد بسند صحيح
فنرى من خلال الأحاديث السابقة أن الإسلام قد حث على الزواج الذي من مقتضياته تحصين الفرج والبعد كل البعد عن طريق الزنا والاستمتاع بالزوجة وتحصيل الولد وإعمار الكون وعدم انقراض الجنس البشري، ولزاما على بنى البشر عبادة الله الواحد القهار فى أرضه.
*ما رواه أصحاب السنة أنه صلى الله عليه وسلم قال :تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة " وفى رواية " حتى بالسقط"
ويعترض على ذلك بأمرين :
أولهما:
أن تكثير النسل مطلقا غير مقصود ،فالكثرة التى تكون كغثاء السيل من مظاهر ضعف الأمة لاسيما وأن النسل الذي دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو النسل القوى القادر على إعلاء عبادة الله سبحانه وتعالى فى الأرض لقوله سبحانه وتعالى }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{ وأن طلب الولد وابتغاء النسل مطلب فطرى للإنسان ولهذا يلجأ العباد دائما الى الله يسألونه أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له.
والعبادة هنا من الأمور الواجبة التى فرضها الله سبحانه وتعالى على الثقلين وهما الإنس والجن فلزاما على المسلمين أن يكون النسل قويا متماسكا مسلحا بالعلم والإيمان بالله وحده لا شريك له والا ما فائدة النسل أن يكون ضعيفا تتكالب عليه الأمم وتجعله أسفل أقدامها.
ثانيهما:
التباهي أمام الأمم يوم القيامة ليس للتفاخر بالكثرة التي تكون أساساَ لهدم الدين وعدم عبادة الله سبحانه وتعالى فى الأرض وإنما التباهي هنا المقصود منه هو وجود أمة مسلمة قوية متماسكة جاءت يوم القيامة لله سبحانه بالتكليف الذي فرضه الله عليها وهى عبادته في الأرض حسبما فرضت عليها وأدتها على أكمل وجه وتهاونت بها الأمم السابقة والذي حل عليها العذاب كما ورد في كتاب الله .
ولما كانت الشريعة الإسلامية قد أوجبت على التكثير من تحصيل النسل فمن مقصدها هو أعمار الكون بالمسلمين لإقامة شريعة الله في أرضه وهى أولا وأخيرا عبادة الله دون غيره.
آية ذلك أن نضرب مثلاَ رجل تزوج وأنجب من الأطفال خمسة ولم يكن قادرا على إخراجهم إلى المجتمع بصورة تفيد المجتمع الإسلامي بصفة خاصة والأمة بصفة عامة نظراَ لضيق ذات اليد وهو لم يعي قول الرسول صلى الله عليه وسلم تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة وقد أخذ مدلول الحديث من المنظور الضيق فنرى منهم السارق وتاجر المخدرات والمرابي والزاني والقاتل .....الخ وعلى أثر ذلك نرى أن المجتمع الإسلامي قد أنهار وتكالبت عليه الأمم وجعلته أسفل أقدامها فأين هؤلاء من قول الله سبحانه وتعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.
القاعدة الفقهية: درء المفاسد أولى من جلب المصالح
ومعنى القاعدة إذا كان الفاعل المأمور به أو المأذون فيها مستلزما لارتكاب أمر منهي عنه ترك هذا الفعل.
وفى هذا المعنى يقول السيوطي.
فإذا تعارض مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبا لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه".
لاشك أن درء المفاسد مع عظم خطرها أولى من المصالح المبتغاة من الزواج وتحصين الفرج وتكوين الأسرة وتحصيل الولد، إذ كل هذه المصالح تهون أمام خطر مرض الجهل وانتشار الفساد في الأرض الذي يطيح بهذه المصالح جميعا.
ويقول الإمام محمد الغزالي فى كتاب كنوز من السنة :
فى مجال الأسرة يجب أن يعرف الكل الحديث المشهور " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " فرب البيت المهمل ليس جديرا بالتكريم والمرأة المهتمة بولدها الحريصة على مستقبله أجدر بالاحترام ورفعة الدرجة .
والحق أن الزواج شركة أدبية تقوم على الأمانة والوفاء قبل أن تقوم على الطعام والشراب فلن يسبق عند الله رجل لأنه رجل ولن تتأخر المرأة لأنها امرأة !
ولقد كانت امرأة فرعون أشرف عند الله منه!!
وقد ثبت أن البيت الذى تسوده الفوضى والشراسة ينبت ذرية سيئة قد تنحدر الى الجريمة والاعوجاج فعلى الرجل أن يكون حسن القوامة وعلى المرأة أن تكون حسنة الانقياد!
ليست الزوجية للإنجاب المجرد فتلك وظيفة حيوانية وإنما الزوجية لإنشاء أجيال انضر وأطهر!
لقوله تعالى(والبلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداَ)ومن عجز عن بلوغ هذا المستوى فتركه الزواج أفضل.
عن أبى سعيد الخدرى أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((إن أبنتي هذه أبت أن تتزوج فقال لها رسول الله : أطيعي أباك !
فقالت :والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟
فشرح لها النبي صلى الله عليه وسلم حق الزوج من رعاية وتمريض يجعل المرأة تسهر عليه ولا تضيق به!
فقالت الفتاة الى الرسول :والذي بعثك بالحق لا أتزوج ابدا!!
فقال النبي ـ للوالد ـ :لا تنكحوهن إلا بأذنهن !!))
إن الزواج ليس قهرا وإذلالا..
إنما المقصود الشرعي من الزواج هو الاستمتاع بالزوجة وتحصيل الولد ، ولقد رغب الإسلام في الزواج وحبب فيه لما يترتب عليه من آثار نافعة تعود على الفرد نفسه وعلى الأمة جميعا وعلى النوع الإسلامي عامة0
* فإن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها وهو تلوح على صاحبها دائما فى إيجاد مجال لها .
فما لم يكن ثمة ما يشبعها انتاب الإنسان الكثير من القلق والاضطراب ،ونزعت به إلى شر منزع .
والزواج هو أحسن وضع طبيعي وأنسب مجال حيوي لإرواء الغريزة وإشباعها فيهدأ البدن من الاضطراب وتسكن النفس عن الصراع ويكف النظر إلى التطلع إلى الحرام وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله .
وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (( أن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأت أهله فإن ذلك يردَّ ما في نفسه )) . رواه مسلم وأبو داود والترمذي .
*الزواج هو أحسن وسيلة لإنجاب الأولاد وتكثير النسل واستمرار الحياة مع المحافظة على الأنساب التي توليها الإسلام عناية فائقة وقد تقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة "
وفى كثرة النسل من المصالح العامة والمنافع الخاصة ما جعل الأمم تحرص أشد الحرص على تكثير سواد أفرادها بإعطاء المكافآت التشجيعية عن كثر نسله وزاد فى عدد أبنائه ـ وقديما قيل إنما العزة للكاثر.
والنكاح سنة كونية وفطرة إنسانية ومنِّة إلهية، وله عديد المقاصد والفوائد في الدارين. ومن تلك المقاصد والفوائد نذكر ما يلي:
1- حفظ النسل وتكثيره؛ بغرض إعمار الكون وبقاء النوع الإنساني، وكذلك إكثار أفراد الأمة المسلمة وتقويتها وتمكينها في الوجود الحياتي والكوني حتى تكون مرهوبة الجانب، عزيزة الذات، فاعلة الأثر والتأثير، وحتى تؤدي رسالة الاستخلاف في الأرض، والشهادة على الناس. لذلك جاءت الأدلة الشرعية تحث على الزواج والإنجاب، وترغب في التناسل، وتحرم قتل الأولاد والبنات بسبب الفقر أو العار أو ما شابه ذلك، وتحظر الإجهاض إلا عند الضرورات القصوى، كأن يُخشى على الأم من الموت أو الهلاك المحقق بسبب خطر الجنين، فيباح إجهاضه؛ لأن المحافظة على الأصل مقدمة على المحافظة على الفرع.
2- حفظ النسب والعرض، وصيانته من الفوضى والاختلاط والتداخل والتلاعب. والنسل الذي ذكرنا بأنه مقصد شرعي للنكاح هو النسل المضبوط والمنضبط بمعرفة النسب الصحيح، وإلحاق الفروع بأصولها على وجه الحقيقة، ومراعاة الكرامة والعفة والحياء، ومنع كل ما يخل بحقه الإنساني في النسب الصحيح، والعِرض الشريف والنظيف والعفيف؛ لذلك شرعت أحكام الزواج الشرعي الصحيح، ومنع الزنا واللواط والسحاق،ومعاقبة الشاذين والمنحرفين، ومنع التبني. ولذلك أيضاً منعت الذرائع والأسباب المؤدية إلى الإخلال بمقصد حفظ النسب والعِرض، كالخلوة والنظر بشهوة ، وكذلك منعت بعض الحوادث والنوازل المعاصرة، لكونها مفضية إلى هتك هذا المقصد وخدشه وتفويته، كتجميد الخلايا الجنسية واستئجار الأرحام.
3- تحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وتحقيق التآلف والتعاون على البر والتقوى ودوام العشرة بالمعروف، مما يكون له الأثر الكبير في عبادتهما وانقيادهما لله تعالى، وفي إعمار الأرض وإصلاحها وتجميلها وجعلها مزرعة للآخرة وممراً لها. ولم يعد خفيفاً ما تعانيه المجموعة الدولية – بتفاوت ملحوظ بحسب الاعتبارات الدينية الأخلاقية – من آثار الشذوذ الجنسي، وتعاطي المخدرات، ومزاولة العنف والتقتيل والترويع، وغير ذلك مما هو نتيجة حتمية في الغالب لتفكك الأسرة، وتهميش دورها التربوي والوجداني والحضاري بصورة عامة. فلعل بعد كل ذلك نكون بيّنّا لك أخي الدارس والقارئ ما للأسرة المُسلمة الصالحة من دور فعال، وتأثير ملحوظ في بناء الأجيال والمجتمعات، وتحقيق الأمل المنشود والمقصد المفقود، ألا وهو الأمة التي أخرجت للناس لإصلاحها وإسعادها في المعاش والمعاد. قال تعالى:
{كُنتُمۡ خَيرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ...}
(آل عمران: 110).
4- بناء الأسرة المسلمة وإيجاد المجتمع الصالح: من مقاصد النكاح بناء الأسرة المسلمة المكونة من الزوجين الشرعيين ومن الأصل والفروع، التي تطيع ربها وتعمل بأحكامه وتعاليمه، وتسهم في بناء المجتمع الإسلامي الصالح، وبناء الأمة المسلمة والقائدة. ومعلوم أن الأمة المسلمة قد اختارها الله تعالى لتكون خير أمة أخرجت للناس، بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، وأداء العمل الصالح، والقيام برسالة الاستخلاف بكل صورها ومجالاتها وأبعادها. وهذه الأمة لن تتحقق إلا ببناء المجتمعات والشعوب الإسلامية على اختلاف أعراقها وألوانها وقاراتها ودولها وتقاليدها وخاصياتها. وبناء تلك المجتمعات والشعوب متوقف على إيجاد وبناء الأسرة المسلمة الصالحة المتزنة المستقيمة العارفة بعقيدتها الصحيحة وتدينها المطلوب وتعاملها الرشيد. فتكون النتيجة المستخلصة والبديهية، أن الأمة المسلمة بأسرها متوقف وجودها ونجاحها على الأسرة الناجحة والناهضة والمجتهدة. إن الأسرة المسلمة مطلب له أهميته الكبرى، ومقصد شرعي دلت عليه القواطع والظواهر والقرائن المختلفة، وهو طريق وجود الأمة ووحدتها وتقدمها وقوتها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولقد أدرك خصوم الأمة وأعداؤها أهمية الأسرة المسلمة ودورها الحضاري العام، وشأنها في تحقيق السيادة والشهادة على الناس، فراحوا يعملون بوسائل شتى لأجل تحجيمها وتشتيتها وإضعافها، ولا سيما أن كثيراً من الأسرة والمجتمعات غير المسلمة تعيش أوضاعاً أخلاقية لا تحسد عليها، وتشهد التفكك الأسري، والميوعة الأخلاقية، والتسيب القيمي، والتهارج القانوني والنظامي بشكل مفزع وخطير. وقد زاد هذا في غيظهم ومكرهم وحرصهم على تدمير الأسرة المسلمة الحصن الحصين لسلامة الأمة وقوتها وتمكينها.
5- تطهير المجتمع من الأمراض الجنسية والآفات الخلقية: لعل هذا المقصد متضمن في المقصد السابق، المتعلق ببناء الأسرة المسلمة، والمجتمع الإسلامي، والأمة القوية والرائدة، المرتكزة على طهارة الظاهر والباطن، والسلامة من العيوب والأمراض الجنسية والخلقية والحضارية بشكل عام، وفي أغلب الأحيان وأكثرها. غير أننا أفردنا هذا المقصد بالذكر والبيان لأهميته وخطورته، ولا سيما في العصر الحالي وفي كثير من المجتمعات والدول التي شهدت ما لا يحصى من المشكلات والأزمات القانونية والسياسية والاجتماعية؛ بسبب الأمراض الجنسية الخطيرة (الزهري، السيلان ، الإيدز .. ) وبسبب العاهات والآفات الخُلقية والقيمية التي أدت إلى التحلل الاجتماعي العام، والتَّسَيُّب الأسري الملحوظ.
بعض النوازل المعاصرة التي ضيعت مقاصد النكاح:
أ‌- تجميد الخلايا الجنسية للزوج قبل وفاته ووضعه فيما يعرف ببنوك المني، ثم تلقيح بويضة الزوجة عند رغبتها بعد وفاة الزوج ولو بسنين. فهذه العملية، والتي تمت كما يقال في إطار الزوجية أو بين زوجين شرعيين، غير أنها واقعة على خلاف على خلاف مراد الشرع في التلقيح والإنجاب. ووجه المخالفة أن العملية قد وقعت بعد وفاة الزوج، وفي ظروف قد تؤول إلى ما لا يحصى من المفاسد والفتن، على نحو التذرع بذلك لإجراء الزنا، والإبقاء على آثاره المتعلقة بوجود الأبناء غير الشرعيين ونسبتهم إلى ذلك الأصل الموهوم، أو الأب المنسي المهجور والمقبور حقيقة وحكماً. وكذلك على نحو: الأخطاء المحتملة للقائمين على تجميد الخلايا وإعطائها لمن يريدها، إذ يمكن بل يرجح أن يحصل الخطأ في اختيار الحيوان المنوي الفلاني، فيعطى إلى امرأة أخرى ليست زوجة لصاحب ذلك الحيوان المنوي، فيحصل التلقيح الممنوع بين شخصين ليس بينهما علاقة شرعية البتَّة، وليس يربط بينهما سوى هذا التركيب المسقط، والخطأ الفادح، والخلط الشنيع الذي لم تدعُ له ضرورة ولا حاجة ولا كمال سوى الترف العلمي والمدني، والإفراط المادي، والاستخفاف بالحياء والكرامة والعفة. ومعلوم أن هذا الخطأ وارد وممكن الوقوع، ولا سيما بعد توارد الأخبار والتقارير العلمية والطبية المفيدة لحصول الأخطاء الطبية الكثيرة على نحو: نقل فيروس الإيدز(AIDS) أو السيدا(siDA) في جسد إنسان؛ بسبب نقل الدم الذي لم يتأكد من سلامته وخلوه من الفيروس، وكذلك نسيان المقص أو الضماد أو بعض الأدوات الطبية في بطن المريض بعد إجراء العملية الجراحية، وغير ذلك من الأمثلة التي وقعت فيها الخطاء والهفوات على الرغم من التأكد البالغ والاحتياط الشديد. ولعل الخطأ بنسيان مقص او خيط أو أبره في بطن مريض إثر العملية الجراحية يُعد هيِّناً وغير ذي بال أمام الخطأ والتهاون في تلقيح بويضة امرأة أجنبية بمني رجل أجنبي، (فينجبان) مولوداً ليس له وضع شرعي، ولا وضع قانوني، ولا عرفي ولا إنساني، وليس له سوى الوضع الفوضوي الممقوت.
ب‌- كراء الرحم واستئجاره: حقيقة هذه النازلة الغريبة الشاذة، أن يُستأجر رحم امرأة أجنبية لتوضع فيه اللقيحة؛ بسبب تعطل رحم المرأة الزوجة، صاحبة البويضة. وهذه النازلة معلومة التحريم والفساد، وذلك لما فيها من معارضة حرمة العلاقة الزوجية المشروعة والمستورة، ومعارضة مقاصد الأمومة، و لكونها مفضية إلى اضطراب النسب وتداخله، واهتزاز العلاقة النسبية، والروابط الدموية، والاجتماعية، والسنن الكونية والحياتية.
القدرة مع الحاجة الى الزواج
الشريعة الاسلامية المباركة قد أمرت بالزواج وحثت عليه ؛ لأنه من سنن النبيين وهدي المرسلين ، قال تعالى :
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) الرعد/ 38.
وما رواه البخاري (5066) ، ومسلم (1400) عن ابن مسعود قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .
جاء في " شرح النووي على مسلم "(9 / 173) : " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ ، فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ ، لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ ، وَيَقْطَعَ شَرَّ مَنِيَّهُ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ ، وَعَلَى هَذَا القول وقع الْخِطَابِ مَعَ الشُّبَّانِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ ، وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ ، سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا ، وَتَقْدِيرُهُ : مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَلْيَصُمْ ليدفع شهوته " انتهى.
فإن كنت مُعْدَما لا تقدر على شيء من نفقات النكاح ، فليس أمامك من خيار إلا الصبر والصوم ، حتى يرزقك الله سبحانه من فضله ، قال تعالى :
( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور/33 .
الحاجة إلى الزواج مع القطع بظلم الزوجة
وهو ما إذا كان يقع في الفاحشة إن لم يتزوج كما يقطع بظلم الزوجة إن تزوج والأرجح في هذه الحالة أن لا يتزوج دفعاً للظلم ، لأنه العلاج المتعين لذلك قوله تعالي (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله ) النور 33.
وهذا لا يعنى إباحة الزنا ،بل عليه بعد أن يترك الزواج أن يقاوم كلا المحظرين ،فيحارب شهوته بشتى الوسائل ليتغلب عليها ،ويقاوم نفسه ليخلصها من رذيلة ظلم الغير ، وما يجده سهلاً عليه يسير على ما يقتضيه فإن سهل عليه محاربة الشهوة دون الأخري بقي على كفه التزويج ، وإن استعصى عليه محاربة الشهوة ووجد نفسه ميلاً إلى ترك الظلم تزوج.
ومن العلاجات الشرعية لمثل هذه الحالة الصوم كما ورد في حديث الباءة والتداوي وقد استدل الخطابي بنفس الحديث على جواز التداوي لقطع الشهوة بالأدوية وحكاه البغوي في شرح السنة ولكن ينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة ولا يقطعها بالأصالة لأنه قد يقوى على وجدان مؤن النكاح بل قد وعد الله من يستعفف أن يغنيه من فضله لأنه جعل الإغناء غاية الاستعفاف لأنهم اتفقوا على منع الجب والإخصاء .
الحاجة إلى الزواج مع عدم القدرة على الإنفاق
ما رواه البخاري (5066) ، ومسلم (1400) عن ابن مسعود قَالَ " " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .
جاء في " شرح النووي على مسلم "(9 / 173) : " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ ، فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ ، لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ ، وَيَقْطَعَ شَرَّ مَنِيَّهُ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ ، وَعَلَى هَذَا القول وقع الْخِطَابِ مَعَ الشُّبَّانِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ ، وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ ، سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا ، وَتَقْدِيرُهُ : مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَلْيَصُمْ ليدفع شهوته "
فإن كنت مُعْدَما لا تقدر على شيء من نفقات النكاح ، فليس أمامك من خيار إلا الصبر والصوم ، حتى يرزقك الله سبحانه من فضله ، قال تعالى :
( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور/33 .
واعلم أن الراغب في الزواج يبتغي العفاف موعود بالعون من الله تعالى ، قال تعالى :
( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)النور/32 ، جاء في " تفسير الطبري " (19 / 166) : " عن ابن عباس ، قوله: ( وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) قال: أمر الله سبحانه بالنكاح ، ورغَّبهم فيه ، وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم ، ووعدهم في ذلك الغنى ، فقال : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، وعن عبد الله بن مسعود ، قال: التمسوا الغنى في النكاح ، يقول الله: ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) "
وفي " تفسير القرطبي " (12 / 241) : " لَا تَمْتَنِعُوا عَنِ التَّزْوِيجِ بِسَبَبِ فَقْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، " إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ "، وَهَذَا وَعْدٌ بِالْغِنَى لِلْمُتَزَوِّجِينَ طَلَبَ رِضَا اللَّهِ ، وَاعْتِصَامًا مِنْ مَعَاصِيهِ ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْتَمِسُوا الْغِنَى فِي النِّكَاحِ ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَجَبِي مِمَّنْ لَا يَطْلُبُ الْغِنَى فِي النِّكَاحِ " انتهى .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
( ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ : الْمُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِى يُرِيدُ الأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ الْعَفَافَ ) رواه الترمذي ( 1655 )
وقال : حسن ، والنسائي ( 3120 ) ، وابن ماجه (2518 ) ، وحَّسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
وأما حد الشهوة التي يجب على الرجل معها الزواج ، فهو أن يخشى مواقعة الزنا ، أو مقدماته من النظر أو التقبيل ونحوهما .
المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة
اختلف الفقهاء في المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة على قولين:
القول الأول: إن النكاح أفضل من التخلي لعبادة الله في النوافل , وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي
أن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
﴿ وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ (المزمل:8)
فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - التبتل بفعله ; وشرح أنه امتثال الأمر , واجتناب النهي , وليس بترك المباحات , ومن رغب عن سنته فليس منه.
أن حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى من الاستدلال بحال يحيى - عليه السلام - مع أنه كان في شريعتهم العزلة أفضل من العشرة , وفي شريعتنا العشرة أفضل من العزلة.
قال - صلى الله عليه وسلم - :(لا رهبانية في الإسلام)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر ؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم وقال بعضهم: لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال أقوام قالوا كذا ؟ لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر , وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)
عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول: تزوجوا الودود الولود , فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج حتى انتهى العدد المشروع المباح له , ولا يجوز أن يقال بأنه إنما فعل ذلك ; لأن نفسه كان تواقة إلى النساء فإن هذا المعنى يرتفع بالمرأة الواحدة , ولما لم يكتف بالواحدة دل أن النكاح أفضل.
أن عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التبتل , كما مر ذكره سابقا.
أن النكاح مشتمل على مصالح جمة، فالاشتغال به أولى من الاشتغال بنفل العبادة، فليس المقصود بهذا العقد قضاء الشهوة فقط , وإنما المقصود المصلحة الشرعية المعتبرة.
أن الله تعالى علق بالزواج قضاء الشهوة ليرغب فيه المطيع والعاصي المطيع للمعاني الدينية والعاصي لقضاء الشهوة مثل الإمارة , ففيها قضاء شهوة الجاه , والنفوس ترغب فيه لهذا المعنى مع أن المقصود بها ليس قضاء شهوة الجاه بل قضاء إظهار الحق والعدل , ولكن الله تعالى قرن به معنى شهوة الجاه ليرغب فيه المطيع والعاصي فيكون الكل تحت طاعته والانقياد لأمره، وبذلك يكون الزواج موافقة لمراد الله التشريعي والتكويني.
أن منفعة العبادة قاصرة على العابد بخلاف منفعة النكاح فإنها لا تقتصر على الناكح بل تتعدى إلى غيره وما يكون أكثر نفعا فهو أفضل.
القول الثاني: أن التخلي لعبادة الله تعالى أفضل إلا أن تتوق نفسه إلى النساء , ولا يجد الصبر على التخلي لعبادة الله، واستدلوا على ذلك بما يلي قوله تعالى في الثناء على يحي - عليه السلام -: ﴿ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا ﴾ (آل عمران:39)، فقد مدح يحيى - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان حصورا، و الحصور هو الذي لا يأتي النساء مع القدرة على الإتيان فدل أن ذلك أفضل.
أن النكاح من جنس المعاملات حتى يصح من المسلم والكافر , والمقصود به قضاء الشهوة, وذلك مما يميل إليه الطبع فيكون بمباشرته عاملا لنفسه , وفي الاشتغال بالعبادة هو عامل لله تعالى بمخالفة هوى النفس.
أن فيه اشتغالا بما خلقه الله تعالى لأجله , كما قال الله تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي﴾ (الذاريات:56)
فكان هذا أفضل إلا أن تكون نفسه تواقة إلى النساء فحينئذ في النكاح معنى تحصين الدين والنفس عن الزنا كما قال عمر - رضي الله عنه - : أيما شاب تزوج فقد حصن ثلثي دينه فليتق الله في الثلث الباقي فلهذا كان النكاح أفضل في حقه.
الترجيح:
لا ريب أن القول الأرجح في المسألة هو ما عليه جمهور الفقهاء من فضل الزواج على التفرغ للعبادة، لأن العبادة بمعناها الحقيقي الكامل لا تقتصر على الشعائر التعبدية، بل تتعداها إلى كل مناحي الحياة بما فيها تكوين أسرة مسلمة صالحة.
وقد نص على هذا الترجيح الغزالي بعد بيانه لفوائد وآفات الزواج فقد تساءل بعد بيانها :
فإن قلت: فمن أمن الآفات فما الأفضل له: التخلي لعبادة الله، أو النكاح؟
ثم أجاب: يجمع بينهما، لأن النكاح ليس مانعاً من التخلي لعبادة الله من حيث إنه عقد، ولكن من حيث الحاجة إلى الكسب، فإن قدر على الكسب الحلال فالنكاح أيضاً أفضل، لأنّ الليل وسائر أوقات النهار يمكن التخلي فيه للعبادة، والمواظبة على العبادة من غير استراحة غير ممكن، فإن فرض كونه مستغرقاً للأوقات بالكسب حتى لا يبقى له وقت سوى أوقات مكتوبة والنوم والأكل وقضاء الحاجة، فإن كان الرجل ممن لا يسلك سبـيل الآخرة إلا بالصلاة النافلة أو الحج وما يجري مجراه من الأعمال البدنية فالنكاح له أفضل، لأن في كسب الحلال والقيام بالأهل والسعي في تحصيل الولد والصبر على أخلاق النساء أنواعاً من العبادات لا يقصر فضلها عن نوافل العبادة وإن كان عبادته بالعلم والفكر وسير الباطن، والكسب يشوّش عليه ذلك، فترك النكاح أفضل
ولكن هذه الحالة التي يذكرها الغزالي، والتي قد تمنع السالك طريق العلم والتدبر من الزواج حالة مؤقتة، وهي حالة الضعف، والأكمل منها حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد نص الغزالي على ذلك بقوله :
(فإن قلت: فلم ترك عيسى - عليه السلام - النكاح مع فضله؟ وإن كان الأفضل التخلي لعبادة الله فلم استكثر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من الأزواج؟ فاعلم أنّ الأفضل الجمع بينهما في حق من قدر ومن قويت منته وعلت همته فلا يشغله عن الله شاغل، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - أخذ بالقوّة، وجمع بـين فضل العبادة والنكاح، ولقد كان مع تسع من النسوة متخلياً لعبادة الله، وكان قضاء الوطر بالنكاح في حقه غير مانع، كما لا يكون قضاء الحاجة في حق المشغولين بتدبـيرات الدنيا مانعاً لهم عن التدبير، حتى يشتغلون في الظاهر بقضاء الحاجة وقلوبهم مشغوفة بهممهم غير غافلة عن مهماتهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلوّ درجته لا يمنعه أمر هذا العالم عن حضور القلب مع الله تعالى، فكان ينزل عليه الوحي وهو في فراش امرأته، أما عيسى - عليه السلام - فإنه أخذ بالحزم لا بالقوّة، واحتاط لنفسه، ولعل حالته كانت حالة يؤثر فيها الاشتغال بالأهل، أو يتعذر معها طلب الحلال، أو لا يتيسر فيها الجمع بين النكاح والتخلي للعبادة فآثر التخلي للعبادة، وهم أعلم بأسرار أحوالهم وأحكام أعصارهم في طيب المكاسب وأخلاق النساء، وما على الناكح من غوائل النكاح وما له فيه، ومهما كانت الأحوال منقسمة حتى يكون النكاح في بعضها أفضل وتركه في بعضها أفضل، فحقنا أن ننزل أفعال الأنبـياء على الأفضل في كل حال).
وقد رد في موضع آخر على من يعتبر ترك الزواج زهدا وتقربا لله، بقوله:
(فإن علم أن المرأة لا تشغله عن ذكر الله ولكن ترك ذلك احترازا من لذة النظر والمضاجعة والمواقعة، فليس هذا من الزهد أصلا، فإن الولد مقصود لبقاء نسله وتكثير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من القربات، واللذة التي تلحق الإنسان فيما هو من ضرورة الوجود لا تضره إذا لم تكن هي المقصد والمطلب، وهذا كمن ترك أكل الخبز وشرب الماء احترازا من لذة الأكل والشرب، وليس ذلك من الزهد في شئ ،لأن في ترك ذلك فوات بدنه فكذلك في ترك النكاح انقطاع نسله، فلا يجوز أن يترك النكاح زهدا في لذته من غير خوف آفة أخرى).
ولأجل هذا الاختلاف بين أحوال الناس قوة وضعفا لا ينبغي الإنكار على من تأخر زواجه بسبب انشغال بعبادة من العبادات إن لم يكن قصده من ذلك التنطع والرهبانية، قال الصنعاني بعد إيراده لحديث الثلاثة السابق ذكره:
(يحتمل أن تكون هذه الكراهة للتنطع , والغلو في الدين وقد يختلف ذلك باختلاف المقاصد فإن من ترك اللحم - مثلا - يختلف حكمه بالنسبة إلى مقصودة , فإن كان من باب الغلو والتنطع , والدخول في الرهبانية: فهو ممنوع مخالف للشرع وإن كان لغير ذلك من المقاصد المحمودة , كمن تركه تورعا لقيام شبهة في ذلك الوقت في اللحوم , أو عجزا , أو لمقصود صحيح غير ما تقدم لم يكن ممنوعا)
ثم عقب على ذلك بقوله: :(ولا شك أن الترجيح يتبع المصالح , ومقاديرها مختلفة وصاحب الشرع أعلم بتلك المقادير فإذا لم يعلم المكلف حقيقة تلك المصالح , ولم يستحضر أعدادها: فالأولى اتباع اللفظ الوارد في الشرع).
 
أعلى