العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الوسطية في ضوء القرآن الكريم

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الوسطية في ضوء القرآن الكريم
د/ ناصر العمر
وقد ورد لفظ (الصّراط المستقيم)، في القرآن الكريم عشرات المرَّات، وجاء - أيضًا - بلفظ {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } (النساء: من الآية 68) و { صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } (الأعراف: من الآية 16) و { صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 153) ونحو ذلك.
ففي سورة الفاتحة نجد قوله - تعالى -: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } (الفاتحة:6) ثم يفسّره بأنه: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } (الفاتحة:7).
وفي البقرة جاء قوله - تعالى-: { يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (البقرة: من الآية 142). وجاء بعد هذه الآية مباشرة: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (البقرة: من الآية 143). وسيأتي بيان العلاقة بين هاتين الآيتين. وعيسى ، عليه السلام، في سورة آل عمران يقول لقومه: { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } (آل عمران:51).
ونجد أن سورة الأنعام من أكثر السّور التي ورد فيها الحديث عن الصّراط المستقيم: { مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 39) { وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 87) { وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 126) { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } (الأنعام: من الآية 153) { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 161) وفي سورة إبراهيم سمَّاه صراط العزيز الحميد. { لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (إبراهيم: من الآية 1) وفي طه، وصفه بالسّويّ، فقال: { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى } (طه: من الآية 135) وفي الحجّ أضافه للحميد فقال: { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } (الحج:24) وفي المؤمنون عرَّفه دون وصف أو إضافة: { وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } (المؤمنون:74) وفي مريم يقول إبراهيم، عليه السلام، لأبيه: { فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا } (مريم: من الآية 43) ويقول الله في سورة الأنعام: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } (الأنعام: من الآية 153).
هذه بعض الآيات التي وردت في "الصّراط" فما معناه؟:
قال الطبري : في قوله - تعالى-: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } (الفاتحة:6).
أجمعت الأمَّة من أهل التَّأويل جميعًا على أنَّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وكذلك في لغة جميع العرب
قال - تعالى -: { وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 87) قال مجاهد : وسدَّدناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوجّ، وذلك دين الله الذي لا عِوَجَ فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه ربّنا لأنبيائه، وأمر به عباده.
وفي قوله - تعالى -: { وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 126) قال الطبري : هو صراط ربك - يقول: طريق ربّك، ودينه الذي ارتضاه لنفسه دينًا، وجعله مستقيمًا لا اعوجاج فيه.
وفي قوله - تعالى -: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } (الأنعام: من الآية 153) قال الطبري : هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده، { مُسْتَقِيمًا } (الأنعام: من الآية 153) يعني قويمًا لا اعوجاج به عن الحق.
وفي قوله - تعالى -: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: من الآية 161) قال الطبري : يقول: قل لهم: إنَّني أرشدني ربي إلى الطّريق القويم، هو دين الله الذي ابتعثه به، وذلك الحنيفيَّة المسلمة، فوفّقني له.
وفي سورة الأعراف: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } (الأعراف:16) قال الطبري : يقول: لأجلسنَّ لبني آدم صراطك المستقيم، يعني طريقك القويم، وذلك دين الله الحقّ، وهو الإسلام وشرائعه.
ونقل نحو ذلك عن مجاهد .
وفي قوله - تعالى - في سورة مريم: { فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا } (مريم: من الآية 43) قال الطبري : يقول: أبصِّرك هدي الطّريق المستوي الذي لا تضلّ فيه إن لزمته، وهو دين الله الذي لا اعوجاج فيه (4)
وفي قوله - تعالى -: { وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } (المؤمنون:74) قال الطبري : يقول عن محجّة الطّريق، وقصد السّبيل، وذلك دين الله الذي ارتضاه لعباده العادلون.
وبهذا يتَّضح أن معنى الصّراط في جميع هذه الآيات معنًى واحدًا، وإن اختلفت العبارة والسّياق.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: « كنَّا عند النبي، صلى الله عليه وسلم فخطَّ خطًّا وخطَّ خطين عن يمينه، وخطَّ خطَّين عن يساره، ثم وضع يده على الخطَّ الأوسط، فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }»
وبالتأمّل فيما سبق يتَّضح لنا ما يلي:
1- أنَّ الصّراط المستقيم: يمثل قمَّة الوسطيَّة وذروة سنامها وأعلى درجاتها، وآيتا الفاتحة والبقرة حجَّة قاطعة في ذلك.
2- أن الوسطيَّة تعني الخيريَّة، سواء أكانت خير الخيرين أو خيرًا بين شرّين أو خيرًا بين أمرين متفاوتين، وقد سبق تفصيل ذلك.
3- أنَّ المقياس لتحديد الخيريَّة هو الشرع، وليس هوى النَّاس أو ما تعارفوا عليه أو ألفوه، فإنَّ مفهوم الوسطيَّة عند كثير من الناس تعني التّنازل أو التَّساهل بل والمداهنة أحيانًا، حيث يختارون الأمر بين الخير والشرّ وهو إلى الشرّ أقرب في حقيقته ومآله، وهم يحسبون أنَّهم يحسنون صنعًا.
4- أنَّ هناك عوامل كثيرة، وأصولا معتبرة تجب مراعاتها عند تحديد مفهوم الوسطيَّة وتطبيقها على أمر من الأمور، حيث إن قصر النظر على أمر دون آخر يؤدّي إلى خلاف ذلك ومجانية للصّواب.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: الوسطية في ضوء القرآن الكريم

الكتاب:
الوسطية في ضوء القرآن الكريم
المؤلف: ناصر بن سليمان العمر













































 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: الوسطية في ضوء القرآن الكريم

قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط، فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة، وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفاهم، كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى.
وفي باب الطهارة والمطاعم، لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، ولا يطهرهم الماء من النجاسات، وقد حرمت عليهم الطيبات، عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا، ولا يحرمون شيئا، بل أباحوا ما دب ودرج.
بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها.
ووهبهم الله من العلم والحلم، والعدل والإحسان، ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا { أُمَّةً وَسَطًا } [كاملين] ليكونوا { شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط، يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان، ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول، فهو مقبول، وما شهدت له بالرد، فهو مردود. فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم، والحال أن كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين، لوجود التهمة فأما إذا انتفت التهمة، وحصلت العدالة التامة، كما في هذه الأمة، فإنما المقصود، الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك، العلم والعدل، وهما موجودان في هذه الأمة، فقبل قولها.
فإن شك شاك في فضلها، وطلب مزكيا لها، فهو أكمل الخلق، نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال تعالى: { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } .
ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم، أنه إذا كان يوم القيامة، وسأل الله المرسلين عن تبليغهم، والأمم المكذبة عن ذلك، وأنكروا أن الأنبياء بلغتهم، استشهدت الأنبياء بهذه الأمة، وزكاها نبيها.
وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة، حجة قاطعة، وأنهم معصومون عن الخطأ، لإطلاق قوله: { وَسَطًا } فلو قدر اتفاقهم على الخطأ، لم يكونوا وسطا، إلا في بعض الأمور، ولقوله: { ولتكونوا شهداء على الناس } يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها معصومة في ذلك. وفيها اشتراط العدالة في الحكم، والشهادة، والفتيا، ونحو ذلك.
 
أعلى