العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد المذاهب الفقهية في شبه القارة الهندية وأثرها في إثراء الفقه الإسلامي

إنضم
24 فبراير 2013
المشاركات
12
التخصص
الفقه والأصول
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
كل المذاهب الفقهية السنية
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإيمان وإحسان إلى يوم الدين.​
أما بعد فإن الدعوة الإسلامية التي اشتعلتْ جذوتها في بطحاء مكة – شرَّفها الله تعالى – على رفات الجاهلية، ووصل لهيبها إلى أرجاء الدنيا عن طريق دعاتها في غضون نصف قرن، واستدفأ بدفئها المنعِش المعذَّبون والمنعَّمون من أمم الدنيا على حد سواء، ودخل في دين الله تعالى أقوم وشعوب لا يعدّهم عدٌّ، ولا تحصيهم يد، وسيطرتْ على القلوب الظمأى، المتعطشة إلى نور الوحي، سيطرة ليلى العامرية على قلب قيس بن الملوح، ولم تبقَ أمة من أمم الأرض إلا وتشرف بعض أفرادها، قلة أو كثرة، بقبول هذه الهداية الربانية الخاتمة، وفتحوا قلوبهم لاستيعاب دعوتها، وعقولهم لفهم نصوصها، وجوارحهم لتطبيق أحكامها، وكرَّسوا حياتهم لنشر هذا الدين العظيم، وافتدوا بأرواحهم في الدفاع عن بيضته، والذود عن حماه؛ ليعمَّ الخير، وينِمَّ العدل، وليخرُج الناس من الظمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها([1])، وليكون الناس عبيداً لله تعالى بالاختيار كما قد خلقهم عبيداً له بالاضطرار([2]).
ولم يتخلف الإنسان الهندي القديم عن هذه المسيرة الإنسانية المباركة، بل كانوا في طليعة القافلة الإيمانية ومقدمتها في المشرق، ودخلوا في الإسلام عن طريق الدعاة التجار والغزاة الأبرار، وأصبحوا جزءاً مهماً من جسم العالم الإسلامي الحيّ، فشاركوا في بناء الحضارة الإسلامية العالمية، وأدلوا بدلوهم في تشييد صرحها الشامخ، وسابقوا في حلبة الدعوة والجهاد، وفازوا، في كثير من الأحيان، بحظ وافر من غنائم الاستباق إلى الخيرات، واختلط الإسلام بشحومهم ولحومهم، وسرتْ الحماسة الإيمانية والغيرة الدينية في عروقهم ودمائهم، ونازلوا أعداء الإسلام في جميع الميادين، ميادين الجهاد والقتال، وميادين الدعوة والإرشاد، وميادين التصنيف والتأليف، وميادين التفقيه والتأصيل([3])، وتلك مآثر ومفاخر لنا، نحن المسلمين، يستدعي تدوينها وكتابتها آلاف الصفحات وعشرات المجلدات، وقد كتب العلماء والمؤرخون، فعلاً، في كل تلك النواحي بإجمال وتفصيل، يرجع إليها من يريدها، وفي هذه العجالة نتحدث عن مآثر العلماء الهنود وخدماتهم في مجال الفقه الإسلامي بجوانبه المختلفة، ومذاهبه المتنوعة.
ولمَّا كانت الهند القديمة مترامية الأطراف، متباينة الجوانب، ضاربة في مساحة واسعة من الأرض، وتنوعتْ تضاريسها الطبيعية، واختلفتْ مذاهب الدعاة والمصلحين، والعلماء، والفقهاء، والفاتحين، وكذا قُرب بعض المناطق الهندية من مراكز الحضارة الإسلامية الأخرى، كخراسان وشيراز، وبغداد، واليمن وغيرها، أثَّرتْ هذه الأسباب كلها في تنوع المذاهب الفقهية في الهند، واختلافها من مكان إلى آخر، ومن زمن إلى زمن، فكانت تلك أسباباً مؤثرة في تنوع كتاباتهم الفقهية والأصولية تبعاً لاختلاف المذاهب، وشارك كل ذلك، بطبيعة الحال، في إثراء الفقه الإسلامي العام.
وفي هذه الصفحات يحاول الباحث الضعيف، على قدر وسعه وطاقته، إلقاء الضوء على أغلب تلك المذاهب، مع ذكر نماذج من خدماتها الفقهية والأصولية بشيء من تفصيل بإذن الله تعالى، حتى يتسن لنا إيضاح أثر المذاهب الفقهية الهندية في إثراء الفقه الإسلامي.

الدراسات السابقة في الموضوع

إن الكتابات في تاريخ الهند الإسلامية الكبرى وثقافتها كثيرة ومتنوعة جداً([1])، حيث إنهاتتعلق ببقعة أخذتْ مسافة شاسعة من الأرض، كما أخذتْ أزمنة طويلة من التاريخ، فكان من الطبيعي أن تكون المؤلفات والكتب التي تتحدث عنها كثيرة، ولكن المؤلفات التي تتحدث عن موضوع البحث قليلة جداً، حيث لم يقف الباحث، مع بحثه الحثيث، على كتب أو بحوث خُصصتْ لهذا الموضوع إلا ما كان من بحث الأستاذ مشير الحق في مجلة (ثقافة الهند) الصادرة عن المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، العدد الأول من المجلد (49) سنة 1998م، وعنوانه (تطور الفقه الإسلامي في شبه القارة الهندية)، وهو بحث صغير الحجم، لا يتجاوز عدد صفحاته ثمان صفحات، وقد تحدث فيه الباحث عن بعض كتب الفتاوى الشهيرة التي ألفها علماء الهند، مثل الفتاوى التاتارخانية، والفتاوى الهندية، والفوائد الفيروز شاهية ، كما أشار إلى بعض شروحالكتب الفقهية القديمة وحواشيها، مثل الهداية للإمام المرغيناني، والوقاية لصدر الشريعة المحبوبي، وأصول البزدوي وغيرها، ويلاحظ على الكاتب المؤقر عدم الالتزام بذكر المصادر والمراجع التي رجع إليها لكتابة هذا البحث، وهذا لا ينقص من قيمة البحث بطبيعة الحال، لا سيما إذا وضعنا في عين الاعتبار قلة المصادر المتعلقة بالبحث.
وهناك كتاب قيم جداً، كتبه مؤرخ الهند الكبير العلامة عبد الحي الحسني اللكهنوي (ت: 1341هـ)، والد العلامة أبي الحسن الندوي رحمهما الله تعالى، وعنوانه: الثقافة الإسلامية في الهند([2])، وهذا الكتاب وإنْ كان عاماً بثقافة الهند العلمية إلا أنه خصَّص الفصول الثلاثة الأولى من الباب الثاني للحديث عن مؤلفات علماء الهند وفقهائها في الفقه، والأصول،والفرائض على اختلاف المذاهب، كما كتب مقدمة ضافية تحدث فيها عن انتشار العلوم الإسلامية في الشبه القارة الهندية على مدار التاريخ الإسلامي الطويل، ويُعد هذا الكتاب من أعجب الكتب المؤلفة في الثقافة الإسلامية الهندية عامة، وفهرسة كتب الفقه الإسلامي خاصة، فجزى الله تعالى مؤلفه عنا وعن جميع المسلمين كل خير، ويستغل الكاتب هذه الفرصة للتعبير عن عظيم شكره وكبير امتنانه لكل من المسؤولين في مجمع الفقه الإسلامي بالهند، ومركز الإمام أبي الحسن الندوي للبحوث والدعوة والفكر الإسلامي في لكهنو-الهند، وكذا الأستاذ الدكتور عبد الناصر المليباري الشافعي، والأخ الكريم مهدي نظام، وأخته الصغيرة رحمة نظام وغيرهم، الذين أتحفوه بمؤلفات قيمة ومعلومات مهمة ساعدتْ الباحث في إكمال هذا البحث المتواضع، فجزاهم الله تعالى عنه كل خير، وبلَّغهم إلى مقاصدهم المشروعة في الدنيا والآخرة.

مصطحات البحث
لا توجد مصطحات في البحث تحتاج إلى تعريف، ولعل الكاتب يستغل هذه الفرصةليعطي نبذة مختصرة عن المذاهب الفقهية التي انتشرتْ في الهند باختصار:
المذهب الحنفي: يُنسب إلى الإمام أبي حنفية النعمان بن ثابت الكوفي (70-150هـ)، وقد سلك الإمام في اجتهاده مسلك علماء أهل السنة والجماعة، حيث احتجَّ بالكتاب، والسنة الصحيحة، وإجماع الأمة بنوعيه،والقياس بنوعيه، وقول الصحابي، والعرف، والاستحسان، وتوسع في القياس، ولكنه لم يتجاوز حدود الشرع الحنيف في ذلك، وكان لا يخرج عن أقوال الصحابة، ويقدم الحديث الضعيف وفقه الصحابي على القياس، وأشهر علماء المذهب بعد الإمام: الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (13-82هـ)، والإمام محمد بن الحسن الشيباني (131-189هـ) والإمام زفر بن هذيل (110-158هـ)، وهو أكثر المذاهب الإسلامية انتشاراً في شبه القارة الهندية.
المذهب الشافعي: يُنسب إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (150-204هـ)، وقد سلك الإمام في اجتهاده مسلك الجمع بين مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي، وأخذ بالكتاب، والسنة الصحيحة، والإجماع الثابت، والقياس الجلي، ولا يأخذ بمذهب الصحابي، كما لا يأخذ بالاستحسان، ومن أشهر العلماء في المذهب: الإمام إسماعيل بن يحيى المُزني (175-264هـ)، والإمام الربيع بن سليمان المرادي (147-270هـ)، والإمام يوسف بن يحيى البويطي (ت: 231هـ)، وهو المذهب الذي يلي المذهب الحنفي انتشاراً في شبه القارة الهندية.
مذهب أهل الحديث: يُنسب إليه العلماء الذين يرون عدم جواز التقليد الشخضي، ويسلكون مسلك أهل السنة والجماعة في الأخذ بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، والقياس الجلي، ومذهب الصحابي والسلف، والاجتهاد، وأشهر علمائه في الهند: المجاهد الكبير السيد الشهيد أحمد بن عرفان، والعلامة الشهيد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، والعلامة صديق حسن خان القِنَّوْجي، وهذا المذهب أقل المذاهب السنية انتشاراً في شبه القارة الهندية.

توطيد قدم الفقه الإسلامي في الهند

دخل الفقه الإسلامي في القارة الهندية منذ دخلها الإسلام، وأرسى قاعدتَه مع مرور الأيام، وقد جدَّ العلماء والفقهاء وكدُّوا في سبيل ترسيخ أسسه وتشييد مبانيه،كما قام السلاطين والأمراء بدورهم المهم في دفع عجلة الفقه الإسلامي إلى الأمام، فانتشرت المذاهب الفقهية في أقطارها، وكُتبتْ الكتب والمؤلفات الفقهية، وأسِّستْ المدارس والزويا العلمية، وأتى الفقه الإسلامي أكُله بإذن ربه، وقام بدوره في التشريع والتقنين، ويحاول هذا المبحث أن يلقي الضوء على هذا الجانب بشيء من تفصيل، مع كشف المفهوم الجغرافي للهند، ويحتوى المبحث على ثلاثة مطالب.

الهند في المصطلح البحثي


إن نظرة سريعة في أدبيات التاريخ القديم تجعل القارئ مرتبكاً في تحديد مفهوم الهند الجغرافي، لكونها غير واضحة المعالم والحدود، ففي حين نرى بعض الباحثين يوسِّعون في مفهوم الهند لتضمَّ جنوب شرق آسيا كلها([1])، ولتدخُل فيها إندونيسيا وماليزيا وغيرهما من البلدان المعاصرة، ولا شكَّ أن هذا مفهوم موسَّع جداً، سببه التشابه بين بعض الظواهر الاجتماعية والثقافية بين أهالي هذه البلاد، هذا من جانب، ومن جانب آخر نرى فريقاً آخر من الكُتاب والباحثين يضيِّقون في مفهوم الهند حتى تنحصر فيما بين نهر السند غرباً إلى نهر بَرَاهَما بُتْرا شرقاً([2])، حتى تخرج منها المدن الهندية الشهيرة كملتان وبنجاب وبلوشِسْتان الحالية، ولعل السبب في هذا الاختلاف يرجع إلى عامل السياسة، وقوتها وضعفها، حيث تتسع حدود الهند تبعاً للحملات العسكرية وسيطرتها على الأماكن الجديدة التي تُدار من قَبل ملوك الهند، وإذا أعرضنا صفحاً عن السعة والضيق في المفهوم الجغرافي للهند نجد أكثر الباحثين والمؤرخين([3]) يحدِّدون الهند بأنها: المناطق الواقعة بين جبال هِمَالَيَا الشامخة شمالاً وحتى بحر الهند جنوباً، وكذا جبال آسام العالية شرقاً حتى جبال هِنْدُكُوشْ وما جاورَها من المناطق غرباً، هذه هي حدود الهند التاريخية القديمة، أما بالنسبة لهذه الدراسة فيُقصد بالهند: شبه القارة الهندية التي تضم باكستان وبنغلاديش ونيبال والهند الحالية.

دخول المذاهب الفقهية في الهند

سبقتْ الإشارة إلى أن الإسلام الداعي([4]) سبق الإسلام الفاتح إلى الهند([5]) عن طريق الدُعاة والتُجار، فدخل بعض أهل الهند في الإسلام، وصاحبَ ذلك دخول الفقه الإسلامي في الهند باعتباره التطبيق العملي للإسلام([6])، وتعلم المسلمون الجدد أحكام دينهم عن طريق أولئك الدعاة والتجار، وكان الفقه يسير، في تلك الفترة، على طابع الاجتهاد والاستنباط المباشر من القرآن الكريم والسنة النبوية وفتاوى المجتهدين الأوائل، دون التقليد لمذهب إمام معين، حتى تكونتْ المذاهب الفقهية، ودخل أتباعها إلى الهند بالدعوة والتجارة والفتوحات الإسلامية، ونشروا فيها تلكم المذاهب، واستوطنوا فيها، وكتبوا الكتب والمؤلفات الفقهية، ولكون أكثر هذه المؤلفات كتبتْ في الفقه المذهبي؛ لذا يحسن بنا الإشارة إلى كيفية دخول المذاهب الفقهية في الهند بشيء من تفصيل بإذن الله تعالى.
المذهب الحنفي: دخل الفقه المذهبي في الهند من قِبل خراسان وبلاد ما وراء النهر([7])، وكان أهل هذه المناطق على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، رضي الله عنه، فقاموا بنشر المذهب عن طريق الفتوى للعامة، والتدريس للخاصة، ولما غزا السلطان الكبير محمود بن سبكتكين الهند، وكان على المذهب الحنفي، انتشر المذهب الحنفي أكثر فأكثر، كما أن الفاتحين والسلاطين الذين جاؤوا من بعده، من بلاد الأتراك والأفغال والمغول كانوا، في الغالب، على مذهب الإمام أبي حنيفة، فأسسوا المدارس والزوايا، وقرروا فيها التدريس على المذهب الحنفي([8])، فانشتر المذهب تحت رعاية السلاطين والأمراء بالإضافة إلى الجهود الشخصية للفقهاء والعلماء، فألفوا الكتب في الفقه والأصول،كالتفريد في الفقه ومسلم الثبوت في الأصول، كما صنفوا الشروح والحواشي لمتون المذهب الشهيرة، كالهداية والوقاية والاختيار في الفقه، وأصول البزدوي والتوضيح والمنار في الأصول([9])، بالإضافة إلى الإفتاء، فصار المذهب الحنفي هو المذهب السائد في جميع أقطار شبه القارة الهندية، ما عدا المناطق الساحلية الغربية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض أهل البدع والخرافات، من أهل الهند، انتسبوا إلى المذهب الحنفي، ويسمون أنفسهم بـ (أهل السنة والجماعة)، ولهم أتباع وجماهير، يدافعون عنهم، ويثورون ضد كل من يخالفونهم، وقد تأثروا بخليط من عقائد الهندوسية والبوذية والشيعة الإسماعيلية، فاعتقدوا عقائد باطلة يتبرأ منها المسلم، بله الفقهاء والعلماء، وهؤلاء وإن انتسبوا إلى المذهب الحنفي غير أن أيمة المذهب الحنفي وأتباعه برآء منهم ومن أعمالهم الشنيعة([10]).
المذهب الشافعي: انتشر المذهب الشافعي في الجنوب الغربي من شبه القارة الهندية، كالمليبار ومدراس وغيرهما من المناطق، وذلك لقربها من اليمن وشيراز وغيرهما من المدن، التي كان علماؤها يتمذهبون بمذهب الإمام الشافعي، ولما سافر بعض علماء تلكم المناطق ودعاتها وتجارها إلى الهند للدعوة أو التجارة أو البحث عن مكان آمن للهروب من هجوم التتار، واستوطنوا في تلك المناطق نشروا فيها المذهب الشافعي، ودرسوا تلاميذهم كتبها، فانتشر المذهب الشافعي فيها، ثم انتقل المذهب كابراً عن كابر حتى وصل إلى يومنا هذا([11])، وقد ظهر فيهم أئمة كبار حملوا راية الفقه الشافعي عن طريق التأليف، والتصنيف، والإفتاء، والاجتهاد، نشير إلى بعضهم في المطالب القادمة.
مذهب أهل الحديث: يرى أصحاب مذهب أهل الحديث أنه من أقدم المذاهب الفقهية في الهند([12])، حيث كان هذا المذهب مذهبَ الصحابة والتابعين([13])، رضي الله عنهم أجمعين، وكان المسلمين الأوائل الذين دخلوا الهند، لم يلتزموا بالمذاهب المشهورة لعدم وجودها حتى ذلك الحين، ولذلك كان أهل السند والمليبار وغيرها من المدن الهندية القديمة كانوا أهل حديث([14]) في القرون الأربعة الأولى، حتى دخل إليها مذهب الشافعي، كما دخل إليها الشيعة وأهل البدع من مدن إيران، فضعُف تأثير أهل الحديث إلى أن جاء بعض كبار علماء أهل الحديث([15])، وحملوا الراية من جديد، وجددوا من مذهب أهل الحديث ما اندثر، ثم سافر بعض علماء الهند إلى الحجاز، وتأثروا بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب (1206هـ) رحمه الله تعالى ثم نشروه في الهند بعد عودتهم من الحجاز، كالإمام الشهيد السيد أحمد بن عرفان الحسني، والعلامة المجاهد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، حفيد الإمام ولي الله الدهلوي (ت:1176هـ)، وقد كتبوا مؤلفات ومصنفات قيمة أثرتْ المكتبة الإسلامية في مجال الفقه والأصول.

دور السلاطين والأمراء في مساندة الفقه والفقهاء

لا مراء بين العقلاء بأن الأمراء والسلاطين لهم دور كبير في دفع عجلات العلوم والمعرفة، والقيام بالنضهة العلمية، والصحوة المعرفية عن طريق مساندة العلماء وطلبة العلم، وتشجيعهم، وتكريمهم، وحثهم على بذل الجهد واستفراغ الوسع في درك أغوار العلم، وتقديم ما يحتاجون إليه من الرعاية والعناية الماديتين والمعنويتين، حتى قال الحافظ ابن كثير: "وكانتْ همة الوليد في البِناء، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجلَ فيقول: ماذا بنيت؟ ماذا عمَّرت؟ وكانتْ همة أخيه سليمان في النساء، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجلَ فيقول: كم تزوَّجت؟ ماذا عندك من السراري؟ وكانتْ همة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن، وفي الصلاة والعبادة، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجلَ فيقول: كم وردك؟ كم تقرأ كل يوم؟ ماذا صليت البارحة؟والناس يقولون: الناس على دين مليكهم، إن كان خماراً كثُر الخمر ..."([16])، ولم يشذّ أهل الهند عن هذه القاعدة، فقد كان سوق الفقه الإسلامي نافقاً في الهند تحت رعاية السلاطين والأمراء الذين كانوا يشجعون الفقهاء، ويقدرونهم، ويوفرون لهم الحوائج المادية والمعنوية، في حين كسد سوق الفقه في ظل السلاطين الضعفاء الجهلاء الذين لم يقدروا أهل العلم، ولم يأخذوا بأيدي الفقهاء وطلبة العلم، ولعلنا نذكر نماذج من أولئك السلاطين الأعلام، الذين كانوا حملة رايات الجهاد والعلم في آن واحد، وقد ازدهرتْ حركة التأليف والتصنيف في الفقه الإسلامي تحت حكمهم، وانبرى الفقهاء للإفتاء والاجتهاد في عصرهم، وسنكتفي بذكر جوانب حياتهم المتعلقة بالفقه والفقهاء دون غيرها من الأعمال.

السلطان محمود بن سُبُكْتُكِين:[SUP](فترة الحكم: 388-421هـ الموافق 998-1030م)[/SUP] هو السلطان الكبير فاتح الهند الكبرى يمين الدولة أبو القاسم محمود بن الأمير ناصر الدين أبو منصور سبكتكين([17])، وُلد سنة 361هـ، وتولى الحكم في إمارة غَزْنة، في أفغانستان الحالية، بعد وفاة أبيه، وكان طموحاً شجاعاً ذا حنكة سياسية وعسكرية، وذا غيرة دينية، أحبَّ توسيع حدود دولته، ففرض على نفسه غزو الهند، وقاد سبع عشرة حملة عسكرية إليها في ست وعشرين سنة، وافتتح خلالها أغلب مدن الهند الشهيرة، التي لم يفتحها مسلم قط([18])، وحطَّم معبد الهندوس الشهير سُومْناتْ، كما استولى على ممالك خراسان، وقضى على الإمارة الإسماعيلية في السند، فأرسل إليه الخليفة القادر بالله خلعة السلطنة، ولقبه بـ يمين الدولة([19])، وتوفي سنة 421هـ.
كان مجلسه مورد العلم والفقه، ويحضره العلماء والفقهاء، ويسمع إلى أحاديثهم ويسألهم، ويناظرهم، ويدخل في النقاشات العلمية معهم، حتى عدَّه القرشي من فقهاء الحنفية([20])، كما عدَّه السبكي من أعيان فقهاء الشافعية([21])، ولعل السبب في ذلك استحضاره وتبحره في المذهبين، وقد اشتهر بإكرام العلماء والفقهاء، وتعظيمهم، والإحسان إليهم، وقد صنَّف بنفسه كتباً، منها كتاب (التفريد في الفقه الحنفي) ذكر فيه ستين (60) ألف مسألة، وقد نقل منه برهان الدين عالم بن العلاء الدهلوي في فتاواه الشهيرة بـ (الفتاوى التاتارخانية) مسائل كثيرة، وكان كتابا مشهورا بين أبناء ذلك الزمان([22])، وهو أول من بنى المدراس الإسلامية في الهند.

السلطان شمس الدين أَلْتَمَشْ: [SUP](فترة الحكم: 607-633هـ الموافق 1210-1236م) [/SUP]هو السلطان شمس الدين أبو المظفر بن إِيلَمْ خان، ثالث سلاطين المماليك في سلطنة دهلي، ويعد المؤسس الحقيقي لها([23])، كان تركي الأصل، وكان زكيا عاقلا جميلا منذ الصغر، فحسده أقاربه (إخوته أو أعمامه) وباعوه إلى بعض التجار المسافرين إلى بخارى، فباعوه لبعض أقارب أمير بخارى، وتربى في كنفه كأحد أبنائه، ثم اشتراه منه السلطان قطب الدين أَيْبِكْ، وأعتقه وزوجه ابنته، وولاه المناصب العليا في الدولة والجيش، ولما مات السلطان استشار قاضي قضاة دهلي مع الأمراء والقادة، فولوه سلطنة دهلي سنة 607هـ، وقام باستحكام الحكم عن طريق الحروب الطاحنة التي خاضها مع الكفار والمسلمين الثائرين عليه على حد سواء، كما استطاع بصد هجمات المغول([24])، فاستتبَّ له الأمر في سائر ولايات السلطنة، فأرسل إليه الخليفة المستنصر بالله العباسي خلعة السلطنة سنة 626هـ، وتوفي سنة 633هـ بعد مرض دام عشرين يوماً([25]).
كان ألتمش شجاعاً جواداً كريماً محباً للعلم والعلماء والفقه والفقهاء، وكان يبذل مبالغ طائلة في كل سنة لجمع كبار العلماء والقادة من أنحاء العالم الإسلامي([26])، فيستمع إليهم، ويناقشهم، ويستشيرهم، ويأخذ عنهم، وكانتْ سلطنته مأوى العلماء والفقهاء من هجوم المغول، تحت قيادة تيمور لنك، من جميع أرجاء العالم الإسلامي، فآواهم السلطان في دهلي، وقرر لهم رواتب جزيلة من خزانته، كما حفظ بذلك كثيراً من الكتب والمؤلفات والمخطوطات من الضياع والعبث([27])، ومع كثرة انشغال السلطان بالمعارك والحروب لتثبيت الحكم في مملكته الواسعة إلا أنه لم يغفل عن الاهتمام بالعلم والعلماء، ويُعد عصره عصر النهضة العلمية والثقافية والتنمية العمرانية في تاريخ الحكم الإسلامي في الهند عامة، وفي سلطنة دهلي خاصة، ومن آثاره قطب مِنَارْ (المنارة القطبية) الشهير، وقد بناه باسم الشيخ الصالح قطب الدين الكعكي(ت: 633هـ)([28])، الذي يعد من أورع آثار العمارة الإسلامية في الهند إلى يومنا هذا، ويزوره مئات الآلاف من الزوار والسُّياح من جميع أنحاء العالم، ويستذكرون أيام الإسلام الخالدة في الهند الإسلامية، ومن شدة حبه وحرصه في إكرام العلماء والفقهاء أنه كان يزور العلماء والمشايخ وكبار الزهاد يوم الجمعة من كل أسبوع، ويكرمهم ويجلهم، وقد بلغ مبلغ حبه للفقهاء أن زوَّج ابنته (فتحة سلطانة) من الشيخ محمود بن محمد الدهلوي، الملقب بـ (قوام الدين)، وكان أحد كبار الفقهاء البارزين في عصره([29])، كما كان له علاقة وطيدة مع القاضي الكبير عثمان بن محمد الجوزجاني([30])، والقاضي منهاج الدين صاحب طبقات أكبري وغيرهم من الفقهاء الكبار والعلماء الأعلام، وقد بنى مدارس وزوايا لنشر العلم في أنحاء مملكته.

السلطان غياث الدين أعظم شاه:[SUP]( فترة الحكم: 792-814هـ الموافق 1390-1411م) [/SUP]هو الملك المؤيد السلطان أبو المظفر أعظم شاه بن إسكندر شاه بن شمس الدين السجستاني الملقب بـ (غياث الدين)([31])، وهو ثالث سلاطين الأسرة الإلياسية في مملكة البنغال، درس على يد الشيخ حميد الدين أحمد الحسيني الناغوزي([32]) وغيره، وتولى الحكم بعد أبيه سنة 792هـ، كان من خيار السلاطين، ذا صيت في الآفاق، كما كان عالما وفقيهاً، فقصده العلماء والفضلاء من بلاد بعيدة لما عرِف به من حب العلم والمعرفة، وكان يكرم العلماء والفقهاء والشعراء ويعظمهم([33])، وقد أرسل إلى الخليفة العباسي المستعين بالله العباسي مالاً جزيلاً وهدية كثيرة، وطلب منه السلطنة([34])، وقد ازدهرتْ حركة التعليم والتفقيه والتربية في عهده، وانتشرتْ المدارس في أقطار المملكة، وقد روى المؤرخون([35]) أنه أرسل خادمه ياقوت العنابي بمبلغ كبير من المال بإشارة من وزيره خان جهان، ليبني بها مدرسة ورباطاً في مكة المكرمة، كما أرسل معه بهدية إلى الشريف حسن بن عجلان، شريف مكة المكرمة آنذاك، وإلى الفقهاء والمرابطين في الحرم، وقد اشترى ياقوت المذكور دارين متلاصقتين عند باب أم هانئ، وبنى مدرسة وسماها المدرسة البنكالية([36]) سنة 814هـ، وقرر لها أربعة مدرسين يدرسون الفقه على المذاهب الأربعة، كما بنى رباطا للمرابطين وأبناء السبيل بجوارها، وقد اشترى أصيلين وأربع رحبات في مرادة عين الركاني([37])، ووقفها على المدرسة والرباط ليُصرف ريعها في مصاريفهما، وقد بلغت نفقات هذه الأعمال اثني عشر ألفاً وخمسمائة (12500) مثقالاً ذهبياً، كما أرسل وزيره خان جهان خادمه حاجي إقبال بصدقات كبيرة لأهل المدينة المنورة، وهدية لأمير المدينة جماز الحسيني، كما أعطاه مبلغاً من المال لبناء مدرسة ورباط فيها، وقد ذكر الحاظ ابن حجر أن هذه المدرسة قد تمَّ بناؤها باسم المدرسة البنغالية عند باب السلام([38]) في حين يرى الحسني أن البناء لم يتم لغرق السفينة التي امتطى عليها حاجي إقبال بالقرب من مدينة جُدة([39])، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، وتوفي السلطان سنة 814هـ.

خدمات فقهاء الهند الفقهية والأصولية

سبق الحديث عن الهند، وكيفية دخول المذاهب الفقهية فيها، ودور السلاطين والأمراء في تشجيع النهضة الفقهية من المذاهب المختلفة، وفي هذا المبحث نستعرض دور فقهاء المذاهب في بناء الصرح الفقهي الشامخ الذي أثرى المكتبة الفقهية الإسلامية في جوانبها المتعددة، ويحتوى هذا المبحث على ثلاثة مطالب.

نماذج من خدمات فقهاء المذهب الحنفي


سبقتْ الإشارة إلى أن المذهب الحنفي هو المذهب السائد في أغلب المناطق الهندية، وذلك لما بذله فقهاؤه الكرام من الجهد الكبير في نشر المذهب على مستوى الشعب، ولما لاقاه هذا المذهب من الحفاوة والرعاية من البلاط السلطاني والأميري؛ لذا نجد الآثار الفقهية الهندية أكثرها تتركز في خدماتهم الجليلة ومآثرهم النبيلة، ونجد مصنفي الفهارس الفقهية والأثبات العلمية ذكرواعشرات الكتب الفقهية والأصولية، ومئات الشروح والحواشي على المتون الفقهية والأصولية على طول التاريخ وعرض الهند، ولعلنا نكتفي بذكر نماذج من تلك الكتب ونحيل القارئ المحب لاستقراء تلك الكتب على مراجعها ومظانها([40]):
كتب فقهية أصيلة: تيسير الأحكام (بالفارسية) للقاضي شهاب الدين الدولة آبادي، وفتح المنان في تأييد مذهب النعمان للمحدث الكبير عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي، وكنز السعادة للشيخ معين الدين بن خاوند الكشميري، وما لا بد منه (بالفارسية) للعلامة القاضي ثناء الله الفانيفتي، وكتاب الفروع من ذكر الدلائل والخلاف بين المذاهب الأربعة للقاضي ثناء الله المذكور، وبهشتي زيْيُور (حلي الجنة كتاب مبسط في الفقه) للعلامة أشرف علي التهانوي، وإعلاء السنن (في تأييد مذهب الإمام أبي حنيفة بالأدلة والآثار) للعلامة المحدث الكبير ظفر أحمد العثماني في (21) مجلد كبار،والفقه الميسر للشيخ شفيق الرحمن الندوي وغيرها من الكتب الكثيرة.
كتب شروح أو حواشٍ فقهية: شرح الهداية للشيخ حميد الدين مخلص الدهلوي، وشرح الهداية للشيخ خُدادَادْ الدهلوي، وحاشية الهداية للشيخ حسين بن عمر العريضي الغياثبوري، وحاشية الهداية للعلامة الشرف بن إبراهيم السِّماني، وحاشية الهداية للمفتي عبد السلام الأعظمي الديوي، وحاشية شرح الوقاية للعلامة وجيه الدين العلوي الكجراتي، والسعاية في شرح الوقاية للعلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي، وحاشية شرح الوقاية للمفتي يوسف بن محمد أصغر اللكهنوي، والحل الضروري شرح مختصر القدوري للشيخ عبد الحميد بن عبد الحليم اللكهنوي، وملتقط الحقائق شرح كنز الدقائق للشيخ عناية الله الجعفري، وأحسن المسائل شرح كنز الدقائق ب(الأردية) للشيخ محمد أحمد النانوتوي، ومعدن الحقائق شرح كنز الدقائق للشيخ محمد حنيف الغونغوهي،والشرح الشاهي شرح خلاصة الكلداني للشيخ فيض الحسن الكجراتي، وشرح خلاصة الكلداني للشيخ محمد عابد اللاهوري، وشرح خلاصة الكلداني للشيخ محمد حسن السنبهلي، وحاشية الدر المختار للشيخ عبد الحق بن شاه محمد الإله آبادي المهاجر المكي، وشرح مواهب الرحمن للشيخ جمال الدين عبد اللطيف الكجراتي، وحاشية الملا مهنة للشيخ محمد دين البنجابي (لم يكمل) وغيرها من الشروح والحواشي الفقهية.
كتب ورسائل في قضايا فقهية: نصاب الاحتساب للقاضي ضياء الدين عمر بن عوض السُّنَّامي، وآداب الحسبة للشيخ عصمة الله السهارنبوري، وغاية الكلام في القراءة خلف الإمام (بالفارسية) للشيخ محمد معين بن ملا مبين اللكهنوي، وإسكات المعتدي في القراءة خلف الإمام للشيخ شبل بن حبيب الله الأعظمنغري، والدليل الأقوى في القراءة خلف الإمام (بالفارسية) للشيخ أحمد علي بن لطف الله السهارنبوري، وإمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام للعلامة عبد الحي اللكهنوي، والإسلام والسياسة للعلامة أشرف علي التهانوي، وحكم استعمال مكبرات الصوت للمفتي الأعظم فيض الله البنغالي، ورفع الاعتساف في أحكام الاعتكاف له، وأحكام الدعوات المروجة خلف الصلوات المكتوبة له أيضا وغيرها من الكتب والمؤلفات الكثيرة المنتشرة في أرجاء القارة الهندية.
كتب في الفتاوى:كتب فقهاء الهند كثيرا من المؤلفات في الفتاوى، وجُمع بعضها من قبل الآخرين، ومن أعظم تلك المجاميع الفقهية في الفتاوى:(الفتاوى الهندية)، ألفه لفيف من كبار فقهاء الهند تحت إشراف الفقيه الكبير نظام الدين البرهانوي بأمر من الإمبراطور المغولي المجاهد العالم أورنغ زِيبْ، وصرف فيه مائتي ألف روبية، وقد قسمه الشيخ البرهانوي إلى أربعة أقسام، ثم وزعها بين أربعة فقهاء، وهم: الشيخ القاضي محمد حسين الجونْ بوري المحتسب، والشيخ علي أكبر الحسيني أسعد الله خاني، والشيخ حامد بن أبي الحامد الجون بوري، والمفتي محمد أكرم اللاهوري، كما اشترك معهم آخرون، ورتبتْ الفتاوى على ترتيب كتاب الهداية للإمام برهان الدين المرغيناني (597هـ)، واقتصرتْ على ظاهر الرواية فيما وجد فيها، وإلا أخذ من كتب النوادر ما كان موسوما بعلامة الترجيح، وعزيتْ المسائل إلى مصادرها الأصلية، وهو كتاب حافل كبير، اهتم به الفقهاء والمفتون وطلبة العلم قديماً وحديثاً، ويعد من أوائل القوانين الإسلامية المقنَّنة. ومن كتب الفتاوى أيضا: كتاب (الفوائد الفيروز شاهي) باللغة الفارسية، ألف الفقيه الملا محمد العطاري بأمر من السلطان فيروز شاه الدهلوي، ويوجد منها مخطوطة في مكتبة آزاد التابعة لجامعة عليكرة الإسلامية، ومجموعة الفتاوى التاتارخانية للإمام فريد الدين عالم بن العلاء الدهلوي (ت: 786هـ) بأمر من الأمير تاتار خان في عهد السلطان فيروز شاه، وقد طبعتْ هذه الفتاوى في عشرين (20) مجلداً كبيراً بتحقيق الشيخ المفتي شَبِّير أحمد القاسمي من مكتبة زكريا بديوبند: الهند، وقم احتوتْ على (33778) مسألة، وخزانة الروايات للقاضي جِغَة الحنفي الكجراتي، والفتاوى الحمادية للمفتي أبي الفتح ركن الدين بن حسام الدين الناغوري، الفتاوى الضيائية للقاضي ضياء الدين عمر بن عوض السنامي، ومطالب المؤمنين للشيخ بدر الدين بن تاج الدين اللاهوري، والفتاوى التورانية للشيخ محمد بن محمود بن أبي سعد السندي، والفتاوى النقشبندية للشيخ معين الدين خاوند محمود الكشميري، والسراج المنير للمفتي تابع محمد بن المفتي محمد سعيد اللكهنوي، والفتاوى العزيزية للمحدث الكبير عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، والشيخ عبد الله بن هبة الله الدهلوي والشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، وقد جمعه الشيخ كريم الله بن خليل الله الكشميري([41])، وكذا إمداد الفتاوى للعلامة أشرف علي التهانوي، وأحسن الفتاوى للمفتي رشيد أحمد، والفتاوي الفيضية للمفتي الأعظم فيض الله البنغالي وغيرها من مجموعات الفتاوى الكثيرة المنتشرة في ديار الهند.
كتب أصول أصلية: مسلم الثبوت للأصولي الكبير محب الله بن عبد الشكور البهاري (ت: 1119هـ)،وأساس الأصول للشيخ عبد الدائم بن عبد الحي الغواليَري، والمفسر وشرحه (محكم الأصول) للشيخ أمان الله بن نور الله البنارسي، ومختصر الأصول (بالأردو) للحكيم نجم الغني الرامبوري، وإزالة الغواشي في أصول الفقه (بالأردو) للشيخ مشتاق أحمد الأنبيتهوي، وكتاب بسيط في الأصول لقاضي القضاة عبد الرحيم الكلكتوي،ومبادئ الأصول للشيخ سعيد أحمد البالنبوري، والتسهيل في علم الأصول للشيخ عبد الحليم البخاري البنغلاديشي وغيرها من الكتب الأصولية.
كتب شروح وحوشٍ أصولية: شرح أصول البزدوي للقاضي شهاب الدين أحمد بن عمر الدولة آبادي، وشرح البزدوي للشيخ سعد الدين الخيرآبادي، وشرح البزدوي للشيخ إله داد الجونبوري، وشرح الحسامي ليعقوب أبي يوسف البناني، وشرح الحسامي لسعد الدين الخيرآبادي، والنامي شرح الحسامي للشيخ عبد الحق بن محمد مير الدهلوي، وحاشية على الحسامي للقاضي عبد الغني الأحمد نغري، وإضافة الأنوار في إضاءة أصول المنار للشيخ سعد الدين محمود الدهلوي، وتوجيه الكلام شرح المنار للسيد يوسف بن جمال الملتاني، ونور الأنوار شرح المنار للعلامة أحمد بن أبي سعيد الصالحي المعروف بـ ملاجيون، وقمر الأقمار حاشية نور الأنوار للشيخ عبد الحليم بن أمين الله، وحاشية التلويح على التوضيح للشيخ وجيه الدين العلوي الكجراتي، والتصريح حاشية التلويح للشيخ عبد الله بن عبد الحكيم السيالكوتي، والدوار شرح الدائر للقاضي خليل الرحمن الرامبوري، وشرح التحرير للكمال ابن الهمام للشيخ الكبير نظام الدين السهالوي، وتكملته لولده الشيخ عبد العلي، ونور الحواشي شرح أصول الشاشي للشيخ محمد نور الإسلام البنغالي،وفواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت للعلامة عبد العلي بن نظام الدين السهالوي، ونفائس الملكوت شرح مسلم الثبوت للشيخ ولي الله بن حبيب الله اللكهنوي، وكشف المبهم شرح المسلم للقاضي بشير الدين القنوجي وغيرها من الشروح والحواشي على أصول البزدوي، والتوضيح، والمنار، ونور الأنوار، وأصول الشاشي ومسلم الثبوت وغيرها من الكتب الأصولية المشهورة.
كتب في قضايا أصولية: عقد الجيد في أدلة الاجتهاد والتقليد للإمام ولي الله الدهلوي، والإنصاف في بيان أسباب الخلاف للدهلوي، ومدار الحق في الرد على معيار الحق للشيخ محمد شاه الصديقي، وانتصار الحق في الرد على معيار الحق للشيخ إرشاد حسين الرامبوري، وأوتاد الحديد لمنكر الاجتهاد والتقليد (بالفارسية) للشيخ لطف الله اللكهنوي، وإرشاد البليد في إثبات التقليد للشيخ نصر الله خان الرامبوري، وأوشحة الجيد في تحقيق الاجتهاد والتقليد للشيخ ظهير أحسن النيموي، والتهديد في وجوب التقليد للشيخ عبد السبحان بن المحسن الناوري، وهداية الأنام في إثبات تقليد الأيمة الكرام للشيخ خادم أحمد اللكهنوي، وسيف الأبرار المسلول على الفجار في إثبات تقليد الشخص المعين للشيخ عبد الرحمن بن إدريس السِّلْهتي، والاقتصاد في الاجتهاد للعلامة أشرف علي التهانوي،وأصول الإفتاء وآدابه للشيخ محمد تقي العثماني،وتصحيح المفاهيم وتحقيق المضامين لشيخنا المفتي محمد كفاية الله إحسان الحق وغيرها من الكتب المؤلفة في الموضوع.

نماذج من خدمات فقهاء المذهب الشافعي


دخل المذهب الشافعي في شبه القارة الهندية عن طريق اليمن وعمان وشيراز وغيرها من مناطق العالم الإسلامي، ولما كانت مناطق الهند الساحلية الغربية هي القريبة من تلك المناطق فإن هذا المذهب انتشر في الجنوب الهندي، مثل المليبار ومدراس وغيرهما من المدن، ولم يتمكن المذهب الشافعي من النفوذ في المناطق الداخلية لسيطرة المذهب الحنفي هناك، ولا يعني ذلك أنه لا يوجد له أثر فيها، ولكن أثره ضعيف جداً، وقد بقي المذهب الشافعي بسيطرته القوية في المناطق الساحلية إلى يومنا هذا، وخرج منها فقهاء وأصوليون شافعيون كبار، كان لهم دور كبير في إنعاش الفقه الشافعي وأصوله، ويمكن أن نذكر هنا بعض خدمات فقهاء الشافعية من الهنود في مجال الفقه والأصول:
كتب فقهية عامة: المختصر في الفقه الشافعي للشيخ علي بن أحمد المهائمي، وكفاية المبتدي للشيخ محمد غوث بن ناصر الدين المدراسي، والمختصر للقاضي عبيد الله بن صبغة الله المدراسي،والفوائد الغوثية للشيخ عبد الله بن صبغة الله المدراسي، والفوائد الصبغية في فقه الشافعية للشيخ عبد الله بن صبغة الله المدراسي، والمختصر في الفقه للشيخ أحمد بن صبغة الله المدراسي، وتحفة الإخوان للشيخ إبراهيم بن عبد الأحد السورتي وغيرها من الكتب والمؤلفات.
كتبُ شروحٍ وحواشٍ: التعليقات على مختصر أبي شجاع للشيخ محمد غوث بن ناصر الدين المدراسي، والمطالع البدرية في شرح الكواكب الدرية للقاضي صبغة الله بن محمد غوث المدراسي، وآينة التوجيه في شرح التنبيه للشيخ حبيب الله بن محمد درويش الأليوري وغيرها من الشروح والحواشي.
كتب وبحوث في قضايا فقهية: قاطعة اللسان لمن أنكر قراءة نظم القرآن للشيخ أحمد بن صبغة الله المدراسي، وتحفة المشتاق في أحكام النكاح والإنفاق للشيخ عبد القادر بن عبد الأحد السورتي، وبحور الفوائد ونحور الفرائد للشيخ محمد غوث المدراسي، وتحفة صلاحْ حاشية توشية فلاحْ في المناسك للشيخ أحمد بن صبعة الله المدراسي، والتفاوى الصبغية للشيخ أحمد بن صبغة الله المدراسي، وعمدة الرائض في الفرائض للمفتي صبغة الله المدراسي، وأوضح المناسك للشيخ عبد الله المدراسي،والفوائد الصبغية في شرح الفرائض السراجية للشيخ محمد غوث المدراسي، ومسائل في الفقه الشافعي للشيخ محمد غوث المدراسي، والأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة للشيخ أحمد زين الدين بن محمد المليباري وغيرها من الكتب والبحوث.
كتب الأصول الشافعية: نهاية الوصول في دراية الأصول للإمام صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي الهندي، والفائق في أصول الفقه للصفي الهندي، وكاشف الرموزات إلى الورقات للشيخ عبد الوهاب بن محمد غوث المدراسي، إزالة الغمة في اختلافات الأيمة للقاضي صبغة الله المدراسي، وإنعام الملك العلام بإحكام حكم الأحكام في مقاصد الشريعة للشيخ علاء الدين المهائمي وغيرها.

نماذج من خدمات فقهاء أهل الحديث الفقهية


سبقتْ الإشارة إلى أن مذهب أهل الحديث، بالمعنى الأعم، قد انتشر في الهند منذ العهد الأول، وقد لاقى هذا المذهب رواجاً كافياً ودعماً وافياً من قبل بعض الملوك والأمراء، الذين تبنوا مذهب أهل الحديث، مثل الإمام الشهيد أحمد بن عرفان الحسني، والعلامة النواب صديق حسن خان القنوجي وغيرهما من أصحاب السلطة السنية والملكة الفقهية، وقد كتب فقهاء أهل الحديث في شبه القارة الهندية كتباً ومؤلفات كثيرة في مجالات الفقة والأصول المتنوعة، ويمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:
كتب فقهية عامة: بدور الأهلية في ربط المسائل بالأدلة للعلامة صديق حسن خان القنوجي، ودليل الطالب على أرجح المطالب للقنوجي، وهداية السائل إلى أدلة المسائل للقنوجي، وفتح المغيث لفقه الحديث للقنوجي، والبيان المرصوص في إيجاز الفقه المنصوص للشيخ علي حسن وغيرها من الكتب الفقهية.
كتب شروح: الروضة الندية شرح الدرر البهية للعلامة صديق حسن خان القنوجي، والفقه المحمدي شرح الدرر البهية للشيخ إبراهيم بن عبد العلي الآروي.
كتب وبحوث في قضايا فقهية: قرة العينين في رفع اليدين للعلامة فاخر بن يحيى العباسي الإله آبادي، وتنوير العينين في رفع اليدين للعلامة المجاهد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، وقضاء الأرب عن مسألة النسب للقنوجي، وإيضاح الحجة في العمرة والحجة للقنوجي، والقول المصدوق في إثبات التشهد للمسبوق للشيخ فقير الله بن فتح الله اللكهنوي، وإثبات الجهر بالفاتحة في صلاة الجنازة للشيخ فقير الله المذكور، والموعظة الحسنة في خطبة الجمعة بكل لسان من الألسنة للشيخ فقير الله المذكور، وحل المغلقات في بيان الطلقات للشيخ عبد القادر بن عبد الله الموي، وتفريج الجنان بأحكام القيام في رمضان للشيخ عبد القادر المذكور، وجواز الأضحية إلى آخر ذي الحجة للشيخ بشير بن بدر الدين السهسواني، والبرهان العجاب في فرضية أم الكتاب للشيخ السهسواني المذكور، والكلام المبين في إثبات الجهر بالتأمين للشيخ شمس الحق الدبانوي، والنهج المقبول في شرائع الرسول للشيخ نور الحق وغيرها من الكتب والبحوث الكثيرة.
الكتب الأصولية: مختصر الأصول للعلامة المجاهد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي، وحصول المأمول للعلامة صديق حسن خان القنوجي، وشرخ مختصر أصول الدهلوي للشيخ عبد الكريم التونكي.
كتب في قضايا أصولية: السيف المسلول في ذم التقليد المخذول للشيخ عبد الله الصديقي الإله آبادي، وذخر المحتي من آداب المفتي للعلامة القنوجي، وسيف الحديث في قطع المذاهب والتقليد للشيخ عبد الله الصديقي الإله آبادي، والعروة الوثقى في اتباع سنة سيد المرسلين للشيخ عبد الله المذكور، ودراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب للشيخ عبد الله المذكور، وصمصام الحديد المسلول في قطع لغاريد البدع والرأي والمذاهب والتقليد المخذول للشيخ عبد الله المذكور، والدر الفريد في المنع من التقليد للشيخ عبد الحق بن فضل الله النيوتني، ومعيار الحق للشيخ السيد نذير حسين المحدث الدهلوي، والمنهج السديد في رد التقليد (بالفارسية) للشيخ عبد الله خان الشاه آبادي وغيرها من الكتب والبحوث.

كاتب البحث: حسين محمد نعيم الحق، طالب الدراسات العليا بجامعة قطر.

أسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل المتواضع وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخراً لي يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن ينفع به المسلمين، أمين.

(المصادر والمراجع موجودة في أصل البحث، وحُذفتْ هنا لكثرتها وطول البحث لأجلها وللحفاظ على أصل البحث وحقوقه)
 
إنضم
24 فبراير 2013
المشاركات
12
التخصص
الفقه والأصول
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
كل المذاهب الفقهية السنية
رد: المذاهب الفقهية في شبه القارة الهندية وأثرها في إثراء الفقه الإسلامي

عفوا تاريخ ميلاد الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى 80 للهجرة وليس 70 كما موجود في البحث، وكذا ميلاد الإمام أبي يوسف 113 والوفاة 182 للهجرة.
 
أعلى