العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(النقود والردود) بين الكرماني الشافعي (717هـ - 786هـ) والبابرتي الحنفي (714هـ - 786هـ) ...

إنضم
12 أبريل 2014
المشاركات
102
الجنس
ذكر
الكنية
أبو ياسر
التخصص
فقه شافعي
الدولة
مصر
المدينة
دمياط
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

لقد منَّ الله عليَّ وقمت بتحقيق كتاب (النقود والردود) في أصول الفقه، تأليف شمس الدين الكرماني .
وهذا مبحث من قسم الدراسة لهذا الكتاب
...

الباعث على عقد هذا المبحث:

أولًا: هذا الوهم الذي وقع فيه حاجي خليفة في كتابه «كشف الظنون» (2/1853)، وكذا البغدادي في «هدية العارفين» (2/171).
حيث قال الأول[SUP]([1])[/SUP]: وشرحه أيضًا الشيخ، الإمام، أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي، الحنفي المتوفى سنة (786هـ)، في ثلاث مجلدات وسمَّاه «النقود والردود»؛ لأنه اختار النقل من شروحه السبعة المشهورة، وذكر من شروحه الخفية ثلاثة، فصار كتابه مشتملًا على عشرة شروح.
وذكر فيه أنه اشتغل بعد فراغه من «شرح المواقف»، المسمى بـ«الكواشف البرهانية» بعلم أصول الفقه، وذكر أن خير الكتب «مختصر المنتهى»، وخير شروحه شرح أستاذه عضد الدين؛ إذ هو ملازم على تفسير نصوصه، محققًا لدقائقه، مدققًا لحقائقه، حتى صار كتابه مجموعًا مستحقا لأن يكون على الرأس محمولًا، والعين موضوعًا، وأنه قد وقع إليه من الشروح عشرة أخرى، أشهرها السبعة السيارة، المنسوبات إلى أكابر الفضلاء. ثم ذكرها .

ثم أشار إلى أنه قرأ الشرح المذكور على الشارح العضد، وأنه وإن جُعل فرعًا كان أصلًا أصيلًا، تحتاج ألفاظه إلى حلها، فوجه مطايا فكره إلى توضيحه، جاعلًا إياه مبتدئ الأبحاث، ملحمًا له بما في السَّبعة، بل ربما في الثلاثة، فما وافق الأستاذ، خلَّى سبيله، وما خالفه أشار إليه، رادًّا على قائله، وناقدًا كلامه، جاعلًا شرحًا صحيحًا للكتاب.
وغرضه: تكثير فائدة المناظرات، وتوسيع مجال المباحثات، وتشحيذ الخواطر.

وذكر فيه أكثر ما ذكره القاضي الأرموي في «التحصيل»، واكتفى في أسماء الشُّراح السَّبعة بما اشتهر، وفي الثلاثة الأخر الباقين بـ«قيل»، أو: من الشارحين.
قلت: بعد هذا الكلام الذي آثرت أن أنقله بطوله هل يشك أحد أن هذا الكتاب المسمى بـ«النقود والردود» من تأليف الكرماني، فقد نقل عبارة الكرماني تكاد تكون بنصها من مقدمة كتابه على شرح المختصر.
كما أن من وقف على شرح البابرتي للمختصر فلن يجد هذا الكلام.

وقد أحسن محققا شرح البابرتي حين قالا في دراستهما للكتاب (1/60)[SUP]([2])[/SUP]: ولا يوجد شيء من ذلك في شرح البابرتي، ولعله اشتبه عليه – يقصد حاجي خليفة – وعلى غيره[SUP]([3])[/SUP] مع شرح الكرماني فسموه باسمه.

وربما نلتمس العذر لمن وقع في هذا الوهم من أن الإمامين الكرماني والبابرتي قد تعاصرا في زمن واحد، فقد تقاربا في سنة الميلاد واتفاقا في سنة الوفاة، فالأول ولد سنة (717هـ) وتوفي سنة (786هـ)، والثاني وُلد على اختلاف بين المترجمين ما بين سنة (710هـ) إلى سنة (714هـ)، وتوفي سنة (786هـ)، وإن اختلفا في المذهب الفقهي، فالكرماني شافعي، والبابرتي حنفي.

زد على ذلك أنهما اشتركا في بعض البلدان، فالبابرتي ولد بناحية ببغداد ورحل إلى حلب ونزل القاهرة وأخذ عن شيوخها ومات بها، والكرماني اشتغل بالتدريس ثلاثين سنة ببغداد ودخل الشام، ونزل القاهرة وأخذ عن علمائها، ثم رحل منها إلى بلاد الحرمين ثم مات راجعًا من الحج في طريقه إلى بغداد وبها دفن.
كما أنهما اشتركا في شرح المختصر الأصولي لابن الحاجب، وقد اعتمد البابرتي اعتمادًا كبيرًا على شرح شيخه حيث قال: «ألفت هذا المختصر عجالة بمدة تقرب من أربعة أشهر، ولم يكن في نظري سوى شرح قدوتي وشيخي العلامة شمس الدين الأصفهاني».

كما اعتمد على بعض الشروح الأخرى كشرح الخنجي وغيره دون تصريح منه قائلًا: ومن الشارحين، في حين أن الكرماني جعل شرح الأصفهاني أحد الشروح العشرة التي كانت مادة كتابه، وقد صرح بذكر أسماء سبعة من أصحابها عند النقل منها، وأبهم ثلاثة.

يضاف إلى ما سبق أن زمن تأليف كلٍّ منهما لشرحه ربما يكون متقاربًا، فالكرماني لم يشرع في شرحه – وإن ظل زمنًا مشتغلًا بالمختصر الأصولي لابن الحاجب، وربما صوَّب لشيخه بعض عباراته أثناء درسه ويقره شيخه- إلا بعد وفاة شيخه العضد سنة (756هـ)، حيث انتهى من تأليفه سنة (762هـ)، وكذا لم يشرع البابرتي في شرحه إلا بعد وفاة شيخه بمدة، حيث توفي شيخه الأصفهاني سنة (749هـ).

ولكن ربما يورد سؤال على الأذهان وهو: أيهما أسبق تأليفًا؟ وهل وقف اللاحق منهما على شرح الآخر؟ هذا ما لا أستطيع الجزم به[SUP]([4])[/SUP]، فهذا يحتاج إلى جهد علمي آخر من مقارنة نصوص الكتابين، وخاصة ما أبهماه من قولهما: ومن الشارحين، على عادة غالب الأقران من إبهام من وافقه في شرح كتاب[SUP]([5])[/SUP].
لذا فمن المحتمل أن يتصرف أحد النُّساخ الذين عاصروا زمن الإمامين الكرماني والبابرتي فالتبس عليه أمر الشرحين – وهذا وارد ومعروف عند أهل الفن – فنسخ شرح الكرماني وكتب على طرته أنه شرح البابرتي، أو العكس[SUP]([6])[/SUP].

ثانيًا: من البواعث أن الكتاب صدر عن مكتبة الرشد باسم «الردود والنقود»، مما يوقع القارئ وطالب العلم في حيرة، ويتبادر إلى ذهنه ما الفرق بينهما؟ وهل هما واحد؟ أم أحدهما اختصار للآخر؟[SUP]([7])[/SUP] أم هذا وهم وقع من المحقق أو من الناشر؟

رغم أن شرح البابرتي صدر باسم «الردود والنقود»، وشرح الكرماني باسم «النقود والردود» فبين الاسمين تقديم وتأخير.
والذي أفادنا إياه الدكتور العمري ووافقه عليه الدكتور الدوسري في دراستهما لشرح البابرتي[SUP]([8])[/SUP] أن البابرتي لم يذكر اسمًا معينًا لشرحه على المختصر، وأن المترجمين اختلفوا في تسمية الكتاب على النحو التالي:
1- منهم من ذكره باسم «شرح مختصر ابن الحاجب»، وهذا الذي عليه الأكثر. ثم ذكر في حاشية الكتاب أسماء من ذكروا هذا الاسم، أمثال ابن قطلوبغا في«تاج التراجم» (277)، والسيوطي في«بغية الوعاة» (1/239)، وفي «حسن المحاضرة» (1/471)، وابن العماد في«شذرات الذهب» (6/239)، والزركلي في «الأعلام» (7/42)، والمراغي في «الفتح المبين» (2/201).
2- ومنهم من ذكره باسم «النقود والردود». ثم ذكر في حاشيته أسماء من ترجموا بهذا الاسم، أمثال ابن حجر في «الدرر الكامنة» (5/18)، وحاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/1854)، والبغدادي في «هدية العارفين» (6/171).
3- وجاء في فهرسة أصول الفقه الذي أعده مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى باسم «شرح مختصر ابن الحاجب الردود والنقود».
ثم قال: وهذه الأسماء يصدق كل منها على هذا الكتاب، ثم ردَّ القول الثاني وخطَّأ من قال ذلك، واتفق معي في أنه عَلمٌ على شرح الكرماني، وقد أحسن في ذلك فجزاه الله خيرًا من صحة نسبة العلم لأهله.

ولكن بيت القصيد ما انتهى إليه اجتهاده وهو قوله: والذي يظهر لي أن الأولى في تسميته ما ذكر في فهرس أصول الفقه- المذكور سابقًا – وهو «شرح مختصر ابن الحاجب الردود والنقود»؛ لأن فيه جمعًا بين القولين الآخرين، والله أعلم!!

وهذا الذي ذهب إليه بأنه أَولى خلاف الأَولى، وكان الأحرى أن يصدر الكتاب باسم «شرح مختصر ابن الحاجب» دون زيادة؛ وذلك لما يأتي:

أولًا: أن المؤلف نفسه لم يذكر اسمًا معينًا لشرحه، وقد أوضح المحقق ذلك، وذكر لفظ البابرتي في مقدمة شرحه (1/88): وها أنا كشفت عن ساعدي نقد للمختصر.

ثانيًا: أن كل من ترجم له لم يذكر هذا الاسم منسوبًا له بل الأكثر –كما قال- على مسمى «شرح مختصر ابن الحاجب»، إلا ما كان من الحافظ وحاجي خليفة والبغدادي، وقد اتفقنا على أن هذا وَهْمٌ منهم رحمهم الله تعالى، والتمسنا لهم العذر ودللنا على ذلك.

ثالثًا: أنه لم يرد ذكره في غير مظان ترجمة البابرتي، كما حدث مع الكرماني، فلم يذكر اسم شرحه الذي أطلقه إلا السخاوي في مواضع ثلاثة من كتابه «الضوء اللامع»، وقد سبقت الإشارة إليها.

رابعًا: مما قد يفيد في ذلك الدراسة الداخلية للنص، فلم يشر البابرتي لاسم كتابه في ثنايا أبوابه ومسائله، وقد نقل المحقق تصريح البابرتي ببعض كتبه التي ألفها، ولو ذكره لصرح بذلك.

خامسًا: لم يُنقل عن أحد من تلامذة البابرتي هذا المسمى، ولم يصرح به أحد من الأحناف لا في كتبهم الأصولية فضلًا عن الفقهية[SUP]([9])[/SUP].

سادسًا: أنه اعتمد في التسمية على فهرسة أصول الفقه بمركز الجامعة !! ومع كونها نسخة فريدة وحيدة لا ثاني لها وهي التي اعتمدها فقط في تحقيق الكتاب، فلم يأخذ في حسبانه ما توصل إليه من حقائق علمية قد سبق أن أشرت إليها وزدت عليها، بل اعتمد فقط على مجرد الاسم المذكور، وكم في فهارس المخطوطات من الطامات التي جرَّها علينا المفهرسون !

ولا نذهب بالقارئ بعيدًا فأمامنا في كتابنا هذا خير مثال، فقد وهم كلٌّ من حاجي خليفة والبغدادي ومن قبلهما الحافظ فأطلقوا على شرح البابرتي مسمى «النقود والردود»، وكذا ما وجد على طرة النُّسخة «ك» المعتمدة في التحقيق، وقد أشرت إليها آنفًا.

أخيرًا: أن إطلاقه هذا الاسم وإن زعم أنه أولى إلا أنه يتعارض مع ما صرح به نفسه من أن «النقود والردود» اسم لشرح الكرماني[SUP]([10])[/SUP]، حتى وإن كان بين الاسمين تقديم وتأخير، إلا أنه أحدث لبسًا بين الشرحين كنا في غنى عنه، هذا والله تعالى أعلى وأعلم.
* * *​


([1]) وقال الثاني في ترجمة البابرتي: وله من التصانيف ... النقود والردود في شرح منتهى السؤل والأمل لابن الحاجب !!

([2]) صدر شرح البابرتي عن مكتبة الرشد في مجلدين، المجلد الأول بتحقيق الدكتور/ ضيف الله العمري، والثاني بتحقيق الدكتور/ ترحيب الدوسري، ط1 سنة (1426هـ - 2005م).

([3]) نسبه له أيضًا بهذا الاسم الحافظ ابن حجر في «الدرر الكامنة» (4/250).

([4]) وإن كان غرض كلٍّ منهما من الشرح مختلف، فربما يكون هذا أحد الأسباب التي تنفي وقوف أحدهما على شرح الآخر.

([5]) ربما نتصدى لهذا الأمر لاحقًا، أو يقيض الله له من يفعل ذلك.

([6]) وهذه إحدى النُّسخ التي اعتمدتها في تحقيق شرح الكرماني، ورمزت لها بالرمز «ك»، كتب على طرتها: للعلامة أكمل الدين البابرتي الحنفي المتوفى سنة (786)، وهو شرح «مختصر المنتهى» للإمام ابن الحاجب المتوفى سنة (646)، جعله مشتملًا على مباحث عشرة شروح..= = للمختصر المذكور.

([7]) فإن شرح البابرتي صدر في مجلدين، وكتابنا هذا صدر في 7 مجلدات.

([8]) انظر: شرح البابرتي بتحقيقهما (1/59- 60).

([9]) قال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار (1/25-26) في تعريفه بالبابرتي: وشرح مختصر ابن الحاجب.

([10]) خاصة من نظر إلى غلاف الكتاب يتوهم لأول وهلة أن «الردود والنقود» اسم للكتاب سماه به صاحبه، وأن «شرح مختصر ابن الحاجب» بيان وتوضيح له.
 
إنضم
12 أبريل 2014
المشاركات
102
الجنس
ذكر
الكنية
أبو ياسر
التخصص
فقه شافعي
الدولة
مصر
المدينة
دمياط
المذهب الفقهي
شافعي
رد: (النقود والردود) بين الكرماني الشافعي (717هـ - 786هـ) والبابرتي الحنفي (714هـ - 786هـ) ...

هذا الرابط فيه إعلان عن صدور الكتاب .....

https://feqhweb.com/vb/threads/.24825
 
أعلى