د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الوسطية في ضوء القرآن الكريم
د/ ناصر العمر
وقد ورد لفظ (الصّراط المستقيم)، في القرآن الكريم عشرات المرَّات، وجاء - أيضًا - بلفظ {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } (النساء: من الآية 68) و { صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } (الأعراف: من الآية 16) و { صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 153) ونحو ذلك.د/ ناصر العمر
ففي سورة الفاتحة نجد قوله - تعالى -: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } (الفاتحة:6) ثم يفسّره بأنه: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } (الفاتحة:7).
وفي البقرة جاء قوله - تعالى-: { يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (البقرة: من الآية 142). وجاء بعد هذه الآية مباشرة: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (البقرة: من الآية 143). وسيأتي بيان العلاقة بين هاتين الآيتين. وعيسى ، عليه السلام، في سورة آل عمران يقول لقومه: { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } (آل عمران:51).
ونجد أن سورة الأنعام من أكثر السّور التي ورد فيها الحديث عن الصّراط المستقيم: { مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 39) { وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 87) { وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 126) { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } (الأنعام: من الآية 153) { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 161) وفي سورة إبراهيم سمَّاه صراط العزيز الحميد. { لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (إبراهيم: من الآية 1) وفي طه، وصفه بالسّويّ، فقال: { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى } (طه: من الآية 135) وفي الحجّ أضافه للحميد فقال: { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } (الحج:24) وفي المؤمنون عرَّفه دون وصف أو إضافة: { وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } (المؤمنون:74) وفي مريم يقول إبراهيم، عليه السلام، لأبيه: { فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا } (مريم: من الآية 43) ويقول الله في سورة الأنعام: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } (الأنعام: من الآية 153).
هذه بعض الآيات التي وردت في "الصّراط" فما معناه؟:
قال الطبري : في قوله - تعالى-: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } (الفاتحة:6).
أجمعت الأمَّة من أهل التَّأويل جميعًا على أنَّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وكذلك في لغة جميع العرب
قال - تعالى -: { وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 87) قال مجاهد : وسدَّدناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوجّ، وذلك دين الله الذي لا عِوَجَ فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه ربّنا لأنبيائه، وأمر به عباده.
وفي قوله - تعالى -: { وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 126) قال الطبري : هو صراط ربك - يقول: طريق ربّك، ودينه الذي ارتضاه لنفسه دينًا، وجعله مستقيمًا لا اعوجاج فيه.
وفي قوله - تعالى -: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } (الأنعام: من الآية 153) قال الطبري : هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده، { مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 153) يعني قويمًا لا اعوجاج به عن الحق.
وفي قوله - تعالى -: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 161) قال الطبري : يقول: قل لهم: إنَّني أرشدني ربي إلى الطّريق القويم، هو دين الله الذي ابتعثه به، وذلك الحنيفيَّة المسلمة، فوفّقني له.
وفي سورة الأعراف: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } (الأعراف:16) قال الطبري : يقول: لأجلسنَّ لبني آدم صراطك المستقيم، يعني طريقك القويم، وذلك دين الله الحقّ، وهو الإسلام وشرائعه.
ونقل نحو ذلك عن مجاهد .
وفي قوله - تعالى - في سورة مريم: { فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا } (مريم: من الآية 43) قال الطبري : يقول: أبصِّرك هدي الطّريق المستوي الذي لا تضلّ فيه إن لزمته، وهو دين الله الذي لا اعوجاج فيه (4)
وفي قوله - تعالى -: { وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } (المؤمنون:74) قال الطبري : يقول عن محجّة الطّريق، وقصد السّبيل، وذلك دين الله الذي ارتضاه لعباده العادلون.
وبهذا يتَّضح أن معنى الصّراط في جميع هذه الآيات معنًى واحدًا، وإن اختلفت العبارة والسّياق.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: « كنَّا عند النبي، صلى الله عليه وسلم فخطَّ خطًّا وخطَّ خطين عن يمينه، وخطَّ خطَّين عن يساره، ثم وضع يده على الخطَّ الأوسط، فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }»
وبالتأمّل فيما سبق يتَّضح لنا ما يلي:
1- أنَّ الصّراط المستقيم: يمثل قمَّة الوسطيَّة وذروة سنامها وأعلى درجاتها، وآيتا الفاتحة والبقرة حجَّة قاطعة في ذلك.
2- أن الوسطيَّة تعني الخيريَّة، سواء أكانت خير الخيرين أو خيرًا بين شرّين أو خيرًا بين أمرين متفاوتين، وقد سبق تفصيل ذلك.
3- أنَّ المقياس لتحديد الخيريَّة هو الشرع، وليس هوى النَّاس أو ما تعارفوا عليه أو ألفوه، فإنَّ مفهوم الوسطيَّة عند كثير من الناس تعني التّنازل أو التَّساهل بل والمداهنة أحيانًا، حيث يختارون الأمر بين الخير والشرّ وهو إلى الشرّ أقرب في حقيقته ومآله، وهم يحسبون أنَّهم يحسنون صنعًا.
4- أنَّ هناك عوامل كثيرة، وأصولا معتبرة تجب مراعاتها عند تحديد مفهوم الوسطيَّة وتطبيقها على أمر من الأمور، حيث إن قصر النظر على أمر دون آخر يؤدّي إلى خلاف ذلك ومجانية للصّواب.