العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدة

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدة
[*]

د.وهبة الزحيلي

تقديم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،وبعد:
فإن الشريعة الإسلامية تأبى في جميع نصوصها ومقاصدها الانغماس في الحرام، وتحذر من مخاطره، وتهدد أو ترهب المخالفين بالعذاب في الآخرة، وسلب الخير والبركة في الدنيا من الأعمال والأفعال والعقود والتصرفات المشتملة على الحرام، وبخاصة التورط في الربا، أيا كان نوعه في بيع (أو معاوضة) أو قرض من شخص عادي أو مؤسسة مالية (مصرف).
وتفاديا للوقوع في حمأة العصيان والمخالفة، والانغماس في وطأة الحرام، فإن البديل عن الحرام هو إباحة أي عقد مشروع لا يشتمل على الربا أو الغرر ونحو ذلك، والعمل على تجزئة الصعوبات المالية والتدرج في حل مشكلات التمويل للمشاريع المختلفة، وذلك عن طريق المشاركة الثابتة (الدائمة) أو ما يسمى بالمشاركة المتناقصة، وغير ذلك من أساليب أو أدوات الاستثمار المشروع القصيرة الأجل، كالمرابحة ، وبيع السلم ، والإجارة المنتهية بالتمليك، والاستصناع، أو الطويلة الأجل كالمضاربة والمشاركة والإجارة التشغيلية ونحو ذلك.
وتتم المشاركة بأن يقدم المشاركون المال بنسب متساوية أو متفاوتة، لإنشاء مشروع جديد: عقاري أو زراعي أو صناعي أو تعليمي؛ كإنشاء الجامعات الأهلية الجديدة، أو المساهمة في مشروع قائم، بحيث يصبح كل مشارك مالكا لحصة من رأس المال بصفة دائمة تستحق نصيبا من الأرباح، وتظل المشاركة قائمة إلى انتهاء الشركة، وقد يطرأ سبب أو ضائقة مالية تدفع أحد المشاركين إلى أن يبيع حصته في رأس المال للخروج أو التخارج من المشروع.
وقد يتفق الطرفان على الدخول فيما يسمى بالمشاركة المتناقصة، بحيث يتنازل طرف عن حصته تدريجيا مقابل سداد الشريك الآخر ثمنها على مراحل، خلال فترة مناسبة يتفق عليها.

خطة البحث
· تعريف المشاركة المتناقصة ومشروعيتها.
· صور المشاركة المتناقصة، والفرق بينها وبين المشاركة الثابتة أو الدائمة.
· الوعد بالتمليك أو الوعد بالتملك، دون المواعدة الملزمة بين الطرفين
· الطرق المتبعة في تناقص ملكية الجهة الممولة تدريجا:
أ‌- التملك لحصة الجهة بمقدار العائد المستحق للمتملك بجعله ثمنا للحصص المشتراة.
ب‌- التملك لأسهم محددة دوريا بعد تقسيم المشاركة إلى أسهم.
ت‌- التملك لحصص غير محددة بحسب إمكان التملك.
· ضوابط تمليك الجهة الممولة حصتها للظرف الآخر مثل:
أ‌- التملك بالقيمة السوقية، لا بأصل المبلغ المقدم للمشاركة، لتجنب ضمان رأس مال المشاركة.
ب‌- التملك بعقد بيع في حينه، لا ببيع مضاف للمستقبل.
ت‌- التصرف في موجودات المشاركة في حال الإخفاق في تناقصها.
ث‌- تحمل أعباء المشاركة لوعاء المشاركة دون أحد الطرفين.

تعريف المشاركة المتناقصة ومشروعيتها
المشاركة من حيث المبدأ: هي من شركات الأموال التي تقوم على الاشتراك أو المتاجرة في رأس المال، بقصد تحقيق الربح، في إقامة بعض المشروعات الزراعية أو الصناعية أو العمرانية أو التجارية ونحوها.
وتنقسم بحسب النشاط الاقتصادي المتفق عليه إلى نوعين: مشاركة ثابتة أو دائمة، ومشاركة متناقصة تنتهي بالتمليك.
والمشاركة المنتهية بالتمليك: هي في عصرنا الحاضر: تنشأ غالبا بين مصرف وشخص طبيعي (إنسان) أو اعتباري (مؤسسة) يمنح فيها الحق لأحد الشريكين بتملك حصة الشريك الآخر إما دفعة واحدة، أو بالتدرج على مراحل أو دفعات، بمقتضى شروط متفق عليها، وبحسب طبيعة العملية أو المشروع، حيث يقوم الشريك (وهو المتعامل مع المصرف) بشراء حصة المصرف بعد مدة معينة. والمشاركة الثابتة- أو الدائمة- هي التي يقصد بها الاستمرار أو البقاء في الشركة إلى حين انتهائها، وهذه هي الحالة القديمة أو الغالبة، وهي تحقق مصلحة الشركاء في عدد من المشاريع بتمويلهم بجزء من رأس المال مقابل اقتسام ناتج المشروع بحسب الاتفاق.
و المشاركة المتناقصة: هي التي يتفق فيها الشريكان على إمكان التنازل من أحد الطرفين عن حصته في المشاركة للطرف الآخر، إما دفعة واحدة أو على دفعات، بحسب شروط متفق عليها.

الفرق بين المشاركة المتناقصة والمشاركة الثابتة أو الدائمة
والفرق بين هذين النوعين ينحصر في شيء واحد هو عنصر الاستمرار، أو الدوام. ففي المشاركة الثابتة أو الدائمة يقصد كل شريك البقاء في الشركة، دون نية الخروج منها، إلا بانتهاء الشركة أو فسخها أو استنفاذ أغراضها.
وأما في المشاركة المتناقصة فيظل كل شريك متمتعا بحقوقه، ملتزما بجميع التزاماته، لكن أحدهما وهو المصرف في الغالب لا يقصد منذ بدء التعاقد البقاء في الشركة إلى وقت انتهائها، وإنما يمنح الحق للشريك الآخر في الحلول محله في ملكية المشروع، في حين أن المصرف في الشركة الدائمة يقصد البقاء في الشركة حتى نهايتها.
وكل من هذين النوعين من المشاركة جائز مشروع في الإسلام، لأنه لا يتصادم مع شيء من أصول الشريعة ونصوصها، وإنما يكون الاتفاق فيهما إعمالا لمبدأ التراضي وحرية التعاقد أو حرية الإرادة، حيث لا يكون في هذا الاتفاق مصادمة مع مقتضى العقد أو نصوص الشريعة أو غاياتها. ومن المعلوم أنه يصح كل شرط في العقد بإجماع الفقهاء ما لم يكن منافيا لمقتضى العقد بحيث يلغيه، وما لم يرد بشأنه نص خاص يمنعه أو يصادم قاعدة عامة قطعية في موضوعه. وأضاف متأخرو الحنابلة أن الشرط الصحيح هو ما لا ينافي مقتضى العقد، سواء أكان يقتضيه أو لا يقتضيه، بأن كان زائدا عليه، وسواء كان مما يلائمه أم لا، ولو كان فيه مصلحة أو منفعة مطلوبة لأحد المتعاقدين، وسواء جرى به العرف أم لا. وفي الجملة: إن الشرط الصحيح عندهم هو ما لم يكن منافيا لمقتضى العقد ولا منافيا للشرع[2].
والشريك حر التصرف في ملكه، لأن الشركة عقد غير لازم ، فله في أي وقت الخروج من الشركة، وله تمليك شريكه حصته دفعة واحدة أو على دفعات.
والوعد الصادر من الشريك بتمليك شريكه حصته في المستقبل لا يمس جوهر التعاقد، بل إن فيه مصلحة للطرفين، ولا يخل بنظام الشركة ومسيرتها، ولا يعكر وجودها إذا قام الشريك الآخر بشراء حصة شريكه كلها أو بعضها في عقود متلاحقة أو متتابعة، فهذا من طبيعة الشركة، فهي إما دائمة، أو مؤقتة، سواء وجد وعد أو لم يوجد. ثم إن اللجوء للشركة المتناقصة يعد طريقا تعاونيا مجديا لحل مشكلة المحتاج لبناء ونحوه مع تفادي الربا.
وصفة هذا العقد: أنه يشتمل على الأوصاف الآتية[3]:
1. كونه شركة عنان، وليس فيه ما يتعارض مع هذه الشركة، ولا ما يخالف نصا شرعيا أو قاعدة شرعية كلية، فهو عقد جائز.
2. وعد من أحد الشريكين وهو المصرف غالبا ببيع حصته للشريك الآخر.
3. بيع الشريك حصته بعقد مستقل عن الشركة أما كليا وإما جزئيا، دفعة واحدة أو على دفعات.
وليس هذا العقد من قبيل بيع الوفاء، لأن هذا بيع يغلب عليه صفة الرهن وأحكامه، والمشتري مالك من جهة؛ وغير مالك من جهة أخرى، أما المصرف في المشاركة المتناقصة، فهو مالك ملكا تاما بصفة الشركة، وله جميع حقوق الشريك، ويلتزم بجميع التزامات الشركة. كل ما في الأمر أنه يتضمن وعدا من المصرف ببيع حصته إذا دفع له الشريك الآخر ثمن الحصة، إما مرة واحدة أو كليا، وإما على مراحل أو مرات متعاقبة.

شروط جواز المشاركة المتناقصة
لا تختلف شروط جواز المشاركة المتناقصة عن شروط المشاركة الدائمة، وقد اشترط مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي ثلاثة شروط لهذه المشاركة وهي:
1. ألا تكون المشاركة المتناقصة مجرد عملية تمويل بقرض، فلا بد من إيجاد الإرادة الفعلية للمشاركة، وتقاسم الربح بحسب الاتفاق، وأن يتحمل جميع الأطراف الخسارة.
2. أن يمتلك المصرف (البنك) حصته في المشاركة ملكا تاما، وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة والتصرف، وفي حالة توكيل الشريك بالعمل؛ يحق للبنك مراقبة الأداء ومتابعته.
3. ألا يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطا يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال، بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح، لما في ذلك من شبهة الربا.

صور المشاركة المتناقصة
للمشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك ويستثمر المصرف أمواله فيها صور ثلاث[4].
الصورة الأولى: هي التي يتفق فيها البنك مع متعامله على تحديد حصة كل منهما في رأس مال المشاركة وشروطها، وهي جائزة شرعا إذا تم بيع حصص البنك إلى المتعامل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل، بحيث يكون للبنك حرية بيع حصصه للمتعامل شريكه أو لغيره، كما يكون للمتعامل الحق في بيع حصته للبنك أو لغيره. وهذا أوضح الصور حيث ينفصل عقد البيع عن عقد الشركة بنحو واضح تماما.
الصورة الثانية: وهي التي يتفق فيها البنك مع متعامله على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق البنك مع الشريك الآخر، لتحصيل البنك حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلا، مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد أو أي قدر منه يتفق عليه، ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل، أي إن هذه الصورة يتم فيها سداد بعض قيمة الحصة من الغلة الناتجة.
الصورة الثالثة: وهي التي يحدد فيها نصيب كل من البنك وشريكه في الشركة في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشيء موضوع المشاركة (عقار مثلا)، ويحصل كل من الشريكين (البنك والشريك المتعامل) على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار.
وللشريك إذا شاء أن يقتني من هذه الأسهم المملوكة للبنك عددا معينا كل سنة، بحيث تكون الأسهم الموجودة في حيازة البنك متناقصة، إلى أن يتم تمليك شريك البنك الأسهم بكاملها، فتصبح له الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر.
وهذه صورة التملك التدريجي لحصة البنك، وهي أكثر الصور انتشارا، فإن الشريك المتعامل يقوم بسداد المصرف ثمن حصته دوريا من العائد الذي يؤول إليه، أو من أية موارد خارجية أخرى، وذلك خلال فترة مناسبة يتفق عليها، وعند انتهاء عملية السداد يتخارج البنك من المشروع، ويتملك بالتالي الشريك المتعامل المشروع الاستثماري كله، محل المشاركة[5].

الوعد بالتمليك أو الوعد بالتملك دون المواعدة الملزمة للطرفين
لا مانع كما تقدم من صدور وعد من المصرف للمتعامل معه في الشركة المتناقصة بتمليك حصته بقيمتها السوقية، وهو وعد أخلاقي وديني من جانب واحد لا ضرر فيه ولا يتنافى مع الشرع أو مقتضى العقد، أما المواعدة الملزمة للطرفين فهي أشبه بتعاقد ضمني يجر الموضوع إلى عقدين في عقد، وهذا منهي عنه، فلا يستساغ اللجوء إليها في الشركة المتناقصة ونحوها، ويكون إنجاز الوعد مشروطا بشرط إبرام البيع بصفة مستقلة لا صلة له بعقد الشركة، ويتم البيع إذا قام المشتري بتسديد قيمة الحصة المشتراة.
وقد أصبح هذا الوعد من جانب واحد معمولا به في حالات مشابهة، منها بيع المرابحة المقترنة بوعد بالشراء من العميل على أن يتم تفادي صورية بعض العقود، وتفريغ العملية من أصولها الشرعية، وتجنب شبهة الإقراض بفائدة، ويظهر ذلك حين الإكثار من هذا التعاقد، أما في حال حسن النية واللجوء إلى هذا العقد أحيانا، فلا مانع منه فقها، عملا بما أقره الإمام الشافعي رحمه الله، مع إعطاء الخيار لأحد الطرفين.
والوعد من جانب واحد ملزم له ديانة، ويحرم الخلف في الوعد، لأن مخالفة الوعد كذب ونفاق، ولقوله تعالى: [أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] (المائدة: 1) وهذا متفق عليه. أما الإلزام بالوعد قضاء فلا يقول به جمهور العلماء.
ومع ذلك نجد بعض المفتين يقول بالإلزام القضائي، منهم بعض الصحابة(ابن عمر، وسمرة بن جندب)، وبعض التابعين (عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري)، وبعض الفقهاء (ابن شبرمة، وإسحاق بن راهويه، وابن الأشوع قاضي الكوفة بعد المائة) وبعض المحدثين (البخاري). وجعل ابن القيم الوعود مع العقود والعهود والشروط الواجب الوفاء بها، وذهب المالكية في المشهور عندهم في باب الإحسان والمعروف، أي التبرعات لا المعاوضات إلي القول بوجوب الوفاء بالوعد والإلزام القضائي به إن صدر بسبب، ودخل الموعود من أجله في نفقة أو كلفة شيء التزمه، ومن قواعد الحنفية: ( المواعيد بصور التعاليق تكون ملزمة ) (م 84 مجلة)[6].
ويستأنس لهذا الاتجاه بقرار مؤتمر المصرف الإسلامي في دبي في جعل الوعد ملزما حيث جاء فيه: (إن ما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخل فيه).
وللقاضي التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، وخلف الوعد معصية، ومن أمارات النفاق العملي، لا العقدي.

الطرق المتبعة في تناقص ملكية الجهة الممولة تدريجا
كل شركة يقصد بها الربح، مع احتمال تعرضها للخسارة، وكل شركة هي عقد غير لازم، يجوز لأحد الشريكين فسخه وإنهاؤه في أي وقت، ولا أرى مانعا شرعيا يمنع المصرف الإسلامي من تمليك حصته للشريك المتعامل معه إما دفعة واحدة، وإما على مراحل، فيتنازل عن ملكيته في رأسمال الشركة إلى الشريك العميل، بحسب الاتفاق الحاصل بينهما، بعد أن حقق المصرف مصلحته، بتقاضي الربح عن المدة الماضية خلال فترة مشاركته، ثم يسترجع ما أسهم به من مال في تكوين رأس مال الشركة.
وتتعدد طرق تناقص ملكية المصرف (الجهة الممولة) كما اتضح سابقا في بيان صور المشاركة المتناقصة، وأشهر هذه الطرق ثلاث:
أ- التملك لحصة الجهة بمقدار العائد المستحق للمتملك بجعله ثمنا للحصص المشتراة:
يتم هذا التملك لبعض ممتلكات الشركة أو بعض أسهمها بين المؤسسة المالية (المصرف) أو أي شخص عادي، وبين الشريك المتعامل، بنحو بطيء، وهو كثيرا ما يحصل، لأن العميل لا يملك مالا، وإنما يملك حصته من الربح أو العائد الناتج، فيشتري به حصة المصرف بمقدار هذا العائد الذي يجعله ثمنا لكل حصة مشتراة على حدة، وهو تملك تدريجي تنقص به ملكية المصرف مثلا، وتزداد ملكية العميل شيئا فشيئا إلى أن يتم تملك جميع حصة المصرف في نهاية الأمر، وهذا يتطلب إبرام عقود بيع وشراء متتابعة أو متلاحقة، تختلف فيه كل صفقة في حجمها عن الأخرى، بحسب ما يتيسر للعميل الشريك من دخل جديد ناجم عن العائد المستحق للمتملك من عوائد الشركة أو أرباحها، ويتحدد الثمن بحسب القيمة السوقية لكل حصة مشتراة.
وحينئذ تتناقص ملكية المصرف، وتزداد ملكية العميل تدريجا، وهو عمل تجاري استثماري مشروع، لأن الشراء يقع على الكثير والقليل مما له قيمة مالية، ولأن أساس البيع هو التراضي، مع اشتراط كون المبيع معلوما والثمن معلوما.

ب- التملك لأسهم محددة دوريا بعد تقسيم المشاركة إلى أسهم:
هذه الطريقة هي الغالبة في عمليات الشركة المتناقصة، لسهولة تحديد المبيعات من الأسهم المملوكة للمصرف البائع ونحوه في كل عقد بيع مستقل، وهي طريقة كسابقتها سائغة شرعا، يتم فيها البيع دوريا لمجموعة من أسهم المشاركة بين الطرفين، ويدفع العميل الشريك ثمن الأسهم المشتراة في كل مرة، فتزداد حصته، وتتناقص أو تجف تدريجا حصة البائع وهو المصرف أو أي شخص عادي آخر.
ويحدث هذا عادة منذ القديم بين الجيران في الدور المتلاصقة وغيرها في غير حالة الاستثمار أو قصد التمويل، وهو تصرف يتناسب مع إمكانات الناس المالية وظروفهم في الماضي، وتسوية المشاركات وتصفيتها مع مرور الزمان في العصر الحاضر.

ج- التملك لحصص غير محددة بحسب أمكان المتملك:
هذا وعد بالتمليك لحصص غير محددة بمقدار معين، وإنما بحسب ملاءة أو قدرة المشتري المتملك، ومثل هذا الوعد جائز، لأنه مجرد عرض للحصة، ويتم تقديرها حينما يتم إبرام العقد، فيتفق الطرفان على تعيين مقدار المبيع، وتحديد القيمة أو الثمن بحسب سعر الشيء في الأسواق، فإذا أبرم العقد، زال الإشكال، ولم يكن هناك أي مانع من الجواز.
أما إذا تم البيع دون تعيين مقدار المبيع أو مع جهالة الثمن، فيكون فاسدا، ويأثم به العاقدان، ويكون الثمن سحتا خبيثا، ويجب نقض هذا البيع.
ويشترط بالاتفاق في حالة تعيين مقدار الحصة المبيعة أن تقدر الحصة بالقيمة السوقية لا بالقيمة الأسمية، جاء في الفتوى (33) من فتاوى هيئة الفتاوى والرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي ما يأتي:
بحثت الهيئة مسألة تقييم الحصص التي تباع للعميل في حالة مشاركة البنك لعملائه في العقارات وغيرها مشاركة متناقصة تنتهي بتمليك العين كاملة لعميل البنك، وهل يتم تقييم تلك الحصص بقيمتها السوقية وقت البيع أو بثمنها المحدد في عقد المشاركة.
وقد رأت الهيئة أن القواعد الشرعية التي تقضي بمنع الغبن وعدم البخس، تمنع الأخذ بالقيمة المحددة في عقد المشاركة ، لأن التغير المستمر في قيم الأشياء بالزيادة أو النقصان، سيؤدي إلى غبن أحد الأطراف المشاركة، وبناء عليه، فإن قيمة الحصة المبيعة للعميل يتم تقويمها بقيمتها الجارية وقت البيع، حسب قوانين العرض والطلب، على أن يتولى التقييم خبير عادل مؤتمن.



--------------------------------------------------------------------------------

[*] إعداد الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة - جامعة دمشق-سوريا

[2] الفقه الإسلامي وأدلته للباحث: 4/ 200؛ الفقه المقارن أ. د. فتحي الدريني، ص 620
[3] المعاملات المالية المعاصرة، د.عثمان شبير، ص 341 وما بعدها
[4] انظر: قرارات وتوصيات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدبي الذي شاركت فيه، فتوى رقم (10)
[5] أدوات الاستثمار الإسلامي- دلة البركة، د. عز الدين خوجة، ص 105
[6] ومن المعلوم أن التفرقة بين الاعتبار الدياني والاعتبار القضائي هو اصطلاح الحنفية فقط دون غيرهم، حيث لا تفرقة بينهما عندهم، وقد أفاض الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) في جعل الوعد الكاذب من آفات اللسان المحرمة شرعا
http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=146&aid=1281
 
التعديل الأخير:
أعلى