العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الواجب تجاه النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
الواجب تجاه النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

المحتويات:
أولاً: محبة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وتعظيمه.
ثانياً: طاعة النَّبيِّ
-صلَّى الله عليه وسلَّم- والاقتداء به.
ثالثاً: تحكيم شريعته
-صلَّى الله عليه وسلَّم- في مختلف مجالات الحياة.
رابعاً: الصَّلاة والسَّلام على النَّبيِّ
-صلَّى الله عليه وسلَّم-.
خامساً: النَّهي عن الغلوِّ في النَّبيِّ
-صلَّى الله عليه وسلَّم-.


الخلاصة:

المصطلحات:
تفاعل مع ما قرأت:
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
المقدِّمة:

محبَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمرٌ واجبٌ على كلِّ مسلم، وما من مسلم إِلَّا وهو يُحبُّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ إذ لا نجاة إِلَّا بمعرفته ومعرفة ما جاء به؛ والإيمان به وبما جاء به أحد أصول الدِّين الثَّلاثة، التي يجب على كلِّ مسلم ومسلمة معرفتها، وهي: معرفة الله -عزَّ وجلَّ-، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ الذي اقتران معرفته بمعرفة الله -جلَّ وعلا-، ومعرفة الدِّين الذي من أجله خُلق النَّاس، وفي هذا أعظم بيان لمكانته -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ ولهذا قرنت الشَّهادة له بالرِّسالة بالشَّهادة لله -عزَّ وجلَّ- بالألوهيَّة؛ إذ لا يصحُّ دينٌ إِلَّا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأَنَّ محمَّداً رسول الله، وهذه الشَّهادة للنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالرِّسالة أحد شقَّي الرُّكن الأوَّل من أركان الإسلام؛ ففي الصَّحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ...» ([1]).



([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/11)، كتاب: الإيمان، باب: قول النَّبي e: «بني الإسلام على خمس»، برقم (8)، ومسلم (1/45)،
كتاب: الإيمان، باب: قول النَّبي e: «بني الإسلام على خمس»، برقم (20).
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
وقد قرن اللهُ -سبحانه وتعالى- طاعة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بطاعته؛ فقال -عزَّ وجلَّ-: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النِّساء:80]، وربط حصول الهداية باتبِّاعه وطاعته؛ حيث قال -سبحانه وتعالى-: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف:158]، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النـُّـور:54]، فطاعة الرَّسول واتباعه -صلَّى الله عليه وسلَّم- هي السَّبب الموصل لمحبة الله -سبحانه وتعالى- لعبده؛ كما قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31].
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
وقد اهتمَّ علماء الإسلام قديمًا وحديثًا بالتَّصنيف في سيرة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وشمائله، سواء بذكرها مبثوثة في كتب السُّنَّة في ثنايا الأبواب والكتب التي أفردوها للحديث عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أو بالتَّصانيف المفردة بخصوصها.

ومن أشهر المؤلَّفات التي أفردت الحديث في شمائل الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-:


  • الشَّمائل المحمَّديَّة، للإمام الحافظ محمد بن عيسى التِّرمذيّ (المتوفى سنة:279هـ).
  • الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (المتوفى سنة:544هـ).
  • شمائل الرَّسُول، للحافظُ إسماعيل بن عمر ابن كثير (المتوفى سنة:774هـ).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
ومن أشمل الكتب التي صُنِّفت مستوعبةً للشَّمائلِ والآدابِ والفقهِ والمغازيِ، بمزج في غاية الإحكام والانسجام، الكتاب الشَّهير: (زاد المعاد في هدي خير العباد)؛ للإمام محمد بن أبي بكر ابن قَيِّم الجوزيَّة (المتوفى سنة:751هـ).
وقد اعتنى فيه بصحَّة الدَّليل، وحسن الإيراد والتَّعليل، وهو من أجلِّ الكتب وأجمعها في بابها؛ وينصح بقراءته، واقتنائه؛ لعظيم فائدته.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
أوَّلاً: وجوب محبة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وتعظيمه:

على المسلم أوَّلاً محبَّة الله -عزَّ وجلَّ-، وهي من أعظم أنواع العبادة، كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ) [البقرة:١٦٥]؛ لأَنَّه هو الرَّبُّ المتفضِّل على عباده بجميع النِّعم الظَّاهرة والباطنة، ثمَّ بعد محبة الله -سبحانه وتعالى- تجب محبَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ لأَنَّه هو الذي دعا إلى الله، وعرَّف به، وبلَّغ شريعته، وبيَّن أحكامها، فما حصل للمؤمنين من خير في الدنيا والآخرة فعلى يد هذا الرسول الأمين -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولا يدخل أحد الجنَّة إِلاَّ بطاعته واتباعه، وفي الحديث المتَّفق على صحَّته: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ -عزَّ وجلَّ-، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ»([1]).



([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/13)، كتاب: الإيمان، باب: من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان، برقم: (21)، ومسلم (1/66)، كتاب: الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، برقم: (67).
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
فمحبة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- تابعة لمحبَّة الله تعالى، لازمة لها، وتليها في المرتبة، وقد جاء بخصوص محبته -صلَّى الله عليه وسلَّم- ووجوب تقديمها على محبَّة كلِّ محبوب سوى الله تعالى قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»([1])، بل ورد أَنَّه يجب على المؤمن أن يكون الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحبَّ إليه من نفسه؛ كما في الحديث الصَّحيح أَنَّ بعض الصَّحابة كانوا مع النَّبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «الآنَ يَا عُمَرُ»([2]).

ففي هذا الحديث أَنَّ محبَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- واجبة ومقدَّمة على محبَّة كلِّ شيء سوى محبَّة الله -عزَّ وجلَّ-، فإِنَّ محبَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- تابعة لها؛ لأَنَّها محبَّة في الله ولأجله، تزيد بزيادة محبَّة الله في قلب المؤمن وتنقص بنقصها، وكلُّ من كان محبَّاً لله فإِنَّما يحبُّ في الله ولأجله.

قال العلاَّمة ابن القيِّم -رحمه الله-: (وكلُّ محبَّة وتعظيم للبشر فَإِنَّمَا تجوز تبعاً لمحبَّة الله وتعظيمه؛ كمحبَّة رَسُوله وتعظيمه؛ فَإِنَّهَا من تَمام محبَّة مُرْسِلِه وتعظيمه؛ فَإِنَّ أُمَّته يحبُّونه لحبِّ الله لَهُ، ويعظِّمونه ويجلُّونه لإجلال الله لَهُ؛ فَهِيَ محبَّة لله من مُوجبَات محبَّة الله)([3]).



([1]) أخرجه مسلم (1/67)، كتاب: الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله e أكثر من الأهل والولد، والوالد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة، برقم: (70).
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/13)، (8/129)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي e، برقم: (6632).
([3]) جلاء الأفهام (ص:187).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
مقتضيات محبَّته -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

ومحبَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- تقتضي تعظيمه وتوقيره واتِّباعه، وتقديم قوله على قول كلِّ أحد من الخلق، وتعظيم سنَّته، وقد ألقى الله على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- المهابة والمحبَّة؛ ولهذا لم يكن بشر أحبَّ إلى بشر، ولا أَهْيَبَ ولا أَجَلَّ في صدره من رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في صدور أصحابه رضي الله عنهم.

قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- يصف حاله مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد إسلامه: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مِنِّي، وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟»، قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟»، قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟»؛ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ»([1]).

وقد قال عروة بن مسعود -رضي الله عنه- لقريش في قصة الحُدَيْبِيَةِ: «أَيْ قَوْمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ»([2]).




([1]) أخرجه مسلم (1/112)، كتاب: الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، برقم: (192).
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (3/195)، كتاب: الشُّروط، باب: الشُّروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشُّروط، برقم: (2731).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
ثانياً: طاعة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- والاقتداء به:

تجب طاعة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، وهذا من مقتضى شهادة أَنَّه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-.


الأدلَّة على وجوب طاعته -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بطاعته في آيات كثيرة، تارةً مقرونة مع طاعة الله كما في قوله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [النساء:٥٩]، وأمثالها من الآيات.

وتارةً يأمر بها منفردة، كما في قوله تعالى: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:٨٠]، وقوله تعالى: (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور:٥٦].

وتارةً يتوعَّد من عصى رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:٦٣]، أي: تصيبهم فتنة في قلوبهم؛ من كفر، أو نفاق، أو بدعة، أو عذاب أليم في الدُّنيا؛ بقتل، أو حَدٍّ، أو حبس، أو غير ذلك من العقوبات العاجلة، وقد جعل الله طاعته واتِّباعه سبباً لنيل محبَّة الله للعبد، ومغفرة ذنوبه، قال الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:٣١].

وجعل طاعته هداية، ومعصيته ضلالاً، كما قال تعالى: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور:٥٤]، وقال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:٥٠].
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
التَّأسِّي به -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

أخبر الله -سبحانه وتعالى- أَنَّ في رسوله محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- القدوة الحسنة لأمَّته؛ إذ قال -عزَّ وجلَّ-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:٢١].

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: (هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التَّأسِّي برسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر النَّاس بالتَّأسِّي بالنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه -عزَّ وجلَّ-، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدِّين) ([1]).



([1]) تفسير ابن كثير ت سلامة (6/391).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
شدَّة الحاجة إلى معرفة سنَّته -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

ذكر الله -عزَّ وجلَّ- طاعة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- واتِّباعه في نحو أربعين موضعاً من القرآن، فالنُّفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به واتِّباعه منها إلى الطَّعام والشَّراب؛ فإِنَّ الطَّعام والشَّراب إذا فات الحصول عليهما حصل الموت في الدُّنيا، وطاعة الرُّسول واتِّباعه إذا فاتا حصل العذاب والشَّقاء الدَّائم، وقد أمر -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالاقتداء به في أداء العبادات، وأن تؤدَّى على الكيفيَّة التي كان يؤدِّيها عليها.
فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
«وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»([1]).
وقال: النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يومَ النَّحْرِ:
«لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»([2]).
وقال:
«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»([3]).
وقال:
«فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»([4])، إلى غير ذلك من النُّصوص التي فيها الأمر بالاقتداء بالنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، والنَّهي عن مخالفته.



([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/128)، كتاب: الأذان، باب الأذان للمسافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: الصلاة في الرحال، في الليلة الباردة أو المطيرة، برقم: (631).
([2]) أخرجه مسلم (2/943)، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم «لتأخذوا مناسككم»، برقم: (1297).
([3]) أخرجه مسلم (3/1343)، كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم: (1718).
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه (7/2)، كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، (5063).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
ثالثاً: تحكيم شريعته -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مختلف مجالات الحياة([1]).

خلق الله -سبحانه وتعالى- الجن والإنس لعبادته؛ فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، قال: كنت رِدْفَ النَّبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على حمار يقال له عُفَيْرٌ، قال: فقال: «يَا مُعَاذُ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، قال: قلتُ: يا رسول الله، أفلا أُبَشِّرُ الناس، قال: «لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا»([2]).

والعبادة: اسم جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الظَّاهرة والباطنة. كما عرَّفها شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-.

وهذا يدلُّ على أَنَّ العبادة تقتضي: الانقياد التَّام لله تعالى، أمرًا ونهيًا واعتقادًا، وقولًا وعملًا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحلُّ ما أحلَّ الله، ويحرِّم ما حرَّم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرُّفاته كلها لشرع الله، متجرِّدًا من حظوظ نفسه، ونوازع هواه، ويستوي في هذا الفرد والجماعة، والرجل والمرأة، فلا يكون عابدًا لله من خضع لربِّه في بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكِّده قول الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65] وقوله -سبحانه وتعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

فلا يتمُّ إيمان العبد إِلَّا إذا آمن بالله، ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كلِّ شأن من شؤونه، في الأنفس والأموال والأعراض، وإِلَّا كان عابدًا لغيره، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36] فمن خضع لله سبحانه وأطاعه، وتحاكم إلى وحيه؛ فهو العابد له؛ كما قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء:60].
وفي الحديث عن عَدِيِّ بْنِ حَاتِم الطَّائي -رضي الله عنه-، قال: أتيت النَّبِيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، قال: فسمعته يقول:
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة:31]، قال: قلتُ: يا رسول الله، إِنَّهم لم يكونوا يعبدونهم، قال: «أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللهُ، فَيَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللهُ، فَيُحَرِّمُونَهُ؛ فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ»([3]).

ومعنى هذا: أَنَّ العبد يجب عليه الانقياد التَّام لقول الله تعالى، وقول رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدِّين بالضرورة. والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأَنَّ محمدًا عبده ورسوله.

ولهذا كان من مقتضى رحمته وحكمته -سبحانه وتعالى- أن يكون التَّحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ فهو سبحانه الحكيم العليم اللَّطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولَّى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشؤون الحياة؛ ليتحقَّق لهم العدل والخير والسَّعادة، بل والرِّضا والاطمئنان النَّفسي، والرَّاحة القلبيَّة، ذلك أَنَّ العبد إذا علم أَنَّ الحكم الصَّادر في قضيَّة يخاصم فيها هو حكم الله الخالق العليم الخبير، قَبِلَ ورضي وسلَّم، وحتَّى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أَنَّ الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإِنَّه لا يرضى ويستمرُّ في المطالبة والمخاصمة، ولذلك لا ينقطع النِّزاع، ويدوم الخلاف، وقد بيَّن الله -سبحانه وتعالى- الطَّريق العام الذي يتحقَّق به العدل في أتمِّ بيان وأوضحه بقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء:58-59].

والآية وإن كان فيها التَّوجيه العامُّ للحاكم والمحكوم والرَّاعي والرَّعيَّة، فإِنَّ فيها مع ذلك أمرٌ للقضاة بأن يحكموا بالعدل، وأمرٌ للمؤمنين أن يقبلوا ذلك الحكم الذي هو مقتضى ما شرعه الله -سبحانه وتعالى-، وأنزله على رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأن يردُّوا الأمر إلى الله ورسوله في حال التَّنازع والاختلاف.



([1]) ينظر: مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (1/72) بتصرُّف.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (4/29)، كتاب: الجهاد والسِّيَر، باب: اسم الفرس والحمار، برقم: (2856)، ومسلم (1/58)، كتاب: الإيمان، باب: من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكٍّ فيه دخل الجنَّة وَحُرِّمَ على النار، برقم: (30).
([3]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/198)، كتاب: آداب القاضي، باب: ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي، فإنه غير جائز له أن يقلد أحدا من أهل دهره، ولا أن يحكم أو يفتي بالاستحسان، برقم (20350)، وصحَّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/861)، برقم: (3293).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رابعاً: الصَّلاة والسَّلام على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

مشروعيتها:
من حقوق النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على أُمَّته الصلاة والسلام عليه؛ كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:٥٦].

معناها:
أَمَّا معنى صلاة الله تعالى على نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: فهو ثناؤه عليه عند الملائكة الكرام.
وأَمَّا صلاة الملائكة: فهو الدعاء له، وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية عن منزلة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عنده في الملا الأعلى؛ وذلك أَنَّه يثنى عليه عند الملائكة المقربين، وأَنَّ الملائكة تصلِّي عليه.
ثم أمر الله -سبحانه وتعالى- أهل العالم السُّفلي بالصَّلاة والتَّسليم عليه؛ وبهذا يجتمع للنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- الثناء عليه من أهل العالم العلوي والسُّفلي.

ومعنى قول الله تعالى: (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا أي: حيُّوه بتحيَّة الإسلام؛ فـإذا صلَّى أحدكم على النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فليجمع له في دعائه بين الصَّلاة والتَّسليم، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول: صلَّى الله عليه فقط، ولا يقول عليه السَّلام فقط، بل يجمع بينهما؛ لأن الله تعالى أمر بهما جميعاً.
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
مواطنها:

تشرع الصَّلاة والسَّلام على النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- دائماً، وتتأكَّد شرعيَّتها في مواضع، إِمَّا وجوباً، وإِمَّا استحباباً مؤكدَّاً.
وذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: «جلاء الأفهام» قريباً من أربعين موطناً([1])، بدأها بقوله: الموطن الأول: وهو أهمُّها وآكدها في الصَّلاة في آخر التَّشهُّد، وقد أجمع المسلمون على مشروعيَّته، واختلفوا في وجوبه فيها.

ثم ذكر من المواطن: آخر القنوت، وفي الخطب؛ كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وبعد إجابة المؤذِّن، وعند الدُّعاء، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند ذكر النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ وقد قال بعض أهل العلم بوجوب الصًّلاة والسَّلام النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عند ذكره؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: واستدلوا بقوله: «البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»([2]).



([1]) ينظر: جلاء الأفهام (ص:327) وما بعدها.
([2]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/258)، برقم: (1736)، وإسناده قوي، رجاله ثقات رجال الصحيح.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
فوائد الصَّلاة والسَّلام على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

للصَّلاة والسَّلام على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ثمرات يلمسها المسلم في حياته، ويجد أثرها بعد مماته؛ لقول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ»([1]).

ومن هذه الثَّمرات:

  • امتثال أمر الله -سبحانه وتعالى- بالصَّلاة والسَّلام على النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
  • حصول عشر صلوات من الله على المصلِّي مرَّة واحدة.
  • رجاء إجابة الدُّعاء إذا قدَّمها أمامه.
  • أَنَّها سببٌ لغفران الذُّنوب.
  • أَنَّها سبب لشفاعة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا قرنها بسؤال الله الوسيلة له عند إجابة المؤذن.
  • أَنَّها سببٌ لردِّ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على المصلِّي والمسلِّم عليه.


([1]) أخرجه مسلم (1/288)، كتاب: الصلاة، باب: باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي e ثم يسأل له الوسيلة، برقم: (384).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
خامساً: النَّهي عن الغلوِّ في النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

الغلو: تجاوز الحد، يقال غلا غلوَّاً إذا تجاوز الحدَّ في القدر؛ قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) [النساء:١٧١]، أي لا تجاوزوا الحد.
والمراد بالغلو في حق النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: مجاوزة الحدِّ في قدره؛ وذلك بأن يرفع فوق مرتبة العبوديَّة والرِّسالة، ويجعل له شيءٌ من خصائص الإلهيَّة، فيستغاث به من دون الله، ويدعى، ويرجى، ويحلف به من دون الله.

والإطراء: مجاوزة الحدِّ في المدح والكذب فيه.
والمراد بالإطراء في حقه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أن يزاد في مدحه.

فقد نهى النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن ذلك بقوله:
«لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ»([1]). أي: لا تمدحوني بالباطل، ولا تجاوزوا الحدَّ في مدحي، كما غلت النَّصارى في عيسى -عليه السَّلام- فادَّعوا فيه الألوهية، وإِنَّما فلتكن صفتي بما وصفني به ربي؛ فقولوا عبد الله ورسوله.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أَنَّ رجلاً قال: يَا مُحَمَّدُ، يَا سَيِّدَنَا، وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا، وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ، عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ»([2]).

فقد كره النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يُمدح بهذه الألفاظ: «يَا سَيِّدَنَا، وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا، وَابْنَ خَيْرِنَا»، مع أنه أفضل الخلق وأشرفهم على الإطلاق، لكنه نهى عن ذلك ابتعاداً بالأمَّة عن الغلوِّ والإطراء في حقِّه؛ حمايةً للتَّوحيد، وأرشد إلى أن يوصف بصفتين هما أعلى مراتب العبد، وليس فيهما غلوٌّ ولا خطر على العقيدة، وهما: عبد الله ورسوله، ولم يحب أن يرفعوه فوق ما أنزله الله -عزَّ وجلَّ- من المنزلة التي رضيها له.

وما نهى عنه النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- من الإطراء الذي يحصل به الغلوِّ فيه قد وقع من بعض النَّاس، فصاروا يدعونه، ويستغيثون به، ويحلفون به، ويطلبون منه ما لا يطلب إِلاَّ من الله -سبحانه وتعالى-، كما يُفعل في الموالد، والقصائد والأناشيد، ولا يميِّزون بين حقِّ الله -سبحانه وتعالى-، وحقِّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-.



([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (4/167)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها} [مريم:16]، برقم: (3445).
([2]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (20/23)، برقم: (12551)، وإسناده صحيح، على شرط مسلم.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
بيان منزلة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

للنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- المنزلة الرَّفيعة التي يُمدح بها، وذلك بما مدحه الله -عزَّ وجلَّ- به، وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- له المنزلة التي فضَّله بها على الخلق أجمعين، فله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المنزلة العالية التي أنزله الله فيها، فهو عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وأفضل الخلق على الإطلاق، وهو رسول الله إلى النَّاس كافة، وإلى جميع الثَّقلين الجنِّ والإنس، وهو أفضل الرُّسل، وخاتم النَّبيين، فلا نبي بعده.

وقد شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، وجعل الذِّلَّة والصَّغار على من خالف أمره، وهو صاحب المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه: (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:٧٩]، أي: المقام الذي يقيمه الله فيه للشَّفاعة للنَّاس يوم القيامة؛ ليريحهم ربُّهم من شدَّة الموقف، وهو مقام خاصٌّ به -صلَّى الله عليه وسلَّم- دون غيره من النَّبيِّين.

وهو أخشى الخلق لله، وأتقاهم له، وقد نهى الله عن رفع الصَّوت بحضرته -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأثنى على الذين يغضُّون أصواتهم عنده؛ حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [الحجرات:٢-٥].

فهذه آياتٌ أدَّب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- من التَّوقير والاحترام، والتَّبجيل والإعظام، وأن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فوق صوته، ونهى -سبحانه وتعالى- أن يدعى الرسول باسمه كما يدعى سائر النَّاس، فيقال: يا محمد، وإِنَّما يُدعى بالرِّسالة والنُّبوَّة فيقال: يا رسول الله، يا نبيَّ الله، كما قال تعالى: (لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا) [النور:٦٣] ([1]).

كما أَنَّ الله سبحانه يناديه بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)، وقد صلَّى الله وملائكته عليه، عباده بالصَّلاة والتَّسليم عليه فقال -عزَّ وجلَّ-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:٥٦]، لكن لا يُخصَّصٌ لمدح النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقتٌ ولا كيفيَّة معـينة إِلَّا بدليل صحيح من الكتاب والسُّنَّة؛ إذ إِنَّ ما يفعله أصحاب الموالد من تخصيص اليوم الذي يزعمون أَنَّه يوم مولده لمدحه من البدع المنكرة.




([1]) ينظر: تفسير ابن كثير (7/364)، بتصرُّف يسير.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
تعظيم سنة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

من تعظيم النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- تعظيم سنَّته، واعتقاد وجوب العمل بها؛ لأَنَّها وحي من الله تعالى، كما قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) [النجم:٣-٤]، فلا يجوز التَّشكيك فيها، ولا التَّقليل من شأنها، ولا الجراءة عليها، بتصحيح أو تضعيف، أو شرح أو قدح، لأَنَّ عِلْم الحديث عِلمٌ دقيقٌ، يختصُّ به الرَّاسخون في العلم، المتأهِّبون لتناوله طيلة حياتهم بالدَّرس والمدارسة، والاشتغال بممارسته روايةً ودرايةً، والتثبُّت فيه حتَّى التَّمكُّن منه، والتَّأهُّل له.

وقد كثر في هذا الزَّمان تطاول الجُهَّال على سنَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، خصوصاً من بعض النَّاشئة، الذين لا يزالون في المراحل الأولى من التَّعليم، فصاروا يصحِّحون ويضعِّفون الأحاديث، ويجرحون الرُّواة بغير علم، إِلَّا ما كان من قراءة عابرة لبعض الكتب من غير تبحُّرٍ في هذا الفنِّ العزيز، بل يصدرون عن ما يكتبه الطَّاعنون في السُّنَّة من المستشرقين، ومن انساق وراءهم من غير فهم دقيق، ولا تثبُّت عميق؛ وذلك أثر ملموس مع انفتاح آلة التَّواصل الرَّقمي، وهو خطر عظيم عليهم، وجناية على الأمَّة؛ حيث ينتصبون لأمرٍ هم أدنى من أن يقوموا له.

وإِنَّما أبرز هذه المقولات سهولة التَّواصل عبر التَّقنيات الحديثة، وساعد انتشارها على التَّأثير في رسوخ أصول الدِّين وقِيَمه لدى البعض، فيجب عليهم أن يتقوا الله، ويقفوا عند حدوده، وأن يُحذَّر من مغبَّة مسلكهم، أو السِّماع لهم، ممّا يوقع العامَّة في الفتنة بأقوالهم، والانسياق وراء مقولاتهم؛ وهذا يؤثِّر في الإعراض عن شريعة الله، ويوقع في الغفلة والحيرة المريرة!

ونختم بشاهد من دلائل نبوَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- التي تتجدًّد في كلِّ مِصْرٍ وعصر؛ بغية إقصاء السُّنَّة النَّبويَّة عن العمل بها، أو أن تكون مصدرًا من مصادر التَّشريع؛ حيث قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ»([1]).

وفي هذا الحديث ردٌ بليغ على منكري السُّنَّة النَّبويَّة المطهَّرة؛ وقد قال الله -عزَّ وجلَّ- في شأنها: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النَّحل:٤٤]، وقال -عزَّ من قائلٍ عليمًا-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) [النجم:٣-٤].



([1]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (28/410)، برقم: (17174)، وإسناده صحيح.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
الخلاصة:

  • أَنَّ محبَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- تابعة لمحبَّة الله تعالى، وهي واجبة ومقدَّمة على محبَّة كلِّ شيء سوى محبَّة الله تعالى.
  • محبَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- تقتضي تعظيمه وتوقيره واتِّباعه، وتقديم قوله على قول كلِّ أحد من الخلق، وتعظيم سنَّته.
  • مقتضى شهادة أَنَّه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: طاعته فيما أمر به، وترك ما نهى عنه.
  • النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- هو القدوة الحسنة لأمته؛ قال تعالى: ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:٢١].
  • لا يتمُّ إيمان العبد إِلَّا إذا رضي بحكم الله في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كلِّ شأن من شؤونه، وإِلَّا كان عابدًا لغيره.
  • من تمام رحمة الله -عزَّ وجلَّ- بعباده أَنَّه تولَّى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشؤون الحياة؛ ليتحقَّق لهم العدل والسَّعادة، والرِّضا والاطمئنان النَّفسي.
  • من حقوق النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على أُمَّته الصَّلاة والسَّلام عليه؛ وتتأكَّد شرعيَّتها في مواضع.
  • النَّهي عن الغلوِّ في النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ورفعه فوق منزلة العبوديَّة والرِّسالة.
  • من تعظيم النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- تعظيم سنَّته، واعتقاد وجوب العمل بها؛ لأَنَّها وحي من الله تعالى.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
المصطلحات:

  • العبادة: اسمٌ جامع لكلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الظَّاهرة والباطنة.
  • الغلوُّ: تجاوز الحدِّ، والغلوُّ في حقِّ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مجاوزة الحدِّ في قدره؛ وذلك بأن يرفع فوق مرتبة العبوديَّة والرِّسالة، ويجعل له شيءٌ من خصائص الإلهيَّة.
  • الإطراء: مجاوزة الحدِّ في المدح والكذب فيه، والمراد بالإطراء في حقِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أن يزاد في مدحه.
 
أعلى